تدبر آية – (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴿٧﴾ الطلاق)
د. رقية العلواني
تفريغ سمر الأرناؤوط – موقع إسلاميات حصريًا
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والآه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول الله عز وجلّ في سورة أسماها باسم الطلاق (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴿٧﴾ الطلاق). (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) التوازن في الإنفاق، أن لا تنفق من المال فوق طاقتك، فوق سعتك، فوق ما تستطيع أن تقدّمه أو يكون من مدخولك. وليس من العجب أبدًا، كل شيء في كتاب الله عز وجلّ له مناسبة واضحة، له حكمة حتى في موقع الآيات وفي موقع السور بل في موقع الآيات من السور، هذا التناسب العظيم يبين أنه فعلًا من أعظم أسباب الطلاق الذي يحدث بين الأزواج الطلاق الذي يحصل خاصة الذي يحصل في عصرنا الحاضر في بعض الأحوال خلال السنوات الأولى من الزواج وربما الكثير من الزيجات تتعرض لهذه الإشكالية في السنة الأولى من الزواج. واحدة من أعظم الأسباب قضية الإنفاق، قضية أن الإنسان ينفق ويكلف نفسه فوق طاقتها، فوق ما آتاه الله عز وجلّ. صحيح كلنا يرغب في أن يوسّع على نفسه وعلى أهله وأسرته، كلنا يرغب في أن يتوسع في مجال أو دائرة الرزق وخاصة مع التوجهات المعاصرة التي حولت الحياة المعاصرة إلى حد كبير في جانب استهلاك بحيث أننا نستطيع أن نقول دون تردد أن الإنسان المعاصر أصبح إنسانًا استهلاكيًا بامتياز بمعنى ليس بالضرورة أنه يستهلك ما يريده أو ما يحتاج إليه أبدًا، ليس بالضرورة أن يقتني شيئًا هو بحاجة حقيقية إليه ولكنه أصبح يقتني الأشياء لمجرد الاقتناء لمجرد الاستهلاك فقط ليس لأنه بحاجة إليها. ولذلك ملاحظ جدًا أن وسائل الإعلام قد لعبت دورًا واضحا في الإيحاء والإيعاز للإنسان بأنك بحاجة إلى هذا الغرض بحاجة إلى هذه المسألة الحياة ستكون أسهل وأعظم وأجمل وأسعد حين تقتني تلك الحاجة وما إن يقتني ذلك الشي إلا يأتي بشيء آخر وتستمر الدوامة والنتيجة أن الإنسان إذا لم يتنبه ويستيقظ من هذه الغفلة ومن هذه الموجة سيقع فريسة للديون، ديون متراكمة متراكبة تُثقل كاهله وتؤرق ليله وتُدخل عليه عشرات المشاكل النفسية والاقتصادية التي من الطبيعي جدًا أنها تنعكس على حياته وطريقة أسلوبه ومعيشته وتعامله مع الزوجة أو الأسرة والتعامل مع محيط العمل والشعور بأن هناك دائمًا ثمة نقص حقيقي نقص في النواحي المادية يجعله لا ينتبه ولا يتنعم ببقية الأشياء التي يمتلكها يركز فقط على الشيء الذي لا يستطيع أن يتوسع فيه.
ولو أخذنا مثالًا بسيطًا في حياتنا المعاصرة قضية السفر للخارج في أثناء الصيف خاصة وأننا بعد فترة يسيرة من الزمن بإذن الله يأتي موسم الإجازات ومعه الأعياد ومعه الإجازات الصيفية هذا الأمر قضية السفر إلى الخارج لا شك أنها من الأمور التي تحتاج إلى ميزانية محددة، ميزانية ليست بالقليلة خاصة مع الإشكاليات الاقتصادية التي تعصف بالعالم بأسره. وهنا يأتي التساؤل وهنا يأتي مساءلة الشخص ومساءلة الأسرة فيما بينها لإمكانياتها الحقيقية: هل أستطيع توفير هذا الشيء فعلًا دون أن يؤثر على اليزانية المادية والمالية للأسرة لعام أو لأعوام قادمة؟ هل أنا فعلًا بحاجة إلى هذا الأمر؟ أم أنني أستطيع أن أواصل حياتي وأن أتنزه وأن أرفّه عن نفسي وعن أسرتي وأستمتع بوقتي وبإجازتي دون الحاجة للدخول في دوامة الديون؟ مؤسف أن هناك عددًا من الأشخاص والأُسر في مجتمعاتنا يحتاجون للاستدانة والاقتراض من البنوك لأجل السفر إلى الخارج. والسفر للخارج ما عاد قضية الغرض منها احتياجية أو قضية نفسية بقدر ما عادت هي مجال للمباهاة وللتفاخر وللشعور بعدم النقص تجاه الآخرين فالكل يسافر لِمَ أنا لا أسافر ؟ هذا الشعور بالنقص النابع من قلة الثقة بالإنسان ذاته فلو أن الثقة وجدت فعلًا واستطاع الإنسان أن يغير من وجهة نظره للأمور والقضايا المختلفة وأصبح يدرك أن قيمته فيما ينجزه، قيمة الإنسان الحقيقية في الإنجاز في العمل الذي يقوم به في العمل الذي يقدمه في الممارسات الاجتماعية والأسرية والعلاقات الناجحة التي يؤسسها وليس في شيء آخر وليس في سفر للخارج إلى مكان اشتُهر بين الناس السفر إليه، المسألة ليست هكذا!
ثم إن هناك تساؤلًا لا بد أن نسأله لأنفسنا قبل أن نخطط لقضية السفر: يا تُرى أنا لِمَ أعيش حياة ليست حياتي؟! لِمَ ألبس لباسًا ليس لباسي؟! لِمَ أعيش حياة الآخرين؟! لِمَ أدخل مع نفسي وفي حياتي أدخل مع نفسي في صراعات متعددة لمجرد أني أديم النظر في حياة الآخرين؟! متى سأعيش حياتي أنا وفق الآية العظيمة التي جاءت في سورة الطلاق لتنبه أن من أكثر أسباب الطلاق اليوم وغدًا هي تلك النظرة الضيقة النظرة المادية المحدودة التي تجعل من الإنسان إنسانًا يستهلك وينفق أكثر من سعته وحين يتساءل ويحاول أن يحلل السبب: لِمَ أنفق فوق طاقتي؟ لِمَ لا أعيش الحياة فعلًا كما هي كما ربي علمني (فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ)؟ لمَ لا أنظر أن الحياة هي مراحل متنوعة لا تقف على حال، اليوم ربما أكون محدودًا في دخلي وغدًا بإذن الله سيكون أفضل سيجعل الله بعد عسر يسرًا ثم إن المال بعد ذلك ليس باختيار وإنما هو عبارة عن اختبار في واقع الأمر ثم إن هناك قضية الربط بين السعادة والسكينة والاستقرار الأُسري والنفسي والراحة والهدوء والطمأنينة والزيادة في المال. المال قد يزيد في قدرتك على اقتناء الأشياء ولكنه قطعًا لا يزيد في قدرتك في الحصول على السعادة، السعادة قرار لا يرتبط ارتباطًا وثيقًا منتهيًا أبديًا بقضية المال. المال يشكل جزءًا يسيرًا وطبيعة المال وكمية المال وما نفعله في المال تحدد أجزاء متنوعة.
الشاهد، آن لنا الأوان أن نتوقف عند قراراتنا وأن نفكر أكثر من مرة قبل أن نعيش ما يريده أو ما يراه الآخرون أنه سعادة وأنه راحة. نحتاج أن نعيد النظر في قراراتنا التي تأتي فعلًا مخالفة لإمكانياتنا المادية، نحتاج أن نلبس لباسًا بقدر مقاساتنا الحقيقية وليس شيئا أكثر من ذلك المقاس. نحتاج أن ندرك تمامًا أن الراحة والهدوء والسعادة لا تعني أبدًا أن أثقل كاهلي لأجل أيام أو لحظات أعيشها وأنا في الأصل قد أثقلت كاهلي وأسرتي بمزيد من القروض أو الديون في شيء لا حاجة إليه فيمكنك أن تسافر حين تسافر بقلبك وأفكارك ومشاعرك بعيدًا عن كل المنغّصات وبعيدًا عن كل الترّهات.