عمل – شغل – فِعل – صُنع –
منظومة العمل وهي شغل وعمل وفعل وصنع. هذه كلمات العمل والعمل يختلف باختلاف جزئية معينة يضع له القرآن الكريم مصطلحاً خاصاً.
العمل: هو حدث كامل فالصلاة عمل، الصيام عمل، القتال عمل، بيع وشراء عمل، وهذا العمل حدثُ كامل كأن يقوم شخص ويصلي يقال ماذا يعمل الآن؟ يصلي. فالصلاة عمل أدّاه قال الله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى 124 النساء) فالصلاة عمل صالح والزكاة عمل صالح (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا 132 الأنعام). فأعمالك الصالحة كثيرة لا حصر لها. فالعمل إذن حدث تؤديه إن خيراً وإن شراً. وكل ما جاء في القرآن الكريم من كلمة عمل، عاملون، تعمل تعني أنك قمت بعمل متكامل صلاة صيام قمار، زنا، زكاة، قتل، اعتداء، إقامة عدل، كل شيء يحسب لك أو عليك يسمى عمل.
الفعل: هذا العمل إذا أنجزته كاملاً بقدرة متميزة يسمى فعلاً كل عمل إذا كان يحتاج إلى قدرة فهو فعل. وقبل ذلك نوضح الفرق بين الحركة والعمل أن الحركة آلية أما العمل ففيه مشقة هذا الفرق. فأن يحرك الإنسان يده هذا ليس عمل بل حركة لأن ليس فيها مشقة أما العمل فمن سماته وشروطه التي تميزه عن أي حركة من حركات الإنسان هو أن يكون فيه مشقة إي فيه عناية ونية أن يكون مقصوداً فالصلاة والصيام التي تؤديها فيها مشقة وهذا عمل أما أن تشرب ماء فهذا ليس عمل وليس فيه مشقة فما قيمته؟ وليس مقصوداً لجانب معين ولا يحسب لك ولا عليك.
الفعل: هذا العمل الذي صاحبته مشقة ويحسب لك أو عليك إذا كان يدل على قدرة يسمى فعلاً (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ 19 الشعراء) سيدنا موسى ما أن وكز رجلاً بيده حتى قتله (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ 15 القصص) قتلُ المصري عمل ولهذا سيدنا موسى قال (قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ 15 القصص) فسماه عملاً لأن فيه مشقة ولأنه حدث كامل ولكونها فيها قدرة لم يقل له أنت عملت هذا بل قال أنت فعلت فعلتك. على كلمة الفعل يقول (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) آل عمران) انظر إلى دقة التعبير القرآني الكريم ؛ رب رجل يقوم بأعمال فاحشة ولكنها لم تكتمل ليس له قدرة على إكمالها، لما قال {فَعَلُواْ فَاحِشَةً} ما قال عملوا فاحشة، فلو قال ذلك لكانت تنطبق على المغازلة وعلى اللمسة وعلى الهمسة وعلى كل الحركات وهذا من ضمن العمل؛ أما أن تتم بقدرة كاملة، بانجاز كامل، تسمى فعلاً (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) الشعراء) . هذا الباب باب الكلمات المترادفة يعطينا معاني جديدة لكلمات القرآن بل لأحكامه كلها، المعروف أنه في الفقه الإسلامي لا تُحسب الفاحشة فاحشة إلا إذا كانت كاملة بالضبط وما هو معروف من الشهود الأربعة وأن يروا الميل في المكحلة … الخ، حينئذ كل ما هو دون ذلك لا يسمى فاحشة. إذن لو قال (والذين إذا عملوا فاحشة) فأي جزء منها يعتبر هذا من الفاحشة. قال: لا {فَعَلُواْ فَاحِشَةً} أي أن تكون كاملة بكل شروطها وأركانها التي توجب الحد، وكتب الفقه مليئة بتلك الشروط المعجزة التي ربما لا تتوفر في فاحشة إلا إذا كانت داعرة. رب العالمين يقول على لسان قوم فرعون (أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا (155) الأعراف) رب العالمين لا يهلك الأمم لمجرد ذنوب بسيطة، لابد أن تكون ذنوباً كبيرة أنجزت انجازاً بقدرة كبيرة، وإلا كل الناس تخطئ كل ابن آدم خطاء، ولكن أخطاء من باب الشروع، من باب السهو، من باب عدم اكتمال الجريمة أو القصد فيها غير واضح، مثلا: القتل خطأ. ولكن عندما تصبح الذنوب مقصودة وتنجز انجازاً كاملاً تسمى أفعالاً. لما يقوم شخص بعمل باهر نقول: فعلها فلان ولا نقول عملها فلان، فالفعل المبهر المنجز انجازاً كاملاً بقدرة متميزة يسمى فعلاً. تتبع القرآن الكريم حيثما وجدت كلمة فعل تراه يقصد بها عمل بقدرة: سيدنا إبراهيم عندما كسر الأصنام، معبد مليء بالأصنام، قال تعالى (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) الأنبياء) أي جعلهم قطعاً صغيرة، تأمل كيف استطاع رجل بمفرده أن يحول أصناماً حجرية منحوتة إلى قطع صغيرة! وهي بالعشرات! ما قالوا من عمل هذا؟ بل قالوا من فعل هذا بآلهتنا، لأنه انجاز في غاية القدرة. حينئذ نفهم الفرق بين العمل وبين الفعل.
انظر دقة الآية في قوله تعالى (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) الأنبياء) أي قدرة هذه التي تجعل الجبال و الطير تسخر تسخيراً كاملاً وتسبح مع داوود بالعشي والإشراق، هذا في غاية القدرة (وكنا فاعلين) . كما قال تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) المؤمنون) يوجد فرق بين (العاملين عليها) وبين (للزكاة فاعلون) ، رب العالمين قال (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) التوبة) عن العامل على الزكاة، انظر إلى الفرق الكبير في المعنى، فأحدهم عامل على الزكاة والآخر فاعل للزكاة. العامل على الزكاة يأخذ الأموال من دار الزكاة ويوزعها على الفقراء أو يجمع أموال الزكاة من الناس كأن يأخذ ألف درهم من دار الزكاة ويعطيها للفقراء أو يأخذ من فلان الفلاني زكاة نعجتين أو بقرتين…الخ، فهذا عمل (العاملين عليها)، لكن المزكي لكي تكون زكاته من الطراز الأول يجب أن يفعلها فعلا يؤدي غاية ما عنده من أجود ما يملك بنفس رضية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الأولياء هم المصلون والذين يؤدون زكاة أموالهم طيبة بها نفوسهم”، على سبيل المثال تخيل أن شخصا زكاته مليون درهم ، أو عشرون بقرة، أو عشرون بعيرا، فكم من الناس عندما يؤدي هذه الزكاة يكون في غاية السعادة والفرح والابتهاج، إن فعل ذلك فهو صاحب قدرة على نفسه فهو قد فعلها ولم يعملها أو يؤديها. ولذلك رب العالمين قال (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) البقرة) عموماً… لكن لما شرح المؤمنين الخالصين المخصوصين قال (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) المؤمنون) لا مؤدون ولا عاملون، بل فاعلون أي بقدرة، أخرج الزكاة من أجود أمواله وطيبةً بها نفسه، كلمة فاعلون تعني وراءها معنى مخصوصاً مختلف عن عاملون، العامل على الزكاة لا تحتاج قدرة حتى لو كان معاقاً أو صبياً يستطيع أن يعمل في توزيع أموال الزكاة أو جمعها، فلا تحتاج قدرة متميزة. ولكن أن تؤديها من حُرّ مالك، من أجود ما تملك، مثلا عندك مائة رأس غنم فتخرج أجود ما في هذه الغنم، حينئذ أنت فعلت الزكاة. فكلمة فعل تدل على أنك أنجزت العمل انجازاً فيه قدرة متميزة، هذا الفرق بين أن تفعل وأن تعمل.
الصنع: هو الإتقان. طبعا هناك قدرة للفاعل وهناك جودة للمفعول (إتقان). يعني أنا عندي قدرة على بناء بيت لكني لما بنيته بقدرتي لم يكن متقناً، كان فيه خلل برغم قدرتي، لكن لما تكون قدرتي عليه فهو فعل وعندما يكون متقناً يسمى صنعاً (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) النمل) (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)َالأنبياء) فالصنع والصنعة هي الإتقان، يعني نحن كلنا نحسن بعض الأعمال شيء من الحدادة وشيء من النجارة وأشياء بسيطة، ولكن أن تحسن حرفة إحساناً كاملاً وإتقاناً متميزاً هذا اسطه، هذا الأسطه أصبح بارعاً في مهنته يسمى صنايعي والصنايعي هو الذي يتقن عمله، فالعمل المتقن يقال له صنعة والعمل الذي بقدرة يقال له فعل.
الشغل: العمل الذي يذهلك عما سواه يقال له شغل (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ 55 يس) ( شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا 11 الفتح) كل عمل يذهلك ويشغلك عما سواه يسمى شغلاً وهذا عادة يكون في أصحاب العلم، العلم يذهل صاحبه إذا تذوقه طالب العلم ووجد حلاوته في عقله وفي قلبه يشغله عن الأهل والأكل والمال والشراب يسمى هذا شغل ففلان مشغول. فحينئذٍ هذا الشغل كل عمل للذته أو لأهميته أو لدقته يسمى شغلاً.
إذن هذه هي منظومة العمل ولو تتبعناها في كتاب الله حيثما وجدت فعل أي تحتاج إلى قدرة وحيثما وجدت شغل أذهلك عما سواه وحيثما وجدت صنع (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ 112 النحل) لصناعاتهم المتقنة إتقاناً عظيماً كمعامل الذرة ومعامل الطيارات إتقان معجز هذه صناعة. أما شخص يعمل قبقاب أو نجار هذه ليست صناعة هذا عمل واحد يعمل حداد، واحد يعمل نجار فإن أتقنته وكان متميزاً سمي فعلاً كما قال صلى الله عليه وسلم (فعلها نعيمان) وكان في غاية الإتقان في مقالبه مع المسلمين.
وجودنا في هذه الدنيا أساسه أن نعمل (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ 56 الذاريات) والعبادة عمل (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا 124 النساء) ومن رحمة الله أن الأجر جعله على العمل ولم يجعله على الفعل لأنه لو كان فعلاً ما نجا أحد (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ185 البقرة) (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ 28 النساء) (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ 27 النساء) ولهذا قال كل آدم خطاء والصناعة لا تحتمل الخطاء. ولقد خلقنا من أجل العمل وهذه الدنيا مهما طالت فهي أقصر مما تتصور وساعة يحتضر الإنسان سوف يرى ما تقدم من حياته لا تساوي ذبابة ويعجب كيف كان مشغولاً بها وكيف احتمل ضيق هذه الكرة الأرضية. ساعة الاحتضار يرى العالم الآخر، عالم البرزخ وهو بالنسبة إلى عالم الدنيا هذه كعالم الدنيا بالنسبة إلى بطن أمك عندما كنت أنت في رحم أمك تتصور أن العالم كله هو هذا الرحم الذي أنت فيه تأكل وتشرب وتنام ولكن عندما تخرج إلى الدنيا تسخر كيف كنت تحتمل هذا الرحم الذي كنت فيه لضيقه وتفاهته هكذا عالم البرزخ عندما تراه قبل أن تموت (فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ 22 ق) تعجب كيف كنت محتمل هذه الكرة الأرضية البائسة كأنها سم الخياط وفعلاً لا تساوي جناح بعوضة وعالم البرزخ هكذا بالنسبة لليوم الآخر. إذن ساعة ما تحشرج هذه الروح وتصبح على أبواب العالم الثاني وهو عالم البرزخ تتذكر كل شيء وحينئذٍ كل شيء يتخلّف عنك ولا يصاحبك ولا تصطحبه معك إلا هذا العمل. والعمل في هذه الدنيا في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم صنّف الناس أصنافاً محددة واضحة وضوح الشمس فما من عذر يوم القيامة لمتخلف ولا يستطيع أحد أن يتعذر بعدم الفهم لأنه واضح وضوحاً تعرفه بعقلك المجرد، فبمجرد كونك عاقلاً فإنك تفهم كل ضروري لحياتك يوم القيامة. وحينئذ سوف ترى أنك كنت واهماً في كثير من الأمور (يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا 104 الكهف).
طبعاً أساس العمل وشرطه توحيد الله عز وجل. وهي القضية الأساسية بل إنها قضية ربما تغنيك عن كثير من الأمور (يا عبدي لو جئتني بمثل قراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لجئتك بمثل قرابها مغفرة). هذه كلمة لا إله إلا الله أعجوبة العجائب وليست مجرد كلمة تقولها، إنها مجرد كلمة تقولها في الدنيا للتعامل معك ما أن تقولها صدّقت بها أم لم تصدق يتم التعامل معك على أنك إنسان دمك ومالك وعرضك حرام وأنت مصون محصّن معصوم الدم والمال لمجرد أن تقول لا إله إلا الله (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دمائهم إلا بحقها). من أجل هذا القرين مع لا إله إلا الله من لوازمه المباشرة أن دم من يقولها وعرضه وماله محصون إلا بحقه وحقه أولاً المفارق التارك لدينه كالمرتد بأن يقول أنا لست مسلماً ولا أؤمن بالله ولا بمحمد ولا بالإسلام. ثانياً النفس بالنفس كأن يقتل شخص شخصاً متعمداً فعليه قصاص وهذا غير القتل الغير متعمد. وثالثاً الثيب الزاني. فقط وليس هناك عذر لأحد من الناس أن يقتل أحد بعد ذلك، وليس لأحد عذر فيها يوم القيامة لشدة وضوحها قال صلى الله عليه وسلم (أقتلته وقد قالها)، فهذا الذي يتصور بأنه مجاهد وداعية وتوحيدي وغير ذلك من الأسماء وكفّر المسلمين وأستحلّ دمائهم هذا من الخالدين في النار يوم القيامة بل يجب قتله يجب كفه لأنه كالكلب المسعور وقد عانى المسلمون منهم في بداية عصر الإسلام وهم الخوارج وهاهم يعودون مرة أخرى واشغلوا سيوفهم بالمسلمين وبعلمائهم وبقادتهم وبزعمائهم وبعامة الناس بحجة أنهم مشركون وهذا من ابتلاءات الله عز وجل ومن مكره. وعندما تتبع مثل هؤلاء تجد أن كل واحد منهم إرتكب جرماً في أسرته، في عائلته، مع أحد الناس إستدرج بها مكر الله ونقمته وهذه إحصائيات عندما يتتبع الناس هؤلاء الذين يذبحون المسلمين بدم بارد مسلم يصلي خمس أوقات إلى الكعبة يحج يصوم بحجة أنك صوفي أو أنك مشرك أو أنك مبتدع وغير ذلك من الحجج الواهية ويذبحونهم بلا رحمة ولا شفقة وشر قتلة. فهذا مكر الله الذي إذا مكر الله بعبدٍ فلا نجاة له أبداً. وهذه من الذنوب التي تخلّد صاحبها في النار كما قال تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا 93 النساء) وتاريخنا مليء بمثل هذه الفقاعات التي تنفجر وكأن الله عز وجل يريد أن يمتحن إيمان الناس، هذا الأول.
ثانياً-بعد التوحيد وماله وما عليه هذا التوحيد- أن تشغل نفسك بما فرضه الله عليك كما في الحديث بما معناه (ما عُبِد الله بشيء أحب إليه مما أفترض على عباده) وهي كما هو معروف الصلاة والصوم والحج والزكاة. ولذلك لو لاحظنا تعبير القرآن الكريم في الصلاة أنه لم يقل صلّوا ولا قال إفعلوا الصلاة ولكن أقيموا، أقيموا الصلاة. سيدنا إبراهيم عليه السلام أول ما دعا (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ 40 إبراهيم) ما دعا بشيء إلا بعد أن دعا بهذا، ورب العالمين لما أوصى حبيبه المصطفى قال (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا 132 طه) هذه ليست أية صلاة إنما صلاة صلاة. فلو كان اللفظ في القرآن صلوا لكانت الصلاة فاتحة ركوع سجود والسلام عليكم فقط أداء، فهذه الصلاة لا تكفر الذنوب ولا تسقط السيئات ولكي تكون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر لابد أن تكون مقامة وليست مؤداة فقط. وإقامة الصلاة بخشوعها وركوعها وتمامها وطهرها وإلخ. هذه هي الصلاة التي قال الله تعالى عنها واصطبر عليها. في لغة العرب زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى فكلمة اصطبر أقوى من إصبر فالإصطبار أشد أنواع الصبر، معنى ذلك اصطبر على ركوعها سجودها وأدائها في حر، في برد، في سهر، في نعاس، في ليل، في نهار، إذا أديتها بهذا الشكل حينئذٍ تكون قادرة على أن تنهى عن الفحشاء والمنكر وسر ارتكابنا جميعاً لخطايانا أن صلاتنا لا تنهانا عن ذلك لأن صلاتنا أداء وليست إقامة فنحن لا نقيمها. الإقامة الصلب الواقف عندما يكون ظهرك واقفاً كالأسد يقال قام صلبه حينئذٍ الصلاة المقامة صلاة الصالحين.
بعد الإسلام الذي هو بالتوحيد يأتي الإيمان العام الذي هو أن تقوم بما فرض الله عليك بعد الإيمان العام يأتي الإيمان الخاص والإيمان الخاص مواصفات الأداء أداء ما أفترض الله عليك بالتوحيد والإسلام وهذه البداية بدونها لا قيمة لعمل حتى ولو كان الإنسان ذو سمعة طيبة وينفق هذا لا ينفعه إن لم يكن يصلي. فالصلاة والصيام أولاً فالعبادات أولاً بدونها لا قيمة لكل ما يفعل. ومن شروط قبول العمل الإيمان ولا إيمان لك إلا إذا أديت ما أفترض الله عليك. فالصلاة أولاً. بعد هذا يأتي الإيمان الخاص وهو الأداء الجيد قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ 2 المؤمنون) فلو أحصينا في أيامنا هذه كم شخص يخشع في صلاته ربما كل مئة صلاة ربما هناك مرة واحدة يخشع فيها الإنسان لثانية وقد لا يخشع. ففي هذا الزمان أصبح الخشوع عملة نادرة لشدة الانشغال ومتطلبات الحياة وتعدد الحاجات وكثرة الهموم. كثُرَت الهموم لشدة تعلقنا بالدنيا وكلما تعلقت بالدنيا أكثر اشتغلت الهموم في قلبك أكثر. كل من يصلي ويصوم هو مؤمن عام لكن أن يكون من الطبقة الممتازة فهؤلاء الذين قال تعالى فيهم: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ 2 المؤمنون) (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ 4 الأنفال) فالشهادة هنا من الله تبارك وتعالى أولئك هم المؤمنون حقاً إيمان خاص.
بعد الإيمان الخاص يأتي المتقون. التقوى توصلك لأن تكون من أولياء الله عز وجل (الله ولي الذين آمنوا) (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُون لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ 64 يونس) فهم آمنوا إيمان عام ثم إيمان خاص الذي أدى إلى التقوى. هذا المتقي سلوكيات. والتقوى ليست على نمط واحد إبن القيم وإبن تيميه رحمهما الله تحدثوا لنا عن العبودية قالوا لكل عبد عبوديته فالناس ليسوا متقين على نسق واحد والتقوى هي توظيف العبودية. يقول إبن القيم رحمه الله هناك عبودية عامة وهي أن تصلي وأن تصوم إلخ والتي يفعلها كل الناس التي يتساوى الناس فيها عالمهم وجاهلهم. أما التقوى فهي شخصية بينك وبين رب العالمين. بعد ذلك تأتي العبودية النسبية ولكل واحد عبودية: فهنالك عبودية العلماء لا تجب على غير العلماء وهي أن تؤدي حق الله عز وجل في التعليم وأن تقول الحق وان تنصح الناس إلى ذلك من واجبات كونك عالم فواجباتك هذه وتقواك وعبوديتك لا تجب على الجاهلين. وهناك أيضاً عبودية الأغنياء فكونك غنياً عليك حق للفقراء وللجار والضيف والأرحام وأن توظف الأموال وان تكسبه من حِلّه وتنفقه في حِلّها وأن توظفها. للمسلمين حقوق كثيرة على مالك هذه عبوديتك كونك غنياً،فكونك عالم ومقصر في علمك كأن تكون منافقاً تبتغي عليه مالاُ شهرة أو أن تكون مبتدعاً فكونك مقصر في عبودية العلم لا ينفعك ما تفعل من عبادات مهما كثرت كما في معنى الحديث يعذب العلماء قبل عبدت الأوثان فيقولون للملائكة أيبدأ بنا قبل عبدت الأوثان؟ فتقول الملائكة ليس من يعلم كمن لا يعلم. والحديث يقول أول من تسعر بهم النار يوم القيامة عالم ومنفق وشهيد، فهو عالم ولكن لأنه يحب الشهرة فلا يعمل إلا إذا شهر والمنفق يبني المساجد ويعطي الفقراء لكي يقال عنه أنه جواد وكريم والشهيد لكي يقال عنه بطل شجاع. فالعبودية العامة هنا من صوم وصلاة وحج وزكاة لا قيمة لها تنسخ، فالعبودية العامة سريعة النسخ وسريعة الإحباط (أولئك الذين حبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا). ويحدث ذلك بمخالفة العبودية الخاصة كعالم منافق فكل عباداته وعبوديته الخاصة أحبطت. من أجل هذا هذه السلوكيات تسمى تقوى مثال ذلك عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة قيام ليلها وصيام نهارها وهذا يعني أن ظلم ساعة ينسخ عبادة ستين سنة قيام ليلها وصيام نهارها. وهكذا كل شخص له عبوديته الخاصة حسي مهنته واختصاصه فلا يغترّ. عمر بن عبد العزيز عندما ولي الخلافة وهم يدفنون الخليفة الذي قبله وهو على القبر قال ائتوني بورقة وقلم فظن الناس أنه مستعجل على الخلافة فقال عمر هناك أمور أخشى أن أموت قبل أن أنجزها فعزل حاكم العراق وحاكم مصر وحاكم إفريقيا لأن كل واحد منهم كان ظالماً لشعبه وحاكم إفريقيا كان ذكّاراً ولما يأتوه بسارق مثلاً يقول اقطعوا يده ويتابع سبحان الله سبحانه الله. ولكي تكون متقياً عليك ببعض السلوكيات التي تجعل كل عباداتك مرضية وتجعلها تؤدي واجبها من القوة الشرائية من حيث تؤدي الوظيفتين: إسقاط الفرض ومغفرة الذنوب ورفعة الدرجة في الجنة. بعد التقوى يأتي الصدق قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ 119 التوبة) الصادقون تعرفهم بثلاثة أمور وهي الصبر والرضا والقناعة. من هذه الأمور تستطيع أن تزن بها نفسك إذا كنت صادقاً مع الله أو لا. أولاً إذا أصبت ببلاء هل تجزع أم تصبر هل تتهم الله عز وجل هل تجد في نفسك شيء على ربك إذا قلت يا رب لك الحمد فهذا صدق (وعزتك لو قطعتني غرباً ما شكوت منك). القناعة: رزقك ضعيف وشحيح يوم تأكل ويوم لا وأنت راضٍ تماماً وقنوع هذا صدق. والرضا بكل ما يحدث لك أنت راضٍ عن ربك بكل لحظة حينئذٍ إذا فعلت ذلك فأنت من الصادقين. هذه المجموعة تجعلك من الصالحين (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ 9 العنكبوت) الصالحون تخصص كمن يقوم بحركات رياضية ولكن لا يعتبر رياضياً فالرياضي بطل في الجري، في كرة القدم، يدخل بطولات وهكذا الصالحين بطولة، إختصاص، أصبح في نادي الصالحين. الصالحون هم الشريحة الرابعة التي تُقاسِم النبيين والصديقين والشهداء الفردوس الأعلى (فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا 69 النساء).
هذا بشكل عام العمل. فهرست العمل وحيثياته فإذا أردت أن تعبد الله عز وجل فأعبده بفقه. فركعتان بفقه خير من ألف ركعة بلا فقه. فكلما كنت تعرف كيف تعبد الله عز وجل فإن هذا أدعى لمضاعفة الأجر وأدعى لأن تقبل عبادتك.
نتكلم عن سلوكيات هؤلاء الصالحين بشكل عام:
الناس تتفاوت (ولكل درجات مما عملوا) (وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً) فكما في الدنيا درجات فالآخرة فيها درجات وهي مجتمع طبقي هائل (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون). أساسيات الخلق الإسلامي كيف تكون من الصالحين، يوم القيامة قال تعالى (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا 73 الزمر) يوم القيامة زمرة الصالحين كل من يقترب منهم يكونوا معهم
إن لم تكونوا مثلهم فتشبهوا إن التشبه بالكرام فلاح
ولهذا حاول أن تقترب منهم ولو بأدنى المستويات تحشر معهم لحبك لهم. أخلاقيات المسلم في الحديث (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) كفّ يدك ولسانك عن الناس بحيث إنشغل بعيبك عن عيوب الناس (والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم) وبالتالي هذه أساسية لا تطمع بمغفرة إذا لم يسلم الناس من يدك ولسانك ولم يسلم الناس في دمائهم وأعراضهم منك. يقول النبي صلى لله عليه وسلم (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن فرعب الصحابة فقالوا: من يا رسول الله؟ قال:من لا يأمن جاره بوائقه)، كأن يكون سارقاً، لصاً يتلصص، يقتل، يضرب ويهدم البيوت ويُكفّر الناس. والأساس الإسلامي لا تفتح على قلبك سوء الظن وأفتح عليه حسن الظن بحسن التأويل، يقول الصالحون كالإمام الشافعي وغيره ومنهم الإمام أحمد” إذا سمعت قولاً وهو كفرٌ من تسع وتسعين وجه ومن وجه واحد هو إيمان فهو إيمان). إذا وصل الناس إلى هذا فاعلم أن البلاء عمّ وهذا مكر الله. والله لا يكفّر مسلم مسلماً إلا وقد أصابه مكر. الكفر أن تجعل لله نداً وهو خلقك كأن يقول أعبد الله والشمس أو ملحد يقول لا ليس هناك إله وما عدا ذلك فكلّه مأوّل (أقتلته وقد قالها؟ قال إنما قالها فرقاً من السيف، قال أشققت عن قلبه؟).
من أخلاقيات الصالح الصبر: (إصبر على ما أصابك) من عزم الأمور هذه الإصابة من الله وإذا كانت الإصابة من مخلوق شتمك واعتدى عليك فاصبر (إن ذلك لمن عزم الأمور) لأنها أشقّ. وقال الله تعالى (وبشر الصابرين) فالله سبحانه وتعالى لم يقل عز أو أمدح بل قال بشر لأن الصابر له البشرى بالدنيا والآخرة الصبر لا يأتي إلا بالخير فرب العالمين سبحانه وتعالى إذا أحب عبد أبتلاه (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ 2 العنكبوت) حينئذٍ البلاء من حب الله لك مادمت موحداً فاعلم أن هذا البلاء يكفّر الخطايا ويستر عرضك ويزيد من درجاتك ويضاعف من حب الله عز وجل لك فما عليك إلا أن تصبر وهو قائم لا محالة فلا فائدة من الجزع. أنت بخير ما لم تصب دماً حراماً فهذا حد فاصل إذا أصبت دماً حراماً فلا تطمع بشيء إلا أن تسوي الأمر. إذا أصاب المسلم دماً حراماً بيده حينئذٍ انتهى الأمر بينه وبين كل هذا الذي ورد ذكره في الحديث (لا يزال العبد بخير ما لم يصب دماً) من أجل هذا هذا التاريخ المليء بالدماء من قتل طائفي وقتل مذهبي وقتل حزبي وقتل فئوي وقتل على كلمة وقتل على تهمة أي مكر هذا؟! فتعجب كيف يصل الأمر برجل مسلم يصلي القبلة ثم تفعل به كل هذا بدم بارد ثم تذهب إلى بيتك منشرحاً بأنك نصرت الله ورسوله ولا يمكن أن يفرح الشيطان بأكثر من هذا. والسؤال كيف أستطاع إبليس أن يصل بهذا المجرم القاتل إلى هذا الحد؟ ويقنعه بأن ما يفعله إنما هو جهاد ونصرة للإسلام والله راضٍ عنه؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الكعبة (ما أطيب ريحك وما أقدسك عند الله ولكن دم المسلم عند الله …) فكيف يصل بالناس أن يقتلوا بعضهم وكلهم يصلي إلى القبلة ولهذا يقول الله عز وجل (قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ 17 الحجرات) كيف وهب الله هذا المقتول المغدور الشهادة لا يحاسب على ذنب وهو في أعلى عليين وهذا الغادر لا ينفعه عمل يوم القيامة وهو خالد في النار وهذا مكر الله.
ومن المكر الشائع الآن انتشار الغيبة والنميمة والبغضاء وهي من محبطات الأعمال فمن يهمل لسانه في أعراض المسلمين فلا أمل له يوم القيامة لأن (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده). فالغيبة سرطان الأعمال وهكذا البغضاء (البغضاء هي الحالقة). المتباغضان المتخاصمان المتصارمان لا يغفر لهم لا في حج ولا عرفة ولا ليلة قدر فحالتهم مستعصية على المغفرة فلذلك عليك أن تكون في غاية الذكاء من الآن وإلا ستلقى الله وليس عندك عمل. إثنان لا ترتفع صلاتهما فوق رأسيهما شبراُ أخوان متصارمان، واحد قلبه مليء بالحقد على الآخر. الغيبة والنميمة والبغضاء شائعة. ومن الأمور التي تختص بالعلماء وبطلاب العلم المراء بالقرآن الكريم. والمراء نوعان فهنالك الجدال للوصول إلى المعنى بالاتفاق وهذا علم والنوع الآخر أن يكفر كل شخص الآخر وهذه يوم القيامة حالقة كما في حديث أبو موسى الأشعري وأُبيّ (قال أقرؤكم أبيّ) ومع هذا قال جلسنا نتمارى أنا وأبو موسى الأشعري في آية من كتاب الله فخرج علينا النبي r كما يُفقأ في وجهه حب الرمان من شدة غضبه فقال: (أبهذا أمرت أم بهذا بُعثت؟ إن المماري لا أشفع له إن المماري بانت خسارته) وما خلا عصر من عصور الإسلام من هذا وما يحصل اليوم من المماراة والمراء يفرز هذا القبح الطائفي والمذهبي الذي نحن فيه. من عوفي من هذا فليحمد الله عز وجل.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الله عز وجل ينزل العبد من نفسه بقدر منزلته منه) كيف تضع الله في نفسك؟ مدى إجلالك له، مدى حياءك منه، مدى رجائك فيه، مدى خوفك منه، إعلم أن الله عز وجل يضعك هكذا من نفسه. فالله عز وجل له فعل ورد فعل، رد الفعل (أذكروني أذكركم)(نسوا الله فنسيهم) حينئذٍ إذا نزلت الله من نفسك منزلة عظيمة فمنزلتك عند الله عز وجل ستكون عظيمة أيضاً. ما من شيء أرجى للمؤمن من حسن الظن بأخيه والعكس صحيح ولهذا عليك أن تأوّل كل ما يمكن أن تجده في قلبك من أخيك في سلوك معين إن له تأويلاُ. جميعنا يعتدى علينا ما من أحد إلا وأعتدي علي يوماً بحضوره أو بغيابه فلو استطعنا أن نترقى وأن نقهر أنفسنا عن غريزة الانتقام وعفونا عن هذا وذكرنا سلوكيات الصالحين. ومن سلوكيات الصالحين (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ 134 آل عمران) لو يعلم العبد ماذا يعني أن تكتم غيظك إذا كتمت غيظك مرة فإن الله سوف يقول لك يوم القيامة أنا أحلم منك أنا الحليم الكريم قد عفوت عنك وحلمي عليك أنني لا أعذبك بكل ذنوبك مهما عظمت لأنك في يوم من الأيام استعملت حلمك لوجه الله. ولذلك اعفُ عن من ظلمك وليس منا أحد إلا ويظلم في ماله، في عرضه، في دينه، في كل شيء فتعلم وخذ بحظك من العفو ومن التجاوز ومن كظم الغيظ لكي تستنزل بذلك حلم الله عليك يوم القيامة.
عدم السكوت عن الباطل: ومن سلوكيات هؤلاء الصالحين أنه لا يسكت عن الباطل ولكن بغاية الأدب وبغاية العذر وبغاية المحبة عندما ترى مذنباً فلا تظن أنك خيراً منه فأنت وهو سواء هو أخطاء هكذا وأنت أخطأت في مكانٍ آخر فكلاكما سواء وكل ابن آدم خطاء فشتمك له أو زجرك له فيه اعتراف ضمني بأنك أنت لا تخطيء وهذه بلية البلايا يوم القيامة ولكن انصحه بكل أدب ومحبة وحرص كأنك تنصح ابنك أو حبيبك. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خيرية هذه الأمة وفعلاً ما من أمة على وجه الأرض تفعل هذا إلا هذه الأمة فهذا سمت هذه الأمة في كل أدوارها إلى هذه الساعة على كل طبقاتها. فإياك أن ترى مكان ينتهك فيه حرمات الله وتبقى ساكتاً كما قال صلى الله عليه وسلم (ألا لا يحقرن أحدكم نفسه، قالوا: كيف يحقر أحدنا نفسه يا رسول الله؟ قال: يرى أمراً فيه لله مقال ثم يسكت). وذلك يكون بالحكمة والموعظة الحسنة، بمودة وابتسامة، من غير اتهام أو تشنيع أو شفاء كأن تجد في قلبك فرحاً أن هذا أخطأ أمامك وأنك خيرٌ منه وهذا هو هلاكك المؤكد كما قال (وعزتي وجلالي لأدخله الجنة ولأدخلنه النار) لأنه رأى نفسه أفضل من أخيه.
المكافأة: ومن أخلاقيات الصالحين أنه لا يدع المكافأة على الصنايع (من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له) فمن قدم معروف لك عليك أن تكافئه فإن لم تجد فادعُ له.
التيسير على الغريم: ومن أخلاقيات الصالحين أن تيسّر على الغريم فإذا كنت تطلب من شخص ما دين وليس لديه فاصبر عليه لأن إنظارك المعسر عبادة عظيمة فرب العالمين يفرج لك كل عسرتك يوم القيامة.
الأدب مع الله تعالى: ومن أدب الصالحين مع الله عز وجل أن لا يقول له أنت الذي أمرضتني إنما يقول أنت الذي شفيتني. فنحن نقول الله رب السموات والأرض ولا نقول رب الكلاب والقردة مع أنه رب الجميع ولكن من الأدب أن تقول يا ربي أنت رب السموات والأرض وهذا من الأدب مع الله عز وجل كما قال سيدنا إبراهيم عليه السلام (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ 80 الشعراء) فلم يقل أمرضني بل قال أنا مرضت وهو يشفيني هكذا الأدب. قال صلى الله عليه وسلم (أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً) (إن العبد ليدرك بحسن خلقه منزلة الصائم الذي لا يفطر والقائم الذي لا يفتر والمجاهد الذي لا يضع سيفه).
محبة الله عز وجلّ: الصالحون يتميزون بأن حبهم لله عز وجل عجيب وصبرهم على قضائه وقدره متميز (وعزتك وجلالك لو قطعتني إرباً ما شكوت منك) ولكن محبة الله ليست بالدعوى وحب الله لا يكون صادقاً إلا إذا سبقه حُبّان: أولاً حب النبي عليه الصلاة والسلام وحب النبي فقه عظيم عليك أن تعرف كيف تحبه وحب النبي نوعان حب عقلاني وحب عاطفي. ثانياً أن تحب المؤمنين حباً يمنع أذاك عنهم بلسانك أو يدك فحينئذٍ إذا كان في قلبك حقد أو بغضاء للمسلمين أفراداً أو جماعات أو طوائف فأعلم أنك لا تحب الله ولا رسوله.
وأخيراً منهج بسيط يليق بحالنا الضعيفة وبزماننا المتدهور (ويأتي زمان على الناس يكون أجر العامل منهم أجر خمسين منكم):
أولاً أن تكون دائم الطهور من ساعة ما تستيقظ من النوم إلى أن تنام كلما انتقض وضوئك توضأت من جديد. ثانياً الدوام على الذكر بأن يكون لك ورد قليل محدود يومياً ولا تنساه أبداً. ثالثاً لا بد أن تصلي في المسجد صلاتين صلاة العشاء والصبح على الأقل (بشر المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة). أيضاً صيام ثلاثة أيام في الشهر، زيارة مريض ولو مرة في الشهر، إتباع الجنائز ولو في الأسبوع أو الشهر مرة ابتع الجنازة حتى تدفن فهذه عبادة عظيمة، وللنساء خاصة صبر على زوج سيء إذا كان قاسياً أو بخيلاً فهذا من أعظم عباداتك يوم القيامة كذلك صبرك على ولد معوق يعتبر جواز سفر إلى الجنة من غير حساب. ومن ضمن أخلاقيات الصالحين كف الأذى عن الطريق مع أنها بسيطة فهي عند الله عظيمة وهي من شُعب الإيمان، تربية أو كفالة يتيم، العمرة إلى العمرة كفّارة، إبراء المدين ومسامحته هذا عمل عظيم، الدعاء للسلطان العادل قال أحد الصالحين: (لو لم يكن عندي إلا دعوة واحدة لادّخرتها للسلطان) لأنه يدل على اهتمام بقضايا الأمة. هذا المنهج البسيط إذا واظبت عليه لمدة سنة أو سنتان يصبح طبعاً فيك حتى تنتقل من طبقة الذين آمنوا وعملوا الصالحات إلى طبقة الصالحين كما قال تعالى:( وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ)
بُثّت الحلقة بتاريخ 9/6/2006م وطبعتها الأخت نوال من السعودية جزاها الله خيراً ثم تم تنقيحها