الدراية– البصيرة – التعقل أو العقل – المعرفة – الفهم – العِلم – الفِقه – الوعي
منظومتنا لهذه الحلقة منظومة العلم والمعرفة والكلمات الواردة في كتاب الله عز وجل هي الدراية والبصيرة والمعرفة والتعقل أو العقل والعلم والفهم والفقه والوعي فتقول: أنا دريت وبصرت وعلمت وعرفت وعقلت وفهمت وفقهت ووعيت وكلها تعني أنشطة دماغية تتعلق بالعلم والمعرفة ولكن كل كلمة من هذه الكلمات ترسم جزءاً من الصورة لا ترسمه الكلمة الأهرى وعندما نتأكل في كتاب الله عز وجل تجد أن الله سبحانه وتعالى استعمل هذه الكلمات استعمالاً إعجازياً بحيث لا تغني كلمة عن كلمة أخرى.
الدراية: (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) الطلاق) هي الإدراك بالحزّورة (الختل) العلم عن طريق الختل. مثلاً أقول لك: هل تدري ما بيدي؟ أنت ليس لديك أدوات المعرفة لكن تحاول عن طريق الختل أو الحزورة أو الحيلة فتقول أعتقد أن في يدك كذا. (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (9) الأحقاف). (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) الأحزاب) الدراية أن تكتسب علماً أو معرفة عن طريق الحزر وهذه تعتمد على فطرتك ومدى ذكائك وهذا شأن الحيَل أو المخاتلة في التوصل للمطلوب. حيثما ترى (وما أدراك) (وما يدريك) في القرآن عندما يذكر (وما أدراك) يجيب عن السؤال كما في قوله تعالى (الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4)) وإذا قال (وما يدريك) لا يفصّل، أنت حزّر كيف رأيك وهذه يسمونها مخاتلة.
العلم والمعرفة: العلم هو إدراك الشيء جملة واحدة بدون تدرج، المعرفة متدرجة. عندما توصّل الناس إلى معرفة الكهرباء أو الطيران أو غيرها تدرجوا إلى أن وصلوا، هذه معرفة (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) النمل) بالتدريج وفعلاً آيات الكون والوحدانية وقدرة الله تعالى وقدة قوانين هذا الكون (وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا (12) فصلت) أي قوانينها تعرفها البشرية يوماً بعد يوم، جيلاً بعد جيل، قرناً بعد قرن، هذه معرفة. أما العلم فمرة واحدة ليس فيه تدرج (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19) محمد) تعرفها بجملة واحدة. فالعلم يقيني ويُعرف بجملة واحدة ليس فيها تدرج ولا تجارب وإنما قضيته يقينية ثابتة. الله تعالى يقال عنه عالم ولا يقال عنه عارف، رب العالمين لا يتدرج بالمعرفة وإنما علمه قطعي فالله تعالى عالم وكما أنه عالم إمتدح العالِمين والقرآن الكريم كرّم العالِمين تكريماً عظيماً وذكرهم في مصاف الأنبياء، ذكر الله والملائكة وأولو العلم (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) آل عمران) جمع أولو العلم والأنبياء في كلمة ولهذا الله تعالى كرّم الأنبياء (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) النساء) فالعلم قطعي يقيني والمعرفة متدرجة. يعرفونها غير يعلمونها. (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ (22) الروم) لم يقل للعارفين، العالِم وصل النهاية، وصل القمة.
العقل: عقلت الشيء (لقوم يعقلون) يجمعون عدة أشياء ويخرج من هذه الأشياء المجموعة بنظرية. (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) البقرة). مأخوذة من عقال البعير أنت تجمع قوائم البعير بشداد واحد. لما تكون أنت صاحب نظرية وتجمع عدة عناصر لتأخذ منها نتيجة أي أنك عقلت. عقل الشيء إستعماله عدة عناصر لتخرج منها بنتيجة، هذا يسمى عقل. إذا ثبتت هذه النظرية بما عقله يسمى علماً. كل العلوم بدأت دراية ثم صارت معرفة بالتجارب ثم صارت عقلاً، مثل الأسبرين مجموعة عناصر جرّبوها ثم عرفوا السر فوضعوا العناصر مع بعضها فصارت عقلاً، لما صارت عقلاً ولم تأت نظرية تخرقها أو تنقضها صارت علماً. هذا التدرج في القرآن الكريم بهذه اللغة الأعجوبة التي هي أعظم ما يملكه المسلمون هذه اللغة العربية.
بصِر: (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) القلم) عندنا بصِر بكسر الصاد وعندنا بصُر بضم الصاد. بصُر تستعمل للعين: شاهدته بالعين (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) القصص). بصِر بالقلب، البصيرة هي المعلومة التي تملك عليها حجة داحضة لا يمكن نقضها (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف) عندي أدلة وحجج ولا أقول الكلام على عواهنه هكذا كما هي دعاوي المشككين (إعبدوا صنماً، اعبدوا حجراً)، هذا كلام ليس عليه حجة (قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا (148) الأنعام). البصيرة هو العلم الذي تقوم عليه حجة لا تُنكر (قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا (104) الأنعام) كل كلام الله سبحانه وتعالى حجج لا تنقض، رغم مضي 15 قرناً وتقدم العالم تقدماً كبيراً، هناك فرق كبير بين الحضارة والبداوة، بين الأمية وقمة المعرفة، وصل إلى معارف خيالية لو قالها أحد قبل خمسين سنة لقالوا مجنون ومع هذا إلى هذه الدقيقة ما ساتطاع هذا العلم في كل مجالاته برغم كثرة أعداء الإسلام والمتربصون به لم يجدوا ولا تناقضاً واحداً بين واقعه وبين واقع الحضارة (قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا). البصيرة هي المعلومة التي عليها حجة كاملة (أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ).
بصِر (فستبصِر ويبصِرون) بأيكم المقتون تقوم الحجة على ذلك بالبراهين.
الفهم: إدراك الشيء الغامض بعد غموضه وانجلاء هذا الغموض يسمى فهماً. رب العالمين امتحن داوود u بقضية (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) الأنبياء) قضية واضحة، أحدهم عنده مزرعة وجاءت غنم شخص آخر فأكلت زرعه، داوود u قال لصاحب الأرض خذ الغنم لقاء أرضك. سليمان u كان شاباً في الثانية عشرة فقال لأبيه: غير هذا كان أولى، فقال داوود u كيف؟ قال: ندفع لصاحب الأرض الغنم يستغل لبنها ولحومها إلى أن يعمّر الأرض كما كانت سابقاً ثم يعيد الغنم إلى صاحبها. (ففهمناها سليمان) لولا أن الله تعالى ذكر لنا هذا لوجدنا أن حكم داوود u في غاية الوجاهة والعدالة. فالفهم إذن إدراك الشيء الغامض. هذا الفهم إذا تطور جتى جعلك مجتهداً، سليمان u لم يفهم القضية فقط وإنما تطور وتطور حتى صارة مجتهداً وصاحب نظريات فصار فقيهاً.
الفقه: هو الفهم المؤدي إلى الإجتهاد كما قال تعالى (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ (83) النساء) هؤلاء أهل العلم. كلمة الفقه تطلق على أشرف العلوم: فقه الشريعة لأنه فقه يقتضي أن تكون فيه مجتهداً، العلم الشرعي كل زمان ينبغي تغيير الفتوى فيه وليس تغيير الحكم، هذا لا يفعله إلا فقيه. الفقيه هو الذي فهم هذا الشرع حتى صار فيه مجتهداً فيه فيقول فيه برأي له أدلته حتى صار مذهباً يتبعه الناس وهذا ما عليه الناس الآن. بعد أن تدرك الشيء الغامض تطورت وصرت صاحب نظريات مجتهد مبتكر فصرت فقيهاً تطور الفهم إلى فقه فالفقه فهم عالي يجعلك صاحب نظريات.
الوعي: هذا الفهم إذا حفظته عن ظهر قلب تتحدث فيه ساعات تسمى وعياً (لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12) الحاقة) تحفظ. الأذن جعلها الله تعالى مفتوحية دائماً لأنه عليك أن تسمع كثيراً لكي تحفظ كثيراً والاستظهار من ميزات العالِم. إستظهار القرآن يوم القيامة أعجوبة الأعاجيب “إقرأ وإرقَ فحيثما تنتهي فذلك مقامك” لهذا لا يعذب الله تعالى جسداً هو وعاء للقرآن. أن تكون وعاء أي أن تكون حافظاً لا تقرأ من ورقة لكن تحدث وتسترسل كالسيل الجارف هذا وعي. صار فاهماً وفهيماً وفهّام، الفهيم والفهّام كثير الفهم. الفهم إذا توصلت للمعاني الغامضة وإذا وصلت من ذلك أنك صرت متحدثاً صرت فقيهاً، إذا حفظت كل هذا عن ظهر قلب وأصبحت عندك سجية تتحدث في أي مناسبة في أي مكان في أي موضوع تسترسل لعلمك وغزارته يسمى واعياً.
هذه هي منظومة العلم والمعرفة على هذا التدرج الإعجازي في كتاب الله تعالى ما جاءت كلمة مكان كلمة (لقوم يعقلون) (فتعرفونها) (وتعيها أذن واعية) (ففهمناها سليمان) (يستمعون) (يسمعون) دقة في اللغة استعملها القرآن الكريم استعمالاً إعجازياً لا يمكن لبشر أن يأتي بمثلها حتى لو اجتمع البشر كلهم.
نتكلم عن فضل العلم والكلام عن فضل العلم أعجوبة الأعاجيب. هذا الدين كما في كل ديانات الأرض هناك عبارات متميزة كما هي في الأرض: إذا أردت أن تكون وجيهاً جداً هناك ألقاب وأسماء وعناوين إذا حضّرتها أصبحت تتمتع بكل شيء. كلمة دكتوراة مثلاً لو أخذت شهادة الدكتوراة تذهب للجامعة فتعيّن ويعترفون بك أنك عالم وهناك امتحان عالمي كل أكثر من ثلاثين عاماً إذا نجح فيه الشخص يسمى نابغة فإذا صار نابغة لم يعد يحتاج إلى أية أوراق رسمية في العالم. التعامل مع الله تعالى هكذا: بكالوريوس صلاة، صيام، ماجستير ذكّار (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) الأنعام) إذا أردت أن تكون نابغة في القمة تعال إلى الله عز وجل وأنت عالِم لا تتخلف عن الأنبياء وتدخل الجنة من أوسع أبوابها، تعال عالماً نابغة يوم القيامة. النابغة ليس علماً فقط وإنما سلوك وأخلاق وشروط عظيمة لتكون نابغة فالكرة الأرضية من مائة عام إلى الآن فيها سبع نوابغ فقط من مليارات البشر, إذا أردت أن تكون نابغة يوم القيامة عليك أن تكون عالِماً وإذا أردت أن تكون عالِماً هناك شروط أخلاقية ودينية وقد لا تتوفر هذه في عالم واحد وقد لا تتوفر وهذه شروط معجزة بحيث أن الغُنم بالغُرم على كثرة الرِفعة تتكاثر الشروط لهذا العلم يوم القيامة متجلي (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) آل عمران) (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ (11) المجادلة) بر الوالدين والصيام والبلاء وأن تكون مظلوماً هذه وسيلة (وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) أفرد الله تعالى هؤلاء الذين أوتوا العِلم مع أنهم من الذين آمنوا وهذا من تكريمهم. الله تعالى لما يذكر المسلمين يقول (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ (100) التوبة) مهما فعلت لا تصبح مثل أبو بكر وعمر والعشرة المبشرين بالجنة وآل بيت النبي r قد يكون عملك أكثر من عملهم لكن هؤلاء لهم فضل. الذين آمنوا وعملوا الصالحات متفاوتون لكن هناك مرتبة لا يصل إليها بالعمل وإنما بالعِلم (وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79) آل عمران) نسبهم الله تعالى إلى نفسه، هؤلاء لرب العالمين لم ينسب الشهداء والحكام العادلون وأهل البلاء والذكر والصابرين وغيرهم مع أنهم جميعاً لهم فضل لكنه أفرد أهل العِلم وحدهم (ربانيين) هؤلاء أهل العِلم الشريحة المتجلية يوم القيامة وهذه فيها خطورة هائلة. المواطن العادي إذا خالف قوانين المرور وتجاوز القوانين لا أحد يكترث لكن قريب الملك إذا خالف القوانين فهو مراقب ومحسوبة عليه حركاته فعليه أن يكون شريفاً نظيفاً. القريبون من الملوك يتنعمون بفضل الملك لكن يدفعون الثمن من حياتهم الشخصية فكل حركاتهم وسكناتهم مسجلة عليهم، ابتسامتهم، مواقفهم كلها محسوبة ولا بد أن تكون بمستوى معين حتى تكون مستشار الملك. “سلوا الله الفردوس الأعلى فإنها مقصورة الرحمن” أنت تجلس في مجلس الملك سبحانه (والذين عند الله) أنت في مقام رفيع. وليس كل عالِم عالِماً (وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79) آل عمران) لا بد أن تدفع ثمن هذا في الدنيا من حياتك وسهرك وليلك وزهدك وإخلاصك وأخلاقك الراقية. من بين مائة ألف عالِم ربما نجد عالِماً واحداً يكون ربانياً. العلماء على خير لكن أن تكون ربانياً نعرف منهم رجاء ابن حيوى وعمر بن الخطاب وابن حنبل والشافعي ومالك وآل بيت النبي r : جعفر الصادق والباقر الذين ظُلِموا في الدنيا وكما قال عليّ ابن أبي طالب رضي الله عنه ” نحن أهل بيت يهلك فينا مُحِبٌّ غالٍ ومُبغِض غالٍ” محب غال ألّههم وأصابهم بالعار وعبدهم من دون الله، ومبغض غال شتمهم ولعنهم على المنابر مائة عام. هناك علماء ربانيون وتحتهم درجات يتفاوتون في الرُتب (ولكل درجات مما عملوا) إذا كان الأنبياء بعضهم يفضل بعضاً كذلك العلماء. الربانيون في غاية اليسر لمن يسّره الله تعالى عليه، أن تكون متواضعاً في مأكلك ومشربك تكتفي بلقيمات تقمن صُلبك، يدرس لله لا يبتغي شهرة وليس عنده قصور ولا يشتري الدنيا بشيء، ذكّار، قوّام بالليل، يصوم ويحترم الناس جميعاً ولا يتهم أحداً ولا يعنّف أحداً وإنما يتحمل كل البشرية ويشفق عليهم ولكن الدناي غالية ” حب الدنيا رأس كل خطيئة” هذه الشهوة والمال والدنيا المفتوحة تفتن الناس (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) العنكبوت). أنت لست نبياً ولا شهيداً ولست من أنصار النبي r، هذه أوراق رابحة فإذا أردت أن تغلب الجميع إشتغل بالعلم بالحد الأدنى من المواصفات المطلوبة البعيدة عن زخارف الدنيا فأنت يوم القيامة من المتجلّين.
(قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ (40) النمل) ما من عالم من هؤلاء النوابغ يوم القيامة الربانيون إلا والدنيا تخضع لتصرفاته ” بعض صالحي هذه الأمة الدنيا وما فيها طوع مشيئته” (فأردت أن أعيبها) هذا العبد الصالح. تقول عائشة رضي الله عنها ” ما أسرع ربك في هواك” الله تعالى يريد كما يريد رسوله r، كما يريد هذا العالِم الرباني الذي نسبه الله تعالى إليه وقد قريء عن هؤلاء ما يجعلك تحتار ” يا عبدي أطعني تكن مثلي تقل للشيء كن فيكون” هكذا كانوا يفعلون. (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ) الآن العلم يقول هذا النقل الضوئي تستطيع أن تنقل شيئاً من مكان إلى مكان بأقل من لمح البصر، الجن مخلوق موجي والموجة قد تصل من صنعاء إلى بيت المقدس حيث مكان سليمان بزمن صِفر. كثير من المعجزان كانت خارقة في زمانها ولم تعد كذلك. لما أُلقي إبراهيم u في النار (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) الأنبياء) كان هناك قميصاً يلبسه، الآن إخترع البشر ملابس تقي الإنسان النار.
(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ (7) آل عمران) الذي صار إماماً في بابه، تطور من الدراية إلى المعرفة إلى العلم إلى الفهم إلى الفقه إلى الوعي حتى صار كتلة من العِلم، هؤلاء أناس رأيناهم في حياتنا بشكل نسبي وقرأنا عنهم في التاريخ بشكل مطلق أصبح قطعة من علم إذا نطق نطق بالحكمة لا يرجع إلى مصدر فأصبح العلم من سجاياه والله تعالى يفتح على لسانه ويلقّن الحكمة. إقرأ كتب الحديث تجد فيها باب الطب، باب الرؤية، باب الصبر، وما من جزئية من جزئيات الحساة إلا وللنبي r فيها كلام من 15 قرناً لم تستطع المعارف أن تلغي حديثاً واحداً (وعلمك ما لم تكن تعلم) إذا أردت أن تلقى الله تعالى في الدرجة الأولى فعليك بالعلم. والغريب أن النبي r وهو الرحيم بهذه الأمة يسّرها عليكم فقال العلم كيفٌ وليس كماً، لا يشترط أن يكون عندك علوم الدنيا ” من تعلم كلمة أو كلمتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً مما فرض الله عز وجل يتعلمهن ويعلمهن دخل الجنة”. إذا كانت معلوماتك العلم الذي يعصم المجتمعات من الإنحلال الفكري والمعنوي والجهل عكس ذلك، حينئذ ما من مجتمع تختلط فيه الكفاهيم وينحط إلا بسياق الجهلة ” لا تقوم الساعة حتى يُرفع العلم وينزل الجهل” الجهل إن ساد أفسد الأمة كلها إلا من رحم ربي والجهل الذي أخذ صبغة العلم من أكثر ما يهدد الأمم كما قال تعالى (وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ (119) الأنعام) هذا الضلال المتفشي الآن في العالم الإسلامي الضلال الفئوي والمذهبي والحزبي والطائفي وهذا التكفير المتبادل الآن يتوسط الساحة الإسلامية طائفتان يكفر كل منهما المسلمون بالكامل، كل المسلمين كافرين ما عداهم، هؤلاء أدى بهم الجهل إلى أن يضعوا سيوفهم في رقاب بعضه والمسلم إذار رفع سيفه على مسلم فقد خرج من هذه الملة قد قال تعالى (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ (179) آل عمران) الفريقان يملكان آلآف العلماء ولم نسمع للأسف واحداً منهم أنه قال مرة واحدة: إتقوا الله في بعضكم إن ما تفعلونه حرام، لا من هؤلاء ولا من هؤلاء وكلٌ منهم يكفر الآخر وهذا الذي أضلّهم يحمل الأوزار كاملة. هذا الذي أضلهم قد يكون عالماً لكنه من شياطين الإنس (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا (112) الأنعام) هذا العالِم (لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ (25) النحل) (وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي أوزار بعضهم، يحمل وزره كاملاً ويحمل وزر الذين أضلّهم والمضَلّ يحمل أوزار نفسه. الله تعالى يخاطب الأمة من خلال محمد r فيحذرنا من إتباع الهوى (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ (120) البقرة) ما قال اليهود والنصارى لكن اليهود ولا النصارى لأن عند الرضى عند هؤلاء يختلف عن عدم الرضى عند هؤلاء (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (145) البقرة) كيف جاءهم هذا العلم وتنصاع إلى هؤلاء وهؤلاء مع أن علمك يختلف وهذا ليس خطاباً للنبي r ولكن لأمته من خلاله لأن النبي r معصوم (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ (37) الرعد) ليس هناك من ينصرك والعلم عاصم. علم الطب يعصمك من الأمراض وعلم الدين يعصمك من الضلال ولهذا ينبغي أن تكون على بصيرة، على أدلة وقوانين أما هذه الدعاوى الفارغة وحرق الناس وقتلهم ينذر بالويل للأمة ما لم نقف في وجههم بشجاعة.
سؤال من إحدى المشاهدات عن الفرق بين البدعة والسُنّة الصحيحة؟
كلمة البدعة الآن إتخذت شعاراً لفئة معينة وهذه الفئات بدأت تنقرض، 99% من المسلمين هم مسلمون فقط ليس لهم عنوان ولا يتبعون أي فئة، مسلمون يحبون جميع الناس. قال r: ” يا بلال ابن الحارث من ابتدع بدعة ضلالة يبغضها الله ورسوله” الشيء الذي يبغض الله ورسوله هو البدعة. عليك بالحلال فحلال محمد r جلال إلى يوم القيامة وحرام محمد r حرام إلى يوم القيامة. فئات تتقاتل الآن هذا يكفر هذا وهذا يحرق هذا على مذهبه وهذه أمور يجب أن تزاح ولن تمر سنوات إلا وتنظف الأمة من هذه الفئات ويعود المسلمون مسلمون فقط (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا (123) النحل). القيح يسيل وستنظف الجروح وتعود الأمة وسوف يتصافى الفلسطينيون والعراقيون والمسلمون وسوف تزول هذه الطوائف إلى مزبلة التاريخ.
سؤال من مشاهدة أخرى تسأل كيف يمكن للناس العاديين استعمال الكلمة للتوفيق بين المسلمين؟
المؤتمرات والحوارات للأسف تزيد الخلاف ورجال الدين هم الذي أثاروا هذا. رب العالمين أعطانا موازين فإذا أردت أن تعرفي أنك على حق إسألي نفسك: هل في قلبك حقد على طائفة ؟ إذا كان في قلبك حقد على طائفة معينة فاعلمي أنك هالكة وإن لم يكن في قلبك حقد على أحد بل تحبين كل الناس وتدعين لهم بالهداية فأنت على حق.
وفي الختام قال الدكتور نجيب عبد الوهاب مقدم البرنامج أن زين الدين الركابي قام بدراسات ميدانية على الأشخاص الذي تورطوا في الأعمال الإرهابية وتبين له أن هؤلاء لم يتلقوا العلم الشرعي أبداً.
بُثّت الحلقة بتاريخ 2/2/2007م