جنين – طفل– صبي – غلام – فتى – كهل -شيخ
وصلنا في هذه الحلقة إلى حرف الصاد والكلمة التي تصادفنا هي كلمة صبي. وصبي كلمة تدل على مرحلة من مراحل نمو الإنسان ولهذه الكلمة مرادفات في كتاب الله عز وجل تتسلسل من ساعة ما كان الإنسان من تراب حتى صار شيخاً وحتى مات ولن ندخل في تفاصيل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا 5 الحج). سنبدأ من كلمة طفل وقبل هذا من نطفة وعلقة ومضغة لن نمر بها لأنها قبل أن تنفخ فيه الروح. إذن فأول مراحل نمو الإنسان حيث صار إنساناً كلمة جنين يبدأ جنيناً ثم طفلاً ثم صبياً ثم غلاماً ثم فتى ثم كهلاً ثم شيخاً.
الجنين: (وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ 32 النجم) فما دام الإنسان في بطن أمه فإنه يسمى جنيناً. فالجنين إذن أول مرحلة من مراحل نمو الإنسان وهو أن يكون في بطن أمه لم يولد فهو جنين بغض النظر عما يقوله الأطباء وما يقوله الناس في مثل هذه المرحلة أو هذا الطور.
الطفل: هذا الجنين عندما يولد يصبح هذا الجنين طفلاً إلى خمسة عشر عاماً منذ أن يولد إلى أن يكون عمره خمسة عشر عاماً يسمى طفلاً كما قال تعالى (وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ 59 النور). إذن منذ ساعة الولادة إلى أن يكون عمر المولود خمسة عشر عاماً يسمى طفلاً.
الصبي: ولكن هذه الطفولة تمر بمرحلتين: الطفولة هي الفترة الواقعة بين الولادة وبين الحلم والحلم خمسة عشر عاماً. في المرحلة الأولى يسمى صبياً من ساعة الولادة إلى السنة السابعة (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا 29 مريم) فالصبي مرحلة من مراحل الطفولة عندما يكون المولود هذا من السنة الأولى إلى السنة السابعة يسمى صبياً.
الغلام: أما المرحلة الثانية فمن السابعة إلى الخامسة عشر يسمى غلاماً (وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ 80 الكهف) (وأما الجدار فكان لغلامين في المدينة) ( قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ 19 يوسف) سيدنا يوسف عندما ألقي في الجب كان في التاسعة أو في العاشرة ولهذا في الآية (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ 12 يوسف) فالرتع واللعب يكون في مرحلة الطفولة ولهذا يجب أن يفسح مجال للطفل من السنة الأولى إلى الخامسة عشر أن ينال قسطاً كافياً من اللعب والمرح وألا يقمع وألا يعامل وكأنه رجل كما يفعل بعض الناس ظناً منهم أن هذا أسلوب من أساليب التربية الجيدة وهذا خطأ. إنما يخلقون فيه كبتاً وعقداً تبقى معه إلى أن يموت فلا بد من إفساح المجال للطفولة من السنة الأولى إلى الخامسة عشرة وأن يتساهل معها ما لا يتساهل معه بعد ذلك.
الفتى: من الخامسة عشرة إلى الأربعين فتى ومثل ما يقول العرب منذ أن تبدأ لحيته في النمو وشاربه في الطرّ يسمى فتىً إلى الأربعين (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ 36 يوسف) ( قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا 62 الكهف) ( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى 13 الكهف) وكما يقول بعض المفسرون كانوا بين الثلاثين والأربعين.
الكهل: من الأربعين إلى الستين يسمى كهلاً (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً 46 آل عمران). فالكهولة من الأربعين إلى الستين مرحلة من مراحل نمو الإنسان.
