قبل أن نبدأ بمواصلة الحديث عن السفر والحديث عن السفر يبدأ ولا ينتهي فالحياة كلها سفرٌ دائم كما تكلمنا في الحلقة الماضية وقبل أن نبدأ سأستعرض بسرعة شديدة الفروق بين الكلمات كلمة سافر تشير إلى ما في السفر من قلق أو حزن أو معاناة (لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ﴿62﴾ الكهف) كلمة ظعن الظعن أن تخرج بزوجتك في هودج (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ (80) النحل) خرج السفر العاجل لدفع شرٍ أو كسب خير شيء استفزك رأساً يسمى هذا خروج (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ (243) البقرة) جاءهم موت،رحل السفر الطويل إلى دولة بعيدة يأخذ شهور (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ﴿1﴾ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ﴿2﴾ قريش)، ساح سفر متكرر غير محدد وغير منظم للمعرفة للإطلاع والتعلم والاكتشاف يسمى هؤلاء (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ (112) التوبة) (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ (2) التوبة)، كلمة سار عكس ساح السير هو السفر المنظم أي هنالك قيادة ومشرفين وهدف محدد (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (109) يوسف) أي ليس شخص واحد ولكن جماعة تذهب للتنقيب عن الآثار وتدرس أحوال الماضين كما هو الحال الآن وزارات ومنشئات ومؤسسات ودول تبعث المكتشفين وعلماء الآثار وفي كتب الفقه هنالك كتاب السير والسير أي سير الجيش وهو سير منظم ومنضبط ومسيطر عليه. هام: السير في الفلاة بدون جهة والهومة هي الفلاة البعيدة الشاسعة فالذي يسير فيها على غير هدى يسمى هائم كالشعراء (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴿224﴾ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ﴿225﴾ الشعراء). هاجر سفر بإكراه كأن لا يكون هناك رزق أو مطر أو أن يكون هناك عدو (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ (8) الحشر) كما يحدث الآن في بعض البلدان. وأخيراً ضرب في الأرض السفر للرزق والتجارة (وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ (20) المزمل) فالسفر للتجارة والرزق يسمى ضرباً في الأرض. هذه هي المنظومة وهكذا ترى أن كل كلمة من منظومة السفر تعطي سفراً خاصاً محدداً بالكمّ والكيف والمعنى وفي الحلقة الماضية تحدثنا عن فلسفة السفر وأنواع الأسفار وأشهر الرحّالة والمكتشفين وعن الملاحم التي تناولتها الرحلات وعن سفر الإنسان عبر الزمان والمكان وسفر الأسماك والطيور والرياح والبذور والأشجار والحضارات والمعارف والعلوم تحدثنا عن هذا بشيء من الإيجاز، ونتكلم بشكل سريع عن أهم الأمور في السفر ونتناول قضيتين قضية سفر الحج وقضية السرعة العصرية في السفر:
نبدأ بالسرعة العصرية لا شك أن أسرع رحلتين في التاريخ وكانت معجزتين وهما رحلة سيدنا المسيح عليه السلام (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ (158) النساء) ورحلة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الإسراء والمعراج (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا (1) الإسراء) حينئذٍ هاتان المعجزتان صارتا علماً الآن. كثير من المعجزات في التاريخ هي معجزة في زمانها لكنها بعد قرون صارت علماً، سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما لبس القميص ولم يحترق الآن صار علماً أن رجال المطافئ لديهم قمصان الذي يلبسها لا يحترق. وكثير من المعجزات أصبحت علماً ما عدا معجزة القرآن الكريم فأنه لا يمكن أن تقلد ولا أن تصبح متاحة إلى يوم القيامة. إذاً بعد سفرتي المسيح ومحمد صلى الله عليه