حرف الشين <!– function FP_swapImg() {//v1.0 var doc=document,args=arguments,elm,n; doc.$imgSwaps=new Array(); for(n=2; n<args.length; n+=2) { elm=FP_getObjectByID(args[n]); if(elm) { doc.$imgSwaps[doc.$imgSwaps.length]=elm; elm.$src=elm.src; elm.src=args[n+1]; } } } function FP_preloadImgs() {//v1.0 var d=document,a=arguments; if(!d.FP_imgs) d.FP_imgs=new Array(); for(var i=0; i<a.length; i++) { d.FP_imgs[i]=new Image; d.FP_imgs[i].src=a[i]; } } function FP_getObjectByID(id,o) {//v1.0 var c,el,els,f,m,n; if(!o)o=document; if(o.getElementById) el=o.getElementById(id); else if(o.layers) c=o.layers; else if(o.all) el=o.all[id]; if(el) return el; if(o.id==id || o.name==id) return o; if(o.childNodes) c=o.childNodes; if(c) for(n=0; n<c.length; n++) { el=FP_getObjectByID(id,c[n]); if(el) return el; } f=o.forms; if(f) for(n=0; n<f.length; n++) { els=f[n].elements; for(m=0; m
الشفيع- المعين – الظهير – الرديف – الردء- النصير – الوليّ
الكلمة في هذه الحلقة كلمة الشفيع والشفيع كلمة من كلمات الأعوان والتي هي الشفيع والمعين والظهير والرديف والردء والنصير والولي هذه كلمات تدل على إنسان إلى جانب آخر يعينه على أمر ما وكل من يقف إلى جانب آخر ويصطف معه يعينه على أمر ما بأي نوع من أنواع الإعانة. هذه هي المنظومة التي نتحدث عنها كما هو الحال وكيف استعمل القرآن الكريم كل كلمة من هذه المترادفات بمكانها الطبيعي الذي لا تغني عنه كلمة أخرى.
المعين: بالخبرة إذا كان لك مشروع أو كنت في مشكلة ما أو تريد أن تؤلف كتاباً أو أن تنشئ جمعية وتنقصك الخبرة فأعانك على هذا العمل آخر بخبرته يسمى معيناً كما قال تعالى على الكافرين (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ 4 الفرقان) إدّعوا أن هذا القرآن الكريم إنما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بمعونة واحد آخر كما قال ذو القرنين (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا 95 الكهف) بالخبرة ماذا نفعل لكي يصد هذا الهجوم من يأجوج ومأجوج؟ كما قال تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ 2 المائدة) وهذا بالخبرة والنصح والإرشاد وما إلى ذلك. هذه كلمة معين فعندما نقول يا معين يا الله أي نستدرج هداية الله عز وجل وتوفيقه وسداده لا تستدرج مالاً ولا نصرة ولا غير ذلك وإنما تستدرج أن يعينك بالهداية والتوفيق والسداد وهذه هي الإعانة.
الشفيع: المعين بالجاه لمن لا جاه له. فالشفيع رجل له جاه يعين من لا جاه له إذن فهي إعانة الأعلى للأدنى كما سيأتي بعد ذلك تسمى هذه شفاعة (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا 85 النساء).
الظهير: هو المعين الاحتياطي الذي أنت قوي به فهو ضعيف لكنه قوي بهذا الذي هو ظهير له كما قال تعالى (وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ 4 التحريم) يعني الظهير آخر احتياطي ليس مصطفّاً معك ولكنه موجود إذا أردته واحتجته جاء إليك فهذا الظهير قوة احتياطية موجودة أنت قوي بها وبدونها أنت ضعيف كما قال تعالى (فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ 86 القصص) لا تكون أنت مصدر قوة لهؤلاء الكافرين وكما قال (وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا 55 الفرقان) الكافر ظهير للشيطان وهو قوة للإلحاد وقوة بغي وقوة ظلم فكل قوى الظلم والبغي والفساد والإفساد لابد لها من قوة تحتمي بها حتى قوى الإلحاد الديني كالإتحاد السوفييتي فالناس كانوا ملحدين ولكن كان الإتحاد قوة هائلة هي التي تقووا بها وبدونها لا قيمة لهم وفعلاً لما زالت تلك القوة زال إلحادهم وانتهوا فما من كفر أو ظلم أو شرك أو ما شاكل ذلك أو طغيان على الناس على الأمم، على الشعوب إلا وهناك وراءها قوة قوية تقوي هذا الكفر.
الرديف: يقف ورائك يعينك ثم ينتهي وتفترقان (فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ9 الأنفال) طبعاً جاءت الملائكة بعد أن بدأت المعركة من خلفهم أيدوهم ثم انسحبوا. فالرديف الذي تردفه خلفك فهو قوة لك ولكنه ليس ملازماً متى ما انتهت حاجتك منه ذهب إلى حال سبيله وافترقتما.
أما الردء فهو ملازم وهو إلى جانبك وليس إلى خلفك (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ34 القصص) فسيدنا هارون بقي مع موسى إلى جانبه إلى النهاية حينئذٍ الردء إلى جانبك ويلازمك ولا يفارقك والرديف يقف خلفك يؤدي مهمته في معونتك وينسحب. هذا هو الفرق بين الرديف والردء وكيف استعملهما القرآن الكريم بهذه الدقة اللغوية.
النصير: هو المعين الذي يمنع الهزيمة لا يكون النصير نصيراً إلا إذا كنت موشكاً على الهزيمة فجاءك من منعك هذه الهزيمة (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا 110 يوسف) لولا هذا النصر لهزمتم. فالنصير هو المعين الذي يمنع الهزيمة (فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ 10 الطارق) فالناصر هو من تنهزم بدونه لولا وجوده معك لهزمت فحينئذٍ هذا المعين لا يسمى ناصراً إلا إذا منع الهزيمة أن تحيق بك.
أما الولي فهو كل ذلك الولي هو الذي يفعل لك كل هذه الأنواع من الإعانات فهو ولي (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا 257 البقرة) كل هذا وأشباهه كثير من أنواع المعونات تصدر من الولي كما تصدر منك لطفلك كل أنواع الإعانات اللغوية والاقتصادية والاجتماعية والأسرية وكل شيء يصدر منك لأبنك والله عز وجل أحنّ عليك من أمك وأبيك فكل شأنك بيد الله عز وجل يتولاك برعايته في كل حال وفي كل لحظة وفي كل شأن من شؤونك محيط بك من كل جوانبك هذا هو الولي (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ 71 التوبة) ومن وجد في نفسه خللاً في ذلك فليس مؤمناً. من شروط المؤمن أن يكون ولياً للمؤمن الآخر قال صلى الله عليه وسلم (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) هذه ولاية فإذا وجدت جماعة من المسلمين فئويين أو طائفيين أو حزبيين أو ما شاكل ذلك اعلم أنهم ليسوا مؤمنين قطعاً مهما ادّعوا الإيمان لأن الإيمان يلزم منه أن تكون أخوة وأن تكون ولاية.
هذه هي منظومة الإعانة التي هي: الشفيع بالجاه والمعين بالخبرة والظهير بالاحتياط الذي تتقوى به والرديف الذي خلفك يعينك ثم يذهب والردء إلى جانبك يلازمك والنصير الذي يمنع هزيمتك والولي الذي يتولى شأنك كله كالحاكم هو ولي شعبه يحيط بكل مصالحه. كل مصالح المواطن يرعاها الحاكم ويتولى كل شؤون شعبه بأمانة وكرامة وصدق لأنه ولي الأمر.
إذن كلمة الباب هي الشفاعة وهي مأخوذة من الشفع والوتر. الوتر واحد والشفع اثنان فالشفع يعني شخص إلى جانبك أياً كان ولكن إذا أطلقت وهي كثيرة الاستعمالات إذا قيل الشفاعة يتبادر منها ما يحدث يوم القيامة من أنك تنجو من النار بشفاعة الوجهاء في تلك الساعات. وتلك الساعات الوجاهة فيها عظيمة كما قال تعالى على سيدنا عيسى وموسى (اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ 45 آل عمران) (كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا 69 الأحزاب) فهذه الشفاعة كما هي في الدنيا هي في الآخرة فمن الدنيا لا تصدر إلا من وجيه كأن يكون هناك ظلم أو ضرر يحيط بك ولا تستطيع دفعه فتستعين بعد الله عز وجل برجل ذي جاه يجلب لك مصالحك المشروعة التي عجزت عنها أو يدفع عنك ضرراً أو ظلماً عجزت عن دفعه عن نفسك يسمى هذا شفيع كما قال تعالى (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا) والشفاعة الحسنة أن تعيد الحق لصاحبه أنت تأخذ أضعاف أضعاف أضعاف الأجر لا حدود لهذا العمل. من عباد الله عز وجل من يوكّلهم يوم القيامة في الجنة بحيث يقوم بتوزيعها على الناس وهؤلاء العباد هم (الذي يمشي في مصالح صاحبه يشفع له) كأن يكون الشخص قد ظلم فيأتي الشفيع ويُحصّل له حقه بشفاعته وهيبته. فالفرق بين الشفيع وغيره أن الشفيع بلا ثمن فالشفيع يشفع لأي شخص من دون ثمن ولكنه يشفع له لعلاقة محبة بينه وبين الذي يشفع له إما تقدير لعلمه أو لمكانته أو لأخلاقه أو لضعفه أو لأدبه أو لأنه قريبه فيشفع له شفاعة يُحصّل بها حقه،هذا الذي يفعل ذلك لوجه الله عز وجل يمكّنه الله عز وجل من الجنة فيوزعها كما يريد. فالذي يستعمل جاهه لقضاء حوائج الخلق له أجر كبير لا حدود له وكما قال تعالى (يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ) والنصيب غير محدود أضعاف مضاعفة، أما الكفل فهو محدد فالكفل واحد بواحد، اثنان باثنين (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا 160 الأنعام) ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) هذا نصيب (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا) هذا كفل. فإذا أطلقت الشفاعة فهي تنصرف إلى يوم القيامة في ذلك اليوم المرعب (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا 111 طه) (وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا 108 طه) في ذلك اليوم العظيم الذي يذهل الإنسان عن أمه وأبيه وصاحبته وبنيه فكلٌ يقول نفسي نفسي حتى الأنبياء والرسل وأنت قاب قوسين أو أدنى من جهنم وتراها لها حسيس يذيب القلوب، لها زفير، لها شهيق، وأنت أقرب إليها من نفسك، في هذا الجو الخانق يظهر شخص ما ويدعوك لدخول الجنة أمام الملأ الأعلى ففي المحشر الكل يرى ويسمع الكل والكل مرعوب حتى الأنبياء يجثون على الركب. فأي وجاهةٍ هذه يوم القيامة لهذا الذي يدخل الناس الجنة يقول الله تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ 255 البقرة) فالله سبحانه وتعالى هو الذي يأمر الأشخاص بالشفاعة ولكن لماذا؟ فالله تعالى يستطيع أن يُدخلهم الجنة من دون هذه الشفاعة ولكنه عز وجل يريد أن يقيم أنظمة حكم في الجنة. فالجنة ملك (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا 20 الإنسان) لا يوجد موت ولا فناء، وملوك الجنة بالملايين وبما أن الجنة كلها نعيم فلابد أن يكون الملِك الذي يحكم مملكتك أن يكون ملكه لك وشعورك بأنك من رعيته يسبب لك لذة ومتعة هائلة. ماذا لو كنت أنت في دولة يحكمها النبي صلى الله عليه وسلم فتأمل هذا! فكيف وأنت في مملكة يوم القيامة تبدو وجاهته أمام الخلق حتى تتعلق به قلوب العباد، الكل يعشقه، وما أكثر من أحبهم الناس في زمانهم من علماء وقادة عسكريون وأصحاب صلاح وكثير من الناس لأسباب معينة تعلقت بهم قلوب أجيالهم وتمنوا لو كان ملكهم في الجنة هكذا. وهنالك ملايين الناس يشفعون والشفاعات متفاوتة: فهناك من يشفع لملايين الناس وهناك من يشفع لأسرة واحدة وهناك من يشفع لعشرة ومن يشفع لأثنين ومن يشفع لواحد على حسب المقام. هذه الشفاعات الكبرى التي أخبرنا عنها الرسول صلى الله عليه وسلم أنها تكون لبعض الناس كالعلماء والصالحين والشهداء والقادة. فرب العالمين عن طريق هذه الشفاعة في ساحة الحشر، ذلك المجتمع الهائل وجميع الأمم تسمع وترى بنفس الوقت بدون آلات وبدون أدوات رب العالمين سبحانه وتعالى يصنع هؤلاء الحكام العظام الذين يسعدون بهم الناس بالجنة وملوك الجنة لا حصر لهم. إذا كان أقل واحد من عباد الله وآخر واحد يخرج من النار له بقدر الدنيا عشر مرات فأي ملكٌ هذا؟! ( وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا) هذا الملك الكبير فيه ملوك وملوك يعشقهم الناس ويتلذذون برئاستهم حينئذٍ هذا من بعض أسباب الوجاهة.
لمن الشفاعة؟ الناس يوم القيامة ثلاثة أقسام: (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ 10 الواقعة) صنفان لسنا منهم فلسنا من أصحاب المشأمة ولا السابقون فالسابقون هم الأنبياء والصديقون والشهداء والبدريون ونحن لسنا منهم كما أننا لسنا من أصحاب المشأمة قطعاً فنحن موحّدون لسنا مشركين، أصحاب المشأمة هم المشركون الذين لا يؤمنون بالله أو يشرك به شيئاً. فبقي أصحاب الميمنة ثلاثة أقسام. بعد أن يذهب أصحاب المشأمة إلى النار والسابقون يذهبون إلى الجنة بلا كتاب ولا حساب ودون المرور علينا تأخذهم منابر من نور تتلقفهم من ساعة البعث إلى مواطنهم في الجنة فيبقى في ساحة المحشر أصحاب الميمنة وهم ثلاثة أقسام كما قال تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ 32 فاطر) قال النبي صلى الله عليه وسلم (السابق بالخيرات هو الذي زادت حسناته على سيئاته ذاك الذي يساق من ساحة المحشر إلى الجنة بغير حساب والمقتصد هو الذي تساوت حسناته وسيئاته فذاك الذي يُحاسَب حساباً يسيراً وينقلب إلى أهله مسروراً (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا 9 الانشقاق) قالوا:يا رسول الله مالحساب اليسير؟ قال:النظر هذه الثواني التي ينظر الله فيها إلى صحيفته بالشكل الذي لا يدركه عقلنا طبعاً فرب العالمين ينظر في صحيفة أعماله في هذه الثواني يخاف شيئاً أو يقلق فيعفو الله عنه ثم يساق إلى الجنة. أما من زادت سيئاته على حسناته فذلك الذي أثقل ظهره وأوبق كاهله وهم أصحاب الكبائر. ولا يكون المؤمن من أصحاب الكبائر إلا إذا زادت سيئاته على حسناته ونقول لا تزيد سيئات المؤمن على حسناته إلا إذا كان من أصحاب الكبائر ولم يتب منها قبل أن يموت لأنه لو تاب منها قبل أن يموت لما كان من أهلها. وللعلم كل هذا الكلام يقتضي أن تكون مصلياً، قال الرسول صلى الله عليه وسلم (شفاعتي حق لأهل الكبائر من أمتي) ومن لا يصلي ليس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فمن أمته أصحاب الكبائر فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه (أتظنون شفاعتي لكم قالوا: نعم يا رسول الله قال:لا شفاعتي للملوثين المذنبين الخطاءين من أمتي لكل من أثقل ظهره وأوبق كاهله أصحاب الكبائر). قد يكون في الزمن الأول، الثاني، الثالث، أصحاب الكبائر قليلون جداً جداً جداً فالكبيرة لم تكن تُرتكب وإذا ارتكبت يتوب منها على الفور فقد كانت محدودة، أما في زماننا هذا الكبائر انتشرت انتشاراً هائلاً فكثيراً ممن هو من أمة محمد وهو مصلي ولكن الكبائر في حياته كثيرة مثلاً شيوع الربا الآن والربا من أكبر الكبائر فمن الذي لا يتعامل بالربا اليوم؟ كما قال عليه الصلاة والسلام (لا تقوم الساعة حتى يأكل الناس الربا ومن لم يأكله أصابه من غباره) فالآن 50% من الناس تتعامل بالربا فلدينا كبيرة ولو كنت مصلياً فهذه تجعل سيئاتك أكثر من حسناتك قطعاً ولهذا سوف تحاسب حساباً عسيراً. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نوقش الحساب هلك ومن نوقش الحساب عُذِّب) عُذّب من التحقيق والتحقيق عذاب. ومن الكبائر الشائعة الغيبة والبغضاء بين الطوائف وهذه من الجرائم العظيمة يوم القيامة أن تموت وفي قلبك بغضاء لمسلم لا تقبل منك صلاة ولا زكاة ولا حج ولا شيء ولا شفاعة فلا يشفع لك النبي صلى الله عليه وسلم. حينئذٍ ما أكثر الأفراد والجماعات من أمة محمد من حيث كونهم من أهل القبلة يصلون ويموتون على كبيرة. مثل هؤلاء النبي صلى الله عليه وسلم يقول شفاعتي لهؤلاء وليس كلهم فقسم منهم لا يشفع لهم مثل (المماري لا أشفع له) (من أصاب دماً حراماً لمسلمٍ لا أشفع له) (المتباغضان لا أشفع لهما) (المتصارمان لا أشفع لهما). رب العالمين يقول (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ 28 النساء) (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ 185 البقرة) (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ 27 النساء) حينئذٍ رب العالمين يريد أن يتوب عليكم أي يدخلك الجنة ورب العالمين إذا أراد فعل ما يريد (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ 107 هود). فعندما نرى ماذا أعد الله عز وجل من احتياطات ففعلاً لا يدخل النار إلا شقي فالصلوات الخمس كفارة ورمضان لرمضان كفارة والجمعة للجمعة كفارة نصف من شعبان، ليلة القدر، الذكر، الاستغفار، الألم، البلاء، فأسباب المغفرة لا حصر لها ومن ضمنها منظومة الشفاعة. فالشفاعة منظومة يوم القيامة ففي البداية يشفع الشافعون مثال ذلك عالم وعامل بما يعلم فالله سبحانه وتعالى يعلم أن هذا كان صادقاً وكان ظاهره كباطنه ولسانه كقلبه ويفعل بما يقول هذا يشفع لكل أهله (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ 24 الرعد). والشهيد في سبيل الله يشفع لسبعين، كل من يشهد لك بخير يُشَفّعه الله فيك فمن مات وصلى عليه أربعين شخصاً وشهدوا له بخير رب العالمين يجعل شهادتهم هذه شفاعة لك فلا يحاسبك يوم القيامة ولا ينشر عوراتك إكراماً لشفاعة هؤلاء الذين صلوا عليك، من أجل هذا النبي صلى الله عليه وسلم يحثنا بقوة من أجل أن نصلي صلاة الجنازة والذي يصلى على الجنازة يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه فالنبي صلى الله عليه وسلم حريص على أن لا يدخل واحد من أمته النار. وكل من يشهد له سبعة من جيرانه بالخير يشفعهم الله فيه على ما كان منه. وكثير من الأعمال الصالحة تجعلك ناجياً على ما كان منك مثل بر الوالدين فبر الوالدين لا يضر معه ذنب كما أن عقوق الوالدين لا ينفع معه عمل القرآن يشفع (فشفعني فيه) فيشفع فيه القرآن، الزهراوان: البقرة وآل عمران قال صلى الله عليه وسلم (عليكم بالزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير يشفعان لصاحبهما). ففعلاً لا يدخل النار إلا شقي فبعد كل هذا تدخل النار؟! يقول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى قال (يا محمد إني لم أبعث في نبي ولا رسول إلا وقد سألني مسألة أعطيتها إياه فاسأل يا محمد تعطى فقلت: مسألتي شفاعةٌ لأمتي يوم القيامة فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله وما الشفاعة قال:أقول يا رب شفاعتي التي اختبأت عندك فيقول الرب تبارك وتعالى :نعم فيُخرِج ربي تبارك وتعالى بقية أمتي من النار فينبذهم في الجنة) فالشفاعة نوعان الشفاعة ابتداءً بحيث لا يدخلون النار، وهناك شفاعة للذين لم يشفع لهم في البداية حتى هؤلاء بعد ذلك يشفع لهم النبي صلى الله عليه وسلم ويخرجون من النار،وهذا معنى قوله تعالى(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى 5 الضحى) قال الرسول صلى الله عليه وسلم (لا أرضى وواحد من أمتي في النار)، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصة من قبل نفسه) وهذا ليس سهلاً بأن تمحص التوحيد، توحيد الله عز وجل وهذا ليس كلاماً فقط. لكي تكون لا إله إلا الله خالصة من قلبك لا تعتقد بأحد غير الله أنه ينفعك أو يضرك مهما كان إلا بإذن الله عز وجل أي لا تسند أي نعمة لغير الله. ثانياً ألاّ تركن لغير الله. ثالثاً: أن يكون أمر الله عندك مسلماً به عرفته أو لم تعرفه، فهمته أو لم تفهمه، لا يخالجك شك مطلقاً ولا أدنى ريب (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا 15 الحجرات) لا يوجد لديك ريبة في شيء حينئذٍ أنت إذا وصلت إلى هذا الحال من البديهي أنك لن ترتكب الكبيرة ولو ارتكبتها فلن تُصرّ عليها بل سوف تقلع عنها بالتو والساعة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم (من صلى على محمدٍ وقال اللهم أنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتي) (من سمع المنادي ثم قال مثلما يقول المنادي ثم صلى علي وجبت له شفاعتي) (أتاني آتٍ من ربي عز وجل فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة) معنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بالشفاعة ضَمِن أن يدخل أكثر من نصف الأمة الجنة من دون عقاب. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الرجل من أمتي ليشفع للفئام من الناس فيدخلون الجنة بشفاعته وإن الرجل ليشفع للقبيلة من الناس فيدخلون الجنة بشفاعته وإن الرجل ليشفع للرجل وأهل بيته فيدخلون الجنة بشفاعته) ومعنى ذلك أن الشفعاء يوم القيامة على قدر أقدارهم فليس الوجهاء كلهم سواسية فالوجهاء يتفاوتون في الوجاهة يوم القيامة فكل على قدر عمله، على قدر مقامه، على قدر قربه من رب العالمين يعطى شفاعة نسبية تتناسب مع حجم وجاهته. وفي الحديث (إن الرجل ليحب القوم لا يلحقهم بعمل فيبعث معهم بحبه لهم) فمن أحب أحداً من الصالحين، من العلماء، من الشهداء، من البدريين، بهذا الحب يدخل معهم في منزلتهم. لكل واحد من الناس محبوبون عدة يحبهم لأسباب كثيرة، فالرجل إذا كان من أهل الوجاهة يوم القيامة يشفع لكل الذين أحبوه والذين أحبوك يتفاوتون فقد يحبك العشرة أو المائة أو العشرة أو المليون. في حديث آخر (ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم قلنا:سِواك يا رسول الله؟ قال: سواي) (رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره). فيوم القيامة يوم المفاجئات العظيمة فإذا بشخص غير معروف وكان مدفوعاً بالأبواب وكان يُطرد من المجالس ولا أحد ينتبه له من ملوك الجنة. وآخر عظيم مشهور وإذا به يوم القيامة لا يساوي شيئاً ولهذا يوم القيامة هذا يوم عسير ولهذا الأنبياء فيه يجثون على الركب من الخوف ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (لن يدخل الجنة أحدكم بعمله قالوا:ولا أنت يا رسول الله؟ قال:ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) فلو تحسب كل عملك لو عشت مليون سنة لا يساوي نعمة واحدة إذن هي برحمة الله. فعليك أن تستمطر رحمة الله بتواضعك، بتوحيدك الخالص، بحب الصالحين، كثرة الاستغفار وهي مضمونة (من أحب أن يرى صحيفته يوم القيامة فليكثر من الاستغفار). ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (يخرج الله قوماً منتنين من النار قد محشتهم النار بشفاعة الشافعين فيدخلون الجنة فيسمون الجهنميون) ويقول (ليتحمدن الله يوم القيامة على أناس ما عملوا من خير قط فيخرجهم من النار بعدما احترقوا فيدخلهم الجنة برحمته بعد شفاعة من يشفع) وكل هذا من بركة الصالحين ومحبتهم. ويقول صلى الله عليه وسلم (سورة من ثلاثين آية شفعت لرجل حتى غفر الله له وفي رواية حتى أدخلته الجنة تبارك الملك) سورة تبارك من قراءها بعد صلاة العشاء كل يوم فإنها تشفع له حتى تدخله الجنة على ما كان منه. (يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته) (يجيء القرآن