البرق – السنا –الشفق – الوهج – الضياء – النور –
هذه المنظومة تنتظم الكلمات القرآنية التالية: البرق، السنا، الشفق، الوهج، الضياء، النور. هذه هي الكلمات الواردة في كتاب الله عز وجل والتي هي واحدة من أساليب الضياء المختلفة.
البرق: هو لمعان السحاب لا ندخل فيما يقولونه الفيزيائيون عن تكون السحاب وإنما نتكلم عن البرق الذي هو الضياء المنبعث من السحاب كما هو معروف قال تعالى:( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ 12 الرعد) فالبرق هو لمعان السحابة السوداء الكثيفة.
السنا: هو شدة لمعان ضوء البرق أو المصباح. إذا كان المصباح في غاية اللمعان وكما تعلمون كل المصابيح تتفاوت في قوة ضيائها وإضائتها. فهناك أنواع من المصابيح ودرجات الضياء تختلف من نوع لآخروهناك من الضياء بحيث لا يستطيع الإنسان فتح عينيه من قوة لمعانه. إذا كان بهذه القوة يسمى سنا. قال تعالى:(يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ 43 النور) لشدة وقوة لمعانه. وهنالك فرق بين سنا وسناء فالسناء رفعة كل شيء رفيع المستوى والمقام والقدر يسمى سناءً فالرفعة سناء ورفعة الضوء وقوته تسمى سنا بجون همزة.
الشفق: هو اختلاط ضوء النهار بسواد الليل عند الغروب (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ 17 الانشقاق) فالشفق هو ضياء يختص باختلاط ضوء النهار بظلام الليل ساعة الغروب. ذلك الضياء المنبعث في تلك الساعة في أفق السماء البعيدة يسمى شفقاً.
الوهج: شدة لمعان المحروقة أي النار أو الشيء الحار مثل النار، الحديد، الفرن، إذا توهج وأصبح لمعانها قوياً يسمى وهجاً. فالسنا هو شدة لمعان المصباح والوهج شدة لمعان الشيء الحار المحروق كالشمس مثلاً. فالشمس إذا أصبحت في غاية الحرارة وفي غاية التوهج ساعة الظهيرة في الصيف تسمى وهجاً بينما شدة لمعان البرق ولأنه بارد يسمى سنا.
الضياء: هو هذا الوهج المنبعث من النار عندما يمتد فينعكس على أي جسم من الأجسام أو ينكسر عليه هذا الضياء الممتد بعد أن يبرد يسمى ضياءً. الوهج في غاية الحرارة أي بداية القرب من مصدره: مصباح في غاية الضوء وحار جداً ما دام الضياء حاراً ساخناً يسمى هذا وهجاً. إذا امتد حتى صار بارداً يسمى هذا ضياءً. فالشمس وأنت قريب منها هي وهج متوهج عندما تشعر بحرارتها هذا وهج وعندما تراها من بعيد تلمع من غير أن تمسّك حرارتها تسمى ضياءً (الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ 17 البقرة) ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا 5 يونس).
النور: هذا الضياء الذي بدأ وهجاً ثم صار ضياءً إذا انكسر على جسم صلب أو على صفحة ملساء انكسر عليها أو انعكس عليها يسمى نوراً. بعيداً عن فلسفات علماء الفيزياء الذين قالوا كثيراً في تعريف النور. والغريب أن كل العلماء الفيزيائيون لم يفرقوا بين النور والضياء وكأنه شيء واحد والقرآن الكريم يرى غير هذا يرى أن النور شيء والضياء شيء آخر. فالضياء بعد أن يبرد الوهج عندما يمتد هذا الضياء بسرعته المعروفة ثم ينكسر هذا الضياء على صفحة. لو كان في الأفق لا يسمى نوراً. لو أنك سلطت بروجكتور على أفق السماء في الظلام ولم ينكسر على شيء سلّطته على بحر لا يسمى نوراً إلا إذا انكسر على صفحة السفينة على صفحة جدار على صفحة وجهك يسمى نوراً. فالنور انعكاس الضوء أو انكساره على الأجسام. وبالتالي عندما نسمع كلمة نور في العبادات، في الأشخاص، نعرف أنه حالة أصبحت واضحة جداً، محبوبة جداً، مشهورة جداً قال الله تعالى:(أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ 22 الزمر) (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ 122 الأنعام).
كلمة النور رمز إيجابي جداً على حالة، على عبادة من العبادات (من قرأ سورة الكهف فهي له نور) أي أنه سيُعرف بها يوم القيامة في حالة إيجابية جداً سوف تكون سبباً في أن يكون وجيهاً. وغير ذلك من العبادات الكثيرة التي تجعل صاحبها وجيهاً لأنها تشكل له نوراً. هذا النور من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم رمزٌ على أن صاحب النور بعبادته، بفكره، بتقواه، بتصرفاته، بأقواله، وأفعاله هناك أشياء كثيرة تسبب له نوراً كما الوسام. هناك كثير من الأعمال في الدولة تعطي صاحبها تميزاً بجائزة وهذه الجائزة لها شارة، هذه الشارة تعني أن صاحبها الذي يضعها على صدره قام بعمل متميز وبالتالي قد أصبح هو نفسه متميزاً عند الدولة كأصحاب الأوسمة وما شاكل ذلك. هكذا هو النور. النور في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم تساوي بقدر ما ما نسميه الآن الأنواط والأوسمة والجوائز والميداليات والكؤوس الدالة على الفخر والفوز والتفوق والتميز. هذا النور هو هكذا في الدنيا والآخرة يدل على التميز عند الله أي على الفوز بجائزة أو وسام فأصبح صاحبها متميزاً معروفاً مشهوراً عند الملأ الأعلى يُشار إليه بالبنان وله صيت كصيته في الدنيا (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) يوم القيامة منهم من يلبس تاج أو يكون على وجهه علامة فالكل يعرفه كما هو الحال في الدنيا: هناك أبطال في الرياضة الكل يعرفهم، وهناك أبطال في السياسة وفي القضاء العادل وفي الفن وفي العلم يشار إليهم هذا فوز، هذا نور. أي أن الله سبحانه وتعالى أعطاه نوراً سلّط عليه ضياءً معيناً هذا الضياء إما من عبادة أو علم أو فعلة كريمة أو موقف كريم إلخ كما هو في الكتاب والسنة. حينئذٍ صاحبها يصبح مشهوراً في الدنيا والآخرة من حيث أنه صاحب مكرمة كما يعطى الآخر ظلاماً مثل المجرمون والقتلة. هذا من سواد الوجه: فهناك من هو أسود الوجه بفعلة نذلة، بقتلٍ، بعمالةٍ، بسقوطٍ، بقطع طريق، بتعذيب الناس، بشقاقٍ طائفي على شعبه هذا سواد وجه. وهناك بياض وجه كالفاتحين والذي يساعد شعبه. والتاريخ مليء بمن يقف في وجه الفاتحين وبمن يساعد الفاتحين على شعبه ومليء بمن يساعد شعبه ومن يطغى على شعبه.
إذن هذه هي منظومة الضياء فلنتكلم عن النور باعتباره وساماً. كلما قرأت في الكتاب والسنة أن البقرة وآل عمران من حفظها عن ظهر قلب صارت له نورا، من قرأ سورة الكهف أو الدخان يوم الجمعة صارت له نور، الوضوء نور، صلاة التطوع في بيتك نور، الصلاة في المسجد نور، صلاة الصبح نور، صلاة العتمة الثلاثة نور تام (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) ويقصد بالظُلَم من صلى العشاء والصبح، صلاة العتمة العشاء والصبح إذا كنت تصليهما في المسجد فإنهما لك نور تام ليس فيه نقص والكل يعرف أن النور قد يضعف وقد ينقص وقد يقل في مداه وفي قوته وفي كمه وفي كيفه، والآن الذين يصلون في المساجد في الصباح والمساء يُقتلون وهذا الفرق بين ضياع الأمة ونهضتها. يقول عليه الصلاة والسلام: “لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم الهرج القتل القتل القتل حتى يقتل الرجل أخاه وجاره وابن عمه حتى لا يعلم المقتول فيم قُتِل والقاتل فيم قتل”.
إذن باختصار شديد: البرق هو لمعان السحاب، السنا شدة لمعان المصباح، الشفق ضوء المغيب، الوهج الضوء الحار، الضياء الضوء البارد، النور عند انعكاس الضوء على الأجسام. هذه هي منظومة الضياء.
الكون كما يقول العلماء وكما يقول الكتاب والسنة أصله غارق في الظلمة، الظلمة هي الأساس والضوء طارئ. جاء يهودي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لكي يمتحنه وقال ( يا محمد أين يكون الناس يوم القيامة فقال عليه الصلاة والسلام : في الظلمة دون الجسر، فقال اليهودي: أشهد أنك رسول الله وأسلم). إذن فالدنيا وظلمة وساعة الحشر مظلمة (إذا أخرج يده لم يكد يراها). وكما أن الله سبحانه وتعالى خلق الضياء في الدنيا وخلق الظلمات وحينئذٍ هناك ضوء أصلي أساس وضوء طارئ وحينئذٍ يوم القيامة على هذا الأساس الظلمة وخاصة في ساعة الحشر أي قبل الانتقال إلى العالم الآخر عندما نكون بين عالم الدنيا وعالم الآخرة المستقر أي في ساعة الحساب والحشر كما هو ساحة البرزخ. منذ أن نموت نحن في ظلمة إلا من جعل الله له نوراً ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور. في هذه الظلمة رب العالمين سبحانه وتعالى يبعث لبعض المؤمنين نوراً (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا 8 التحريم)
الكلام في النور في كتاب الله عز وجل كثير. يقول تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ 257 البقرة) الولي: هو الذي يليك ليس بينك وبينه فاصل أنت وأبوك، أبوك وليّك ليس بينك وبين أبيك إنسان آخر حينئذٍ الله وليّ الذين آمنوا ليس بينك وبين الله عز وجل إنسان ولا مخلوقٌ آخر أنت مع الله مباشرة: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ 186 البقرة) هذه الآية كما قال تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا 256 البقرة) وهو الله سبحانه وتعالى وهو وليك الذي هداك للإيمان وحببك للإيمان وهداك له وما كنت لتهتدي لولا أن هداك الله لو كنت أشد الناس عبقرية فالإيمان درة الله المصونة ولهذا يهبها لمن يشاء من عباده (وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ 35 الأنعام). وقال تعالى: (قُل لّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ 17 الحجرات) (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ 7 الحجرات). إذن فالله وليك مادام قد منّ عليك بكل هذا فأن يمنّ عليك بغير هذا شيء من باب الضرورة واللزوم. من لوازم كونه وليك بحيث وهبك هذا الإيمان أن يكون وليّك في كل شيء في هذا الدنيا وهو سمعك وبصرك. فرب العالمين سبحانه وتعالى حبب إليك الإيمان وزينه في قلبك ثم هداك إليه ثم آمنت ثم علّمك الشرع ثم بعثك لك نبياً يشفع لك ويعلّمك (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ 164 آل عمران). والتزكية أنه جعلك زاكياً وما من أمة زاكية كهذه الأمة. وزاكية غير طاهرة: طاهرة من النجاسة فأنت طاهر تتوضأ وتستخدم الماء وتغتسل بعد النجاسة والجنابة وفي الجمعة والعيدين ونتوضأ دائماً فكل الجسد تمسه المياه فهو طاهر ولا نجلس إلا على طاهر ولا نلبس إلا طاهراً ولا نصلي إلا على طاهر ولا نأكل إلا طاهراً ولكن رب طاهر وسخ فهناك من يصلي ويصوم ويوحّد فهو طاهر من الشرك لكنه وسخ، لديه أخلاقيات