الحروف في القرآن الكريم, حرف الحاء

حرف الحاء – منظومة الحِجر

اسلاميات

منظومة  حِجر

 حِجر–  نُهى –  لُبّ –  عقل

هذه الكلمات كلها تدخل قي منظومة العقل والحِجر اسم من أسماء العقل وقد جاء في القرآن العقل بمهنى الحجر والعقل والنُّهى واللُّب ولكل لفظ منها مدلول خاص لعلقل لا يشتمل عليه لفظ آخر.

العقل: قال الراغب الأصفهاني هو القوة المتهيأة لطلب العلم وفهمه وتلقيه كما قال تعالى (وما يعقلها إلا العالمون) فالعقل عموماً هو الطاقة التي وهبها الله تعالى للانسان بحيث يتهيّأ بها لتحصيل العلم وهذه ميزة تميّز بها الانسان على سائر المخلوقات حتى على الملائكة أنفسهم إذ أن الملائكة لا يملكون عقلاً استنباطياً ولذا امتحنهم الله تعالى (فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) البقرة) فقالوا (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) البقرة) فقال تعالى لآدم (قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ) لأن آدم له عقل استنباطي يستطيع أن يتهيّأ للعلم ولكل مشتقاته ولذلك أسجد تعالى الملائكة لآدم . وما أنعم الله تعالى نعمة على البشر أعظم من نعمة العقل التي عي أساس التكليف. فهذ العقل كما تحدثنا عنه هو القوة ولكن هذه القوة تفعل عدة أفعال فنُسمّي العقل تسمية جديدة بناء عليه. والمعروف أن العقل والنفس في صراع دائم فما يريده العقل لا تريده النفس وما تريده النفس لا يريده العقل والكتاب العزيز شاهد على ذلك والأحاديث النبوية كذلك كما في الحديث: “أعدى أعدائك نفسُك التي ما بين جنبيك”.

الحِجر: إذا وصل العقل بالتربية والاعداد إلى مرحلة أن يكون قادراً على المنع من الاستجابة لشهوات النفس السيئة سُمّي حِجراً (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) الفجر) وسُمّي العقل حِجراً لأنه يحجر صاحبه عن الاستجابة لشهوات النفس.

النُّهى: إذا تطوّر العقل أكثر وتربّى أكثر واستمر في عالم النضوج صعوداً سُمّي نُهية وجمعها نُهى. والنُهية هي العقل الذي تطوّر من كونه مجرد عقل ثم صار حِجراً، وهي العقل الذي بنهى صاحبه عن كل قبيح (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54) طه).

اللُّبّ: إذا بلغ العقل غاية النضج سُمّي لُبّاً. واللُّبّ هو العقل الخالص من الشوائب المبدع الجوّال الذي يقيس المعدوم على الموجود فيُوجِد للمعدوم حُكماً. والكلام في اللب عظيم ولذلك أسند الله تعالى كل شيء عظيم لهذا اللب. وقال العلماء أن اللب هو العقل الزاكي الي لا يكتفي بمنطوق العقل وإنما يتجاوز ذلك إلى مكارم الأخلاق كما قال صلى الله عليه وسلم : ” إن الله يُحبُّ مكارم الأخلاق ويكره سفسافها”. وفي القرآن الكريم قال تعالى (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) البقرة) فنظِرة إلى ميسرة من العقل أما قوله تعالى وأن تصدقوا خير لكم فهو من اللب ولا يفعله إلا كِرام الخُلُق. وكذلك قوله تعالى (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) البقرة) اعتدوا عليه من العقل واتّقوا من اللب. فالذي يوُصل إلى مكارم الأخلاق هو اللب. هذا اللب الذي أناط به الله تعالى كل المحاسن وكل الاخلاق الحسنة وهو العقل الذي يوصل إلى الرُشد والرُشد غاية الانسان. وإذا بلغ الانسان الرُشد فقد اكتمل كما قال تعالى عن ابراهيم عليه السلام (وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) الأنبياء) لأنه كان استنباطياً كما ذكر تعالى في القرآن الكريم لذا كان عقله لُبّاً وصل به إلى الرُشد. واللب من السَعَة يُقال فلان في لبّ رخيّ أي في سعة رخيّة. وقول : لبيك في الحج كأن الحجيج يطلبون سعة الله تعالى ورحمته لأنهم وصلوا إلى حِماه.

هذا العقل له أنشطة متدرجة كونه مجرد عقل فإنه يُجمّع الأشياء المتنوعة المختلفة لكي يأخذ منها أو يستدل بها على شيء واحد كما في قوله تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) البقرة) من هذه المجموعة المتنافرة نستدل على أن لهذا الكون خالقاً ونخرج من هذه المجوعة بشيء واحد كما تجمع العقال البعير.

التفكّر: إذا تجاوزت مرحلة العقل تأتي مرحلة التفكّر وهي على عكس العقل فهي تفكك كل جزئيات الموضوع لتخرج منه بحكمة واحدة. كما في آية الخمر والميسر (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) البقرة) القارئ لهذه الآية يفكك الخمر من جميع النواحي اقتصادية واجتماعية وصحية إلى أن يصل إلى تحريمها وكذلك الميسر فككه تفكيكاً دقيقاً تخرج منه بحكمة تحريمه. فالتفكّر تفكيك والعقل تجميع، ونخرج من التجميع بحكمة واحدة ونخرج من التفكيك بحكمة واحدة.

التدبّر: إذا تجاوزت مرحلة العقل والتفكّر تدخل في مرحلة التدبّر. والتدبّر معناه أن تطيل النظر في الشيء من ابداع أو اختراع أو نظرية أو حديث حتى تتلمس كل جوانبها وأبعادها وتعرف خصائصها كما في قوله تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) النساء)

التذكّر: هذا التدبر الطويل يوصل إلى مرحلة التذكّر والتذكّر هو الذي يقيس المعدوم على الموجود، وإيجاد المعلومات بعد عدم وهكذا تمّت الاختراعات وكل ما هو جديد وما انتجه العقل من استنباط من ملاحظة أو حادثة أو فكرة (وما يتذكر إلا أولو الألباب)

الفِقه: هو الفهم الدقيق لنظرية كاملة تقتضي تفصيلاً أو إجمالاً.

والكلام في العقل لا ينتهي في الكتاب والسُنّة وقبل أن ندخل في مزايا العقل نتحدث عن أولي الألباب الذين أناط بهم الله تعالى كل جميل (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) البقرة) والحكمة هي الوسطية في العقل فما قل عنها فهو بلادة وما زاد فهو مَكر والحكمة والوسطية هي التي تُسيّر هذا الكون بأخلاقياته وسلوكياته وعدله. والحكمة أناطها الله تعالى بأولي الألباب من أجل هذا كل شيء عظيم وربح هائل لا بد أن يصدر من أُولي الألباب.

 وفي سورة الرعد (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ {19} الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ {20} وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ {21} وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ {22} جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ {23} سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ {24} سورة الرعد) ذكر تعالى في بضع آيات وصفاً لأولي الألباب فهم منظّمون تنظيماً هائلاً ولهم يوم القيامة ميزة أنهم في أعلى درجات الجنة يوم القيامة والجنة درجات أعلاها مغفرة الرحمن وهي لأولي الألباب (وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا) ومن ميزاتهم يوم القايمة أن الله تعالى يجمع لهم كل أهليهم وذرياتهم وأزواجهم ولو كانوا أقل منهم في الدرجة ما داموا موحّدين ومن أصحاب القِبلة (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ). وقد وصف الله تعالى أولي الألباب بتسع صفات إذا توّرت في المؤمن فإنه يكون في الطبقة الرفيعة يوم القيامة.وهذه الصفات التسع هي:

1.   من صفات العقيدة: الوفاء بالعهد/ وهو التوحيد قولاً وعملاً. وهذه صفة تكاد تكون عامة عند المسلمين ففي عالم الأمر أخذ تعالى على الناس العهد (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف) وجميع البشرية قالت بلى ثم لمّا جاءوا إلى عالم الخلق اختلفت عقائد الناس ولم يبق إلا الموحدون الذين أوفوا بعهد الله عزّ وجلّ.

2.   عدم نقض الميثاق والإيمان بالرسل جميعاً وعلى رأسهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم مصداقاً لقوله تعالى ( وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ {81} آل عمران).

3.   شُكر الله تعالى : الذين يصلون ما أمر الله به أن يُوصل ألا وهي: الرحم والأمانة والنعمة. وفي حديث شريف “ثلاثة متعلقات بالعرش الرُحِم تقول اللهم إني بك فلا اُقطع والأمانة تقول اللهم إنب بك فلا أُجحد والنعمة تقول اللهم إني بك فلا اُكفر. وصلة الرحم قضية أساسية في القرآن كبِرّ الوالدين وكذلك الأمانة ” يُغفر للشهيد كل شيء إلا الأمانة” والنعمة كذلك وعلى الانسان أن لا يكفرها بأن يستعملها في غير طاعة الله تعالى.

4.   عمل القلوب: بع التوحيد وُكر النعمة تأتي خشية الله ومخافته: يخشون ربهم ويخافونه، والخشية هي مهابة الله تعالى وتعظيمه وثمرتها تحسين أداء الطاعات (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) فاطر) وتحسين الصلاة بالخشوع في أدائها والدوام عليها والصوم بلا غيبة والحج بلا رفث ولا فسوق ولا جدال. فالذي يخشى ربه يؤدي عباداته كلها بشكل حسن متقن وبتأدّب في حضرة الخالق. وعمل القلوب أهم من عمل الجوارح.

5.   يخافون سوء الحساب بالإبتعاد عن صغائر الذنوب وكبائرها لأنه على يقين أن الله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور. والحساب مشقّة هائلة كالتحقيق في جريمة بشعة. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ” من نوقِش الحساب هلك ومن نوقِش الحساب عُذّب” فاحرص على أن لا تُحاسب بأن تكون أعمالك الحسنة أكثر من أعمالك السيئة حتى لا تُحاسب. فإذا كنت من أهل القبلة وتُكثر من الاستغفار تكن من أولي الألباب.

6.   مجاهدة النفس بالصبر ابتغاء وجه الله والصبر أنواع : صبر على البلاء كالمرض وغيره، وصبر على النعمة بشكرها وعدم الإغترار بها أو التكبر وعدم إستخدامها في غير طاعة الله وهي أصعب من الصبر على البلاء، وصبر على الطاعات (الصبر على الجهاد والانفاق وقيام الليل والصوم والحج). والصبر يجب أن يكون ابتغاء وجه الله تعالى.  وكذلك الصبر على الشهوات.

7.      إقامة الصلاة وهي رأس العبادات. وإقامة الصلاة غير أدائها وهي تعني جعلها على أحسن هيئة وتأديتها في أوقاتها وبخشوعها وفي أماكنها.

8.   الإنفاق في السرّ والعلانية، ونفقة العلانية هي الزكاة التي تُعلن ليكون المزكّي قدوة لغيره من المسلمين، ونفقة السرّ هي كل الصدقات غير الزكاة وهذه الصدقات هي دليل العمل ابتغاء وجه الله وليس رياء ولا سُمعة أو للمنة أو التكبر أو أن يقول الناس عن المتصدّق أنه منفق. والانفاق هو القاسم المشترك بين جميع العبادات.

9.   التوبة: يدرؤن بالحسنة السيئة: فكلما أذنبوا ذنباً أتبعوه بالإستغفار والتوبة والإنابة إلى الله تعالى حتى لا يُحاسبهم الله عليه. وفي الحديث الشريف: “أتبِع الحسنة السيئة تمحها” وقوله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) آل عمران)

هذه الصفات التسع لو تأملنا فيها لوجدناها متناسقة ولا يفعلها إلا ذو عقل منظّم وذو لُبّ وقد جمعها  تعالى بالعقيدة والشكر وعمل الجوارح وربط كل ذلك برحمة الله تعالى (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ {23} سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ {24}) ومن إكرام الله تعالى لأولي الألباب يجمع لهم  من صلح من درياتهم وأزواجهم وآبائهم ونعيم الجنة لا يمكن لعقل أن يدركه وكل عمل حسن في الدنيا يفتح لصاحبه باباً خاصاً في الجنة. والملائكة نوعان لا ينشغل إلا بعبادة الله تعالى وتسبيحه وتقديسه وهم االعالون (أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) ص) وليس لهم علاقة ببني آدم، ونوع آخر هم المدبرات أمرا (المدبرات أمرا، له معقّبات من بين يديه ومن خلفه، إن كل نفيس لمّا عليها حافظ) هؤلاء الذين يقومون بخدمة أصحابهم بعد أن يدخلوا الجنّة  (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب).

قالوا في العقل:

·    قال الحسن ابن عليّ: ما تمّ دين عبدٍ قطّ حتى يتم عقله. وقد شدد بعض العلماء على اهمية العقل فتشددوا وبالغوا في الأمر حتى تحول إلى مكر فأزهقوا أرواح المسلمين والبعض الآخر قلل من أهميته حتى صار بلاهة والمطلوب كما قلنا سابقاً الوسطية في استعمال العقل وهذه هي الحكمة.

·    يقول أحد الصالحين: إن الناس يصومون ويصلّون ويعتمرون ويحجون ويجاهدون ولا يُجزون إلا على قدر عقولهم. والمعنى أن كل عبادة تُجزى عليها قدر معرفتك بما تفعل.

·        سُئل رجل من العرب عمّر دهراً: أخبرنا بأحسن شيء رأيته في حياتك؟ قال: عقل طُلِب به مروءة مع تقوى الله وعمل الآخرة.

·        ويقولون: لا ينبغي للعاقل أن يغتمّ لأن الغمّ لا ينفع وكثرته تُزري بالعقل وأن لا يحزن لأن الحزن لا يردّ المصيبة ودوامه يُنقِص العقل.

·    روي عن علي ابن أبي طالب كرّم الله وجهه : لمّا أهبط الله تعالى آدم من الجنة أتاه جبريل فقال إني أُمرت أن أخيّرك بين ثلاث فاختر واحدة واترك اثنتين الحياء أو الدين أو العقل، قال آدم بل أختار العقل فقال جبريل للحياء والدين انصرفا فقالا إنّا أُمرنا أن نكون مع العقل حيث كان.

·    يقولون: العاقل لا يبتدئ الكلام إلا أن يُسأل ولا يُكثر المِراء (أي الجدال) إلا عند القبول ولا يُسرع الجواب إلا عند التثبّت والعاقل لا يحتقر ولا يستحقر أحدا لأن من استحقر السلطان أفسد دنياه ومن استحقر الصالحين أهلك دينه ومن استحقر الاخوان أفنى مروءته ومن استحقر العوام أفسد صيانته. والعاقل لا يخفى عليه عيب نفسه لآن من خفي عليه عيب نفسه خفيت عليه محاسن غيره.

·    يجب على العاقل أن يجتنب أشياء ثلاثة فإنها أسرع في إفساد العقل من النار في الهشيم: أولاً الاستغراق في الضحك فالقهقهة ليست من صفات العقلاء، ثانياً كثرة التمني وقلّة العمل، وثالثاً سوء التثبّت أي بأن يتكلم كلاماً لا دليل له عليه.

·        العاقل لا يُكلّف إلا بما يُطيق ولا يسعى إلا بما يُدرك ولا يعِدُ إلا بما يقدر عليه ولا يُنفق إلا بقدر ما يستفيد.

·    العاقل من كان موقّراً للرؤساء ناصحاً للأقران مواتياً للإخوان متحرّزاً من الأعداء غير حاسد للأصحاب لا يبخل في الغِنى ولا يشره في الفاقة ولا ينقاد في الهوى ولا يجمع في الغضب ولا يمرح في الولاية. والعاقل لا يدخل في دعوى ولا يُشارك في مِراء ولا يُدلي بحِجّة حتى يري قاضياً ولا يشكو الوجع إلا من يرجو عنده الشفاء ولا يمدح أحداً إلا بما فيه.

·        آفة العقل العُجب وآفة العقل مجالسة الحمقى والأغبياء.

·        الواجب على العاقل أن يكون حسن السمت طويل الصمت والعاقل لا يطوّل أمله لأن من قوي أجلُه ضعُف عمله.

·        قال أبو حاتم الأصمّ: جالسوا الألبّاء أصدقاء كانوا أم أعداء فإن العقول تُلقّح العقول.

بُثّت الحلقة بتاريخ 25/6/2004م