فيشفع لصاحبه) (الصيام يشفع لصاحبه) (من بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وشفّعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار وسُمّي عتيق الرحمن في الأرض). ويقول صلى الله وسلم (إني لأرجو أن أشفع يوم القيامة عدد ما على الأرض من شجرة ومدرة) ودليل مشروعية قول يا ربي شفع النبي بي عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال:ادعوا الله أن يعافيني قال الرسول: إن شئت دعوت لك وإن شئت أخرت ذلك فهو خير قال:ادعوا لي فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء قال:اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى لي اللهم شفعه في) (إن الله عز وجل قال لداوود عليه السلام إن الرجل ليعمل العمل الواحد أحكمه به في الجنة فقال داوود: ومن ذاك يا رب؟ قال سبحانه وتعالى:مؤمن يسعى في حاجة أخيه يحب أن يقضيها قضيت أو لم تقضى) بمجرد أنك مشيت معه فرب العالمين يحكمك في الجنة فيجعلك تأخذ ما تشاء وتوزعها كيف تشاء وتدخل من تشاء فيها، ياله من مجد يوم القيامة لأنك تسعى في حاجة أخيك! قارن بين هذا وبين من يقتل أخاه المسلم. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (من مشى في حاجة أخيه وبذل فيها كان خيراً له من اعتكافه عشر سنين) (ومن اعتكف يوماً ابتغاء وجه الله تعالى جعل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق بعد ما بين الخافقين) إذا كان اعتكاف يوم واحد يباعد الله بينك وبين النار ثلاثة خنادق فكيف إذا كانت عشر سنين؟ هذا فقط أنك تمشي لحاجة أخيك (إن لله خلقاً خلقهم لحوائج الناس يفزع الناس إليهم في حوائجهم أولئك الآمنون من عذاب الله) (من مشى في حاجة أخيه حتى يثبتها له أظله الله عز وجل بخمسة وسبعين ألف ملك يصلون عليه ويدعون له) (يخرج خلق من أهل النار فيمر الرجل بالرجل من أهل الجنة فيقول: يا فلان أما تعرفني؟ فيقول: ومن أنت؟ فيقول: أنا الذي استوهبتني وضوءاً فوهبت لك فيشفع فيه، ويمر الرجل بالرجل فيقول:يا فلان أما تعرفني؟ فيقول:ومن أنت؟ فيقول:أنا الذي بعثتني في حاجة كذا وكذا وكذا فقضيتها لك فيشفع له فيشفع فيه). فلكل من قضيت له حاجة شفاعة لك، لكل من أعنته على أمر شفاعة، ويقول صلى الله عليه وسلم (من كان وصلة لأخيه المسلم إلى ذي سلطانٍ في مبلغ برٍ أو تيسير عسير أعانه الله على إجازة الصراط يوم القيامة عند دحض الأقدام) والحديث الآخر (رفعه الله في الدرجات العلى في الجنة). ويقول تعالى (أنا عند ظن عبدي بي) فالذي يظن برب العالمين أنه كريم رحيم الله يجاوبه هكذا والذي يظن أنه عز وجل عسير وسيتشدد سيكون هكذا له قال تعالى (لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا 97 مريم) وكثير من الناس بالبشارة، بتيسير الأمور جاءوا إلى الله برغبة لا توصف ويقول عز وجل (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ 2 يونس) وقدم صدق هذه كلمة عظيمة: لك مقام رفيع عند الله عز وجل ما دمت من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وما دمت مؤمناً بالله وبرسله جميعاً فأنت متجلي يوم القيامة لا تفرق بين أحد من رسله فلا يوجد أعظم من هذا المسلم يؤمن بكل الأنبياء، بكل الرسل، بكل الرسالات، ليس في قلبه حقد على إنسان على وجه الأرض، فالطريق إلى الله واسعة قل كلمتك وانصرف (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ 8 فاطر). قال الله تعالى (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ 28 الأنبياء) تأمل هؤلاء العباد سواء كانوا من الملائكة أو من الإنس يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم بالرغم أنهم لا يسبقونه بالقول كما يفعل البشر فالله يقول كلاماً والبشر يقولون ويعملون بكلام آخر. حينئذٍ هؤلاء المخلوقات عباد مكرمون لأنهم لا يسبقونه بالقول والمهم أنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون وهذا هو النموذج الذي سيشفع يوم القيامة وما أكثر الذين نزدريهم أو ننظر لهم بصغار هنا في الدنيا ولكن في قلبه هذه الصفات فهو مكرّمٌ عند الله عز وجل فهو لا يسبق ربه بالقول يعمل بأمره من خشيته، مشفق ليل نهار، وكما قال سيدنا عمر رضي الله عنه (لو لم يدخل النار إلا واحد لخشيت أن أكون أنا) هذا هو القرب كلما اقتربت من الملك كلما كانت خشيتك منه أشد. لشدة قربك أنت تحسب حساب حتى الحركة والإشارة والابتسامة هؤلاء هم عباد الله المكرمون هم الذين سوف يكرمون بحكم الجنة وملوك الجنة بالملايين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا لعلي كرم الله وجه (إنك ملك الجنة وذو قرنيها) حينئذٍ هؤلاء المخلوقات الذين نراهم بين ظهرانينا في التاريخ واليوم وأنت لا تدري من هو الذي سوف يحكمك يوم القيامة ممن قد تستصغره في الدنيا. يقول تعالى (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ 51 الأنعام) هذه الآية تقول أن أشقى الناس الذي لا يرد الشفاعة وما أكثرهم! النبي صلى الله عليه وسلم قال (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي فمن أنكرها حرمها) فالذي لا يؤمن بالشفاعة يحرمون منها فلن يدخل الجنة أحد بعمله أبداً. يقول الله عز وجل (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ 53 الأعراف). فالشفاعة مهمة يوم القيامة فالناس لا تفكر في أعمالها ولكن من يشفع لهم ولذلك عليك أن تحب من يستطيع أن يشفع لك سواء كان من الأموات أو الأحياء.
ومن الأعمال التي تشفع لك يوم القيامة إحسان تربية بنتان وصاعداً، شهادة الجيران لك بالخير، حفظ الزهراوان ومعرفة فقهما وإتباع حلالهما واجتناب حرامهما، الصيام ثلاثة أيام في الشهر على الأقل، كفالة يتيم، عمل المعروف، تنفيس كربة، قضاء دين، حضور مجالس الذكر مهما كنت خطاءً فإن الله يغفر لك بشفاعتهم كما قال صلى الله عليه وسلم (إنهم القوم لا يشقى جليسهم). ولله يوم القيامة تسع وتسعين رحمة بينما نحن في هذه الدنيا كل نعم الله علينا من رحمة واحدة فتأمل رحمة واحدة كيف رحمة كل الخلق والناس يتراحمون بها حتى الحيوانات بعضهم يرحم بعضاً برحمة واحدة فماذا سيفعل الله عز وجل بعباده يوم القيامة وقد ادخر لهم تسعاً وتسعين رحمة؟! إن رباً بهذا الجمال وبهذا الكرم ألا ينبغي أن يُعبَد؟ ألا يستحق أن يُعبَد؟ هب أن الله لم يخلق جنة ولا ناراً، إن رباً بهذا الجمال يستحق أن يعبد ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من أصحاب الشفاعة يوم القيامة، ممن يُشفِّعنا في أهلينا ويُشفِّع الناس فينا إن شاء الله وتصيبنا شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم والويل لمن فاتته هذه الشفاعة ولمن حرمها يوم القيامة فهو هالك لا محالة. وما أكثر الذين يحرمون منها.وكما قال الشاعر الذي أحس بأنه كتب من أهل النار فاستغاث واستشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم قائلاً:
أترضى حبيبي أن تكون منعما ونحن على جمر اللظى نتقلب
ألم يعطك الرحمن في سورة الضحى فحاشاك أن ترضى وفينا معذب
بُثّت الحلقة بتاريخ 16/6/2006م وطبعتها الأخت نوال من السعودية وتم تنقيحها