الحلقة الرابعة – 4 رمضان 1432 هـ
(الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (75) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (76))
د. مساعد: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله. وقد كنا وقفنا عند قول الله سبحانه وتعالى (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) ذكرنا قضية في اللقاء الماضي نؤكد عليها أن قضية القتل في بني آدم صارت قضية ثابتة بمعنى أن الناس يتقاتلون سواء وجد إسلام أو لم يوجد إسلام، ما دامت هذه القضية موجودة فإذن المسألة في وصف الإسلام أنه دين قتل أو دين إرهاب فهذا إنما هو من صنيعة الغرب الكافر وإلا لو كان هناك دراسة عادلة للنظر في قضية الجهاد في الاسلام وآثار الجهاد سواء كانت الآثار من جهة عدد القتلى أو من جهة الآثار المحمودة وكذلك النظر في آثار الغرب الكافر أو الشرق الكافر وما يقوم به من قتل والآثار التي تحصل عنه فأنا على يقين أن الاسلام سيتفوق على الجميع في هذه القضية والسبب أن الاسلام مرتبط بشرع الله سبحانه وتعالى وله حدود ينتهي عندها ولهذا من مبادئ الاسلام في الجهاد أن لا يجهز على جريح، النساء لا يجوز قتلهن، الأطفال لا يجوز قتلهم، وكبار السن والراهب في صومعته والشيخ الكبير، هذه كلها قوانين توجد في الاسلام ولا توجد عند الغرب الكافر ولا عند الشرق الكافر لكن مع الأسف بسبب ضعفنا العام صار توجه إلينا هذه السهام ولسنا في مجال الهجوم أو على الأقل أن نكون نحن في المقدمة. عندنا في قوله (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ) فعبّر بلفظ المضارع (يقاتلون) وهذا فيه إشارة أنهم يفعلون ذلك يعني الأمر متجدد مرة بعد مرة لا يكاد يتوقف ولذلك لا يعرف أن القتال توقف أبداً وإنما هو مستمر في البشرية فاختر أحد الفريقين إما أن تكون من أهل الله أو تكون من أهل الشيطان.
د. الشهري: يمكن في هذه الآية أن نشير إلى الروح المعنوية بصفة عامة. الآن أي جيش يقاتل في العالم لا بد أن يعبأ الجنود معنوياً بحيث يصبرون ويقاتلون بروح معنوية عالية ويدافعون عن شيء يستحق الدفاع عنه. الإسلام كما ذكر سبحانه وتعالى في هذه الآيات (يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ) (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ) (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) المعنويات ترفع بهذا الوعد الأخروي في الإسلام أنك أفضل ما تعد به الجندي الذي يقاتل في سبيل الله الجنة، لا يعادل ذلك أن تعده بأن ترقيه في رتبته العسكرية أو أن تعطيه مالاً أو منصباً كل هذه ليست هذه التي تدفع الجندي المسلم للقتال في المعركة وفي الجيوش الاسلامية كان القادة يحرصون أن يذكروهم بالله قبل بدء المعركة وتقرأ سورة الأنفال لهم ويبين لهم ما أعده الله للمقاتل في سبيله من الفضل ومن الأجر في الآخرة. (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ) وأنت عندما تقرأ هذه الآية تستحضر كل ما ذكره الله سبحانه وتعالى للمقاتل في سبيله. ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول أن المجاهد في سبيل يتمنى أن يعود فيقتل في سبيل الله ثم يعود فيقتل في سبيل الله لما يرى من الأجر، هذه واحدة. فكم أثر هذا الأمر في رفع معنويات المسلم؟. بعض الجيوش الاسلامية يعاني أفراد الجيش من إحباط شديد جداً جداً في الروح المعنوية لأنهم يرون قادتهم يرفعون رايات عميّة جاهلية لا تمت إلى الاسلام بصلة ولا إلى الدين ولا إلى الآخرة وإنما مصالح دنيوية وخيانات هنا وهناك. بالمقابل عندما يقول الله سبحانه وتعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ) الجيوش الغربية الجيش الأميركي، الجيش الروسي التي تقاتل في طول العالم وعرضه وخاضت معارك طويلة عريضة ما هي الأمور التي يثبتون بها جنودهم؟ حتى هم أنفسهم يحاولون أن يجعلوا من هذه المطالب التي يقاتل لأجلها الجيش مكالب عادلة ويحاولون أن يستصدروا ما يسمونه بالقرارات الشرعية الدولية وهي في حقيقتها استعباد للشعوب ونهب لثرواتهم وظلم وبغي وعدوان كما قال الله (فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ) لا خيار آخر إما في سبيل الله أو في سبيل الطاغوت فما لم تكن النية خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى وإلا فهي مباشرة في سبيل الطاغوت.
د. الخضيري: ما يؤكد كلامك هو أنهم يبحثون بالفعل عن شيء يثبتون به جنودهم القضايا التي حدثت في أميركا يقال أنه من أعظم أسبابها هو أن توجد فزّاعة للشعب الأميركي من أجل أن يبقى مقاوماً لأنه لا يوجد شيء الآن يدفع الأميركي أن يقاتل في أي جزء من أجزاء العالم أو يحافظ على ثرواته ومكتسباته القديمة فيقال له انتبه إن لم تفعل ما نحن قائمون به وإلا وصلك الشر إلى بلدك انظر ماذا فعل أعداؤك بك جاؤوا وضربوا برجي التجارة العالميين وفعلوا الأفاعيل من أجل أن يكون هناك قضية. في السابق هذه الروح المعنوية أصبحت منهارة ليس لها وجود، الأميركان ينادون بكل قوة أنه علينا أن ننكفئ على أنفسنا ونصلح بلادنا ونخفض التكاليف ونيسر المعيشة، اسرائيل تقوم وتقعد ليست مشكلتنا لماذا ننفق عليها المليارات كل عام؟! يؤتى بمثل هذه الفزاعات. المسلم ليس بحاجة لهذا قضيته كريمة وعادلة وفي غاية النبل وليس لها قضية تعلق بقائد أو مصلحة شخصية أو بأرض أو مال أو غيره. هذه الآية تشير إلى معنى جميل جداً وهو تقوية المؤمنين في قتالهم أنتم تقاتلون في سبيل الله، إذن معكم الله يكفي هذا، أما أولئك يقاتولن في سبيل الطاغوت، من معهم؟ إبليس، ما هو حال إبليس؟ قال (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) هذا الشيطان الذي يؤزهم على قتال المؤمنين سيخذلهم في حال الشدة بينما أنتم يا من تقاتاون في سبيل الله الله ينصركم في حال الشدة ويكون معهم ولذلك قال (فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ) ما عندهم إلا خواء، ما عندهم روح معنوية عالية ما عندهم ولي ينصرهم ويتولاهم. إذن فقاتلوا أولياء الشيطان واعلموا أن كيد الشيطان ضعيف ليس ككيد الله عز وجل في نصرة أوليائه. انظر إليهم في بدر وستمر بنا هذه القصة في سورة الأنفال (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)) كيد الشيطان بالفعل ضعيف.
د. مساعد: من ناحية الألفاظ ابتدأ فقال (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ) (فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ) خالف بين الوصفين فكأن الشيطان هو سبب لكل طغيان، أصل لكل طغيان وهو المقصود في قوله (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ) أي في سبيل الشيطان. قوله (فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) أظهر في مقام الاضمار تبشيعاً لهذا الولي. جملة (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) جملة مستقلة وقاعدة قرآنية. وهنا يرد سؤال كيف قال الله سبحانه وتعالى في سورة يوسف (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)) في النسوة وهنا قال (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)؟ كل واحدة لها مساقها والجهة منفكة ولذلك قد يقع بعض المفسرين في مثل هذه الاشكالية فيظن أن بينهما نوع من الاختلاف يحتاج إلى حل والصواب أنه لا علاقة لهذه بتلك. أولاً في قوله (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) هو قول العزيز لكن الله سبحانه وتعالى أقره فما دام أقرّه فهو صحيح بذاته لكن هذا كيد النساء إنما هو بالنسبة للرجال. لكن هنا قال إن كيد الشيطان كان ضعيفاً دائماً في مقابل كيد الله سبحانه وتعالى. فإذن الجهة منفكة وإلا فالنساء جزء من كيد الشيطان لكن ليس هذا مقامه. ولهذا ننبه أنه أحياناً بعض المفسرين يظن أن بين الآيتين اتفاق من وجه فيحتاج أن يبين الفرق من وجه آخر وليس بين الآيتين أي اتفاق ولكل واحدة مساقها. مثلما ذكروا في قصة موسى عليه السلام وفي قصة يوسف عليه السلام، قال في قصة يوسف (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا (22) يوسف) وفي موسى عليه السلام (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا (14) القصص) فيبحثون ما السر في زيادة (استوى) ولم يزدها في يوسف؟ أنا عندي أن السؤال هذا فيه إشكال كأنك تقول إن يوسف فيه معنى استوى وهذا ليس صواباً لأنه يوسف لا علاقة له بالاستواء وإنما الصواب أن نقول ما فائدة ذكر استوى في قصة موسى عليه السلام؟ لأننا إذا وازنا بهذه الطريقة كأننا نقول أن يوسف فيه وصف الاستواء لكنه لم يُذكر وهذا نوع من التطاول على الله سبحانه وتعالى نوع من القول على الله بغير علم. الصواب أن يقال ما فائدة ذكر الاستواء في موسى عليه السلام منفرداً عن قصة يوسف عليه السلام. واضح جداً بعدها قال (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا (15) القصص) فبين لنا الله سبحانه وتعالى زاد في موسى الاستواء لأنه بحاجة له في دعوته أما يوسف عليه السلام فليس بحاجة للإستواء ولا يلزم أن يكون فيه هذا الوصف الذي في موسى عليه السلام.
د. الشهري: استوى بمعنى كمال الخلقة
د. الخضيري: إسمح لي أن أخالفك يا أبا عبد الملك. في قوله (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يوسف) حتى لو قلنا بأن الجهة متحدة فهناك فرق بينهما لأن الله سبحانه وتعالى قد رد كيد الشيطان إلى الوسوسة، الشيطان بذاته لا يستطيع أن يصنع لنا شيئاً نمكّن منه إلا الوسوسة هذا الوحي الذي يلقيه في قلب الانسان من أجل أن يصرفه عن الخير أو يدله على الشر، هذا منتهى كيده. ولهذا الصحابة لما جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشتكون يقولون إن أحدنا لتحدثه نفسه بما يهم أن يخرّ من السماء أو يكون حمامة ولا يتكلم به قال أوقد وجدتموه؟ الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة. يعني ما عند إبليس إلا أن يوسوس. المرأة إذا أرادت أن تكيد للرجل فإن عندها شيء غير الوسوسة عندها شيء أعظم أن تتبدله وتتغنج وتتحسن حتى تكيد له وتوقعه في حبائلها ولذلك يتخذها الشيطان بالوسوسة أحد حبائله للإنسان لأنه قد لا يقدر على الإنسان بوسوسته يأتي بها كحُبّالة لهذا الإنسان. فمن هذه الجهة إذا أردت أن تقارن بينهما تجد أنه بالفعل كيد المرأة إذا كادت أعظم من كيد الشيطان. ولذلك قال (ومن شر النفاثات في العقد) إذا قلنا إن النفاثات هنّ السواحر لماذا جعل ذلك فيهن؟ لأن هذا من كيدهن ويكثر فيهن.
د. مساعد: هذا ملحظ أيضاً جيد. لما قال (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) سبق أن نبهنا على هذا النظم (كان) كثرة ورود الفعل (كان) يعني كان ولا يزال وليس كان وانتهى، هذه مسلوبة الزمان وهذه من خصائص (كان)
د. الخضيري: قبل قليل ذكر الدكتور عبد الرحمن “قواعد قرآنية” أخونا الدكتور عمر بن عبد الله المقبل له كتاب سماه قواعد قرآنية هو في الحقيقة كان حلقات إذاعية قدّمها واختار فيها مثل هذه الآيات التي فيها صبغة الشمول والعموم والتي تصلح أن تكون مقطوعة عما قبلها وما بعدها وهي فكرة أظن لو جمعت سبق أن سمعتها منك أبا عبد الملك في ما سميته توقيعات قرآنية أو نقول قواعد قرآنية وهي تلك الكلمات
د. الشهري: إن الله على كل شيء قدير، إن الله بكل شيء عليم، إن كيد الشيطان كان ضعيفاً،
د. مساعد: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
د. الخضيري: ويمكن أن تصنف فيقال قواعد قرآنية في الاجتماع في السياسة في العبادة في التوحيد
د. الشهري: ولا يفلح الساحر حيث أتى، هذه قاعدة مضطردة.
د. مساعد: لو أن المسلم وهو يقرأ القرآن يتملى بهذه القواعد وتكون دائماً نصب عينيه وهو ينظر في الحياة سيتغير عنده شيء كثير في حياته وتتفكك أمامه رموز كثيرة في الحياة التي يشاهدها. انقطاع المسلم عن القرآن وانقطاعه عن التدبر في القرآن هو أحد أسباب الاشكالات والوهم والتخوف أو أيضاً حتى الوصول إلى بعض الآراء الغريبة جداً فيما يلاحظه في المجتمع الذي يعيشه سواء المجتمع المسلم أو الكافر الخلط الحاصل هذا نور الله من اعتمده وانطلق منه فإن الأمور أمامه سبحان الله يكون كأنه إنسان واقف فوق عمارة وينظر إلى كل شيء بوضوح تام
د. الشهري: الذي يعين على هذا كثرة قراءة كتاب الله والتدبر فيه ولذلك الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة والسلف والجميع كانوا يجعلون لهم ورد يومي حتى يكون القرآن الكريم على ذكر منهم ويصبح لهم منهاج حياة كلما أراد أن يقدم على عمل تذكر آية تذكر موقف تذكر قصة فإما أحجم أو أقدم
د. الخضيري: لذلك قال (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) ق)
د. الشهري: لكن الهجران الذي يعيشه المسلمون اليوم للقرآن الكريم حتى من علية القوم وبعض المثقفين يقول أذكر أن في القرآن الكريم شيء يشير إلى هذا، أذكر آية معناها كذا، القرآن غائب عنه لا يستحضره!
د. الخضيري: تعرفون قصة الشيخ المنيع عندما تناقش مع أحد الذين يحملون الأفكار الليبرالية قال لما طال النقاش واحتدم ورأيت أنه لا فائدة من النقاش قلت له أنا عندي لك خيار قال ما هو؟ قلت إقرأ القرآن من أوله إلى آخره بروح متجردة وهذا شيك بعشرة آلآف ريال إذا ختمت القرآن، قال قبلت، يقول فأخذ الشيك وراح وقرأ. وفي نهاية الأسبوع قال جاءني الرجل ومعه شيك بعشرين ألف فقال جزاك الله عني خيراً يا شيخ، أول مرة أعرف القرآن قرأته من أوله إلى آخره والرجل هو مسلم لكنه تشرب كتب هؤلاء المأفونين من هؤلاء المساكين ولا يقرأ كتاب الله. لذلك أقول من أعظم الحلول في مناقشة هؤلاء أن تسأل واحدهم كيف حالك مع القرآن. هل قرأن القرآن؟ فيقول الحمد لله أنا أسمع. لا، أنا أريد أن تقرأ القرآن قرآءة واعية متجردة ليس فيها لف ولا دوران وستنظر ما هو الشيء
د. مساعد: القرآن فيه قوارع وهداية وبعض الآيات كان لها تأثيراً عملياً انتقل المسلم من جانب الفهم لهذا المعنى والتأثر النفسي إلى العمل مثل ما يذكر قصة توبة الفضيل بن عياض لما كان لصاً لما قفز إلى بيت أحد العُباد عندما سمعه يقرأ (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ (16) الحديد) مثل هذه الاية وأمثالها التي كان لها أثر إيجابي عملي لو جمعت هذه القصص لأنها مفيدة جداً ودافع للتدبر ودافع لقراءة القرآن لأن بعض الناس لا يعرف القيمة الكبرى لهذا الكنز العظيم الذي أنزله الله سبحانه وتعالى علينا لا يعرف القيمة الكبرى التي لو تأمل ونظر ورجع إلى الوراء هذا الكلام كلام من؟ من الذي تكلم به على الحقيقة؟ هو الله سبحانه وتعالى، شرّفنا نحن بأن نقرأ كلامه سبحانه وتعالى الذي تكلم به وسمعه جبريل ونزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم وتلاه محمد صلى الله عليه وسلم على الصحابة ووصل إلينا كما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم لم يتغير منه حرف واحد. فإذن هذا الكتاب كتاب هداية لكن نحن غبنا عن هذا الكتاب. نحن الآن نستنبط بعض المعاني ونسترشد بعض الاسترشادات كلها داخل هذا الإطار. نرجع إلى الآية (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) التي خرجنا منها بهذه الفائدة في قضية هذه القاعدة القرآنية بأننا حينما نأتي إلى أي أمر ونحس فيه للشيطان نصيب نقرأ هذه الآية، انظر ما هو تأثير هذه الآية عليك في الارتداع عن كثير من الباطل أو عن كثير من اللهو والفساد.
د. الخضيري: في هذا المقام أحد الأخوة الدعاة قبل سنتين ذهب للدعوة في افريقيا هو أفريقي أصلاً قال كنا ذهبنا إلى قرية فيها ساحر طاغوت يقتل الناس من يخرج عن طاعته يقتله بسحره قال لما علم الناس أننا سنأتي إلى قريتهم بعض عقلائهم جاؤوا إلينا قالوا نحن نحبكم ونريد لكم الخير وهذا الطاغوت لا يدع أحد من شره ولو علم بكم قد يعتدي عليكم ونكون قد خسرناكم فرأفة بحالكم ورفقاً بكم نرجو أن لا تدخلوا قريتنا يقول لي هذا الأخ وقد صور ما حدث بالفيديو رأيته بنفسي صور أحداث القصة فقلت لهم هذا الساحر ماذا يفعل؟ قالوا يفعل كذا وكذا قلت لهم (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) طه) (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) نحن إن شاء الله سنغلبه، قالوا هذا الرجل ما ترك فينا شيئاً قتل خيارنا وابناءنا وفعل بنا الأفاعيل أنتم ما تعرفون هذا الرجل قلنا عندنا كتاب الله نستطيع أن ندمغ باطل هذا الساحر بما عندنا، فلما جئنا اجتمع الناس بدأنا نتحدث جاء السحر ورأيت صورته هو أسود البشرة قد لطخ وجهه بشيء من التراب ليبدو أبشع ما يكون، موحش ومعه رفيقاه فجلس في ناحية وصار يستعرض سحره وبدأ يهمهم والصورة مركزة عليه والإخوة واقفين يتكلمون مع الناس جلسوا ساعة ونصف وهو يحاول ما استطاع يقول لي الأخ قلت لمن معي جميعاً اقرأوا آية الكرسي والله عز وجل سيدفع شره بها فما استطاع وفي النهاية بدأ يصوّت ويحاول ما استطاع! المهم بعد هذا قام وقال أنا أول مرة يخيبني أصحابي فيها قال أنتم ماذا فعلتم؟ قلنا نحن عندنا كتاب الله تعال اسمع كتاب الله لا جنّ وولا شياطين ولا سحر يمكن، فجاء واستمع وقال أنا أريد أن أسلم ودخل الإسلام وحسُن إسلامه فأهل القرية تعجبوا قالوا ماذا فعلتم؟ قلت نحن عندنا كتاب الله، عندنا شيء من السماء من الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يغلبه شيء، هذا ليس عنده شيء، نحن نقرأ آية الجن والشياطين يفهمون هذه المنطقة كلها يقول كانت سبباً في إسلام الناس، كيف استطاع هؤلاء أن يكفوا شر الطاغوت؟! (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)
د. الشهري: هذه قصة مكررة من قصة سحرة فرعون تلاحظون أن السحرة قبل دخول تلك التجربة كانوا أشد الناس عداوة لموسى وطغياناً وكانوا يقولون (إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) الشعراء) (أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) الشعراء) فلما رأوا الحقيقة كانوا هم أول من آمن بموسى (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) طه) الشاهد أنهم لما رأوا الحقيقة مثل هذا الساحر وكان هذا سبباً في إسلام الناس كما كان إسلام السحرة في عصر موسى سبباً في إسلام الناس وكقصة الغلام مع الساحر والملك
د. الخضيري: في قصة سحرة موسى يقولون لموسى من طغيانهم (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) طه) تعبيرات الطغيان والكفر والخيلاء ثم صاروا أول من آمن سبحان الله!
د. الشهري: هذا أثر من آثار الايمان “وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب”
د. مساعد: في قوله (فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ) ننبه مرة بعد مرة لأنها مهمة جداً، من الآمر؟ الله سبحانه وتعالى. فأي اعتراض أو استدراك أو المحاولات التي ذكرناها في جهاد الدفع نقول أن هذه كلها تخالف هذا الأمر والتفاف على النص فالله سبحانه وتعالى أمرنا أن نقاتل ابتداء لكن ليس هذا القتال ظلماً وإنما لإيصال دعوة الحق إلى الناس فمن وقف في طريقها فإنه يقاتل، الإسلام انتشر في أرجاء المعمورة والناس كانوا في هدوء وأمن وسلام لم يقع من الشرور والظلم إلا بسبب مدافعة الكفار خاصة الغرب لأنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الحرب ستكون معهم إلى قيام الساعة. ولاحظ أن اليهود في طيلة فترة الدولة الإسلامية خلال القرون الماضية لم تقم أي حرب بين المسلمين واليهود وإنما كانت الحروب كلها مع النصارى من ذوي الديانات، الآن فقط وهي حالة استثنائية هناك نوع من الحرب بين المسلمين واليهود ونوع من المسالمة مع الغرب والنصارى ولكن هذه الأمور لن تطول لا بد أن تتبدل ولا شك من يظن أن الأمور ستبقى كما هي هذا لا شك عنده قصور في النظر. ولذا نحب أن ينتبه المسلم إلى قضية مهمة جداً وهي أن الحضارة المعاصرة اليوم هي حضارة استثنائية وليست أصلاً ونجد أن بعض المسلمين وهو يناقش كثيراً من قضايا الإسلام يجعل هذه الحضارة أصلاً كأن القرآن إنما نزل من أجل هذه الحضارة فقط فيتناسى ما كان سابقاً ولا يتوقع ما سيكون مستقبلاً فما الذي يضمن أن الحياة ستبقى كما هي؟ فتبني أنت مفاهيم القرآن ومفاهيم الاسلام وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحضارة الطارئة وأنت لا تعرف ماذا سيكون بعد ولهذا القضية مهمة جداً أن ينتبه لها لأنه يقع فيها خلل كبير جداً في التصور وليس هذا مجال الحديث عنها وإنما من باب التنبيه.
ننتقل للآية التي بعدها (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً)
د. الخضيري: هذه الآية أشارت إلى مراحل الجهاد والجهاد كجملة من الشرائع مر بمراحل وذلك لما فيه من الكره ولما فيه من الثقل ومن ذهاب الأنفس والأموال والبأس لم يجعله الله رحمة للمؤمنين شيئاً واحداً ففي أول الاسلام كان محرماً وهو في العهد المكي ثم بعد ذلك أنزل الله (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الحج) ثم أنزل بعد ذلك (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ (190) البقرة) يعني من يقاتلكم فقط ثم لما استتب الأمر للمسلمين وغلبوا على دولة الكفر أمر الله عز وجل بمقاتلة الكفار (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ (5) التوبة) مر بأربع مراحل وهل هذه المراحل ناسخة ينسخ بعضها بعضاً؟ إن قلت ينسخ فهو صحيح وإن قلت لا ينسخ فهو صحيح. هي ناسخة لمن ترقّى حاله وصل إلى الحال التي وصل إليها النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة فالمراحل الثلاثة الماضية منسوخة في حقه. ومن كان حاله كحال المسلمين في مكة لا يقال أن المرحلة المكية منسوخة في حقه ولكن يعمل بما حصل للمسلمين في مكة لأنه لا يسعه إلا ذلك مثل حال كثير من الأقليات التي تعيش ضعيفة في بحور في المجتمعات الكافرة. فهذه الآية تشير إلى مرحلتين المرحلة الأولى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ) أشارت إلى مرحلتين: كفوا ، كتب مما يدل على أن الجهاد مرّ بهاتين المرحلتين.
د. مساعد: وهذا تشهد له السيرة لأنهم كانو يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم القتال ويقول لم أؤمر بذلك.
د. الشهري: فائدة مهمة في علوم القرآن وهي كيف يعرف النص الناسخ من المنسوخ؟ أن يصرّ؛ النص بذلك مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم “ألا إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها”. كان هناك حكم مختلف ثم تغيّر كذلك في هذه الآية (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ) كان هناك نص يأمر بالكفّ ثم كان هناك نص (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ) إشارة إلى أنه قد تغير النص هذه من الآيات التي صرحت بهذا التغيير، هذا مثال لقضية النسخ في القرآن الكريم يشير أن الحكم كان كذا فاصبح كذا.
د. الخضيري: مثل آية الأنفال (الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ (66))
د. الشهري: إشارة إلى أنه كان هناك حكم ثم تغير
د. الخضيري: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ) المسلم في حياته كلها لا يخلو من واجيات وأعمال، المشكلة أنه قد تهيمن علينا فكرة أو مشروع أو قضية فنرى أننا بدونا قد خلونا من كل شيء! المسلم لا يوجد في قاموسه هذا المعنى أبداً، وهذه الكلمة أنا أوجهها لكل الشباب الذين ذهبوا إلى ميادين جاهدوا فيها دافعوا عن أراضي إسلامية أو قدموا فيها خيراً ثم توقف هذا الجهاد أي سبب من الأسباب سواء كانت هذه الأسباب صحيحة أو غير صحيحة فتجد الواحد منهم يتلفت يقول ماذا أفعل؟ كيف أملأ وقتي فراغي؟ سبحان الله! المسلم لا يمكن أن يكون عنده فرصة ليقول هذه الكلمة، قيل لم (كفوا) لكن قيل لهم (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ) عندهم واجبات كثيرة يمكن أن تملأ بها حياتك، عبادة الله ليست شيئاً واحداً إما أن تجاهد وإما أن تقعد أو تكون كلّاً على المسلمين. وهذا الكلام قلته لبعض الشباب الذين جلست معهم أحاورهم، لا بد أن نقيم الجهاد! يا أخي الفرصة الآن غير سانحة والمسلمون في حال من التردي والضعف والتشرذم لا يحسدون على ما هم عليه، هل معنى ذلك أنه يجب أن نقيم الجهاد حتى في تلك الأحوال؟! لا، لم يأمرنا الله بهذا أمرنا به عندما تهيأ الفرص وحتى تتهيأ الفرصة تحتاج لأوقات! النبي صلى الله عليه وسلم جلس في مكة 13 سنة وهو يبحث عن دار تؤويه قبيلة تنصره فلما وجدها بدأ ينقل أصحابه ‘ليها شيئاً فشيئاً فلما تهيأت الفرصة له قام باللجهاد ولم يقم به دفعة واحدة كان ذلك مرحلة مرحلة حتى وصل إلى مرحلة التي نزل فيها قول الله عز وجل (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ) هذا لا بد أن نعقله ليس صحيحاً أنه علينا أن نستنبت الجهاد في أرض ليس فيها جهاد. ونقاتل في أرض لا قتال فيها ونؤذي عباد الله عز وجل ونفتح على أنفسنا باب شر في أرض إسلامية تعلن فيها الصلاة ويقام فيها ذكر الله ويسمع فيها الأذان وتقام فيها عموم الشعائر، صحيح هناك تقصير، هناك مظالم هناك معاصي هناك فجور لكن هذا لا يسوّغ أن يرفع السيف، أين عقلك؟ قلت لواحد من هؤلاء الشباب قال لي أنا لا يمكن أن أجلس أريد أن أجاهد وقلت إذا كان هذا الجهاد سيترتب عليه أضرار عليك وعلى المسلمين عامة ماذا تفعل؟ قال ليس هناك فرصة، ماذا أعمل غير الجهاد؟ ما عندي عمل آخر، قلت اتق الله ميادين الدعوة والبذل والعطاء والعبادة كثيرة جداً وأوسع منك.
د. مساعد: قضية مهمة جداً لما قال تعالى (كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ) نبههم إلى عبادات قائمة (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ) قوله (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ) حوّلهم من عمل إلى عمل وهذه قاعدة الإسلام كما ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة مكية (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ) إذا فرغت في طاعة فانصب في طاعة أخرى أو إذا فرغت من شؤون الدنيا فانصب إلى عبادة الله سبحانه وتعالى. ومعنى ذلك وهذه قضية مهمة جداً المسلم الأصل ليس عنده وقت فراغ لكن هو تقصير منه في معرفة الأفضل وواجب الوقت كيف يملأ فراغه. الله سبحانه وتعالى من رحمته بهذه الأمة أن نوّع لها العبادات تنويعاً كبيراً جدياً ولا يمكن لمسلم أن يقول أن هناك عبادة لا تناسبني، أيّ مسلم حتى لو كان مقعداً حتى لو لم يكن فيه إلا قلبه ينبض سيجد ما يناسبه من عبادات.
د. الخضيري: على قضية يجد ما يناسبه بالأمس كنت أقرأ إيميل وصلني رجل يقول إذا وجد علب المياه الفارغة يقطعها من فوق ويملأها بالماء ويضعها عند الشجار فساله أحدهم ماذا تفعل؟ قال في هذه الأيام يشتد الحر والطير لا يكاد يجد ماءً فإذا وجد الماء يشرب وأحضر صور لمجوعة من الطيور ميتة فيقول يجب أن نرحم هؤلاء، تصور ملأ وقته بشيء رائع وجميل. المسلم هدي إلى عمل لا يتصل بالناس وإنما بحيوان وهذا عمل كبير، ونذكر البغي التي غفر لها لأنها سقت كلباً.
د. مساعد: نحن بحاجة في نظري أن الدعاة والعلماء بحاجة إلى أن يفتقوا أذهان للناس إلى أبواب البر. القضية الأخرى كثيراً ما يقرن القرآن بين الصلاة والزكاة العمل العبادي القائم بالبدن والقائم بالمال والتلازم بين الأمرين (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ) وهذا القرن بينهما يشعر بأهميتهما. ولهذا أبو بكر رضي الله عنه قاتل من منع الزكاة وجعله من المرتدين لأنه من الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة وهذا لا شك من فقه أبي بكر لما ربط بين الأمرين. لعلنا نختم بقضية أخيرة (وَآتُواْ الزَّكَاةَ) ما يتعلق بالحقوق المالية، بعض الناس آتاه الله ما آتاه من النعمة حتى لو كان دخله يسيراً يغفل عن النفقة في سبيل الله فنقول أنفق ولو نصف ريال فالله سبحانه وتعالى يربّه كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم. لعلنا نقف عند هذا، سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.