الحروف في القرآن الكريم, حرف الحاء

حرف الحاء – منظومة الحنان

اسلاميات

منظومة   الحنان

حنان–  شفقة – رحمة- رأفة – خفض الجناح – بالعين –

هذه الكلمات تدل على شدة التعلق وكل كلمة منها تعطي زاوية من المعنى لا تتضمنها الكلمة الأخرى والحنان تتجحفل معه كلمات هي الشفقة والرحمة والرأفة وخفض الجناح وبالعين.

حنان: الحنان والحنين كلاهما من جذر واحد وهو اشتياق متكرر يتلذذ به صاحبه إلى حد الألم يُسمى اللذة الخطرة. هناك لذات مؤلمة ولذلك الحنان على طفل رضيع قد يكون مريضاً أو في محنة معينة أو قد يؤخذ من أمه قسراً في الحروب مثلاً هذا الوضع يجعل الأم المخلوق الوحيد الذي يحنّ عل ولده حنيناً يُذهلها عن حالها ولشدة حبها لابنها تتلذذ بولدها بصحته ومرضه تلذذاً عظيماً إذا فقدت هذه اللذة تحنّ إليه حناناً عجيباً.

والحنان هو اللذة في الاشتياق المتكرر الدائم للشخص والحنين اللذة في الاشتياق المتكرر للشيء فأنت تحن الى الأشياء وتحن على الأشخاص فأنت تشعر بحنان هائل إذا ضاع ولدك بينما تشعر بحنين إلى مدينتك وبلدك إذا كنت بعيداً عنها. قال الشاعر:

عجباً هذا الثرى تعشقه       وإلى أتعس ما فيه تحنّ

ولا يكون حنين أو حنان إلا إذا أصدر صوتاً فقط وهذا شرطه مثل الأنين وهذا ما يميز هذه الكلمة عن غيرها في منظومة الحنان. الجذع حنّ إلى الرسول r وسمعه المسلمون وكذلك حنين الإبل لأولادها معروف يسمع لها رغاء. وبالتالي الشعر العربي الوجداني والحب والغناء والنواح والأهازيج كلها أصوات ناتجة عن الحنان أو الحنين. الحمام يئن على فراق حبيبه وعذاب الهدهد أن يُفرّق عن أنثاه فيُعرف له ونين وقد يموت من شدة حنينه لها. زكريا u وُلِد له يحيى بعدما صار عجوزاً فما أدرك يحيى u لذة الأبوة فربُّ العالمين عوّضه بحنان الله تعالى عليه بما يليق بجلاله (وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) مريم). والحنان والحنين هو الذي يمسك الناس في أوطانها وعلى أولادها وأحبابها وكل الأصوات التي تصدر عن حب أو بعد أو وجد أو حنان هي أثر الحنان والحنين.

ارحمة: جزء من آثار الحنان والحنين والرحمة تتلخص في أنك تجلب المصلحة لشخص ما كأن تنفع ابنك هو كل همك تبعاً لحنانك له (تربية، تعليم). قال تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) الروم) جعل تعالى المودة عندما كانا شابين عروسين يُقبلان على بعضهما البعض أما عندما يكبران قد يمرض أحدهما أو يُقعد أو يفقد بصره فتحصل بينهما رحمة أحدهما بالآخر بحيث ينسى كل منهما مشكلته ليرعى الآخر. أما في هذه الأيام فنرى أن الوفاء قلّ بين الأزواج كثيراً.

رأفة: إذا دفعت الشر والضر والضرر عن شخص فهذه رأفة. ترحمه أولاً عندما تجلب له المصالح والمنافع وترأف به عندما تدفع عنه الضرر.

شفقة: على إنسان في حالة الوعظ فقط عندما تنصحه لأنك تخاف عليه خطأ أو منكراً أو مصيبة. خوفك على الكحبوب من أن لا يتّبع نصحك يُسمى شفقة أو إشفاق. أنت تعطي ابنك نصائح وتخاف أن لا يطبقها هذا الخوف يُسمى شفقة على محبوب حنانك عليه يفيض ثم تنصحه وتخاف أن لا يطبق هذه النصائح مما يؤدي إلى ضرر يأتي إليه يسمى شفقة وإشفاقاً.

العين: يقال بعيني وعلى عيني.قال تعالى (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) الطور) عدّاها بالباء وقال تعالى (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) طه) عدّاها بـ على بمعنى أراقبك وأراعيك وأباشر مصالحك من قريب لكن خارج نطاقي. الفرق بين الباء وعلى أن الباء تعني الامتزاج أي أنه قطعة من العين أما على فهي تعني المراقبة والرعاية ومباشرة المصالح من قريب لكن خارج نطاق القائل. بأعيننا غاية الحنان كما يليق بذات الله تعالى وصفاته وأسمائه والحنان من الله تعالى هو شدة الرعاية من الله تعالى بحيث يتولى الله تعالى كل أمره.

هذه المنظومة الرعاية (فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27) الحديد) وخفض الجناح كلها من الحنان واللين أيضاً صتدر من الحنان والحنين.

الحنان: هو شدة الشوق للذة يتكرر باستمرار لمحبوب جداً ويُصدر صوتاً. في قصة عبد الله بن الزبير عندما ثار على بني أمية ثم انهزم فصلبه الحجاج وعلّقه على المشنقة وأقسم أن لا يُنزله إلا بعد أن تأتي أمه أسماء رضي الله عنها فتتوسل إلى الحجاج وكانت قد بلغت التسعين من عمرها فرفضت وبعد أن طال صلب عبد الله ومن شدة شوق أمه أسماء له ذهبت في نصف الليل والحراس نائمون إلى أن وصلت إلى ابنها المصلوب فقبّلت رجليه وقالت: أما آن لهذا الفارس أن يترجّل فسمعها أحد الحراس وأخبر الحجاج فاعتبر أنها توسلت له فأنزل عبد الله وأخذوا جثته إلى أمه فاحتضنتها من المساء إلى الصباح درّ لبنها بحنانها على ابنها وهي في التسعين. زكلما كان حنان الأم أشد كلما كان لبنها أكثر وفراق الأم لبنها من أبعث أنواع الحنان.

ورب العالمين أحنّ على العباد من أمهاتهم كما في الحديث القدسي (أنا أحنّ على عبدي من أمّه). نذكر قصة المبتعد عن الله تعالى عبد ابتعد عن ربه يقول تعالى هذا البعيد الذي ابتعد عني ثم يأتيني بعد ذلك أنا أفرح به كفرح صاحب الراحلة أضاعها في الصحراء وعليها طعامه وشرابه فهو هالك لا محالة فبحث عنها ولم يجدها فنام بانتظار الموت ثم استيقظ فوجد راحلته أمامه ومن شدة فرحته قال يا رب لك الحمد أنت عبدي وأنا ربك. فمن أول دقيقة يفرح الله تعالى بالعبد التائب أكثر من فرح العبد براحلته.والحنّان هو اسم من أسماء الله الحسنى وهو الذي يُقبل عل من أعرض عنه. ابن عاقُ ولا يحب أمه وكلما ابتعد عنها اقتربت منه وحنّت إليه وكذلك العبد كلما ابتعد عن ربه يزداد شوقه تعالى ليعود العبد إليه وهو سبحانه الذي يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.

من آثار حنان الله تعالى على عباده:

لقد أمرت عبدي أن يسألني فأعطيه فلم يسألني فأعطيته أجلّ العطايا بلا سؤال وأبتدئ النِعم قبل استحقاقها ودعوته إلى بابي فأبطأ عليّ ومع ذلك لم أُيئسه من رحمتي بل قلت له لو جئتني قبلتك مهما طال الزمان لإن أتيتني ليلاً قبِلتك وإن أتيتني نهاراً قبِلتك وإن تقرّبت مني شبراً تقرّبت إليك ذراعاً وإن تقرّبت مني ذراعاً تقربت إليك باعاً وإن أتيتني ماشياً أتيتك هرولة ولو جئتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً أتيتك بقرابها مغفرة. ولو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك. عبادي يبارزونني بالعظائم وأنا أكلأهم على فُرُشِهم إنما الجن والإنس نبأ عظيم أخلق ويُعبد غيري وأرزق ويُشكر سواي  خيري إلى العباد نازل وشرّهم إليّ صاعد أتحبب إليهم بنعمي أنا الغني عنهم واتبغّض إليهم بالمعاصي وهم أفقر شيء إليّ من أقبل عليّ تلقيّته من بعيد ومن أعرض عني ناديته من قريب ومن ترك لأجلي أعطيته فرق المزيد ومن أراد رضاي أردت ما يريد ومن تصرّف بحولي وقوتي ألنت له الحديد. أهل ذكري أهل مجالستي فأنا جليس من ذكرني وأهل شكري أهل زيادتي (لئن شكرتم لأزيدنكم) وأهل طاعتي أهل كرامتي وأهل معصيتي لا أُقنّطهم من رحمتي (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) إن تابوا إليّ فأنا حبيبهم (إن الله يحب التوابين) وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأُطهرهم من المعايب (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) البقرة). من آثرني على سواي آثرته على من سواه الحسنة عندي بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف إلى أضعاف كثيرة والسيئة عندي بواحدة فإن ندم عليها واستغفرني غفرتها له. أشكر اليسير من العمل وأغفر الكثير من الزلل رحمتي سبقت غضبي وحِلمي سبقت مؤاخذتي وعفوي سبق عقوبتي وأوكلت لعبدي ما يريد مني فأنا عند ظن عبدي فليظُنّ بي ما يشاء. وإن عبدي ليغصيني فيذكرني على معصية فأغفرها له قبل أن يستغفرني فأنا غافر الذنب أولاً وقابل التوب ثانياً فإذا تاب عبدي بدّلت سيئاته حسنات ويعصيني عبدي ألف معصية فأغفرها له بحسنة واحدة. يُؤتى بالعبد ما له حسنة فيقول الرب خذوا عبدي إلى الجنة فتقول الملائكة بم؟ يقول إنه كان يصل رحِمه. عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة.

جعلت لعبدي أوقاناً شريفة ألقاه فيها كالثلث الأخير من الليل وجعلت له أزمنة شريفة أرفعه فيها كشهر رمضان وجعلت له أياماً شريفة أطهّره فيها كيوم عرفة وجعلت له ليلي شريفة أغنيه فيها كليلة القدر وجعلت له أماكن شريفة أستقبله فيها كالمساجد وجعلت له مجالس شريفة أجالسه فيها كمجالس الذكر ومجالس العلم وزيارة المريض وجعلت المؤمنين بعضهم أولياء بعض فقبلت دعوة بعضهم لبعض في ظهر الغيب ولا أردّها وقبلت شفاعة بعضهم لبعض يوم القيامة فلكل مؤمن شفاعة لأخيه ومن شهد له سبعة من جيرانه أدخلته الجنة على ما كان له من عمل ومن مات فصلّى عليه أربعون وشهدوا له بخير أدخلته الجنة على ما كان له من عمل ومن تبع جنازة أخيه إيماناً واحتساباً غفرت له وأدخلته الجنة ومن أحسنت عِشرة زوجها على ما كان منه من سوء أدخلتها الجنة. وإذا أحببت عبادي نظرت إليهم فلا أعذبهم أبداً والذين أحبهم كثيرون أحب التوابين الذي كلما عمل سيئة تاب منها مباشرة (ثم يتوبون من قريب) وأحب المتطهرين الذي يبقى طيلة النهار على وضوء وأحب المحسنين الذين يتجاوزون عن أخطاء الغير (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) وأحب المُقسطين أهل العدل في أهلهم وما ولوا وأحب العبد المتبذّل الذي لا يبالي ما يلبس أحب العبد العفيف المتعفف ذا العيال. أحب العبد يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله فقد وجبت محبتي له أحب العبد يحب أخاه من أجلي. أحب العبد إذا أكرم بناته وأحسن تربيتهم، أحب العبد الذي يُصلح ذات البين، أحب أهل القرآن يتعلمونه ويعلمونه فهم خيار الناس، أحب الشاب الطائع زأحب الغني المتواضع، أحب التاجر الناصح الذي سهل إذا باع سهل إذا اشترى، أحب الأسخياء السخاء خُلُق الله الأعظم “تجاوزوا عن ذنب السخي فإن الله تعالى يستره له في الدنيا ويغفره له في الآخرة” والسخي هو الذي يعطي ولا يشعر بألم أو حرج وصار الكرم فيه سليقة يقول الرسول r :” إن الله اصطفى هذا الدين لنفسه ولا يُصلحه إلا السخاء وحُسن الخُلُق فإذا وصل العبد للسخاء وحسن الخلق فقد اكتمل.

وحعلت الشهداء من أحب عبادي إلي فيسّرت الشهادة لكل مؤمن من سأل الله الشهادة صادقاً من قلبه نوّله الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه والغريق شهيد والمبطون شهيد ، وجعلت لعباجي نوراً يمشون به يوم القيامة في الظلمة (ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور)، من شاب شيبة في الاسلام فهي نور ومن مشى في الصباح إلى المسجد فهو له نور ومن مشى في العشاء إلى المسجد فهو له نور “بشّر المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة”ومن قرأ الكهف يوم الجمعة فيه له نور ، من حفظ القرآن، من أكرم جاره فهو له نور.

يقول تعالى في الحديث القدسي: جعلت لعبادي ودّاً. الود ذاتي والحب للذات قال تعالى (سيجعل لهم الرحمن وداً) وقال تعالى (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12) الانعام) (فبما رحمة من الله لِنت لهم) (فقولا له قولاً لينا) إذا كان الله تعالى لطيفاً رحيماً بالكافرين فكيف يجرؤ مسلم أن يُغلِظ القول على مسلم يصلي معه في مسجد واحد ويشنّع به. يقدم الله تعالى اللطف والحنان أرسل تعالى موسى وهارون إلى فرعون الذي كان يقتّل أبناءهم ومع هذا قال تعالى لهما (فقولا له قولاً لينا) أي حنان هذا؟! وقال تعالى (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) (إن ربي رحيم ودود) لا يحبك فقط وإنما يتودد إليك ويتلطف تعالى على عباده (ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون) (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم) (واخفض جناحك للمؤمنين) (بالمؤمنين رؤوف رحيم) أعطى الله تعالى رسوله r اسمين من اسمائه ومع هذا يطلب منه أن يخفض لهم جناحه (الجناح هو القوة والسطة).

بُثّت هذه الحلقة بتاريخ 11/3/2005م