الحروف في القرآن الكريم, حرف الحاء

حرف الحاء – منظومة النار (حمِيَ)

اسلاميات

منظومة   النار

وري–  أوقد – أضرم- سجّر – اشتعل – ألهب – أجج – سعّر – حمى

تكلمنا سابقاً عن النار من حيث ما تفعله بأهلها (تشوي، تصهر، تكوي، تحرق) وتكلمنا أيضاً عن النار من حيث مادتها (وقود، حطن، حصب، ناس، حجارة) واليوم نتكلم عن النار من حيث ما تفعله ملائكة النار بالنار عندما تتهيأ للعمل يوم القيامة.

وري: يوري هو قدح النار بالزناد أو بالثقاب (أفرأيتم النار التي تورون). والنار خلقها الله تعالى قبل آلآف السنين وأول خطوة عندما تُهيّأ النار توقد الثقاب أو الزناد أو الشعلة قدحاً (فالموريات قدحا) كل شيء يجعل النار تبتدئ يسمى مري (وري يوري ورياً).

الإيقاد” بعد أن أشعلت الثقاب أو قدحت الزناد أو مادة النار تأخذ النار هذا يسمى إيقاداً فهو إذن تقبّل مادة النار من حصب أو حطب لهذا القدح فتشتعل النار يسمى وقداً. ساعة اشتعال الوقود بالثقاب وبداية تماس الوقود مع الحطب (نار الله الموقدة) (فأوقد لي يا هامان) كل ما يتقبل الثقاب أو الزناد أو الشعلة يسمى وقداً.

الإضرام:  هذه الكلمة لم ترد في القرآن الكريم. عندما تأتي بالثقاب ثم تمس به الحطب وقد يكون الحطب عسيراً أو لايكون الاشتعال شديداً تأتي بالقشّ أو مادة سريعة الاشتعال الذي يساعد على إلهاب النار يسمى ضراماً أي أسرع في إيقادها. فالقش الذي يساعد على إيقاد النار يسمى ضرام.

سجّر: ملأ النار بالوقود الجديد حتى امتلأت. عندك تنور أو حفرة فيها قطع صغيرة أو قدتها ثم أضرمتها ثم سجّرتها أي ملأت المكان ملأً كاملاً كله حطباً فصار المكان كله ناراً. (إذا البحار سجرت) أي كل البحار بدون استثناء لم يبق منها موضع إلا اشتعلت فيه النار. وهذا معنى قوله تعالى (ثم في النار يسجرون) أي يملأون النار ملأ كاملاً هذا الامتلاء هو التسجير. سجّر التنور أي ملأه ملأً كاملاً.

الاشتعال: عندما يمتلئ المكان بالنار ربما تكون بعض الأماكن لم يأتها النار أو لم يشتعل كل المكان المخصص للنار. اشتعلت النار أي وصلت إلى جميع مادتها ليس هناك جزء منها لم تصله النار مثل الغابات لما تشتعل. إذا اشتعل جزء فقط يقال احترقت إما إذا عمّت النار جميع الغابة بحيث لم يبق شجرة إلا وطالتها النار يقال اشتعلت. الاشتعال إذن أن تنبثق النار من عدة أماكن حتى تلتئم وتلتحم (واشتعل الرأس شيباً) أي لم يبق فيه سواد.

ألهب: قد تخبو النار قليلاً وتضعف وهناك آلة تبحث فيها في النار وتضيف لها مادة جديدة إما من ضرام أو قش أو بترول أو أي من مواد الاشتعال فتلتهب النار من جديد فهذ هو الإلهاب (سيصلى ناراً ذات لهب) (لا ظليل ولا يغني من اللهب) أي هُيّجت النار بمادة جديدة.

أجّج: هذا الإلهاب عندما يتصاعد حتى يصبح له حفيف ودويّ وضجيج يسمى أجيجاً كما في الحديث “ألا إن للنار ضجيجاً” والضجيج والأجيج لها مهنى متقارب. اسم يأجوج ومأجوج أُطلق لأن لهم غوغاء وضوضاء تصمّ الآذان وفي غاية الازعاج.

