الحروف في القرآن الكريم, حرف الدال

حرف الدال – منظومة المشي (دبّ)

اسلاميات
حرف الدال

منظومة  المشي (دبّ)

 

زحف –  خطا–دبّ  – مشى – سعى- سار – انطلق – رجِل –  سلك -تسلل

هذه كلمات منظومة المشي في القرآن الكريم وسبق أن تحدثنا عن منظومة الجري في حرف الجيم. كل نوع من أنواع المشي في مراحله المختلفة نجد له في القرآن الكريم كلمة تحدد وصفه بالضبط.

زحف: المشي على غير قوائم ومنه زحف الجيش لبطء مسيرته كأنه طفل يزحف على مقعده (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) الانفال) الزحف هو المشي الخفيف مع البطء بدون صوت.

خطا: الخطوة هي المسافة بين القدمين بالمشي وكل من يمشي ويتوقف يقال له يخطو. الخطى والخطوة هو المشي المتقطع المتوقف (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) النور) الشيطان يأخذ الناس خطوة خطوة الى ان يصل بهم الى المعصية. وخطوات كل شيء في العمل مثلاً هو أن تتأمل كل جزء أنجزته ثم تواصل العمل. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)البقرة) (وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) الانعام)

دبّ: أذا انهى الطفل مرحلة الزحف جاءت مرحلة الدبيب بخفة وبدون صوت كما تدبّ بعض الحيوانات بشكل بطيء رتيب بلا صوت (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6) هود) وكل من يدبّ على الأرض فهو دابة.( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45) فاطر)

مشى: هو قانون التحرّك للأحياء وهو الحركة الرتيبة التلقائية للانتقال من مكان الى مكان (من غرفة الى غرفة مثلاً) ويسمى مشياً (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) النور) (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) الملك) (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) الانعام) (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا (195) الاعراف) (قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95) الاسراء) (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128)طه) (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا (63) الفرقان) (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) الملك) أما إذا سرت من وحدة الى وحدة أو من مدينة الى مدينة يقال سار.

سعى: عندما يبلغ الطفل 15 الى 20 سنة يبدأ بالسعي بالجد والنشاط ولهدف معيّن (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) الصافات) كان اسماعيل u طفلاً زحف وخطا وجبّ ومشى ثم أصبح سعياً. المشي رتيب أما السعي فله هدف معيّن ويحتاج الى نشاط وقوة (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) البقرة) إذا أراد أحدهم أن يبطش بدولة فهو يسعى لذلك سعياً بكل جد وقوة ولهدف معين. (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)) المائدة ) سعوا للفساد ولم يمشوا اليه ، (وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) الاسراء) (وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) عبس).

سار: هو الانتقال من وحدة الى وحدة أو من بلد الى بلد. قال تعالى (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) القصص) من مدين الى مصر. وقال تعالى (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ (18) سبأ) (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) العنكبوت) (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) الروم) (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) النمل) (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) الانعام).

انطلق: كل من يمشي أو يدب أو يسير أو يخطو أو يزحف يبدأ رتيباً ثم تزداد حركته حتى يسرع إما إذا كان عندك شيء مهم جداً فأنت تقفز قفزة هائلة وتبدأ من أول خطواتك بنشاط وسرعة يقال انطلق. السجين الذي حُبس فترة من الزمن ثم أُفرج عنه ينطلق الى خارج السجن ولا يمشي مشياً. من الخطوة الأولى أنت في غاية السرعة كما تهب العاصفة (فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) القلم) (انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) المرسلات) (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) الفتح) الانطلاق للغنائم يكون بسرعة وقوة.

رَجِل: أي المسافر على قدميه يكون عنده قوة هائلة ويكون سليم الجسم تماماً . كان من المسلمين من يسير على أقدامه من المدينة الى سمرقند والصين ويفتح البلاد ثم يعود هذا يسمى راجل (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) الحج) الراجل والرجِل والرجالة هم الذين يسافرون مشياً على أقدامهم ومن هذا يقال رجل لأنه شجاع ويمشي على قدميه مسافات بعيدة جداً (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) البقرة) المسلمون في دفاعهم عن أمتهم كان معظمهم يمشي على قدميه وقلة منهم على الخيل أو الجمال.

