حديقة– جنّة – روضة – حرث – زرع – نبات – بستان – حقل
هذه الكلمات حديقة، جنّة، روضة، حرث، زرع ونبات وردت في القرآن الكريم أما كلمة بستان وحقل فلم تردا في القرآن ولكنهما وردتا في الأحاديث وهما تدخلان في منظومة الحديقة وأخواتها.
حديقة: هي قطعة مدوّرة من الأرض فيها عين ماء ذاتي وبعض الأشجار المثمرة وقد سُميّت بهذا الإسم تشبيهاً بحدقة العين في الهيئة وفي حصول الماء فيها. ويقال في اللغة أحدق القوم أي أحاطوا به تشبيهاً بإدارة الحدقة. (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ {60} النمل)، (حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً {32} النبأ)، (وَحَدَائِقَ غُلْباً {30} عبس).
بستان: إذا اتسعت الحديقة وأصبحت مستطيلة أو مربعة واسعة الأطراف تُسمّى بستاناً. وإذا أطلقت كلمة البستان فهو بستان نخل فقط أما إذا كان فيه أشجار غير النخل فيجب تحديده بالوصف أن يقال بستان رمان أو بستان تفاح وبستان تين وغيره.
جنّة: إذا بلغت كثافة البستان حدّاً لا يبدو ولا يظهر من دخل فيه ولا تبدو الأرض فيه من أعلى وإذا دخل فيه إنسان لا يُرى لشدة كثافة الشجر يُسمّى جنّة. وأطلقت كلمة جنّة لأنها تجنّ من فيها والأرض التي تحتها بحيث لا تُرى. (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {265} أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ {266} البقرة)، (فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ {19} المؤمنون)
الحرث: هي الأرض الواسعة التي تُعدّ للبذر وتُهيأ وتنمّق وتُعلّم بمعالم وتزرع فيها البقول وكل ما هو متسلق او ممتد. (مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِـذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {117}آل عمران)، (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ {20} الشورى)، (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ {205} البقرة)، (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ {78} الأنبياء)
حقل: إذا اجتمع في الحرث بستان وزرع وحيوان صار حقلاً وهذه الكلمة لم ترد في القرآن لكنها تستعمل في اللغة. فالحقل إذن هو ما يكون فيه الإنسان والحيوان والمزروعات.
روضة: إذا كانت هناك منطقة زراعية فيها ماء كثير وخضرة دائمة فهي روضة. وسميّت روضة لأنها تبهج النفس وتدخل السعادة عليها فالأشجار والأزهار منمّقة وتلفت النظر وتعطي شعوراً بالسعادة والبهجة للناظر إليها ولإذا دخلها إنسان بدا السرور على وجهه والسعادة كما في قوله تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ {15} الروم)، (تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ {22} الشورى) والحبور هو السرور الذي يطفح على الوجه يحيث يراه الآخرون.
كل هذه الكلمات التي سبقت هي في منظومة الزروع وساعة ما ينبت هذا الشيء الذي في المنظومة أيّاً كان نوعه يُسمّى نباتاً (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {99} الأنعام)، (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {24} يونس)، (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى {53} طه).
الزرع: هو الإنبات وحقيقة ذلك تكون بالأمور الإلهية دون البشرية فقد قال تعالى (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ {63} أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ {64} الواقعة) نسب الحرث إليهم ونفى الزرع عنهم ونسبه إلى نفسه والزرع في الأصل مصدر وعُبّر به عن المزروع نحو قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاء إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ {27} السجدة).
وللزراعة في كتاب الله أغراض شتى منها ما جاء للدلالة على الوحدانية وطلاقة قدرة الله تعالى ، ومنها ما دلّ على النعمة على الناس ووجوب الشكر، ومنها ما دلّ على الرمزية التي تدل على العمل والتوفيق والعدل والإخلاص والأمن وكل شيء جميل يُضرب لنا مثلاً بمنظومة الزراعة في القرآن الكريم.
