الحروف في القرآن الكريم, حرف الطاء

حرف الطاء – منظومة الإمساك (طاعة)

اسلاميات

 

منظومة الإمساك

الإمساك – الصوم – الصبر – العفّة – الحِلم – الطاعة – الأمانة – البُخل – الصِدق

كنا في حرف الصاد وكلمة الصوم هي التالية في هذه المنظومة والصوم كلمة من كلمات الإمساك الإمساك: والإمساك هو منع الشيء من الوقوع بقوة، كأن يقوم شخص في أي يوم ليس من أيام رمضان بالامتناع عن الأكل لغرض التخسيس فهو لا يأكل ولكن ربما يأكل شيئاً قليلاً فمنه منع الطعام ولكن ليس منعاً بقوة بينما في الصوم منع بقوة فهو لا يأكل مطلقاً. هكذا كل فعل ممنوع، إذا كنت ربما يقع منك، لا يسمى إمساكاً فالإمساك أن تمنع ذلك الفعل الممنوع أو المرذول أو السيئ تمنعه بقوة بحيث ما يقع منك ولا مرة واحدة يسمى إمساكاً (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ (65) الحج) رب العالمين يمنع السماء أن تقع على الأرض بشكل مطلق بقوة وهكذا كل إمساك (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ (37) الأحزاب) إياك أن توقع فعل الطلاق فعدم إيقاع فعل الطلاق إمساك عن الطلاق ولكنه إمساك بقوة وهكذا كل شيء. لكن في لغة العرب هذه اللغة المقدسة التي ما من لغةٍ غيرها ممكن أن تحمل المطلق الإلهي والفهم النسبي، هذه اللغة العجيبة لكل نوع من أنواع الإمساك كلمة اصطلاحية تفرقها عن بقية الكلمات فمثلاً:

الصوم: الإمساك عن الشهوات يسمى صوماً، كل من يمنع وقوع الجماع أو الطعام أو الشراب في هذا اليوم منعاً قوياً مطلقاً يسمى صائماً (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ (183) البقرة) . السيدة مريم عندما نوت نية أنها لن تتكلم في هذا اليوم ولا كلمة واحدة سمى هذا المنع للكلام بقوة شديدة سماه صياماً (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴿26﴾ مريم) وفعلاً ما تكلم ولا مرة واحدة يسمى هذا إمساكاً، فالصوم يُطلق على كل فعل ممنوع تمنع وقوعه منعاً مطلقاً يسمى إمساكاً هذا الإمساك لكل نوع منه مصطلح: فالإمساك عن الطعام والشراب وشهوة الكلام يسمى صوماً.

الصبر: ومن أصابته مصيبة يشتهي أن يشكو ولكن إذا منع هذه الشكوى وأمسك عن الشكوى فلا يشكو مطلقاً يسمى صبراً (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴿17﴾ لقمان) لو شكوت مرة واحدة لا تسمى صابراً فالصابر هو الذي لم يعهد منه شكوى ولا مرة واحدة فالامساك عن الشكوى بقوة ربما أشكو لصديق أو قريب مرة لكن الصابر كما هو عروة الصابر لم يشكو ولا مرة واحدة على شدة ما أصابه من بلاء لا يمكن احتماله وكذلك صبر أيوب عليه السلام سبعون عاماً وهو صابر.

العفّة: الصبر عن اللذات المحرمة يسمى عِفّة: مال حرام، عفة الفرج (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا (33) النور) مثال ذلك رجل ليس متزوج وإذا بامرأة تراوده كما فعلت امرأة العزيز مع سيدنا يوسف عليه السلام فسيدنا يوسف امتنع امتناعاً مطلقاً فهنالك امتناع جزئي، قد يقبل، قد يعاشر، ولكن قد لا يزني وقد يزني مرة في العمر فهذا عفيف نسبي فلا يسمى عفيفاً إلا إذا امتنع امتناعاً مطلقاً (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ (33) النور) والعفة عن المال الممنوع (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ (6) النساء) فالعفة عفة اليد، عفة اللسان عن الكلام البذيء ما جُرِّب عليك أنك تكلمت كلاماً بذيئاً ولا مرة واحدة يقال هذا عفيف، وعفة النفس من التطلع إلى ما في أيدي الآخرين من مال وما شاكل ذلك وهكذا، وعفة الفرج. فالعفة إذن إمساك عن اللذات بقوة.

الحِلم: الإمساك عن الغضب كلنا قد نغضب ولكن لا نرتب على هذا الغضب شيئاً ولكن هذا ليس مطلقاً إنما نسبياً ومرات عديدة ولو مرة واحدة قد تكون غضبت وفقدت أعصابك وشتمت وخرجت عن طورك ففي يوم من الأيام استبد بك الغضب حتى نسيت نفسك وفعلت ما تخجل منه بعد ذلك لكن الذي لم يغضب ولا مرة أي أنه أمسك بقوة عن الغضب يسمى حليماً (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ﴿75﴾ هود) فالحليم هو الذي لم يغضب ولا مرة واحدة، (وبشرناه بغلام حليم) (وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴿225﴾البقرة) ومن حلم الله عز وجل أنه (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ (45) فاطر) لو أن الله يعاقب كل من يسيء ما بقي على وجه الأرض إنسان يمشي فما من إنسان إلا ويخطئ في حق الله عز وجل وكل ابن آدم خطاء.

الطاعة: الإمساك عن العصيان لكن بقوة يسمى طاعة أنت جندي في جيش قد تخالف يوماً ويعاقبونك لكن هناك جندي منذ ساعة انتسابه إلى الخدمة العسكرية إلى ساعة سُرِّح من الخدمة وهو لم يخالف أبداً ولا مرة واحدة هذه طاعة (ويقولون طاعة معروفة) ولهذا إن من عباد الله من لا يعصون وهم الأنبياء المرسلون لأنهم معصومون.

الأمانة: الإمساك عن الخيانة بقوة يسمى أمانة ومن منا من لم يخن يوماً سواء بعينه، بماله، فمرة في حياته مثلاً طمع في مال، طمع في منصب، في الوظيفة، أو في أموال الدولة، وهكذا ففي يوم من الأيام خان خيانة في مال أو عرض أو نظر (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴿19﴾ غافر) إذا كان هذا الإنسان أمسك عن الخيانة بقوة حتى لم يخن ولا مرة واحدة يسمى أميناً ولهذا جاء في الحديث (لا تقوم الساعة حتى ترفع الأمانة حتى يقال إن في بني فلانٍ أميناً) فتصبح الأمانة عملة نادرة بين الناس وهذا هو الذي نراه في هذا العصر الذي نحن فيه فكلنا نخون بطريقة ما قبائل وأمم وطوائف وأحزاب تخون وطنها، تخون الأموال، تخون الأعراض، تخون الرفاق، تخون الأصحاب، يخون الجار، فالخيانة الآن ضاربة أطنابها في العالم كله تحت عدة عناوين وحينئذٍ إذا كان هناك من لم يخن يوماً يسمى أميناً، (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿75﴾ آل عمران) رب العالمين يشهد أن بعض أهل الكتاب وهم قلة إذا ائتمنته على جبل من ذهب يؤده إليك ومنهم من إذا ائتمنته بدينار لا يؤده إليك لأنهم يقولون أن خيانة المسلمون غير مهمة وهذا الذي يجري الآن في العالم أن المسلمين مستباحون من هؤلاء الغربيين أهل الكتاب استباحة مطلقة (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) فالمسلم غير مهم يوجب خيانتهم.

البُخل: الإمساك عن الإنفاق بقوة يسمى بخلاً ونحن جميعنا لدينا بخل نسبي ولكن البخيل المطلق الذي لا ينفق ولا درهم يسمى بخيلاً. يسمى بخلاً لأنه إمساك بقوة وهكذا قس على ذلك.

الصدق: الإمساك عن الكذب فلا يقع منك ولا مرة واحدة تسمى صادقاً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴿119﴾ التوبة).

عرفنا الآن أن الإمساك هو الامتناع عن الشيء الرديء بقوة فإذا كان امتناعك بقوة يسمى إمساكاً. وهذا الإمساك لكل إمساك منه مصطلح إما أن يكون صوماً أو عفة أو حلماً أو طاعة أو أمانة أو بخلاً أو صدقاً أو ما شاكل ذلك. فالصوم إذن نوع من أنواع الإمساك بقوة وهو أنك من الفجر إلى مغرب الشمس لا شهوة فرج ولا شهوة بطن ولا الخ ولا حتى قطرة ماء أو لقمة صغيرة وهذا بعكس الذي يمتنع عن الطعام بغرض التخسيس لأنه قد يأكل أكلاً قليلاً ويشرب لكن الإمساك مطلقاً وبقوة ولهذا سمي الصوم إمساكاً وسمي الإمساك عن الطعام والشراب والجماع سمي صوماً.

هذه هي المنظومة ولهذا رب العالمين سبحانه وتعالى يتكلم عن الصوم بعجائب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فالصوم هذا عبادة مشتركة عند جميع أهل الأديان فما من نبي مرسل إلا وجاء لقومه بعبادة من هذه العبادات. ولهذا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فعلامة التقوى أن تمنع شهوتك وشهيتك من أجل الله عز وجل وسنتحدث بعد قليل عن فلسفة الصوم وكيف أن الله عز وجل اختص بهذه العبادة لنفسه ولم يختص عبادة غيرها لنفسه إلا هذه العبادة. ولهذا لا يمكن للعقل البشري أن يعلم مضاعفات الصوم. نحن نعرف أن الأعمال الصالحة منها ما هو بحسنة واحدة ومنها ما هو بعشر حسنات (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) وهكذا معظم العبادات وهناك حسنة بثمانية عشر وهو الدين أو القرض عندما تقرض إنساناً بلا فوائد وهناك حديث (مكتوب على باب الجنة الحسنة بعشر أمثالها والدين بثمانية عشر) وهناك حسنات بخمس وعشرون كصلاة المسجد وهناك حسنات بخمسين ضعف كالصلاة في الأرض القي كأن تكون في الصحراء في أرض ليس فيها بناء وحكمك وقت صلاة فنزلت وصليت فهذه الصلاة بهذا الوضع بخمسين ضعفاً وهناك حسنات بسبعمائة وهو كل جهد وعبادة في وقت الحصار أو يكون هناك عدو على بلادك وأنت مستنفر، في عهد الرباط، أو أثناء الدفاع عن وطنك وعن دينك وأنت في حالة قتال كما هو الحال مع الدول الغربية كلها التي تتهم الإسلام بالعنف، كلها لم تسلم من استعمار العالم الإسلامي كله استعماراً همجياً كالذي يجري في العراق من تمزيق للبلد وأهله وحضارته وثقافته وبث الطائفية والعنصرية والقتل بشكل همجي لا يمكن للعقل أن يتصوره برغم سكوت الإعلام العالمي كله مكرهاً على ما يجري في العراق من وحشية ومن همجية سيسجلها التاريخ يوماً وصمة عار في جبين أصحابها. وهناك حسنات لا يعلم مضاعفاتها إلا الله عز وجل فليس في وسع العقل البشري بقوانين الدنيا أن يتصور مضاعفة ذلك العمل الذي يحبه الله عز وجل وهو الصوم. فكل عبد من عباد الله من أصحاب الديانات المختلفة إذا كان في ديانته عبادة الصوم – وفي كل ديانة عبادة الصوم – فإن الصوم اختصه الله عز وجل كما قال تعالى في الحديث القدسي (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) أي إنك لا تعرف كم مضاعفات هذا العمل ولكي تعرف قيمة الصوم كل إنسان يوم القيامة له ديوان حسنات وديوان سيئات وديوان مظالم. ديوان الحسنات كل أعمالك الصالحة وديوان السيئات كل معاصيك مع الله عز وجل من ترك صلاة وترك صوم وكذب والخ وهذا الديوان هو حقوق الله عليك أما ديوان المظالم فهو حقوق الناس عليك فرب العالمين عندما يغفر يغفر حقوقه يغفر لك إذا يوم لم تصلي أو لم تصم الخ لكن ديوان المظالم هو حقوق الناس عليك: ضربت هذا، ظلمت هذا، قتلت هذا، سرقت مال هذا، اغتبت، هذا احتللت بلد هذا، استعمرت هذا، كذبت على هذا، كما نسمع كل يوم هذه لا يغفرها الله عز وجل إلا إذا غفرها أصحاب الحقوق. فأصحاب الحقوق عندما يكون الحساب يوم القيامة ورب العالمين يجلس لفصل القضاء بين عباده يا ربي هذا قتل ابني، هذا سرق مالي، هذا انتهك عرضي، هذا اغتابني، فيقول الله تعالى له خذ من ديوان حسناته وحينئذٍ في الغالب إن الذين يستمرئون ظلم الآخرين لا تبقى عندهم حسنات مطلقاً لا صوم ولا صلاة ولا حج ولا زكاة أبداً فلا يبقى لديه شيء نهائياً وهو هالك لا محالة. الشيء الوحيد الذي يبقى عندك هو الصوم فالصوم غير داخل في هذه المعادلة فيبقى لك في حسناتك ولا تستوي عليه المظالم بل إن الله عز وجل يُرضي عنك المظلوم ويبقى الصوم لك في معادلة نجاتك أو عدم نجاتك في تلك الساعة الحرجة. إذن (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) فإن الصوم لله عز وجل فلا تناله معادلة المظالم فلا يذهب ولا يُمحق ولا يستولى عليه بل يبقى في حسابك، في رصيدك، ولو أن جميع حسناتك وجميع رصيدك منها قد ذهبت لأصحاب المظالم لأن تلك الحسنات محددة ومعروفة المضاعفات بينما الصوم مطلق وليس في وسع العقل أن يتصور مضاعفاته فقد يتخطى المليار والتريليون وأكثر. حينئذٍ هكذا هو الصوم إذن وهذه قدسيته.

رب العالمين له اختيارات (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ (68) القصص) خلق البقاع كلها واختار منها المساجد وقال هذه بيوتي (في بيوت أذن الله أن ترفع) ، خلق الجبال كلها واختار جبلين الطور وعرفة، خلق البشر واختار منهم الأنبياء والرسل (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ (75) الحج), خلق المدن واختار بيت المقدس ومكة، وهكذا فرب العالمين خلق الأيام واختار منها عرفة وليلة القدر، وخلق الشهور (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ (36) التوبة) واختار منها رمضان فهذا الشهر العجيب يقول فيه (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ (185) البقرة) هدى للناس ونحن لدينا ناس وعالمين ومؤمنين. الصيام هنا في رمضان على المسلمين فقط فكان من المفروض أن يقول هدى للمؤمنين أو المتقين كما قال في آية أخرى (الم ﴿1﴾ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴿2﴾ البقرة). لماذا الكتاب هدىً للمتقين والقرآن هدىً للناس؟ ونحن قلنا ولا نزال نقول بأنه ليس في القرآن مترادف فالكتاب غير القرآن غير الذكر غير المصحف لأن ليس في القرآن مترادف ونحن في كل حلقة نبرهن على هذا بشكل مطلق أنه ما من كلمتين تتشابهان. الكتاب هو أحكام الدين. واليهود والنصارى يسمون أهل الكتاب لأن كتابهم مجرد تعليمات كما هو نصف القرآن الكريم الصلاة خمس أوقات، الزكاة كذا، الحج كذا، أي تعليمات عبادات. وبما أن كتب التوراة والإنجيل اعتمدت على هذا سمي الكتاب كتاباً كما أن القرآن جزء كبير منه يتعلق بهذا سمي ذلك الكتاب، والكتاب هذا خاص بالمسلمين واليهود والنصارى ليسوا مشمولين بذلك فلا تأتي عند يهودي أو نصراني وتقول له لماذا لا تصلي خمس أوقات؟ أو لماذا لا تحج للكعبة؟ فهو لديه صلاته الخاصة ويحج لبيت المقدس إذن هذا الكتاب خاص بتعليمات المسلمين ولذلك قال (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ). القرآن هو النصف الآخر المتعلق بالتعامل الإنساني المطلق الذي لا يختلف فيه إنسان عن إنسان، لا فرق بين مسلم ومسيحي ويهودي وبوذي ووثني فالكل فيه سواء، كيف تتعامل مع الآخر؟ هذا الآخر سواء كان مسلماً أو غير مسلم لا فرق (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (58) النساء) يأتيك خصمان سواء كان أحدهما مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً أو وثنياً أو شيوعياً أو ملحداً أنت لا فرق عندك في أنه ينبغي أن تحقق لهم العدالة حينئذٍ هذا التعامل مع الناس وما ينبغي على جميع الناس أن يدركوه من وحدانية الله عز وجل لا فرق بين إنسان وإنسان لا مسيحي ولا مسلم ولا يهودي ولا وثني (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴿25﴾ الأنبياء) هذه قضية لا تتعلق بالمسلمين فعلى كل إنسان عاقل من بني آدم أن يعلم أن الله واحد. فالقرآن إذن اختص بسوق الدلالات على أن الله واحد في الكون والحياة والزروع والإنسان والأحياء كل ما في الكون من آيات أن الله واحد لا شريك له هذه تكون في القرآن وليس في الكتاب وهذا خطاب لكل الناس (هُدًى لِلنَّاسِ). وكل التعامل مع الآخر بالمساواة جاء في القرآن فلاحظ الدقة في قوله (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) لا فرق بين المسلم وغيره وهذا قرآن وليس كتاباً (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (46) العنكبوت) (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً (7) الممتحنة) (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿8﴾ الممتحنة) غاية العدل (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴿190﴾ البقرة) (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ (61) الأنفال) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً (208) البقرة) (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا (32) المائدة) أي نفس كانت. وهكذا كل هذا السيل العبقري العظيم الأخلاقي الرائع الذي يساوي بين البشرية (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴿285﴾ البقرة) (قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) البقرة) جميع الأنبياء أي عظمة هذه أي تفوق هذا أي إنسانية حقيقية يتمتع بها المسلم عقيدةً لا يستطيع أن يخرج عنها لحظة. هكذا هو هذا الدين يعلم أفراده وأتباعه بأنهم جزء من العالم: فأول آية في كتاب الله (الحمد لله رب العالمين) رب العالمين وليس رب المسلمين وحدهم وآخر سورة (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴿1﴾ مَلِكِ النَّاسِ ﴿2﴾ إِلَهِ النَّاسِ ﴿3﴾) وليس إله المسلمين فقط وما بين هذه وهذه من آيات الوحدة الإنسانية وآيات الرحمة لكل عدو وكما قال تعالى (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴿34﴾ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴿35﴾ فصلت) هذا هو الإسلام هذا هو القرآن. إذن فالقرآن هو التعامل مع الآخر بهذه الروعة العظيمة التي يُتَّهم الإسلام اليوم بأنه إرهابي والمسلمون بأنهم إرهابيون واستمرأ الغربيون الطعن والحقد الرخيص والعنصرية القذرة على هذه الأمة حتى تكالبوا عليها وتنادوا عليها في كل ديارهم. حينئذٍ هذه هي بضاعتنا وهذه هي حضارتنا فأرونا حضارتكم في كل الدول التي استعمرتموها وخربتم حضارتها واقتصادها ونظامها وبثثتم فيها العنصرية والطائفية والإرهاب وكل القاذورات ثم تقولون بأنها ديمقراطية وحرية وتحرير وأي فرق بين هذا وذاك. إذن القرآن هو كيف تتعامل مع الغير ورب العالمين نبهنا إلى هذا في رمضان (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ) ولذلك إن الفضل الذي يحتويه رمضان كله منوط بحسن تعاملك مع الآخر، فلا يمكن أن يحسب لك كل هذا الخير أنك في رمضان تخرج من ذنوبك كيوم ولدتك أمك ويضاف على رصيدك من الحسنات في كل عام رصيد 83 سنة كل هذا بشروط من ضمنها أن يكون تعاملك مع الآخر في هذا الشهر عظيماً بحيث ما من أحدٍ له مظلمة عليك إلا وتردها إليه. إذا صح تعاملك مع الآخر فأنت في رمضان تنقي قلبك كاملاً بلا حقد ولا حسد ولا بغضاء لأي إنسانٍ على وجه الأرض إلا إنسان قد ظلمك وأخذ ديارك واحتل بلدك وانتهك عرضك وسرق مالك هذا حقد مشروع. وحتى هذا لابد أن يكون بقدر ما تأخذ حقك (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) إذن إذا كنت تريد أن تغنم حسنات هذا الرمضان العجيبة وهي من نفحات الله عز وجل والنفحات لا قانون لها (إن لله نفحات فتعرضوا لنفحات الله) ورمضان من النفحات فعليك أن تدفع ثمن ذلك من شروط القبول في هذا الشهر العظيم.

سؤال من أحد المشاهدين: الرسول صلى اله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلني ولا نبي بعده والقرآن خاتم الكتب السماوية فما فلسفة نزول سيدنا عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة؟

سيدنا عيسى عندما ينزل كما هو عقيدة المسلمون وغيرهم مع اختلاف في التفاصيل إنما يحكم بالشريعة الخاتمة، يحكم بالقرآن الكريم ويحكم بالإسلام الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ويصلي وراء إمامهم – وهو المهدي – ولا يحكم بالإسلام الذي اخترعناه نحن وهو إسلامات الطائفية والمذهبية والفئوية التي أشقت الناس ونحن نسمع ما يجري في العراق من هذه الإبادة بعضهم لبعض وكلهم يقولون لا إله إلا الله، هذه التجربة كما يقول أصحابها سيعممونها على كل بلد إسلامي وهذا الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم الهرج القتل القتل القتل حتى يقتل الرجل أخاه وجاره وابن عمه حتى لا يدري القاتل لما قتل ولا المقتول فيم قتل) هذا يجري في العراق كما نسمع في الأخبار يقولون 100 جثة مجهولة وهي 500 جثة مجهولة يومياً مسلم يقتل مسلم آخر طائفياً ومذهبياً وحزبياً وفئوياً وتسوّق البغضاء على أنها فكر إسلامي وعلى أنها الإسلام الصحيح. ولهذا طوبى لمن عاش في هذا العصر القبيح الذي كما نرى احتلال همجي يهلك الحرث والنسل، طائفية مقيتة مسلم يقتل مسلماً ومسيحي يقتل مسيحياً وهكذا وعرقية وعنصرية تضرب أطنابها وهذا الإعلام الكاذب المزوّر في العالم، في هذا الخضم طوبى لمن بقي على الحق لا يبغض أحداً ولا يقتل أحداً ولا يذم أحداً يعيش بقلب سليم (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴿88﴾ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴿89﴾ الشعراء) بقلب ليس فيه بغضاء على أحد هذا هو المسلم الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم (طوبى للغرباء الذين يصلحون عندما يفسد الناس) وقد فسد الناس كما نرى عنصريات، طائفيات، احتلال، استعمار، أكاذيب، طعن في الأنبياء وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندما كسر بعض الناس صنم في أفغانستان قامت قيامة الغرب الإنساني الديمقراطي على حجر وها هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه سلم والإسلام الذي يؤمن به مليار ونصف يشتم علناً في الإذاعات وفي الإعلام برخص وانحدار وانحطاط بلا موضوعية ولا علم، جهل مطلق وحقد تاريخي يستدعى كما قال أحدهم أنه احتل العراق لنداء تاريخي وكل هذا معروف بالنسبة لنا ولا نجهلها. إذن على كل من يريد أن يكون ناجياً يوم القيامة في هذا العصر القبيح الرديء الذي اتسخت كل جوانبه فليملأ قلبه محبة لكل الناس وإذا جاءك من يقتلك لا ترفع سيفك ولا سلاحك في وجه فليقتلك ويبؤ بإثمك وإثمه. هذه القذارة التي تضرب أطنابها اليوم باسم الحرية والطائفية والحزبية والفئوية، هذا الوسخ الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم قبل 15 قرن وها هو يقع اليوم كدليل من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، هذا الذي يجري عليك أن تنأى بنفسك (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴿13﴾ سبأ) عليك أن تكون من القلة، من القلة التي يعصمها الله من هذا الوباء الضارب أطنابه في العالم، هذا الإعلام الكاذب، دول عظمى نزلت إلى الحضيض، كل أمة تسود تضع بصماتها في التاريخ ولكل جيل ولكل عصر أمة تسود وهذا العالم كله مسرح ولكل أمة دورها في رقصة على هذا المسرح ثم تنزل. وقد حكم العرب 1500 سنة حكموا العالم وهذه بصماتهم في التاريخ رأفة ورحمة وعدل ومساواة وتوحيد وقسط لم يظلموا أحداً ولم يجوروا على أحد يحبون النصارى، يحبون اليهود، يحبون الناس جميعاً. لم يجد النصارى واليهود أمناً وأماناً إلا في ديار المسلمين، هذه حضارتنا وهذه بصماتنا ولكل أمة تسود بصماتها. ومن الأمم من تضع بصماتها على التاريخ بصمات سوداء كلها همجية وكذب واستعمار وأساليب واستحواذات وسرقات، هكذا فعل كل من يريد أن ينجو في هذا الخضم الذي نحن فيه أن يتقي الله عز وجل وأن يعلم أن لله يوماً آخراً فكلنا سنموت ونحاسب والدنيا قصيرة فكل عمر الدنيا بقدر عمرك وإذا مات الإنسان قامت قيامته ولهذا طوبى لمن بقي نظيفاً لم يصب دماً حراماًً ولم يصب مالاً حراماً ولم يحتل بلداً آمناً ولم يمزق شعباً تاريخياً.

سؤال من أحد المشاهدين: هل إذا وفقني الله سبحانه وتعالى في كل حياتي فهل هذا دليل على أنه سبحانه وتعالى راضٍ عني؟

يقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن من عباد الله من يرحمهم ويعافيهم ويرزقهم ولا يبتليهم فإذا ماتوا أدخلهم الجنة) على شرط أن يكون من أهل القبلة فإن لم تكن من أهل القبلة فهذا استدراج (إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا (178) آل عمران).

لماذا كان رمضان له كل هذه القدسية؟ (من صام رمضان إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) (رغِم أنف عبد أدرك رمضان ولم يُغفر له) (من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله) فأنت إذا لم يغفر لك في رمضان فمتى يغفر لك؟ ورمضان إلى رمضان كفارة. هل هذا لكل صائم؟ الجواب لا، لأن هذه ليست فقط مغفرة ولكن كل سنة يضاف إلى رصيدك من الحسنات فأنت مثلاً لديك حسنات عند رب العالمين عمل 20 سنة تصوم وتصلي كل رمضان وفي ليلة القدر والتي هي خير من ألف شهر يضاف على رصيدك عبادة 83 سنة – عمر كامل – أي لو أن شخص منذ أن جاء ت به أمه يصوم النهار ويقوم الليل لمدة 83 سنة فكم سيكون أجره؟ أنت سنوياً يضاف إلى رصيدك مثل هذا (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴿3﴾ القدر) هذا العطاء الإلهي الذي لا يمكن تصوره والذي قد تستكثره استكثاراً قد تعجب منه، ولكن لا عجب من كرم الله عز وجل فإن كرم الله بلا حدود حينئذٍ ما هي شروط ذلك؟

أولاً: أن لا يكون لك خصم ونحن قلنا القرآن هو التعامل مع الآخر (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ) القرآن وليس الكتاب والقرآن كله تعليمات كيف تتعامل مع الآخر الذي هو العدل والإنصاف والقسط (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ (8) المائدة) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ (135) النساء). إذن في رمضان إفهم القرآن وليس الكتاب- الصوم والصلاة- إفهم القرآن ماذا عليك تجاه الآخر؟ ماذا عليك في ضبط التوحيد ضبطاً مطلقاً؟ وما من أمة توحد الله غيرك يا مسلم. ما من أمة لا يهود ولا نصارى لا بوذيين ولا غيرهم يوحد الله كما يوحده المسلم توحيداً مطلقاً. بقي عليك الشق الثاني فإذا كنت قد أفلحت في توحيد الله عز وجل وهذا من بركات النبي الذي زكاك (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ (164) آل عمران) يزكيهم أمة زاكية من حيث أنها الوحيدة التي توحد الله ولا تشرك به كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا أخاف عليكم أن تشركوا بعدي أبداً) حينئذٍ بقي الشق الآخر وهو أنك أنت تحسن التعامل مع الآخر أولاً أن لا يكون لك خصم (أخوان متصارمان لا صلاة ولا صيام لا ترتفع صلاتهما فوق رأسيهما شبرا) وبالتالي كل مسلم له عدو أو أن يكون بينه وبين أخيه خصومة أو تكلم على أحد أخوانه بحيث أنكما متصارمان أي لا يُسلِّم أحدكما على الآخر إذا التقيتما هذا يُعرِض وهذا يُعرِض لا سلام ولا كلام بذلك لا صيام لكما فلا بد أن تزيل هذه الوصمة بأن تقول له السلام عليكم تزيل الجفاء لا يلزم من ذلك أن تعود حبيبه أو صديقه فقط هذا الجفاء، هذه الخصومة، عدم الكلام هذا يزول. ومن هذه الساعة من لديه صديق وبينهما مشكلة يكفي أن يرفع سماعة التلفون ويقول السلام عليكم جاء رمضان فإذا رد عليك أن تأخذ 69 رحمة وهو رحمة واحدة، وإذا قفل التلفون في وجهك ولم يرد عليك وبقي غاضباً أنت تأخذ السبعين رحمة كاملة وهو لا صيام له وأنت لك الصيام وجميع حسناته لك وجميع سيئاتك عليه. ولهذا كل من لديه خصم لابد أن يصالحه ولو فقط بكلمة مرحباً، وقبل كل شيء علينا أن نفترض أن هذا آخر رمضان فقد تموت بعد ذلك وأنت إذا وفيت بشروط رمضان ومت بعدها فأنت لا ذنب عليك فتأمل أي نعمة هذه ورصيدك من الحسنات بلا حدود على شرط ألا تُبقي لك خصماً وألا تبقى كراهية في قلبك لمسلم هذا أولاً.

ثانياً: بر الوالدين أن تكون أمك وأبوك في الحقيقة راضين عنك ومن الآن إذا لم يكونا راضين عنك فلا صيام لك ولا قيمة لصيامك ولا مغفرة أبداً فمن الآن اطلب السماح منهما وأرضوهم.

ثالثاً: الغيبة (الصوم جُنّة ما لم يُخترق) من أول رمضان إلى آخره إذا اغتبت أحداً فلا صوم لك ولتعلم أن هذا ليس سهلاً فمن اليوم درِّب نفسك من الآن على أن تضبط لسانك بحيث لا تتكلم بسوء على أي إنسان آخر وأن لا تغتاب أحداً فإذا اغتبت أحداً فإن الغيبة تأكل صيامك بالكامل. فجرب نفسك أنك أنت تكف ظلمك عن الناس وظلم اللسان أشد أنواع الظلم:

جراحات السنان لها التئام       ولا يلتئم ما جرح اللسان

وحينئذٍ إذا أردت أن يكون صيامك مقبولاً من اليوم درب نفسك وكلما تغتاب ارجع واستغفر الله ونبه الآخر لكي يعلم نفسه على عدم الغيبة. وفي هذه الأيام القليلة الباقية قبل رمضان بالكاد تستطيع أن تنتبه وتعوّد نفسك وعقلك الباطن على أن تضبط لسانك هذا العدو الذي يكب الناس على وجوههم في جهنم قال r (ويحك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم). حينئذٍ من اليوم من هذه الساعة عندما تكون مع صديقك أو أهلك أو أقاربك- وخاصة النساء الذين يجتمعون كثيراً- عود نفسك أنك إذا رأيت شخص يغتاب أن تذكره وتقول له اتق الله نحن مقبولون على رمضان، أنت نفسك عندما تغتاب قل ماذا فعلت؟ وهكذا مرة مرتين كل يوم حينئذٍ سوف ترى أنك أنت تعلمت ترك الغيبة.

رابعاً: عدم الكذب والرفث– أي كلمة الجنس-.

ولا شك أن هذه المواسم والطاعات التي اختارها الله سبحانه وتعالى وعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نسأل الله أن يبارك لنا في شعبان وأن يبلغنا رمضان هي الفرصة الكبيرة والعظيمة فإذا مر علينا مثل هذا الموسم ولم ندخره ولم يغفر لنا ولم يرحمنا الله تعالى ولم نجدد العهد معه فمتى يغفر الله تعالى لنا؟ ومتى يرحمنا برحمته؟.

بُثّت الحلقة بتاريخ 15/9/2006م وطبعتها الأخت نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها