الحروف في القرآن الكريم, حرف العين

حرف العين – منظومة الطمع (عسى)

اسلاميات

 

منظومة  الطمع

عسى– لعل – ليت

كان ممكناً أن نسمي هذه المنظومة منظومة الرجاء ولكن آثرنا أن نسميها منظومة الطمع لأن الفرق بين الرجاء والطمع أن الرجاء أنت تقدم أسبابه (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (9) الزمر) ساجد، قائم، يصلي الليل والنهار هذا قدّم الأسباب رجاء أن ينال الرحمة يوم القيامة. فالرجاء إذن أن تقدم أسبابه، أنت تعمل بالتجارة مثلاً رجاء أن تكون غنياً. الطمع بدون أسباب. أطمع برحمة الله سبحانه وتعالى من غير أن أفعل شيئاً فقط أن الله تعالى كريم وعظيم أطمع بهذا.

فالطمع إذن هو أن ترغب بحصول شيء ليس عندك وترغب الحصول عليه من غير أن تقدم أسبابه. هذه لها في كتاب الله ثلاث صيغ: عسى، لعل، ليت. عسى أن أدخل الجنة، لعلي أدخل الجنة، ليتني أدخل الجنة. ثلاث صيغ كل صيغة منها تدل على حالة معينة.

عسى: عندما أقول: عسى أن أدخل الجنة، أنا أرغب في شيء محبوب ممكن وكل شيء محبوب وليس عندي أقول (عسى). (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ (8) التحريم)، (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) يوسف) من غير أن يقدم أسبابه، يعقوب u ما عنده شيء وإنما قال (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (86) يوسف). إذن عسى تستعمل لكل شيء محبوب يمكن أن تحصل عليه في المستقبل. إذن (عسى) هي الطمع بشيء محبوب قادم.

لعل: طمع بشيء مفقود لا وجود له. (فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) القصص) شيء مفقود تماماً، (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) الأحزاب)، (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) النمل).

ليت: هو الطمع بشيء مستحيل. (وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) الأنعام) دخل النار وانتهى. بعدما جاء المسلمون وانتصروا واحد منهم تخلّف يقول (يا ليتني كنت معهم)، مريم عليها السلام قالت (فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (23) مريم).

عسى: عندما تطمع بأشياء أو ترجو أشياء عندك في كتاب الله عز وجل ثلاث أدوات: إما عسى وإما لعل وإما ليت. لما عُثِر على يوسف u واشتراه المشتري قال (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا (21) يوسف) العزيز ما كان عنده ولد وكان عقيماً ففرح أن هذا الغلام سيكون إبنه في المستقبل، طمع في شيء محبوب في شيء تشتهيه النفس. كما قال تعالى على لسان يعقوب u (عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) يوسف). (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا (48) مريم) كل إنسان يطمع في أن لا يكون بدعاء ربه شقياً. ماذا فعلت ليكون لك هذا؟ لم تفعل شيئاً لكن تطمع في رحمة الله عز وجل. (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً (84) النساء) ما عندكم شيء تدفعونه. (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (102) التوبة) التوبة والمغفرة محمودة ولكنك لا تملك أسبابها. (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) المائدة) عندما تكون القوة الغاشمة الغازية قوية وأنت خفت وأوشكت أن تنهزم. إذن (عسى) أداة طمع بشيء محبوب جداً أنت لم تقدم أسبابه ولو قدمت أسبابه لكان رجاءً.

لعل: طمع في شيء مفقود كما يقول تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) البقرة) إذا لم يفعلوا هذا فإنهم لا يرشدون فهم الآن غير راشدين. هذا الرشد مفقود حالياً ويمكن أن يحصلوا عليه إذا فعلوا هذا أو قدموا أسبابه. الفرق بين عسى ولعل أن لعل تقدّم الأسباب (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) الأحزاب) (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) هود). من دقة القرآن الكريم لم يستعمل عسى مكان لعل أو لعل مكان عسى. قال تعالى (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) طه) ما قال عسى أن ترضى. (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) النمل) مفقود الآن ويرغب بالحصول عليه.

ليت: لتمني المستحيل وفي بعض الأحيان النادرة للعسير جداً القريب من الإستحالة. (قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (23) مريم) (يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) الفرقان) كلها طمع في شيء مستحيل الحدوث.

هكذا هي منظومة الطمع منها ما هو بشيء محبوب ومنها ما هو بشيء مفقود ومنها ما هو بشيء مستحيل. وهكذا في لغة القرآن التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها تعطي المعنى بدقة. إذن ليت طمعٌ في شيء مستحيل، عسى طمعٌ في شيء محبوب قادم ممكن، ولعل طمعٌ في شيء مفقود.

علماء التفسير لهم كلام طويل في (عسى) عسى فيها تمريض وهي مجرد طمع والطمع قد لا يتحقق لكن قالوا (عسى) عند الله واجبة وهذا كلام غير دقيق وما توصلنا إليه أحد أمرين: إما أن ترجو لنفسك أو ترجو لغيرك وفي الحالتين فإما أن تمتلك تحقيق هذا الطمع أو تتوقع أن يصدر من غيرك. إذا كنت غير قادر قُل: عسى رئيس الدولة أن يُكرم فلاناً، أنت لا تملك إلا الطمع والفاعل رئيس الدولة فإذا قال رئيس الدولة تعال يا فلان أكرمك هذا لا يعني أن يشكك رئيس الدولة وإنما أراد أن يبعث الرجاء في نفسك، إذهب إليه وأنت طامع في عطائه، هكذا رب العالمين. (عسى) الله تعالى يريد أن يغرس فيك قوة الطمع والرجاء فيه “لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله”. وأحاديث حسن الظن بالله عجائب. منها أن رجلاً حُكِم عليه بالنار فجاءه ملك آخّذٌ بقفاه على شفير جهنم فلما رآها سوداء بيضاء إنخلع قلبه فرفع رأسه وقال: والله ما كنت أظن أنك تضعني في مثل هذا، قال تعالى فما كنت تظن إني أفعل بك؟ قال: كان ظني أنك كريم لا تفعل بي هذا، فقال تعالى وأنا عند ظن عبدي بي إذهبوا بعبدي إلى الجنة”. وفي الحديث القدسي: “يا ابن آدم إنك ما رجوتني ودعوتني إلا أجبتك، يا ابن آدم إنك ما استغفرتني إلا غفرت لك، يا ابن آدم لو جئتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لقيتك يقرابها مغفرة”. رب العالمين يريدنا أن نكون طامعين في رحمته كما يريدنا أن نُلحِف في الدعاء. إذا أردت شيئاً لا تستحي فإن الله تعالى لا يحب من يقنط من رحمته مهما فعل وهذا شأن الكِرام. كلنا قرأنا في التاريخ عن أهل الحلم والعطاء هؤلاء إذا عرف أحدهم أنك ما جئت إلى بابه ظناً منك أنه لا يكرمك يغضب ويجد في نفسه أذى ويقول: هل منعت غيرك؟ هل شممت مني بخلاً؟ فكيف تقول هذا؟ إطرق بابي واعرف من أنا، هذا في العباد فكيف بربّ العباد عز وجل الكريم الغني؟ رب العباد يحبك أن تكون طامعاً به ولو كنت على شفير جهنم كالرجل الذي كان على شفير جهنم. “عبدي لو أذنبت الليل والنهار ثم استغفرتني لغفرت لك”. ليس بوسع عقلك بقوانين الدنيا أن تتصور قوانين الله عز وجل وعفوه وكرمه وعطاءه. لو أذنبت الذنوب كلها ثم قبل الموت قلت أستغفر الله إستغفاراً من قلبك يغفر الله تعالى لك ذنوب مائة عام.

(وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) آل عمران) حشرهم مع العاملين. هذا جزء من كرم الله تعالى ولا يمكن للعقل أن يحيط بذلك لأنه لا يحيط بذات الله تعالى فلا يحيط بصفاته. عندما يقول (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (102) التوبة) يبعث الله تبارك وتعالى فينا قوة الطمع فيه والرجاء بعفوه. الآية (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (102) التوبة) رب العالمين يصنف الناس أصنافاً. أناس مشركين، ليس بينك وبين رحمة الله إلا “لا إله إلا الله” ومن العجيب أن هذه الكلمة لا يمحصها ولا يقولها بحق إلا المسلم اليوم حصراً، لا اليهود ولا النصارى وما من أمة أخرى تمحص “لا إله إلا الله، إله واحد، رب واحد، لا شريك له هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير إلا هذا المسلم. لذا قال r: ” لا أخشى عليكم أن تشركوا بعدي أبداً”. ونحن هاجسنا ليل نهار منذ 15 قرناً تشرك أو لا تشرك. هذا الرب الذي لا يمنعك من رحمته إلا أنك لا تقول لا إله إلا الله مصدقاً بها قلبك، ظُنّ به ما تشاء والله تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي. فلما يقول (عسى) يريد أن يربي فينا الطمع والرجاء والكران يحب أن يطمع الناس فيهم ويرجون رحمتهم.

نقف عند الآية (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (102) التوبة) دعك من أسباب النزول والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. لو لم تعرف أسباب النزول فعليك بعموم اللفظ. صحيح أنها وجبت لكن الله تعالى لا يوجب على نفسه لكن الله تعالى أراد أن يبعث فينا أن نكون طمعنا فيه عقائدياً ولا تشك فيه لحظة. ومن دقة التعبير القرآني إستخدام لفظ (خلطوا) (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا) عندنا خلط ومزج، خلط عندما يكون هناك مثلاً قلمين خلطناهم لكن يمكننا فصلهما وفرزهما وإعادة كل قلم إلى صاحبه أما المزج مثل مزج اللبن والماء أو العسل واللبن لا يُفصل. (وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ (27) المطففين) الشراب يوم القيامة فيه مزاج كافور لا يفصل. الشراب يوم القيامة مختومة فلما تفتحها تشم منها رائحة أنواع العطور والرياحين فكيف تفصل شراباً ممزوجاً برائحة؟ قال تعالى الناس الذين خلطول عملاً صالحاً وآخر سيئاً ما قال مزج. كل المسلمين يخلطون عملاً صالحاً وآخر سيئاً كلنا نصلي صلاة صحيحة ولكن نفعل شيئاً سيئاً مثلاً شرب الخمر، هذا خمر سيء وهذه صلاة صحيحة. واحد يصوم بكل الشروط المطلوبة هذا عمل صالح ولكنه يأخذ الربا، هذا عمل سيئ، يمكن فصل هذا عن هذا. لكن هناك بعض الفرق والملل في الإسلام مزجوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً جميع أعمالهم ممزوجة صالحة وطالحة وليس في عملهم صالح محض أو طالح محض ولا تجد في عملهم عملاً صالحاً صحيحاً محضاً، كله ممزوج فيه الخطأ والصواب بحيث لا يمكن فصله. هناك أناس لا يمكن أن يصوم أول يوم من رمضان، الناس كلها تصوم وهو لا يصوم مع أنه ” صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته” هو يرى هلال رمضان لكنه لا يصوم ويصوم في اليوم التالي ويرى هلال العيد فلا يفطر وإنما يصوم، يصلي صلاة ليس فيها أركان، في الحج لا يقف في عرفة مع المسلمين وإنما يقف ثاني يوم أي أول أيام العيد، هذا مزج لا يمكن فصله. معنى هذا أنه إذا كانت أخطاؤك ممتزجة في العبادة إمتزاجاً مطلقاً تستحل دماء المسلمين وتعتقد أن كلهم في النار ما عداك زلا تؤمن بالقرآن ولا تؤمن بالنبوة ولا برمضان ولا بالصحابة هذا مزج. كثير من الفرق الضالة تمزج الخطأ والصواب بحيث لا يمكن فصلهما. وهناك فرق بين أن تكون عنك عبادات صحيحة وعندك ذنوب هذا في باب كامل صالح وهذا طالح. أما أن يمتزج الصالح والطالح بحيث لا يمكن فصلهما فهذا مزج وهذا الذي لا يُغفر لأنك لم تعبد. قطرة بول تنجس برميلاً من اللبن. إذا كان هناك خلل في ركن أو شرط يلغي العبادة كلها حتى لو صليت ألف عام. الآية تقول (اعترفوا بذنوبهم) الإعتراف بالذنب فضيلة والندم توبة. وفي الحديث القدسي: إن العبد ليذكرني على المعصية لا يستغفرني فأغفر له. لمجرد أنك ارتكبت ذنباً وقلت في نفسك خلال الذنب كيف فعلت هذا؟ وذكرت الله على خطيئتك فإنه يغفر لك. الإعتراف بالذنب أن تستغفر، تندم وتتبع السيئة الحسنة هذا أمر يحبه الله تعالى (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ (222) البقرة) لم يقل التائبين، والله تعالى يحب كل مفتّن تواب أي الذي يفتتن كثيراً ويتوب كثيراً والله يحب التوابين المتضرعين ” أنين التائبين أحب إلى الله من زجل المسبّحين” مع أن زجل المسبحين عند الله عظيم، الملائطة تجلس معهم وتستغفر لهم فيقول تعالى: أشهدكم أني قد غفرت لهم فيقولون فيهم فلان خطّاء فيقول تعالى وله غفرت هم القوم لا يشقى جليسهم. الدمعة من خشية الله ولو بقدر جنح ذبابة كما قال r الله تعالى يحرم على عينيك النار. هذا هو رب العالمين (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82) طه) كلكم مذنب إلا من غفرت له فاستغفروني أغفر لكم، هكذا رب العالمين.

إذن هناك شرطان في (عسى): أجمل أنواع الـ (عسى) وما في كتاب الله تعالى أجمل من هذه الـ (عسى) (عسى الله أن يتوب عليهم) من منا لم يخلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً؟ كما قال r: “لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستفغرون فيغفر الله لهم”، فإياك أن تيأس من رحمة الله تعالى ولنا في حديث اليهودي الذي قتل المائة بمجرد أن توى التوبة وتوجّه لكي يتوب ومان غفر الله تعالى له قبل أن يصل إلى التوبة.

(عسى) الثانية في كتاب الله نتكلم عنها لأنها تخص المسلمين وغير المسلمين في حالات الحروب. في الصدام العسكري هناك قوانين متفق عليها دولياً وغريزياً عند البشر وأمور لا تقبل النقاش، هناك أمور عندما تدخل أمتك في خرب مع أمة أخرى لا يمكن أن تتفق مع عدوك على أمتك مهما كان السبب ومهما كانت الأمة الغازية قوية قد تخاف منها وتعمل جاسوساً لها أو تكون خائناً أو عميلاً على اختلاف التسمية في هذا العصر. القرآن الكريم أطلق على كل هذه المصطلحات (الذين في قلوبهم مرض) هذا إنسان غير سليم من حيث أن عواطفه مريضة يتخلى عن أبسط الأمور التي تجعله مواطناً صالحاً بأن يقدم أبسط الحقوق لأمّته وهذا لا تختلف عليه أمة أن كل من يتعامل مع العدو هو خائن أو سمّه ما شئت: عميل، جاسوس، خائن، هذه قضية كونية. رب العالمين يتكلم عن هذا في مجتمع المدينة عندما اتفق اليهود والنصارى على المسلمين واتحدوا عليهم مع أن بينهما عداء شديد (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) ولكنهم برغم خلافاتهم لا يتحدون إلا على المسلمين حصراً وهذه قضية ثابتة منذ جاء الإسلام إلى يوم القيامة. بينهما كتل وفرق ولكن إذا تعلق الأمر بالمسلمين فهم يد واحدة وهكذا الأمر الآن. في الحرب الباردة بين الروس والأميركيين ما من نقطة وحدت جهودهم إلا محاربة الإسلام في إفريقيا من حيث أوشكت أن تكون قارة إسلامية. بعض الحالات، بعض المسلمين مالؤا اليهود والنصارى خوفاً منهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) المائدة) ما قال أصدقاء لأنه لا بأس أن تكون صديقاً أو ذا ودٍّ لهم لكن لا يكونوا أولياء يأمرونك فتطيع، هم أولياء بعضهم البعض (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) هم أمنع الناس من ظلم السلطان وأكثرهم أوبة بعد توبة وسريعوا العودة إلى الرشاد وقد مدحهم الرسول r لأنهم أمة موحدة. (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) إذا كنت عميلاً لهم تأتمر بأمرهم على حساب أمتك فأنت منهم. يقول تعالى عن المنافقين (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) المائدة) هذه قوة غاشمة قوية نخاف أن تؤذينا فنكون معهم. (يُسَارِعُونَ فِيهِمْ) لم يقل يسارعون إليهم (الحرف في القرآن يعطي معنىً جديداً). أسراع فيهم أي أنا بينهم ومعهم أصلاً وأُسرع في خدمتهم أكثر ، وإذا كنت بعيداً عنهم تقول: أسارع إليهم (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران) لكن سارعوا في أي أنت فيهم. هذا الخائن هو معهم أصلاً وأسرع في خدمتهم.وفي خيانة بلده.

(يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ) التاريخ الإسلامي كله إلى أن تقوم الساعة الأمة الواحدة المتمسكة بقواعد الإنسانية من حيث أخلاقيات الإنسانية أن لا يعين عدوه ولا يخون بلده وهي عار بكل المقاييس ولو أن أحداً من الفرنسيين مثلاً خان بلده وتعامل مع الألمان لقتلوه، وما سمعنا بذلك. هذه قضية كونية (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) يأتي بالفتح إن كنتم تستحقونه، إذا إستعددتم له، عندكم قوات وطبقتم القوانين الدولية من حيث الدفاع عن النفس، (أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) لا تعرفونه فقد ينزل ملائكة كما أنزل في بدر وقد يعطي قوة لأناس بسطاء جداً فيقهرون دولة عظمى وقد يرسل طيراً أبابيل: عبد المطلب ما قال سوى: إن للبيت رب يحيمه، لهذا إذا كنت تعتقد أن للكون رباً وكنت صاحب قضية عادلة وقلت يا رب فسيأتي الله بأمر من عنده واعلم أن الله تعالى لن يخيبك حتى لو لم يكن لك فتح فيصبح الجبناء على ما أسروا في أنفسهم نادمين.

كل يوم هناك نوع من الأنذال الخونة والجواسيس لكنهم بعد سنوات يصيبهم وذريتهم العار والذل إلى سنوات عديدة. وكلنا يذكر إبن العلقم وأبو رغال وكأن العلقمي وأبو رغال إنتشروا الآن إنتشاراً مشيناً لكن لا بد أن يصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين. هكذا نسق التاريخ ونسق الله تعالى مع كل الأمم ومع كل ضعيف. رب العالمين بريحٍ قضى على عاد التي أذلت الناس (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) الحاقة)، مطر، فيضان، بثواني (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) هود) القرى في الإسلام هي الدولة. أهلك تعالى عاداً الأولى أما عاد الثانية في هذا العصر فالريح قادمة لا محالة ما لم تكف عن بطشها في العالم والله تعالى ليس غافلاً (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) إبراهيم) المشكلة في هذا المسلم صاحب القلب المريض الذي بقي مع العدو يستحل دم قومه بحيوانية مطلقة وحتى الحيوان يدافع عن بيته وأولاده، كيف تقترب من صغار القط وأمهم موجودة؟ هذه غريزة في الحيوان فما بالك بالإنسان؟ فكيف للمسلم الذي يدعي أنه مسلم يفتك بشعبه وبأبناء شعبه وهو يدعي أنه يصلي ويصوم؟ كل هذا البطش؟ هنا المشكلة هؤلاء مزجول عملاً صالحاً وآخر سيئاً ولا يمكن فصل عملهم الصالح من عملهم السيء لأنه عملهم كله صار مرذولاً. الله تعالى يسن قوانيناً لهؤلاء البشر وعلينا أن ننتبه والموت قادم لا محالة فلا تخاف فالموت تحفة المؤمن فقُل الحق ولو على نفسك. وشرط المغفرة في الآية عدم الإصرار (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) آل عمران).

رب العالمين يقول أن اليهود والنصارى لن يثقوا بك أبداً (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (120) البقرة) ليس في العقل الغربي أو اليهودي أو النصراني أن ينصر مسلماً لوجه الحق وهذه قضية فلسطين معروفة يتلذذون في معاناة هذا الشعب فكيف تنصرهم على شعبك وتكون جاسوساً أو عميلاً لهم أو خائناً لأجلهم؟ قضيتهم غير قضيتك مهما فعلت لا يمكن أن يؤمنوا بك ولا يأمنوك مهما قدموا لك من تسهيلات.

هناك أحاديث كثيرة في حسن الظن بالله تعالى منها: “لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله”، “حسن الظن بالله من جنس عبادة الله” عندما تحسن العبادة تحسن الظن بالله تعالى. دخل رسول الله r على فتى يحتضر فسأله: كيف تجدك؟ قال: يا رسول الله أخاف ذنوبي وأرجو رحمة ربي، فقال r: ما اجتمعتا في قلب مؤمن في مثل هذا الموقف إلا غفر الله له.

وهناك أحاديث أخرى كثيرة لكن هذا الكلام بقوله تعالى (وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) آل عمران)، (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) منهم (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ) حينئذ حسن الظن بالله هو رأسمالك ولن يدخل الجنة أحدكم عمله.

بُثّت الحلقة بتاريخ 5/1/2007م