سعّر: السعير وصول النار إلى غاية الحماوة. السعير والتسعير هو الوصول بالنار إلى قمة حماوتها بحيث لا يكون بعدها حماوة (وإذا الجحيم سُعّرت) أي وصلت جهنم إلى قمة حرارتها فتسمى سعيراً.

السّعار في كل شيء هو السرعة والعنف يقال كلب مسعور فهو سريع ويعمل حركات في غاية العنف. ويقال سعار المال وسعار الطعام وسعار النار.

حمي: عندما تصبح النار مسعّرة تتحرك ويُسمع لها تغيظ وزفير وصوت وحفيف (سمعوا لها تغيظاً وزفيرا) هنا تقول النار (هل من مزيد) فيضع الله تعالى قدمه فيها فتقول قطّ قطّ قطّ. وعندما تصبح النار مسعّرة تسمى حامية (يصلى ناراً حامية) أي وصلت حماوتها إلى النهاية.

هذه هي منظومة مراحل تكوين النار وتهيأتها للعمل يوم القيامة والسعير هو آخر المراحل التي تصبح النار فيها ناضجة وتتقطع نهباً إلى مادتها. والنار يوم القيامة سوداء أُوقد عليها ألف سنة حتى احمرّت ثم أُوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودّت فهي سوداء مظلمة. ولا شك أن الدخول في السواد من أشد العذاب ولهذا كثير من السجون في ظلام دامس حتى يتضاعف العذاب والمسجون يأتيه العذاب والضرب من حيث لا يدري وهو في ظلمة السجن . ونار جهنم سوداء ليست كنار الدنيا حمراء. والنار يوم القيامة نوعان صلي وحرق الصلي هو أن تشمل الإنسان كله وهذه لا تكون إلا للملحدين ولا تطال الموحدين. أهل القبلة تتفاوت عنهم النار حسب ذنوبهم فمنهم من تبلغ قدمه ومنهم ركبتيه ومنهم خصره ومنهم صدره ومنهم رقبته لكنها لا تغشى وجوه الموحدين كما جاء في الحديث. كل من يعبد الله تعالى عبادة بعد توحيده (الصلاة التي هي أساس الدين) لا تصلاه النار ولا تغشى وجهه وقبل العذاب بالنار ذاتها هناك العذاب الذي يتفاوت من حيث الرائحة فمنهم من يشم رائحة النار فقط وهي في غاية النتانة يؤتى بأسعد رجل في الدنيا فيُشم رائحة النار فيقال له هل رأيت نعيماً قط فيقول لا على رغم من كل النعيم الذي رآه على الأرض. قال تعالى (لا يصلاها إلا الأشقى) فيها نفي صريح قاطع أن شمول النار لكل الإنسان من فوقه إلى تحته لا تكون إلا للمشركين خاصة.

الذنوب التي توجب النار لا محالة إلا أن يتغمد الله عباده برحمته:

كل عصر له ذنوب معينة وله فتنته وهناك ذنوب تساهلنا فيها ولم نوفها حظها في الشرح والجلاء ولهذا فهي بعيدة عن خواطرنا. في خاطرنا ذنوباً معينة كالزنا والقتل والربا وغيرها لكن هناك ذنوباً أعظم من هذه الذنوب في هذا الزمان تحيط بنا من كل جانب. وأخطر الذنوب ما يتعلق بالدماء والأموال والأخلاق.

