الحروف في القرآن الكريم, حرف السين

حرف السين – المنظومة الحاكمية (سلطان)

اسلاميات

حرف السين

المنظومة الحاكمية


سلطان – ملك – خليفة –حاكم –  وليّ الأمر – زعيم – إمام – رئيس

الحاكمون في القرآن جاءوا بلفظ: السلطان، ملك، خليفة، حاكم، ولي الأمر، زعيم، إمام هذه هي الكلمات القرآنية المترادفة التي تدل على من يحكم شعباً وكل كلمة ترسم زاوية في الصورة لا ترسمها الكلمة الأخرى. الحاكم هو الذي يحكم شعبه قهراً بناءاً على قوانين ثابتة أي قضية إلزامية ومن يخالِف يعاقَب. هذه القوانين ثابتة مع إختلاف مصادر تشريعها فالمهم أن الأمة أو الشعب لهم قوانين سواء كانت مستمدة من شرع أو عرف أو ما شاكل ذلك وهي تسن على الناس.

حاكم: فهذا الإنسان الذي يحكمهم يسمى حاكماً لأنه يجبرهم ويقهرهم على أن يطبقوا هذه القوانين فهو راعي القوانين وراعي العدالة وحينئذٍ يفعل ذلك جبراً عنهم فيسمى حاكماً وإذا كان إختيارياً يسمى حكماً قال الله تعالى: ( فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا 35 النساء) أما الحاكم فهو إجباري (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ 49 المائدة) ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ 50 المائدة). هذا الحاكم فمن حيث كونه رئيس الدولة أو رئيس الوزراء. فرئيس الوزراء هو الحاكم الفعلي من حيث كونه يلزم شعبه بتطبيق القوانين وتحقيق العدالة فمن حيث هذه الزاوية أنه يرعى العدالة بإجبار شعبه على تطبيق القوانين يسمى حاكماً.

إمام: وإذا كان هذا الحاكم ممن يقتدى به كأن يكون له فلسفة معينة، دين معين، مذهب معين، حزب معين، كل من سوف يأتي بعده سيقتدي به ويسير على نهجه يسمى إماماً (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ 71 الإسراء). الإمام وهو الذي يقتدى به وهو الذي يضل أو يهدي هناك أئمة مضلون وهناك أئمة هادون مهديون وهذا إذا كان له فلسفة مثل الخلفاء الراشدين أئمة لأنهم يقتدى بهم. ستالين ولينين أيضاً أئمة لأنه يقتدى بهم وجميع من أتى بعدهم كانوا يسيرون على نهجهم وهو الحزب الشيوعي. وهكذا كل حاكم له فلسفة معينة يضعها هو ثم كل من سوف يأتي بعده سوف يطبق هذه الفلسفة ولا يخرج عنه حينئذٍ يسمى إماماً (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا 124 البقرة). ولهذا جميع الأنبياء إلى عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ساروا على نهج سيدنا إبراهيم فسيدنا إبراهيم سمي إماماً لأن جميع الأنبياء الذين بعده ساروا على نهجه (مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ 78 الحج) سواء كان إماماً ضالاً أو هادياً مهدياً كل من يكون سنةً لمن بعده يسمى إماماً.

خليفة: قال الله تعالى:( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ 26 ص) الخليفة هو الذي يمشي على هدي الإمام. الإمام الأول كل من بعده ممن يسيرون على نهجه يسمون خلفاء ولهذا رب العالمين سبحانه وتعالى رسم لسيدنا آدم نهجه فقال: ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً30  البقرة) وهو سيدنا آدم مشى على نهج معين رسمه الله عز وجل وهو أن يكون خطاءً. سيدنا آدم القضية الأساسية التي أثبتها الله من خلاله أن هذا المخلوق وهو آدم هو وذريته خطاءون ولا يمكن إلا أن يكونوا خطائين والله عز وجل هو الذي أرادهم أن يكونوا خطائين فأول من أخطأ آدم عليه السلام. والخليفة من يخلِف ومن يخلَف فهنا سوف يستخلف وحينئذٍ الخلافة بين المستخلِف والمستخلَف كلاهما يسمى في عملية الخلافة وآدم عليه السلام خليفة رب العالمين في الأرض ولهذا السلطان ظل الله في الأرض.

سلطان: السلطان هو الحاكم الذي لا يرد أمره لقوة سطوته بالحق (وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ 90 النساء) عندما تكون لك قوة بأس ومأخوذ من الحجة القوية (فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ 33 الرحمن) ( أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ21  النمل) أي حجة لا تدحض. والسلطان في الأصل هو الدليل أو الحجة أو البينة التي لا يمكن دحضها لقوة نصاعتها وقوة دلالتها وحينئذٍ إستعملت مجازاً في الشخص الذي لا يرد أمره لشدة بأسه وقوته في الحق لا يستطيع أحد أن يخالفه.

ملك: الملك هو الذي يحكم الناس بقوة يملكها هو فقط ولا يملكها غيره. كالذي لديه أموال كثيرة لا يملكها الآخرون فصار ملكاً عليهم أو شخص لديه سلالة نقية جداً جداً يقدسها الجميع فصار ملكاً فكل ملك الأصل فيه أن فيه جانباً من جوانب القوة التي تقهر شعبه ويؤمن بها شعبه ويذعن لها فهذا يسمى ملكاً، قال تعالى (مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ 4 الفاتحة) فرب العالمين ملك يوم الدين لأن لله قدرة الكل يذعن لها.

ولي الأمر: ولي الأمر هو الذي ينوب عن الحاكم الأعلى كما في الإسلام سابقاً يسمون ولاة الأقاليم. فالوالي هو الذي ينوب عن الملك أو الخليفة أو الزعيم أو ما شاكل ذلك أي الذي ينوب عن الحاكم الأعلى رئيس الدولة بحكم إقليم من الأقاليم فهو الوالي.

زعيم: الزعيم هو الذي يتعهد بتلبية كل حاجات شعبه فالزعيم يطلق على من إستطاع أن يحقق حاجات شعبه فكل ملك أو أمير أو خليفة أو إمامٍ إستطاع أن يحقق حاجات شعبه ويتكفل بتحقيقها ثم يحققها فعلاً فهو زعيم إضافة إلى كونه ملكاً أو إماماً..إلخ. فالزعيم صفة ثانية تطلق على الحاكمين عندما يستطيعون أن ينفذوا مشروعهم الإقتصادي بحيث وفوا كل حاجات شعبهم ولا يطلق على من أجاع شعبه وإن كان ملكاً أو خليفة أو إماماً .

رئيس: الرئيس هو قمة السلطة. إذن فكل من هو رأس في السلطة الذي بيده الأمر والنهي يسمى رئيساً.

رب العالمين ضرب لنا مثلاً لعدة مملكات في القرآن الكريم: مملكة سبأ (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ 23 النمل) امرأة ديموقراطية (أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ32  النمل)، مملكة سيدنا داوود (إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى26  ص)، مملكة سيدنا سليمان. ومن مجمل هذه الممالك التي ذكرها القرآن الكريم بإكبار إلى جانب الممالك التي ذكرها القرآن الكريم سلباً وذماً كمملكة فرعون والنمرود وما إلى ذلك من ممالك جبارة خائرة حينئذٍ هذه تعطينا فكرة قبل الدخول في التفاصيل عن المواصفات الأساسية للملكة المثالية التي يمكن تنفيذها بذلك.

ونبدأ بالصفات التي شخصها القرآن الكريم بإعتبارها صفات أساسية لأي حاكم ويقاس نجاح هذا الحاكم أو ذاك بنسبة ما توفر له من هذه المواصفات:

أولاً: القدرة العقلية والمعرفية: أول وصف هو العلم فينبغي أن يكون الحاكم عالماً بشيءٍ ما أي أن تكون له مقدرة علمية أو فكرية أو ذهنية بحيث ينبهر بها شعبه كما قال تعالى على سيدنا طالوت (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُواْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ 247 البقرة) و سيدنا سليمان عليه السلام (يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ 16 النمل) وسيدنا داوود عليه السلام ألآن له الحديد (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ 80 الأنبياء) والنبي محمد صلى الله عليه وسلم (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ 113 النساء) وأول إكرام لسيدنا آدم عليه السلام (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا 31 البقرة) والأسماء كلها القدرة على الإستنباط فصار له عقل إستنباطي يقيس الأمر على الأمر بخلاف الملائكة المبرمجة على الطاعة. حينئذٍ القوة الذهنية العقلية التي هي محيط العلم وإناؤه ووعاؤه. ينبغي أن يكون الحاكم وقاد الذهن تعترف أفعاله وتدل مشروعاته وإنجازاته على قدرته العقلية والمعرفية وهذا هو أول شرط من شروط القائد العظيم الحاكم الناجح. وفي قوله تعالى (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ55  يوسف) دلالة على أن المواطن إذا وجد في نفسه صفات القائد وصفات الحاكم وشغر منصب الحاكم عليه أن يتقدم لأن هذه مسؤولية. وأحياناً تكون فرض عين إذا لم يكن هناك أحد غيره ولهذا ما من أحد في زمان سيدنا يوسف أعلم منه بالناحية الإقتصادية ولهذا عرض نفسه، وفعلاً اجتاز المحنة الإقتصادية اجتيازاً شخّصه القرآن الكريم ونتعبد بقراءته إلى يوم القيامة والنجاح الإقتصادي في كل الممالك التي جاء بها القرآن الكريم أساس النجاح (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ) إقتصادها متين وقس الباقي. وكما قال سيدنا سليمان في قوله تعالى (عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ) ورب العالمين قال (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ4  قريش). إذا رأيت القائد أو الزعيم حقق لشعبه أمناً وغذاءً فهذه باكورة النجاح وهي التجربة الرائدة.

ثانياً من صفات الحاكم أيضاً أن يحكم بالحق وأن لا يحكم بالهوى وما أكثر الذين يحكمون بالهوى مثل فرعون وهامان والنمرود وغير ذلك. هؤلاء حكموا بالهوى وهذا لا يصح. يجب على الحاكم أن يلزم نفسه بما يلزم به شعبه من دين، قانون، ميثاق. لابد من وجدود قاعدة تبين الحق للناس الذي لهم والذي عليهم يطبقها الحاكم على نفسه قبل أن يطبقها على شعبه كما في الآية الكريمة (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى 26 ص).

ثالثاً القوة الإقتصادية

رابعاً القوة الخارقة علمياً أو بشرياً: لابد من القائد الحقيقي أن تكون له مجموعة سواء كانت المجموعة بشرية أو تكنولوجيا تقوم بعمل خارق ففي مملكة سيدنا سليمان عليه السلام (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ 40 النمل) هذه القوة الخارقة المدربة تدريباً عالياً وما من أمة أو دولة تنجو ولا من قائد أو حاكم يستطيع أن يدير حكمه أو يدافع عنه إلا إذا ربى هذه المجموعة وأسماؤها كثيرة- فدائيون أو كوماندوز أو القوات الخاصة- الآن التكنواوجيا تقوم مقام هؤلاء وهؤلاء لا يستغنى عنهم حتى بوجود التكنولوجيا.

خامساً الأمن بالقوة الإعتيادية وهي الجيش (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ 17 النمل) لابد أن يكون جيشك مطيعاً لابد أن يكون له وازع تأمره فينفذ من غير أن يفهم حتى ولو لم يكن يؤمن ولا يفهم عليه أن ينفذ الأمر. فجيش سيدنا سليمان كانوا يطيعونه طاعة عمياء ولا بأس بالسؤال ولكن بعد أن ينفذوا ولهذا جاءت نكبة المسلمين في أُحُد من هذا الباب فعندما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الرماة بعدم مغادرة مواقعهم لأي سببٍ كان ولكنهم لم يطيعوه إعتقاداً منهم بأنهم إنتصروا في المعركة، وهذا ليس شأن الجيش وذمهم الله سبحانه وتعالى في القرآن (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم 152 آل عمران).

سادساً: القوة الإستخباراتية: من مهام هذا العصر ومن أهم العناصر للحاكم القوي الناجح الذي يريد شعبه وأن يقدمه بأن تكون له قوة إستخبارية في غاية القدرة والذي رمز لها رب العالمين بالهدهد. وبعض الإستخبارات في العالم يكون رمزها الهدهد، هذا الهدهد مثل القوة الإستخبارية وفعلاً خلق ضابط إستخبارات أولاً هو سريع التسلل وبلا صوت ولا يلفت النظر وإذا رأى شيئاً لا ينظر إليه مباشرة بل يلتفت إلى الشمال ثم ينظر بعين واحدة إلى الشيء أو الحدث بحيث لا أحد يدرك أنه ينظر إليه. وهكذا هو النظام في الإستخبارات فالقوة الإستخبارية أساسٌ لنجاح الدولة كما قال تعالى (وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ 188 الأعراف) الإستخبارات تنطلق خارج الدولة وضابط الأمن يعمل داخل الدولة يحفظ الأمن يتعامل مع المواطن ولهذا يكون رقيقاً أما ضابط الإستخبارات يكون شرساً وشجاعاً وقوياً ومدرباً تدريباً عالياً وقد يلقى بمهالك لأنه يحفظ أمن بلده في أرض العدو، يدفع الشر، يدفع المؤامرات، يكتشف أراضي جديدة، مصالح جديدة، أسواق جديدة. والتكنولوجيا في كل ما حولنا تستطيع أن تكتشف كل سنتيمتر في هذه الكرة الأرضية. الإستخبارات العالمية الآن أقرب إليك من نفَسك ومن نفْسك ولهذا كل دولة تفوق الأخرى بهذا الجانب هي المنتصرة ولهذا قال الهدهد (أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ 22 النمل).

الدولة المثالية أولها العلم وهذا العلم للقائد، للحاكم، للخليفة، للملك، للزعيم .هذا العلم لا بد أن يترجم لكي يعرفه الناس فكيف يعرف الناس أن هذا الحاكم رجل يتميز بقدرة عقلية وذهنية وتفكير سليم حتى أنجز ما أنجز؟ ورب العالمين ما خلق خلقاً أكرم عليه من العقل، ولهذا نلاحظ في العصر الحديث معظم الملوك والرؤساء وخاصة رؤساء الوزارات الذين في هذا العصر هم بيدهم الحكم كلهم كتبوا كتاباً أثبتوا فيه قدرتهم العلمية وهذا الكتاب بقي بعد أن نسي الناس الرئيس أو تنحى عن الرئاسة تقرأه الأجيال جيلاً بعد جيل. وهناك عدة كتب لقادة سابقين لاتزال تقرأ إلى الآن. ومعظم الحكام القادرين أو الفعالين هم الذين أولوا الناحية الإقتصادية إهتماماً كاملاً فإذا نجح الزعيم في الناحية الإقتصادية فقد أصبح رائداً. فلكل زعيم كتابه الذي يبين فيه فلسفته في الحكم وإنجازاته في هذه الفلسفة ومن أبرز هذه الكتب كتاب رحلتي لتشرشل وكفاحي لهتلر وتجربتي لغاندي ورحلتي لمانديلا وطريقي إلى الأمام لمحمد مهاتير رئيس وزراء ماليزيا وهذه الكتب أخذت مدىً واسعاً ذهب أصحابها ولكن بقي الناس يتأملونها لما فيها من فلسفة وإبداع وتجارب ولا يستغني عنها أي زعيمٍ عام أو خاص فالكل لابد أن يقف على هذه التجارب الإنسانية العظيمة. وهذه الكتب السابقة جميعاً تختلف عن كتاب رؤيتي لمحمد بن راشد من حيث أن جميع الكتب تتكلم عن أشياء سيقومون بها إنما هذا الكتاب-رؤيتي-لم يتكلم فيه المؤلف-محمد بن راشد- ماذا سيفعل إلا بعد أن فعل فعلاً وهذا لأول مرة. وهذا الكتاب يفلسف العمل الإقتصادي والقيادة والريادة فيخلط بين القائد ومن ينصبهم القائد من إداريين كفريق عمل، ويقول القيادي لا ينبغي له أن ينهمك بالجزئيات ويغرق في التفاصيل حتى لا يجد الوقت الكامل للتطوير والإبتكار فتضيع عليه الصورة الكبيرة وهي الإبداع العام. فالزعيم الواثق من نفسه والمحب لشعبه والذي يعتقد بأن الله سيسأله عن الشاة التي لم يمهد لها الطريق لا يهمه ذم أو مدح. فالمدح والشتم سواء عنده فجميعهم شعبه وأولاده. ويقول الكتاب أن جوهر الحضارة العربية الإسلامية يمكن أن يلخص بكلمة واحدة وهي الريادة وأن تكون الأول في كل شيء كما قال في مكان آخر الناس يعرفون الأول ولا يعرفون الثاني فالأمة التي فيها رائد أو تربي نفسها على الريادة هي الأمة التي يمكن أن تبني حضارة ومدنية. وفي لقطة من لقطات الكتاب تكلم عن الإنفتاح الكبير على العالم وأن كل شيء فيه خير وفيه شر، خيرها لنا وشرها نستغني عنه. وقال: لن نرضى المساس بأي شكل من الأشكال بديننا وعادتنا وتقاليدنا مهما تطورت هذه الأمة. وهناك تشابه كبير بين جهود محمد مهاتير في ماليزيا ومحمد بن راشد في الإمارات من حيث النجاح المطلق علماً بأن إمكانات مهاتير أكبر ولكن من حيث الفكرة والتصميم والنقلة من شبه الصفر إلى المئة تشابه كبير بين الرجلين، فهذا الرجل بينه وبين محمد بن راشد من حيث النهضة الإقتصادية في كلا البلدين بالسرعة والإتقان والفلسفة تشابه كبير. ويقول الشيخ محمد بن راشد: إننا في الإمارات نستمتع بالتحديات وجود الإمارات، تحدي تاريخها، تحدي نموها، تحدي إستمرارها، تحدي. وللحكام جميعاً مسؤولية كبيرة يوم القيامة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته وإن الله سائل كل راع عما إسترعاه حفظ أم ضيع” “ما من أمير عشرة فما فوق ذلك إلا أتى الله مغلولاً يوم القيامة يده إلى عنقه فكه بره أو أوقعه إثمه” “ما من حاكم يحكم بين الناس إلا جاء يوم القيامة وملك آخذ بقفاه ثم يرفع رأسه إلى السماء فإن قال ألقه ألقاه” وكل هذا قام على حقوق الناس كم ضيعت من حقوق الناس وكم نفذت من حقوق الناس و”عدل ساعة خير من ستين سنة” وأن سقيا كلب تدخل الجنة وحبس هرة تدخل النار. و”يوم من إمام عادل أفضل عند الله من عبادة ستين سنة” “أفضل الناس عند الله منزلة يوم القيامة إمام عادل رقيق”، “السلطان ظل الله في الأرض يأوي إليه كل مظلوم من عباده”، “إذا جارت الولاة قحطت السماء”، “ما بخس قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجورالسلطان” ، “لا تقدس أمة لا يقضى فيها بالحق ولا يأخذ الضعيف حقه من القوي غير متعتع” ، “من ولي من أمتي قلت أو كثرت فلم يعدل فيهم كبه الله على وجه في النار”، “ما من والي ثلاثة إلا لقي الله مغلولة يمينه فكه العدل أو غله الجور”، “عرض علي أول ثلاثة يدخلون النار أمير مسلط وذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله فيه والفقير الفخور”، “من ولي من أمر المسلمين شيئاً لم ينظر الله في حاجته حتى ينظر في حوائجهم”، “ما من إمام ولا والي بات ليلة سوداء غاشاً لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة”، “من ولاه الله شيئاً من أمور المسلمين فإحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم إحتجب الله دون حاجته وفقره يوم القيامة”. فكل حاكم ينبغي أن يكون له ديوان يحقق فيه حقوق الناس ويقضي حاجاتهم وإلا هلك. ويقول صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى يسود الناس أراذلهم”، “لا تقوم الساعة حتى يتحدث الرويبضة”. وضرب الله سبحانه وتعالى أمثلة للحكم الصالح: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ 11 التحريم)، وأيضاً ملكة سبأ (مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ). والدليل الوحيد الواضح على تفوق الزعيم عندما ترى شعبه يحبه وفعلاً الشعب لا يمكن أن يحب إلا زعيماً يستحق المحبة فلا بد أن يكون هذا الزعيم قد اتخذ قراراً وقدم نهضة وأقام ديمقراطية ومدنية وحضارة إذن الفيصل في كل ذلك الناس ولهذا ألسنة الخلق أقلام الحق ولهذا من شهد له أربعون بالخير أدخله الله الجنة.

بُثّت الحلقة بتاريخ 12/5/2006م وطبعتها الأخت نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها