الحروف في القرآن الكريم, حرف الحاء

حرف الحاء – منظومة حقبة (الزمن) 1

اسلاميات

منظومة   الزمن (كلمة حقبة وأخواتها)

الحقبة– الأبد –الأمد –  السرمد – الدهر – الزمن – الوقت- القرن- الأمّة- العمر- الحين

منظومة الزمن هى منظومة مكونة من أحد عشر كلمة فى كتاب الله عز وجل وهى : الأبد والأمد والسرمد والدهر والزمن والوقت والحقبة والقرن والأمّة والعمر والحين.

الزمن هو أعظم واكرم واشرف ما يملكه الانسان على هذه الأرض ولذلك فان نصف ساعة قد تساوى عمر الكرة الأرضية كلها،تأمل لو ان رجلا كان مشركا أوعصى الله مائة عام ثم تاب الى الله تعالى نصف يوم أو نصف ساعة ثم مات بعد ذلك فان هذه النصف ساعة ستسبب له الخلود فى الجنة ذلك الخلود اللانهائى وحينئذ ما هى قيمة تلك الساعة، كذلك لو كان هناك رجلٌ من الناس يملك الكرة الأرضية كلها ومن الملوك من حكم الكرة الأرضية كلها ثم احتُضر قبل الموت ونحن نعلم ان الأحتضار عالم آخر تلك الدقائق التىيُنتزع فيها الغطاء عن الانسان فيرى كل شئ فى تلك الدقائق (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {99} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ {100} المؤمنون) ، حينئذ يتذكر هذا المحتضرأن دقيقة من عمره تساوى كل ما كان يملكه من الدهر حتى لو ملك الأرض كلها ألف عام هكذا هو الزمن ولذلك فان أعظم ما فى هذا الانسان عندما استخلفه الله لعمارة هذه الأرض (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) هى العقل والزمن والهدف ، هذا الزمن ما نتحدث عنه الآن من حيث كلمة أحقاب فنحن لا نزال فى حرف الحاء والقاف والباء وكلمة أحقاب (لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً {23} النبأ) والحُقبة والحِقبة جزء من أجزاء أو نوع من أنواع هذا الزمن العظيم الذى سينقسم فى الحلقات القادمة الى أوقات الى الضحى والليل والفجر وهكذا الساعة والدقيقة والعشاء والعتمة والمغرب والصباح والمساء فالآن سوف نتحدث عن الزمن حيث نتحدث فى حلقة قادمة فى وقتها عن الوقت.

نبدأ الآن بالمنظومة وكل كلمة من هذه الكلمات تبين جزءا معينا محدودا من هذا الزمن العظيم.

الأبد: (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً)  زمن ممتد بدون فترة استراحة ، قد يحكم على الانسان بخمسين عام او عشرين عام سجن ولكن هناك نظام اسمه الافراج الشرطى يعنى كل عشر سنوات يفرج عنه سنة ثم يعيدوه هذا ما يسمى مؤبد أما اذا كان متواصل بدون انقطاع  فيقال حكم مؤبد فالمحكوم عليه خمسة وعشرين سنة مؤبد لا يخرج ولا يوم واحد من السجن ، هذا هو الفرق بين خالدين فيها وخالدين فيها أبدا فلابد اذن من زمن ممتد طويل هذا الذى ليس فيه أى فرجة أو فرصة لاستراحة أو فترة هذا الأبد

الأمد: هناك فرق بين الأبد والأمد ونحن نعلم ان اللغة العربية أسر أسر وعوائل عوائل اذا اختلفت فى حرف أو حرفين يكون المعنى متقارب فاذا كان الأبد الممتد الطويل فان الأمد بداية النهاية فاذا وصلنا الى قرب نهايته يسمى أمد (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ {30} آل عمران) فالأمد اذن بداية النهاية ونضرب مثلا لذلك طالب فى كلية ولتكن الطب مثلا زمنها ستة سنوات السنة السادسة تسمى الأمد يعنى بداية السنة انت الآن  فى مرحلة الأمد من زمن الكلية لأنها بداية النهاية ونهايتها آخر شهر فى السنة السادسة تسمى المدى وان كانت المدى لم تأتى فى القرآن فالفرق بين الأمد والمدى أن الأمد بداية النهاية والمدى آخر المطاف.

وكذلك لو دخل واحد سباق ألف متر عندما يصل قبل مترين أو ثلاثة من هذا الشوط يقال بلغ الأمد وعندما يصل لآخر نقطة نقول بلغ المدى .

السرمد :الزمن الذى يختص بنوع واحد يعنى لو عشت ألف سنة ملك أوألف سنة سجين أو ألف سنة فى ليل دائم (قلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ {71}القصص)

واحد مثلا مسجون خمسة وعشرون سنة يعنى لاتعين مدير ولا حدث له شئ باقى فى السجن لا يتغير عندما يصبح الزمن موحدا على نسق واحد يسمى هذا السرمد الذى لا نهاية له وعكسه الأزل فالسرمد هو المستقبل المطلق والأزل هو الماضى المطلق الذى لا بداية له فالله سرمدى أزلى ، أزلى فى الماضى وسرمدى فى المستقبل.

الدهر: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ {24} الجاثية)

الدهر هوزمن الدنيا منذ أن خلقها الله عز وجل الى أن تقوم الساعة من حيث أن الآخرة ليس فيها زمن مطلقا وانما الزمن من قوانين هذه الدنيا حتى البرزخ ليس فيه زمن ولذلك الذى مات قبل مليون سنة والذى سيموت قبل القيامة بدقيقتين شعور واحد (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ {112} قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ {113}المؤمنون)

فالدهر اذن زمن الدنيا وفى بعض استعمالات اللغة يقال أن كل انسان له دهره وأنت لك عمرك ودهرك وكان من العرب من يقول أنا الدهر(هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً {1}الانسان)

نحن قلنا: الأبد الأستمرار المتصل والأمد بداية النهاية والمدى نهاية النهاية

الزمن: كلمة الزمن تعنى البداية والنهاية وكل الوقت الذى يمر عليك من بدايته الى نهايته فهو زمن.

الوقت: (قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ {37} إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ {38} الحجر) ، (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً {103} النساء)

فالوقت هو الزمن المخصص لفعل معين مثلا وقت الأكل وقت الصلاة وقت الاذان وقت الدرس كل عمل أو حدث يخصص له زمن محدد يسمى ذلك الزمن وقتا.

الحقبة: (لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً {23} النبأ)

وسواء كانت حٌقبة أو حِقبة كلاهما تجمع على أحقاب عند بعض الروايات وفى بعضها اذا كانت حٌقبة تجمع أحقاب وحِقبة تجمع أحقب لكن الصحيح أنها فى الحالتين سواء، الحقبة بالكسر سنة واحدة يقول عشت حِقبة يعنى سنة واحدة أما الحٌقبة فهى ثمانون سنة فهى عمر متكامل لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً  والمفسرون كما قال الرازى وغيره يقول ثمانون سنة كل سنة 365 يوم وكل شهر 30يوم وكل جمعة 7 ايام وكل يوم 24ساعة وكل ساعة 60دقيقة (وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ {47} الحج .)

القرن: كما نعلم فان القرن مائة عام  وفى اللغة العربية تطلق القرون على الجيل يعنى الجيل ينتهى تماما بالقرن وقد يعيش واحد ثمانين أو ستين سنة لكن لما يمر القرن كامل مائة سنة نادر يبقى واحد او اثنان يعيش بعد المائة فالقرن والقرون الأولى يعنى الأجيال الكاملة ، ونحن نقول السنة اثنا عشر شهرا والعقد عشر سنوات فكل عشرعقود تصير قرنا وكل عشر قرون تصير دهرا وهذا أحد التفاسير كما رواها صاحب كتاب تاج العروس يقول أن العرب يسمون الدهر يعنى ألف سنة ولكن فى الحقيقة أن الرأى الأصح من هذا عند بقية اللغويين أن الدهر هو الدهر الكامل الذى يبدأ ببداية هذا الكون.

الأّمة: (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ {8} هود) فالأمة هى مجموعة السنين التى يكون فيها حدث معين يدل عليها كعام الفيل وعام الرمادة وسنة الحرب العالمية وسنة القحط الفلانى .

العمر: (قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ {16}يونس ، وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ {45}القصص.)

العمر يطلق على مرحلة الشباب فالأربعين شباب ومن بلغ الأربعين ولم يغلب خيره على شره فليتجهز الى النار من حيث انه بداية النصف الثانى من العمرومن الشيخوخة وان الشباب هو الذى من خمسة عشر حتى الأربعين فالعمر اذا ذكرأو أطلقت مرحلة الشباب من جيث ان الله عز وجل والناس والتاريخ والواقع يسندون الى الشباب من الفضل والانتاج ما لا يسندونه الى غيرهم كقول النبى صلى الله عليه وسلم الخير كله فى الشباب وكما فى القرآن الكريم (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً {12}مريم)

وكثير من التاريخ الذى قام به شباب عظام الذى فتح الهند والصين محمد بن القاسم كان عمره ثمانية عشر سنة،أسامة بن زيد قاد الجيوش وذهب الى مقارعة هرقل وعمره واحد وعشرون عاما وهكذا معظم الصحابة ولهذا جاء فى الحديث لا تزول قدم عبد حتى يسأل عن شبابه ماذا عمل به أو شبابه فيما أفناه وعن علمه ماذا فعل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وهكذا فالعمر اذا اطلق (لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً) يعن أيام شبابى وفعلا الأنبياء ينبئون بالأربعين اذا ما عاشوا شبابهم بين قومهم (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ) فكيف تعرفون بأنى لا أكذب.

الحين: هو وقت حصول الشئ فحين وحدها لامعنى لها الا أن تضاف الى دقة الفعل الذى تجرى فيه ، أقول حين أضع قلمى،حين أصوم،حين آكل،حين تمسون وحين تصبحون واذا اطلقت كلمة الحين فهو مطلق (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ {88}‏ ص) أى لابد أن يحدث حدث عظيم حيث يضاف ذلك الحين اليه،كلما اطلقت كلمة الحين فى القرآن يعنى معرفتكم بهذا الشئ الذى تريدون معرفته سوف يتم عندما يحدث حدث عظيم يقال حين حدث كذا  وهكذا.

الزمن مخلوق والأصل فى الكون عدم الزمن وهو الأزل ورب العالمين هو الوجود المطلق لا يمر عليه الزمن ، من أجل هذا لا يمكن للعقل البشرى ان يدركه لأن العقل البشرى خٌلق على هذه الأرض واستخلفه الله عز وجل من حيث قال (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا{61}هود) هذا هو الهدف والكون لكى يعمريجب ان يكون فيه عقل وفيه علم وفيه هدف العقل عقل آدم (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {31} قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ {32} قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ {33} البقرة) فالله خلق للانسان عقلا استنباطيا وهذا عقل لا يملكه الا الانسان ولهذا الانسان بهذا العقل استحق خلافة الأرض والهدف قال وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فعلينا أن نعمرها اعمار هذه الأرض حضارة ومدنية هو الهدف من خلق هذا الانسان وهذا لا يكون الا بالزمن (لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ{5}يونس) وكلنا نعرف اليوم ان السنين والحساب وهى علم الرياضيات هو أساس كل هذه الحضارة والمدنية التى وجدت وسوف توجد أكثر على وجه الأرض ،كل ما فى الكون الان من هذا الابداع وهذه الاختراعات التى تمرعلى مدار الساعة أساسها الرياضيات .

نأتى للفرق فى استعمال القرآن لهذه الكلمات بهذه الدقة المعجزة وما استعمل الكلمة الا بشكل لا تغنى عنه الكلمة الأخرى فلا تغنى كلمة الدهر عن الأبد أو الوقت أوما شاكل ذلك وأن كل كلمة فى مكانها ترسم زاوية فى الصورة لا ترسمها أى كلمة أخرى غيرها اذن هذا هو الزمن وهذه هى قيمة أن دقيقة واحدة فى آخر أيامك تساوى ألف عام بل ملايين الأعوام لأن عليها يتوقف (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ {10} وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {11}‏ المنافقون) وهكذا اذن دقائق تساوىكل ما فى الأرض من ملك وثروة وكل شئ هذا هو الزمن،اذن رب العالمين جعل لكل جزء من هذا الزمن وظيفة معينة كما فى (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى {1} وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى {2} وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى {3} إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى {4}الليل) كما أن للذكورة وظيفة وللانوثة وظيفة فان للنهار حركة ووظيفة ولليل سكون ووظيفة وأن الله تعالى أطلق فى القرآن على كل جزء من هذا الزمن صباح مساء ضحى عشية عتمة فجر سحر غسق اذن كل ذلك يدل على أن هذا الزمن تبذيره أشد حرمة من تبذير المال ففى الحديث من تساوى يوماه فهو مغبون وحديث آخرنعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ والكلام فى شرف الوقت عظيم كما فى الحديث الليل والنهار مطيتان فأحسنوا السير عليهما الى الآخرة ولا يغترن أحد بحلم الله فان الموت يأتى بغتة واياكم والتسويف فالتسويف سوف أفعل و سوف أفعل  وكلنا للأسف الشديد مبتلون بهذا التسويف من حيث أننا بطيئون التصور والانتظار فى الغفلة (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ {1}الأنبياء) والغفلة هى الوعاء الذى يبذر فيه الزمن كما تبذر الأموال على مائدة القمار فموائد القمار هى الظرف أو المكان الذى تبذر فيه أعظم نعمة وأعظم كنز وهو الزمن وكذلك فان سرقة أزمنة الناس من أعظم الجرائم يوم القيامة ، تصور أن تحكم على عبد بالسجن عشرين عاما ظلما فى السجن فأنت سرقت من عمره ومن زمانه ومن أزمنته عشرين عاما أو عشرة أو عام أو أسبوع أو ساعة بدون حق.