وسلم وصل الإنسان إلى سرعة في السفر عجيبة، فكلكم تعرفون أن هناك طائرات أسرع من الصوت والآن هناك طائرات أسرع من الصوت بكم ضعف تتنافس الشركات في أن تجعل هذه الطائرة أو تلك عدة مرات، عدة أضعاف سرعة الصوت وهذا معروف الآن. وهناك أيضاً صواريخ بنفس الطريقة والخ. العلم الآن وصل إلى شيء إسمه النقل الضوئي طبعاً هو لا يزال سراً ولكنهم قد أنجزوه كما أنجزوا كثيراً من الأسرار التي سوف تحوّل الحياة في هذه الكرة الأرضية إلى شيء معجز فأنت تدخل إلى غرفة وبأقل من جزء الثانية تكون أنت في موسكو أو نيويورك عن طريق تحويلك إلى ذرات أو إلى شيء آخر غير معلوم أو فوق تصورنا حينئذٍ أنت في لحظة تكون في هذه الغرفة ثم تتفتت إلى نوع من الحزم الضوئية- لا أدري كيف- ثم ترى نفسك رأساً في نيويورك أو في لندن أو حتى في الفضاء حينئذٍ النقل الضوئي الذي ربما يكون معجزة ذلك الذي عنده علم من الكتاب (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ (40) النمل) طبعاً المفسرون في التاريخ على قدر معارفهم. الآن المعرفة تقول هناك شيء اسمه النقل الضوئي يتم في الزمن صفر ولهذا هذا الرجل نقل عرش بلقيس من صنعاء إلى القدس (قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) أي في الزمن صفر. كذلك يوم القيامة (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿77﴾ النحل) فيوم القيامة لا يوجد هناك زمن الزمن صفر ونحن جلوس هكذا تقوم القيامة لا نعي بأنفسنا إلا ونحن في القيامة فليس هناك فاصل زمني بين هذا الذي نحن فيه وبين القيامة ولهذا أقل من لمح البصر وهذه أسرع رحلة للإنسان من عالم إلى عالم. وهذه السرعة سرعة إيجابية: النقل الضوئي ويوم القيامة والخ وهناك سرعة سلبية سرعة السير في الشوارع العامة والخاصة في الطرق العامة في الخارج وفي الطرق المحلية في داخل المدن الكبيرة هذه السرعة التي تقول الإحصائيات أنها تقتل سنوياً أكثر مما تقتل الحروب وتقتل شر قتلة فهناك ملايين الناس مقطعة أيديهم وأرجلهم، أصابهم الشلل أو العمى أو هناك من يكون في البيت ولكنه ميت سريرياً، فهذه الحوادث التي تنتج عن سرعة السير الجنونية في داخل المدن وخارجها أصبحت وباء أعظم من الحروب. ولذلك ينبغي على كل دول العالم أن تكافح هذا بالتضافر مع المربّين والإعلاميين والبرامج والآباء الذي عليهم أن يسيطروا على أبنائهم وخاصة الشباب فمعظم الحوادث شباب وذهب فيها الملايين. ولهذا يُحمد لسمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة رئيس الوزراء وزير الدفاع حاكم دبي الذي بادر من أسابيع أو شهور عندما لاحظ هذه الظاهرة ولاحظ الضحايا التي تنخلع لها القلوب فشدد النكير على السرعة وقام بإجراءات قانونية وتعليمات وشدّد على أن تطبق القوانين بصرامة والعقوبات بصرامة تصل إلى حد مصادرة السيارة أو حبس السائق أو سحب إجازة السوق أو تسفير الوافد لأن القضية أصبحت خطيرة جداً. وأنا قد شاهدت أحد ضحايا السرعة كيف انقلبت الحافلة وتشوه السائق وقتل من كان معه من أربعين شخصاً وكل ذلك بسبب السرعة. وظاهرة المشوهين والمعوقين من السرعة معنى أن هذه السرعة قلبت هذه النعمة العظيمة، نعمة السيارة إلى نقمة. وأسباب ذلك كثيرة من أبرزها الآباء، فكل أب يتمنى أن يكون لدى ابنه أو ابنته سيارة لكنهم لا ينصحونهم ولا يعلمونهم أو يراقبونهم ولهذا على أولياء الأمور أن يراقبوا أولادهم في هذا الموضوع لأنه بدأ يفتك بالناس ولن ينفع الندم إذا عُوِّق ابنك فمن الآن سيطر عليه أين يذهب ولماذا يخرج ثم أن في كل بيت أربع خمس سيارات وكلها تخرج هذا يسبب مشاكل في الشارع. إذاً السرعة الآن سرعة السير والسفر ويومياً نقرأ بالصحف عائلة بأكملها توفت في طريق كذا، عائلات بأكملها والذي يموت يموت والباقي معوّقين وتصور أن هناك عائلة ماتت بأكملها وبقي منهم طفلة لوحدها. ولذلك الموت بالسرعة بالسيارات موت بشع، الموت حق ولكن هناك ميتات تقشعر لها الأبدان ولا تزول وتبقى أجيالاً لأن هذا معوّق انتهت حياته. السرعة تتنافى مع هذا الدين منافاة كاملة والنبي صلى الله عليه وسلم قال “اللهم إني أعوذ بك من موت الفجاءة” والسرعة موت فجاءة على غفلة يأتي فلا توصي وليس هناك مرض. وحينئذٍ على الناس أن يعلموا أن السرعة مشروع قتل. من ضمنها وأهمها كسر الإشارة فهل تعرف كم سيارة وكم عائلة أبيدت لأن السائق كسر الإشارة الحمراء ولهذا الآن أصبحت الأمور منضبطة. كذلك يقول الله تبارك وتعالى (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (195) البقرة) ولو تحصي مخالفات كسر الإشارة الحمراء ترى نصفها أدت إلى حوادث ولذلك أولياء الأمور محاسبون ” كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول”، إضافة إلى برامج التلفزيون. والمرور في الإسلام مقدس فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “لعن الله من سرق تخوم الأرض” وحديث آخر “لعن الله من غيّر تخوم الأرض” أي علامات المرور فمن يغيّر هذه العلامة أو يسرقها فهو ملعون لأن هذه الفعلة تؤدي إلى مآسي. وهناك الأيتام الذين فقدوا أهاليهم نتيجة تهور شخص ما وكسره للإشارة فقد قتل عائلة. وليس هذا فقط فعندما تخطيء وتقتل شخص خطأ تدفع دية وتصوم شهرين متتابعين وأحياناً يكون العدد أكبر فقد تقتل أربعة أو أكثر. إذاً السرعة في السير بالسيارات في داخل المدينة أو خارجها بالطرق العامة مأساة كبيرة إضافة إلى المصائب في الدنيا قطعاً إن إثمها عند الله عظيم لأنه شروع حقيقي بالقتل. وإذا صدم أحد فهو قتل عمد يستوجب القصاص ونحن نسميه قتل خطأ وهو ليس خطأ لأنه قد قيل لك أن هذه المخالفة تؤدي إلى قتل فعندما تستمر فأنت قاتل ولهذا أرجو من المحاكم الجزائية أن تعيد النظر ولا تعتبر أن واحداً يخالف الإشارة أو يخالف المرور أو يزيد عن السرعة المقررة سيؤدي إلى قتل إنسان تعتبره قتل خطأ وهذا ليس خطأ هذا قتل عمد ويجب أن يأخذ قصاصه.
في رد على سؤال من أحد المتصلين عن السفر ليلاً أجاب الدكتور أن من آداب السفر أن يكون السفر ليلاً وما سافر النبي صلى الله عليه وسلم إلا ليلاً وثبت عملياً من اللامعقول أن السفر في الليل يطوي الأرض فأنت تسافر من مكان إلى مكان بالنهار أو بالليل ترى أن النهار اقتضى منك زمناً أطول من الزمن الذي يقتضيه وأنت مسافر بالليل وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في داء السفر.
إذاً هكذا هو السفر وهكذا هي مسؤوليات أولياء الأمور ومؤسسة الإعلام كما قلت في دبي تقود الحملة الإعلامية الآن ومن أجمل ما في هذه القوانين التي سنها الشيخ محمد بن راشد التشهير بالمخالف الذي يكسر الإشارة فتظهر صورته بالتلفاز هذا هو فلان الفلاني خالف الإشارة وهذا شرعاً واردة التشهير بأصحاب الحدود. فالسارق في الإسلام تقطع يده وتعلق ويركب على حمار حتى يشهّر به بين الناس. وكثير من العجزة والمعوقين الذين نجدهم الآن في دور العجزة هم ضحايا لحوادث السير والمستشفيات الآن مليئة وما يظهر الآن في التلفاز من بعض هذه المظاهر ما هي إلا حالات فردية من عشرات بل مئات من هذه الحالات فالسيارات تطورت سرعتها وهذه الطرق السريعة والشباب مندفعين والحياة جميلة عندهم ولهذا ينبغي أن يواكب ذلك توصيات وتربية والسياقة فن وذوق كما يقولون فن وجمال. ولو تكلمنا عن آداب الركوب في الإسلام كيف أن المسلمين كان لهم أدب ثقافي كامل كيف تركب الجمل أو الحصان وطبقه على السيارة.
في إتصال من أحد المشاهدين يسأل عن السائق السكران الذي يموت في حادثة: هناك من يموت في حادث وهو سكران والله أعلم بمصيره فهنالك حديث أن من يموت سكران يبعث سكران يوم القيامة لأنه يعتبر مدمناً ونحن عندما نتكلم عن الشهيد في حادث إذا كان الحادث رغم أنفه أما أن يكون الشخص متعمد أو معتدي بالسرعة أو سكران أو شخص لا يعرف السواقة أو لا يزال يتعلم وأخذ سيارة وأسرع فيها أي إذا كانت هناك مسؤولية جنائية على السائق فأعتقد والله أعلم أنه لا يخضع لمسألة الشهادة ومغفرة الذنوب بل بالعكس هذا مجرم هذا قتل آخرين وكما تفضل المتصل يبعث على ما مات عليه والله أعلم.
في إتصال آخر من أحد المتصلين ذكر أن أسباب السرعة في العالم العربي أنهم لا يحترمون القوانين ولا يطبق القوانين في العالم العربي بصرامة. وكان رد الدكتور الكبيسي أن أسباب السرعة في العالم العربي ليس أن العرب لا يحترمون القوانين بل بالعكس العرب أكثر الناس احتراماً للقوانين بدليل عندما جاء الإسلام وحرم الربا إلى الآن منذ 15 قرناً هم لا يأكلون الربا ومثل ذلك عندما حرم الخمر 15 قرن وهم لا يشربون الخمر إلا في حالات نادرة جداً فما من أمة فيها الرذائل نسبة قليلة إلا عند هذه الأمة. لكن هذه الأمة أمة وثّابة فالعربي بطبيعته وثّاب بدليل أن الله اختارهم لحمل الإسلام فبأربعين سنة أوصلوه إلى جميع الكرة الأرضية. الإمبراطورية الرومانية عمرت ألف سنة والعرب أربعين سنة أوصلوا الإسلام إلى مساحة لم تصلها الإمبراطورية الرومانية بألف سنة، أمة وثّابة (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ (124) الانعام) فالعربي وثّاب متحمس فارس سريع يأخذ من الآخِر وهذه من طبيعة العرب وهي معروفة وإذا أنصفنا القول أما الدعوة الغربية وإدعاء الغربية على العرب هذه معروفة أسبابها وجهاتها وهم يعرفون أنهم كاذبون وأن العرب خير منهم بألف مرة خلقاً وديناً وشهامة وضيافة وكرماً وشجاعة وصدقاً ونشاطاً واندفاعاً ولا ينبغي أن نجلد ذاتنا كل هذا الجلد فيكفي هذا الجلد العالمي على العرب جعلونا أمة من العرب ووالله العظيم وبلا تعصب وأنا والله لا أفرق بين مسلم ومسلم بل لا أفرق بين إنسان وإنسان لكن والله بموضوعية من أكرم الأمم هذه الأمة العربية من أكرم الأمم نسباً وعِرضاً وضيافة وكرماً وسلاماً وألفة، هذه الهجمة العالمية عليهم من كل مكان لا ينبغي أن نصدقها فنحن أمة فاضلة بالكلمة الطيبة تأخذ مني كل شيء. ولكن كما قال صلى الله عليه وسلم ( تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها) وإلا لو وزنت المجتمعات العربية بما فيها من فضائل لعجبت من تفوقها على العالم بفضائلها ولكن ويلٌ للمغلوب ويلُ للمغلوب ومع هذا هناك بعض الشباب المتهور وهذه من طبيعة الأشياء فالبشر ليسوا ملائكة ففيهم الخير وفيهم الشر حتى في أصحاب رسول الله r كان هناك 13 منافق وجاءت سورة المنافقون عليهم وفي كل مجتمع هناك خير وشر ولكن الخير في هذه الأمة غالب ولهذا لو أخذت إحصائية كم من المخالفين في دبي أو في أبو ظبي أو في الشارقة أو في بغداد أو في القاهرة كم نسبة المخالفين إلى نسبة المنضبطين لرأيت أن النسبة معقولة ولكن بما أن هذه المخالفات ولو أن نسبتها قليلة تؤدي إلى كوارث هذه هي التي استفزت سمو الشيخ محمد بن راشد حفظه الله لكي يرفع سيف النفوذ وسيف الحزم وسيف الضبط كعادته لكي ينقذ شعبه من مآسي هو في غنىً عنها. والمشكلة أن الغرامة لم تعد موجعة والبعض يعوّل على شركات التأمين لذا ينبغي أن ترفع الغرامة إلى مبلغ أكبر لأن في السرعة أو تجاوز الإشارة فهو جريمة قتل عمد. لا بد أن كل منا قد مر بحالة النجاة من موت محقق في الطريق عن طريق السيارات المسرعة أو الشاحنات الكبيرة والاستعانة واللجوء إلى آداب ركوب الدابة ودعاء السفر كلها وجاء ووقاية فإذا بلغ سائق السيارة أن يلتزم بدعاء الركوب كل ما ركب سيارته فليعلم أن هذا الدعاء يقيه وكلما إلتزم به فهذا يدل على أنه إنسان هادئ وملتزم وحليم وهذا في كل شيء ومن الطعام ثبت طبياً أنك إذا قلت بسم الله الرحمن الرحيم، إذا شربت الماء وقلت بسم الله الرحمن الرحيم حصل شيء أخر فوري بمزاجك وبالماء والطعام.
وفي سؤال من أحد المتصلين أن والدها مات في حادث سيارة فأجابها الشيخ أن من يموت في حادث سيارة فهو شهيد بإذن الله.
ونبدأ بآداب السفر إلى الحج والحج هو سفرة العمر كما نعرف فجميع المسلمين في كل مكان فكل مسلم في الدنيا يحلم بهذه الرحلة فالإمام النووي وغيره – وأنقلها أنا من الإمام النووي – تكلم عن آداب السفر وطبعاً هي معظمها آداب لكل السفر وإن جاءت بمعرض السفر إلى الحج:
أولاً المشاورة يستحب أن يشاور من يثق بدينه وخبرته عن هذه السفرة وهل هي مناسبة الآن وكيفية السفر والوسيلة والخ فيستحب أن تسأل خبير بالسفر يعطيك بعض الإرشادات.
ثانياً الاستخارة والاستخارة نظام إسلامي فعليك أن تستخير في كل شيء وهذه الاستخارة ومن فضل الله ومن اللامعقول فعلاًَ تسدد أمرك وطبعاً كما في الحديث إذا أردت أن تستخير للحج تقول (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن ذهابي إلى الحج في هذا العام خيراً في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله وآجله فأقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه اللهم وإن كنت تعلم أنه شر لي…….الخ) وهذا ييسر لك الحج ويستمطر تسديد الله لك.
ثالثاً التوبة أن تتوب من كل ذنوبك ما دمت أنت ذاهب إلى الحج لأن الحج مغفرة من جميع الذنوب إلا من حقوق العباد وإذا تبت إلى الله عز وجل فإن لله نظاماً يوم القيامة يتحمل عنك حقوق العباد فأنت تستمطر رحمة الله تبارك وتعالى وكرمه في ذلك اليوم.
رابعاً وهذا مهم جداً إرضاء الوالدين فلا ينبغي أن تحج أو أن تصوم رمضان وأحد من والديك غاضبٌ لأنه لا فائدة من ذلك وإنما أنت تتعب نفسك رغم أنفك لأنه لا بد أن تصوم وان تحج ولكن ليس في ذلك أجرٌ أبداً.
خامساً أن تكون النفقة حلالاً ولا مانع أن تذهب على نفقة غيرك فهناك إشاعة الآن أن إذا كان هناك من دفع لك نفقات الحج لا تقبل وهذا غير صحيح فكثير من المسلمين من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن يحجّون على حساب بعض الفضلاء وبعض الأغنياء وعلى حساب الدولة وحساب رئيس الدولة ومن يستطيع وهذه الدولة وكثير من الدول والحكام والرؤساء والمسئولين وعلى رأسهم رئيس الدولة وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وبقية الشيوخ كثيراً ما تكفلوا بنفقات الحجاج والمعتمرين وكذلك ضيوف الجائزة القرآنية الذين يأتون إلى المسابقة يؤخذون في طائرة خاصة إلى أداء العمرة لأن هذا الذي جاء من أفريقيا لا يحلم أن يصل إلى هذه البلاد وحنينه إلى البلد الحرام ويذكرنا هذا بزبيدة زوجة هارون الرشيد التي كانت تجيش الجيوش وتشق الطريق ولها طريق الحج الذي سقت فيها الآبار والاستراحات ومازال كثير من الفضليات من النساء يقتدين بمثل هذه السنة المباركة ولهذا من يحج على نفقة غيره يعتبر حجه جائزاً ولهذا القول أن من يحج على نفقة غيره حجه غير صحيح كلام غير صحيح كمن يفطر صائماً.
سادساً الاستكثار من الزاد والطيب والنفقة حتى إذا ذهب الإنسان إلى الحج وكان متمكن يأخذ أموال زيادة لأنه سيرى كثير من الناس هناك فقراء أتوا من أقاصي الدنيا فمنهم من ضاعت أمواله ومنهم من ليس لديه ومنهم الشحيح ولهذا النفقة هناك بمائة ألف فعلى كل من يذهب إلى الحج إذا كان متمكناً أن يأخذ أموال زائدة وطعام زائد كي يساعد الآخرين.
سابعاً ترك المماحكة في الشراء فإذا ذهبت إلى مكة تساهل ولا تظل تماحك في البيع والشراء ودع أهل الحرم يستفيدوا منك وحتى لو غلبوك ببضعة ريالات زيادة إجعلها لوجه الله عز وجل واحتساباً فالمماحكة مكروهة. والأفضل أن تقضي على كل ما يمكن أن يؤدي إلى المشاحنة فلا تشارك أحد بالزاد أو بالرحل حتى لا يؤدي إلى الجدال فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وحاول أن تتخلص من كل ما يمكن أن يؤدي إلى جدال أو مماحكة أو غضب لأن هذا مما يفسد الأجر وحينئذٍ كن مستقلاً بأمرك وتساهل وكل من يعتدي عليك بدفعة أو ضربة أو إنكار مال أو أخذ حق فاسكت لأنك أنت في مكان فيه امتحان هائل لأخلاقك.
ثامناً: السفر بطريقة مريحة: أيضاً حاول أن تذهب بطريقة مريحة وصحيح أن هنالك أناس يأتون نمشياً من باب الحج القوي والشوق وهذا في الحقيقة خلاف الأَوْلى فالأوْلى أن تذهب بما أعطاك الله من نعمة فإذا توفر لك الذهاب بالطائرة اذهب بها أو بالسيارة وإذا لم يكن لديك فهذه قضية أخرى أما أن تكون متمكن وتذهب مشياً أو برحلة شاقة على أساس أن فيها أجر كثير وهي فيها أجر كثير عندما لا تستطيع البديل، كمن ليس لديه فذهب مشياً أو على بعير أو بسيارة قديمة والآخر ذهب بطائرة فإذا كنت تستطيع إذهب بالطائرة فهذه من نعمة الله (إن الله يحب أن يرى آثار نعمته على عبد) فلا تحاول أن تزايد على رب العالمين (إن الله يحب أن يرى نعمته ظاهرة) وحينئذٍ إستعمل نعمة الله عز وجل.
تاسعاً: اصطحاب الرفيق أيضاً والرفيق قبل الطريق ما يقولون ومكروه للمسلم أن يسافر وحده مع رفيق واحد (الواحد شيطان والاثنان شيطان والثلاثة رقمٌ).
تاسعاً: السفر ليلاً ويوم الخميس أيضاً من آداب السفر أن يكون يوم الخميس ومبكراً في الظلام كما خرج النبي صلى الله عليه وسلم ويستحب لمن يسافر أن يصلي ركعتين ومعروفة آدابها يقرأ فيها الكافرون والإخلاص.
عاشراً: حسن الوداع لأهله وأقاربه ومعارفه والدعاء عند الخروج من البيت السنة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عندما يخرج من بيته (اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل….الخ).
كذلك دعاء السفر وكلنا نعرفه (اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما تحب وترضى اللهم هون علينا سفرنا واطو عنا بعده اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال والولد) وهو حديثٌ صحيح.
بُثّت الحلقة في 24/11/2006م وطبعتها الأخت نوال جزاها الله خيراً من السعودية وتم تنقيحها