الحروف في القرآن الكريم, حرف الذال

حرف الذال – منظومة الإذعان والانقياد للغير (أذعن)

اسلاميات
حرف الذال

منظومة الإذعان والإنقياد للغير (أذعن)

 

الإذعان  – الذُلّ – الخضوع – الإستسلام – الإستكانة – الإخبات – الإستجابة – الطاعة

منظومة الإذعان للغير أو الإنقياد للغير منظومة دقيقة حساسة لأنها من قوانين هذا الكون فما من إنسان إلا وهو منقاد إنسان آخر ويسمى في لغة القرآن بالإمام (يوم ندعو كل إنسان بإمامهم) هذا الإمام الذي ينقاد له الآخرون قد يكون ملكاً أو رئيساً أو حاكماً أو شيخ قبيلة أو رئيس حزب أو ما شاكل ذلك. من حيث القوانين الكونية في هذا الكون فكل مخلوق لا بد أن ينقاد لمخلوق آخر حتى الملائكة لهم رئيسهم . هذه المنظومة في كتاب الله عز وجل : الإذعان، الخضوع، الذل، الإستسلام، الإخبات، الإستتجابة، الإستكانه، الطاعة. كل نوع من هذه الأنواع التي تدل على إنقيادك للآخر لها في كتاب الله تعالى مدلول منضبط تماماً وبين كل إنقياد وإنقياد بناء على هذه المصطلحات بينها فروق دقيقة حيث تعلم أن لغة القرآن معجزة وأن كل كلمة تدل على نوع من أنواع إنقياد.إنسان لإنسان أو إنقياد علد لخالقه عز وجل أو إنقياد مواطن لحاكمه وكل كلمة لها فرق دقيق مع الكلمة الأخرى فلا تُغني كلمة عن كلمة ولذا يتم لنا الإثبات أنه ليس في القرآن الكريم مترادف.

كل إنقياد له سببه على مستوى الملوك مثلاً: كل شعب ينقاد لملكه أو رئيسه. في الكتاب والسنة النبوية تستعمل كلمة الملك للدلالة على كل حاكم. الملك ينقاد له الناس لأسباب معينة وكل نوع من أنواع الإنقياد له كلمة مخصوصة في هذه اللغة الأعجوبة التي ما من لغة على وجه الأرض يمكن أن تحمل المطلق الإلهي والفهم النسبي لله عز وجل إلا هذه اللغة. من الناس من يخضع لملكه لأنه عريق في نسبه يعرفونه أباً عن جدّ، أو لبراعته في فنون الحرب أو لبراعته في الإقتصاد أو ما شاكل ذلك فالناس ينقادون له. أو يكون الملك رؤوفاً بشعبه يعفو عن مسيئهم ويرعاهم ويكلأهم فينقاد الناس له، وقد يكون الملك قاسياً مجرماً قاتلاً معذباً كفرعون مثلاً فينقاد له الناس إنقياداً من جراء ذلك. والفراعين في هذا الزمان كثيرون. أكثر الإنقيادات في العالم الآن هي من هذا الرعب القاتل حيث شاعت السجون السرية والتعذيب التي تنخلع له القلوب وليس هناك دولة على وجه الأرض إلا ما رحم ربي تخلو من هذا النوع من الترهيب بحيث ينقاد له الناس من حيث هذا الذي يسموعنه عما يدور في السجون فينقاد الناس مرعوبين على تفاوت في ذلك خاصة في العالم الإسلامي.

نتأمل في كتاب الله عز وجل لنعرف كيف استعمل القرآن هذه العناوين على كل نوع من أنواع الإنقيادات:

الإذعان: (وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) النور) هو إنقياد بسلاسة ولين طوعاً من غير قهر بعد إمتناع. مواطن معارض للحكم يعلن معارضته ثم صار بينه وبين الحكومة حوار ونقاش فاقتنع هذا المعترض بلطف وسلاسة فعاد وأطاعهم وإنقاد لهم يسمى هذا إذعاناً. كل إنقياد بعد إمتناع يتم بسلاسة وحوار ولطف ولين من غير عنف وقهر يسمى إذعاناً كما هو الحال بين التنافسين في العلم كعالمان مختلفان في قضية علمية أحدهما يحاول إقناع الآخر بلطف. غلإذعان إذن سلميٌ بعد إقتناع من غير عنف ولا قهر.

