التكبر – الاستعلاء – الاختيال أو الخيلاء – الافتخار
التقوى في هذا الدين نوعان: فهناك تقوى بين الخالق والمخلوق كالصلاة والصوم والحج وهذه أضعف أنواع التقوى من حيث أثرها ومن حيث ثباتها أو إحباطها فقد تحبط بعمل. أما التقوى الثانية وهي المهمة هي التعامل بين المخلوق والمخلوق وهذا التعامل أعظم عند الله عز وجل من التعامل بين الخالق والمخلوق. من أجل هذا رب رجلٌ تحبط صلاته لأنه اغتاب مخلوقاً آخر، من أجل هذا لو تتبعنا هذا الدين بإنصاف وبموضوعية لعجبنا كيف أن هذا الدين العظيم الكريم عُنيَ بحقوق الآخر من حيث أن هذا الآخر إذا لقيته أن تسلم عليه، وإذا دعاك أن تجيبه، إذا مرض أن تعوده وتزوره، إذا فرح أن تهنئه، إذا أصابته مصيبة تعزيه، إذا استقرضك تقرضه، ألا تخدعه وألا تكذب عليه وألا تغتابه وألا تخلفه وألا ترعبه وأنت مسؤول عن طعامه وشرابه إذا جاع أو ظمئ. وكثير من حقوق هذا الآخر تجعله في النهاية أهم من حقوقك مع نفسك. إن عليك أن تقصر بحقوقك وحقوق عيالك لصالح حقوق الآخر سواء كان الآخر ضيفاً أو جاراً أو مواطناً أو عابر سبيل أو مريضاً أو ما شاكل ذلك. لكي تعلم فلسفة هذا الدين إعرف كيف أن بغيّاً غفر الله لها لأنها سقت الآخر وكان الآخر كلباً فما بالك لو كان الآخر إنساناً عطشاناً وتسقيه كما في الحديث أن هذا الذي تسقيه وهو عطشان سيشفع لك يوم القيامة وأنت ذاهب إلى النار والملائكة آخذون برقبتك ويديك وأنت مقمح ووجهك مسود وأنت ذاهب إلى النار وفي الطريق تلقى هذا الذي سقيته ماءً مرة واحدة فتقول له يا فلان ألا تعرفني فيقول لك: لا فتقول: أنا الذي وهبتك وضوءاً، في اليوم الفلاني أتيتنا عطشان فسقيناك، فيقول الرجل: بلى والله فتقول له:اشفع لي فيقول:يا رب لقد وهبني وضوءاًً فشفعني فيه فيقول الرب عز وجل: خذ بيد أخيك إلى الجنة. هكذا هي حقوق الآخر ورب عمل صالح يحبط باعتداء على هذا الآخر.
ومن حقوق هذا الآخر منظومة التكبر ألا تتكبر علي وألا تستعلي وألا تختال علي وألا تفتخر علي. أربع كلمات قرآنية هي منظومة التكبر وهي التكبر، الاستعلاء، الاختيال أو الخيلاء والافتخار. هذه الأربعة كلها القاسم المشترك بينها أن فيها عنصراً أنك تتكبر على الآخر، تزدريه، تستهين به. ومن علامات هذا كما ذكر في القرآن ومن دلالة حركته أن تصعر خدك وتنظر له باستهانة وتميل خدك إلى جهة ما دليل على أنك تحتقر هذا الذي أمامك كما قال تعالى (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ 18 لقمان)، أو تثني عطفك (ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ 9 الحج)، أو (أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ 83 الإسراء) وهذا من بعض حركات الاحتقار أو التكبر أن تكلم شخص ما وهو منصرف شقه إلى اليمين وأنت على يساره وينظر إليك بنصف إلتفاته كأنك لا تستحق منه أن يقف مواجهاً لك. هذه الكلمات القرآنية هي التي تشير إلى جزء من أجزاء حقوق الآخر في هذا الدين من حيث أن كل واحد منها تحبط العمل. رجل صالح بتكبر واحد يحبط عمله أو بخُيلاء كشخص لديه سيارة فارهة وآخر لديه سيارة قديمة أو بالية فشعر الأول أن صاحب السيارة القديمة لا قيمة له فيعامله بازدراء، أو لم قصر فاخر وأنا عندي بيت بسيط أو بالثياب أنت تلبس ملابس فخمة وأنا لا أو الافتخار بالأنساب وهكذا. كل هذه المجموعة من التكبر على اختلاف بين كلمة وكلمة بعنصر هي التي تندرج ضمن القائمة الطويلة لحقوق الآخر على المسلم حتى ليخيل إليك أنك لا تدخل الجنة إلا إذا رضي عنك هذا الآخر. هذا يفسر لك قوله صلى الله عليه وسلم (من مات فشيعه أربعون رجلاً فشهدوا له بخير إلا شفّعهم الله فيه على ما كان منه) (من شهد له سبعة من جيرانه بخير شفّعهم الله فيه على ما كان منه). حتى ولو كان هذا الآخر كلباً أو كان قطة (في كل ذات كبد حرّى صدقة). هكذا هو هذا الدين العظيم الذي يُتّهم بتُهمٍ يعلم الله زيفها ويعلم الناس حقارتها وقذارتها وإنما هم أناسٌ يلقون بأخطائهم وقبائحهم على الآخر.
التكبر: وهو التعظّم فترى نفسك عظيماً أنت أعظم من هذا الآخر وهذا يؤدي إلى أنك تنظر إليه بشيء من التدني وهذا التكبر جريمة من جرائم هذا الدين العظيمة (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ 146 الأعراف) (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ 35 غافر) فالتكبر أن ترى في نفسك العظمة على حساب هذا الآخر الذي يؤدي شعورك بالعظمة إلى ازدرائه والاستهانة به.
العلو وهي المرحلة الثانية بعد أن يرى الإنسان أنه أعظم من الآخر يبدأ بالاعتداء عليه ويصبح الآخر مستباحاً له (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ 4 القصص) فهو أول من قال (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى 24 النازعات) (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي 38 القصص) ( أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي 51 الزخرف). فالخطوة الثانية لكل هذا التكبر والعظمة تؤدي قطعاً لأن تعتدي عليهم فهم لا يساوون شيئاً له وهذا هو العلو أو الاستعلاء. فالعلو تكبُّر بفارق واحد أنه يشتمل على عدوان، فالإنسان قد يتكبر على الآخر ويرى نفسه في السماء والآخر في الحضيض ولكن لا يعتدي عليه ولا يؤذيه وهذا هو التكبر أما أن تعتدي عليه وتؤذيه فهذا يسمى تكبر باستعلاء فالاستعلاء إذن تكبر زائد أذى وعدوان وطغيان.
الاختيال: هو أن يتيه الإنسان بشيء يرى الآخر يفتقده، كل شيء نادر مثلاً في زمان النبي صلى الله عليه وسلم كانت الملابس نادرة فالناس ليس لديهم غير خرقة أو ثوب واحد فيأتي شخص يرتدي ثياب ملونة وجميلة ويجرها خيلاء ويتوه وينظر إليها وينظر للناس جميعاً نظرة استهانة. فالخيلاء هو أن تعجب بنفسك وبما عندك من ممتلكات من مال وبنين أو ثياب أو قوة أو أي شيء تتيه به وحينئذٍ كل عنصر من عناصر الخيلاء تنفع في جيل ولا تنفع في جيل آخر ويقيّدها العرف. كمن يلبس ملابس فخمة غالية الثمن فعندما يمشي بين الناس في الأسواق يمشي بخيلاء وتكبر مع إعجاب بنفسه (من جرّ ثوبه خيلاء جرّ قطبه في النار). الآن الثياب كثيرة فلم يعد الثوب مطلقاً يساوي أي شيء من الخيلاء. ففي زمننا الحالي الخيلاء تكون بالسيارة كمن يركب سيارة ذات احدث موديل وأفخم نوع فالناس جميعاً تنظر إليها بإعجاب فهو عندما يسوقها ينظر إلى الناس باستهانة واحتقار وهذا خيلاء. فالسيارة تعتبر عنصراً من عناصر الخيلاء، أة شخص مشهور يمشي في الشارع لما يحتمع عليه الناس يشعر بالخيلاء، فكل عصر له خيلائه من أجل هذا النبي صلى الله عليه وسلم لما كان طول الثوب علامة الخيلاء والجبروت والعظمة والتكبر أن يكون ثوبك خلفك متراً لأن الناس في ذلك العصر لا تملك إلا الخرقة التي تستر عوراتهم وأجسادهم وأنت لأنك غني ولديك ثياب عظيمة وإمعاناً في التكبر ثوبك ليس فقط على جسمك وإنما تجره خلفك خيلاء واحتقاراً للآخرين وهذا الفعل لو يقوم به شخص الآن يعتبر أمراً سخيفاً لأن الثوب لم يعد له خيلاء في هذا الزمن فقد توفر لدى جميع الناس أنواع وألوان شتى من الثياب. من أجل هذا من يلبس ثوب قصيراً الآن ظناً منه أنه مطبق للسُنّة هذا يؤدي لأن يحتقر الآخر الذي لم يقصر ثوبه وهذا يؤدي إلى هلاكه لا محالة إن ظننت أنك خيرٌ من هذا الذي لم يقصر ثوبه. من زمن التابعين ألغوا هذا والناس تلبس ملابس عادية. كأواني الخمر النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن استعمال أواني الخمر-المزفت والمحمتم الخ-لأنهم قبل أيام قليلة كانوا يشربون فيها خمر ولكي لا يسبب وجودها في البيت تذكرتهم في الخمر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتخلص منها ولكن بعد سنوات انتهى الخمر نهائياً من حياتهم فبدءوا الناس يستخدمونها من جديد. فالخيلاء يكون بشيء نادر في زمانك والذي يحدده العرف وهو إعجابك بنفسك في عصرٍ فعلاً هذا الذي تملكه يسبب لك تميزاً وتمييزاً. (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ 18 لقمان) مختال بما تملكه الآن من شيء يسبب لك ميزة وشهرة والناس تلتفت إليك وتشير إليك بأصابعها فإذا شعرت بأنك خيرٌ منهم أو أعلى منهم فقد هلكت لأنك حينئذٍ دخلت في الخيلاء وأصبحت مختالاً. ولا بد من هذه النية أن تقصد الخيلاء بالشيء الذي لديك وإلا فليست خيلاء إن كنت لا تقصد ذلك أو لم تنويه ففي الحديث (من جر ثوبه خيلاء) فقد يكون جرّه طولاً وليست خيلاء كما هو الآن وعندما النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله إن إزاري يسترخي إلى أن أتعاهده فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنك لست ممن يفعله خيلاء). إذن طول الثوب إذا لم يكن خيلاء فهو جائز والآن مستحيل أن يكون طول الثوب خيلاء.
الافتخار: أن تفتخر بأصلك، بآبائك، بأجدادك، وترى الآخرين أقل منك مستوى (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ).
هذه المنظومة يعبر عنها بتصعير الخد كأنه يتعظم ويترفّع أو ثني العطف أو الإعراض والنيئ بالجانب بأن أميل بصفحتي عنه وأنظر له من طرف العين. هذه هي المنظومة البشعة التي تمحق الحسنات محقاً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث عن رجل صالح عليه ملابس خضر يختال بها هو في النار. ونحن في زماننا هذا نملك بعض أسباب الخيلاء ولذلك على كل واحد منا أن يعرف ما هو الشيء الذي يملكه بحيث إذا سار بالشارع الناس تلتفت إليه معجبين أو غائرين أو حاسدين. المهم شيء يشكل لك نوع من الخيلاء فإذا رأيت أن نفسك أفضل منهم أو خيراً منهم وأنك تنظر للناس بازدراء، بصغار، باستهانة، فقد حبط عملك. بينما التواضع (من تواضع لله رفعه) تواضع من يملك أسباب الكبر كحاكم، ملك، أمير، شيخ، عالم جليل الناس يتحدثون بعلمه ولم يزهو مرة يملك أسباب الكِبر كالإمام الشعراوي رحمة الله عليه حدث أنه من شدة إعجاب الناس به وحبهم له حملوا سيارته على أكتافهم فما كان منه إلا أنه نزل وذهب إلى اقرب مسجد وغسل جميع المرافق والمراحيض. فكثير من الصالحين إذا أعجبته نفسه عمد إلى أن يربيها وأن يكسر نفسه بالتو والساعة. مالك بن دينار رضي الله تعالى عنه عالم البصرة كان يحضر مجلسه ودرس وعظه آلاف الناس حتى أنه كان هناك عشرين مبلغ عندما يقول كلمة ينقلونها للصفوف الخلفية فيوم من الأيام فعلاً رأى الناس يتماوجون طرباً وإعجاباً بشيءٍ قاله فشعر في نفسه بشيء من الخيلاء فأراد أن يكسر نفسه بالتو فقال للناس: يا أخوان جاءتني اليوم قصة أريد أن أحكيها لكم وأريد رأيكم فيها، فانتبه الناس فقال: امرأة جاءت الشرطة واعتقلت زوجها وهذا الزوج مريض لا يأكل إلا نوع واحد من الطعام وإلا يموت فلما ذهبت الشرطة بهذا الرجل ولم يعد بالليل جاءت هذه الزوجة على السجان وقالت: يا أخي أخذتم زوجي اليوم وهو مريض جداً إذا لم يأكل هذا الطعام يموت فقال لها السجان:أنا أوصله له بشرط أن تسلميني نفسك فقالت له: اتقِ الله أنا مسلمة وعندما فشلت محاولاته عادت إلى البيت بالطعام وفي اليوم الثاني تكرر نفس الأمر رفض السجان أن يسلمه الطعام إلا إذا سلمت نفسها فرفضت، في اليوم الثالث عزّ عليها هذا وقالت سيموت الزوج إذن سأسلم نفسي للسجان فذهبت إليه وطلبت منه أن يوصل الطعام لزوجها وأنه وافقت على شرطه وستسلم نفسها له، فزنى بها وعندما ذهبت أكل الطعام ولم يوصله لزوجها، عندما انتهى مالك من القصة سأل الناس: ما رأيكم بهذا الرجل؟ طبعاً الكل قال لعنة الله عليه، فلما سألوه من هذا الرجل قال: أنا وأقسم يميناً أنه عندما كان في أول شبابه كان سجّاناً وفعل هذا الأمر، فقد أراد أن يكسر نفسه التي تعاظمت على هذا الموج من الإعجاب. إذا تتبعنا سير الصالحين وكيف بلغ بهم حب الله ورسوله وكيف بلغ بهم مراقبة الله عز وجل وكيف ارتعدت فرائصهم من شدة إعجاب الناس، هذه مهلكة أن يثني عليك الناس ويمتدحك الناس ويقبّلون يديك ويقولون أنك من الصالحين فلو وجدت في نفسك بعض الكبر هذه مهلكة، والصالحون يبادرون بسرعة إلى كسر هذه النفس بأن يتهموا أنفسهم أمام الآخرين لكي تسقط غلواء هذا المديح على الأقل.
كلمة التكبر منها الكبر والتكبر واستكبار وكبرياء وجميعها كلمات قرآنية. الكِبر وهو الشِرك وفي الحديث (لا يدخل الجنة من كان في قلبه ذرة من خردل من كِبر) ما من إنسان مهما كان صالحاً إلا وفي نفسه ذرة من كِبر وإعجاب وليس هناك سوى الأنبياء والصديقين هم الذين ليس فهم كبر فهل هذا يعني أننا جميعاً في النار؟ لذا الكِبر هنا تعني الشرك أي الكبر الذي يؤدي بك للعناد حتى لا تؤمن بالله (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا 14 النمل) فهو يعلم أن محمد صلى الله عليه وسلم هو النبي وأن القرآن كلام الله عز وجل ولكن لكبر في نفسه يرفض الإيمان فهذا هو الكبر، فالكبر كلمة مشتركة تأتي بمعنى الشرك وبمعنى العظمة والتبختر، الاستكبار تعاظم القوة ضد الضعفاء، فالتكبر أن يكون الشخص الواحد متكبراً.
أما الاستكبار فهو مجموعة من الناس سواء كان جيشاً أو دولة أو حلفاً هؤلاء لهم قوات هائلة فظلموا الناس واعتدوا عليهم فيسمى هذا استكباراً. فالاستكبار كِبر مع ظلم كما قال تعالى عن بني إسرائيل (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ 87 البقرة) فشعب بأكمله يفعل هذا كما هو الحال الآن في فلسطين والعراق والشيشان وفي كل مكان في العالم الإسلامي فالضعفاء المستضعفون يبادون إبادة كاملة من قوة هائلة ففعل هذه القوة يسمى استكبار فالتكبر يكون من فرد والاستكبار من قوة والقوة متعددة سواء كانت جيشاً أو ملكاً كبيراً أو دولة عظيمة.
الكبرياء كمال الذات بالنسبة لله وكمال الوجود فهو واجب الوجود، واجب الكرم، واجب الحياة، واجب العلم، وهذا لا يطلق إلا على الله عز وجل (وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ 37 الجاثية) هذا المحمود وبالنسبة للمخلوق هو الامتناع والترفع عن الانقياد مهما كان الحق معك وذلك بسبب الكبرياء. فالكبرياء من المخلوق مذمومة ومن الخالق محمودة. والكبرياء تختلف عن عزة النفس فالكبرياء شعور بالوهم بأنك خير من الآخر وهذا ليس صادقاً عزة النفس صادقة فأنت عفيف النفس لا تقبل المذلة ولا عطية قد تذلك ولا تمد يدك لحاجة وإن كنت في أمس الحاجة إليها فعزة النفس فضيلة وليست من الكبر ولكنها ترفع عن إراقة ماء الوجه ومد اليد يالسؤال. عندما قال الله تبارك وتعالى لإبليس (مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ 75 ص) فالاستكبار يكون إذا صاحب قوة وطبعاً إبليس له قوة لا تملكها كل الدول مجتمعة هذا الذي جنوده يدخلون في كل فرد من بني آدم. فلو أخذنا مثالاً أمريكا وهي القوة الكبرى والأولى في العالم لا تعرف كل فرد في العالم تعرف ممكن مجموعات أو شعوب لكن إبليس يعرف كل فرد واحداً واحداً بل وهو في بطن أمه فقبل أن يولد يتعامل مع إبليس، فهو معك في صلاتك، في نومك وفي كل حياتك (يجري منكم مجرى الدم) فأي قوة هذه؟ وفرعون هكذا استكبر أولاً (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ 39 القصص) فهذه هي الخطوة الأولى لأنه قوة ثم قال تعالى (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ) وهذا يكون بعد استكبار. فالعلو والفساد يكون بتسلسل (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ 205 البقرة).
قال الله تعالى (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ 13 الأعراف): إبليس فلسفة كاملة فبدون وجوده ما كانت الحياة تستمر على هذا النظام الدقيق فكان خلق إبليس ضرورة قصوى للتفريق بين الخير والشر وما فعله إبليس هو أول ذنب عصي به الله سبحانه وتعالى وهو الاستكبار (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا 61 الإسراء) (أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ 76 ص) وهذا من غبائه فهناك فرق بين أن لا تقوم بالأمر لأنك لا تستطيع وهذا من قواعد الإنسانية فهناك أناس لا يصلّون رغم معرفتهم واقتناعهم بوجوب الصلاة ولكنهم لا يصلّون وبين من ينكر الصلاة وأنها أمر سخيف فهذا تمرد وهذا يعتبر رد الأمر على الآمر وطعن في حكمة الآمر. آدم عصى فقد أمره الله بألا يأكل من الشجرة ولكنه أكل منها وعصى أما إبليس فقد استكبر. قال تعالى له ( قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) الهبوط هنا ليس من السموات والجنة لم تكن في السموات فتلك جنة المتقين يوم القيامة وهذا العالم لم يخلق إلى الآن سيخلق على أنقاض هذا العالم الذي نحن فيه. أما الجنة التي خرج منها إبليس فهي بستان (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ 17 القلم) (جنتين عن يمين وشمال) والهبوط نزول أي خروج (اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ 61 البقرة) المنطقة المعمورة في زمن آدم إلى نوح عليه السلام أي آدم وقابيل وهابيل وشيت وإدريس ونوح عليه السلام مئات السنين المنطقة المأهولة في هذه الكرة الأرضية وهي بين الموصل ومدينة نينوى. ونينوى هي أول مدينة على وجه الأرض وكانت مدينة سيدنا يونس بن حتى فنينوى إلى آربيل إلى الكوفة هذا المثلث الجغرافي في العراق هو أول رقعة مأهولة ومسكونة في هذه الأرض حينئذٍ في تلك المنطقة كان هنالك جنان وتيارات وبراكين فطوفان سيدنا نوح كان بركاناً وأمطاراً وكان طوفاناً محلياً وليس عالمياً. فالهبوط أي الخروج من هذا البستان. وفعلاًً بدأت الحياة تنتشر. إبليس مصيبته التكبُّر فهذا الذي أصابه حتى قال له المولى عز وجل (اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا 18 الأعراف) ( وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ 35 الحجر) ( قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ 37 الحجر) كل هذا لأن رأى أنه أفضل لكونه من نار وآدم من طين والنار أرقى واشرف من الطين. فرب العالمين أراد أن يفهمه أن مخلوقات رب العالمين لا تتمايز لا بعنصر ولا بقومية ولا بلون فلا فضل لعربي على عجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى. فالناس يتفاضلون بالعمل إبليس تمسك بأنه (أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) هذا الذي أدّى إلى أن يخرج وحصل ما حصل لشدة كبريائه على رب العالمين حتى بلغ هذا الكبرياء أنه تمرّد ولم يعترف بالأمر. هنالك فرق بين آدم وإبليس فآدم إعترف بالأمر لكن عصى كما يعصي الجندي أوامر سيده الذي يؤدي له التحية أما إبليس قال لا أنت لست آمراً وهذا الأمر خطأ فكيف تأمرني أن أسجد لمن خلقت طينا؟ إستفهام إنكاري على رب العالمين. وكثير من الناس في كل مكان يدفعون ثمن كبريائهم وكبرهم واستكبارهم فإما يخسر في عمله أو يتمرد أو يدمر مشروع وحينئذٍ هذه الرذيلة من رذائل الإنسان الموجهة للإنسان الآخر وهي التي ينبغي على كل إنسان أياً كان دينه أن يعلم أن جماله ولطفه ونجاحه في أن يتواضع لهذا الآخر وألا يغترّ بما عنده من مواهب أو أسباب القوة أو مال أو علم أو شهرة بحيث يرى نفسه خيراً من هذا الآخر فإذا فعل ذلك ورأى نفسه خيراً من غيره فقد أبطل كل ميزة له وصار حقيراً وهذا المتكبر الحقير لا يموت إلا وقد خسر كل أسباب مجده. هناك حُكّام متكبرون مثل فرعون وكانت نهايته الغرق وهناك دول عظيمة مثل قوم عاد (من أشد منا قوة) التي أخافت كل من كان في زمانها من أقوام ودول وكانت مستعلية ومستكبرة بشكل عجيب فجاءهم ريح لمدة سبعة أيام فأنهاهم نهائياً. وفي زماننا الحاضر هنالك دول ملكت نصف الأرض في عصرنا هذا فقتلت الشعوب وأبادت دول أخرى وأجبرتها على الارتحال ونصبت المشانق والتعذيب وذهبت بالملايين على صقيع سيبيريا حتى يموت بالثلج ثم انتهت نهاية مأساوية تتصدق عليه دولة أخرى بعلف الكلاب حتى تعيش. بينما هناك دول صغيرة، بسيطة، عادلة، لطيفة، تحب كل الناس، فيكرمها رب العالمين بالازدهار، بحب شعبها لحكامها، وحب حكامها لشعبها، بالرفاهية، بالأمان فهنالك شيء اسمه التوفيق والسداد. فهذا التكبر لا ينتهي إلا بكارثة وما من قوة على وجه الأرض تقتل وتبطش وتعدم وتنتهك الأعراض وتغتصب وتسرق ثروات إلا تنتهي بمأساة حتى يلعنها التاريخ والعكس صحيح ويقول الله عز وجل عن المتكبرين (وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا 146 الأعراف) ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ). وهذا المستكبر ويسمى الدكتاتوري هذا النظام الدكتاتوري لو كان لديه عقل يتعظ بما حدث لجماعة في زمانه ولكن (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ). الآن الدول العظمى تبطش شمالاً ويميناً رغم أن كثيراً من الناس في تلك الدولة يستنكرون ما يفعله هؤلاء لأنه لا يؤدي إلا إلى الهلاك ولكن دون فائدة فهم لن يستفيقوا إلا وقد أصبحت بلادهم خراباً أو ينتهي هذا المستكبر. إذن ما من شيء أعظم من أن تعيش بقوتك مهاباً والناس يعرفون عنك أنك عادل وودود ومتسامح وهذا شأن الكبير ألا يغضب سريعاً وأن يأخذ الناس بحلمه. فليس كل ذي قدرة مطلقة حليفه النصر بدليل هذا الجنيّ عنده من الطاقات والقدرات ما لا يملكه البشر فالمسافات تنطوي عنده (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ 40 النمل) هذا مُسخّر للإنسان الضعيف وحينئذٍ على كل ذي قدرة أن يصونها بالتواضع. ولهذا رب العالمين سبحانه وتعالى سخّر الجن على كل قدراتهم للبشر.
سؤال: الفرق بين الكبرياء وعزة النفس: الكبرياء شعور بالوهم بأنك خير من غيرك وهذا غير صادق. أما عزة النفس أني عفيف النفس فلا أقبل المذلة ولا أقبل عطية ولا أمد يدي لشيء وأنا بأمس الحاجة إليه وهذ فضيلة وهي ترفّع عن إراقة ماء الوجه وذل السؤال.
سؤال: (الكبر على أهل الكبر صدقة) كأن تسلم على شخص فلا يرد السلام كبراً فأنت لا تسلم عليه مرة أخرى كأنه تكبر على التكبر من باب المجاز والمشاكلة.
بعض الأحاديث في باب التكبر:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد) معنى ذلك أن الفخر يؤدي في النهاية إلى البغي وهذا هو الفرق بين العلو والاستعلاء وبين التكبر والاستكبار لأنه ينتهي باعتداء قطعاً، الإستعمار هو أن دولة ترى نفسها أفضل من دولة فتعتدي عليها. وفي الحديث (من مات وهو بريء من الكبر والغلول والدين دخل الجنة) (ألا أخبركم بأهل النار، كلُّ عُتُلٍّ جوّاظٍ مستكبر) والجواظ وهو الجموع المنوع مستكبر معتدي فهو يجمع المال يمنعه عن أصحاب الحقوق ويعتدي عليهم يسمى هذا جواظ. (ألا أخبركم بشرِّ عباد الله الفظ المستكبر) (أول من يدخل النار الفقير المختال) (أول ثلاثة يدخلون النار أمير مسلط) أي متكبر ومستكبر ومستعلي فيشبع شعبه قتلاً لشدة ترفّعه على شعبه وكبريائه وهذا موجود ونسمعه كل يوم في هذا العصر البائس.
ويقول صلى الله عليه وسلم (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) وكما قلنا أن كلمة الكبر الواردة في الأحاديث هي الشرك وفعلاً ذرة شرك تدخله النار مع أول الداخلين قطعاً. وعندما تكلم النبي صلى الله عليه وسلم عن التكبر قام رجل فقال: يا رسول الله إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله جميل يحب الجمال التكبر بطر الحق وغمط الناس) وغمط الناس أي أن تحتقرهم وتتعالى عليه. ويقول صلى الله عليه وسلم (بينما رجل ممن كان قبلكم يجر إزاره من الخيلاء خُسِف به فهو يتجلجل في النار إلى يوم القيامة) لأنه ينازع الله تعالى في صفاته (العظمة ردائي والكبرياء إزاري فمن نازعني فيه قصمته ولا أبالي). فالتكبر والخيلاء والاستعلاء والعظمة كأنك تنازع الله في حقه. عن جابر رضي الله عنه-أحسبه رفعه أي يمكن أن يكون الحديث مرفوعاً عن رسول الله r– (أن رجلاً كان في حلة حمراء فتبختر واختال فيها فخسف الله به الأرض) فكم هو ذنباً أن تحتقر الآخر أن تتعالى عليه أن تغيظه، أن تشعره بأنك أفضل منه لأي شيء تملكه، وكل شيء يدعوك بأن تختال على الآخرين فاعلم أنك هلكت، والعكس صحيح إذا تواضعت مع كونك تملك هذه الأسباب فاعلم أنك نجوت نجاة عظيمة يوم القيامة على ما كان منك. (إن في جهنم وادياً يقال له هبهب حقاً على الله أن يسكنه كل جبار عنيد وفي رواية عتيد) (لا يزال الرجل يذهب بنفسه-أي يتكبر شيئاً فشيئاً-حتى يكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابه).
عن الفخر يقول r: (لينتهين أقوامٌ يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم حمم فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله عز وجل من الجُعَل الذي يدهده الفرء بأنفه) فهذا الذي يفتخر ويتيه ويختال أهون عند الله من هذا الجُعَل تأمل كم هو ذنب عظيم؟! والله تكلم عن كثير من الذنوب كالزنا والربا ولكن ليس بهذا الاحتقار كما هو الحال مع من يفعل هذا الذنب وهذا يدل كم هو هذا الإنسان مكرم وكم أن حقوق الإنسان مكرمة عند الله عز وجل ولهذا أن تغتاب إنسان أو تطعن فيه أو تغشه أو تغدر به أو تتعالى عليه، ذنوب عظيمة فحقوقه مصونة فالإنسان محصن إلا بحق الله النفس بالنفس والثيب الزاني والمفارق للجماعة.
الفرق بين التكبر والهيبة: من الواجب أن تكون وقوراً مهيباً في وظيفتك كما كان سيدنا عمر بن الخطاب هذا هيبته عظيمة وحسن سلوكه وترفعه وهذا واجب وهو نوع من أنواع الخلق الرفيع أما التكبر فهو شيء آخر. فالتكبر شيء وحسن السمت والشخصية المرموقة والهيبة والتي تسمى في الإسلام المروءة شيء آخر بل إنها ميزة (أقيلوا ذوي الهيبات عثراتهم) شيء عظيم أن يكون للموظف أو المدير هيبة. قائد المعسكر يمشي كالطاووس لكي يكون أقدر على قيادة الجند وكان الأنصاري يتبختر كالطاووس فقال r: هذه مشية يبغضها الله ورسوله إلا في هذا الموطن. الأستاذ إذا لم يكن وقوراً ذو هيبة يضحك عليه الطلاب. ومن شخصية الأب أن يكون وقوراً بين أبنائه، الضابط وقور بين جنده وهذه من علامات النجاح في المهمة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا سمعتم الرجل يقول هلك الناس فهو أهلكهم) فهناك بعض العبادات التي تؤدي إلى هلاكك مثل الثوب القصير الذي كان عبادة ومن يطبقه الآن لأنه سنة فهذا عظيم ولكن إذا أدّى هذا التطبيق إلى ان ينظر إلى الآخرين بإحتقار فقد هلك ولو زنا لكان هذا أهون عند الله عز وجل. كمن تلبس النقاب فتشعر بنفسها بإحتقار لمن تكشف وجهها، هذا الاحتقار أحبط عملها. يقول النبي صلى الله عليه وسلم (قال رجلٌ: والله لا يغفر الله لفلان فقال الله عز وجل: من هذا الذي يتألى علي ألاّ أغفر له إني قد غفرت له وأحبطت عملك) فإذا رأيت مسلماً ينظر بشفقة إلى كل أهل القبلة على إختلاف مذاهبهم وأفكارهم ويحسن الظن بهم ويفرح لفرحهم ويحزن لذنوبهم ويدعوهم إلى الله بالحسنى فاعلم أن هذا هو المسلم. إذا رأيت شخصاً يشير لهم بالبنان هذا مشرك وهذا مبتدع فاعلم أنه ممكور به فادعوا الله له بالسلامة واتركه على حاله. من حكمة الله تعالى في كل جيل أن يمتحن الناس ويقع بعض الملتزمين في هذه الفتنة.
سؤال: هل إذا مدح أحد الناس إنساناً غنياً فوجد في نفسه بعض الشعور فهل هذا كبرياء؟
إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، القضية هي هل أنت تترفع أن تسلم على فلان أو تحتقره؟ ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا. الغني الشاكر أحب إلى الله من الفقير الصابر، فالغني الشارك يتواضع مع الخلق ويعطي حق الفقراء. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن من عباد الله من يهديهم ويغنيهم ولا يبتليهم ويعافيهم فإذا ماتوا أدخلهم الجنة). وفي الحديث (إن المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم في الآخرة باب من الجنة فيقال له:هلم فيجيء بكربه وغمه فإذا جاءه أغلق دونه ثم يفتح له آخر فيقال: هلم هلم فيجيء بكربه وغمه فإذا جاء أُغلِق دونه فما يزال كذلك حتى أن أحدهم ليُفتح له الباب من أبواب الجنة فيقال له:هلم فما يأتيه من اليأس) فقط لأنه يستهزئ بالآخرين، يضحك على هذا. ولهذا جماعة الكوميديا عليهم أن يتجنبوا هذا بنية الهدف فلا شك أن بعض المسرحيات الكوميدية لها هدف تربوي هائل فإذا نوى أنه بهذا الإضحاك يمرر قضية أخلاقية يريد تثبيتها عن طريق النكتة أو السخرية أو ما شاكل ذلك فهو معذور.
إذا كان الشخص فظاً غليظاً يعتدي على الآخرين ولا يصلح إلا بالتكبر عليه فهذا يجوز لكن الأفضل أن تعفو عنه.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا مشت أمتي المطيطاء – مشية هي غالباً تكون للعساكر تدل على الخيلاء والكِبر وتكون بتمهل مع أرجحة اليدين للأمام والخلف – وخدمته فارس والروم سلط الله بعضهم على بعض) وهذا بدا في بداية العصر الأموي عندما أسقط المسلمون الفرس والروم وجميع العالم أصبح محكوماً للمسلمين وبدأت الفرس والروم تخدمهم وكان هنالك أمراء وملوك وتجار كانوا يمشون بهذا الهيلمان فسلّط الله بعضهم على بعض حتى تفانوا كما هو معروف في التاريخ.
يقول الله تعالى (قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ 78 يونس) هذه قضية قديمة فكل قوة غاشمة تتهم الضعيفة أنها هي المتكبرة (إرهاب، أسلحة دمار شامل وغيرها) فرعون المتكبر كان يتهم موسى u أنه هو المتكبر. وكل قوة غاشمة متكبرة تظلم الناس لابد أن تسقط سقوطاً بلا أي سبب لوجه الله عز وجل.
يذكر الله سبحانه وتعالى الإنسان دائماً بأصل خِلقته في كل موضع من مواضع الكِبر.
بُثّت الحلقة بتاريخ 7/7/2006م وطبعتها الأخت نوال من السعودية وتم تنقيحها