سيئة مثل شرب الخمر أو السرقة أو التعامل بالرشوة أو الزنا بالمحارم أو ديّوث فهو فيه نجاسة وفيه وسخ وخبث فهو غير زاكي مع أنه طاهر. قد يكون الطعام طاهراً لكنه ليس زاكياً له رائحة كريهة فهو ليس زاكياً. وهذه الأمة زاكية فهي زاكية بأعراضها وأنسابها وعلاقاتها مع الناس بكل شيء فما من حركة من حركاتها إلا تتسم بالطيب: عفو عند التخاصم، طهارة عرض تتزوج المرأة وهي عذراء، تعرف نسبك، هناك كتلة عائلية هناك رحم هناك شعب رقيق مع الجار، مع الضيف، مع العدو، كل ما فيك من حركات وتصرفات وسلوكيات يومية طيبة كريمة في غاية الذوق. (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) لم يقل ليطهرهم وإنما قال ليزكيهم. (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) التوبة) الصدقة تطهرك من الذنوب وتجعلك عند الله راقياً. وقد جاء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذه الأمة لكي يزكيها. وفعلاً ما من إنسان على وجه الأرض يدخل في هذا الدين إلا يصبح هكذا: نقي العرض له أولاد وأعمام وأخوال وأجداد وأسرة وعائلة ويصبح بعيداً عن الخمور والخنا والديوثة وله علاقة مع الناس مع الأقارب مع الأخوان ملابسه نظيفة، شكله معطّر. وحينئذٍ الله ولي الذين آمنوا عندما كان الله وليك كل هذا من باب التوابع واللوازم كلزومية الحلاوة للتمر ما دام هناك تمر فهناك حلاوة وما دام هناك إسلام فهناك تزكية وزكاة من حيث أنك طيب الرائحة في كل سلوكياتك وهذا يساوي حسن الخلق. يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ( أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسانكم أخلاقا).
رب العالمين في هذه الآية يخاطب المرتدين (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) هذا كان مؤمناً، فرب العالمين عندما يتولى عباده أحد من الناس يخرجه من الظلمات إلى النور، وعندما يأتي الطغاة، الطاغوت غير الطغيان فالطغيان عندما يشتد ويتعلق بالعقيدة يسمى طاغوتاً فالطاغوت نوعان طاغوت سياسي واقتصادي وقهر كما تفعل الدول الكبرى مع الدول الصغرى احتلال ونهب وسلب وقت وغيره. هذا طاغوت عندما تسلبك دينك وتجعلك ترتد يسمى هذا طاغوت غاية الطغيان. فالطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات إذن هو كان في النور معنى ذلك أن الآية تتحدث عن المرتدين كما قال تعالى: (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ 14 البقرة). كما هو الحال الآن فظاهرة الارتداد عن الإسلام أصبحت مستشرية كما قال عليه الصلاة والسلام (لا تقوم الساعة حتى يخرج الناس من هذا الدين أفواجاً كما دخلوا فيه أفواجاً) (ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس) (ولا تقوم الساعة وعلى الأرض من يقول الله) إذن الساعة تقوم على عالم خرب مهزوز منتشر فيه الظلم والطغيان والطاغوت وبيع الدنيا بالآخرة. والشيء الذي يلفت النظر أن العرب وحدهم لا يرتدون يرتد المسلمون من غير العرب ولا يرتد العرب ولعل هذا من أسباب قوله تعالى والله أعلم: (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا 37 الرعد) أي شريعة يتبناها العرب لأن العرب إذا آمنوا لا يرتدون وفعلاً ما حدث في التاريخ أن ارتد العرب عن دينهم إلا واحد أو اثنان من باب الاستثناء.
قال الله تعالى:( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ 16 المائدة) واضح أن القرآن نور ومحمد عليه الصلاة والسلام نور. والقرآن معروف بوجاهته وتأثيره وشهرته ومكانته فهو نور. والنبي صلى الله عليه وسلم (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا 46 الأحزاب) فرب العالمين جعل القرآن نور لمن يقرأ به كما لو انعكس هذا الوحي باعتباره ضياءً انعكس على قلوب المؤمنين فصار نوراً. كل من شرح الله صدره للإسلام دخل ضياء الإسلام إلى قلبه انعكس هذا الضياء في قلبه حتى صار نوراً وقد اهتدى حينئذٍ ويقول الله (يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ) السؤال هنا أن سبل السلام واحدة أو متعددة فيبدوا أنها متعددة (سبل السلام) إذن التوحيد واحد والشرع واحد والدين واحد والنبي واحد والقرآن واحد ولكن سبل السلام متعددة لأنك مطالبٌ بأن تكون على سلامٍ مع جهات كثيرة. فأنت مطالب بأن تكون على سلام مع نفسك، ومع أهلك، ومع جيرانك، ومع أمتك، ومع جماعتك، مع الكون، مع غير المسلمين، مع الله عز وجل مع كل مخلوقات الأرض وبالنهاية وبالبداية أن تكون على سلام مع الله عز وجل فأنت مع سلام على نفسك بالرضا واليقين والعمل الصالح والخلق الحسن فتشعر بأنك تحب نفسك من حيث أنها زاكية طيبة حسنة الخلق، تصرفك مع الناس جيد، تعبد الله عز وجل، مطمئن نظيف مرتاح وكلنا نعرف عندما تصلي وقرة عيني في الصلاة كم تشعر بالرضا، عندما تخرج من المسجد في صلاة الصبح أو العشاء وقد أديت فرضاً مع المسلمين كم هي ساعة من ساعات السعادة والشعور بالسلام مع النفس. وهناك سلام مع الأسرة وكلنا نعرف التزام المسلمين بفعل الإسلام وبأوامره مع أولادك وأبنائك بناتك وبهذه المسؤولية المتكافلة العظيمة والكل يعرف تفاصيل هذا. وما من أمة تفعل مثلنا مطلقاً، ما من أمة تبقى الأسرة فيها متماسكة أبناء وأحفاد وإخوان وأخوات وأعمام وعمات أي عائلة عدة عوائل أسرة، وعدة أسر فصيل وعدة فصائل عشيرة وعدة عشائر قبيلة وعدة قبائل شعب وعدة شعوب أمة. هذا النسيج الهائل عند هذه الأمة فقط فأنت في سلام مع أهلك وأسرتك قال تعالى: ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ 8 النساء) ومع الجماعة: (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ 36 النساء) والسلام مع الأمة: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً 52 المؤمنون) كل فرد مسؤول عن كل فرد فيها كما هم مسؤولون عنك والكل يعرف مدى التكافل في هذه الأمة. والسلام مع العالم: (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ 58 النساء) في البيع في الشراء في النظرة في التعامل، (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) التوبة) (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) الممتحنة) ( وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ 46ا لعنكبوت) ثم يقال نحن إرهابيون!. إذن فالسلام مع النفس والأسرة والجماعة والأمة والعالم والسلام مع الموت فما من أمة بينها وبين الموت سلام إلا هذه الأمة تعرف ماذا يحصل قبل الموت وأثناء الموت وبعد الموت في البرزخ وبعد الموت في النفخة وفي الحشر وفي العرض وفي الحساب فهو طريق واضح. هذا الذي يكاد يسبب الكآبة لكل الناس إلا المسلم الذي يعرف طريقه كما قال عليه الصلاة والسلام (الموت تحفة المؤمن) ما من مؤمن يعرف حقيقة الموت وكل مؤمن يعرف حقيقته إلا ويرى أن الموت رحلة جميلة تخلصه من هذا العذاب الذي هو فيه وهذا الكدح (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ 6 الإنشقاق) والكدح غاية المشقة في العمل. ( وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا 15 مريم). وأخيراً سلام ٌمع الله عز وجل: هذا التوحيد الخالص الذي لا يحسنه ولا يعرفه غير أفراد هذه الأمة بالكامل إلا من شذّ. والشذوذ هذا لا يقاس عليه ولهذا فأنت بتوحيد الله عز وجل كما قال تعالى: ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ 82 الأنعام) وما من أمة لم تلبس إيمانها بشيء من الظلم وهو الشرك إلا هذه الأمة إلا نفر محدود من بعض الطوائف التي لم تحسن هذه العبارات. قال تعالى:( وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا 71 مريم) الورود هو المرور عليها، أنت قد ترد ولا تشرب. كما قال عمر ابن ربيعة الذي يوحي شعره بأنه ماجن وهو على فراش الموت كان أخوه الحارث إلى جانبه وكان من الصالحين وكان يبكي على حال أخيه فقال له لا تبكي والله لا يحاسبني الله على ذنب قطّ إنما كنت أحوم ولا أرِد وكنت أرِد ولا أشرب. والله أعلم صحة هذا الكلام ولا أتوقع أن أحداً يكذب على الله تعالى ساعة الموت.