الذُّل: إن كان الإذعان بقهر يسمى ذُلّاً (وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45) الشورى) المشركون الذين يشركون بالله عز وجل ويعبدون غير الله تعالى يوم القيامة يرون النار وينظرون إليها خاشعين من الذل، هذا ذل قهري من شدة رعبهم وخوفهم ذلّوا. كما قال تعالى على بني إسرائيل أن فيهم ذِلّة. عندنا ذِلّة وذُلّ: الذُلّ إنقياد بمهانة هندما تذل إنساناً وتقهره على أن يفعل شيئاً يقال إنقاد له أو ذُلّ له، قال تعالى في الأبوين (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) الإسراء) من هذا القهر الشديد أنت مذلول لأبيك وأمك وتنقاد لهما قهراً ولا تستطيع أن تقول لهما أف وهذا ذُلٌ عبقري كريم يحبه الله تعالى ورسوله تنقاد لأبويك دون أن تقول لهما مَه أو أف. أما الذِل فهو بدون قهر وهو ما نسميه بالشعور بالنقص (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ (البقرة)) اليهود في التاريخ إذا تمكنوا من بلد وعلوا فيه إنتقموا من أهله بإذلال الشعب وتحقيق مصالحهم على حساب مصالح البلد والشعب الذي يسيطرون عليه وهذه بداية إبادتهم وهذا نسقهم في التاريخ (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) الأعراف). فالذِلّة هي سمتٌ عام في كل مجتمع فهناك من هو مهزوز ذليل بطبعه ولديه شعور بالنقص والهوان. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) المائدة) هذه أمر من الله تعالى بأن تذل أمام إخوانك المسلمين وهذا من الذُلّ. إذن الإذعان هو إنقياد بالنقاش والحوار والذُلّ إنقياد بالقهر والقوة والعنف كالمستعمر الذي يملي عليك إرادته.

الخضوع: إنقياد بسكون تام. قال تعالى (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) الشعراء) أريد أن أُريك شيئاً يُدخل الرعب في نفسك فتنقاد بسكون تام فلا تتحرك. سجين يرى تعذيباً هائلاً على غيره فينقاد بسكون من غير أن ينطق بكلمة من شدة الرعب الذي يراه هذا يسمى خضوعاً. فالخضوع إذن إنقياد بسكون تام وهذا السكون إما أن يكون عن رعب أو عن شدة إحترام كأن تقف بين يدي الله تعالى ولشدة شعورك بهيبته وحبك له تسكن له سكوناً لا تتحرك  وتنقاد له بمنتهى السكون. هذا خضوع لله تعالى محبة له سبحانه وقد كان عروة بن الورد إذا صلّى وقفت الطير على رأسه لشدة سكونه في قيام الليل. فالإنقياد بسكون تام يسمى خضوعاً , بنوإسرائيل رأوا الجبل قد رُفع فوقهم فسكنوا وخضعوا.

الإستسلام: أسلم واستسلم. قال تعالى (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) النمل) هو أن تفقد إرادتك بالكامل لمن إنقدت له. من هنا أُخذ الإسلام والإستسلام: أنا منقاد لله تعالى في كل شؤوني (إني أسلمت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً). والإسلام أن تنقاد إنقياداً شاملاً ليس لك مع الله تعالى إرادة وليس لك مع من تنقاد له إنقياداُ شيئاً فكل أمرك بيد سيدك (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها) لا تملك شيئاً (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) لا تملك من أمرك شيئاً هذا هو الإسلام والإستسلام.

الإخبات: (فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الحج). قد يتم الإستسلام أحياناً بتمرّد من الداخل كخادم ينقاد لسيده ولكم في داخله تمرّد. إذا كان الإستسلام يرافقه تواضع يسمى هذا إخباتاً. (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23) هود) كلنا آمنا بالله تعالى ولكن ليس عندنا تواضع وعندنا في بعض الأحيان لوم وإعتراض على رب العالمين لكن هناك من عباد الله تعالى من ينقاد له إنقياداً شاملاً مع التواضع. قال بعض الصالحين بعد أن قُطعت يده وفُقئت عينه وبُترت رجله قال: يا رب وعزتك وجلالك لو قطعتني إرباً إرباً لما شكوت منك. هذا مخبت: إستسلام مع تواضع شديد “من تواضع لله رفعه” وهناك فرق هائل بين الإخبات والإستسلام. وكل إختلاف في المعنى يؤدي إلى إختلاف في المبنى على هذا النسق الرائع في القرآن.

الإستجابة: هو إنقياد سريع. أنت جندي منقاد لضابطه ما إن يناديه حتى يحضر أمامه فوراً وخلال ثواني. قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) الأنفال) خديجة وأبو بكر وعلي إبن أبي طالب سبقوا بالإيمان فكانوا أفضل الناس وإستجابوا فوراً للرسول r. هذه الإستجابة إنقياد بسرعة ما إن علم حتى إستجاب بدون تأخير فالإنقياد السريع يسمى إستجابة ولذها قال تعالى عن نفسه (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) البقرة)

الإستكانة: الإنقياد مع الرهبة.فرعون عذّب قومه ولكنه مثلاً لم يعذّب شخصاً ما لكن هذا الشخص من خوفه مما رآه مخيفاً من بعيد يستكين. متوقع من بعيد وأرهبك من بعيد. قال تعالى (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) البقرة) لم يعذبنا ولكنه قادر سبحانه على ذلك. فالإنقياد مع الرهبة يسمى إستكانة (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) المؤمنون) بعض الناس في قلوبهم قسوة يرى العذاب والمصائب تحصل أمام عينيه ولكنه لا يستكين أما غيره فيتوب بسرعة ويستكين. بعض الأمم الهالكة أخذهم الله تعالى بعذاب وأعاصير لكنهم لم يتفكروا ولم يستكينوا.

الطاعة: الإنقياد بإختيار ومحبة وإقتناع وهي أفضل المنظومة. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) الأنفال) ويقول الشاعر: إن المحب لمن يحب مطيع.

إذن بإختصار: الإذعان إنقياد بسلاسة ولين بعد إمتناع، الإذلال بقهر ومهانة وإنقياد، الخضوع بسكون تام، الإستسلام مطلق في كل الشؤون، الإخبات بتواضع، الإستكانة برهبة، الإستجابة بسرعة والطاعة بمحبة.

قد تطيع شيخاً أو رئيساً أو طائفة أو ملكاً وإذا كنا نرهب الملوك ونطيعهم ونخبت لهم ونذعن لهم وهم بشر أمثالنا خرجوا من مجرى البول مرتين (مرة من مجرى بول أبيه ومرة من مجرى بول أمه) ولا يستغنون عن المرافق يوماً وفي بطن كل مخلوق منهم كل هذه القذارات وفي عواطفهم كل هذا الزيف والحقد والبخل وفي عقولهم كل هذا الخلل فكيف يمكن أن ننقاد لهم هذا الإنقياد ونغفل عن إنقيادنا لملك الملوك الذي يتصف بصفات فريدة لا يتصف بها غيره. خالق كل المخلوقات. وكل المخلوقات فيها خير حيوانات وإنس وجن ونباتات فيهم من يعجبك ويكرمك لكن لكلٍ نقائصه ومع هذا تنقاد لهم فمنهم من فني في وطنه حتى مات في سبيله ومنهم من فني في حب شيخه. تطيع مخلوقاً وتذل له وتخضع وتخبت وتطيع ومع ذلك تنسى ملك الملوك الذي لو تأملت في بعض صفاته وما يعطيك من سخاء وحِلم لذبت فيه عشقاً كا قال عز وجل: هب أتي لم أخلق جنة ولا ناراً أفلا أستحق أن اُعبد؟ رب العالمين له صفات جمال وصفات جلال. وصفات الجلال هي فقط لمن أشرك به (الجبار المتكبر) حتى لمن أشرك به عامله بمنتهى الرفق ففرعون مثلاً الذي نافس الله تعالى على الربوبية أمر تعالى موسى وهارون أن يقولا له قولاً ليناً (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) طه) حتى في صفات جلاله فهو كريم سبحانه, فإذا كان هذا كرمه مع فرعون فما بالك بكرمه مع عبد من عباده يقول لا إله إلا أنت أعبدك ولا أعبد غيرك ولا أشرك بك شيئاً!؟ قال تعالى في الحديث القدسي: عبدي لو جئتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شئياً لجئتك بقرابها مفغرة. وكم هي فادحة خسارة أولئك الذين كانوا على التوحيد ثم أشركوا من أصحاب الديانات الأخرى من اليهود والنصارى وبعض المسلمين والصابئة. واليزيدية الذين كانوا موحدين ثم جاءهم من جاءهم فأضلّهم فكفروا فعبدوا الشيطان. وهناك للأسف في هذا العصر من عبد شيخاً أو قبراً أو فكراً أو إماماً.

