تدبر آية – (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٩﴾ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿١٠﴾ الجمعة)
د. رقية العلواني
تفريغ سمر الأرناؤوط – موقع إسلاميات حصريًا
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والآه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الجمعة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٩﴾ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿١٠﴾) القرآن العظيم حين يحدثني عن السعي وعن الابتغاء وعن طلب الأشياء يأتيني بمفاهيم عدّة، يرشّد وينظِّم لي مسيرتي في الحياة. ففي الآيات التي ذكرنا حين يكون الأمر متعلقًا بذكر الله سبحانه حين يكون الأمر متعلقًا بالحقيقية التي لأجلها خلِقت، التي لأجلها خلق الله سبحانه وتعالى السموات والأرض التي لأجلها خلق هذه الأرض يقول (اسعوا) ولذلك لم تأت كلمة السعي إلا إذا كان ذلك السعي مقرونًا بالعمل للآخرة الحقيقة التي لا ينبغي أن تغيب عن أذهاننا حتى ونحن نباشر أعمالنا اليومية لأن السعي فيه حرص شديد هو ليس مجرد طلب أبدًا، حرص نفسي وعملي شديد جدًا في طلب الشيء وابتغائه، حرص على تحققه. ولذلك ربي سبحانه في قضية النداء للصلاة من يوم الجمعة (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) كن أشد ما تكون حرصًا على طلب ذلك الأمر ذكر الله قلبًا وعقلًا وفكرًا وروحًا ولسانًا وجوارحًا، اطلب طلبًا شديدًا طلب تتأهل معه كل قدراتك النفسية والذهنية لأجل تحصيله. اجعله طلب ذكر الله سبحانه وتعالى اجعله شغلا لك اجعله من القائمة التي تكون على رأس همومك وأولوياتك في اليوم والليلة، اهتمّ به.
ولكن تدبروا حين يحدثني عن السعي في الأرض أو عن طلب الأشياء الأخرى، طلب المعاش يقول (﴿٩﴾ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿١٠﴾) والابتغاء في الحقيقة هو لا يُخصّ إلا بالاجتهاد في الطلب حين يكون الطلب محمودًا بمعنى أن الإسلام والقرآن لا يدعو الناس إلى الكسل ولا يدعو الناس إلى التعطّل بالعكس القرآن لا يعترف بشيء اسمه تعطّل أو بطالة، القرآن لا يقبل من الإنسان أن يكون عاطلا أو معطِلا أو معطَلا لا يقبل بهذا المفهوم لأنه يخالف أولى القواعد التي أقام عليها الحقائق كل الحقائق في النفس البشرية، الإيمان، قضية الإيمان في حدّ ذاتها لا يمكن أن يكون مكتملة بدون عمل صالح نافع ولذلك جاء التلازم في كتاب الله بين الإيمان والعمل الصالح. إذن لا سبيل إلى أن أتوهم مطلقًا أن القرآن يقلل من شأن العمل أو من شأن كسب المعاش أو من شأن طلب الأمور التي لا تستقيم حياتي أو حياة أسرتي ومجتمعي بدونها، بالعكس تماما فالقرآن يقول في هذه الآية تحديدا (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) والابتغاء خصّ بالاجتهاد بالطلب عندما يكون الطلب لشيء محمود فالابتغاء فيه محمود، ولذلك في آيات أخرى قال (ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا) [الإسراء: 28] (إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ (20) الليل) إذن القضية محمودة، أن تطلب الرزق الحلال أن تطلب من فضل الله لكن هذا لا يعني أبدًا أنك حين تطلب تذهب بعيدا بقلبك وجوارحك وفكرك عن الله سبحانه لا ذكرا ولا كذلك استبعادا لتلك الحقائق التي ينبغي أن تبقى مستقرة في قلبك ونفسك أنك تبتغي من فضل الله لا من فضل البشر، هذه حقيقة لا ينبغي أن تخفت في حياتنا، (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) اطلب واجتهد في الطلب، افعل كل ما يمكن أن تفعله، افعل أقصى ما تستطيع أن تفعله في حياتك استثمر في كل ما يمكن أن يكون حلالا طيبا نافعا، ابذل قصارى جهدك ولكن لا تنسى أبدا وأنت تفعل كل هذا أنك تطلبه من فضل الله لا تجعل الحقيقة الأكبر تغيب عن ذهنك وأنت في خضم الحياة المعاصرة الحياة اليومية التي تأخذنا أحيانا كثيرة بتفاصيلها وجزئياتها. وفي مباشرة تلك الأعمال احرص حرصا شديدا على ذكر الله سبحانه ذكرا كثيرا لا تنشغل عنه، لا نتنشغل بتفاصيل الكلام عنه، لا تنشغل بالكلام مع هذا وهذا والأوراق والأمور والكلام عن الجزئيات اليومية التي نعيشها من طعام شراب أخذ بيع شراء ذهاب إياب كل هذه التفاصيل والجزئيات لا ينبغي أن تشغلنا فعلا عن الغاية الأهم عن ذكر الله سبحانه وتعالى.
وتدبروا في نهاية الآية قال (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) بمعنى سبيل الفلاح سبيل التوفيق سبيل النجاح في حياتنا العملية والعلمية الدنيوية والأخروية لا فصل بينهما، هو بهذه الآلية، بتحقيق ذلك التوزازن في حياتنا، أي نوع من التوازن؟ أن لا أُشغل أبدًا في تفاصيل الحياة وجزئياتها وأعمالي اليومية وأنا أزاولها عن ذكر الله. وقد ذكرنا في مواقف سابقة أن جزء من الذكر هو التسبيح والتحميد والاستغفار والتهليل والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بكل تأكيد ولكن ليس فقط ذكر اللسان المطلوب الأكبر أن يصبح ذكر اللسان متواطئًا مع ذكر القلب والعقل والفكر، أن تُشغَل به سبحانه، تشغل به وأنت تزاول العمل وأنت تبتغي من فضل الله إقامة التوازن في حياتنا اذكر الله كثيرًا سبّحه واستغفره لا تأخذك ولا تستغرقك تفاصيل الحياة بعيدًا عن الغاية الأهم وكن متيقنًا تمامًا أن مفتاح التيسير لأمورك مفتاح النجاح مفتاح الفلاح مفتاح التوفيق والتيسير والتسهيل لكل الأمور المتعطلة في حياتك إنما هو ذكر الله والحرص على ما عند الله سبحانه وتعالى وطلب العون والمساعدة فكم من مشروع تعطل تنفيذه لأجل أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يردك إليه يريدك أن تذكره وهو الغني عن ذكرك يريدك سبحانه وتعالى أن تطلب منه المعونة أن تشعر بفقرك واحتياجك إليه وتُظهر ذلك الاحتياج ولا تغتر بما آتاك الله لا تغتر بكل ما لديك من قوة موهومة فقوة البشر مهما بلغت في نهاية الأمر هي موهومة غير حقيقية عارية قابلة لأن تؤخذ في أي وقت وفي أي لحظة قابلة لأن تضعف أما القوة الوحيدة على وجه الأرض فهي قوة الواحد الأحد الفرد الصمد الذي ينبغي أن نتوجه إليه سبحانه وتعالى طالبين منه العون وعندها فقط يفتح الله سبحانه وتعالى لك أبواب الفلاح والتيسير والنجاح والتوفيق الذي لا يملكه سواه مهما بلغت بنا الأسباب ومهما قويت واجتمعت لدينا المسببات تبقى في نهاية الأمر مفتاح كل هذه الأمور من أسباب ومسببات بيده سبحانه وتعالى.