واذا عرفت أن امرأة صالحة تقية دخلت النار فى هرة حبستها فى بيتها فما تقول فى انسان يحبس انسانا له أهدافه وغاياته ووظائفه ومن حيث أن الله جعل له هدفا (لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ) فأنت حينئذ عطلت هذا الجهد الذى خلقه الله وذلك من أعظم الجرائم يوم القيامة فما بالك بمن يسرق أزمنة أمة،ان عملية الاستيلاء والاستحواذ والاستعمار والاحتلال لأمم العالم وشعوبهم وثرواتهم وأزمنتهم وتعويقهم عن الحضارة واشغالهم بالفتن والقتال والانقسامات وتضييع الفرص على أزمنتهم للتقدم هذا هو الجرم الذىيعرف الناس السارقون أجره وجزاؤه البشع فى الدنيا قبل الآخرة ن وما من أمة أضاعت على أمة أخرى أزمنتها الا انمحقت هذه الأمة السارقة واقرأ التاريخ كله ولكن لو حدث أن بعض الأمم استولت على أزمنة الآخرين ولكنها ملأت هذه الأزمنة المستولى عليها حضارة وعدلا حتى قدمتها تقدما عظيما حينئذ هذا شئ آخر (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ {117}‏هود) لقد أصلحوا فعلا حتى قدمواالأمة التى استصلحوها كما يستولى الناس على الأرض البور السبخة الموات لاصلاحها هذا ليس سرقة فى الاسلام فكل من استولى على أرض فأصلحها فهى له وهكذا لو استولى على أمة فأصلحها علما وحضارة واعتقادا وما الى ذلك فهى له اذن الكلام عن الأمم التى استولت على أمم أخرى فسرقت أموالها وثرواتها وأزمنتها وأخرتها وقتلت شعبها وفتنتها وهكذا هذه الأمة لابد أن تهلك وأن تعانى وأن تشرب من نفس الكأس يوما والتاريخ على ذلك شاهد والحسن البصرى يقول يابن آدم انما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك، فاذا كان مجموعك خمسة آلاف يوم كلما ذهب يوم ذهب بعضك.

وان رجلا ليس بينه وبين آدم رجل حى لمعرق فى الموت اذن الأيام تمر مر السحاب وكل من بلغ السبعين من أمثالى يظنها سبعون يوما وأنا والله لا أدرى كيف ذهبت ولا أصدق أنها سبعون عاما قل سبعون شهرا قل يوما أوبعض يوم وقيل لنوح أطول الأنبياء عمرا يا نوح كيف رأيت الدنيا قال بيت له بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر ونوح فى غاية الصدق فى هذا وهذا هو الواقع ولذلك العمر الافتراضى ستون عاما وفى الحديث من بلّغه الله الستين فقد أعذر اليه ،.ويكون الموت حينها أقرب اليه من شراك نعله.

اذن كيف نستطيع أن نطمأن الى أننا استعملنا هذا الزمن الذى هو دهرنا ودهرنا هو عمرى أنا وعمرك أنت استعمالا ترضى عنه ويرضى عنه الله ورسوله وحينئذ أنت مع الذين أمضوا أزمنتهم كما أراد الله لهم فأنت اذن ذو قيمة وذو بناء وان تركت أثر تركت خيرا وان ممايلحق العبد بعد موته علما ورثه ونشره وخيرا فعله وما دمت توحد الله فهو محسوب لك ويحسب لك الى يوم القيامة (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ آل عمران7)

وكذلك الاختراعات وهذا الكون العامر وكل من ساهم فيه بهذا الجمال اذا كان يوحد الله فان عمله هذا ينفعه الى يوم القيامة.

ولوأجرينا مسحا لرأينا أن عدد الغافلين لا حصر له فالأوقات تبذر والزمن يبذر بكثرة فالسنين تضيع وساعات اليوم والليل فى مشاهدة الأشياء الغير نافعة فى التلفازكمشاهدة المسلسلات والمسرحيات الهابطة مثلا ولا استفادة أما بيت واحد من الشعرتخرج منه بنتيجة وذوق وثقافة وبلاغة يساوى ألف مسلسل عربى، وكذلك الانترنت كما يقال فيه خير كثير وشر كثير فعلينا ان نأخذ الخير ونترك الشر.

اذن احسم واحزم أمركمن الآن لأن الموت يأتى بغتة واياك والتسويف ولا يغترن احدكم بحلم الله.

وعلينا الآن أن نرسم منهج بسيط معقول لنعرف على الأقل الحد الأدنى الذى نكون فيه فى الموقع الممتازيوم القيامة ونبعث مع الذين استثمروا أوقاتهم استثمارا جيدا وبذلك نكون مع عباد الله الصالحين لأننا لن نكون معهم الا اذا طبقنا منهج لا يضيع ولا يبذر شيئا من زمننا (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ {9} العنكبوت) ولهذا المنهج نحتاج الى جهد وحزم ويقظة فاذا اتّبع سبعون بالمائة من الناس من أمة واحدة هذا المنهج سوف تصبح أمتنا هى الأمة الفاضلة كما هو شأنها دائما مهما قيل عنها ويكون المنهج هكذا:

أولا :التوحيد فعليك أن تمحص انك تعبد الله وحده واياك ان تكون قريبا من الشرك بأى شكل ولم يكن فيه شرك فالورع ترك ما لا ذنب فيه مخافة ان يكون فيه ذنب فلا اتضرع الى أولياء فانه ليس بينك وبين الله حجاب ولا واسطة فاياك ان تفعل هذا مهما تواجدت لديك عاطفة نحو احدهم وكم قال رب العالمين (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {60}غافر) ،(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ {186}البقرة) فلا قيمة لشئ بدون توحيد.

ثانيا:القرآن فعليك أن تتعامل معه بشكل يومى وأن تستظهر على الأقل البقرة وآل عمران لأنهما الزهراوان فالعامل الذى لا يبذر زمنه لا يجب ان يقل عن الزهراويين وعليك ان تكون متوضئا وطاهرا من الصبح حتى النوم لأن الوضوء يقى الغفلة وبدوام الوضوء ستكون لك نفسية رائقة ورائعة وكونك طاهرا دائما فان الله يحبك (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {222}البقرة) فلو جربت ذلك أربعين يوما لأدركت أيما لذة فى الطهر.

ثالثا: الصلاة فى أول وقتها فى مكانها ودوامها وهو المسجد للرجال فالمساجد هى محل الدوام الرسمى (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ {34}المعارج) ويجب عليك أن تعرفأن هناك أزمنة شريفة ومنها الصلوات الخمس والصلاة فى الثلث الأخير من الليل ويوم عرفة وليلة القدر والأيام البيض ومابين المغرب والعشاء فى المسجد أيضا زمان شريف من أزمنة حضور الملك فأنت تعمل فى الدائرة الخاصة للملك فما أشرف من ذلك وأزمنة العمل مع الله لابد لها من الدوام فأنت مع الله مباشرة (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ{5}‏ابراهيم) وحينئذ لن تحسب من المبذرين مطلقا.

