منظومة دفع الضرر
درأ- دفع – أذهب – زحزح – ردّ – صدّ – صرف – كفّ
هذه منظومة دفع الضرر وهي تعني أن تدفع الضرر عمن تحب ابن أو حبيب أو وطن أو بيت ويوشك أن يصيبه ضرر فتقول درأت الضرر وأذهبت الضرر ودفعت الضرر وصددت الضرر وكففت الضرر وصرفت الضرر وزحزحت الضرر وهذه كلمات استعملها القرآن الكريم استعمالاً معجزاً فما الفرق بين كلمة وأخرى؟ والله تعالى استعمل حروف اللغة العربية التس برع بها العرب وبغلوا القمة باستعمالها استعملها تعالى في القرآن الكريم استعمالاً اعجازياً وهذه الحروف كـ (ألم، كهيهص، حم عسق، وغيرها) هذه حروفكم ايها العرب وبرغم براعتكم في اللغة العربية فقد استعملها القرآن الكريم استعمالاً اعجازياً لا تقدرون عليه.
درأ: دفع بسرعة. عندك ولد وأنت جالس فإذا بأفعى تمر على قدمه فتقوم بسرعة متناهية لتدرأ عنه الضرر وقد تغتمر بحياتك وتمسك بالأفعى بيدك انقاذاً له من ضررها. قال تعالى (الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168) آل عمران) هذه الآية جاءت في آيات وصف الله تعالى لشريحة من الناس هم أولو الألباب الذين ذكر لهم تعالى ثماني صفات في سورة الرعد فإذا اجتمعت هذه الصفات في انسان كان من أولي الألباب والصفة الثامنة كما وردت في الآيات هي قوله تعالى (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) الرعد) هذه كلمة يدرأون كلمة اعجازية فأولو الألباب لا ينتظرون زمناً حتى يتقربوا بالحسنات وإنما معن الآية أنهم بسرعة هائلة يقومون بالحسنة بعد أن يرتكبون ذنباً كالغيبة مثلاً كلنا للأسف يغتاب وعندما نغتاب قد ننتظر يوماً أو أكثر ثم نستغفر وهذا ليس درأ وإنما الدرأ هو فعل بعض عباد الله الذين يراقبونه مراقبة شديدة وبلغ حبهم له بقدر خشيتهم له فبمجرد أنه اغتاب أو أذنب ذنباً يسغفر ويتوب حتى قبل أن تبادر الملائكة الى تسجيل هذا الذنب وهذا معنى قوله تعالى (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) النساء). فكلما قربت توبتك بسرعة شديدة بعد الذنب فهذا يسمى درأ. قال r “ادرأوا الحدود بالشبهات” لشدة حرصه r على أمته وعلى الانسانية ومن شدة خوفه من تشويه جسد الانسان إذا ارتكب ذنباً من ذنوب الحدود التي تنال من الجسم كالزنا مثلاً وحدّه الرجم والسرقة وحدّها قطع اليد والقذف وحّه الرجم. فادرأوا الحدود بالشبهات بسرعة قبل إقامة الحد فإذا جاءك أحد قد أذنب ذنباً من الذنوب التي ينبغي معها أن يشوه جسمه بالحدّ فعليك أن تأخذ هذه الجريمة بأية شبهة وبسرعة من حيث إذا كان هناك أي خلل في الجريمة أوو باب من ابواب الشك والشبهة كما فعل r عندما جاءه رجل فقال أنه زنا فقال له r ألم تكن تصلي معنا؟ قال الرجل بلى فقال له r اذهب فدرأ عنه الضرر r من رحمته بأمته. فالدرأ هو السرعة في وقايتك من الضرر ولهذا قال تعالى في الآية (ويدرأون بالحسنة السيئة) قال يدرأون ولم يقل يستغفرون أو يتوبون علماً أنه قالها في مواضع أخرى (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) آل عمران) وهذا لأن المذكورين في الآية هم شريحة من شرائح عباد الله تعالى الصالحين وهم أولو الألباب فهؤلاء يُدخل الله تعالى لهم أزواجهم وأهلهم في درجتهم لأنهم أناس فاضلون من صفاتهم أنهم إذا أذنبوا يتبعون الحسنة السيئة فيدرأون بها عن أنفسهم. (أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54) القصص)
وقوله تعالى (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) النور) جريمة القذف يجب أن يأتي بأربعة شهود لكن غذا حضر الشهود أو لاعن تُعدم المرأة على الفور لكن إذا قامت وهي التي لاعنت يدرأ عنها العذاب فوراً بسرعة متناهية ويطلق سراحها فوراً ويحق لها مفارقة زوجها لأنه لا يستحق أن تكون مع رجل يقذفها ويتهمها باطلاً. فإذا لاعنت يجب أن يخرجوها بسرعة باللحظة وترجع الى بيتها مصونة.
