الحروف في القرآن الكريم, حرف الدال

حرف الدال – منظومة الشرك الخفي (دهن)

اسلاميات
حرف الدال

منظومة  الشِرك الخفي (دهن)

مداهنة- ملاينة – نفاق – رياء –

الشرك نوعان: شرك خفي وشرك علني. الشرك العلني هو أن تجعل لله ندّاً وهو خلقك وهو يخرج المشرك ن المِلّة ولا يغفر ذنبه (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). والنوع الثاني وهو الشرك الخفي أو الشرك الأصغر فهو الذي يحبط العمل ولا يُخرِج من المِلّة وتكون أعمالك صالحة لكنك لم تقصد بها وجه الله تعالى. الشِرك الأكبر له صيغة واحدة أما الشرك الأصغر فيأخذ عدة صور وصيغ هي: المداهنة، الملاينة، النفاق والرياء. وهي أبرز عناصر الشرك الخفي التي حذّر منه الرسول r ويضاف إليه الشهوة الخفية. نبيّن الفروق بين هذه الكلمات القرآنية:

المداهنة: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) القلم) هي أن تبرر الباطل: حاكم أو جماعة تبنّت باطلاً ليس له نافذة على الحق وليس له وجه أن يبرر فيأتي واحد من الناس يجامل هذا الحاكم فيعطيه فتوى. المداهنة هي تبرير الباطل لقوي تطمع في عطائه. في بعض الدول الاسلامية نصوا أن للذكر مثل حظ الأنثى وخالفوا ما جاء في القرآن أن للذكر مثل حظ الانثيين وقالوا أن هذه الأيام الأنثى تخرج للعمل وتساعد فليس هناك حاجة أن يكون حظ الذكر ضعف حظها وهذا باطل قطعاً لأن فيه مخالفة لنص من القرآن الكريم لكن يأتي بعض الناس ويبررون ويقولون هذا جائز وليس هناك حاجة لأن يكون للذكر مثل حظ الانثيين. فالمداهنة هي إيجاد الترخيص لمحظور. المشركون ودوا لو أن الرسول r يقرّ لهم ببعض باطلهم من عباداتهم (ودوا لو تدهن فيدهنون). المداهنة هي فتوى من تبرير باطل من عالم مفكر يجد تبريراً لباطل مطلق.

ومن المدح أن تمدح فعلاً باطلاً أمام صاحبه لتطمع في عطائه يسمى مداهنة أيضاً.

الملاينة: كلام ليّن مع مجرم قاتل خائن جاسوس تلاينه وتلاطفه في الكلام هذا يسمى ملاينة. المفروض أن تغلظ القول لهؤلاء وأمثالهم كمن احتلّ وطنك والقرآن الكريم أوصانا (وليجدوا فيكم غِلظة). شعوب العالم تغلظ القول والفعل لمن ينتهك حرماتها وأعراضها ولمن يسمونهم عمرء. والملاينة نوعان: نوع محمود ونوع مذموم. قال تعالى (فبما رحمة من الله لنت لهم) هذه ملاينة محمودة فأنت تغفر ذنوب شعبك لكن ذنوب عدوك تقابلها بغلظة.

النفاق: عقيدة. أن تبطن الكفر وتظهر الاسلام وهذا كل من يوهمك بنه مسلم وهو في الباطن كافر. قال تعالى في سورة المنافقون (قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)) النفاق هو أن لا تؤمن بما تجاهر به وإنما تعني العكس (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) البقرة) هذا المنافق في الدرك الأسفل من النار (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار).

الرياء: عمل، تصلي صلاة أمام الناس في غاية الروعة ولا لشيء إلا ليقال فلان ورِع تقيّ، تبني مساجد أو تنفق مالك ليس لوجه الله وإنما ليقال فلان منفق سخيّ. وفي الحديث عن الرسول r عن أول من تسعر بهم النار: عالم ومنفق وشهيد. كل واحد من هؤلاء كان عمله للناس وليس لوجه الله تعالى. (الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) الماعون) (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) النساء)

إذن المداهنة فتوى أو مدح على فعل باطل (ترخيص) والملاينة بالكلام الطيب مع عدو والنفاق عقيدة أن تظهر عكس ما تبطن والرياء عمل لا يقصد به وجه الله تعالى.