الذنوب المتعلقة بالدماء: القتل ومقدماته من جرح أو تخويف ” في آخر الزمان تقع فتن كثيرة حتى يكثر الهرج قالوا ما الهرج يا رسول الله قال القتل القتل القتل حتى لا يدري القاتل لم قتل والمقتول فيم قُتِل” وكأن الأحاديث تشير إلى الحروب الأهلية او الحروب المحلية والعرقية والمذهبية والطائفية فتسيل دماء المسلمين أنهاراً في الحديث ” إذا التقى مسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار” ويقول r “سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألته ألا يُهلك أمتي بالسنة فأعطانيها وسألته ألا يُهلِك أمتي بالغرق فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها” فقتل المسلون بعضهم البعض. “من أعان على قتل مسلم ولو بشق كلمة بُعث يوم القيامة مكتوب على جبينه آيس من رحمة الله” وقذف التهم على المسلمين كلها تعين على القتل فلم يعد لدم المسلم حرمة فإذا كنت مسلماً وأعنت على ذلك ولو بكلمة تُيعث يوم القيامة مكتوب على جبينك آيس من رحمة الله قال r في الحديث :” ألا إنها ستكون فتن القاعد فيها خير من الماشي والماشي خير من الساعي إليها فإذا وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله ومن كان له غنم فليلحق بها ومن كان له أرض فليلحق بأرضه قالوا يا رسول الله وإن لم يكن ل إبل ولا غنم ولا أرض قال يعمد إلى سيفه فيدّق على حده بحجر ثم لينجو إن استطاع اللهم هل بلّغت” “فإن خفت أن يظهرك شعاع السيف فألقِ بثوبك على رأسك يبوء بإثمك وإثمه” .  والكلام على الدماء كثير ولهذا علينا أن نحذر أن لا نقول كلمة تساعد على القتل أو تؤدي إليه “لا تقوم الساعة حتى تكون فتن الكلمة فيها أمضى من السيف” قتل المسلم بأي حال لا يكون إلا عن طريق محاكمة أو مرجع سياسي معترف به أو دولة لكن قتله بدون مرجع أو محاكمة أو قانون جريمة تُقحِم صاحبها في النار.

الذنوب المتعلقة بالأموال: “إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله استخلفكم فيها فناظرٌ كيف تعملون فاتقوا النار” “لا ـخشى عليكم الفقر ولكن أخشى عليكم أن تُفتح عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم” همُّ الناس أن تجمع الأموال من أي طريق كان وهذه فتنة العصر وأخطر أنواع العبث بامال الغُلول (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) آل عمران) وهو السطو أو التلاعب بأموال الدولة أو المال العام وهي من أعظم الجرائم يوم القيامة “إن الغلول نار وعار يوم القيامة” “كل لحم نبت من الحرام فالنار أولى به” .

ومن أخطر الجرائم رفع الأمانة “لا تقوم الساعة حتى ترفع الآمانة من صدور الرجال حتى يقال إن في بني فلان أمين” سيصبح عرفاً قلة الأمانة. “أهل النار خمسة الخائن الذي لا يقوى عليه طمع وإن دق إلا خانه ورجل لا يصبح ولا يسمي إلا وهو يخادعك عن مالك والبخيل والكذاب والشنظير الفاحش” والشنظير هو الشاتم بالعرض والناموس والشنظرة هي الشتم المقذع بالأعراض. “أول ثلاثة يدخلون النار أمير مسلّط وذو ثروة لا يعطي حق ماله والمتخوض في مال الله” والمتخوض في مال الله الذي يتلاعب بمال أعطاه إياه أحدهم ليوزعه في مصارفه فتلاعب به ووزعه في غير مكانه. والغنى الموجود الآن لم يكن موجوداً سابقاً فالغنى اآن من علامات الساعة وعلى الأغنياء أن يؤدوا زكاة أموالهم وإلا فمصيبتهم كبيرة يوم القيامة وعليهم أن تكون في نيتعهم أن كل ما ينفقونه طوال العام هو من زكاة ماله.

الذنوب المتعلقة بالأخلاق: ” من أثنى المسلمون عليه شراً فهو في النار” “ألسنة الخلق أقلام العقل” ” من شهد له أربعون بالخير دخل الجنة” “النار تقول يا رب مالي لا يدخلني إلا الجبارون المتكبرون” “إن أهل النار كل جعظري جوّاض متكبر” الجعظري هو الشحيح الشره على أموال الناس والجوّاض هو الضخم المختال كثير الكلام.

ومن الذنوب المتعلقة بالأخلاق حب الشهرة (للعلماء فقط) كل من يفعل الخير للشهرة “أول من تسعر بهم النار عالم ومنفق وشهيد” . ومن الخطورة أيضاً المرأة التي تنكر زوجها وقد قام بحقها هي من أهل النار (أي إن ماتت على ذلك فهي إما تصبر أو تطلب الطلاق) إذا منع الرجل زوجته من زيارة أهلها فهو قاطع رحم وهذه جريمة عظيمة “وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل ولا قاطع رحم”. ومن الخطورة مسؤولية الكلمة عظيمة يوم القيامة “إن الرجل ليقول الكلمة لا يدري ما تبلغ يوم القيامة من سخط الله” فعليك بالصمت. سُئل رسول الله r أونحن محاسبون على ما نقول يا رسول الله فقال r وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم” (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).

وكذلك كتم العلم من الذنوب إذا سئلت عن علم فلم تجب فهذه مصيبة “من تعلم علماً فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة”.

من الذنوب أيضاً القضاء بالجهل “إن الرجل ليقول الكلمة لا يري حيث بلغت يهوي بها في النار سبعين خريفاً” “من قضى في الناس على جهل فهو في النار” ليس له علم بالقضية ومع هذا قضى بها.

ومن الذنوب الخطيرة “من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فإنما ينظر في النار” يجب عدم التلصص والتجسس على الآخرين.

“أكثر أهل النار النمامون” هذه الفتنة.

“من طلب العلم ليجاري به العلماء فهو في النار” فئة تطلب العلم لا لترشد الناس وإنما ليباهي به العلماء فهو في النار.

“من هجر أخاه فوق ثلاث” متخاصم له حق ثلاثة أيام لو مات قبل أن يتصالح مع أخيه فهو في النار.

علينا أن لا نحتقر ذنباً عظيماً والمؤمن يرى ذنبه فوق رأسه كالجبال والبعض يُظهر الاسلام ويعمل ضده وهؤلاء هم المنافقون فهم في النار. قال تعالى (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) البقرة) استوقدها أي أوقدها غيره فلما أضاءت ما حوله الضوء ذاتي والنور انعكاس فالدين لما أضاء الدنيا وقضى على الظلم والشرك والوثنية ذهب الله تعالى بنورهم ولم يقل تعالى أذهب نورهم لأنها تعني أن النور ذهب وبقي الله تعالى معهم لكنه تعالى قال ذهب الله بنورهم أي أخذ النور من قلوبهم وألسنتهم وحولهم وذهب عنهم وتركهم وحدهم في ظلمات القلق والتردد والنفاق وظلمة الكون والشعور بالذنب والتفاهة والتبعية لا يبصرون وهذه كلها ظلمات (ظلمات بعضها فوق بعض).

هذه هي النار وهذه هي مراحل ايقادها واشعالها وتسجيرها وحميها وكذلك تحدثنا عن الذنوب التي تساهلنا فيها وهي من أخطر ما نفعل. “إن الشيطان يئس أن يُعبد في جزيرة العرب ولكنه رضي بما تحقرون من أعمالكم” هذه المهلكات يوم القيامة ما تحقرونه من أعمالكم. وعرفنا ميزة المصلي أن لا يصلى النار وإنما قد تحرقه وهناك فرق بين الصلي والحرق والصلي هو أن تشكل النار جسد المعذّب بالكامل وهذا العذاب الأليم ومن فضل الله تعالى أن الصلي ممنوع على أهل القبلة. وما من خسارة أعظم من أن تلقى الله تعالى وأنت لا تصلي لأن أول ما يُسأل العبد عنه يوم القيامة الصلاة فالصلاة والوضوء تلقي على النفس راحة نفسية هائلة وإياكم والتسويف فإن الموت يأتي بغتة ولا يغترّن أحدكم بحِلم الله تعالى.

أجمع المسلمون على أن قتل السملم بأية طريقة كانت جريمة بشعة إلا إن كان حكم القتل قد تم عن طريق محكمة أو حاكم أو إن هاجمك أحد وإن استطعت أن تلقي عليه القبض وتسلمه للشرطة دون أن تقتله فهذا أفضل ويمكنك أن تدفعه عنك بضرب رجله مثلاً أما ما شابه. والدليل شيء واصطناع الدليل والهوى شيء آخر (قل هذه سبيلي أدعو الله على بصيرة). وهذا الهرج الذي بدأ في العالم الإسلامي منذ سنوات هو ما أخبر به r وعلينا أن نعلم أن وراءنا حساب شديد.

بُثّت هذه الحلقة بتاريخ 4/3/2005م