سلك: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) المدثر) السلوك هو مشي في أضيق مكان من هنا جاءت كلمة السلك كأن تدخل خيطاً في مسبحة أو خرز أو ابرة هذا السلك أدخلته في مكان ضيق لم يقل تعالى ما أدخلكم في سقر ولكن قال تعالى ما سلككم في سقر لأن الدخول الى جهنم في غاية الضيق (وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) الفرقان) (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) الطور). وقال تعالى (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32) القصص).

تسلل: المشي في اختفاء بحيث لا يراك أحد (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) النور).

هذه هي منظومة المشي وكل نوع من أنواع المشي له في كتاب الله تعالى كلمة تشير الى معناه بدقة متناهية بحيث يفهم السامع من الكلمة المعنى المطلوب مباشرة بدون الحاجة الى عمل اشارات باليدين لشرح الكلمة كما في لغات أخرى.

نتكلم بالتفصيل عن كلمة سعى من هذه المنظومة:

السعي هو المشي الحثيث الجادّ باتجاه هدف معيّن. كلنا نمشي ولكن تأمل نفسك وأنت تريد أن تسافر وقد بقي على موعد الطائرة ساعتان كيف تسعى لتحضر اغراضك وتستحضر كل قوتك. وتأمل كيف أن مصلّياً تأخر عن الصلاة وهو قريبن يسمع الامام يكاد ينتهي من الصلاة تراه يدخل الى المسجد بحزم وعزم وقوة ليلحق بالامام قبل أن يسلّم من صلاته. إنسان يحتفلون بتسليمه جائزة ما تراه يدخل بشكل منظم وقوي وباندفاع وجدية، طبيب يسمع استغاثة انسان فينطلق بحزم وسرعة ليدرك المريض هذا يسمى سعياً. فالسعي هو مشي جادّ حازم تضرب الأرض بخطوات متلاحقة وقوة ولا يشغلك عنه شيء. قال تعالى (وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) الاسراء) إذا تتبعنا كلمة سعى وسعي في القرآن الكريم لوجدناها تشير كلها إلى أن العبد المؤمن عندما يؤدي العبادات ويمارس أفعال الخير عليه أن يكون ساعياً ةليس ماشياً فلا تذهب الى المسجد وأنت تترنح وتتلفت وتتحدث فهذه صلاة لا تؤدي هدفها, الاتباع هو حسن الأداء وحسن أداء العبادات أن تكون ساعياً بها وساعياً إليها ولست ماشياً لها أة ماشياً إليها فتتذكر الله عز وجل في قلبك وتتأمل هذا يسمى سعياً. هناك فرق بين من يصلي ذاهلاً (هذا ماشي) قال تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)) فالسعي هو الطالب الذي يقضي الليل يحضر لامتحان الغد المهم ويبذل جهده فيه منقطعاً عن الآخرين. قال تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) البقرة) من يمنع الناس عن الصلاة يحتاج لقوة وجهد وتدريب وترصد للمصلين وكم سمعنا أن بعض الدول تتعقب المصلين وبخاصة لصلاة الفجر فيقتلونهم أو يسجنونهم هؤلاء يسعون في خرابها بجد واجتهاد. وقال تعالى (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) القصص) سمع خطة قتل موسى u فذهب اليه في حزم وقوة وقلق على موسى u فهذا سعي لأن وراءه هدف عظيم أدّى به ليكون بهذا الجدّ. كلما رأيت كلمة يسعى في القرآن فهي تعني المشي الحثيث الجاد في مهمة عظيمة (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) الحديد) هؤلاء يكونون قد بلغوا منزلة عالية.

قال تعالى (ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) النازعات) فرعون حشد جنوده في أثر موسى. نفهم من قوله تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) النجم) و(إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) طه) أن هناك فرق بين من عمل معصية عرَضاً أو اعتباطاً وبين من عمل معصية بسعي. قال تعالى (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22) الانسان) هناك عمل مقبول لكن أن تُشكر عليه لا بد أن يكون هذا العمل سعياً. هناك من أدى الصلاة بدرجة مقبولة هذه يقبلها الله تعالى لكن قد لا يشكره عليها فالصلاة بحركاتها المعروفة تُقبل لكنها لا تستحق الشكر من الله عز وجل وليس فيها طاقة لرفع الدرجات لأنها ليست من السعي الذي يشكر الله تعالى عليه.

رب العالمين يقول (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) الاسراء) هذه الآيات عجيبة فالحياة عمّرها أناس من أعظم القدرات والكفاءات ومشركون وملحدون وأناس عملوا اختراعات جمّلوا بها الحياة يقول r في الحديث: إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله استخلفكم فيها فناظر ماذا تفعلون” تزيّنت الدنيا (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) يونس) يبدو والله اعلم أن هذه الحياة بعد أن تزيّنت وأقامها أناس لا يؤمنون بالله وكان الأحرى بالمؤمنين أن يفعلوا ذلك بدأت المصائب مصداقاً لقوله تعالى (عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ) . كل ابداعاتهم درّت عليهم وضعاً سيلدياً في العالم وأعطاهم الله تعالى من عطاء الربوبية الذي يشمل المؤمن والعاصي (وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) فالله تعالى هو رب العالمين ولكنه إله موسى وعيسى ومحمدr. وعطاء الربوبية للكل في الدنيا فقط ورب العالمين يعطي على قدر العمل هذه العاجلة يأخذون من الدنيا ما يشاؤون لأنهم ليسوا مؤمنين والقضية المركزية يوم القيامة لا إله إلا الله ومدى تصديقك بها. هؤلاء ليسوا من النوع المرشح للفضيلة وعندما تستبد به القوة ويشمله حديث الفِكاك معناه أن المسلمين في بعض أجزاء التاريخ يعانون من غير المسلمين ما لا نظير له من سرقة لثرواتهم وحروب وتشهير بهم وهناك من غير المسلمين من هم في غاية الأدب والأخلاق العظيمة والله تعالى يفرّق بين المسلم المستبد وغير المسلم العادل. فالظلم عند الله تعالى عام لا فرق بين أن تظلم مؤمناً أو غيره. وفي حديث الفِكاك يقول r “ما من مسلم يستحق النار يوم القيامة إلا جعل الله فكاكه يهودياً أو نصرانياً”  إذا ظلمك غير مسلم ظلماً شديداً مع أنك تحب نبيّه فمن العدل أنه كما أفسد عليك دنياك أن يفسد الله تعالى آخرته. يقول تعالى (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) المائدة) فلا يجب أن يسارع المؤمنون لارضاء غيرهم على حساب الدين والمطلوب الصمود وعدم الانجراف وتحمل الظلم وعليك أن تعلم أن لله تعالى يوماً آخر لكن لا تترك دينك خوفاً منهم. أصحاب العاجلة هم الذين ملكوا الدنيا ثم طلموا الناس واضطهدوهم ومن عدل الله تعالى أن يجازيهم في الآخرة فيضعهم مكان الذين ظلموهم. وفي المقابل (وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا) ليس عمل صالح فقط وإنما كان سعيه جاداً هناك فرق بين من يقرأ القرآن فلا يجاوز حنجرته وبين من يتدبر كل كلمة وكان r يدعو قائلاً: “اللهم اجعلنا ممن يقرأ القرآن فيرقى ولا تجعلنا ممن يقرأ القرآن فيشقى” هذا السعي هو الذي يبعدك عن الشهوات والمعاصي وهذا هو السعي الجاد القوي. ومن السعي للآخرة السبق زماناً ومكاناً ووقتاً واحد يذهب للمسجد قبل ساعتين من الأذان فيجلس ويقرأ القرآن أن يستمع لدرس علم وواحد يذهب قبل أن ينتهي الامام من الصلاة هناك فرق بين اسقاط الفريضة والسبق للسعي، والسبق الزمني شاب نشأ في طاعة الله تعالى وآخر تاب بعد أن كبُر وشاب ومن السعي أيضاً أن يكون عملك ليس محبطاً وهذه خطيرة جداً (أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22) ال عمران) ومن هذه المحبطات المال الحرام: إن الرجل ليأتي بأعمال كالجبال وأخذ قسطاً من الليل ثم لا يجد شيئاً عند الله تعالى قالوا بم يا رسول الله؟ قال بالمال الحرام. وكذلك الغيبة (حديث أكلته الغيبة) والربا والرياء والظلم بأنواعه وترك صلاة العصر يقول r “من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله” وترك الجمعة ثلاث جمع بدون عذر كما جاء في الحديث عنه r: “من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه” وفي رواية فإنه منافق وفي رواية أخرى فقد بريء من الله وفي رواية أخرى فلا جمع الله شمله ولا بارك في أمره ألا ولا صلاة له ألا ولا زكاة له ألا ولا حج له إلى ان يتوب فيتوب الله عليه. فما قيمة السعي إذا أُحبِط العمل؟ ومن المحبطات أيضاً البغضاء ولا تنسى أنك قد تدخل الجنة بزيارة مريض وقد تدخل النار بسهولة لأن في قلبك غِلٌّ على أحد فلا يجب أن تهجر أو تخاصم. ومن المحبطات أيضاً إفطار رمضان بغير عذر “إفطار يوم يُحبِط العمل” . ومن المحبطات الفرار من الزحف (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) الانفال) وموالاة العدو والخروج على إمام عادل وتولي القضاء لمن ليس أهلاً وقتل المسلم بغير حق وعقوق الوالدين والزنا بحليلة الجار والزنا بالمغيبة أي زوجة العسكري أو الجندي الذي غاب عن أهله والحسد وكثير من الذنوب التي نتهاون بها هي من المحبطات وعندها لا ينفع السعي. ومن الأشياء الخطيرة التسويف والتساهل وتأخير التوبة وهو من أخطر ما يعانيه المسلم في حياته والرسول r يوصينا “إياكم والتسويف فإن الموت يأتي بغتة”.

السعي إذن هو حسن الأداء وهناك فرق بين أن تطيع الله ورسوله وأن تتبع الرسول r أي تتأسى به (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) الاعراف) (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) ال عمران) فالله تعالى يحبك عندما تؤدي العبادات بالسعي (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) والسعي لا يكون إلا باتباع النبي r كما علّمنا :”صلّوا كما رأيتموني أصلي” و”خذوا عني مناسككم” فالسعي أن يكون بمواصفات معينة منها عدم التسويف وعدم احباط العمل بعد أن سعيت فيه سعياً عظيماً. ولنذكر حديث الثلاثة الذين أول ما تُسعّر النار بهم وهم عالم ومنفق وشهيد كل واحد من هؤلاء سعى في الدنيا لكن ليس في نيته الله تعالى أو يخالط نيته شيء آخر فالعالم الذي سهر الليالي يكون من أول من تسعر بهم النار لأنه كان يعمل ليقال أنه عالم فحبط عمله. جزء من الرياء يُحبط العمل فعلى كل ساع إذا سعى وصار فعله سعياً وكان أداءه جيداً فيه خشوع ونهي عن المنكر وصوم بهدف والامتناع عن المحرمات لكنه لم يحسن حسن الخاتمة فعليه أن يتلافى الأمر ومن حسن حظ هذه الأمة أنك تستطيع أن تكون بالقمة إذا صحّت منك التوبة قبل أن تغرغر فاحرص على أن تكون أفعال عباداتك من فصيلة السعي بقوة وبعزم وبجد ومتابعة وبهذا السعي تفوز بالدرجات العالية يوم القيامة وليس بمجرد الفعل فقط. إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.

إن لله عباداً فُطُنا طلّقوا الدنيا وخافوا الفِتنا نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحيّ وطناً تركوها مُجّة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا.

هذا هو السعي الذي هو كلمة واحدة من منظومة المشي فلتحسّن علاقتك مع الله تعالى وليكن فِعلنا من السعي.

منظومة الكبائر: يقول r من قال في اليوم والليلة مئة مرة سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل رمل عالج ما اجتنبت الكبائر وفي رواية ما اجتنبت المقحّمات وهي الشرك بالله وقتل النفس وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين والسِحر وقذف المحصنات والتولّي يوم الزحف فإذا تجاوزنا هذا فإن شاء الله تعالى نكون من الذين نجوا.

بثت الحلقة بتاريخ 9/9/2005 م