الشيخ: من الستين إلى النهاية يسمى شيخاً (وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ 23 القصص) فمن بلغ الستين وما فوق سبعين، ثمانين، تسعين، مائة، يسمى شيخاً وتطلق كلمة شيخ على شيخ العلم وشيخ الحكم وشيخ العشيرة وهكذا. ولكن عندما تطلق في مراحل نمو الإنسان فالشيخ من الستين فما فوق كله يسمى شيخاً. وجاءت أحاديث على تكريم بعض الأعمار فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( أيّ مؤمن بلغ التسعين غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وشفّعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت له النار وسمي عتيق الرحمن في الأرض). فمن أكرمه الله عز وجل وكان من أهل القبلة وعاش تسعين عاماً فقد أصبح من أهل الجنة على ما كان منه ولهذا جاء في الحديث (خياركم من طال عمره وحسن عمله). والعكس صحيح، فالذنوب تكون عليه مضاعفة ففي الحديث (من الثلاثة الذين لا يكلمهم الله عز وجل ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم يوم القيامة حاكم ظالم وفقير مختال وشيخ زانٍ). إذا زنى المؤمن من الستين وما فوق فموقفه عظيم يوم القيامة. (ثم تكونوا شيوخا).
هذه هي منظومة مراحل نمو الإنسان جنين ثم طفل- بمرحلتي الطفولة الصبا والغلمة يعني صبي وغلام- ثم فتى ثم كهل ثم شيخ. وطبعاً هناك أسماء عربية أخرى لبعض المراحل مثل شاب وغيرها ولكنها لم ترد في القرآن الكريم.
قبل أن ندخل في فلسفة الأولاد وفي تربيتهم ربما لم ننتبه جيداً إلى هذه المكرمة العظيمة من الله عز وجل من حيث أن الله تبارك وتعالى قال (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ 27 النساء) والإرادة لها وجه واحد (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ 107 هود) بينما المشيئة لها وجهان: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ 39 الرعد). الإرادة جعل الله لها أسبابها وقد تحدثنا عن أسباب التوبة حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يدخل النار إلا شقي) بعد كل هذه المكفرات والمطهرات وأسباب الرحمة والرغبة برب العالمين سبحانه وتعالى والنفحات كيف يدخل العبد النار؟ ومن ضمن هذه الأمور التي وظفها الله عز وجل لأن يغفر الله لك ذنوبك: الأولاد برغم كونهم هبة الله عز وجل فهم هبة الله. والهبة غير الهدية فالهبة من دون مقابل وهي عادة عطايا الملوك الكرام، الأجلاء، أصحاب السخاء، يعطيك الملك مالاً، ضيعةً، بيتاً، هذه هبة لأنه لا يقتضي منك رداً. هو أغنى منك بكثير وأرفع منك بكثير فما بالك بهبة ملك الملوك؟! ولهذا صار قتل الإنسان جريمة عظمى يهتز لها عرش الرحمن ولهذا صار الإنسان أقدس من الكعبة (الإنسان المؤمن بنيان الله عز وجل فلعن الله من هدمه). هذه الهبة التي هي قرة عين .(هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ 74 الفرقان) وهم زينة هذه الدنيا (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا 46 الكهف) هؤلاء برغم ما فيهم من متع عظيمة جداً كما هو الحال فهم مطلب الإنسان وأمله ومبتغاه ودوام ذكره وعزه ومجده وأنسه بأولاده وأطفاله ولهذا من حُرِم (وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا 50 الشورى) هؤلاء الذين حرمهم الله هذه النعمة عند الله يوم القيامة لهم أجر عظيم فكونك عقيماً وصابراً أو كنت تتمنى أن يكون لك ولد ولم يحدث فأنت من ملوك الجنة (يموت وحاجته في صدره)، يعوضك الله يوم القيامة تعويضاً تحمد الله على أنه لم يعطك أولاداً لشدة ما سوف تعوّض. أما الذين أكرمهم الله بأن وهب لهم إناثاً أو ذكوراً أو زوجهم ذكراناً وإناثاً فتعالوا نعدد بعض فوائدهم الأخروية لآبائهم القليلة برغم فوائدهم الدنيوية:
الفوائد الأخروية: الأولاد نجاة. مثلاً قوله صلى الله عليه وسلم (إن من الذنوب ذنوباً لا يغفرها إلا الهمّ للعيال) وفي هذا الزمان صار الهمّ للعيال مأساة. الحياة كانت بسيطة في السابق يأكلون وجبة واحدة يلبسون ملبساً واحداً والابن كان رجاء أهله أمت في هذا الزمان المعقد انتشر الفساد والانحراف وانساق الناس وراء هذا الطوفان الغربي وما يسمى بالعولمة ففي الحديث الصحيح (لا تقوم الساعة حتى يكون الولد غيظ أبيه وأمه). وقد وصلنا إلى هذه المرحلة صار الآباء شقاؤهم من أبنائهم لأن أبنائهم صاروا ضحايا مجتمعاتهم وعصرهم. هذا العصر المتلاطم الذي ضاعت فيه كل القواعد والمقاييس والقيم والانضباطات، فالناس مرعوبة مما يحدث بعد ساعة وبعد يوم. أباؤك لا تعرف أين ذهبوا وماذا يفعلون فالأخطار على الأولاد من كل مكان كالذي يسبح في البحر وليس عنده شيء ينجيه. فالهمّ في هذا الزمان محّاءٌ للخطايا لخطايا الأبوين.
