الحروف في القرآن الكريم, حرف الحاء

حرف الحاء – منظومة الإحباط

اسلاميات

منظومة الإحباط

 حبِط–  فسد –  بطُل –

هذه المنظومة كلها في إحباط الأعمال الأخروية أو فسادها أو بطلانها ولكل كلمة معنى خاصاً بها تتميّز عن غيرها من كلمات المنظومة. وكل اختلاف بين كلمتين بالبنية أو الصيغة أو المرادفة لا بد أن يكون لها معنى آخر تُكمل الزاوية الناقصة من الصورة ولا تُغني عنها كلمة أخرى.

فسد والفساد: هو وصف جزئي بمعنى إذا قلنا هذا العمل فاسد أي أن فيه فساد جزئي لكن يبقى فيه جزء صالح. . والعمل الصالح قد يكون فيه جزء فاسد. (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) سورة الروم آية 41 ، ليس كل ما في البر والبحر قد فسد لكن هذا الفساد هو جزئي . (فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) سورة البقرة آية 220 ، والصلاح عكس الفساد (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) سورة الأعراف آية 56 ، (فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) سورة يونس آية 81 ، (الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ) سورة الشعراء آية 152

بطُل والبُطلان: هذا فساد كلّي كأن العمل لم يكن موجوداً أصلاً، . (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) سورة البقرة آية 264 فالذي ينفق ماله على المحتاجين ثم يمنّ عليهم بما أنفق أو ينفق باستعلاء وأذى باللسان (الأذى لساني والضرر مادي) فعمله باطل بمعنى أنه كأن لم يتصدق أصلاً ولا يقبل الله تعالى عمله. والرياء مما يُبطل العمل كما في الحديث الشريف عن أوّل من تُسعّر النار بهم يوم القيامة عالم ومنفق وشهيد. وكل من هؤلاء الثلاثة عمل العمل يظُنّه صالحاً لكنه عمله للرياء فأبطل الله تعالى أعمالهم كأن لم تكن موجودة وكأنهم لم يعملوها. مثال آخر: قد يقال أن عقد زواج ما فاسد أو باطل، فالعقد الفاسد هو الذي فيه خلل في أحد شروط العقد كعدم أهلية الشهود مثلاً أو عدم وجود الشهود أو أن يكون مؤقتاً كأن يحدد فترة العقد باسبوع أو وقت محدد فهذا لا يُبطل العقد ولكن يُفسده. أما العقد الباطل فهو العقد الذي يستوفي كل شروط العقد الصحيح لكنه مثلاً يعقد على أخته أو على امرأة متزوجة أو امرأة ما زالت في فترة العدّة فهذا زواج باطل والعقد باطل. وعلى هذا فإن الصلاة قد تفسد وقد تبطل، تفسد إذا كان هناك جزء فيها غير صحيح وهذه تُجبر لكن أن تكون الصلاة باطلة فهي لا تُجبر ولا بد من إعادتها كأن يُصلي المسلم على غير الهئية التي صلّى عليها الرسول r وعلّمنا إياها، إذن الشيء الفاسد موجود ولكن فيه خلل وهذا الخلل قد يُجبر أما البطلان للعمل فكأنه غير موجود أصلاً ولا يُجبر الخلل فيه. والحق عكس البُطلان (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) سورة آل عمران آية 71، (فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) سورة الأعراف آية 118، (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) سورة الأنفال آية 8، (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) سورة هود آية 16، (ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ) سورة محمد آية 3 و (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) آية 33

حبِط والإحباط: العمل الصالح موجود وكامل ومستوفي الشروط لكن الذي عمل هذا العمل ارتكب ذنباً أو خطيئة من البشاعة بحيث مسح كُلّ أو بعض عمله الصالح (عمل صالح ثم يأتي عمل آخر يُزيله). والإحباط يأخذ عدة تسميات: الإحباط عكسه الطمع (والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) كل شيء يطمع أن يكسب الأجر فيه فإذا عمل عملاً بحيث لا يغفر الله له يُصاب بإحباط شديد. فالفشل إحباط من الطمع في الفوز، والرسوب إحباط في الطمع بالنجاح، والعجز إحباط في الطمع الفعل الشاقّ والطمع في القُدرة، والهزيمة إحباط في الطمع بالنصر، والخسارة إحباط في الطمع بالغنى (الخسارة في التجارة)، والإفلاس هو الإحباط بالطمع في الدين (حديث: أتدرون من المُفلس؟)

والإحباط هو أخطر ما يعانيه الإنسان لأن الفعل الباطل واضح الأصنام والسحر وما شابه كلها باطلة وواضحة (فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) سورة يونس آية 81، فلا يوجد كثير من الذين يعملون السحر في المجتمع الإسلامي، أما الإحباط فكثير لأنه كم يُذنب الإنسان ذنوباً وخطايا قد تُحبط عمله يوم القيامة فلا يبقى في صحيفة الأعمال شيء فيصاب الإنسان باحباط شامل لأنه ارتكبنا أعمالاً ذهبت بكل بأعمالنا الصالحة سواء كلياً أو جزئياً، فهذه الذنوب التي يرتكبها الإنسان قد تُذهب جزاء عمله الصالح. والإحباط نوعين إحباط كُلّي وإحباط جزئي.

أما الإحباط الكلي فهو الشرك والرِدّة (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) سورة الزمر آية 65، (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) سورة المائدة آية 5. والأعمال الصالحة في الدنيا لها عدة وظائف: النجاة من النار، سرعة دخول الجنة، وتبؤ الدرجات العلا في الجنة. وإحباط العمل قد يمنع من دخول الجنة أو يُبطيء في دخولها (الأغنياء الصالحون يدخلون الجنة بعد الفقراء بخمسمئة عام) أو يمنع نيل الدرجات العلا في الجنة (والآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا). والإحباط أنواع هي:

الإحباط الأكبر أو الشديد: وهو الشرك وهذا الذي يُدخل النار وفي هذا آيات كثيرة (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) سورة البقرة آية 217، (أُولَـئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) سورة آل عمران آية 22، ، (ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) سورة الأنعام آية 88، (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) سورة الأعراف آية 147، (أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) سورة الكهف آية 105

وهو الإحباط المقتصر على الشرك ومفرداته من نفاق ورياء وعقوق للوالدين الذي مات ووالداه عنه غاضبان يدخل النار، والتولي من الزحف أيضاً من ليس له الحق بالإنسحاب والهرب يدخل النار.

الإحباط الوسطي: هو الذي يُؤخر في دخول الجنة. يكون الإنسان قد نجا من النار لكن تأخر دخولهم الجنة وينتظرون زمناً طويلاً لدخولها كما في قصة الأعراف (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ) سورة الأعراف آية 46، ومن محبطات الأعمال الغيبة كما في الحديث الشريف فهي تأكل الحسنات من صجيفة الأعمال يوم القيامة (أكلتها الغيبة) والغيبة هي من محبطات العمل الجزئي،  والإحباط الجزئي هو الذي لا ينفع معه عمل من حيث جزئيات العمل.

الإحباط الثالث وهو الإحباط الذي يقلل من الدرجة في الجنة من حيث الأداء وهو سوء الأداء.ومعظم عباداتنا في زمننا الحالي تدخل في هذا النوع، قد توجد حسنات كثيرة لكنها ليست جيدة كالصلاة تؤدّى لكن ليس فيها خشوع ولا تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، والصوم الذي ليس فيه إلا امتناع عن الطعام والشرب والشهوة. والمعلوم أن لكل عبادة وظيفتان: أولها إسقاط الفرض والنجاة من النار وثانيها اكتساب الدرجات في الجنة. ولكل عبادة آداب خاصة بها وسوء الأدب يدخل في سوء الأداء ومن محبطات الأعمال.

والمحبطات كثيرة منها الكفر والرِدّة والشرك والتولي يوم الزحف وعقوق الوالدين وموالاة المشركين. والإحباط الكلي محصور في الشرك ومفرداته (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ) سورة التوبة آية 17،  (حبطت أعمالهم وأصبحوا خاسرين) كالخائن الذي يوالي أعداء الأمة كااجاسوس والعميل والمشرك. والرياء من محبطات الأعمال وهو مُخلٌ بإخلاص العمل  (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) سورة محمد آية 9، و(ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) آية 28، (كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَدًا فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ أُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الُّدنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) سورة التوبة آية 69، (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) سورة الأحزاب آية 19، (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) سورة هود آية 16 كأن يشتري بالعمل الصالح دنيا (حديث : شرُّ الناس من طلب الدنيا بعمل الآخرة). إذا ثبّت المسلم موقفاً دنيوياً بعمل أُخروي مع طائفته أو حزبه على حساب مسلم آخر من غير طائفته أو حزبه يحبط عمله (هو سماكم المسلمين من قبل) وكما في الحديث (دبّ إليكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقة لا أقول حالقة الشعر وإنما حالقة الدين). فعلى المسلم أن يُنصف أخاه المسلم من أي مذهب أو طائفة أو جماعة كان والفيصل في حب المسلمين جميعاً هو أنه يصلي إلى نفس القبلة فلا فرق بينه وبين غيره من المسلمين من أي طائفة كان فالكل يصلي لله ويتجه إلى نفس القبلة ولا يجب أن يزدري المسلم عمل غيره المسلم أو عبادته أو حقّرها أو استهزأ بغيره من المسلمين على عبادتهم وكأنه يتألّه على الله تعالى. فالميزان هو القبلة وجميع من يصلي للقبلة هم متساوون من حيث القبول من الله تعالى وما عليك من حسابهم من شيء (ما عليك من حسابهم من شيء) ما دام يصلي للقبلة فقد أدى اذي عليه من حيث العبادة وقبول الأعمال وإحباطها هو لله تعالى فقط

ومن المحبطات أيضاً مشاقّة الرسول r. مجرد رفع الصوت في حضرته أو أن يجد الإنسان في صدره شيء عليه أو مجرد الشكّ في صحة أقواله أو أفعاله أو الإستهزاء به بأي شكل من الأشكال كلها من أكبر المحبطات للأعمال الصالحة. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ) سورة محمد آية 32، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) سورة الحجرات آية 2

ومن المحبطات الغيبة وهي مصيبة المصائب وكذلك التألّه على الله تعالى بتقييم أعمال غيرنا من المسلمين وتحقير أعمالهم والجوم بأنهم سيكونوا من أهل النار أو تسفيههم أو نحو ذلك فليس على المسلم أن يتأله على الله تعالى لأنه وحده يعلم بالسرائر وهو الذي يحاسب العباد على أعمالهم، فقد يدخل الله تعالى الجنة من لم يكن يظن الناس أنه داخلها لأن الله تعالى علم بصلاحه وإخلاصه أو غيره. فعليه لا يجب تحقير وتسفيه أعمال غيرنا من المسلمين ولكن علينا اتباع الوعظ والله تعالى أعلم بعباده وبعباداتهم وهو الذي يُدخل الجنة بفضله وكرمه سبحانه. والغيبة سرطان الأعمال وهي تُذهب عمل المسلم  وقد ورد في الحديث الشريف عن سهل بن سعد قال: قال الرسول r : من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة.

ومن المحبطات أيضاً ترك صلاة العصر كما في الحديث: من ترك صلاة العصر متعمداً حتى تفوته فقد حبِط عمله. وفي حديث آخر فكأنما وتر في أهله.

وعليه فعلى كل مسلم واجب أن يحذر محبطات الأعمال وأن يقول كل ليلة قبل النوم: اللهم إني أتصدق بعرضي على جميع المسلمين لأني لا أريد أن أفجع محمداً بواحد من أمّته. وبدون هذا يدخل الكثير من الناس النار وما من شيء يفجع النبي r كواحد من أمّته يدخل النار فعلينا أن لا نفجع نبيّنا r بأحد من أمّته.ّ ويقول : اللهم اغفر لمن اغتابنا واعفو عمن ظلمنا.

كان ابن القيّم يتحدّث عن الكبائر ومحبطات الأعمال فقال له أحدهم أن هناك أعمالاً تكون حجاباً بين الإنسان والنار فقال ابن القيّم فتأتي هذه الكبيرة المحبِطة فتخرق هذا الحجاب.

بُثّت الحلقة بتاريخ 4/1/2004م