ومن ضمن أعمال الصالحين مثلا الصدقة فاياك أن تهمل الصدقة فالصدقة عبادة جليلة وكل امرئ فى ظل صدقته يوم القيامة والقرآن كلما تحدث عن الصالحين قال: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ {24} لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ {25} المعارج ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {3} الأنفال) ، (َتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {16} السجدة) وما من مجموعة ثلاثية ولا خماسية ولا سداسية من الصالحين الا وذكر فيهم صفة الانفاق ،  ولكى يسهل عليك الأمر عليك ولو بشق تمرة (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {79} التوبة) قال يكفيهم تمرة ، وكذلك صلاة الليل ولو ركعة ولو فوق ناقة المهم أن تكون حاضرا اذا ما كنت فى دائرة الملك ، مثال آخر مجرد حضورك المسجد وبه طلاب علم أو ناس يذكرون الله عز وجل وأنت بدون عمل وبدون عمل أنت تحسب فيهم كما جاء فى الحديث ان لله مَلَكَا سياحين يتِّبعون مجالس الذكر قال ان فيهم فلان خطََّاء قال انهم القوم لا يشقى جليسهم .وكذلك من الأعمال التى تلغى كونك بطّال عطّال مبذر لوقتك الاستغفار فالاستغفار يسبب لك حصانة عند الله عز وجل كما فى واقع الحال أن بعض الناس أصحاب حصانة كالملك والوزير وما الى ذلك فأنت اذا أدمنت الاستغفار وداومت عليه أصابك خير هائل من تفريج كرب ورزق ولا يبقى عليك ذنب يوم القيامة ، وكذلك هناك مطفئات الذنوب سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم مائة مرة وعندنا أيضا الأدعية المأثورات فحياتنا كلها تقريبا ما فيها شئ الا وله دعاء مأثور كدخول المنزل أو الخروج منه والمسجد  والخلاء كل حركة دعاء فيجب المداومة على ذلك.

والأهم من هذا كله أن تكون عبادتنا قليلة ونداوم عليها فاحب العمل الى الله أدومه وان قل ولا تمل فان الله لا يمل حتى تملوا فاجعل أعمالك قليلة ومتقنة وداوم عليها الى أن تموت وهذا الذى يجعلك فعالا يوم القيامة ، ايضا من أهم الأشياء فى هذا المنهج اجتناب المحبطات فلو كنت تصوم وتصلى وتحج وتفعل الخير الكثير فلا تفعل شيئا يحبط عملك فاياك والكبائر والمقحمات فالنبى صلى الله عليه وسلم قال ما اجتنبت المقحمات أى التى تقحم صاحبها النار بقوة وأهمها البغضاء فكما قيل دب داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء والبغضاء هى الحالقة لا أقول حالقة الشعر ولكن حالقة الدين وكحديث النبى صلى الله عليه وسلم والذى نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، فلا يأمل أحدكم أن يدخل الجنة وفى قلبه حقد او بغضاء على مسلم يوحد الله فلا تحبطوا أعمالكم .

وكذلك اياكم وعقوق الوالدين اياكم والفرار من الزحف واياكم والغيبة واياكم والربا ، ولا تنسوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

وفى سؤال لأحد المشاهدين : من كلمات المنظومة الدهر وفى الحديث لا تسبوا الدهر فان الله هو الدهر فكيف يكون الدهر هو الله ؟

كان العرب الجاهليون اذا أصابتهم مصيبة قالوا لعن الله الدهر هو الذى فعل فينا كذا وكذا والآن من الناس من يقول الزمان الفاسد الزمان السئ وفى حديث آخر والحديثان متفق عليهما لاتسبوا الدهر فأنا الدهر ، فكل شئ من فعل الله عز وجل والزمن وعاء لا يقدم ولا يؤخر والحديث لغوى نزل على العرب بلسان عربى مبين ويعنى أن الله يقول هذا الذى تسندونه الى الدهر أنا الذى فعلته .

وفى سؤال آخر عن كلمة خالدين فيها ابدا عن الخلود فى النار أجاب الشيخ : الأبد ليس سرمديا الأبد مدة طويلة طويلة آلاف السنين ومستمرة بلا انقطاع ولكن قد تنتهى ، قد تكون مؤقتة وليست سرمدية كالذى عليه حكم مؤبد خمسة وعشرون عاما ولكنه يخرج بعدها وبالنسبة للنار قد يخلد انسان فى النار ولكنه لا يكون خلودا سرمديا وكما فى حديث البخارى أن الله يضع قدمه فى النار فيطفئها فهذا من كرم الله ان فى النهاية بعد آلاف السنين من العذاب يضع الله قدمه فى النار فيطفئها ولا يليق بكرم الله الا هذا (مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ {147}النساء)‏ اذن فالخلود أبدي وليس سرمدي .

أسئلة أخرى:

سائلة تسأل عن أفضل دعاء للشعور بالظلم فأجاب الدكتور الكبيسي قولي: وعنت الوجوه للحى القيوم وقد خاب من حمل ظلما ،وأخرى سألت عن أفضل دعاء مقرب لله ليرزقها الله الذرية فأجاب قولي: رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين .

بُثّت الحلقة بتاريخ 3/12/2004م

(كتبت هذه الحلقة مشكورة الأخت نادية ثابت من مصر