الرابح – المفلح – الفائز – القادر – المنتصر – الظافر – القاهر – الغالب – السابق
الكلمات التي تشير إلى تفوق الإنسان في حالة كما إستقصيتها في كتاب الله عز وجل هي الرابح، المفلح، الفائز، القادر، المنتصر، الظافر، القاهر، الغالب، السابق. أصناف من التفوق الإنساني في كتاب الله عز وجل وكل كلمة ترسم زاوية خاصة لا ترسمها الكلمة الأخرى.
الربح: .التفوق في الكسب المالي عن طريق التجارة. كل تفوق على الآخرين عن طريق التجارة يسمى ربحاً (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) البقرة).
المفلح: التفوق في أداء واجب شاق حاول مجموعة من الناس أن يفعلوه مثلاً وإستطاع بعضهم وفشل بعضهم فيقال أفلح. مثل سباق المانش مثلاً المئات يدخلون السابق وواحد فقط أو بعضهم يعبرون المانش. (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)) مجموعة صفات أدّوها جميعاً وهذا قطعاً عمل شاق ولهذا شق الأرض يسمى فلح. الفلاحة من أشق المهن على الأرض في القوة والجلد والصبر والفلاّح من هذا الإشتقاق إنه أدّى واجباً شاقاً بينما فشل غيره فيه (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) المؤمنون) كم واحد من المسلمين اليوم أفلح في هذه المجموعة من صفات المؤمنين كما ذكرت في سورة المؤمنون؟ نجدهم قِلّة فهؤلاء مفلحون.
الفوز: إذا أفلح الإنسان في أي عمل ثم حصل من هذا الفلاح على خير كثير متفوق لم يحصل عليه الآخرون يسمى فوزاً. (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) آل عمران) ويقال أفلح في السباق وفاز بالجائزة. الفوز خير كثير لا نظير له يأخذه الناس لأنهم قاموا بأعمال لم يستطع غيرهم أن يفعلها. وهناك فوز كبير وفوز عظيم وفوز مبين. الفوز الكبير يُعدّ له إحتفال مثل العيد الكبير عند وقفة الحجاج بعرفة فهذا يوم مشهود وكذلك الفوز الكبير يوم القيامة وحتى في الدنيا مثل توزيع الجوائز على ملأ عظيم في إحتفال عظيم. الفوز العظيم من حيث الكمّ قيمة هذا الفوز، مكافأته عظيمة من حيث الكمّ: مبلغ من المال، كأس ذهبية، منصب أو غيره. الفوز المبين لا يختلف فيه إثنان ولا يتنازع فيه إثنان فالذي فاز بالسباق فأخذ الجائزة التي من حقه لا أحد يعترض عليه ولا أحد يسأل لم أخذ الجائزة؟ الفوز أثر من آثار الفلاح.
القادر: التفوق في الطاقة الذاتية والتفوق هذا نوعان: نوع مطلق إذا كان لله تعالى (قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37) الأنعام) ونوع محدود غير مطلق للمخلوق يقال فلان قادر على ركوب الخيل أي عنده قدرة ذاتية متفوقة جداً في شيء محدد فلا تقول فلان قادر وتسكت وإنما يجب أن تحدد قادر على كذا. سباق القدرة مثلاً وهو سباق الخيل يبقى المتاشبق على ظهر الخيل مدة أربع وعشرين ساعة. اما الله تعالى فله قدرة مطلقة.
النصر: التفوق على الخصم بالقوة والإسناد وكل منتصر هناك من يسنده ناهيك عن الإسناد الإلهي. حتى في الحياة عندما تنتصر على خصمك هناك من أسندك. النصر هو المعونة وعلى الخصم عندك قوة لكن هناك من أيّدك وتحالف معك فهاذ يسمى نصراً.
الظفر: هذا النصر إذا كان موجعاً جداً للعدو يسمى ظفراً (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24) الفتح) مثلاً جيشان تحاربا والنصر هدفه إخراج العدو من أرض المعركة فإذا كان الجيش المنتصر نشب أظفاره في العدو يسمى ظفر كما فعل اليهود بالجيوش العربية في عام 1967 عندما أنشبوا أظفارهم بالجيوش العربية. الظفر كأنهم أنشبوا أظفارهم كما قال الشاعر:
وإذا المنيّة أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمةٍ لا تنفع
القهر: إذا كان العدو الذي إنقلب إلى ظفر بعد ذلك إسترقيت المنهزمين وإستوليت على إرادتهم بالكامل يسمى قهراً (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) الأعراف) بحيث لا يعود لديهم إرادة ولا حول.
الغالب: إذا لم يتم هذا بالسلاح وإنما بالخداع والمؤامرة والمناورة يسمى غلب (غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) الروم). لم يقل هزمت الروم ولم يقل سينصرون وإنما قال سيغلبون لأن الأوروبيون معرفون بأنهم ماكرون مكراً يفوق في قوته قوة السلاح كما فعلوا في العراق بتدبير هائل أقنعوا العالم بصحة ما قالوه عن إمتلاك العراق لأسلحة دمار شامل وجاءوا إلى العراق فهذا يسمى غلبة. وهناك فرق بين الإنتصار (تفوق مع إسناد آخر علناً وهذا فيه فروسية) وبين الغلبة التي فيها مكر وخدعة ولذا قالوا الحرب خدعة. (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) الصافات) الذين نرسلهم مرسلين مثل إبراهيم ونوح وموسى وغيرهم أخبرناهم أنهم منصورون أن الله تعالى سينصرهم (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) يوسف) من عند الله إسناد. (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) الجراد والقُمّل والضفادع والدم جنود الله تنتصر بالمراودة. (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) الأحقاف) جاءتهم غيمة ففرحوا وظنوا أنها خير فإذا هي عذاب هذا تدبير ومكر وحسن دهاء. كل من ينتصر على خصمه بالدهاء يسمى غلبة فإذا أنشبت أظافرك فيه يسمى ظفراً فإذا إستعنت عليه بمعين يسمى نصراً وإذا إسترقيّته يسمى قهراً.
السباق: سرعة السير حقيقة (سباق ركض) أو مجازاً. المسابقة هي السرعة في السير (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران) هذه السرعة غير معروفة بطيئة أو سريعة فقال تعالى في آية أخرى (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) الحديد) لتكن سرعتك سرعة المتسابق.
فهمنا الفرق بين كل كلمة وكلمة فالربح هو التفوق المالي وأفلح تفوق يف أداء واجب شاق وفاز الخير من وراء فلاح في أداء واجب شاق والقدرة تفوق في القدرة الذاتية والنصر إسناد مع قوة والظفر أن تنشب أظافرك وتستأصل عدوك وغلب التفوق بالدهاء والمكر والمحاورة والمداورة ، والقهر إذا إستوليت على عدوك بالكامل أرضاً وثروة وقراراً والسبق التفوق الزمني. هذه هي منظومة التفوق في كتاب الله عز وجل وكل كلمة تعطي زاوية لا تعطيها الكلمة الأخرى.
السبق: هذه أكثر كلمة في هذه المجموعة تعنينا لأنها تتعلق بالآخرة والكلمات الأخرى تتعلق بالدنيا. السبق هو أن تسبق الآخرين. الإمتحانات والإختبارات سباقات في الصناعات والحضارة وغيرها فالتسابق من أسباب عمارة هذا الكون (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) هود) وعمارة الأرض ليس فيها محابا لأمة دون أمة فالأمم فيها سواسية وقانون التسابق عام هكذا التفوق لا ينحصر بأمة دون أمة أو دين دون دين كل من له قدرة السرعة أكثر من الآخر هو الذي سيتفوق في النهاية على الآخر. هناك بعض الشعوب تسير بسرعة وغيرهم يسرون على مهل والشعوب تتفاوت في السرعة والبطء وكلما كانت حركة الشعوب أسرع كلما كان تفوقها أكبر وكلما كانت السرعة بطيئة كلما كان تفوقها بطيئاً. رب العالمين يقسم الناس يوم القيامة على أساس السرعة كما هو الحال في الدنيا. في سورة الواقعة الذين سيمثلون للحساب ثلاثة أنواع: أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة والسابقون. نحن قطعاً لسنا من أصحاب المشئمة هؤلاء خالدين في النار أما المؤمن بالله من أصحاب الميمنة ونحن قطعاً لسنا من السابقين وهم نوعان: سابقون لا يتكرروا مثل الأنبياء والصديقون والشهداء وآل بيت النبي r وآل الأنبياء وحواريهم والأنصار والمهاجرون والبدريون والرضوانيون وهؤلاء قِلة (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (14) الواقعة) هذا النوع من السابقين لا نكون منهم ولكن قد نكون معهم بحبنا لهم كما قال الرسول r (فيُبعث بحبه لهم) وهؤلاء لا يقاس عليهم كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه “نحن أهل بيت لا يقاس علينا ولا نقاس على أحد”. صفة ثبتت اهم ولن يتكرر هذا النوع. ننتقل إلى سورة فاطر يتكلم تعالى عن أهل اليمين. قلنا نحن لسنا من أصحاب المشئمة ولا من السابقين. نحن من أصحاب اليمين الذين ينقسمون في سورة فاطر إلى ثلاثة أقسام (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)) أصحاب اليمين هم الذين يوحدون الله عز وجل هؤلاء ثلاثة أنواع:
الظالم لنفسه الذي حسناته أقل بكثير من سيئاته وهذا لا يكون إلا إذا لم يكن من أهل القِبلة فإذا كان لا يصلي يجعله متأخراً عن كل ما يتصوره حتى يكاد يُفصل من أمة محمد r فإذا مكان من يلطم الخدود ليس من أمة محمد كما في الحديث “ليس منا من لطم الخدود” فكيف بتارك الصلاة؟
ومنهم مقتصد وهؤلاء تساوت حسناتهم مع سيئاتهم. ومنهم سابق الخيرات هؤلاء سابقون آخرون ويمكن أن نكون منهم بدرجة متقدمة في أمة محمد r وإن كنت لا ترقى لمرحلة السابقين في سورة الواقعة.
الرسول r يقول من زادت حسناته على سيئاته فذلك الذي يدخل الجنة بغير حساب. نحن فينا شرائح تدخل الجنة بغير حساب ولا يمر على ساحة العرض. السابق العامل من عامة المسلمين هذا ينتقل من البعث إلى مثواه في الجنة على منابر من نور كما وصفهم الرسول r من غير أن يمر على ساحة الحساب ذلك المشهد الرهيب. والذي تساوت حسناته وسيئاته فذلك الذي يحاسب حساباً يسيراً قالوا وما الحساب اليسير قال النظر (ينظر الله تعالى في ثواني في صحيفة أعماله فيمتليء هذا الإنسان خوفاً لأنه لا يعرف الحُكم فهذا الخوف عندما تنبقى عين العبد معلّقة بكلمة يقولها الله تعالى وهذا الخوف لا يمر فيه لأن الميزان عند الله لا يتساوى ولا يوجد من تساوت موازينه لأن الله تعالى قال (إن رحمتي سبقت غضبي) تتدخل رحمة الله تعالى فتُثقل كفة الحسنات فيذهب إلى الجنة. الفرق بين هذا والسابق أن السابق لا يمر بمنظر الحساب. أما الذي زادت سيئاته على حسناته فذلك الذي أثقل ظهره وأوبق كاهله إذا كان من أهل القبلة فذلك الذي يشفع له النبي r والنبي r لا يشفع لمن ليس من أهل القبلة ولم يكن مصلياً كما في الحديث: “شفاعتي حق لأهل الكبائر من أمتي” وتارك الصلاة مفصول وليس من أمة محمد r.
إذن ما هي الطريقة لتكون من السابقين هؤلاء الذين يمكن لكل عبد أن يكون منهم؟
هناك أحاديث كثيرة وآيات سورة المؤمنون ونسبة قليلة من المسلمين يطبقون هذه الصفات مجتمعة. قال تعالى (قد أفلح المؤمنون) قال هنا للزكاة فاعلون وفرّق بين الصلاة والزكاة ولم تأت مثلما وردت في باقي آيات أخرى (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) لأن الزكاة المقصودة هنا تزكية النفوس عن الحقد والطمع والضغينة : أن تقتل مسلماً أو تذبحه ليس من أمة محمد. يقول تعالى (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) أي قاموا بهذا الجهد الشاق ولو أنهم نسبة ضئيلة زلكن يمكن أن تكون مثلهم حتى لو حاولت قبل أن تموت بعام واحد . أشياء أخرى بشّرنا بها الرسول r: جاء أبو ذر قال: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالخير (أهل الدثور هم أناس أغنياء يعطون الفقراء والمساكين) قال r ألا أدلّك على كلمات إذا قلتها لا يلحقك من خلفك وتبلغ من سبقك: تسبح ثلاثاً وثلاثين وتحمد الله ثلاثاً وثلاثين وتكبّر الله ثلاثاً وثلاثين وتقول تمام المئة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. إذا فعلتها دُبُر كل صلاة تدرك من سبقك ولا يلحقك من خلفك ويجب أن تستحضر ذهنك في كل مرة تقولها.
قال الرسول r: “أتدرون من السابقون إلى ظل الله يوم القيامة؟ قالولا: بلى يا رسول الله، قال: الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سُئلوه بذلوه وإذا حُكِّموا حكموا للناس كحكمهم لأنفسهم”. يعني في الغالب في كل خصومة لا يرضى أحد بحقّه فقط (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ (24) ص) من أسباب السبق أن تكون منصفاً لا تأخذ أكثر من حقك وإذا أسندت الأمر إليّ حكمت لك كما أحكم على نفسي. قال تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) العدل هو أن تعطي الحق والإحسان أن تضيف إليه شيء آخر ترضي الطرف الآخر وهذا من رضى النفس وعِفّة القلب. والطمع في ما عند فلان مصيبة المصائب لا يهمك إلا الإستحواذ على ما عند غيرك وما من أمة تعفّ عن حق الغير كهذه الأمة، أما باقي الأمم فهي إن فعلت فلأنها تطبق خوفاً من القوانين. هذه المجموعة من الأمة لا تطمع بما بيد الآخر إذا لم يكن من حقها وتعفّ عن حقها. وإذا حكمت تحكم كما لو تحكم على نفسها هذه السابقة يوم القيامة فلا تغترّ بكثرة الصلاة والصيام ولا بطول اللحية وقصر الثوب ولكن أنظر إلى موقفك من الطمع، كم تقف يدك عن الدرهم الحرام أو الذي ليس من حقك أو الذي للآخر؟ إياك أن تطمع به وهذه من علامات السبق يوم القيامة. يقول r “نحن الآخرون السابقون يوم القيامة”.
لماذا نسبق الناس يوم القيامة؟
-
ما من أمة توحّد الله تعالى كما يفعل المسلمون.
-
أمة متوضّئة هذا الوضوء طاهرة 24 ساعة.
-
أمة نقية العرض والأنساب بشكل لا تجده إلا في هذه الأمة.
-
المسؤوليات الفطرية في الأسلاة وبدون ضغط قانوني.
-
أمة رحيمة بالأمم الأخرى ورحيمة بالعدو وبالخصم.
-
أمة تصلي خمس مرات يومياً.
-
أمة كثيرة الذكر لله تعالى.
-
أمة زاكية في أعراضها وفي حقوقها وفي معاملاتها. حتى المسلم الأميّ لا يذكر باقي الأنبياء أو الديانات إلا بخير (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) العنكبوت)
-
أمة نقيّة بشمائلها وبأخلاقها.
فمن العدل الإلهي أن تكون هذه الأمة هي السابقة إلى كل خير يوم القيامة.
إذا بلغ العبد في عبادة معينة درجة الإتقان المطلق فهو من السابقين. قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) المائدة) إتقوا الله بالأحكام وإبتغوا إليه الوسيلة بعمل واحد متخصص متقن تماماً. بلال رضي الله تعالى عنه سأله رسول الله r بم سبقتني إلة الجنة يا بلال فقال: ما أحدثت إلا توضأت وما توضأت إلا أحسست أن لله علي ركعتين فقال r بذاك يا بلال سبقتني. هذا الرجل جعله الله تعالى من السابقين لأنه من ساعة ما يستيقظ إلى ساعة أن ينام وهو متوضيء. إمرأة أرملة لها أولاد فخطبها خاطبون قالت لا، أريد أن أربي أولادي. بهذا العمل تدخل الجنة قبل النبي r فهي من السابقين. درجة الإمتياز بين الناس هو في الإستقامة (آمنت بالله ثم إستقم) الأساس هو الإيمان بالله ثم الإستقامة فعلينا جميعاً أن نستمطر نصر الله تعالى بالإستغفار.
أن تكون مواظباً على الوضوء من أنواع السبق. حديث آخر عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: جئت رسول الله r فقلت يا رسول الله إني إمرأة قد ثقلت فعلّمني شيئاً أقوله وأنا جالسة، قال لها: قولي لا إله إلا الله مئة مرة لا تذر ذنباً ولا يسبقها العمل. هناك من السابقين بالعِلم كما حصل مع الإمام علي رضي الله عنه : عن مسعد عن إسحق بن عمرو ابن حبيشي قال: خطبنا الحسن بن علي بعد قتل علي بن أبي طالب قال: لقد فارقكم رجلٌ بالأمس ما سبقه الأولون بعِلم ولا أدركه الآخرون. وفعلاً كان الصحابة يعجبون من علمه رضي الله عنه فقال له أبو جحيفة: أُنشدك الله يا علي أعندك شيء من القرآن غير ما في هذه الصحيفة؟ فقال لا والله وإنما عندي فهم خاص يؤتيه الله من يشاء من الناس. فهو سابق في العلم. وآل البيت ومصيبة الناس فيه بين مُحِبٍ غالٍ مُفرِط وبين مبغض مُفرِط. التأليه أشد من حد السيف.
يمكنك أن تكون من السابقين وتتخصص في عبادة من العبادات مهما كانت وظيفتك حتى لو كنت رب أسرة فقط. كل العبادات إذا تخصصت بواحدة منها تخصصاً عظيماً فقد سبقت غيرك. قال تعالى (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) النحل) وقال تعالى: (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف) لكن إذا كان العمل الذي تعمله من أعمال السابقين تصبح أنت من السابقين أيضاً بحيث لا تحاسب وتكون في مقصورة الرحمن في الفردوس الأعلى وتكون من الصالحين أصحاب الميمنة الذين من ضمنهم السابقين بالخيرات. إما عن طريق عمل جليل نُصّ عليه أنه من فعله يكون من السابقين أو عن طريق تخصصك بعبادة واحدة متقنة إتقاناً تاماً كاملاً تأتي يوم القيامة وأنت من السابقين، يقولون : إعرف بعض الشيء عن كل شيء وإعرف كل شيء عن عبادة واحدة.
بثت الحلقة بتاريخ 10/3/2006م