الغمام– السحاب – العارض- الظُلّة- الصيّب
ها نحن في حرف الظاء أخت الطاء والكلمة التي نبدأها كلمة ظُلّة، (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ (210) البقرة) (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴿41﴾ الأعراف) حينئذٍ كلمة ظلة جزء من منظومة الغيم والغمام. هناك عارض وهناك سحاب وهناك صيّب وهناك غمام وهناك ظلة.
الظلة إذاً كلمة في منظومة الغيم الذي نعرفه جميعاً، ولكن كل كلمة من هذه المنظومة تعطيك معنى محدداً دقيقاً لهذا الغيم، إذا قيل ظلة، غمام، سحاب تعرف ما تعني وكل كلمة من هذه الكلمات تعطيك نوع من أنواع الغيم لا تدل عليها الكلمة الأخرى وقد استعملها القرآن الكريم استعمالاً إعجازياً إضطرادياً لا يدل إلا على أن هذا الكلام لا يمكن أن يكون من كلام بشر.
الغيم: هو أن لا ترى شمساً من شدة عموم الظلمة. وكلمة الغيم لم تأت في القرآن الكريم ولا مرة واحدة ولكنها في لغة العرب موجودة واستعمالها كثير مع كلمة السحاب بينما استعمال باقي الكلمات قليل. كيف يبدأ هذا الغيم؟ ولنرى تدرج القرآن الكريم في هذه المنظومة:
عارض: لدينا كلمة عارض (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿24﴾ الأحقاف) كلنا نلاحظ في يوم من الأيام السماء صافية وإذا على حين غرة يظهر في الأفق البعيد سحابة صامتة ترسل وميضاً وكلنا نرى هذا من بعيد من أقصى الأفق هذا يسمى عارضاً. فالعارض هو بداية تكون الغيم على أن يكون لامعاً فيه لمعة أي فيه برق هذا العارض سحابة بيضاء تعترض الأفق من بعيد تظهر فجأة في ناحية من السماء بغير ظن منك كما يقول العلماء. أي لم يكن في خلدك أنه الآن ستغيم لأنه لا يوجد علامات فالجو صحو، هذا العارض جاء فجأة مستقبل أوديتهم وبالتالي هذا اللمعان يعطي لها العارض بهاءً وجمالاً حتى أن بعض الشعراء كان يتغزل ويمتدح بعض الناس بهذا التشبيه فيشبه خدّه بالعارض الذي يلمع فيقول أبو كبير الهذلي يمدح أحد الكرام:
وإذا نظرت إلى أسرّة وجهه برقت كبرق العارض المتمهل
والأعشى له بيت يتغزل فيه كما يبدو بامرأة ويقول:
يا من رأى عارضاً قد بت أرمقه كأنما البرق في حافاته شُعَلُ
هذا العارض وهو بداية تكون الغيم إذا قال جاء العارض أو هناك في السماء عارض هذا لا يعني غيم أو غمام أو صيّب ولكن يعني بداية تشكل الغيم سحابة بعيدة جداً بالأفق ترى فيها لمعة وكلنا نرى هذا في الشتاء.
السحاب: بعد العارض يقترب العارض ويقترب ويقترب وإذا به يتمدد ويسود حينئذٍ هذا السواد يسمى سحابة (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ (43) النور) نلاحظ دائماً أن السحاب متشعّب يمين وشمال وفوق وفيه فجوات شيئاً فشيئاً يلتحم بعضه على بعض حتى يصبح كثيفاً جداً. فالسحابة إذاً عند اقتراب العارض، والعارض من بعيد كأنه قطعة واحدة ولكن عندما يقترب يتبين أنه مجزأ إلى عدة قطع، كل قطعة من هذا العارض سحابة وصارت سوداء وقد كانت بيضاء لأن العارض أبيض. فعندما تتسع هذه السحابات تشكل كلها سحاباً عظيماً مكثفاً كما قال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ﴿43﴾النور) قبل أربع سنوات وكالة ناسا شخصت أن هناك في الأجواء العلية غير المنظورة جبال من الثلج الهش فإذا نزلت إلى مكان معين من الفضاء تجمدت حتى صارت برَداً ونقول صدق الله العظيم هذا ذكره القرآن قبل 15 قرناً. هذه هي السحابة.
الصيّب: هذا السحاب الذي تطور من كونه عارضاً حتى صار سحاباً أسود كثيف وساقته الرياح (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ (57) الأعراف) إلى هنا بقي سحاباً ثم تقول الآية (فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ (57) الأعراف) حينئذٍ هذا السحاب الذي بدأ المطر ينزل منه وفيه رعد وبرق يسمى صيّباً فالعارض أولاً يتطور ثم يصبح سحابة، تتطور السحابة وتصبح سحاباً جمع، السحاب يتكثف ويكثر رعده وبرقه ويبدأ المطر بالنزول هذا السحاب يسمى صيّباً (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ﴿19﴾ البقرة).
الغمام: هذا السحاب إذا استمر ليوم أو يومين والناس خافوا واسود اسوداداً مخيفاً وأصبح الناس في قلق هنا يسمى السحاب غماماً فقد انقلب السحاب حتى صار غماماً والغمام من الغمّ (وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴿88﴾ الأنبياء) فالناس يخافونها. الغمام إذا طال المطر واسودت الدنيا واستمر المطر بالهطول وشيئاً فشيئاً سيتحول إلى إعصار والناس تبدأ تخاف والوديان تسيل والفيضانات تجرف الضفاف والبقر والغنم والسيارات. إنقلب السحاب إلى غمام (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ) يأتيهم الله أي عقاب الله، وهذا الغمام كثيراً ما حمل دماراً شاملاً في دول بأكملها كما حدث في إعصار كاترينا في أمريكا تطور الغمام حتى صار إعصاراً فيه نار فاحترقت.
الظُلّة: إذاً الغمام يتطور إلى إعصار كما هو معلوم ثم هذا الغمام القسم منه الجزء منه ظُلّة أي قطعة منه تتسع وتتسع حتى تدمر منطقة محدودة الإعصار يدمر تدميراً شاملاً. هناك بلاء يصب الله عز وجل على قرية على قوم كما فعل مع جماعة شعيب وجماعة عاد عندما قالوا (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) وإذا به (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴿7﴾ الحاقة). الظلة إذاً وهي كلمة الباب قطعة من الغمام تحمل الأذى والضرر وكثيراً ما تعتبر إنتقاماً لشدة ما تتركه من تدمير وتخريب وكثيراً ما تجد مكاناً محدداً مدينة صغيرة، حي من الأحياء، ضيعة من الضيع تأتيها هذه الظلة فتتركها هباءً منثوراً. فرب العالمين له عقاب شامل وعقاب جزئي محدود فالعقاب الجزئي بالظلة فهذا يكون محدوداً بهدف معين وهذا يحدث في كل يوم في مكان ما في مدينة، قرية، سد من السدود يدمر، وهذا يعتبر ظلة وإذا كان إعصاراً ينهي قطراً أو ولاية مثل كاترينا أو ما شاكل ذلك. قال تعالى (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ﴿16﴾ الزمر).
هذه هي منظومة الغيم أو الغمام وبناءً على كلمة الظلة. طبعاً الكلام في الفوق كلام عجيب في كتاب الله إذا تأملت في كتاب الله عز وجل عن نعمه ونقمه ترى منها من الأعلى ومن الأسفل عجائب (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ (65) الأنعام) سماوي وأرضي كالنعم نعمه ظاهرة وباطنه فهذا المطر قد يكون رحمة كما في قوله تعالى (فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا (50) الروم) فهذا رحمة. والمطر ما جاء في كتاب الله عز وجل إلا عذاباً بينما الغيث هو الذي يكون رحمة. فالغيث إذاً من رحمة الله في العليا والزراعة والمياه والينابيع والأنهار والبحار من نعمة الله الأرضية هكذا عذابه عز وجل. إذاً أقوى أساليب العقاب ما كان من فوق لأن فيه إذلال فهنالك فرق بين عشرة رجال يختصمون معك فأنت تتلاوى معهم بالسلاح أو بالسيف أو بالعصي أو بالأيدي فأنت تشعر بأنك رجل وقد تكون لك شجاعة، قد تهزمه فأنت متمكن منه لكن عندما يأتيك شخص بطائرة أو يقف على مئذنة ويرميك بالحجارة أنت لا تملك معه شيء فالإذلال كل الإذلال أن يكون لعدوك فوق وليس لك فوق. أيُّ دولة من الدول تحارب عدواً هذا العدو له قوة جوية وأنت ليس لديك قوة جوية فمهما كانت قوتك الأرضية عندك 500 فيلق لا تغني شيئاً أمام تفوق العدو بالقوة الجوية كما في الحديث “ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي”. ولهذا الغربيون الذين استعمروا كل بلاد المسلمين غلبوهم بهذا لم يكن للمسلمين وإلى هذا اليوم لم يكن لهم غطاء جوي ذو بال فكل ما هو موجود غطاء جوي مسيطر عليه وتأثيره قليل وتجهيزات الطائرات محدودة بخلاف الدول المتقدمة الصناعية التي صارت طائرة واحدة من طائراتها قد تكون فيها طاقة قتالية أكثر من جميع طائرات القوة الجوية في بلد مسلم أو عربي. إذاً العقاب من الأعلى مُذِلّ (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿171﴾ الأعراف) (وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿63﴾ البقرة) أي إذلال هذا؟! (فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ﴿4﴾ الشعراء) تصور رب العالمين عندما أذل بني إسرائيل لشدة مكرهم وتمردهم على سيدنا موسى الملائكة رفعوا الجبل فوقهم وكل واحد منهم- اليهود- تصور أن هذا الجبل سوف يقع عليه فكل واحد منهم كان يشعر بالذلة والهوان والضِعة وهكذا كل الحروب المعاصرة الآن إذا كان لعدوك رمي من الفوق لا تملكه فأنت ذليل مهما كان حجم قواتك. من أجل هذا أن الدول التي تملك الطاقة النووية الآن معدودة ومحدودة وبالتالي قد تكون الدولة صغيرة قد تكون 6 أو 10 ملايين لكن تملك الطاقة النووية والقنبلة الذرية وحينئذٍ ممكن دولة من 200 أو 300 مليون تشعر بالضعة والذل أمام تلك الدولة لأن هذه الدولة خاضعة لهذا السلاح كما خضع بنو إسرائيل للجبل إذ نتق فوقهم كأنه ظلة (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ). من أجل هذا العقاب الإلهي الذي يأتي من الفوق هو العقاب المذل الماحق إذا أراد الله عز وجل أن يمحق أمة أو شعباً أو مدينة جاءها من فوق ولهذا قوم لوط كان من الممكن أن يأتيهم كما قال تعالى (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ (133) الأعراف) بنو إسرائيل وفرعون عندما جاءهم الضفادع والدم لم يمحقوا بقي الشعب والحكومة والدولة لكن قوم لوط عندما رفعها جبريل إلى الأعلى ثم قلبها (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ﴿82﴾ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴿83﴾ هود) هذه سنن الله في كل الدهر إلى يوم القيامة. وكأصحاب الفيل وأصحاب الفيل يمكن أن يكونوا في كل عصر حتى في هذا الزمن، وكلنا سمعنا عن أعاصير كإعصار ميامي الذي في ساعة محق مساحة من الأرض والبشر وما فيها من عمران بقدر مساحة العراق كاملة ففي لحظات اختفت وهذا إعصار من الفوق. بالخسف ممكن أن يكون أخف كأن يخسف ببيت كما خسف بقارون (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ (81) القصص). إذاً كما أن الفوق فيه كل الرحمات من رزق ومغفرة وهو قبلة الدعاء كلٌ منا إذا كان له عند الله حاجة رفع يديه وبصره إلى السماء وتوسل بربه واستغاث وتضرع. هذا الفوق أيضاً فيه من النقم ما لا طاقة للمخلوقات كلها باحتماله وفيه من الإذلال والصَغار ما لا يمكن تصوره إلا ممن يعانيه عندما تشعر بالعجز والشعور بالعجز هذا من اشد المشاعر خيبة وألماً ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله منه “اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل ومن غلبة الدين وقهر الرجال” وقهر الرجال يأتيك من فوق قهر الرجال لا يأتيك مواجهة، أنت تستطيع أن تقاتل العشرة والعشرين بل والمائة أحياناً وتموت وأنت عزيز فليقتلوك أنت فعلت ما بوسعك كما قال تعالى (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ (65) الأنفال) حتى لو قتلوك أنت منتصر فأنت عندما تقاتل قوماً ثم أبليت بلاءً حسناً وفعلت الذي عليك فأنت منتصر حتى ولو قتلوك وحينئذٍ هذا شيء وأن يأتوك من فوق (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ (10) الأحزاب). إذاً الفوق هذا مصدر الإذلال عندما يريد الله سبحانه وتعالى أويريد عدوك أن يقهرك وأن يذلك فإنه يأتيك من الفوق وما بعد الفوق قوة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل قوله تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ (60) الانفال) القوة سيف والقوة مدفع ووالقوة خطط لكن القوة إذا أُطلقت فهي الرمي كما في الحديث “ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي” وصدق رسول الله. وكل دولة أو كل أمة لا تملك صناعة الفوق لا أمل لها في نصر مطلقاً فكيف تنتصر على عدو هو الذي يمدها بأسلحة الفوق ويبيعها إياها محرّفة ومعدّلة حتى لا تسمن ولا تغني من جوع؟ كما أن الأمة لا تكون عظيمة في اقتصادها إلا إذا كانت هي التي تطبع عُملتها في بلادها وتسيطر على طبعها كماً وكيفاً، أيضاً ما من أمة تتفوق عسكرياً إلا إذا تملك هذا الفوق صناعة واستعمالاً فما بعد الفوق قوة. والفوقية نقمة من الله تعالى هو استثناء فليس هذا هو الأصل فالأصل أنها نعم (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴿22﴾ الذاريات) لكن هذا الكون قائم على الزوجية والازدواجية خير وشر، ذكر وأنثى، (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) الأنبياء) فكل ما في هذا الكون قائم على الزوجية والازدواجية وهما مختلفان. طبعاً رب العالمين كما سمعنا له عذابات من الفوق وعذابات من الأسفل وكثيرة واستعراض بسيط لها، هناك قصف (فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ (69) الإسراء) لكسر الأشياء تنكسر: أعمدة النور تنكسر، الأشجار تنكسر، الجسور تنكسر، هذا القصف وتقرأ أحياناً في الكتب وقد قضوا ليلتهم في سكر وقصف هذا من لغات العرب والقصف صوت المعازف وسميت كذلك لأنه إذا أحسن العازف عزفها الراقصات والجاريات والإماء كلهم يتكسرون حينئذٍ هذا من باب القصف وهذا في الموسيقى. أما في الحرب فالقصف يكسر كل شيء فالجسور الحديدية تنكسر قسمين والأشجار تنكسر هذا قصف وهناك عصف (جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ (22) يونس)
العصف اقتلاع من الجذور وليس كسر بل اقتلاع كامل فالقصف مثلاً قد يكسر عمود النور أو يكسر الشجرة أما العصف فيقلعها من جذورها ويطيرها ولهذا الإعصار يسمى عواصف. فالعصف إذاً اقتلاع والقصف كسرٌ وهذا من دقة اللغة (أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ (18) إبراهيم) كل شيء يقتلع من جذوره (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ (81) الأنبياء).
الصرصر: هذا العاصف إذا صار صرصر ريح صرصر فحينئذٍ أصبح نوع من أنواع الشد فلو أنك مثلاً تمسكت بعمود النور أو الشجرة وحتى لو بنيت حولها بناءً فإن الصرصر يقتلعها مهما شددتها إلى مكانها فالعصف هذا صار صرصراً.
الإعصار: هو كل هذا الذي ذكرناه إذا صاحبته نار (إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ (266) البقرة).
وطبعاً الرعد والبرق (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ (20) البقرة) (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا (12) الرعد) هذا عندما تقع الصواعق (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ (13) الرعد).
الصيحة: هناك أيضاً الصيحة وتسمى الآن القنبلة الفراغية وهي قنبلتة ترميها أنت في مكان ما على مدينة كاملة تنهيهم في ثانية كل شيء يخمد (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴿67﴾ هود) (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً (41) المؤمنون)، وهذه القنبلة الفراغية مستعملة (مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ﴿49﴾ يس) أقل من جزء الثانية (وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ﴿15﴾ ص) لا يفوق بعدها (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ ﴿31﴾ القمر) وحتى يوم القيامة الناس يبعثون من قبورهم بصيحة (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ﴿42﴾ ق).
هل هناك تعلق بين العقوبات وجنس الذنوب التي كان يرتكبها الأقوام التي وردت في القرآن؟ نعم ورد في الكتاب والسنة نوع من أنواع الذنوب التي تستدعي وتستمطر نقمة الله الفوقية منها مثلاً اللواط إذا شاع اللواط في المجتمع صب الله عليهم العذاب فوقهم صباً،الزنا عموماً إذا شاع الربا والظلم في الأحاديث مثلاً “لا تظلموا فتدعوا فلا يستجاب لكم وتستسقوا فلا تسقوا وتستنصروا فلا تنصروا” الاستسقاء معناه أن يقطع عنكم المطر وهذا أيضاً عقوبة فوقية، كذلك منع الزكاة إذا صار منع الزكاة ظاهرة في الأمة يقطع المطر وحتى لو وقع المطر فهو لا ينبت في حديث “لا تقوم الساعة.بما معناه أن ينزل المطر ثم لا ينبت شيئاً. أيضاً نقض العهود وظلم أهل الذمة إذا شاع ظلم النصارى واليهود في مجتمع مسلم فقد دنت دولتهم وفي الحديث “إذا ظُلِم أهل الذمة كانت الدولة دولة العدو” أي أن العدو سيغلبك، وإلى الآن وبفضل الله إلى هذه الدقيقة لم يحدث في تاريخ المسلمين ومنذ خمسة عشر قرناً أن ظلم أهل الذمة بل بالعكس دائماً أهل الذمة هم أسياد البلد اقتصادياً ودائماً هم في الصدارة في الوظائف فمثلاً في دول عربية كثيرة جميع الأطباء نصارى، جميع التجار يهود وبحب واحترام وليس هناك من يقول لهم لا، والآن كيف أن الدول المسيحية تحارب الإسلام في كل شعرة ظلماً وبهتاناً ومع هذا لم تسجل ولا حالة واحدة أن مسلماً اعتدى على مسيحي أو يهودي، وأتحدى حالة واحدة في أي أرض إسلامية أعتُديَ فيها على يهودي بينما اليوم في كل أوروبا وأمريكا على مدار الثانية يعتدا على مسلم أو مسلمة. إذاً هكذا هو هذا الدين الذي كان آخر كلام قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه قبل موته “أوصيكم بذمة محمدٍ خيراً” وقال: “لعن الله من آذى ذمياً” وقال: ” إذا ظلم أهل الذمة كانت الدولة دولة العدو” وهذا لم يحدث إلى هذه الدقيقة برغم أن أهل الذمة هؤلاء اليهود والنصارى يظلمون المسلمين في كل مكان ظلماً لم يحدث في التاريخ مثله ولا حتى في الحروب الصليبية لأنه بحجة الإرهاب نبشت ديار المسلمين نبشاً شنيعاً بالسجون السرية والتعذيب والقتول ومع ذلك هذا الأدب الجم وهذا الحلم الهائل وهذا الالتزام الرائع لم تسجل ولا حالة واحدة في مدى مليار ونصف مسلم أن اعتدوا على ذمي واحد. بالرغم مما نشاهده من مناظر في العراق وفي فلسطين وفي أفغانستان من التعذيب والقتل والإبادة تمزق الأعصاب وتثير أكثر الناس حلماً ومع هذا على مدار مليار ونصف لم تسجل ولا حالة واحدة كان فيها اعتداء على ذِمّي.
إذاً رب العالمين سبحانه وتعالى قسّم هذا الفوق على ما نحن عليه ثم أردفها بقوله (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ (65) الأنعام) هنا إذا أذاق الناس بعضهم بأس بعض وتقاتل المسلمون هناك يحل عليهم عذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم سواء كأن يأتي احتلال أو يأتي نوع النسف (فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ (26) النحل). وفي الحديث “ما نقض قوماً عهداً إلا كان القتل بينهم ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلّط الله عليهم الموت ولا منع قوماً الزكاة إلا حبس عنهم القطر…الخ”. إذاً هناك أحاديث تدل على أن بعض الذنوب تستمطر هذا الغضب الفوقي من الله عز وجل. نقرأ بعض أساليب العذاب الفوقي (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿32﴾ الأنفال) وفعلاً حصل هذا، (وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ (31) الرعد) وهذا من فضل الله فما من أمة تملك سلاحاً فتاكاً لا يملكه الآخرون ثم تقوم بظلم هؤلاء الآخرين إلا ينقلب سلاحها عليها وهذا ففي الآية (وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا) بصناعاتهم التي لا يملكها الآخرون مثل مفاعل شرنوبل ودالاس هذه المفاعلات الرهيبة التي بدأت تفتك بأهلها وهذا مفاعل ديمونا الإسرائيلي بدأ يفتك بأهله عشرات الآلاف من الناس سقط شعرهم وأصيبوا بالسرطان. إذاً ما من قوة غاشمة لا يستطيع خصمك أن يحصل عليها وهي غالبة لا محالة إلا تنقلب فوقاً، غمامة شرنوبل إلى هذا اليوم مسلطة على رؤوسهم إلى هذه الدقيقة. وقال تعالى (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴿12﴾ الأنفال) وهذا قد وقع، ويوم القيامة (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ﴿19﴾ الحج) فتصور إنسان جالس والنار تأتيه من أعلى غاية في الإذلال، ومثل ذلك طير الأبابيل عصافير يرمون حجارة على جيش هائل وتخرقه خرقاً. وقال تعالى (سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴿127﴾ الأعراف) قوة غاشمة. العذاب الفوقي على هذه الوتيرة.
وقد تكلم رب العالمين كما في الُسّنة عن السنين (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ (130) الأعراف) السنين وهو القحط أي أن المطر إما لا ينزل أو ينزل ولا ينبت وفي الحديث “لا تقوم الساعة حتى يمطر الناس مطراً عاماً ولا تنبت الأرض شيئاً” وفي حديث آخر “لا تقوم الساعة حتى لا يمطر الناس”. في الدنيا جميعنا نصاب بالزلازل لكن هناك فرق بين من يصاب بالزلازل وهو إلى جهنم ومن يصاب بالزلازل وهو إلى الجنة ويقول النبي صلى الله عليه وسلم “إن أمتي هذه أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة إنما عذابها في الدنيا القتل والبلابل والزلازل” وفي رواية ” الزلازل والقتل والفتن” (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً (25) الأنفال) حينئذٍ من قتل مؤمناً فاغتبط بقتله هذا من الأسباب التي تستمطر غضب الله أن تقتل مؤمناً وأنت فرح بفعلتك باعتقادك أنه مبتدع أو كافر أو مشرك كما يحدث في العراق الآن. ففي العراق بعضهم يقتل بعضاً سُنّة وشيعة الأول يقول أنت مبتدع وكافر والآخر يقول أنت كافر وأشخاص يهدمون مساجد غيرهم ويحرقون مصاحفهم ويقتلون العلماء وهم فرحون بكونهم مجاهدون هؤلاء أو هذا الشخص الذي يقتل مؤمناً كما في الحديث “من قتل مؤمناً فاغتبط بقتله” ويقول شُرّاح الحديث: فاغتبط بقتله الذين يقاتلون في الفتنة فيقتل أحدهم مسلماً فيرى أنه على هدى ولا يستغفر ولا يتوب يحسب نفسه مجاهداً، هؤلاء خالدون في النار (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴿93﴾ النساء) هذه الأمور هي التي تستمطر عذاب القبر الذي كان كلما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم اصفرّ وجهه وأمر الناس أن يستعيذوا بالله من عذاب القبر.
فقه مرحلة الفتن يختلف عن فقه مرحلة الإستقرار وعلى الأمة أن تتكاتف لأنه عندما يأتي محتل يجب أن نتناسى خلافاتنا والهنود وهم من أعظم الشعوب ورغم اختلاف أديانهم ومذاهبهم عندما احتلهم الإنجليز أصبحوا يداً واحدة ، وكان المسلمون هكذا عندما تم احتلال مصر وسوريا والعراق في العشرينات أصبحوا يداً واحدة فما بالهم اليوم وقد احتلت بلادهم على هذا الوجه القبيح الذي استنكره العالم وشعر بالغيظ والحنق كيف يمكن أن يقتل العراقي عراقياً بحجة أنك أنت شيعي وأنت سني وأنت وهابي وكلهم في النار؟ “إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار”، ” وإن خفت أن يبهرك شعاع السيف فضع ثوبك على رأسك يبوء بإثمك وإثمه” ويقول صلى الله عليه وسلم “إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه” فالذنوب تحرمك الرزق، تحرمك الاستقرار والسكينة، فذنوب كثيرة في هذه الحياة تستمطر العذاب الفوقي، وقال ابن مسعود لما روى الحديث “وأحسبه أنه يُنسّي العلم” الذنب ينسي العلم وقال الشيخ الإمام الشافعي:
شكوت إلى وكيعٍ سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأعلمني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي
فإذا أذنب العالم نسي بعضاً من علمه بل إذا ضحك العالم قهقهة مج مجةً من العلم كما في الحديث(تعلموا العلم وتعلموا له الوقار والحلم)، ويقول الشافعي أيضاً:
إذا كنت في نعمة فارْعها فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشكر الإله فإن الإله سريع النقم
وهذه النعم ربما تنقلب على أصحابها نقمة إذا لم يؤدوا شكرها ولم يوأدوا واجباتها وكأنما هذه الفتن التي امتلأت بها الأمة وسلط علينا الأعداء لا شك أن لذنوبنا ومعاصينا سببٌ وراءه والعياذ بالله سبب وراءه.
سؤال من أحد المشاهدين عن عذاب القبر وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم “لا عذاب إلا بعد حساب” وهذا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في البداية، السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تأتيها يهودية فقيرة وكلما أسدت إليها السيدة عائشة معروفاً قالت اليهودية: نجاك الله من عذاب القبر فقالت السيدة عائشة: يا رسول الله أفي القبر عذاب؟ قال:لا، عمّ ذلك؟ قالت: هذه اليهودية هكذا تقول، قال: لا ( لا عذاب إلا بعد حساب)، ثم بعد حوالي شهرين خرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد اصفر لونه وارتعدت فرائصه وخرج وقد حسر عن رأسه وأخبر الناس بأن عذاب القبر حقٌ فجاءت أحاديث عذاب القبر تتراً وهي صحاح إضافة إلى الآية الكريمة (وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴿45﴾ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا (46) غافر) هذا في القبر (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴿46﴾ غافر) إذاً عذاب القبر حقٌ ولكن السؤال أين عذاب القبر؟ إن من الخطأ الفاحش والتفكير الساذج أننا انصرفت أذهاننا مادياً إلى هذه الحفرة التي نضع فيها الجثمان كأن عذاب القبر في هذه الحفرة وهذا غير صحيح وفهم ساذج جداً فملايين الناس لم يدفنوا وحتى فرعون الذي أخبرنا الله أنه يعذب الآن لا يزال جثمانه في مصر أنا رأيته بعيني ورآه الملايين من الناس في المتحف المصري مسجّى وقبل سنتين صار فيه خلل وذهبوا به إلى فرنسا وأصلحوا الخلل وإلى الآن الناس يعجبون من هذا التحنيط الذي احتفظ به إعجازاً لقوله تعالى (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً (92) يونس) وقال الخبراء الفرنسيون أنهم وجدوا في شعره بقايا رملٍ من بحر إذاً من هذا الذي يعذب كما تقول الآية؟ ومن هذا الذي هو في المتحف؟ فعذاب القبر حقٌ وإنكاره مُخِلٌ بالعقيدة، لكن ليس في هذه الحفرة شيء ما أن يموت الإنسان حتى يبدأ العمل معه والتعامل معه في البرزخ والجثة مرمية لا علاقة لها بهذه الروح والجسد تفسخ وسط التراب وانتهى ولن يعود هذا الجسد. هناك جسد قديم عملاق آخر قادم يوم القيامة هو الذي سوف يحل محل الجسد الطيني ولذلك ما أن يموت الإنسان وقبل أن يموت بثواني الطفل يكبر والجاهل يتعلم والمجنون يعقل وأنت ترى كل شيء بمعلومات هائلة (فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴿22﴾ ق) كلام البرزخ هذا كلام ينبغي أن نعيه جيداً وأن نكف عن ترويع الناس من هذه الحفرة التي هي تراب وينتهي الأمر بالدود وكأن شيئاً لم يكن، لن تعود إلى هذا الجسد الطيني لأنه لا يصلح يوم القيامة المادة فانية والمادة يوم القيامة خالدة فالإنسان لا يموت ولا يبلى (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى ﴿118﴾ طه) وحينئذٍ هذا الجسد العملاق القادم على أنقاض هذا الكون يختلف اختلاف كبير عن قواعدنا نحن في هذه الأرض ولذلك يجب أن نكون عقلانيين ونبتعد عن الإسرائيليات. وعن عذاب القبر هناك باب في كتاب البخاري ومسلم وهنالك أعمال تقي من عذاب البقرة مثل حفظ البقرة وآل عمران والصلاة في العتمة- العشاء والصبح في المسجد- أيضاً صلة الرحم والإنسان السمح الكريم وسورة يس وتبارك بعد المغرب تدافع عن صاحبها، ومن الأعمال التي توجب عذاب القبر مثل النميمة والغيبة وعدم دفع الزكاة وأمور أخرى كثيرة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 10/11/2006م وطبعتها الأخت نوال جزاها الله خيراً من السعودية وتم تنقيحها