العجز – الضعف – الوهن – الوهي – الفتور – الكسل – التثاقل
منظومتنا القرآنية الجديدة في هذه الحلقة إن شاء الله هي منظومة العجز والتي تنطلق بقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما رأى أبا أمامة الباهلي في المسجد حزيناً مهموماً فعلّمه أن يقول (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال).
العجز هذه الآفة التي استعاذ منها رسول الله صلى الله عليه وسلم لها مترادفات في كتاب الله عز وجل يظن أنها متوحدة المعنى وواحدة في المقصود ولكن هذا ليس من شأن الكتاب العزيز فما من كلمتين تتشابهان مطلقاً. الكلمات التي هي من فصيلة العجز مع أن كل كلمة تختلف عن الأخرى بزاوية من زوايا الصورة هي: العجز والضعف والوهن والوهي والفتور والكسل والتثاقل. سنعرف الآن كم دقة القرآن الكريم في لغته كما قال تعالى (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴿122﴾ النساء) وهذا هو الإعجاز اللغوي إلى ضمن قائمة الإعجاز في الجوانب الأخرى.
العجز: ضده القدرة (يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي (31) المائدة) باختصار دقيق جداً عدم القدرة على تحقيق الإرادة مطلقاً فعندما نقول فلان عاجز، فلان ضعيف، فلان واهن، فلان واهي، تظن أنها واحدة وهذا خطأ. فالعجز أنك لا تستطيع أن تحقق القدرة مطلقاً. أولاً لدينا مشيئة ولدينا إرادة: المشيئة إعلان الإرادة ولكن قد لا تفعلها (لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا (31) الرعد) رب العالمين يعلن قدرته على أنه لو أراد لهدى الناس جميعاً إعلان القدرة يسمى مشيئة لكن الله ما فعل، ما شاء الله أن يهدي الناس جميعاً ولو شاء لفعل. إذن المشيئة إعلان القدرة أني أنا أستطيع أن أفعل الشيء الفلاني سواء كان فعلته أو لم أفعله ولذلك قال (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ (39) الرعد) فالمشيئة تتغير يشاء الله ثم لا يشاء لكنه قادر في الحالتين. الإرادة تطبيق القدرة فعلياً (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴿107﴾ هود) (وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴿117﴾ البقرة) هذا الفرق. فإذا كنت لا تستطيع، ليس لك القدرة على تحقيق وتطبيق إرادتك بشكل مطلق فأنت عاجز. فالعجز أنك أنت لا تملك القدرة لتحقيق إرادتك بشكل مطلق يسمى عجزاً وإذا كان بشكل نسبي يسمى ضعفاً. العجز ضد القدرة والضعف ضد القوة أنا لدي قوة لكنها ضعيفة لا تقوى على إتمام الإرادة. ونرى هذا في نص الآية العجيبة ففي البداية قال (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ (65) الأنفال) هكذا أراد الله رب العالمين ثم قال (وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ (66) الأنفال) ففي البداية إذا التقى المسلمون بغيرهم إذا كان واحد أمام عشرين عليه أن يصبر لأنه هو كفؤ للعشرين ولكن في قوله (وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا) أي أن هناك نقص نسبي بالقوة وليس بالقدرة. حينئذٍ جعلها واحد أمام اثنين (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) فهذا الفرق بين فلان عاجز وفلان ضعيف. فلان عاجز مطلقاً ليس له أي قدرة أما الضعف فهناك ضعف في القوة نسبي هذا هو الفرق.
الوهن: نحن قلنا العجز ضد القدرة والضعف ضد القوة والوهن ضد الصلابة فهنالك شخص صلب، شخص مقاتل، مهما انكشف الناس ومهما تخلوا عنه الأقران كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (من الذين يضحك الله لهم رجلُ انسحب أقرانه وانكشفوا لشدة ضغط العدو وبقي وحده صبر لله فيقول الله عز وجل للملأ الأعلى: انظروا إلى عبدي صبر لي بنفسه ولو شاء لهرب) فليس عليه شيء فالضغط شديد إذن هذه صلابة. عكس الصلابة هو الوهن والله عز وجل امتدح بعض السرايا الإسلامية فقال (فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا (146) آل عمران) وعندنا في اللغة الشيء لا يعطف على نفسه. إذن الضعف غير الوهن ولو كان الضعف هو نفسه الوهن ما عطف الله أحدهم على الآخر. فالوهن ضد الصلابة (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ (104) النساء) طبعاً ضعف الوهن بعد قوة، كأن تكون أنت مقاتل فالمطلوب أن تكون في مستوى عالي من القوة وإذا بها نقصت يقال وهن (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ (14) لقمان) بعد أن كانت هذه الأم قوية بهذا الحمل أثقلت الحامل وأصبحت في غاية التعب ثم هذا الطفل يأخذ أسنانه من أسنانها وعظامه من عظامها وكل شيء فيه يأخذه من أمه فبعد أن كانت قوية صارت واهنة فالوهن إذن ضد الصلابة.
الوهي: ضد الشدة (وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ ﴿16﴾ الحاقة) الوهي ضد الشدة والوهن ضد الصلابة فالحبل ليس صلباً لكنه لين وشديد لا ينقطع وهذا الثوب ليس صلباً ولكنه شديد لا ينشق بسهولة فإذا مر عليه الزمن وأصبح يتمزق بسهولة يسمى واهي فالوهي ضد الشدة كما أن الوهن ضد الصلابة (وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ) بعد هذا التماسك العظيم تتساقط قطعاً قطعاً.
الفتور: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ﴿20﴾ الأنبياء) رب العالمين يمتدح الملائكة بهذا أنهم لا يفترون نهائياً ولا لحظة واحدة فليس هنالك فترة. الفترة بين شيئين (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ (19)المائدة) المدة التي بين رسول ورسول تسمى فترة. هذه الفترة نوع من الفتور فليس هناك نشاط سماوي بإرسال الرسل فهناك فترة، هناك سكون. فالفتور ضد الحِدّة كأن يقوم شخص بعمله في منتهى الحدة فإذا به يفتر كما في الحديث (لكل عمل شرة ولكل شرة فترة) فكل عمل يكون في البداية فيه نشاط يسمى شرة وكل شرة لا بد أن تكون فيه فترة فهذه الفترة كما نصحنا النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون إلى خير لا تكون إلى إدبار. إذن الفتور ضد الحدة سكون بعد حدة فالفتور أيضاً نوع من أنواع العجز ويكون الفتور لتعب في الأعضاء، تعب في البنية، فالبنية ضعفت فأصبح لديك فترة. ونرى الدقة في الفرق بين الكسل والفتور فالفتور لضعف في البنية وتعب، أما الكسل فتعب في الهمة هِمّتك ضعفت. فالضعف إذا كان في البنية يسمى فتوراً وإذا كان الضعف في الهمة يسمى كسلاً
التثاقل: إذا كان الضعف بسبب الكراهية يسمى تثاقلاً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ (38) التوبة) كراهية الذهاب لأن لديكم شيء أهم من بساتين وأراضي فيقول المولى عز وجل (أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ (38) التوبة) أي انشغلتم بالدنيا حينئذٍ رب العالمين سبحانه وتعالى سمى هذا تثاقلاً (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) أي أنك أصبح لديك نوع من العجز بسبب كراهيتك للفعل رغم أنه فعل عظيم وكريم لكن بسبب نظرك القاصر غلبت مالك وأهلك والحياة على الشهادة في سبيل الله. ونلاحظ الدقة بين هذه المنظومة ككل منظومة ذكرناها الكلمات القرآنية كل كلمة منها ترسم زاوية من الصورة لا ترسمها الكلمة الأخرى. هذه هي اللغة المعجزة على وجه الأرض وهي بالإجماع وبلا منازع سيدة لغات الأرض ولو أن أهلها في هذا الزمان عقوها كثيراً نظراً لأنهم أمة مغلوبة والأمة الغالبة تنفض حضارتها ولغتها على الأمم المغلوبة وهذا الذي يجري اليوم وهذا منطق التاريخ ولا ينبغي أن تغضب هكذا هي دورة الزمن. فلاحظ الدقة العجيبة بين كل كلمة وكلمة: العجز ضده القدرة والضعف ضده القوة والوهن ضده الصلابة والوهي ضده الشدة والفتور ضده الحدة والكسل ضده النشاط والتثاقل ضده الخفة. إذن بهذا المقابل، الكلمة وضدها تفهم أن لكل كلمة زاوية ترسمها في المعنى لا ترسمها الكلمة الأخرى. وما من مخلوق على وجه الأرض يمكن أن يستمر في هذه الدقة اللغوية على مدى ثلاث وعشرين سنة هي مدة نزول القرآن بهذا الإبداع المتواصل ولو كان القرآن ليس من عند الله ومن كلام بشر، هذا البشر قد يتعب، قد يمرض، قد يهرم، قد يسأم، وبالتالي لابد أن تجد فيه اختلاف كما قال تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴿82﴾ النساء) هكذا هي لغة القرآن الكريم التي علينا أن نعرف أين وجه الإعجاز فيه؟ فالقرآن معجز فهنالك إعجاز طبي يعرفه الأطباء وإعجاز نفسي وعلمي والخ ولكن أعظمها وأدلها دلالة هو الإعجاز اللغوي. فرب العالمين خاطب به العرب في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وفي عصر النبي صلى الله عليه وسلم نضجت اللغة العربية حتى صارت قمة في النضج ثم بدأت تتقهقر، بدأت تبنى وتبنى منذ نشأتها إلى أن جاء النبي صلى الله عليه وسلم وقد اكتمل نضجها فأصبح العرب أمة ما من أمة تحسن استعمال حرفها كهذه الأمة. فهؤلاء رب العالمين قال لهم (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ (23) البقرة) ولكن لا شيء فهذا الإعجاز لمن يعرف اللغة يقول هذا كلام لا يفعله إلا رب العالمين.
هكذا هي مسالة العجز وكلمة الباب هي كلمة الضعف فنحن الآن في باب الضاد والحلقة الماضية تكلمنا عن كلمة الضد والآن كلمة الضعف فكلمتنا كلمة الضعف. نتكلم عن الضعف من خلال آيتين، والكلام في الضعف في القرآن الكريم كلام طويل عن ضعف الجيوش وضعف الأمة وضعف الإنسان وضعف الهمم فالضعف في القرآن فلسفة ولهذا رب العالمين سبحانه وتعالى تكلم عن الضعيف والقوي بأن الضعف هو من كان على خلاف الحق والقوي من كان على الحق فأنت مع الحق حتى لو قطعت رأسك فأنت القوي ودعك من قوة المال وقوة الحكم فهذا كله زائل والباقي والخالد والنظيف والكريم هو أن تكون مع الحق حتى لو قطعت رأسك (المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف). وكما قال سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله تعالى عنه (الضعيف منكم عندي قوي حتى آخذ الحق له والقوي منكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه) إذن مدار هذه الأمة على الحق فنظرية الحق في هذا الدين عظيمة وما من أمة صادقة في أنها تعرف الحق وتطبقه إلا هذه الأمة. لا أمم متحدة الكذابة ولا حضارة غربية فكلها أكاذيب وأراجيف وحيل فما من مسلم إلا ويعترف بخطئه وأنه مع الباطل ويعترف بأنك على الحق. فالحق عندنا واضح وضوح الشمس وأعظم أنواع الحق عندنا لا إله إلا الله، هذا التوحيد الخالص الذي لا تشوبه شائبة في توحيد الخالق عز وجل وما من أمة على وجه الأرض من آدم إلى أن تقوم الساعة توحد الله بنفس النصاعة والفصاحة والقوة التي يوحد المسلمون بها الله. وقد أفسدوا كل شيء في حياتهم إلا أنهم لا يزالون يوحدون الله منذ أن جاء الإسلام إلى هذا اليوم لم يختلفوا فيه ولا شعرة واحدة وكفى بذلك ميزة. والعجيب أن نحن نستمد قوتنا من الضعفاء كما قال صلى الله عليه وسلم (إنما تنصرون بضعفائكم) فالضعيف مع الحق كما قال صلى الله عليه وسلم (رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب ذو طمرين لو أقسم على الله لأبره) (لولا صغار رضع وكبار ركع وشيوخ رتع وبهائم.رتع.لصب عليكم العذاب صباً).
ضعف الشيطان وضعف الإنسان:
نتكلم عن آيتين باختصار شديد: آية تقول (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴿76﴾ النساء) رغم كل ما يفعله في الإنسان ويوسوس له منذ عهد سيدنا آدم عليه السلام إلى يومنا هذا. وهذا الإنسان الذي عمل كل هذه الحضارة الذي استخلفه الله في الأرض استعمره فيه وأسجد الله له الملائكة هذا الذي أقام كل شيء يكفي أنه أقام الكهرباء والإنترنت والطائرات – ولو أن هذا إنسان لسنا من مثله – فاز به الغربيون وتخلفنا وشعرنا بالضعة أمام هذا الإعجاز الإنساني الذي وهبه الله لعباده ولكنهم من البشر على كل حال ونحن نشترك وإياهم في أننا من أب واحد من آدم- ولو أنني أعتقد أنهم لا يعتبروننا نحن من بني آدم بل من شيء آخر فكما هو تعاملهم مع المسلمين لكن الواقع أننا من أب واحد وأم واحدة – كيف استطاع هذا الإنسان العظيم الجبار الذي فعل كل هذا والذي أنشأه الله في الأرض واستعمره وقال يا بني آدم اعمروا هذه الأرض وهكذا عمروها. انظروا ما حولكم أي عمارة هذه وأي إبداع هذا؟! هذا الإنسان الذي غلب الطيور وغلب الهواء وقهره بالطائرات وغلب الحيتان في البحر واخترع الغواصات وكلنا نعرف ماذا فعل هذا الإنسان وماذا سيفعل ويقول العلماء أنه لا يزال في حدود 5% من قدراته. فكل هذا الذي فعله الإنسان لا يزال في حدود 5% من قدراته فماذا لو استعمل 10من قدراته؟ 20؟ 30؟ فماذا سيفعل إذن هذا المخلوق الجبار؟ ورب العالمين يقول (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴿4﴾ التين) ومع هذا كله (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴿28﴾ النساء) أين وجوه ضعف الإنسان؟ هذا الشيطان الذي غرر كثيراً من الناس (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ (27) الأعراف) يصعد إلى السماء وينزل بثواني مخلوق موجي في ثانية، يصل إلى نيويورك، إلى موسكو، يدخل عليك من تحت الباب، فليس هنالك شيء يمنعه وهذا الشيطان الله يقول عنه (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) نلقي بعض الضوء على هذه الآية. أين ضعف الشيطان؟ أولاً ما معنى الكيد؟ كثير من الناس يأخذ الكيد كأنه شتيمة والكيد ليس شتيمة فالكيد ميزة الله سبحانه وتعالى يقول(كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ (76) يوسف) رب العالمين يقول أنا كدت ليوسف، ويقول (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ﴿15﴾ وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴿16﴾ الطارق) فالكيد مدح (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴿28﴾ يوسف) وكثيراً ما تستخدم هذه الكلمة لشتم النساء رغم أنها مدح وميزة فالكيد هو دقة التدبير. إذا كان هنالك شخص لديه هدف والهدف صعب ولكن رسم خطة دقيقة جداً لا تخطر على بال عدوه أو غريمه أو منافسه خطة في غاية الذكاء ملتوية غامضة ولكن توصل إلى الهدف بالضبط تسمى كيداً. (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ) فرب العالمين كاد ليوسف لأنه أراد أن يكون ملك على مصر فجعل أباه يحبه وأخوته تخلصوا منه ورموه في البئر كل هذا الظاهر أنه هالك فكل خطوات يوسف عليه السلام أنه هالك فهذا تدبير ما يخطر ببال بشر. هذا التدبير استمر فأصبح عبداً في مصر ثم راودته وهو في بيتها وكان سيقتل ثم رمي في السجن، كل هذه المصائب كانت مهلكة ولكن أخيراً كل هذه المصائب توصله إلى كرسي الملك، إلى أن يكون هذا الشخص العظيم في مصر ثم بعد كل هذا يعلن أخوته (قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا (91) يوسف) هذا كيد رب العالمين. والشيطان له كيد رهيب جعل واحداً صديقاً صدّيق موسى عليه السلام اسمه بلعم ابن باعوراء وقد كان صديقاً (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ (69) النساء) هذا الصِدّيق ظل الشيطان يوسوس له ويقول أنت تعطي الناس فتاوى وتعلمهم- فعلم موسى كله عنده- فلا بأس أن تقبل منهم الهدايا فأنت تتعب (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴿175﴾ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ (176) الأعراف) ورغم هذا كله كيد الشيطان ضعيف. كيف يكون كيده ضعيفاً؟ على حسب فهمنا القاصر نقول أن كيد الشيطان ضعيف لأنه بدون نهاية بدون أن يثمر شيئاً. فأنت قمت بخطة كاملة أن تقتل فلان فحشدت جيوشاً وناساً على طريقه وسم في الطعام فلم تترك شيئاً مهلكاً إلا قمت به وبشكل معجز ورغم هذا كله خرج هذا الشخص سالماً معافى، فكل هذا لم يفد فيه فتعبهم كله ضعيف. الشيطان يسول ويوسوس والوسوسة ناعمة، فالوسوسة في اللغة صوت الذهب، امرأة عندها حلي كيلوات، أكداس، فعندما تقلبها صوت الذهب بغاية الرقة فعندما تقلب المرأة حليها تشعر بنشوة لجمال صوت الذهب غير صوت الحديد وصوت التنك وصوت الشينكو فهو صوت في غاية الجمال، غناء. هكذا إبليس عندما يوسوس لشخص ما فيبدأ بتبريريات وحجج فهو مصمم على إيقاعه ويقع بعدش هر أو اثنين أو ثلاثة. فإبليس عنده جيوش في كل الأرض فهو يوسوس للعالم وللصالح وللأمير والحاكم والملك والقائد حتى يوقعه بعد تعب. فالإنسان في الغالب يكون فاضلاً عندما يكون في مستوى علم أو سياسة أو سلطة أو مال وطبعاً يظل إبليس يوسوس لهذا الرجل شهر، شهرين، ثلاثة، سنة إلى أن يقع ووقع فيفرح إبليس ويقيم حفلة ويكرّم هذا الشيطان الذي أوقع الشخص في المعصية ويلبسه تاجاً وبعد هذا كله انتبه هذا الذي وقع وقال “استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم” من قلبه غفر له كل شيء فما كأن إبليس تعب حتى في حديث يقول أنه يحثو التراب على رأسه. وفي حديث عرفة: النبي صلى الله عليه وسلم في عرفة استغفر لأمته وقال: اللهم اغفر لأمتي، وظل طوال النهار بحجة الوداع في عرفة وهو يدعو الله أن يغفر لأمته وعندما أراد أن ينفر من عرفة جاءه جبريل وقال: يا محمد ربك يقول غفرت لأمتك إلا للظالم منهم، فلم يكن في تلك العشية إلا ذا، فقط هذا الذي حصل أن رب العالمين وعد محمد صلى الله عليه وسلم أن يغفر لأمته- وأمته المصلون هذه قاعدة فليس كونك مسلماً فقط ولكن يجب أن تكون من المصلين فهناك مسلمون مفصولون ليس منا ليس من أمتي: من غشنا ليس منا، تارك الصلاة ليس منا، القاتل ليس منا، هؤلاء كلهم مفصولون ولكي تكون من أمته أنت مسلم تصلي ولم ترتكب دماً كما في الحديث (ما يزال المؤمن بخير ما لم يصب دماً حراماً) فإذا أصبت دماً حراماً تصبح مفصولاً وكل التبشيرات من محمد صلى الله عليه وسلم (من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفر له) أنت مستثنى منها فأولاً يجب أن تصلي ولم تصب دماً حراماً وما عدا هذين رب العالمين قال أغفر لهم إلا الظالم. سواء كان حاكماً، قاضياً، معلماً ظلم طالباً، ضابطاً ظلم جندياً، أباً ظلم ابنه كل ظالم- ففي مزدلفة النبي صلى الله عليه وسلم ضحك ضحكة واضحة ابتسم ابتسامة حتى بانت نواجذه فهاب الصحابة أن يسألوه فقالوا لأبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم ضحك فما الذي يضحكه أنت اذهب واسأله فذهب أبوبكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله أنت ضحكت الآن وهاب أصحابك أن يسألوك كلفوني أن أسألك فما الذي أضحكك؟ فقال له:وأنا في عرفة دعوت الله أن يغفر لأمتي فبالليل جاءني جبريل وقال غفر الله لأمتك إلا للظالم منهم، فلم يكن في تلك العشية إلا ذا، فلما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى مزدلفة ظل يدعو الله للظالم ويرضي المظلوم عنه، ففي الأخير جاء جبريل وقال: قد غفر الله للظالم من أمتك وأرضى المظلوم عنه ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: رأيت إبليس يحثو التراب على رأسه فكنت أضحك مما أرى من صنيعه). وحتى لا يكون التباس: الظالم هنا تظالم الأقران كالذي قد يحدث بين شريك وشريكه، زوج وزوجة، جار وجاره، وبين الأخوين، أما تظالم الأعلى: حاكم يظلم شعبه بالقتل كما نعرف أن هناك حكاماً أساموا شعوبهم خسفاً وإفقارا وذلاً أو قاضي يحكم بالباطل مع علمه أن هذا باطل إما أن يكون مرتشياً أو ما شاكل ذلك. فالظالم كل من له سلطة على واحد ويظلمه كالأمير حتى ولو على عشرة حتى لو عريف في الشرطة تحت إمرته عشرة فهؤلاء مصيبتهم كبيرة، أما غير ذلك فما عليك إلا أن تستغفر كما في الحديث (لا يدخل النار إلا شقي) والآية صريحة وواضحة (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿135﴾ آل عمران) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (ما أصر من استغفر ولو عاد سبعين مرة) فبعد كل هذا كيف تدخل النار؟ لا يدخلها إلا شقي.
نحن نعرف أن الشيطان سيطرته على جوارحك أما قلبك لا. فبالتالي الأحاديث والنصوص تقول إذا كنت وأنت تذنب ذكرت الله عز وجل فإن الله لا يكتبها لك كما في الحديث كما رواه مسلم (إن العبد ليعصيني فيذكرني على المعصية لا يستغفرني فأغفر له) فلو أخذنا مثالاً شخصان يشربان الخمر الأول يشرب ولا في باله أحد ولا الله ومسترسل في المعصية، والثاني يشرب وقلبه يؤنبه ويعاتبه بأنه كيف يفعل هذا ورب العالمين ينظر إليه؟! وأنه عاصي فهناك تأنيب فهذا يغفر له. إذن فالقلب مع الله عز وجل فالندم توبة. عن أبي ذر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الصحيح رواه مسلم (يا عبادي كلكم مذنب إلا من عافيت فاستغفروني اغفر لكم ومن استغفرني وهو يعلم أني ذو قدرة على أن أغفر له غفرت له ولا أبالي)، وفي حديث رواه البخاري: (علم عبدي أن له رباً يغفر الذنوب قد غفرت لعبدي). عن أنس رضي الله عنه في الحديث (يا ابن آدم ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم إستغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة) ماذا بعد هذا؟ أين كيد إبليس إذن؟ ( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) إذن ما عليك إلا أن ترجع إلى من هو أقوى من إبليس وهو رب العالمين بأي نوع من أنواع اللجوء: بندم، بتذكر، باستغفار، بدمعة، بركعتين. وفي حديث عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال إبليس:وعزتك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال الرب عز وجل: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني) إذن أين كيده؟ عن أم عصمت رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من مسلم يعمل ذنباً إلا وقف الملك ثلاث ساعات- الذي يكتب السيئات- فإن استغفر من ذنبه لم يكتبه عليه ولم يعذبه الله به يوم القيامة) ولهذا أي مؤمن مع الله عز وجل مهما كان خطاءً ليس ملحداً ولا مستهزأً ولا مصراً يذنب ذنباً إلا بعد دقائق يستغفر ويندم. عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما من عبدٍ يذنب ذنباً فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له، ثم قرأ هذه الآية (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ). عن بلال بن يسار حدثني أبي عن جدي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان فر من الزحف) قال الحاكم: صحيح إلا أنه قال: يقولها ثلاثاً. وبالتالي من يعجز أن يقول استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه؟ وأحاديث من هذا الباب في فضل الاستغفار وفضل التوبة وفضل الندم والدمعة، وما من مسلم يخلو من هذا، حينئذٍ أين كيد الشيطان إذن؟ ( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا). من هنا تبدو خسارة هذا الذي يمضي فيه كيد الشيطان. هذا الذي يصر على ما يفعل، يرتكب ذنباً عظيماً ولا يفكر في أن يتوب منه حتى يموت، ولو تاب قبل أن يموت بيوم لقبل الله توبته. إذن كيد الشيطان ضعيف جداً على قلة قليلة من الناس الذي يموت مصراً على ذنبه.
سؤال: ما معنى اللمم في قوله تعالى (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ (32) النجم)؟
في التفاسير عند القرطبي وغيره أن اللمم هو كل مقدمات الزنا ما عدا ارتكاب الفاحشة (ولوج الذكر في فرج المرأة) والتفسير الذي أميل إليه هو أن اللمم هو أنك تلم بالذنب مرة.
إن تغفر اللهم فاغفر جماً وأي عبدٍ لك ما ألمّا
اللمم أنك ترتكب الذنب مرة فكلنا نرتكب الذنوب لكن فرق بين أن ترتكب الذنب وتستمر وتصر وأن ترتكبه ثم تستغفر الله سبحانه وتعالى. ففلان ألم بفلان أي رآه مرة هكذا تقول اللغة وأنا أميل إلى هذا التفسير وغيره من التفاسير معتبر. وعظمة هذا الدين أن فيه سِعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما استنكر سيدنا أبو بكر الصديق أن يكون هناك مغنية أومغنيتان أمام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “دعهما يا أبا بكرٍ إنه يوم عيد لكي تعلم يهود أن في ديننا سعة، إن في ديننا سعة” فهذا الدين في حدود حد أدنى وحد أعلى وهذا الغرض من المذاهب. ما هي المذاهب؟ هم علماء أجلاء اتفقت الأمة على قبولهم ومنهم الشافعي ومالك أحمد وجعفر الصادق والباقر والكاظم برغم ما شوهت أفكارهم ولكنهم من أعلام الأمة كل واحد منهم له رأي لأنه هو عالم جليل مجتهد قال رأياً فكل هذه الآراء صحيحة وأنت اختار لك واحد حسب مصلحتك بالشكل الذي يحل مشكلتك فهذه المذاهب بدائل وليس اختلافاً، فهذا بديل وهذا بديل بالضبط هذا معنى الحد الأعلى والحد الأدنى. إذن اللمم كما ذكره بعض الفقهاء هو الضمة والقبلة وكل شيء ما عدا دخول الذكر في الفرج وكل المقدمات ويدل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العين تزني وإن الرِجل تزني وإن اليد تزني والفرج يصدِّق ذلك أو يكذِّبه) فهذه المقدمات إن استغفرت منها من دون أن تزني تغفر لك وإذا زنيت كلها تحسب عليك. فاللمم عندما تمتنع عن الجريمة الكبرى رب العالمين لامتناعك هذا يغفر لك المقدمات وهي اللمم وهذا رأي.
قال النبي صلى الله عليه وسلم (من سرّه أن يرى صحيفته يوم القيامة فليكثر من الاستغفار)، وقال صلى الله عليه وسلم: (داؤكم الذنوب ودواؤكم الاستغفار) وحينئذٍ هذه هي الإنابة إلى الله عز وجل من قلبك والشرط الأساسي أنك ما تصر ولا تعود وقد تذنب ذنباً آخر وأنت تطمئن إذا صحت توبتك وندمك أنت تشعر بالراحة. ورب العالمين كما تعلم له فعل ورد فعل: الفعل خلقك ورزقك وخلق السموات والأرض والخ، ورد الفعل (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (152) البقرة) (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ (76) التوبة) (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ (7) محمد) فأنت إذا أذنبت واستغفرت فرب العالمين رد فعله أن يغفر لك لأنك تطلب كريماً.
هذا موجز شديد لضعف كيد الشيطان. وها قد عرفتم كم هو ضعيف، وبالتالي ليس الشيطان قوياً إلا على ضعفاء هذه الأمة بل هو قوي على المشركين قاطبة (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ (24) النمل) هذا مطلق قوة الشيطان على الكافرين مطلقة فالذي يموت ولا يؤمن إن لهذا الكون خالقاً، أن هذا الكون ما جاء عن عبث، فمنهم الشيوعي والملحد والعلماني والوجودي فهذا كيف يعيش 40 50 60 سنة وما يفكر يوماً في هذا الكون؟! (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ ﴿6﴾ يونس) فالعقل المجرد يوصلك إلى التوحيد، إلى أن للكون خالقاً. هذا المنكر إبليس راكبه ركوب لكن المؤمن لا (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴿83﴾ ص) وكل موحد لله عز وجل توحيداً صادقاً يمحص لا إله إلا الله تمحيصاً كاملاً مصدقاً بها قلبه هو من عباد الله المخلصين. وهنالك كثير من عباد الله قدموا خدمات للعالم أحسن من مليون مسلم وكل هذه الخدمات العظيمة من كهرباء وتجهيزات طبية وغيرها لا قيمة لها إذا كان الذي فعلها لا يؤمن بأن الله واحد فلا قيمة لها. (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ (7) آل عمران) العلماء علماء الكون إذا فسروا هذا الكون بتفسير عظيم بشرط أن يكون من منطلق إيماني (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ (7) آل عمران) أصحاب الفيزياء والكيمياء والطب والفضاء على شرط أن يعمل من منطلق أن الله واحد. فالشرط الأساسي لكي يقبل أي عمل إنساني أن تعلم بأن الله واحد وبدون هذا لا قيمة لك حينئذٍ كل موحد لله هو من عباد الله المخلصين ولا يستقيم معه الشيطان. فأنت ارتكبت ما تشاء من الذنوب فإذا صحت منك التوبة واستغفرت الله وقمت بأعمال حسنة لكي تمحو سيئاتك (وأتبع السيئة الحسنة تمحها) انتهى الأمر على شرط أن تكون من أهل لا إله إلا الله فبدونها لا قيمة لاستغفارك ولا صلاتك ولا صومك ولا عملك ولا أي شيء إذاً كيد الشيطان على المؤمن ضعيف وكيد الكافر في غاية القوة.
أما ضعف الإنسان (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) فقد يكون الضعف في البدن (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً (54) الروم) نطفة ثم طفولة الخ، ومن ضعف البدن أنه يغلبه النوم، يغلبه الخوف، يقعده عن العمل، يتخاذل مصيبة تمرضه، هذا الإنسان الذي بعقله عمل كل هذه الحضارة بجرثومة صغيرة، بقرصة، بلسعة يتورم، ومن ضعف البدن أن يموت في النهاية فلو عشت 100 سنة ستموت في نهاية الأمر لكن لو كان عندك صورة لك قد تبقى 400 500 سنة بل حتى ألف سنة تبقى من الآثار فحتى الورقة أقوى منك. ومن ضعف البدن أن له فضلات في غاية البشاعة والنتانة حتى أن فضلات الحيوانات أزكى من فضلات الإنسان ففضلات الطيور تستخدم كسماد وتنفع الزراعة وكلنا نعرف كم أن هذا البدن ضعيف. والضعف قد يكون في النفس فإما أن يكون جباناً أو بخيلاً أو مجرماً أو فاجراً أو شكاكاً أو غضوباً (ليس الشديد بالصُرعة إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب) فالإنسان ضعيف فبالغضب ينسى كل شيء، يكفر، ويشتم ويطلّق. وكم من أصحاب نفوذ في ساعة غضب دمروا الدنيا دمروها كلها، ففرعون كان مصيبته أنه غضب (قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ (123) الأعراف) فكيف تكسروا كلامي فأغرق الدولة كلها وكان يمكن أن يتأنى قليلاً. والضعف في الهمة والضعف في العقل كأن يكون مجنوناً أو أحمقاً أو غبياً أو جاهلاً والجاهل هو الذي يرى الحقيقة ثم ينكرها (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا (25) الأنعام) وما أكثرهم في كل العصور حتى بين المتعلمين والمثقفين فكيف شخص يعبد بقرة وهو أعظم علامة وهكذا. يقول سعيد بن المسيب (أضعف ما يكون الرجل في أهل بيته) وهذا ضعف محمود ومن الضعف المحمود أن تكون ضعيف أمام العالم أمام الأطفال أمام الضيف أمام الفقير أمام الأبوين وهذا الضعف ليس معيباً كضعف الحال من العجز والقهر والكسل.
بُثّت الحلقة بتاريخ 1/9/2006م وطبعتها الأخت نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها