الحروف في القرآن الكريم, حرف العين

حرف العين – منظومة انعدام الذرية (عقيم)

اسلاميات

منظومة  إنعدام الذُريّة

العقيم– العاقر – الأبتر – العَطْل –

إنعدام الذرية في كتاب الله عز وجل له ثلاث كلمات مترادفات وكلمة رابعة تستعمل مجازاً والكلمات هي: العقيم، العاقر، الأبتر والعَطْل.

العاقر: الذي لا ينجب أصلاً بأصل الخِلْقة ليس فيه قدرة الإنجاب، من الرمل العقيم الذي لا يمكن أن يظهر فيه أي نبات، رمل غير قابل للزراعة مطلقاً لا يقبل الماء ولا ينبت شيئاً. من هنا العقيم الذي ليس في وسعه أن ينحب لأنه ليس قادراً على الإنجاب بأصل الخِلقة كما في قوله تعالى (قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء (40) آل عمران).

العقيم: أيضاً ليس له ذرية ولكن يستطيع أن ينجب لكن لم ينجب. لهذا الفرق بين امرأة زكريا وامرأة إبراهيم أن زوجة إبراهيم عقيم يمكن أن تنجب وفعلاً أنجبت لاحقاً بينما امرأة زكريا كانت عاقراً فكان إنجابها معجزة من المعجزات، هناك إصلاح زوجة وهنا معجزة. من هذا القبيل العاقر المرأة أو الرجل الذي ليس في وسعه أن ينجب والعقيم في وسعه أن ينجب ولكنه لم ينجب كما قال تعالى (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) الشورى) والجعل تغيير الصيرورة لم يكن فكان كما قال تعالى (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) الأنبياء) (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ (39) فاطر) العقيم لم يكن عقيماً بالأصل لكن الله تعالى جعله عقيماً لأمرٍ ما. هذا هو الفرق بين العقم والعاقر فالعقم طارئ والعقر أصيل.

الأبتر: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) الكوثر) هو الذي ولد له أبناء ذكور ثم ماتوا كلهم بغض النظر عن أن يكون عنده إناث. فالأبتر هو الذي ليس له ذرية ذكور من حيث أن ذكره ينقطع مهما كان له من البنات لأن الذين يحملون إسم أبيهم لكي يذكرهم الناس هم الأبناء الذكور فمن ليس له ولد ذكر يسمى أبتر. وقد قال المشركون محمد أبتر لأن أولاده الذكور ماتوا وليس له إلا إناث وسنقطع ذِكره فقال تعالى (إن شانئك هو الأبتر) وفعلاً هؤلاء المشركون وهم من عائلة كبيرة الذين قالوا هذا الكلام عن رسول الله r لم يبق من نسلهم ولا رجل وحد مع أنهم كانوا يملأون الدنيا بينما أهل بيت الرسول r يملأون الأرض في كل مكان.

العَطْل: رجل سليم ويستطيع أن يمارس الجنس لكنه لا ينزل من ذَكَره الماء. جاءت في القرآن عن البئر (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ (45) الحج). الرجل العطل هو الذي لا سلاح له أو له سلاح لكن لا يجرح. استعملت هذه الكلمة مجازاً للرجل الذي له انتصاب لكن لا ينزل من ذَكَره ماء فبالتالي ليس له ذرية.

هذا الذي ورد في كتاب الله عز وجل في هذه المنظومة وهذا الفرق بين العقيم والعاقر والأبتر والعطل. العاقر ليس بوسعه أن ينجب في أصل الخلقة مأخوذ من الشؤم فالعاقر هي المرأة المشؤومة أي التي ليس فيها إنجاب والعرب يتشاءمون بها. العقيم الذي ليس له ذرية وليس فيه عيب ولكنه يستطيع أن ينجب لاحقاً، الأبتر من له ذكور فماتوا جميعاً والعطل الذي له وضع جنسي سليم لكن لا ينزل منه ماء المني. هذه هي منظومة إنعدام الذرية.

وفي كل الحالات هذا وضع من الأوضاع الإيجابية يوم القيامة لأن الرسول r يخبرنا عن ملوك الجنة أن من بعض صفاتهم أن الرجل يموت وحاجته في صدره والذين حُرِموا من الأولاد الذكور أمنيتهم أن يكون لهم ذرية ذكور وقد يموتون وحاجتهم في صدورهم لم ينالوها والله تعالى سوف يأجرهم أجراً عظيماً يوم القيامة.

كلمة العقم والعقر مستعملة استعمالات هائلة يومياً وفي اللغات العامة والخاصة واستعمالات كثيرة بحيث نطلقها في كل مجال فهناك عقم في الإنجاب كما هو الأصل (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) الذاريات) العجوز عادة تكون عقيماً.

ريح عقيم: وفي القرآن الكريم أطلق العقم على الريح (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) الذاريات) هناك عاد الأولى وعاد الثانية، عاد الأولى عرفناها ولم نعرف عاداً الثانية وما ذكر الله تعالى عاداً الأولى حيث أهلكها بالريح العقيم (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) الحاقة) لا تبقي ولا تذر فهي عقيم لم تنجب، إنقطع ذكرهم ونسلهم ولم يبق منهم شارد ولا وارد. ريح عقيم لا تلقّح شجرة ولا تأتي بمطر ولا غيث وإنما هلاك تحسم الأمر حسماً وننتظر لنعرف من هم عاد الثانية الذين سوف يهلكون بالأعاصير والعواصف والزلازل والبراكين لشدة ما يظلمون الناس كما فعلت عاداً الأولى (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً (15) فصلت) هذا الغرور جعلهم يسلطون قوتهم في ظلم الناس وننتظر من هي هذه القوة العظيمة التي تستبد بالناس وتفعل بهم الأفاعيل وسوف نرى أن عاداً الثانية سوف يهلكون كما هلكت عاداً الأولى بالريح العقيم لا تبقي ولا تذر.

رب العالمين يحدثنا عن عذاب يوم عقيم (وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) الحج) يتكلم تعالى عن بعض مشركي قريش أنهم هؤلاء ميؤوس من إيمانهم لا يؤمنون حتى يأتيهم عذاب يوم عقيم، من المفسرين من قال هو يوم بدر إنتصرت فيه قِلأّة مسلمة مؤمنة على كثرة مشركة انتصاراً لم يكن بالحسبان فقد أنزل الله تعالى الملائكة (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) الأنفال) أي أيدهم بالملائكة وكان يوماً عقيماً ما ترك للشِرك بقية. والبعض يقول يوم القيامة، وكلاهما صحيح: يوم القيامة يوم عقيم ويوم بدر كان يوماً عقيماً على الشرك كما قال r: إن تهلك هذه العصابة فلن تُعبد في الأرض.

المُلك العقيم: أي لا يُنتج. في سبيل الحصول على الملك قد يقتل الرجل أباه وأخاه وابن عمه وعمه الملك عقيم لأن الملك غالي وليس فيه قيمة للنسب، من آدم أول ما قتل قابيل هابيل منذ أول البشرية هناك ملك عقيم.

يوم عقيم: يقال يوم عقيم لا خير فيه ولا فرح. يتكلم الرسول r عن معركة قادمة بين اليهود والمسلمين في آخر الزمان وينتصر المسلمون على اليهود لكن بحيث “لا يُفرَح يومئذ بنصر ولا يُقسّم يومئذ ميراث”، ينتصر المسلمون لكن انتصارهم كالهزيمة معركة ليس فيها غالب ويبدو والله أعلم أن الأسلحة فتاكة ونحن نقرأ في بعض الأساطير الكتب عن تخيلات أوحقائق أو دسائس ويقولون أن الغرب سيضيقون ذرعاً باليهود وربما يدسون للعرب أسلحة فتاكة ويشعلون ما بينهم حرباً تقضي على الإثنين معاً وهذه حقيقة أوشكت أن تكون. وفي حرب عام 1967 الإتحاد السوفياتي كان مع مصر وأميركا كانت مع إسرائيل وأميركا والإتحاد السوفياتي أوشكوا أن يتفقوا أن يعطوا العرب قنبلة ذرية ليتخلصوا من الإثنين معاً اليهود والعرب، هذا جرى على صعيد الواقع تقريباً وقد تصير هذه حقيقة واقعة وقد تحصل حرب لا تبقي ولا تذر ” حيث لا يفرح يومئذ بنصر ولا يُقسم يومئذ ميراث ثم يأتيكم الصارخ وقد غدر بكم الروم” لو تتبعنا الأحداث نرى أن هذا من دلائل النبوة يوشك أن يقع حرب عقيم شديدة لا نصر فيها، ليس فيها منتصر.

جدل عقيم: ومعظم ما أوتي المسلمون في تاريخهم من الجدل العقيم، قُسِّموا طوائف وأحزاب وجماعات وفرق ليس لها أصل إلا الجدل العظيم على الطريقة البيزنطية البيضة أولاً أم الدجاجة؟ مثلاً أيام عبد الناصر كان شعاره: حرية وحدة اشتراكية والبعثيون في العراق وسوريا شعارهم وحدة حرية اشتراكية وكان بينهما خصومة وجدل وأُلِّفت كتب أيهما أفضل؟ وبقوا يتجادلون ثلاثين عاماً وقد ذهب الإثنان إلى ما ذهبوا والتاريخ مليء بهذا مثل قضية خلق القرآن، مرتكب الكبيرة، ما بين الشيعة والسنة، ما بين الوهابية والشيعية، هذا يذهب العقيدة ولا يقويها وهذا من مكر الله. إن رجلاً مسلماً يؤمن بالله واليوم الآخر يحب المسلمين جميعاً والاسلام واضح وضوح الشمس لكن على حين غرة يأتي من يوشوش له كلمتين تافهتين فينساق معهم ويبغض الصحابة وتقتل الأمة هذا من مكر الله ولا يأمن مكر اله إلا القوم الخاسرون. هكذا يخسر الإنسان دينه وهذا من الجدل العقيم والتاريخ مليء، الخلاف بين الفِرَق بحيث وضعوا سيوفهم في رقاب البعض الآخر لكي يعرف كيف الله؟ وكم؟ كيف يسمع وكيف يرى؟ وما هي ذاته؟ والله تعالى يقول (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) الأنعام) ليس في قدرة قوانينك بعقلك بقواني الدنيا أن تدرك ما هو موجود في الدنيا فما بالك باللامعقول؟ (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) الذاريات) ليس في مقدور عقلك أن يدرك أين روحك؟ ما هي؟ شكلها؟ لونها؟ أنت لا تعرف أين روحك وتريد أن تعرف أين الله عز وجل؟ هذا الكلام إنتشر وحصل الجدال العقيم اقتتل فيه المسلمون إلى يومنا هذا والذي يبدو أنه سيبقى إلى يوم القيامة وهذا من مكر الله وهذا جدل عقيم لم ينتج خيراً وإنما أنتج مذهبية وطائفية كما يجري في العراق وفي لبنان وفي فلسطين ويبدو أن هذه النسخة ستعمم كما قال تعالى (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ (179) آل عمران).

أمة عقيمة: كل أمة لها ميزة. الغربي طبيعة حياته وفلسفة اقتصاده وسياسته أنه لا تصلحه إلا جماعة، لا يصلحه فرد أبداً لهذا الجماعة عندهم ملتئمة حزب أو منظمة، لا قيمة لرئيس الدولة لكنه رمز والذي يوحد الأمة هيئة عظيمة من حزب أو جماعة أو برلمان أو غير ذلك وفي غاية الإنتظام والكل يفضل مصلحة أمته وبلده على أي مصلحة. ما يجري في أميركا اليوم بحيث البعض يشتم بعضاً ولا يتضايق منه لأنهم يؤمنون أن المهم كله في مصلحة الأمة، هذا عند الغربيين أما أمتنا فلا يصلحها إلا فرد، أصلحها الرسول r وأصلحها بعده أبو بكر الذي وقف في حروب الردة وحده لم يعد معه أحد حتى عمر على شدته قال له أجِّلهم عن الزكاة عاماً واحداً فقال: أجبارٌ في الجاهلية خوارٌ في الإسلام يا عمر؟ والله لو منعوني عقالاً واحداً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه، وفعلاً نجح في أن أطفأ تلك الفتنة التي أشعلها اليهود في المدينة وحولها ولم يبق معه أحد. بعدها عمر بن الخطاب وحده أسقط امبرطوريتين كانتا تتحكمان في الكرة الأرضية بالسويّة من العراق إلى مشرق الشمس كان يتحكم بها كسرى ومن العراق إلى مغرب الشمس يحكمه قيصر ولا ثالث لهما أسقطهما في عام واحد، علي بن أبي طالب باب العلم وباب المعركة وما من معركة عسرت على المسلمين إلا جعل الله تعالى فتحها على يد علي وما من معضلة فكرية إلا وحلّها عليّ لذا عمر كان يستدعي علياً في معضلة فإذا لم يكن موجوداً قال: معضلةٌ ولا أبا حسن لها! وقِس تاريخنا كله، عمر بن عبد العزيز، صلاح الدين الأيوبي، عبد الرحمن الداخل، هارون الرشيد، السلطان عبد الحميد الذي كان في محنة وقال له اليهود سوف نحل كل مشاكلك وأعطنا فلسطين فقال : خذوا قطعة من نفسي ولا أعطيكم ذرة من تراب فإنها مُلك المسلمين. في تاريخنا المعاصر فردٌ يصلح بلداً ودولة وجماعة ما لا تصلحها جماعة والجماعة دائماً تؤدي إلى هبوط وضعف والأمة صارت فئات وطوائف وكلها أدت إلى مصائب وما يجري الآن في العراق ولبنان وفلسطين من هذه الجماعات ولو كان هناك فرد واحد مصلح لأصلح هذا. في مقررات كولورادو لهذه المنطقة في عام 1998 أنه لا ينبغي أن يسمح لرجل واحد تلتئم حوله الأمة فإن وُجِد فلا بد أن يُجتث وقد حصل هذا. إذن هذه الأمة عندما تعقم أي يمر قرن كامل ولم تأت برجل واحد يوحد كلمتها مثل صلاح الدين وغيره ممن قبله وهم مسلمون، صلاح الدين كان كردياً والسلطان عبد الحميد تركياً. أمة وحّدها الإسلام كما لم يفلح أي بشر على وجه الأرض أن يقيم أمة كما أقامها محمد r كما جاء في كتاب المستشرق المعروف ” محمد والأمة المتحدة” يقول ما من أحد أقام أمة بهذا التشابك مع اختلاف أعرافها وقومياتها، يبعث الله على رأس كل مائة عام رجل واحد، رجلٌ بأمّة.

من أخطر العقم دين عقيم: أنت تصوم وتصلي لكن هذا كله عقيم لا قيمة له كما قال r: ” يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وصيامه إلى صيامهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية” جماعة صلاتهم رائعة وصيامهم رائع يقومون الليل ولكنهم لا دين لهم لأنهم يُعمِلون سيوفهم في رقاب المسلمين كما جاء في الحديث وهذا الذي يجري الآن جماعات إسلامية تزعم أنها على حق وهي على أشد أنواع الباطل خالدة في النار لأنها استمرأت قتل المسلمين الذين هم من أهل القِبلة وهم إخوانهم وأمتهم بدعاوى تافهة في الجدل العقيم على مقولات سخيفة تافهة ولكن هذا من مكر الله ومن عوفي فليحمد الله فطوبى للمقتول وجهنم للقاتل فليفرح المقتول أنه ذهب إلى الله مظلوماً وسوف يرى القاتل أيّ مجرمٌ هو يوم القيامة. إذا كنا نستطيع أن ننأى عن ذلك كله لو أخذنا نسبة المسلمين في التاريخ الذي استحلوا دماء المسلمين نسبة قليلة والآن الذين يقتتلون وهم مسلمون على أساس أن كل طرف يعتقد الطرف الأخر مشركاً وكافراً وكلاهما مشرك هؤلاء قلة. والذي يُخشى منه هو اليمين العقيم، اليمين الغموس الذي يقتطع بها مال امرئ مسلم. هذه مصيبة المصائب يوم القيامة. نحن نعرف أن الدين العقيم أن تعمل عملاً لكن لا يُقبل والرسول r يخبرنا: “ثلاثة لا ينفع معهن عمل: الشِرك بالله وعقوق الوالدين والتولي يوم الزحف”. الشرك بالله بعيد عن هذه الأمة كما وعد رسول الله r والمخيف أن تتهم صاحبك بالشِرك وهو ليس مشركاً تصبح أنت مشرك خالد في النار كما قال r: إذا قال الرجل لصاحبه يا مشرك فقد حار بها أحدهما. كما هو حاصل الآن أنت مشرك أنت كافر وهؤلاء الذين يقتتلون على أساس أن الآخر كافر وكلاهما كافر إذا كان كل منهما حريصاً على قتل صاحبه. وثانياً العاقّ لوالديه إذا كان أحد والديك ليس راضياً عنك بحق (أحياناً هو لا يرضى عنك ولكن ليس له حق) الشيء الوحيد الذي إذا غضب منك والديك من أجله فأنت هالك لا محالة هو العقوق المتعلق بالخدمات اليومية من طعام وشراب وكساء ودواء هذه التي عليك أن توفرها لأبويك، فيما عدا ذلك فهو من الكمال وهناك فرائض ونوافل، إذا كان أبوك جائعاً فلم تطعمه وإذا كان مريضاً فلم تعالجه فأنت هالك لا محالة وما عدا ذلك من غضب الوالد على زوجتك وابنك مثلاً فهذا ليس داخلاً في الوعيد الشديد ولو كان داخلاً لما دخل أحد الجنة لأن الأبوين قلّما يرضيان عن كل تصرفات أبنائهما. لكن الإسلام دقيق وهو دين حدودي والأحكام تناط بما ينضبط. فالعقوق في المأكل والمشرب والمسكن والعلاج يُهلِك يوم القيامة ولا يقبل لك عمل. والتولي يوم الزحف هذا من الدين العقيم.

وأيضاً عندنا اليمين العقيم التي يقتطع فيها الرجل ولو درهماً واحداً ولأهمية الموضوع سوف نستعرض بعض الأحدايث التي وردت عن رسول الله r في مسألة اليمين. اليمين مثل الشائعة والناس تحلف أيمان كاذبة وإذا كان اليمين في أشياء لا علاقة لها بالمال فله كفارة (لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) المائدة). اليمين التي اقتطعت بها مال مسلم ليس لها كفارة وليس لها إلا النار يوم القيامة أو أن تعيد الحق إلى صاحبه وتطلب منه أن يسامحك ويعفو عنك ولا ينفع فيها كفارة ولو أنفقت ملايين الدراهم. تسمى اليمين العقيم لأنها تمحقك محقاً كالريح العقيم والحرب العقيم تمحق. اليمين العقيم لا تبقي عندك ولا درهم واحد كما في الحديث ” الأيْمان الفاجرة تذر الديار بلاقع” وهذا مجرّب بالتواتر وبالإستقراء، كل من يحلف يميناً على مال وهو كاذب فيقتطع مال امرئ مسلم بالباطل يُذهب الله ماله كما في الحديث يذهب بالمال. اليمين الفاجرة تذهب بالمال كما قال r وهذه حقيقة مجربة لم تشذ منها ولا حالة واحدة. يقول r: ” ليس مما عُصي الله به هو أعجل عقاباً من البغي” هذا حديث فيه عدة مقاطع وهذا المقطع الأول، والبغي أن يقتل بعض المسلمين بعضاً، قتل الآخر ظلماً وعدواناً هذا أعجل شيء بمكر الله وعقابه في الدنيا والآخرة. هذا الذي يقتل الناس جماعياً سيقتل قتلاً بحيث تُُستأصل شأفته والتاريخ مليء بالأمثلة فالخوارج الذين أرعبوا الجزيرة العربية حوالي أربعين خمسين عاماً بقروا البطون وقطّعوا الرقاب وقطعوا الطرق ثم اختفوا بالكامل، الذين قتلوا آل البيت في كربلاء لم يبق منهم ولا واحد وكانوا حوالي 400 واحد وقُتِلوا شر قِتلة وهكذا هم البغاة.

حديث جابر ابن عتيك قال: سمعت النبي r يقول: “من اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه حرّم الله عليه الجنة وأوجب له النار، قيل يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً؟ قال وإن كان سواكاً” وفي رواية مسلم: “وإن كان قضيباً من أراك” (كررها ثلاثاً). تكملة الحديث الأول: “ليس مما عصي الله به أعجل عقاباً من البغي والباغي تدور الدوائر عليه حتى يستأصل وما من شيء أطيع الله فيه أسرع ثواباً من الصِلة” صلة الرحم أسرع شيء تعطيك الرزق والأمان والصحة والحماية من الشر والستر. هذه الطاعة أسرع الطاعات لأن أجرها يأتيك في الدنيا قبل الآخرة. والثالثة: ” واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع” أي فقر كامل.

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول r ” من حلف على مال امرئ مسلم على غير حق لقي الله وهو عليه غضبان ثم قرأ رسول الله r (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) آل عمران) تصوّر: لا يكلمه ولا يزكيه ولا ينظر إليه، هذا هالك لا محالة. إن مجرد نظر الله تعالى إلى عبده يوم القيامة منجاة له فما بالك إذا نظر إليه وزكّاه؟ فما بالك إذا نظر إليه وزكّاه وكلّمه؟ وهذه أدوات النجاة يوم القيامة وهكذا رأفة الملوك، قد ترتكب جرماً عظيماً لكن إذا نظر الملك إليك عفا عنك، هذا الذي تجفوه الملوك ولا ينظرون إليه ولا يكلمونه معناه بلغ القذارة في نفوسهم.

عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال قال رسول الله r: من حلف على مال سيأكله ظلماً ليلقينّ الله وهو عنه مُعرِض”. عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: “قال r: إختصم رجلان إلى النبي r في أرض فجعل يمين أحدهما فضجّ الآخر فقال النبي r إن هو اقتطعها بيمينه ظلماً كان ممن لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم.” في القرآن الكريم هناك حالات معدودة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولا يكلمهم وهؤلاء آيسون من رحمة الله فقط لأنه حلف يميناً أن هذا البيت له أو هذا المال له وهو ليس له أو أن الوديعة ليست عنده. عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي r قال: “الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين واليمين الغموس الذي يقتطع مال امرئ مسلم”. قرن اليمين الغموس بالإشراك بالله وعقوق الوالدين.

حديث آخر “والذي نفسي بيده لا يحلف رجل على مثل جناح بعوضة إلا كانت كيّاً في قلبه يوم القيامة” اليمين الغموس أن تحلف كاذباً على اقتطاع حق حتى لو كان جناح بعوضة لأن لها عند صاحبها قيمة. هذا يوم القيامة من الأيْمان العقيمة التي لا تبقي ولا تذر. تكملة حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ” ولا حلف حالفٌ بالله يمين صبر” يمين صبر يعني التي يُحبس صاحبها، أن اليمين أدّت إلى أن المقابل مظلوم وأصابه صبر أي حبسٌ، حبست من أجل اليمين بانتظار سداد وأنت مظلوم ولكن ادُعي عليك كذباً. فكل يمين أدّت إلى أن الشخص الذي حلفت اليمين عليه أصابه ضرّ أو صبر أي حُبِس فاعلم أنك هلكت ولا تنفعك الكفارات حتى لو أنفقت ملء الأرض ذهباً إلا أن تعيد الحق لصاحبه وتطلب منه أن يعفو عنك.

في سؤال للدكتور نجيب مقدم البرنامج عن اليمين المكرهة أجاب الدكتور الكبيسي أن لا شيء عليه ” رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه” الإكراه يكون مسألة حياة أو موت (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ (196) النحل) لكن إذا لم يكن مسألة حياة أو موت فلا يجوز.

في سؤال للدكتور نجيب مقدم البرنامج عن سر التعبير بالمشيئة في حال كونه عقيماً في قوله تعالى (ويجعل من يشاء عقيماً) أجاب الدكتور الكبيسي كأن الله تعالى يختار بعض عباده ليبتليهم. المشيئة فيها أمل وما قال تعالى ويجعل من يريد عقيماً ولو قال يريد لثبت لكنه تعالى قال من يشاء.

وفي سؤال لإحدى المشاهدات عن قطع رحم بسبب فجورهم وفسقهم فأجاب الدكتور الكبيسي أنه إذا كان الإنسان محتاجاً للصلة فاجعلوها سبباً لإصلاحه (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) فصلت) هذه الصلة قد تقرب قلبه إلة قلبك وما أسرع ما ينجو. وفي الحديث أي الصلة أفضل؟ قال r على ذي الرحم الكاشح. هم مسلمون وبالكلمة الطيبة يستدرج كل إنسان إذا أحسنت إليه ومن الأخطاء التي نواجهها أننا نعامل المذنبين وكأننا واقفون على باب الجنة! إذا كان رسول الله r يقول ما أدري ما يُفعل بي؟ إبن مسعود كان يقول: لا تحاسبوا الناس وكأنكم أرباب. كان الرسول r يتألف المذنبين بالكلام الطيب الجميل وعلينا أن نتخذه أسوة r.

بُثّت الحلقة بتاريخ 26/1/2007م