الحروف في القرآن الكريم, حرف الراء

حرف الراء – منظومة صفات العقل (رشيد)

اسلاميات
حرف الراء

 

منظومة  صفات العقل

العقل المميّز – الوازع – المتدبر – المفكّر – الرشيد

في حلقة سابقة كنا تكلمنا عن أسماء العقل في حرف الحاء في منظومة الحجر (هل في ذلك قسم لذي حجر) والحجر إسم من أسماء العقل كالنهى ( إن في ذلك لآيات لأولي النهى) واللّب (إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب) هذه كانت عن أسماء العقل. في هذه الحلقة نتكلم عن صفات العقل وهي: العقل المميّز (ليميز الله الخبيث من الطيّب) والعقل الوازع (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)) والعقل المفكّر (إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) والعقل المدبر (أفلا يتدبرون القرآن) وأرقى العقول هو العقل الرشيد (أليس منكم رجل رشيد) (فأولئك تحرّوا رشدا) (ولقد آتينا إبراهيم رشده)، إذا وصل العقل من تجاربه الكثيرة إلى قمة النضج والأداء الكامل يسمى عقلاً رشيداً.

 

العقل المميِز: العقل نوعان: ثابت ومتطور والقاسم المشترك بين جميع المخلوقات البشرية العقل المميّز. كل مخلوق بشري ما لم يكن مجنوناً أو متخلفاً عقلياً يعرف هذا أحمر وهذا أصفر وهذا نار وهذا حار وهذا بارد. هذا عقل مميز تساوى فيه البشر جميعاً بل حتى الحيوانات لها مكان العقل غريزة تفرق بين الأشياء. لكن بقية صفات العقل المميز والوازع والمفكر والمتدبر والرشيد هذه عقول تتطور وتترقى بطول التجارب كما قال الشاعر:

ألم تر أن العقل زينٌ لأهله   ولكن تمام العقل طول التجارب

بالعقل وبالتجارب بالدراسة بالتفكر العقل يترقى وهذا لا يمنع أن من عباد الله من يهبهم عقلاً كاملاً رشيداً هبة من عنده عز وجل بدون أسباب مثل عقول الأنبياء (الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس) لهم عقول مخصصة من الله تعالى (وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) وقد علّم الله تعالى جميع الأنبياء من آدم إلى محمد r علّمهم تعليماً مباشراً إلى عقولهم فترقّت عقولهم. وهكذا أيضاً يهب الله تعالى بعض العباد عبقرية هائلة وعقولاً مدبرة راشدة بدون أسباب كما يمنح الصوت الجميل فيكون مغنياً أو الخط الجميل أو القدرة على الرسم أو الشعر. هذه الكفاءات تولد مع الإنسان فيولد مطرباً أو شاعراً أو رساماً وهكذا بعض العبقريات العلمية كما قال تعالى عن سليمان وكان عمره 11 عاماً أعطاه الله تعالى عقلاً فاق عقل أبيه داوود u (ففهمناها سليمان) فهم من الأمر ما لم يفهمه أبوه العظيم. كذلك يحيى (وآتيناه الحكم صبيا). هذه إستثناءات، نجد أن إنساناً أو إنسانة نبغ في علم معيّن نبوغاً ليس مكتسباً. في الغالب العقل يكتسب وهناك من يولد عبقرياً. وهذه إستثناءات ومِنَح من الله عز وجل. العقل المميز إذن هو العقل الذي يتساوى فيه الناس جميعاً.

العقل الوازع: مباشرة بعد المميز . فتى لما يصير في الخامسة عشر من عمره يهديه عقله لمنعه من النقائص والأخطاء والجرائم والأشياء القبيحة بالفطرة لا يحب القمار أو القتال أو الزنا أو الخمر “كل مولود يولد على الفطرة”. هذا العقل الوازع هو الذي يكف الإنسان عن إرتكاب النقائص (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) النمل) أي أن هذا الجيش الذي كان لسليمان وكان من أجناس وأعراف مختلفة (طيور، حيوانات، إنسان، جن) هذا الجيش العرمرم مع إختلافه كان منضبطاً إنضباطاً كاملاً وعنده من الوازع ما يمنعه من المعصية. وعندنا وازع ديني فلا يسرق ولا يزني، ووازع قَبَلي يستحي من الناس  وخوف من القانون ووازع عقلي وهذا أرقى الأنواع وهذا وازع ذاتي إن من الناس بطبيعته وبمروءته وتأثير عقله الوازع يترفع عن النقائص. بعض الأمم تترقى حتى يتعايش فيها الناس مع بعضهم كما في كندا والصين وأميركا والهند فيها أجناس مختلفة وأعراق وجنسيات يتعايشون بوازع القانون وليس بينهم تنافر أو حقد. بينما هناك دول لا تزال عقولها في مرحلة الطفولة السلبية فمع أنهم من عرق واحد ودين واحد يقتل بعضهم بعضاً كما يحصل في العراق مثلاً الآن ليس لديهم وازع كما كان لجيش سليمان برغم أعراقهم كانوا منضبطين ومتعايشين كما ذكرنا في بعض الدول..

العقل الوازع هو الأساس الذي يجعل المجتمعات مستقرة سليمة ويجعل الناس يتعايشون على إختلاف أعراقهم وأديانهم. وتشقى الحياة إذا لم يكن للناس وازع يلم شملهم ويوحّد حركتهم.

كلمة يوزعون ودرت كثيراً (رب أوزعني أن أشكر نعمتك) أي أعطني عقلاً يمنعني من كُفر النعمة. حتى أهل النار (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) فصلت) أصحاب النار يوم القيامة في غاية الصلاح (ربنا أخرجنا منها نعمل صالحاً) (رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيم تركت) عندما يرون النار يتوبون لكن بعد فوات الأوان، (يوم لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل). العقل الوازع ينفع في الدنيا وإذا لم يتب صاحبه قبل الغرغرة فلن تنفعه التوبة بعد الموت. العقل الوازع الآن هو الذي يسيطر على حركة الناس في الدول وفي الجماعات والجيوش وكل الحركات السياسية والعسكرية والإقتصادية فإذا رأيت جماعة من أي نوع منضبطة  وتمتنع عن التمرد والخطأ والإعتداء على الآخر فإعلم أن لهم وازعاً من عقل أو قانون أو دين المهم هناك وازع كما في الحديث “إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن” السلطان بقوته وعدله  وقانونه يكفّهم عن الفساد. والعقل من أرقى أنواع الوازع لأنه ينضبط بدون أي قانون هذا نوع من الترقي الإنساني .والعقل الوازع هو الذي يكفّ صاحبه عن الإعتداء والفوضى لأن هذا العقل له سلطان على صاحبه.

العقل المتدبر: (أفلا يتدبرون القرآن) التدبر في القضايا التي تحتاج إلى عمق في التفكير لكي تصل إلى نهايتها. ليس كل المسائل في الحياة بسيطة فالذين إخترعوا الإختراعات تأملوا سنوات ثم بقوا وراء هذا العلم وتأملوا إلى أن وقعوا على ما أردوا الوقوع عليه. يتدبر يعني يبقى دُبُر الشيء إلى أن يعرف حقيقته وهكذا جميع العلوم. القرآن الكريم فيه آيات محكمات وآيات متشابهة فالمحكم هو إفعل ولا تفعل أقيموا الصلاة، آتوا الزكاة، لا تقربوا الزنا ولا تأكلوا الربا وغيرها هذه آيات تُفسّر وفسّرها الرسول r لأصحابه وليس فيها جديد (صلاة، صيام، زكاة) والمتشابه أي الذي له معنى أول وليس له معنى آخِر مثل آيات الكون والفضاء والإنسان والحياة هذا يأول ولا يفسّر. هذا معنى أوّلي وكل الحياة بدأت في طفولتها بمعنى أوّل ثم إستمر التقدم حتى وصلوا لما يريدون. القرآن هدى للناس والكتاب هدى للمتقين يعني المحكم منه للمتقين (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)) أما القرآن فهو هدى للناس ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس) جميعاً لأن فيه خلق الكون والوحدانية والكل يهتدي به عندما يبين أن الله واحد ولا ينبغي أن تعبد إلا الله لا صنماً ولا حجراً. هذا التدبر أن تبقى خلف الآية جيلاً بعد جيل. مثلاً قوله تعالى في سورة النمل (قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) ما هذه الحركة التي يأتي بها مخلوق بشري ينقل فيها مخلوق عرش ملكة سبأ من مكان إلى مكان بلمح البصر؟ إختلف المفسرون منهم من قال هو مخلوق موجي والموجة تتحرك بزمن صفر ومنهم من قال هي عملية النقل الضوئي بأقل من جزء ثانية تنقل إلى أقصى الدنيا وجيل بعد جيل تبقى وراء هذه الآية إلى أن تعرف ما وراءها وقد تتطور في معرفتها ويبقى المعنى الكامل ناقصاً إلى يوم القيامة (يوم يأتي تأويله). هذه المعاني العميقة في النفس والحياة، في العين والبصر والسمع والفضاء كله يحتاج إلى تدبر تبقى خلف الآية جيلاً بعد جيل إلى أن تصل وكل ما وصلت إليه البشرية الآن من إختراعات كانت تعتبر أسطورة وخرافة قبل أعوام. هذا التدبر فالعقل الذي يبقى سنوات لكي يخترع شيئاً هذا عقل متدبر.

العقل المفكر والعاقل: العقل إسم والعقل فعل. العقل إسم لهذه العضلة والعقل أيضاً فعل تلك العضلة. العقل يعقل (وما يعقلها إلا العالمون). متى يكون عقلك عاقلاً ومتى يكون مفكراً؟ إذا فكرت بالشيء الواحد بجزئياته يسمى مفكراً (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) آل عمران) تفكر بالنجمة وحدها، بالقمر، بالشمس، بالفضاء وحده وهكذا فأنت عندما تأخذها جزءاً جزءاً يسمى هذا تفكيراً فلما تسمى مفكراً لا شك تجزيء وأنت أخبر الناس بهذا الشيء وتعرف أسرار جزئياته فأنت مفكر سياسي، علمي، ديني، عندما تُجمع الأجزاء المطلوب جمعها وتخرج منها بنتيجة تسمى عاقلاً العقل هو الضم من عقل البعير. من دقة القرآن يتكلم عن العقل الذي يعقل المطلوب أنت تجمع هذه الأشياء وتخرج بنتيجة:( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) الرعد). هذه الأشياء عليك أن تفككها جزئية جزئية تنظر في أسرارها على حدة. في آية أخرى (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) الرعد) هذه مطلوب منك أن تنظر فيها مرة واحدة: هذه بستان في أرض واحدة، بذور واحدة، الماء واحد وتختلف النتائج هذا أحمر وهذا أصفر وهذا مالح وهذا حلو عليك أن تعرف ماذا حصل والعلم الذي ستتوصل إليه من جمع هذه الأشياء وتنظر فيها مع بعض هذا عقل.

العقل الرشيد: أرقى العقول وأعظمها عندما يترقى العقل من كونه مميزاً إلى عقل وازع إلى عقل متدبر إلى عقل متفكر ثم عندما يصل إلى نهاية النضج يسمى عقلاً رشيداً (أليس منكم رجل رشيد) العقل الرشيد كما يعرّفه المسلمون في الكتاب والسُنّة هو وصول العقل إلى غاية نضجه (فأولئك تحروا رشدا) الرشد هو إذا أصبت الصواب الكامل اليقيني الذي لا شك أنه يقين ولذلك سُمي رشداً. الرشد هو الإستقامة على طريق الحق على تصلّب فيه مهما حاولت أن تثنيه عنه لا يتحول ويعطيك ألف دليل لأنه وصل إليه عن طريق اليقين. ربا العالمين يقول: (ولقد آتينا إبراهيم رشده) إبراهيم u هو إمام الأنبياء. لماذا قال رشدا؟ لأنه إستعمل عقله وعلّمه ودرّبه ووصل إلى اليقينيات عن طريقين: طريق الشك أوصله لليقين (رب أرني كبف تحيي الموتى) هو يعرف أن الله تعالى يحيي الموتى ولم يشك في الله تعالى لكن شك في كيفية هذا الذي يحدث لكنه أراد أن يرى بعينه لكي يزداد يقيناً (ولكن ليطمئن قلبي) أي لأصل إلى الحقيقة المطلقة فإذا وصل إلى الحقيقة المطلقة إنتهى هذا الأسلوب الأول. اسلوب الثاني هو الأسلوب التجريبي كما يحصل في كل الإختراعات الآن لا بد من التجربة أولاً: إبراهيم يبحث عن إله فلما رأى الكوكب ثم القمر ثم الشمس قال (إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض) جرّب إلى أن وصل أن لهذا الكون إلهاً. كل من يعبد غير الله ليس لهم عقل رشيد إطلاقاً ولو كان لهم عقل رشيد لتوصلوا بالمنهج التجريبي أن للكون إلهاً واحداً خالقاً له القدرة المطلقة هذه القدرة المطلقة نسميها نحن الله ويسميها غيرنا شيء آخر وهو واحد لا رب غيره ولو كان في الكون إلهين لفسدتا هذا الكون لا يمكن أن يكون بهذه الإستقامة وهذا الإنضباط إلا بأن يكون له رب واحد وخالق واحد ولذا من أجل هذا قال تعالى (ولقد آتينا إبراهيم رشده) لأنه إستعمل الوسيلتين.

العقل الرشيد بإختصار هو الذي حسُن تقديره فيما قدّر والذي تنساق تدبيراته إلى غاياتها على سبيل السداد من غير إشارة مشير أو تدبير مدبر وإنما تلقائياً هذا العقل ترقى إلى أن أصبح يعرف الصواب بذاته من غير أن يشير عليه أحد..

الرشد هو وصول العقل إلى نضجه الكامل بحيث لا يأتيه الخطأ أو الزلل لا من يمينه ولا من شماله فإذا وصل العبد إلى هذا فقد صار راشداً (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) الحجرات) هناك فرق بين من يمتنع عن القتل أوالسرقة أوالزنا أوالخمر خوفاً من القانون أو من العقوبة ومن يمتنع عنها حباً لمكنونات عقله. كل الفلسفات في الأرض والحكمة يفرزها العقل الرشيد الذي يل إلى مبتغاه وإلى السداد من عير مسدد (وقولوا قولاً سديداً) قول لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قول حق مئة في المئة. هناك من يأكل الربا طمعاً وجشعاً وهو من أخطر الجرائم الإقتصادية ومن يمتنع عنه خوفاً من العقاب ومن يمتنع عنه طواعية. على إمتداد التاريخ نسبة الذين يشربون الخمر قليل بين المسلمين وفي بعض الدول صفر في المئة ما الذي منعهم من ذلك؟ هم طواعية إمتنعوا إلى هذا اليوم نسبة الذين يتعاملون بالربا قليلة لأن النفوس تعافه (كرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان) كم إمرأة يتزوجها زوجها وهي ليست عذراء بين المسلمين؟ هذا من العقل الرشيد عقلها يرفض أن تسلم نفسها بطريق غير شرعي. كم من هذه الأمة تعتدي على الآخر وكم نسبة اللصوص والمرتشين والقتلة والعصابات تعيث في الأرض فساداً. مجتمعاتنا آمنة وهذا بفضل الله عز وجل. ولأن عقولهم رشيدة جرائم القتل في المجتمعات مصيبة في زمن السلم تكاد تكون معدومة في مجتمعاتنا (يهدي إلى الرشد) هذا القرآن بمجرد أن تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله تمتنع من السرقة والزنا والربا. هذا القرآن الكريم لمجرد كونك مسلماً تعبد الله وحده وما من أمة تعبده وحده إلا هذه الأمة. التوحيد المطلق مسلّم به عند هذه الأمة لها رب واحد يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين ثم تمتنع طواعية عن أشياء هذا من رُشد القرآن الكريم. هذا الرشد الذي جزّأ لك كل سلوكيات الحياة (النفس بالنفس) هذا قتل الخصومة وهناك قتل يُخلّد في النار (ومن يقتل مؤمناً متعمداً) كالمشرك الكافر هذا إذا قتلته لعقيدته (مسلم يتهم مسلماً آخر بعقيدته أنه مشرك أو كافر ويقتله على أساس طائفي أو مذهبي أو حزبي) في الحديث عن الرسول r:” لا تقوم الساعة حتى يصلي ألف رجل في المسجد ليس فهم مؤمن”، “لا تقوم الساعة حتى يحج الناس ليس فيهم مؤمن”. هذا جديد فينا الآن. القرآن نص على هذا اليوم (ومن يقتل مؤمناً متعمداً) يقتله لعقيدته مع أنهم جميعاً يصلون إلى نفس القبلة ويصومون في شهر واحد ويحجون إلى بيت واحد كما يحصل في العراق اليوم ، أي خبل هذا؟ هؤلاء قوم لا رشد لهم ولم يقتربوا من رشد القرآن هؤلاء خالدون في النار وإن صلّى وإن صام.

سورة الحجرات مذيّلة (الراشدون) فرق بين أن تصلي وأنت متلذذ بها وأن تصلي وأنت متعب لكن تفعله لأنه واجب ديني. هناك فرق في حسن الأداء. الأداء مختلف هذا في كل شيء (حبب إليكم الإيمان) لو قطّعته إرباً يتلذذ بعبادة الله تعالى وهو يتقزز من الكفر كفر النعمة ومن الفسق ومن العصيان. يؤدون واجبهم في منتهى المتعة. الخائف خطّاء الذي ينضبط من خوف ما إن تمنحه فرصة يفلت. كل ما في الكون قائم على الحب، كل من يحب شيئاً يُحسن أداءه وكل من يكره شيئاً يؤديه بشكل غير لائق. الذي يعبد الله حباً ويأنف من الخطئية والفساد لا يفعله إلا راشد ورشيد.

من أخطر ما يتهدد البشرية القوة غير الراشدة. العالم يملك القنابل الذرية ومصير العالم بيد شخص واحد (رئيس دولة عظمى) أو بعض الأشخاص فلو أن واحداً من هؤلاء أصابه خبل أو جنون ينتهي العالم. الذي يحفظ أمن العالم أن هؤلاء الذين يملكون المفاتيح يسيطرون على الأمر. ما من قوة غاشكة تفقد الرشد إلا وتفنى بسبب لا يعرفه إلا الله تعالى . لما وزّع القوة وأمر بأن نكون أقوياء أمرنا أن نستخدم القوة في خدمة الناس. قوم عاد قالوا (من أشد منا قوة) ما كان أحد في زمانهم يقدر عليهم أنهاهم الله تعالى بسبعة أيام. النمرود كان له جيش عرمرم لا يستطيع أحد أن يقهره وكان يفتك بالدول مات بالبعوض، الإتحاد السوفياتي قوة كانت تمتلك نصف الأرض إستبدوا بشعب الأفغان البسيط فمات منهم كثير بالنمل في بحيرة في أفغانستان.بينما كانوا يسبحون عندما تستبد قوة واحدة في الأرض تبطش بالناس وتظلمهم لا يستطيع أحد أن يقهرها فالله تعالى ينهيها بشكل لا قدرة لأحد عليها فتنتهي كما إنتهت القوة الجبارة سابقاً.

(وفي أنفسكم أفلا تبصرون) عليك أن تفكر في جسدك وجزّئه جزءاً جزءاً، فيه أكثر من مليون جهاز وكل خلية جهاز قائم بذاته وتأمل كيف تعمل هذه الأجهزة؟ ما هذا التناغم بين هذه الأجهزة وما هذا التناسق “إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”؟ هكذا هو الكون. من يستطيع أن يفعل هذا إلا الله تعالى.سبحانه لا شريك له وليس معه آلهة أخرى وإلا لفسدت الأرض من دلائل وحدانية الله تعالى أن هذا التناسق في الكون وفي أنفسنا. نحن عالم كامل. بهذا التفكر، عندما تجزيء هذا الجسم المعجز وتقيسه على العالم تكون قد صرت مفكراً ثم لا بد أن تصل إلى يقين إبراهيم u.

مصيبة الأمة اليوم أن العقل الراشد فيها قد إختفى والراشدون فيها إختفوا إلا أن يتدارك الله تعالى فيبعث فيهم مجموعة من الرجال ويهبهم شيئاً من الرشد ينقذون به العالم من هذا الخبل. ملكة سبأ لما دعاها سليمان قال لها الملأ (قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33)) فقالت (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)) بالحكمة والعقل الرشيد والسياسة والتفاوض وإنتهى الأمر إلى سلام. هذا عصر الخبل ” زمن الهرج، الهرج، الهرج القتل القتل القتل حتى لا يدري القاتل لم قتل ولا المقتول فيم قُتِل” ” لاتقوم الساعة حتى تكون الروم أشد الناس عليكم” ولأول مرة في التاريخ تستبد قوة واحدة لكن إذا حققت العدل بين الناس فستستمر وتعطي عطاء يستمر قروناً وإلا فمكر الله تعالى لا يخطئ هذه القوة ويأتيها من حيث لا تحتسب ببعوضة، بإعصار، بجرثومة ينتهي الأمر كله.

بثت الحلقة بتاريخ 17/3/2006 م