التوحيد قضية مركزية في هذا الكون أن نقول لا إله إلا الله مصدقاً بها قلبك أخلصتها وخلّصتها من كل شائبة. هذا التوحيد هو مفتاح كل الخير في الدنيا والآخرة وبدونها فأنت لست من عباد الله وإنما من عبيده. فعليك أن تفقه معنى لا إله إلا الله وما يجب لها ويلزم لصحتها والباقي لا عليك به. مفتاح الجنة لا إله إلا الله وقد كان أجدادنا وآباؤنا يمحصونها تمحيصاً دقيقاً لكن الناس ضائعين اليوم وكل ما حولنا في الكون وكل هذه المعارف التي يفتح الله تعالى بها على البشرية (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) فاطر) تدل على أنه واحد لا إله إلا هو ومع هذا تجد من ينسب هذا لغير الله تعالى علماً أن كل الأنبياء والرسل كانت مهمتهم أن يعلموا الناس أن لا إله إلا الله وكانوا يدعون لتوحيد الله تعالى. إذا صحّت منك لا إله إلا الله فاعلم أنك على الصراط المستقيم.

تأمل في الله تعالى من حيث مصلحتك: ما هي مصلحتك مع رب العالمين؟ كل ما تريده من حاجات تجده في الكرة الأرضية وهي من رزق الله تعالى وهو الذي سخر لك الكون كله والخير كله من فضله فهو الرزاق وأنت تنعم في رزقه فمن الذي يكرمك ويرزقك كما يفعل الله تعالى؟

الرحمن الرحيم: من صفات الجمال رحمان بكل خلقه في الدنيا مشركهم ومؤمنهم ربٌ بهذا الجمال والحِلم تذنب أعواماً ثم تتوب إليه ساعة قبل الموت فيغفر لك كل ذنوبك؟! في الحديث: ثم إن أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة حتى يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ثم إن أحدكم يعمل بعمل أهل النار حتى يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها. ربٌ يعطيك المال ثم تنفقه في مكان ما فيمدحك عليه وهو ملكه وماله. ربٌ يعطيك على العمل أضعاف فمنها ما هو بعشرة ومنها ما هو بثمانية عشر (القرض) ومنها ما هو بخمس وعشرين ( الصلاة في المسجد) ومنها ما هو بخمسين ألف أو مئة ألف (الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي) ومنها ما هو بسعمائة ضعف (المجاهد في سبيل الله) ومنها ما لا يعلم أجره إلا الله تعالى كالصوم (فإنه لي وأنا أجزي به) ربٌ بهذا العطاء والسخاء يُدخل العبد يوم القيامة بعمل واحد (أصحاب الواحدة) قطرة دمع في الليل سالت من خشية الله تعالى، زيارة مريض في الله، الزيارة لله (وجبت محبتي للمتزاورين فيّ)، الحب في الله ولله (وجبت محبتي للمتحابين فيّ).

العدل: كل الكون منضبط لا يوجد ظلم غير مقدور عليه. العدل المطلق أنه سبحانه جعل الكون كله متوازناً والإخلال الذي يمكن دفعه تركه تعالى للناس ويحاسبهم عليه أما عندما يصبح الظلم لا يمكن دفعه يتدخل الله تعالى بلا أسباب لدفعه (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) يوسف) من قوانين الله عز وجل ومن العدل في الكون أنه لا يسمح لقوة لا يمكن دفعها أن تستبد وتظلم فيتدخل سبحانه لإخماد هذه القوة وكفّها إلا إذا كان المضطهدون يستحقون الظلم. فرعون ظلم شعباً بأكمله برؤيا سخيفة رآها فأغرقه الله تعالى وهكذا فعل سبحانه بكل ظالم مستبد فأهلك جيش النمرود ببعوضة تدخل في أذن الجندي فتصرعه.

لو تأملت في إسم الشكور: رب العالمين يعطيك الشيء ثم يمدحك عليه: يمدح كاظمي الغيظ، يمدح المنفقين، عمل قليل يعطي عليه خيراً كثيراً.

الحفيظ: الذي رتّب كل شيء فلا يتنافر وذكرنا الفرق بين الحفظ والحراسة فالحفظ هو التنمية.

المقيت: الذي جعل لك القوت وعبّأ لك الأرض بالبذور وفجّر المياه.

الحسيب: توكل على الله فهو حسبك. قل في كل مصيبة (حسبنا الله ونعم الوكيل) فقد قال تعالى بعدها (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء).

عيسى u كان مع الحواريين فرأوا كلباً ميتاً وكان منتناً فقال أصحابه: ما أشد هذا النتن. فقال عيسى u: ما أبيض أسنانه. فكل شيء في الكون مهما كان سلبياً لا بد أن فيه ناحية جمالية وعلينا أن ننظر إلى الناحية الجمالية ومن هنا جاء ستر العورة (من ستر عورة عبد ستره الله يوم القيامة) الستارون على الناس من أعظم العباد يوم القيامة. تأمل في كل هذه الصفات والأسماء الجمالية لله تعالى التي قال r: من أحصاها دخل الجنة. وأحصاها لا يعني عدّها وإنما الإحصاء معرفة الجزئيات ومعرفة معنى كل صفة منها.

المجيب: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) حتى أنه سبحانه وتعالى استجاب لدعوة إبليس حين قال (أنظرني) فقال تعالى (إنك لمن المنظرين). أجيب فلسيتجيبوا مباشرة أمرنا الله تعالى بالدعاء (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين). الدعاء أمر وما من دعاء إلا ويستجاب ولكن الله تعالى إما أن يجيبه في الدنيا أو يدفع من البلاء بقدر الدعاء أو يدّخره للآخرة حتى يقول العبد يوم القيامة من شدة ما يرى مما ادّخره الله تعالى من دعائه يا ليت ربي لم يستجب لي في الدنيا.

الكريم: كرم الله تعالى إذا وعد أوفى وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء ويقول تعالى في الحديث القدسي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم جاءوني على صعيد واحد ثم سألني كل واحد المسألة كلها فأعطيت كل واحد ما سأل ما نقص ذلك من ملكي إى بقدر ما تغمس المخيط في البحر.

الواسع: واسع بعلمه ومعرفته بما يملأ قلبك علماً وبيتك رزقاً وروحك طمأنينة يسعك ويسع طاعتك ومعصيتك ويبدل سيئاتك حسنات. ما عليك إلا أن تحصي أسماءه الحسنى والأسماء الجمالية وحتى الجلالية مع شجة قسوتها لها مخرجاً.

يقول تعالى لنبيه الكريم r: (يا أيها النبي إتق الله) أي تدرّج في الطاعة ولا ينبغي أن يكون يوماك متشابهان ” من تشابه يوماه فهو مغبون” الله تعالى يعلم بأحوال عباده والناس يتفاوتون وهناك من لهم أعذار وظروف وما دمت تقول لا إله إلا الله ممحصة وتصلي للقبلة فقد نجحت في الإختبار لكن عليك أن تترقى في الجنة لأن فيها درجات متفاوتة خيالية والله تعالى من السعة بمكان أنه يرحم الناس رحمة يوم القيامة يتطاول لها الناس حتى إبليس يتطاول لرحمة الله تعالى. لذا يجب عدم القنوط والياس من رحمة الله تعالى وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا.

بثت الحلقة بتاريخ 20/1/2006 م