أيضاً من فوائد الأولاد مضاعفة العمل: كل إنسان عندما يموت ينقطع عمله إلا من كان له ابن صالح يدعو له بعد كل صلاة، في كل ساعة أنت تترقى في عالم البرزخ. فعالم البرزخ أشد من عالم الدنيا بملايين المرات وأعظم وأجل وأكرم وأكثر معرفة، معرفة هائلة (فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ 22 ق) وأنت في البرزخ ترى الدنيا كأنها ذبابة تعجب كيف كنت تحتملها؟ كيف كنت تخاصم الناس فيها؟ كيف كنت تنسى الله وأنت في هذه التفاهة التي اسمها الدنيا؟ هكذا البرزخ فهو عالم عظيم جداً. في البرزخ كل شخص له مقامه ومكانته وتتفاوت الدرجات فهو عالم يعيش فيه الإنسان بعد الموت ولكن ليس بجسمه الطيني ولكن بأجسام أثيرية فيكون العبد في مكان ما ثم ينقل إلى مكان أرقى وأرحب وأوسع وأغنى فيقول (يا ربي بما نلت هذا ولست في دار عمل؟ فتقول الملائكة: هذا باستغفار ولدك لك) فتأمل كم أن هذا الولد الصالح ينفعك في الآخرة. حفظ القرآن: ومن كان أحد أبنائه حفظ القرآن في حياته أو بعد موته يلبس الأب والأم تاجاً لا تقوم له الدنيا أي أن كل الدنيا لا تساوي هذا التاج الذي سوف يلبسه الأبوان وكل أهل الجنة ينظرون إليهما نظرة إعزاز وإكبار وتعظيم وإعجاب فيسألون الله (يا ربي بما نلنا هذا؟ فيقول عز وجل: بأخذ ولدكما للقرآن) ولهذا استظهار القرآن الكريم عبادة جليلة (إن الله لا يعذب جسداً هو وعاءٌ للقرآن) وكما في الحديث (أهل القرآن أهل الله وخاصته)، وحامل القرآن حامل لواء الإسلام وإن من إجلال الله عز وجل إكرام حامل القرآن فإذا رأيت مسلماً يحفظ القرآن فعليك باحترامه وإلا فإنك تهلك إذا أهنته أو اغتبته أو نممت عليه لأنه يحمل القرآن بين ضلوعه وهذا ميزة له.
شفاعة الأبناء: الآخرة درجات هائلة جداَ فآخر شخص يخرج من النار له بقدر الدنيا بعشر مرات تأمل كما قال تعالى (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا 20 الإنسان) إن كان الإبن صالحاً في الدنيا فإن الله عز وجل ينقل أباه معه بنفس درجته وإن لم يعمل مثل عمله إكراماً له (أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ 23 الرعد) من صلح من آبائهم لدخول الجنة أي أن يكون موحِّداً. شرطه فقط أن يكون موحداً وإلا لا فائدة لأن لا إله إلا الله هي مفتاح الجنة وحينئذٍ هذا الابن ربما يرفعك للفردوس الأعلى وأنت من أصحاب الدرجات السفلى لأنه ابنك ولأنك أبوه تنتقل إليه إكراماً له.
ومن ضمن فوائد الأولاد كفالة اليتيم كما قال صلى الله عليه وسلم (أنا وكافل اليتيم كهاتين) (وخير البيوت بيتُ فيه يتيم يكرم) حينئذٍ لولا وجود هذا الولد ما كنت تكسب هذا المكسب العظيم بأن الله يغفر لك ذنوبك إذا مسحت على رأس يتيم فتأمل كرم الله عز وجل.
ومن فوائد الأولاد امرأة مات زوجها أو طلّقها وهي شابة وتخطب ورفضت أن تتزوج لكي تربي أولادها وإكراماً لهم تدخل الجنة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال صلى الله عليه وسلم (أنا أول من يقعقع باب الجنة وأول من يدخلها فأرى نسوة يبتدرنني (أي يدخلن قبلي) فأقول: ما شأنكن قالوا: نحن نساء تأيّمنا فجلسنا على أولادنا).
ومن فوائدهم: تربية إبنتين وفي رواية بنت واحدة (من كانت له بنتان فأدبهما وأحسن تأديبهما إلا كُنّ له وجاءً من النار) رب العالمين سبحانه وتعالى لن يكسر بخاطر ابنتين ويترك أباهم في النار مهما عمل إلا إذا كان مشركاً. فما دام له ابنتان أكرمهما في الدنيا ولم يفضّل ولده الذكر عليهما ولم يتبرم بهما لم يشعرهما بأنهما عالة ولم يضربهما ولم يقتّر عليهما وإنما أكرمهما وأسعدهما إلا أسعداه يوم القيامة.
ومن أبتُليَ بابن معوّق هذا الابن المعوق سيرفع درجاتك لمجرد كونك صبرت على ابنك المعوق وداريته وخدمته وعطفت عليه فبرعايتك له تصبح ملكاً من ملوك الجنة لأن هذا المعوق نفسه أيضاً ملك من ملوك الجنة.
والأبناء امتدادٌ لذكر الإنسان (واجعل لي لسان ذكر في الآخرين) وكل الناس تريد لها ذكر وامتداد وهذا الابن يرث عنك المحامد. فعامل الوراثة عامل عظيم كأن تكون شاعراً أو أديباً أو سخيّاً أو عسكرياً بارعاً أو مخترعاً، فالأبناء يرثون هذا وقد يزيدون عليك أيضاً فحينئذٍ امتداد كفاءتك وقدراتك عن طريق هؤلاء الأولاد كما قال سيدنا زكريا (فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا 6 مريم) يرث العلم والنبوة والثقافة والمجد والخلق الحسن ونحن نعرف أن ابن البخيل بخيل وابن الكريم كريم وابن الشجاع شجاع في الغالب فالعامل الوراثي ثابت.
كذلك لو مات لك ولد وقلت الحمد لله رب العالمين (يقول من أين جئتم للملائكة وهو أعلم قادمة من فلان وقد أخذ ملك الموت فلذة كبده قال: ماذا قال عبدي قالوا: حمدك واسترجع قال: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد) إذن الخير كله في الذرية ولو أن فيها شراً (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ 14 التغابن) إذا كان هذا الابن قد طغى عليك وحبه ملك قلبك حتى صبرت على فجوره بل جعلك فاجراً مثله وهناك بعض الحالات الأبوان صالحان ولكن فساد الابن أو فساد البنت وشدة حبّ الأبوين له أو لها جعل الأبوين يصبران على فجوره وعلى فسقه ولم يردعاه ولم يعذباه وهما يحاسبان (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) ورُبَّ رجل صالح هلك بفساد ابنه لأنه لم يحسن تربيته.
طبعاً هذا جزء يسير جداً من فوائد الأبناء ولهذا إن وهب الله لك أولاداً فهذه بعض فوائدهم وإن لم يهب لك وجعلك عقيماً فاعلم أن الله إدخر لك يوم القيامة من الخير ما يتمنى آباء الأولاد لو أن الله حرمهم من الأولاد.
حقوق الأولاد:
هؤلاء الأولاد أصحاب الخير العظيم عليك لهم حقوق: أول حقوقهم أن تحسن اختيار أمهم، فإذا اخترت الأم العفيفة الشريفة النظيفة لا عليها أن تكون جاهلة أو فقيرة، هندية، عربية، سوداء، مادامت عفيفة، شريفة، نظيفة، فما من شيء أقبح في هذه الدنيا من خيانة المرأة لزوجها فإذا وقاها الله وهذا من طبع هذه الأمة فليس على وجه الأرض اليوم أمة يتزوج الرجل فيها فتاة فيجدها عذراء إلا هذه الأمة وقس على هذا من فضائلها ومحامدها وهذه هي التزكية التي دعا الله بها إبراهيم لهذه الأمة (وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ 129 البقرة) فرب العالمين قدّم التزكية على التعليم في قوله (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ 146 آل عمران) فيزكيهم أولاً ويعلمهم الكتاب ثانياً فهم زاكون لمجرد انتمائهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا هي هذه الأمة إذن فالخيانة فيها قلة قليلة بحيث لا تكاد تذكر. إذن أول شيء أن تحسن اختيار أمهم وأن تدعو الله سبحانه تعالى بهم (رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً 38 آل عمران) وأن تحسن اسمه، يسأل العبد أباه يوم القيامة عن أمه واسمه وعلمه، فلا ينبغي أن تختار أماً لأولادك فقط لأنك عشقتها فتزوجتها رغم سمعتها السيئة وأنت تعلم بأن أولادك سوف يعانون من هذه الأم نظراً لأن مجتمعاتنا في هذا الباب في غاية القسوة لأنها مجتمعات فاضلة وهذه الفضيلة أصبحت كأنها عقدة الناس يحتاطون لها احتياطاً أكثر مما ينبغي بمائة مرة فلا بد من التناغم والتماهي مع ذلك.
ومن حقوق الأولاد أيضاً كما قال الأنبياء والصالحون (قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ 15 الأحقاف) الدعوة للذرية من أعظم وأجدى أنواع وأسباب صلاح الذرية لأنك تكل الأمر لربك عز وجل وهذا لا يعني أن تتخلى ولكن تأخذ بالأسباب وتكثر من الدعاء بصلاح الذرية ولابد أن تصادف ساعة استجابة لهؤلاء الذرية.
ومن ضمن حقوقهم العقيقة ثم تبدأ بالتعليم فلا تصرفهم للعمل لكسب المال فهذا لا يجوز فمن حق الأبناء على آبائهم أن يبدءوا بهم في التعليم. جاء رجل إلى سيدنا عمر رضي الله عنه وقال: إن ابني يعقني فأرسل سيدنا عمر على هذا الابن العاق لأبيه وقال له: يا بني مالك تعق أباك قال: يا أمير المؤمنين اسأله أولاً لماذا أنا أعقه فقال الابن: يا أمير المؤمنين هذا الرجل اختار لي أماً أَمَة ولهذا الناس يعاملونني معاملة متدنية لأن أمي أمة والحرائر كثيرات فلم يحسن اختيار أمي وسماني جُعل- من أسماء الخنفساء- فكلما ناداني أحد يا جُعل الناس يضحكون ثم هو لم يعلمني شيئاً من القرآن ولا من العلم، منذ الصغر أخذني إلى العمل لكي أنفق عليه، فسيدنا عمر قال للرجل: قُم لقد عققته قبل أن يعقك. إذن من حق الأبناء على الآباء الأم والاسم والعلم.
ومن حق الأبناء أيضاً أن ينفق الرجل عليهم من طوله فعليه أن يملأ عيونهم كما في الحديث (يا رسول الله الدينار أضعه في سبيل الله والدينار أضعه في يد مسكين والدينار أضعه في فيه عيالي أيها أفضل عند الله؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم:الدينار في فيه عيالك) فالنفقة على العيال أعظم أجراً من أي إنفاق آخر لا زكاة ولا صدقة ولا هبة أفضل من الإنفاق على العيال فيجب أن تغنيهم وتكفهم وتملأ عيونهم حتى يصبحوا متوازنين. طبعاً دور الأم أساسي فالأم في القرآن الكريم لها دور عظيم كدور سيدتنا أم موسى عله السلام (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ 7 القصص) أي دور هذا؟! أي صبر هذا؟! صبرت على أن تلقي ابنها في البحر، بلغ من عظمتها أن الله أوحى لها إيحاء الفكرة أو الخاطرة كانت خواطرها من الله عز وجل وكأنها وحيٌ. والخواطر نوع من أنواع الوحي فدور الأم عظيم في المهمات، في الأفراح، في الأتراح، في الأحزان، عند استقامة الطفل أو انحرافه، دور الأم أساسي ولهذا الجنة تحت أقدام الأمهات. ولكي يكون دورها أساسياً ينبغي من زوجها أن يعرف قدرها إذا كان لها قدر وكانت امرأة لم ترتكب خيانة أبداً عليه أن يرفع من شأنها وأن يرفع معنوياتها لكي تقوم بدور عظيم متميز وليس مجرد حضانة بائسة أو تلقائية ليس فيها دورٌ هائل من التربية وإثراء العواطف وإملاء الطفل بكل ما يحتاجه.
ومن حقوق الطفل على أهله الإرضاع الطبيعي وإن كان الشائع الآن الإرضاع الصناعي. والإرضاع الطبيعي أساساً من أسس صلاح هذا الطفل، وكل امرأة تمتنع عن إرضاع طفلها مع قدرتها على ذلك إنما ترتكب خطيئة عظيمة. وفوائد الإرضاع الطبيعي لا حصر لها فرضعةٌ طبيعية واحدة تساوي من حيث أثرها ونفعها للطفل إرضاع شهر كامل من الحليب الصناعي وخاصة الرضعة الأولى الصمغية التي لها فوائد كثيرة. كثير من النساء كُنَّ يجهلن فوائدها ويلقينها. أيضاً طريقة حمل الأم لطفلها عند الإرضاع أساسية لانتماء هذا الطفل لأمه. ولهذا رُبَّ طفل لا يشعر بانتمائه لأمه لأنها لم ترضعه. ويجب على الأم أن تحتضن الطفل ساعة الإرضاع وتداعبه وتمسح على خده كل هذا ينطبع في ذهن الطفل وتربي نفسه وتذهب عنه القلق. إذا رأيت طفلاً في العاشرة أو الثامنة أو الثانية عشرة قلق، سريع، خائف، فهذا دليل على أن أمه لم ترضعه الرضاعة المطلوبة ولم يجد الأمن والدفء والحنان والراحة في يديها عندما كانت ترضعه فبقي قلقاً. ولهذا فالمرأة التي تمتنع عن إرضاع طفلها إنما ترتكب جرماً عظيماً. وكما اختصم أحد الأشخاص مع زوجته على الحضانة عند أبو بكر فقال له أبو بكر الصديق رضي الله عنه: دعه لها فإن مَسَّها ومسحها وريحها خيرٌ له من المسك عندك. فهذا الطفل رائحة أمه ضرورة من ضروريات استقامة حياته. التربية جهاد فلن تقوم نفس حتى تهلك نفس. وهذا المجد العظيم للأبوين ليس من فراغ ولكن من الجهد المبذول منهما. ولهذا رب العالمين جعل كل الجنة تحت أقدام الأمهات لأن الأم تقوم بدورها من حيث وضعته كرهاً وحملته كرهاً، قامت بالذي عليها وبقي الأب عليه أن يفنى وأن يشقى وأن ينصب وأن يتعب ويعاني في سبيل تربية أبنائه وتنشئتهم. والطفل في مراحله الأولى أي على الخامسة عشرة لا ينتبه إلى المواعظ والإرشادات بقدر ما ينتبه إلى تطبيقات أبيه ووالديه. فالطفل في البداية مقلِّدٌ لأبويه فعلى الوالدين أن يحسنوا استغلال هذه الخصيصة من خصائص الإنسان من حيث أنه في المراحل الأولى يقلد ويطبق أكثر من أن يستمع إلى المواعظ والنصائح. من أجل هذا هناك مقاطع مهمة جداً تؤثر تأثيراً كاملاً في سلوكه من ضمنها إذا ذهب الأب إلى المساجد فليذهب ابنه معه ولو فقط ليراها. فالمطلوب من الآباء أن يصطحبوا أبناءهم إلى الأماكن أو الأعمال التي تترك في نفوسهم أثراً تربوياً طيباً كتقديم الهدايا للأرحام، زيارة المريض، حضور ندوات ومحاضرات، الذهاب للمسجد، فهذه الصور تبقى في عقل الطفل لا تُمحى حتى لو في بعض مراحل حياته ابتعد قليلاً فسوف يعود لأن بدايته مضيئة. من أشرقت بدايته أشرقت نهايته. ومن الضروري للبنات أن تعلمها أمها حرفة كالخياطة أو الطهي فمثل هذه الأمور تكمل شخصية البنت فلا ينبغي أن تغترّ الفتاة بالتعليم الأكاديمي فقط. ومن المطلوب من الآباء أنه إذا ذكر الله عز وجل أو صلى أو قرأ القرآن أو قال شيء جميلاً أن يُسمِع أولاده من غير أن يشعرهم أنه يريد إسماعهم، فإذا سمع الأولاد هذا الكلام باستمرار يتعلمون هذا بشكل جيد جداً ولا ينسونه.
الانتماء للأمة لغة فالأمم في كتاب الله عز وجل وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم هي ليست عرقاً وإنما لغة (إنما العربية اللسان) المسلم الذي لا يحسن اللغة العربية يبقى إسلامه مهزوزاً ولهذا منذ أن انقطعت العربية عن المسلمين في البلاد غير العربية ظهرت ظاهرة الرِدّة. هناك مرتدّون بالملايين في إفريقيا وفي آسيا بينما عند العرب لا يرتدون إلا نادراً واحد بالمائة لأن كونك تتكلم العربية بطلاقة وبإتقان، تتذوق القرآن الكريم وتشعر بأنك تنتمي لهذه الأمة. عندما لا تتكلم اللغة العربية يبقى انتمائك لهذا الدين منبتاً. من أجل هذا على كل أب ومن واجبه كما يقول الإمام المودوي والندوي وغيرهما تعليم ابنه اللغة العربية لأنه ضرورة وواجب ديني. فمن واجب الأب أن يعلِّم أولاده في مرحلة الطفولة على خمسة عشرة سنة مجموعة كبيرة من الشعر العربي الفصيح الجميل الأمثال العربية العادات العربية القيم العربية الإسلامية من حيث الكرم والشجاعة وحب الجار وإكرام الرحم واحترام الكبير. ففي المرحلة الأولى يكون غرسها سهل وعظيم ونافع وبدون هذه اللغة العربية ليس هناك شيء اسمه إسلام بالمعنى الذي يكون ثابتاً راسخاً وهذا هو السبب لعدم انتشار الردة بين العرب. من واجبات الأهل أن يوطدوا علاقاتهم بعائلات لديهم أطفال ممن يؤتمنون على دينهم وعلى قيمهم وعلى أخلاقهم، فالطفل لا يأنس إلا بالطفل واختلاطه بالأطفال يؤثر في نفسيته وحسن نشأته وعدم انغلاقه. ويجب الانتباه تماماً لأصدقاء الطفل وحتى وإن تعدى الخامسة عشرة ولكن دون التدخل اليومي في كل شيء، فيجب أن يعطى الطفل فرصة أن يتصرف، أن يصحح أخطائه بنفسه وأنت تراقب من بعيد وتصحح بشكل غير مباشر إلا إذا رأيت خللاً. ولابد أن تعطي الطفل شخصيته كما قال سيدنا علي كرّم الله وجه (لا يكون الأب أباً إلا إذا كان مع أولاده طفلاً حتى إذا التمسوه وجدوه رجلا). فالتربية بحاجة إلى أن تحني ظهرك لأولادك الذين هم أغلى شيء في هذه الدنيا. من المهم في التربية هو تعويد الأبناء على أن يأكلوا ما هو موجود وألا يتذمر مما يقدم له من طعام وتعليمه بأن ذلك يغضب الله وأن النبي r كان يكتفي بالتمر وتمر عليه الأيام من غير طعام غير قطعة خبز، إلى أن يتعود على أن يرضى بنعمة الله الموجودة وإلا صار الجشع من سماته. وتعويد الأولاد على عدم السهر بل ينام في وقت محدد ليستيقظ ويصلي الصبح إذا كان قد تجاوز السابعة وعلينا أن نعرف أنه من الخطأ والخطر جداً أن ينام الطفل في مكان مظلم فمعظم عقد الخوف أساسها أن الطفل عندما نام في الظلام تهيأت له أنواع الرؤى والخيالات وأصيب بعقدة الخوف والكل يعلم أن عقدة الخوف إذا زُرِعت فمن الصعب جداً أن تمحى. وأيضاً من المهم جداً للأم أن تذكر مفاخر أب الأطفال وأجداده من كرم وشجاعة ومواقف معينة لأن هذا التراث عندما يسمعه الطفل وينشأ عليه تربي فيه ثقة بالنفس واعتزازاً وشعوراً بالشموخ يبني شخصيته بناء إيجابياً ومن القتل المعنوي أن تُظهِر الأم مخازي ونقائص ومثالب أبيه وجدِّه، ولكن من واجبات التربية أن ينشأ الطفل يعتز بعائلته وبأسرته لما غرست أمه من فضائل حتى وإن ضخّمت بعض الفضائل والمحامد. وينبغي الانتباه في اختيار المدرسة الأجنبية فيجب أن تخلو هذه المدرسة من السلبيات التي تكون على حساب كونك من أمة معينة ومن دين معين ولذلك ينبغي على أولياء الأمور أن يتأكدوا أن هذه المدرسة الأجنبية بقدر ما فيها من ميزات لا تطغى على تقاليد هذا الولد ولا دينه ولا أصله ولا تحتقر تراثه بحيث تجعله لا منتمياً. وبعض الأولاد الآن وهذا أصبح ظاهرة ينشأون لا يحترمون أمتهم نهائياً لأنه تعلم على يد هؤلاء الأجانب أن الأمة العربية الإسلامية ليس فيها أي ميزة وأنها كلها مخازي، ووالله وبدون تحيز ما من أمة أعظم ولا أكثر حضارة من هذه الأمة وإن تخلفت الآن اقتصادياً أو سياسياً أو اجتماعياً أو صناعياً. ومن المهم أيضاً أن تعلم الأولاد قصص الأنبياء وقصص آدم وموسى وعيسى لكي ينشأ على قواسم مشتركة بين جميع العالم. علِّموا أولادكم أن يحبوا الناس جميعاً على اختلاف أديانهم وألوانهم وجنسياتهم. الحب أولاً فهذه هي حضارة الإسلام وهذا سمت الدين الإسلامي لا يفرق بين إنسان وإنسان ولا دين ولا دين ولا لون ولا عرق ولا طائفة فإذا أحب هذا الطفل كل الناس لا بد أن يصبح فاضلاً ولكي يكون فاضلاً لابد أن ترفع من قلبه احتقار أي الناس أو أي أمة أو أي شعب أو أي دين كما يفعل الآخرون حيث ملأوا الدنيا بغضاء واحتقاراً حتى بين المسلمين أنفسهم طائفة مع طائفة ومذهب مع مذهب وهذا هو الهلاك يوم القيامة، وإنما المحبة هي المحبة ومن أحب الناس جميعاً أحبه الله عز وجل.
بُثّت الحلقة بتاريخ 30/6/2006م وطبعتها الأخت نوال من السعودية وتم تنقيحها