المعقول أن تأتي بالبذور وعلى الزارع أن يُحسن الزرع بقوانين الزراعة كما يعرفها الفلاحون لكن من اللامعقول أن الزراعة لها ارتباط كبير بالبلد الطيّب الذي تكون زراعته ناجحة ملفتة للنظر أما البلد الخبيث فيخرج نباته خبيثاً مع أنه قد تتوفر فيه كل شروط الزراعة الصحيحة ومقوماتها كما في قوله تعالى (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ {58} الأعراف). وهذا ملاحظ في التاريخ وفي القرآن الكريم كل كلمة طيّب (شجرة طيبة، كلمة طيبة، ماكن طيبة، أرض طيبة) تقتضي بأن تكون فيها على الأقل ثلاث عناصر إيجابية فالمسكن الطيب ه الواسع المربح الآمن البلد الطيب هو الذي يحقق العدل كأن يكون السلطان عادلاً، وأن يكون شعبه له حركة منسّقة صعوداً في العلم والإقتصاد والسياسة وشؤون الدنيا (فامشوا في مناكبها)، وعدم ظهور الفاحشة علناً. فإذا كان السلطان ظالماً والشعب خاملاً والفاحشة ظهرت فهما كانت التربة جيدة وخصبة والمياه متوفرة لا يحقق البلد شيئاً وأول ما يتأثر بهذا الزراعة وهو كما قلنا في التاريخ كثير فالعراق كان أكثر البلدان زراعة للنخيل حيث كان فيه أكثر من 100 مليون نخلة أما الآن فلم يبق منها سوى مليون أو أقل بينما الإمارات أصبح فيها 45 مليون نخلة.
لا بد لكي تنجح الزراعة أن تؤدي حقها من زكاة وما إلى ذلك كما في قوله تعالى (وآتوا حقه يوم حصاده) يوم حصاد الموسم تؤدّى زكانه وقد جاء في سورة القلم كيف أن الله تعالى أحرق زرع الجنة عندما أقسم أصحابها أن لا يعطوا الفقراء حقهم من ثمارها (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ {17} وَلَا يَسْتَثْنُونَ {18} فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ {19} فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ {20} فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ {21} أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ {22} فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ {23} أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ {24} وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ {25}) فاحترقت الجنة وأصبحت كالصريم أي الليل المظلم الساكن. وهكذا لتنمو الزراعة يجب أن يؤدّى حقوق الفقراء فيها.
يجب أن نكون عاطفيين مع الله تعالى في الزراعة أي نحمده ونفرح بنعمه علينا (وبذلك فليفرحوا) والشك يزيد النعم فلو أن صاحب الجنتين في قصة سورة الكهف حمد الله وشكره وقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله لما أحيط بثمره (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً {32} كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَراً {33} وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً {34} وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً {35} وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً {36} قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً {37} لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً {38} وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً {39} فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً {40} أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً {41} وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً {42}). فقوة الشكر من أعماق النفس لما أنعم الله تعالى به علينا من زرع ونشكر الله تعالى بجعل البستان عامراً بكل أنواع الثمار وعلى كل أهل الزراعة والعاماين بها شكر الله تعالى على نعمه. وتعلّمنا السنة النبوية المطهرة على صاحبا أفضل الصلاة والسلام أهمية الزراعة كما تحذّرنا من التقاعس والقعود بها عن الجهاد لأن الإنشغال بالزراعة قد يؤدي إلى التقاعس والقعود عن الجهاد لأن الإنسان يفرح بزراعته ويصبح بينه وبين أرضه عشقاً قد يؤخّره عن الجهاد . وقد قال الرسول r في الحديث: ” إذا قامت القايمة وفي يد أحدكم فسيل فليغرسه”.
ومن الرمزيات التي يرمز لها في القرآن بالزراعة الكثير فما من قضية عظمى إلا رمز الله لها بنوع من صور الزراعة. فالتوحيد مثلاً قضية الكون المركزية كل شيء معها مشروع حتى الذنب له توبة كما جائ في الحديث لو لو تذنبوا لذهب الله بكم، هذا الذي هو مركز الكون كله أساسه الزراعة وعكسه الشرك وليس فيه مشروعية كما في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء {24} تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ {25} ابراهيم) لو تأملنا فيها لعرفنا ما معنى ان تكون مصدقاً بكلمة التوحيد الطيبة (لا إله إلا الله) والآية الثانية (وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ {26}) لو تأملنا فيها لعرفنا كم هي مصيبة المصائب أن تشرك بالله. وكما قلنا سابقاً أن لكل كلمة طيب في القرآن ثلاث صفات إيجابية فالكلمة الطيبة (لا إله إلا الله) من قالها مصدقاً بها قلبه دخل الجنة وإن زنى وإن سرق فالذنوب تعالج بالإستغفار والتوبة وشفاعة الرسول r الذي يشفع لأهل الكبائر من أمته. والكلمة الطيبة إذن مواصفاتها أن أصلها ثابت (لا تُقتلع كالنخلة)، وفرعها في السماء (ارتفاعها وعلوها وشموخها في السماء دلالة على اضطرادها ونموها)، وتؤتي أُكلها كل حين (تؤتي أُكلها على مدار الساعة والحين يعني كل ثانية).
إذن كلمة التوحيد لا إله إلا الله أصلها ثابت من الله عزّ وجلّ وهو الشعار الوحيد الثابت في الكون لأنها كلمة التوحيد. وقد قال سفيان الثوري لو علمت أني ألقى الله على التوحيد ما باليت ألقى الله بذنوب كالجبال.
وفرعها في السماء أي وصل اتصالها بالله بحيث أن ثمارها كلها تؤتى إلى الله تعالى فالموحّد يمكن أن يكوت عمره كله في عبادة بالنيّة كأن تنوي أن تأكل لله رب العالمين فتتقوى بالأكل على طاعة الله وعلى العبادة وأن تذهب للصلاة فكل حركة تتقوّى بها على الطاعة بنيّة كل حركة وسكنة في سبيل الله وهذا يؤتي أُكله كل ثانية وحين.وكل كلمة نقولها تبقى تتردد في الفضاء إلى يوم القيامة فقد قال العلماء حديثاً أن الصدى لا ينقطع. وقد وردت أحاديث كثيرة بهذه الكلمة وهي أساس الكون كله وأساس العمل وهي الحبل الوحيد الذي لا انفصام له مع الله تعالى (تؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها).
والآن وقد فهمنا الرؤية في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء {24} تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ {25}) فلنحرص على التوحيد لأن فيه النجاة مع ما عندنا.
والرؤية الثانية هي الإخلاص: فمن خصائص التوحيد إخلاص العمل لله تعالى لأن الرياء شرك ولكي يكون العمل خالصاً لله تعالى أعطانا تعالى مثلاً زراعياً في قوله (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {265} أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ {266} البقرة) والآيات التي قبلها كانت تتحدث عن الرياء في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {264}) ثم أعقبها بالحديث عن الإخلاص في العمل وهذه دقة متناهية: فالآية تشير إلى جنة على ربوة وهي مكان مرتفع والزراعة التي تكون في مكان مرتفع تكون بعيدة عن مهلكة المياه الجوفية التي قد تفسد الزراعة فتبقى الزراعة على الربو مخضرة وقائمة دائمة، ثم أضاف أنه جاءها وابل من المطر هذا نوع والآخر هو طلّ إذن الزراعة بحاجة لنوعين من الرِّي وابل وطلّ حفيف تحتاجه الأوراق التي هي رئة الشجر حيث تتنفس الأشجار. فالإخلاص في العمل يجعل الذي فعلته مضاعفاً وهو على ربوة من حيث أن العمل المخلص لا يفسد ولا يزول لقوته (والعمل الصالح يرفعه). فعلينا أن نكون مخلصين كي تكوت أعمالنا كالثمرة التي في جنة على ربوة بعيدة عن الإفساد والإحباط والمياه الجوفية الآسنة. وهذه رمزية الآية كونها بمنأى عن الإحباط على خلاف البستان الذي على أرض مستوية فقد يكون عرضة للإفساد من المياه الجوفية وغيرها. فالمخلصون إذن متميزون بهذا لشدة ومشقة الإخلاص وهو ليس سهلاً.
وكي تعرف إن كنت مخلصاً في عمل ما يجب أن يتساوى لديك الشاتم والمادح في جنب الله ولا تنظر إلا إلى الله تعالى وهذا يحتاج إلى يقين بالله حتى يكون عملك من القوة والمكانة بحيث يكون عصيّاً على الإحباط. وكم سنكتشف يوم القيامة أن الكثير من أعمالنا قد أُحبط لأنه لم يكن خاصاً لله تعالى.
رمزية سوء الخاتمة وهو سيف مسلّط على رقبة كل مسلم كما جاء في الحديث. وقوله تعالى (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ {266} البقرة) كذلك يضرب تعالى المثل في جنة فيها نخيل وأعناب ومزروعات موسمية ومن كل الثمرات وعندما صار صاحبها كبيراً وأولاده ما زالوا صغاراً جاءها إعصار اقتل الأشجار من الجذور ولم ينتهي الأمر عندها ولم يتمكن من الإستفادة من الثمر الذي على الأشجار المقتَلَعة وإنما جاءت نار فأحرقت هذه الأشجار أيضاً فكان إفلاستً بعد إفلاس ولم يعد عند صاحب الجنة من العمر ما يمكّنه من الزرع من جديد حتى يعيد لنفسه وأولاده ما كان لديه من الثمرات والزروع وهذا مثال سوء الخاتمة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 21/3/2004م