هذه المنظومة أخطر منظومات الذنوب. كل الذنوب لها باب وهي تنبثق من حالة معينة. كل شريحة من شرائح العاملين تختلف ذنوبهم عن ذنوب الشرائح الأخرى ففي مجال السياسة الذنوب أكثرها من الظلم والجور والخيانة، في الوظيفة أخطر الذنوب الرشوة والضرر بمصالح الناس عمداً، وأخطر ذنزب التجارة الغش والاحتكار والظلم وأخطر ذنوب العِلم الكبر والعجب وممالاة السلطان وأن يكسب العالم بعلمه أجراً في الدنيا “شرّ الناس من طلب الدنيا بعمل الآخرة” والحسد والبغضاء وأخطر ذنوب الحرب الهروب والتولي يوم الزحف وأخطر ذنوب الأسرة عقوق الوالدين ولأهميته جاء ذكره في حديث الثلاثة التي لا ينفع معها عمل وذكر من ضمنها عقوق الوالدين. وأخطر الذنوب في العبادات: الرياء. إذن أخطر هذه المنظومات هي الشرك الأصغر وليس فوقها إلا الشرك الأكبر. الانسان مخلوق من طين يترقى ليصبح كريستالاً ويتدنى ليصبح وحلاً وهناك فرق بين الاثنين.بالتوحيد يترقى الطين الى كريستال ولو تأملت بعقلك البسيط في نفسك وفيما حولك تترقى (وفي أنفسكم أفلا تبصرون). لكن أن تداهن أو تلاين عدواً أو تنافق أو ترائي فهذا يحيلك وحلاً.

انظر الى نفسك ما أنت ومن أنت؟ يأتي حاكم أو قوي ذو جاه وسلطان يصدر أمراً باطلاً مطلقاً ثم يأتي من يبرر له هذا! هناك من كتب القرآن بالدّم فبرر أحدهم هذا الفعل الشنيع وغاب عن باله أن الدم نجس ولا يجوز كتابة القرآن به لكنه فعله مداهنة لحاكم ذي قوة وسلطان. كفار قريش لم يكونوا منافقين بل كان عندهم رجولة ولو باصرارهم على الكفر لكنهم لم يبطنوا شيئاً ويظهروا شيئاً آخر كأبي لهب وأمية بن خلف وغيرهم.

هذه المنظومة من أخسّ الذنوب والرسول r قال في حديثه “لا أخشى عليكم إلا الشرك الأصغر والشهوة الخفية” والشهوة الخفية هي ما يحصل في رمضان وهذه ظاهرة رجل صالح صائم يلاعب امرأته في يوم رمضان الى أن جامعها وهو يعلم أن إفطار يوم في رمضان عمداً لا يكفره صيام الدهر فالشهوة الخفية قوية وقاهرة.

المداهنة والملاينة:

دهن من المشترك اللفظي.

الدُهن (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآَكِلِينَ (20) المؤمنون): عندنا دهن وزيت ومُهل: الدُهن هو دردري الزيت وهو الجزء الصلب والزيت هو الجزء السائل والمُهل هو الزيت المغلي.

وعندنا دَهَن: دَهَن وصبغ ولوّن: دَهَن لون واحد لامع والصبغ إذا كان مرة واحدة وليس لامعاً (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)) يعني تصبغ جداراً بلون واحد كله. ولوّن إذا كان أكثر من لون فهو تلوين (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69))

دهن: المُداهن يبرر الباطل بالفتوى أو المديح والملاينة الكلام المعسول مع من ينبغي أن يُغلَظ له القول. والنفاق عقيدة إخفاء كفر وإظهار إيمان. والرياء أن تعمل أعمالاً عظيمة لكن بقصد الرياء وليس لوجه الله تعالى كأن تجعل أعمالك لشخص تجعله والله تعالى سواء (إذ نسويكم برب العالمين). والمداهنة والنفاق والرياء كله باطل لا يوجد نفاق صالح ولا رياء صالح ولا مداهنة صالحة. أما الملاينة فيوجد ملاينة محمودة وأخرى مذمومة فالملاينة المذمومة تلك التي تكون مع من ينبغي أن تزجره كسارق سرق سرقة تقطه بها يده لا تقول له بارك الله فيك أو تعذره. والملاينة هي الوحيدة في المنظومة التي فيها نوعان وقد تكون الملاينة من من يستحقها عبادة عظيمة وفضيلة تماماً كعدم الملاينة مع من لا يستحقها. الغِلظة مع اللصوص والزناة فضيلة وعدم الغِلظة مع من يقوم بخطأ بسيط فضيلة. جعفر الصادق كان له خادم فمن هيبته (وكل آل البيت لهم هيبة خاصة) سكب الخادم عليه الطعام ففزع الخادم فما كان من جعفر الصادق إلا أت قال له: أنت حرٌ لوجه الله. وفي الحديث عن الرسول r أن في الجنة غرفاً يُرى باطنها من ظاهرها قاولا: لمن يا رسول الله؟ قال لمن أعطى الطعام وألان الكلام. “الكلمة اللينة صدقة”. لين الكلام مع الناس والجيران والأهل ومع من أساء اليك من مفاتيح الجنة. فالملاينة كما قال r :” خياركم ألاينكم مناكب” أي الذي إذا طلب منه أخوه في المسجد أن يتحرك قليلاً لرصّ الصفوف وسد الفرج ينصاع بسهولة ولين ولا يتأبّى. والرسول r كان ألين ما يكون مع المذنبين والله تعالى أرسل لفرعون الذي ادعى الألوهية نبيين موسى وهارون عليهما السلام وأوصاهما (فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى).

جيئ برجل يشرب الخمر الى رسول الله r فقال عمر : ما أكثر ما يؤتى به فغضب الرسول r وقال: لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم. كلما كان الانسان ليناً مع صاحب الذنب كلما كان هذا أدعى أن يتوب المذنب. قال ابن مسعود: لا تحاسبوا الناس كأنكم أرباب. وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً استأذن على النبي r فقال: ائذنوا له، فلبئس ابن العشيرة أو بئس رجل العشيرة، فلما دخل عليه ألان له القول. قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله قلت له الذي قلت ثم ألنت له القول؟! قال: ” يا عائشة، إن شر الناس منزلة يوم القيامة من وَدَعه – أو تركه- الناس اتّقاء فحشه”

هذه تثير مسألة التقيّة أو التُقية وهي أن تظهر للآخرين غير ما تبطن في حالات معينة. بعض المذاهب أطلقته على كل شيء كما في نكاح المتعة وهذا خطأ وبعض المذاهب حرّمته مطلقاً وهذا خطأ أيضاً. إذا كنت متأكداً أن الشخص يؤذيك في سمعتك هو ذو قوة يمكنه أن يؤذيك يمكنك أن تتقيه (إلا أن تتقوا منهم تقاة). فالتقية تجب في بعض الحالات إذا دفعت عن نفسك شراً.

النفاق: النفاق أخصّ من المرض فالمرض فيه البغض والحسد والحقد والنفاق. الرسول r شهد لأهل اليمن بأنهم ألين قلوباً وهي شهادة هي لهم إلى يوم القيامة: أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوباً وأرقّ أفئدة، الايمان يماني والحكمة يمانية. وفي الحديث ربط بين الايمان والحكمة فاللين علامة من علامات الايمان.

أبو أمامة قال علّمني ألين كلمة سمعتها عن رسول الله r. قال أبو أمامة سمعت رسول الله r يقول : ألا كلكم يدخل الجنة إلا من شرد عن الله شرود البعير عن أهله.

كل من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وكل من كان يوحّد الله تعالى ومن أهل الصلاة يدخل الجنة إلا من شرد على الله شراد البعير أي لم يعد ينتمي للأمة واصطف الى جانب الأعداء. وهذا الحديث بشارة أن الله تعالى غفرا الذنوب ما لم يصر المذنب. ما دام يوحد الله توحيداً أكبر وأصغر كما في الحديث: ” لا أخاف من أن تشركوا من بعدي أبداً”.

من مِنّا ليس مشركاً شركاً خفياً؟ لا بد أنه عملنا عملاً اغتريّنا به أو مدحنا أحدهم فأثار فينا العُجب والكبر. لكن الله تعالى يقول (ما جعل عليكم في الدين من حرج) من عظمة هذا الدين أن هناك كفارة لكل ما عمّت به البلوى فعلى سبيل المثال شرع لنا كفارة المجلس فهمها حصل في المجلس من لغط يكفّر بقول: سبحانك اللهم وبحمد أشهد أن لا إله أنت أستغفرك وأتوب إليك. يكفّر الله تعالى بهذا الدعاء كل من كان في مجلسه لغط. وكذلك الشرك الخفي فكل من كان له عبادة يعبد الله تعالى بها ويعجب بنفسه يقول: اللهم إني أعوذ بك من أن أشرك بك شيئاً أعلمه وأستغفرك من شيء لا أعلمه.

بُثّت الحلقة بتاريخ 16/12/2005م