الآية العجيبة التي تبقى سراً ولم يصل إلى سرها أحد ولم يفهمها أحد إلى الآن ولا بد أن يأتي يوم يجلّي الله تعالى لأحد من العلماء الصالحين فهمها والآية هي: ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء 35 النور) يا له من إعجاز!. باختصار شديد هذه الآية تشير إلى نور مضاعف. هناك أنوار متداخلة بعضها يمد بعضاً: المشكاة كما تعرفونها الزاوية المحددة في الجدار وهي لامعة بحيث تعكس الضوء إلى نور قوي تضاعف قوة الضوء وتزيده طاقة كالمرآة تعكس الضوء في غرفة، المشكاة هكذا فيها مصباح هذا المصباح ضوءه يتضخم بالمشكاة، هذا الضوء في زجاجة والزجاجة لديها قوة مضاعفة الضوء كأنها كوكب دري يضيء ضياء عجيباً، وهذا كله يستمد من شجرة زيتونة لا شرقية ولا غربية، يتكلم بشكل عام وبدائي وخفيف جداً عن عدة أنوار متداخلة بعضها يمد بعضاً. هذه الأنوار تستمد هذا الضياء العظيم الذي جعل هذا الضياء نوراً من شجرة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار. وأنا أقول والله أعلم أن هذه الأنوار المختلفة واردة من هذا الشرع العظيم وهذا الدين الكريم الذي هو وسطي لا شرقي ولا غربي تكاد أحكامه تضيء، وفعلاً ما من حكم من أحكام هذا الدين الثابتة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولامن خلفها البعيدة عن أمزجة المفسرين وعن نسبيتهم وعن مرحليتهم. هذه الأحكام من حيث العقائد، من حيث الأحكام الأساسية، من حيث عباداتها، من حيث جمالها لا شك أنها من وسطيتها وجمالها والتعود عليها بشكل لا يمكن أن يفهمه إلا من يجربه. فلو أن إنسان جرب أن يكون متوضأ لمدة شهر، بحيث يكون على وضوء دائم فكلما أنتقض وضوؤه بادر إلى الوضوء من جديد، لا تأكل إلا وأنت متوضيء، لا تنام إلا وأنت متوضيء، هذه الجزئية الصغيرة تكون نور يوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم (الوضوء نور) سألوا الرسول r كيف تعرف أمتك؟ قال من نورهم من الوضوء غرٌ محجلون. فهذا النور الذي هو وسطي بين كل الأديان هو نور من نور من نور:
أي نور الله عز وجل (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)،
نور الرسول صلى الله عليه وسلم (وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا)،
نور الإسلام وهو التوحيد (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ) الإسلام وهو التوحيد لا إله إلا الله أي أنك تسلم أمرك لله رباً وإلهاً،
نور الشريعة (فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 157 الأعراف) وهو شرعه( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا 8 التغابن)، حينئذٍ كل هذا نور على نور: فتأمل أنت في حسن علاقتك بالله التي لها شروط وحسن علاقتك برسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن علاقتك بشرعه ثم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ثم بالأعمال الصالحة ثم بالأحكام الفقهية الثابتة كل هذا الذي هو زيتونة لا شرقية ولا غربية. فالزيتونة كل ما فيها جميل ولذيذ ومفيد فهي شفاء وغذاء حينئذٍ تعرف أنك أصبحت في هذا النور الذي هو الكون كله. كل هذا الكون يستمد حقيقته وقواعده وأحكامه الثابتة إلى يوم القيامة من نور الله عز وجل.
على كل مسلم من أهل العلم وأهل الفكر (ويتفكرون في خلق السموات والأرض) والفكر أفضل من العلم لأن المفكر يتشرب من العلم وعلى المفكرين أصحاب الفيزياء أن يتأملوا في هذه الآية لعل الله تعالى يوفقهم لفهم هذه الآية وفهم معانيها.
وقد أعطانا رب العالمين عدة عبادات جعلها نوراً ولو تأملت فيها أن تتوضأ دائماً نور، قراءة القرآن بتأمل نور، عندما تصلي في بيتك التطوع والجماعة في المسجد هذا نور، عندما تتعلم علماً ولو كلمات هذا نور، عندما تعلِّم هذا العلم هذا نور آخر، عندما تطبق هذا الذي تعلمته هذا نور. وهكذا نور على نور على نور تنتقل رأساً إلى أن تكون ممن اجتباهم الله عز وجل وتفتح لك كل مغاليق الدنيا.
يقول الكرماني أن ورود قوله تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)) قبل آية النور تدل على أن من غض طرفه عن محارم الله جعل الله في قلبه نوراً. وكلمة النور في الكتاب والسنة ترمز إلى أنك أصبحت عبداً من عباد الله المتميزين في كل الدنيا هناك تميز في كل المجالات والنور تميز، الأمة بالمليارات يوم القيامة ولكن هنالك أفراد يأتون متميزين معروفون ولهم علامات بأنهم من الطبقة الأولى أي أصحاب التميز والوجاهة وحينئذٍ كثير من الأعمال تجعلك كذلك: (من بلغ التسعين غفر الله له كل ذنوبه وشفعه الله في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت له النار وسمي عتيق الرحمن في الأرض)، الذي يشيب في الإسلام يكون متميزاً، كل من سالت منه قطرة دم وهو في سبيل الله عز وجل يدافع عن دينه، عن أرضه، عن عرضه، يأتي يوم القيامة بنور أي متميز معروف بين الخلائق. يوم القيامة منظر عجيب أثناء الحساب وفي الجنة: والجنة مجتمع طبقي جداً جداً في الدنيا الطبقية مذمومة ولكنها في الآخرة عظيمة هناك مئة كوكب كل كوكب له شعب مختلف عن شعب الكوكب الآخر نظراً للوجاهات. فأصحاب النور هم أصحاب الوجاهات يوم القيامة. كما في الحديث ايضاً: من صلى الصبح في جماعة والعشاء في جماعة، مثلاً: أصحاب الذكر وأصحاب التهجد، وأيضاً أصحاب الذكر والصيام المستمر بكل أنواعه مثل صوم داوود أو صيام الإثنين والخميس أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر، ومن تعود أن يصلي الليل، كل هؤلاء يوم القيامة يعتبرون من أصحاب النور لأن لهم ميزة عظيمة. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل خلق خلقه في ظلمة فألقى عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم الله عز وجل) ويقول (نهى النبي عن نتف الشيب وقال إنه نور المسلم يوم القيامة) (النجاشي آمن بالنبي r قبل أن يراه فلما مات كنا نتحدث أنه لا يزال يُرى على قبره نور) وعن جابر بن عبد الله قال: (بينما أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا أهل الجنة قال وذلك قول الله ( سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ 58 يس) قال فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم). وفي الإسراء والمعراج النبي صلى الله عليه وسلم عندما أُسري به تغيرت طبيعته الإنسانية البشرية وصار نجومياً ولهذا تأتي سورة النجم بعد سورة الإسراء وبعد أن شق صدره صلى الله عليه وسلم تغيرت طبيعته ولهذا سار في الكون كالأثير قطع مليارات السنين الضوئية ورجع وفراشه حار وعندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم أرأيت ربك قال: زج بي في النور زجاً فالنبي صلى الله عليه وسلم اختلط نوره بنور الله عز وجل.
ومن الأدعية الكثيرة التي وردت وتستجلب النور من الله تعالى (اللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا وعن يميني نورا وعن شمالي نورا ومن فوقي نورا ومن تحتي نورا واجعلني نورا). هناك أحاديث التي فيها (على منابر من نور) هناك أيضاً طبقة مرموقة من المسلمين يكونون على منابر من نور كالمتحابين في الله، المتزاورون في الله، أهل القرآن، الحكام العادلون، الفقراء،المهاجرون الذين يهاجرون بلادهم جبراً كلهم على منابر من نور.
بُثّت الحلقة بتاريخ 19/5/2006م وطبعتها الأخت نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها