برنامج بينات

بينات 1432 هـ- تأملات في سورة النساء- 5

اسلاميات

الحلقة الخامسة – 5 رمضان 1432 هـ

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77) أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78))

د. مساعد: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. نكمل ما وقفنا عنده في قوله (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ) انشغلوا بما أمركم الله به ودعوا هذا الأمر الذي تتعجلونه وتترقبونه لأننا سننظر إلى نتيجته ومآله.

د. الخضيري: كنت علقت على قوله كيف اقترنت الصلاة بالزكاة فكان مما قلت أن الله عز وجل يذكر ما يتعلق بعبادة البدن وعبادة المال ويجمع بينهما. أيضاً يمكن أن يقال ما يتعلق بالعبودية لله عز وجل والإحسان في معاملته والإحسان إلى عباده (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ) هذا فيما يتعلق بالعبودية لله عز وجل والإحسان في معاملته (وَآتُواْ الزَّكَاةَ) ما يتعلق بالإحسان إلى عباد الله. ودين الله قد جمع الخصلتين إحسان في معاملة الخالق وإحسان في معاملة المخلوق وهما تلخصهما إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. وهناك أمر ثالث وهو أن من أقام الصلاة حقاً رزقه الله ومن رزقه الله وجبت عليه الزكاة وهذا المعنى أشارت إليه بعض الآيات (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) طه) وأشارت إليها من حيث العموم (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) الطلاق) والدليل على ذلك الصحابة كانوا كلهم ضعفاء وفقراء بل كان المهاجرون من أهل الصفة في أول العهد المدني ثم ماذا حصل بعد ذلك؟ ما منهم من أحد إلا مات وهو قائد أو أمير أو الدنيا عنده شيء كثير ما مات فيما نعلم من أولئك الصحابة الذين ماتوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم غير الذين ماتوا في أول الاسلام ما ماتوا إلا وهم قد أثروا ثراء عظيماً وجاءهم خير كبير وهم ما كان عندهم من الدنيا شيء وأمضوا حياتهم ليس في طلب الدنيا وإنما في نصرة هذا الدين فهذا يؤكد هذا المعنى أن إقامة الصلاة من أعظم أسباب الرزق. لفتة يقول بعض الناس بلاد المسلمين الآن من أعظم بلاد الله خيراً ثروات معادن مواقع مناخ فيها أفضل المواقع قارن بين الدول العربية واليابان وقارن بين ميزانية اليابان وميزانية الدول العربية البترولية وغير البترولية وانظر الفرق الهائل بين هؤلاء وهؤلاء يقولون 5 % من الأرض اليابانية صالحة للزراعة جزر مفرّقة وفيها زلازل سنوياً عشرة آلآف زلزال وهزة أرضية ما تصلح حتى للحياة البشرية! ومع ذلك ما الذي جعل المسلمين يتخلفون ويفتقرون وهذه الخيرات بين أيديهم؟ أنا أقول هناك أسباب كثيرة لكن من أرفعها ضعف المسلمين في جانب الصلاة. أُنظر إلى مساجد المسلمين من يرتادها؟ من يأتي إليها؟ بل تتضح المفارقة عندما يدخل رمضان المسجد الذي كان يصلي فيه صف أو صفين من الناس تجده قد امتلأ أصحاب الصف الأول يفاجأون أول يوم في رمضان لا يجدون مكاناً في المسجد ليس في الصف الأول! من أين خرج هؤلاء؟ من البيوت المجاورة لم يأتوا من المريخ، ضعف المسلمين في جانب الصلاة هذا سلبهم هذه الأرزاق وأضعف هذه الثروات وفاعلية هذه الثروات فيهم. أُنظر إلى الثروات في بلاد النفط هي كثيرة جداً لكن أين تذهب؟ هناك سرقات وفساد وأشياء يعلمها الناس كلهم بسبب ضعف الإيمان وضعف الصلة بالله عز وجل.

د. الشهري: في قوله تعالى (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) قال تعالى (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ) ولم يقل كتب عليهم الجهاد لأن الجهاد مكتوب عليهم من قبل الجهاد بالصلاة والقيام بها مفهوم الجهاد أعمّ لكن لما أراد تخصيص خصوص القتال بالذات نصّ عليخ لذلك في سورة البقرة  لما قال (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ (216)) القتال بالذات ومواجهة الأعداء صعب على النفوس والعرب حتى في الجاهلية كانت تفتخر بأنها تواجه الأعداء ولا تهاب الأعداء لذلك يقول السمأول وهو شاعر جاهلي مشهور في قصيدته اللامية

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه    فكل رداء يرتديه جميل

وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها   فليس إلى حسن الثناء سبيل

ثم يقول من ضمن الأبيات التي يفتخر بها

يقرّب حب الموت آجالنا لنا  وتكرهه آجالكم فتطول

وإنّا لقومٌ لا نرى القتل سُبّة  إذا ما رأته عامر وسلول

فالشاهد أنهم كانوا يفتخرون أنهم يقاتلون ويصبرون ويقول عمر ابن ابي ربيعة

كتب القتل والقتال علينا      وعلى الغانيات جرّ الذيول

فهنا عندما يقول تعالى (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) ففيه إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى يعيب عليهم هذا الخور وهذا الضعف وهذا الجبن الذي تسلل إلى نفوسهم لما كتب عليهم القتال وكانوا من قبله يتمنوه (وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (143) آل عمران) وهذا فيه إشارة على أنه كما يقولون في المثل ليس من رأى كمن سمع ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك قال “لا تتمنوا لقاء الأعداء فإذا لقيتم فاثبتوا أو فاصبروا”. فهنا عاب الله تعالى عليهم الخوف الذي دخل في نفوسهم من الأعداء وكان الأولى بالمؤمن الثبات أنت تسأل الله تعالى العافية لكن إذا ابتليت لا بد أن تصبر فإما أن تنتصر وإما أن تموت (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ (52) التوبة) أنت رابح في الأمرين.

د. مساعد: هذه الآية نظيرها في بداية سورة الصف في قوله تعالى لما كتب عليهم القتال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) الصف) نزلت في هذا لأنهم كانوا يطلبون ما هو أفضل شيء من الأعمال فلما قيل لهم القتال وكُتِب عليهم كرهوه قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ (4)) إشارة إلى أن الذي كانوا كرهوه هو القتال. هل نأخذ من لفظ القتال -وهذه تحتاج إلى استقراء بين القتال والجهاد – مادة القتال إذا جاءت كأن فيها إشارة يعني لما نقول جهاد في سبيل الله يمكن أن يكون جهاد في سبيل الله وغزوة كاملة لكن لا يقع فيها دماء كما حصل في بعض غزوات النبي صلى الله عليه وسلم

د. الخضيري: مثل غزوة بني النضير

د. مساعد: لكن إذا قيل قتال فكأن فيه إشارة أنه سيقع قتل، ولهذا قال (كتب عليهم القتال) في كثير من الأمور يأتي (كتب) مثل (كتب عليكم الصيام) بخلاف قوله (كتبنا عليهم) فجاء مبنياً للمفعول لأن المقصود المكتوب دون الذي كتب لأنه معلوم.

د. الخضيري: ألا ترى أنه لما كان مكروهاً بناه للمفعول

د. مساعد: هذا محتمل لكنه بحاجة إلى استقراء لأنه قال (كتب عليكم الصيام) هذا يحتاج إلى استقراء والفائدة إذا ثبتت فهي صحيحة يتماشى مع القاعدة أنه إن كان من باب المحامد والنعم ينسب إلى الله تعالى وإن كان من باب المكاره فلا ينسب لله تعالى من باب التأدب كما قال ابراهيم عليه السلام (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) الشعراء) المرض نسبه لنفسه والشفاء لله تعالى

د. الشهري: هذا لا شك من كمال التأدب ومقاصد بناء الفعل للمجهول من مقاصده البلاغية أنه يبني الفعل للمجهول تنزيهاً للفاعل أو تكريماً له وأحياناً يكون تحقيراً له

د. الخضيري: في الفاتحة (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) ما قال غير من غضبت عليهم أو أضللتهم

د. مساعد: لا أدري هل هذا الموضوع بحث أم لا، أذكر أحدهم كان يسأل عن جانب التأدب بالألفاظ مع الله سبحانه وتعالى في القرآن دراسة كاملة مثل قصة الخضر لما قال (فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا) (فَأَرَادَ رَبُّكَ) لما كان في الخير المحض قال (فَأَرَادَ رَبُّكَ) ولما كان في أمر ظاهره السوء قال (فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا) ولما كان مشتركاً قال (فَأَرَدْنَا)

د. الخضيري: (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) الجن) هؤلاء الجن في قمة الأدب

د. الشهري: وتميزوا أنهم سريعو الاستجابة من أول مقابلة (فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) الجن). هنا فائدتين في هذه الآية أولاً الذين نزلت فيهم هذه الآيات كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه وكانوا الصحابة ومن الفضلاء لكنهم داخلهم ما داخلهم من الخوف والقتال وتبعاته فقالوا (وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ) كأني والله أعلم أفهم من كلامهم أنهم كانوا يريدون أن يستعدوا أكثر أو يرتبوا أمورهم أكثر (لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ) وهذا فيه إشارة أن كثير من المشروعات يستعد لها كثيراً ثم يقال ما رأيكم لو ننتظر قليلاً وهذا بالتجربة ثبت أنه أشبه منه بالتخذيل منه بالاستعداد لأن البدء مع الاستعدادات الممكنة والمتيسرة والإكمال بعد ذلك  والتطوير أفضل من الاكتمال التام الذي لن يأتي. والأمر الثاني أن فيه تثبيط للعاملين العاملين في خدمة الإسلام، الجهاد بمعناه العام والخاص سوف يجدون في صفوفهم ولا بد من يقول هذا لأنه وجد في هذا الزمن المتقدم الفاضل الذي فيه من الكمال ما ليس في غيره من الأزمنة وأمس قلنا (وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ (81) التوبة) هم أناس أشبه ما يكون بالمخططين ليسوا من المخذلين الذي يحاربون (لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ) قال سبحانه وتعالى (قل) وهذه من الأشياء التي تستحق دراسة خطاب الله للنبي صلى الله عليه وسلم في القرآن (قل) تلقين، لو كان يلقنك أستاذتك الذي تفتخر فيها لكنت تعتبر هذا مفخرة لك فكيف لو كان يلقنك الله تعالى؟! (قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً)

د. مساعد: إذن هم أرادوا التأخير من أجل متاع.

د. الشهري: يريدون أن يرتبوا أنفسهم أكثر يريدون أن تكثر المكاسب وتقل الخسائر لأي سبب من الأسباب فالله تعالى ذكر ثلاثة اشياء (قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ) مهما رتبتم واستعديتم فمتاع الدنيا قليل، والثانية (وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى) أنتم تريدون أن تنتظروا لتحصلوا على مكاسب أكبر استعجلوا فالآخرة لكن فوق ذلك مسألة ثالثة (وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) هل يعتقد أحد منا أنه إذا تأخر سوف يؤخر أجره بشكل أو بآخر؟ لا يمكن. هل يتوقع أن تخطيطه سوف يزيد في رزقه؟ لا يمكن، لن تظلمون فتيلا يعني لن يبخسكم الله من أجلكم ولا من رزقكم الذي كتبه الله لكم فتيلا. ما هو الفتيل؟

د. مساعد: سبق أن ذكرناه في هذا البرنامج في حلقات سابقة الفتيل والنقير والقطمير

د. الخضيري: لكن يقال أن الفتيل هو ما يخرج من فتل اليد من الوسخ، وقد ذكرت أجزاء التمرة كلها في سورة النساء (قطمير، نقير، فتيل)

د. مساعد: في قوله (كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) (أو) هنا تنبيه أن الإنسان من ضعفه مع أنه مؤمن قد يخشى غير الله أشد من خشيته لله وهذا يدل على ضعف الإيمان في تلك المرحلة التي يقع فيها هذا الشيء. لكن يقع السؤال كيف نربي خشية الله في أنفسنا وفيمن حولنا وهذا سؤال كبير جداً نحتاج فيه إلى أن ننظر في هذا الأمر. ولا شك أن من أعظم ما يربي خشية الله في أنفسنا القرآءة في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كلما اقترب المسلم من سيرة هذا النبي صلى الله عليه وسلم فإنه تكثر عنده المحامد والصفات. ولهذا بعض الناس تقول له لماذا تقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فيقول أنا قرأتها لكن العجيب أنك إذا قرأت هذه السيرة العطرة تتعجب أن هناك أحداث لأول مرة تمر عليك، وفيها أخبار، والسيرة لا يفهمها بعض الناس أنها سيرة ابن هشام، لا، السيرة أوسع من هذا، أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم من خلال صحيح البخاري من خلال صحيح مسلم من خلال الموطأ وغيرها هي جزء من سيرته معرفة شمائله وعاداته صلى الله عليه وسلم معرفة الأذكار التي يقولها صلى الله عليه وسلم هذا جزء من سيرته هذا مما لا شك يربي الخشية في نفس المسلم. ومن أكبر ما يربي الخشية قضية الوعيد الذي توعّده الله سبحانه وتعالى به لمن عصاه

د. الشهري: كتب السيرة كما تعلمون كثيرة جداً وبعض الناس يبقى سنيناً طويلة ينتقل من كتاب لآخر أجودها الرحيق المختوم ولمن أراد أن يقرأ السيرة بأسلوب أدبي وبأحاديث صحيحة كتاب بعنوان “السيرة النبوية كما وردت في الأحاديث الصحيحة” لأحمد الصوياني مجلدين طبعت في مكتبة العبيكان هذا الكتاب أسلوبه سهل وسلس وممتع ولم يعتمد إلا الأحاديث الصحيحة واستطاع أن يصوغ السيرة من أولها لآخرها باسلوب في غاية الجودة أنصح به حقيقة لأنك تقرأ في سيرة ابن هشام روايات وأشعار وغيره لكن ربما لا يستحسنها كل أحد تحتاج لطالب علم يصبر على الروايات وغريب اللغة لكن لما تقرأ زاد المعاد مثلاً فيه من فقه السيرة أكثر من السيرة نفسها، لكن عندما تقرأ السيرة النبوية للصوياني والسيرة النبوية لمحمد أبو شهبة هذه كتب أسلوبها سهلة ورائعة جداً وتربطك بالأحاديث الصحيحة وتستبعد الروايات الضعيفة.

د. الخضيري: ألا تلاحظون أنه إذا أراد أن يمييز الجهاد عن سائر الطاعات ميزه بالقتال يعني ذكر معه طاعات أخرى يذكر لفظ القتال تمييزاً له عن بقية شعائر الاسلام وإذا أريد الجهاد وما معه من أعمال صالحة عبر بالجهاد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ (11) الصف) لكن هنا لما قدم إقام الصلاة وايتاء الزكاة قال (فلما كتب عليهم) ما قال الجهاد وإنما قال القتال ليميز هذا بالضبط لأنه هذا هو الذي يكرهونه وأيضاً هو مناط الكراهة يعلل لماذا كرهوه ولماذا قالوا (لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ) لأن الجهاد قد لا يكون فيه قتل ولا قتال مجرد محاصرة للبلدة ثم تقسم الغنائم والفيء. أمر آخر أنه (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ سبحان الله عدل القرآن (فريق منهم) جماعة منهم حصل منهم هذا الأمر الذي ذكره الله سبحانه وتعالى ولاحظ قال (منهم) ولم يقل من غيرهم إشارة إلى أن هذا يقع في الصف الاسلامي فلا نتوقع أنه إذا وقع منأناس شيء من ذلك أنهم هؤلاء قد خرجوا من ربقة الدين أو مرقوا، لا، هذا غير صحيح قد تقع مثل هذه الأمور والنفوس تختلف.

د. الشهري: والله تعالى قال (مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا (152) آل عمران)

د. الخضيري: حتى ابن مسعود قال ما علمت أن أحد منا من يريد الدنيا حتى أنزلها الله عز وجل فعلمت. الله عز وجل هو الذي يعلم ما في النفوس وابن مسعود لا يرى إلا المجاهدين والذين يذكرون الله ويصلون مع رسول الله لكن محبة الدنيا هذه أشياء خفية ما يراها ولا يطلع عليها أحد سواه. في قوله (كخشية الله) الإضافة هنا يقولون من إضافة المصدر إلى مفعوله وهذه تغيب عن بعض طلاب العلم

د. الشهري: يعني كخشية المؤمنين لله

د. الخضيري: أو كخشيتهم لله وليست كخشية الله هو لأن الخشية فإنما هي من فعل العبد وليس من فعل الله وهنا أضيف المصدر إلى مفعوله وهذه لفتة مثلاً (لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا (63) النور) دعاء الرسول يصح أن تكون بإضافة المصدر إلى فاعله أو إلى لمفعوله ويختلف المعنى فإن كانت لا تجعلوا جعاء الرسول بإضافة المصدر إلى فاعله يعني لا تجعلوا دعاء الرسول لكم إذا دعاكم كما يدعوكم الآخرون بل دعاء الرسول تجب فيه الطاعة المباشرة والامتثال، هذا معنى. والمعنى الثاني تحتمله الآية إذا قلنا أن المصدر قد أضيف إلى مفعوله يعني لا تجعل دعاءكم أنتم الرسولَ إذا دعوتم الرسول لا تدعوه كسائر الناس يا محمد يا أبا القاسم كما يدعى سائر الناس بل قل يا نبي الله يا رسول الله. فانظر لما أضيف المصدر إلى فاعله أو إلى مفعوله اختلف المعنى وأنا أنبه طلاب العلم إلى هذا وهو معنى دقيق وجميل وتنتج منه معاني رائعة.

د. مساعد: الموازنة بين متاع الدنيا والآخرة هنا قال قل يا محمد (قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى) جعل متاع الدنيا قليل والآخرة خير هذا حقيقة يقينية لا يمكن لمسلم ولا لغير مسلم أن يظن غير هذا لكن ليست المشكلة في العلم وإنما المشكلة في التطبيق كما قال تعالى (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) الأعلى) المشكلة في التطبيق لا في العلم فنحن نتكالب على الدنيا وكأن الدنيا دار البقاء ولهذا أعجبني الشعرواي رحمه الله تعالى في قوله (لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108) الكهف) بين هذه القضية النفسية في الإنسان هو مفطور عليها لكن المسلم يجب أن ينزع من هذا كما قال الإمام أحمد لما سئل ما الزهد؟ قال أن تكون الدنيا في يدك لا في قلبك. لا تتمكن منك. لا يبغون عنها حولا في الدنيا الإنسان يكون في شقة صغيرة يتمنى فيللا فإذا أعطاه فيلا يتمنى قصراً

د. الخضيري: ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب

د. مساعد: أما في الجنة فقال لا يبغون عنها حولا لا يتحول هذا الذي أوتيه

د. الشهري: مما يشير إلى أنه يرضى على ما هو فيه رضى لا يطلب معه غيره.

د. مساعد: قال هنا (وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى) ولم يحدد الخيرية بقيد مما يدل على إطلاقها خير في الزمان وفي المكان وفي النوع فهي خيرية مطلقة.

د. الخضيري: ولذلك قال الشيخ السعدي رحمه الله: خيرٌ في ذاتها وخير في لذاتها وخير في زمانها. قال أما في ذاتها فلا مقارنة بين الدنيا والآخر هذه ذاتها ومتاعها لا مقارنة. وفي لذاتها لذات الآخرة لذات في عمق اللذة وليس فيها ما ينغصها بينما الدنيا ما من لذة من لذاتها إلا والتنغيص ملازم لها، يحيط بها من كل جانب. إذا قدم لك طعام جميل رائع أنت بين خيارين إما أن تشبع وإما أن تمنع، إن شبعت بشمت صار عندك مشكلة وإن تمنعت تعذبت، هذا في أدنى الأمور، ما رأيك لو جاءك مرض من وراء ذلك أو إمساك أو إسهال! وفي زمانها الدنيا منقطعة وما أسرع انقضاءها وتقضيها والآخرة لا انقطاع فيها خلود دائم. انظر الى اجتماع هذه الأشياء خير في ذاتها ولذاتها وزمانها

د. الشهري: كما قال حسن التهامي رحمه الله في أبيات جميلة عندما توفي ابنه رثاه بمرثية رائعة من أجمل ما فيها قال

جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري

ففي الجنة أنت في جوار الله سبحانه وتعالى وأيضاً المؤمنون يرون ربهم في الجنة وهذا لا يتحقق لهم في أي موطن آخر

د. الخضيري: أسأل الله أن يجعلنا في هذا المكان وأيضاً إخواننا المشاهدين أسأل الله أن يجمعنا على سرر متقابلين في تلك الدار التي هي خي وأبقى.

د. مساعد: في قوله سبحانه وتعالى (وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) ما فائدة التذكير به في هذا الموطن؟ (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ) إشارة من الله سبحانه وتعالى أنه لا يبخسكم في هذا العمل العظيم أي شيء بل إن قدمتموه يؤتيكموه كاملاً ولا ينقص منه حتى الشيء الحقير مما يجعل هذا محفز ومرغّب لهذا العمل ولهذا والله أعلم ختمت هذه الآية.

د. الشهري: الذين يقولون لولا أخرتنا كانوا يرجون من هذا التأخير إما الازدياد من الدينا بشكل أو بآخر أو الاستعداد لهذا الأمر أكثر المهم يريدون تأمين أنفسهم بشكل أو بآخر فالله سبحانه وتعالى يقول ليس تأخيركم هذا بزائد في رزقكم أو بأجلكم فإنكم لا تظلمون فتيلاً فالله سبحانه وتعالى لن يبخسكم شيء اطمأنوا. وهذه لفتة وأنت تقرأ هذه الآية أولاً في بلاغتها وفي كمال بلاغتها، الأمر الثاني هذا الكلام العجيب سبحان الله العظيم لا نظير له فيما عرفته العرب من الكلام عندما خوطب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن ثم بلّغه لهؤلاء في ذلك والوقت وكيف كان يسمعه الصحابة رضي الله عنهم ويسمعه المشركون على حد سواء شيء مبهر بشكل لا يتصور. اقرأ في الكتب الأخرى التوراة والانجيل صياغتها مختلفة تماماً، إقرأ في كتب العرب وفي أشعار الجاهلية مختلفة تماماً اقرأ في حديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو أبلغ العرب مختلف تماماً وهنا لاحظ الختام عندما قال (قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) انتهت الآية ، جمع هذا الجواب الذي لقنه الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم لهم جواباً أسكتهم استوفى كل ما في نفوسهم، كل حاجات النفوس ذكرت، تريدون الاستعداد الدنيا كلها متاعها قليل، تريدون الأجر (وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى) خير لمن اتقى إشارة إلى أن من أعطاها حقها فسوف تكون لهون خير بدون مقارنة وفوق هذا كله حقوقكم كلها محفوظة وأرزاقكم محفوظة ولا تظلمون فتيلا فماذا سيقولون بعدها؟

د. الخضيري: في قوله (مَتَاعُ الدَّنْيَا) متاع يمكن أن تكون اسماً ويمكن أن تكون مصدراً هذه لفتة لغوية. إن كانت إسماً فهي إشارة إلى أنواع المتاع الذي فيها متاعها كله قليل. ويمكن أن تكون مصدراً يعني استمتاعكم فيها قليل يعني أصلاً لا تمكثون فيها طويلاً ولذلك يمكن أن نقول أنها تُحمل على هذا وهذا فإن جئتم لذاتها فهي قليلة مقارنة بلذات الآخرة وإن جئتم إلى استمتاعكم أنتم بها فهو قليل. الآن كم في بيتك من أرزاق في بيتك؟ كثير، وما الذي تستمتع به من الأرزاق؟ قليل. وكلما كبر الإنسان شعر بذلك أكثر، تكون المائدة عنده طويلة عريضة ومع ذلك يقول أعطوني زبادي، مع كل الطبخ والنعم يقول هذا فيه سكر وهذا فيه دهون، سبحان الله! لا بد من هذا

د. الشهري: القلة موجودة

د. مساعد: قوله سبحانه وتعالى (وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً)

د. الخضيري: نكرة في سياق النفي فهي عامة

د. مساعد: في قوله (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ) لما استشعر كراهتم للموت (لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ) جاء تنبيه أن الموت لا يرده حرص الإنسان على الحياة ولا امتناعه عن الموت لا مفر منه فإنه ملاقيكم كما قال سبحانه وتعالى فكأن هذه الآية جاءت من باب الموعظة للفريق الذي قال هذا الكلام (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ)

د. الشهري: هذه مثل الآية التي في سورة الجمعة (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ (8)) لم يقل فإنه مدرككم كما قال هنا (فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ) فر من الموت وفي الموت وقع وهنا قال (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ) أنت محاصر من كل الاتجاهات

د. الخضيري: ولا يمكن أن تزيد في أجلك ولذلك لما جاءت آية الأجل (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ (34) الأعراف) لأنهم يحبون الاستئخار بدأ بالاستئخار لأنه محبوبو لكن لا يمكن أن تتأخر عن أجلك لحظة.

د. الشهري: وفي نفس الوقت لا يستقدمون، لا يظلمون. في قوله (يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ) أدغمت الكاف والكاف إشارة أنه حتى في دلالتها الصوتية المعنى أنه لا مفر الموضوع أسرع مما تتوقع

د. الخضيري: لا ينبغي الإنسان أن يدع شيئاً مخافة الموت يقول أخاف أكون على الطريق أو مظنة الموت سبحان الله كم من الناس ذهبوا إلى مظان الموت وخرجوا سالمين. في الحج قالت لي امرأة جاء ولدها يريد الحج وأمه تمنعه لأن الوالد متوفى قال الوالدة تمنعني هل أطيعها؟ قلت لا، لا تطيعها أنت قادر على الحج بنفسك؟ قال نعم، قلت والدتك ما حجتها؟ قال تخاف علي من الموت، قلت له اتصل عليها فقلت لماذا تمنعين ابنك من الحج؟ قالت الحج فيه مخاطر وأنا أخاف عليه، قلت: وإذا جلس عندك لن يموت، قالت لا، قلت إن كان أجله سيأتيه سيأتيه هنا أو مكة ففي مكة أفضل له، ما رأيك؟ لا أحد يرف أين يكون أجله وهذا الكلام الذي تقولينه غير صحيح، كم عدد الحجاج؟ وكم عدد الذين يموتون في الحج؟ ربما عشرين، مائة من ثلاث ملايين لا شيء، لكن كم يتوفون من حوادث السيارات؟ ألوف. قالت أسمح له؟ قلت اسمحي له وإن لم تسمحي له فأنت آثمة ولا يجب عليه أن يطيعك ولا تمنعي أحداً من أولادك أخشى أن يعاقبك الله أن يميته بين يديك فقبلت وهذا يدل على أن المؤمن إذا ذكرته سمع.

د. مساعد: أنت أخفتها

د. الخضيري: سبحان الله عقوبة الله تأتي العبد من المكان الذي عصى الله فيه، ما أحبّ الله شيئاً إلا عذبه الله به

د. مساعد: قوله (وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ) البروج القصور والحصون المرتفعة (وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ (45) الحج) مرتفع والبرج فيه ارتفاع. قال (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ) كأن تشييد هذا البناء وتضخيمه أحد الأهدتف منه هو الامتناع من الموت

د. الشهري: (وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) الشعراء)

د. مساعد: والمصانع المراد بها على أحد الأقوال البناء. لو تأملت هذا المعنى الله سبحانه وتعالى ينبه عباده كيف يفهم العبد أنه ما دام في هذا القصر المشيد لن يأتيه الموت لن يُقتل يحتمي بهؤلاء وكما ذكرت يصاب بمقتل من حيث هو كان آمناً إذن هذا التشييد وهذا البناء لا يرد قدر الله سبحانه وتعالى أبداً خلافاً لظن الإنسان.

د. الخضيري: العجيب أن حظوظ الناس كما قال الدكتور مصطفى محمود الذي توفي منذ أشهر قال حظوظ الناس في السعادة في الحياة شبه متساوية إذا جئت للفقير وجدته يبتلى بالفقر والمرض وبعض الأشياء من النكد والمنغصات بسبب قلة ذات اليد وإذا جئت للغني عنده سعة في المال لكن عنده سكر وضغط وكولسترول وعنده مشاكل في المفاصل وأشياء كثيرة جداً هذا يعيش بتنغيص وذاك يعيش في نفس التنغيص ولكن من زاوية أخرى ويقول نحن نتوقع أن حظوظ ها في الحياة أكثر ولكن الحقيقة أن حظوظ ذاك المنغص أكثر تنغيصاً في نظرنا حظوظه في الحياة أكبر ويدل ذلك أنك تلاحظ أن المنعمين تسرع إليهم الأمراض والهرم وأما قليل ذات اليد يعمرون يجلسون تسعين سنة يأتي ويذهب ويقضي حاجاته ورأيتهم في الدول الفقيرة عمره مائة

د. الشهري: عمره مائة سنة لكن مليئة بالبؤس!

د. الخضيري: لكن هذا البؤس جزء منه نعمة لأنه مثلاً يجوع ثم يشتهي الطعام فإذا أكل أكل وهو يشتهيه بينما ذاك يتمنى ساعة يشتهي فيها طعاماً لأنه شبعان لأن الأرزاق دائماً بين يديه ولذلك يبحثون عن الغرائب في الأكل لأن الحياة ما تلتذ إلا أن يكون فيها شيء من الكدر والشقاء.

د. الشهري: ذكرني الشيخ بقصيدة الطين لإيليا أبو ماضي يشير فيها إلى هذا المعنى واحد فقير يخاطب غني متكبر فيقول:

نَسِيَ الطِّينُ ساَعَةً أنَّهُ طِينٌ حَـقِـيـرٌ فَـصَـالَ تَيْهًا وَعَرْبَدْ

وَكَسَى الْخَزُّ جِسْمَهُ فَتَبَاهَى وَ حَـوَى الْمَـالَ كيـُسهُ فَـتَمَرَّدْ

أيها المزدهي أما مسك السقم ألا تشتكي ألا تتنهد

وإذا راعك الحبيب بهجر ودعتك الذكرى ألا تتوجد

أَنْـتَ في الْبُرْدَةِ المُوَشَّاةِ مِثْلِي في كِسَائِي الرّدِيمِ تَشْقَى وَ تسعدْ

لك في عالم النهار أماني ورؤى والظلام فوقك ممتد

النجوم التي تراها أراها حين تخفى وعندما تتوقد

يَـا أَخِي لاَ  تَمِـلْ بِـوَجْهِـكَ  عَنِّي مَا أَنَا فَحْمَةٌ وَ لاَ  أَنْتَ فَرْقَدْ

إنْ يَكُنْ مُشْرِقًا لِعَيْنَيْكَ إنِّي لاَ أَرَاهُ مِنْ كُوَّةِ الْكُوخِ أَسْوَدْ

لَوْ مَلَكْتَ الْحُقُولَ في الأرْضِ طُرًّا لمْ تَكُنْ مِنْ  فَرَاشَةِ الْحَقْلِ أَسْعَدْ

ثم يتكلم عن قصر هذا الغني يقول

مَرْقَدٌ وَاحِدٌ نَصِيبُكَ مِنْهُ أَفَتَدْرِي كَمْ فِيكَ لِلذَّرِّ  مَـرْقَدْ؟

قصيدة جميلة تشير إلى درجات السعادة.

د. الخضيري: يقولون أحد أغنياء أميركا اشترى قصراً على نهر الامازون فهذا القصر مشيد وجميل جداً خرج في الصباح من أجل يستمتع بمنظر النهار فرأى صاحب القارب يصيد السمك ومعه أطفاله أشار إليه ناداه فجاء فباعه السمك الذي اصطاده فسأله الثري أنت كيف تعمل يومياً؟ قال أخرج في الصباح فأصيد ثم أرجع إلى البيت أترك شيئاً للبيت وشيء أبيعه أضيفه لمصروف البيت، فقال له لم لا تضاعف الجهد بحيث تصيد أكثر ثم تتوسع ويصير عندك موظفين ثم تصنع شركة ثم تسويق ثم تعم البلد فيقول له الرجل ثم ماذا أفعل إذا حصل كل هذا؟ قال تصنع مثلي تشتري قصراً على نهر الأمازون، قال أنا ساكن على نفس النهر ومرتاح معي أولادي أنا ساكن طوال العام هنا وأنت تأتي شهراً في العام.

د. مساعد: نكمل بإذن الله في اللقاء القادم سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.