دفع: الدفع يكون بقوة أما الدرأ فكما ذكرنا يكون بسرعة. وهذا من اعجاز القرآن الكريم . قال تعالى (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) البقرة) (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج) تدفع قوة بقوة فالمعسكر الشرقي والمهسكر الغربي دفه الله تعالى شرّ هذا بذاك والعكس وقوة أميركا حجّمت قوة الاتحاد السوفياتي والعكس بالعكس فالدفع يكون بقوة (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) آل عمران) والدفاع جيش. والفرق بين درأ الشرّ ودفع الشرّ أن الدرأ يكون بسرعة والدفع يكون بقوة إما بنفوذي أو قوتي وكل دول العالم لديها وزارة دفاع والقوة هي الجيش. كلما رأيت كلمة درأ في القرآن فهي تعني بسرعة وكل كلمة دفع تعني بقوة.
زحزح: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) آل عمران) والزحزحة تكون بمشقة. البئر يوضع عليها حجر عظيم حتى لا يُسرق الماء منها وعندما يأتي الرعاة يرفعون الحجر فيسقون ابلهم ومواشيهم وفي قصة موسى u عندما توجه الى مدين ووجد عند البئر ابنتا شعيب تنتظران انتهاء الرعاة من سقي ابلهم قام فزحزح الحجر من على البئر وكان القوم يضحكون منه إذ أنهم يعرفون أن الحجر ثقيل ولا يمكن لرجل واحد أن يرفعه وإنما يحتاج لمجموعة من الرجال ليحركوه لكن موسى u زحزحه بمفرده وسقى لبنتي شعيب ولهذا قالت ابنة شعيب لأبيها (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) القصص) الأمين لأنه لم ينظر اليها وهو يكلمها والقوي لأنه زحزح حجر البئر بنفرده. وقوله تعالى (فمن زحزح عن النار) تعني أن الزحزحة عن النار ستكون بمشقة لأنه حُفّت الجنة بالمكاره وحّفت النار بالشهوات فالزحزحة تكون باجتناب الكبائر والاستغفار والتوبة وهناك مشقات كثيرة ويقول الشاعر:
لولا المشقة لساد الناس كلهم الجود يُفقِر والاقدام قتّال
ودخول الجنة غير سهل والنجاة من النار غير سهل صوم في يوم حار ووضوء في شدة البرد وصلاة خمس مرات وجهاد ونفقة وصدقات وغض بصر وامتناع عن المحارم وغيرها والأعمال الصالحة هي التي تزحزحك عن النار حتى تنجيك منها وكلمة فمن زحزح عن النار توحي كأنما نحن حجر على باب جهنم نزحزح عنها.
صرف: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) يوسف) قصة يوسف u الذي أُوتي شطر الحسن وعاش في بيت العزيز فأُغرمت به امرأة العزيز وتخيل موقف يوسف u امرأة حسناء زوجها عقيم وأنت في بيتها ترعاك منذ كنت صبياً ثم أُغرمت بك غراماً عظيماً وأنت غريب مشرّد وكل الظروف مهياًة لتميل اليها وتراودك مرات ومرات الى أن بلغ بها الكيل أن قطعت ملابسك. قال تعالى (لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ) الصرف أي قلبه 180 درجة ولم يقل تعالى لندفع عنه السوء وإنما قال لنصرف عنه السوء أي لم يعد في وسع يوسف u أن يفكر في هذا الأمر وهذا الصرف لا يقدر عليه إلا الله تعالى ولهذا جاء بضمير الجمع (لنصرف) وعندما يكون الأمر يقدر عليه عباد الله تعالى يقول (أنا) فصرف يوسف عن تلك المرأة في تلك الساعة لا يقدر عليه إلا الله تعالى سبحانه. إذا أردت أن تسافر اليوم مثلاً ثم يأتيك أحدهم يخبرك خبراً يصرفك عن السفر 180 درجة فيصرفك عنه صرفاً نهائياً.
صدّ: الصد يكون مع غضب. شخص يسرق فرآه أبوه وغضب غضباً شديداً فانتهى الولد عن الفِعلة بوجود أبيه وغصبه الذي صدّه عن السرقة. والشيطان يصد الانسان كما قال تعالى (وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) النمل) (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) العنكبوت) صدهم الشيطان لأنه رآهم يذهبون الى الايمان وقد كانوا مشركين ففتنهم وزيّن لهم الاصنام. وقوله تعالى في بلقيس ملكة سبأ (وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) النمل).
كفّ: عندك عدو بدأ يتهيأ وبدأ يباشر أول خطوات العدوان ويحشد قوة ويتحرك فتأتي قوة تمنعه من ذلك هذا يسمى كفّ كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) المائدة) (وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20) الفتح) (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24) الفتح) ما الذي منع كفار قريش من قتال محمد r ؟ وما الذي أطفأ شوكتهم؟
أذهب: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) الانفال) يُذهب بحيث لا يعود. قال تعالى (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) الاحزاب) رعاية وحماية هائلة وأهل البيت هم عليّ رضي الله عنه وفاطمة رضي الله عنها وأولادهما أهذب تعالى عنهم الرجس فحتى المُلك لم يعطيهما إياه لأن الولاية والامارة إثم والهاشميون لا يريدونها وقد قال عمر رضي الله عنه : والله لن يليها من آل البيت أحد. لأن كلها مشاكل ونقائص. فلو قال تعالى ليصرف فقد تعني امكانية العودة أما ليذهب فتعني لن يعود اليهم أبداً. وقوله تعالى في أهل بدر (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ) أهل بدر لم يعد لهم الشيطان أبداً.
ردّ: بسبب خفي. هناك خطر قادم عليك وحصل معك شيء جعل الضرر يرتد عنك هذا يسمى ردّاً كما قال تعالى (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) الاحزاب)
هذه كلمات منظومة دفع الضرر في كتاب الله عز وجل وهذا وصف لغوي لا يمكن لبشر أن يفعله وهذا من اعجاز القرآن الكريم الذي نزل على مدى 23 سنة وجمع في حوالي 600 صفحة نجد الكلمات فيه كل كلمة تعطي معنى مختلفاً عن أختها في نفس المنظومة وترسم زاوية من المعنى لا ترسمها الكلمة الأخرى.
ونعود الى كلمة درأ. ذكر تعالى يدرأون مرتين (وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) التوبة إذا جاءت سريعة جداً فهذه درأ للذنب ودرأ العقوبة ولها مواصفاتها وهذا يجرنا الى أن التوبة لها فلسفة هائلة وإذا تأملنا في كتاب الله نجد أنه مرة يأمرنا بالاستغفار وحده (استغفروا الله) ومرة يأمرنا الاستغفار والتوبة (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) هود) (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) هود) استغفار مقرون بالتوبة. الاستغفار هو اعلان التوبة وعندما يكون مشفوعاً بالتوبة يكون استغفار لما مضى ومما يأتي بأن تنوي أن لا تعود لذلك.
ومن مفاسد التوبة أن تعتقد أن التوبة مجرد كثرة عبادات. هذه الكثرة تنقصها الجودة لهذا التلذذ بالعبادات لكثرتها تدل على أنك لم تعرف قيمتها أو تدرك حقيقتها. كلنا يسمع القرآن من قرّاء عظام مثل عبد الباسط ومصطفى اسماعيل والمنشاوي وغيرهم وتشعر بلذة عظيمة وتبكي ولو كنت تعبد الله تعالى بهذا السماع عبادة حقيقية توصلك لمرحلة متقدمة حتى تصبح من خاصة المؤمنين لبكيت عند كل آية وتأملت عند كل كلمة ولأشقتك هذه القرآءة كما كان يفعل r فقد كان يقوم الليل كله أحياناً بآية واحدة.
قليل من العبادة مع الجودة خير من كثيرها من غير جودة. فأنت تصلي ركعتين مع خشوعهما واستحضار القلب فيهما وتتم ركوعهما وسجودهما خير لك من أن تصلي ثمانين ركعة بدون خشوع ولأن تقرأ صفحة واحدة من القرآن الكريم بتدبر وتترك في قلبك بصمات خير لك من خمسين ختمة تهدرها هدراً بدون تدبر. كلامنا هنا عن توبة الخاصّة الذين ذكروا في آية سورة الرعد وهو أولو الألباب.
-
أخلِص لله يكفيك العمل القليل.
-
من آفات التوبة والاستغفار الكثير أنك تقول أني أصبحت الآن راضياً عن نفسي والله تعالى راضٍ عني وتصبح سيئاتك صغيرة في عينك وهذا هو المقتل.
-
تعتقد أنك بعد أن تبت الى الله تعالى لست بحاجة لكرم الله تعالى ولفضله وتعجب بنفسك وبعدم انتباهك لخصائص التوبة تنسى عيوب نفسك وتنسى عملك تصلي 100 ركعة وتصوم يوماً بعد يوم وتقوم بالعبادات بدون أن تفكر بالعيوب فيها من سرعة ورياء واعجاب وبدون أن تفكر في عيوب نفسك من عُجب وغفلة وجبن وحب الدنيا وحب السُمعة فإذا قستها بأعمالك الكثيرة قد تأخذ كل أعمالك.
فإذا أردت أن تكون عبادتك عظيمة فليكن عملك قليلاً متقناً صلّ ركعتين في جوف الليل متقنة أو صُم يوماً في الأسبوع أو الشهر صياماً متقناً صيام قلب وجوارح وبدون غيبة.
يقول ابن رجب في قوله تعالى (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) الذاريات) أن اتباع الاستغفار بعد قيام الليل لأن هؤلاء الذين قامولا الليل كله قد يكون سرى في نفسهم عُجب فأمرهم تعالى أن يُتبعوا طاعتهم بالاستغفار ولو تتبعنا كل الطاعات في القرآن الكريم لوجدنا أن الاستغفار مطلوب بعد الطاعات لأن العُجب من آفات العمل. وكل صاحب عبادة متميزة إذا أُعجِب بنفسه وعبادته والستقلّ عبادة غيره لا تقبل عبادته. وإذا دخلك العُجب في أي عبادة مهما عظمت ورأيت نفسك أنك خير من المذنبين تكون قد أذنبت.
التوبة النصوحة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) التحريم) هناك فرق بين تكفير الذنوب والمغفرة. ذكر ابن القيم وكثير من العلماء أن السيئات هي الصغائر التي يكفّرها عمل آخر والتي لها كفّارة مثل اليمين لها كفارة وكل ذنب له كفارة مشروعة في كتاب أو سُنّة من فدية أو صيام أو اطعام أو تحرير رقبة يعتبر من الصغائروقال تعالى (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) النساء) أما الكبائر فلا بد من احداث توبة نصوحة لها معنى ذلك أن الذنب الكبير كالغيبة مثلاً والذنوب الكبيرة التي ليس لها كفارة لا بد من أن تحدث لها توبة. وإذا كنت من اصحاب الذنوب العظيمة او الكبائر فلعليك أن تحدث لها توبة عظيمة (عقوق الوالدين ليس له كفارة) من أجل هذا التوبة لا بد أن تكون نصوحة ومعناها:
-
أن يأكلك الندم على ما فعلت والندم توبة.
-
أن تنوي بشكل جازم أن لا تعود
-
أن تحدث لها عبادات سريعة تحاول بذلك أن تمحو هذا بهذا.
الوسائل التي نقي بها أنفسنا من الشرور: كل المنظومة هي من فِعل الله تعالى عز وجل وعليك أن تستمطرها بالدعاء ومن دعاء الرسول r:” اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ” والله تعالى يحب المتضرعين وكل هذه الألطاف الالهية كيف يدرؤك ويرعام ويدفع عنك وجعل لك معقبات من بين يديك ومن خلفك يحفظونك وهذا من أمر الله تعالى وعلينا أن نستمطره بالدعاء وما هلك مع الدعاء أحد.
بُثّت الحلقة بتاريخ 2/12/2005