الغلو – السَرَف – الظلم – الطغيان- الفيضان- الطوفان – الغليان – الفوران – الشطط
هذه الشريعة المحمدية شريعة وسطية لأنها شريعة حدودية ونعني بالحدودية أن كل شيء له حدّان: حد أعلى وحد أدنى، الأعلى غلو والأدنى تقصير فأنت كُن في الوسط فالوسط هو الاستقامة. رب العالمين قال (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا (187) البقرة) هذه 50% إياك أن تنزل عنها فالظهر مثلاً يؤذن الساعة 12.30 لا تنزل عن الحد الأدنى، المغرب الساعة 6.30 إياك أن تنزل عن هذا فإذا نزلت عنه فأنت مقصر وخطأ. وآخر وقت المغرب بعد أربعين دقيقة لا تتعداه (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا (229) البقرة) إذا أخرّت صلاة المغرب إلى ما بعد ذلك فهذا غلوّ. كل شيء في حياة الإنسان في شريعة الإسلام له حدود، حد أدنى وحد أعلى وفيما بينهما أنت حر وأقد أعطاك الدين سعة على خلاف باقي الديانات حرفية لا تقدم ولا تؤخر شعرة واحدة (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً (67) البقرة) حدّدوها تحديداً دقيقاً. هذا الدين فيه سعة (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا (143) البقرة) كل شيء في الكون له طرفان سيئان وبينهما وسط فاضل، هناك بخل شديد هذا طرف سيئ وهناك تبذير عظيم هذا غلو وبينهما السخاء وهو الوسط. هناك الشهوة هناك من ليس عنده شهوة لا يشتهي مالاً ولا امرأة فهذا خامل وهذا قصور وهناك من لديه شهوة عارمة هذا غلو والوسط هو العفّة. وهكذا في كل شيء.
الإسراف والغلو: إذن منظومتنا اليوم، الكلمات الرئيسية في كتاب الله عز وجل التي تعبّر عن تجاوز الحد وتجاوز الحد مرحلتين إذا كان تجاوزاً في أول مراحله يسمى سرفاً (كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) الأنعام) فالسرف تجاوز الحد قليلاً. لما سُئل رسول الله r ما السرف الذي نهانا عنه الله؟ قال أن تأكل في اليوم أكثر من مرة. السرف مثلاً أن تأكل مرتين وهذا تجاوز الحد بدرجة قلية لكن لو أكلت في اليوم عشر مرات هذا يسمى غلوّاً. إذن السَرَف هو تجاوز الحد في أول درجاته والغلوّ هو تجاوز الحد في آخر درجاته ومدياته. واحد قتل أباك وتريد أن تأخذ بثأره برجل واحد (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ (45) المائدة) لكن لأن أباك شخصية مهمة وجيهة قتلت رجلين هذا سرف (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ (33) الإسراء) (إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) لكن هناك رجل آخر قتل مائة بدل أن يقتص من قاتل أبيه فهذا غلوّ. إذا كان السَرَف الذي هو تجاوز الحد قليلاً قال تعالى فيه (إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) فما بالك بالغلوّ؟ (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ (53) الزمر) الرسول r قال أتزوج النساء وأنام وأقوم وأصوم وأفطر لكن بعض الناس زادوا في العبادات على أنفسهم فقد أسرفوا على أنفسهم بالعبادة زادوا العبادات أكثر من المعتاد، بعض الناس تقوم الليل تصلي ركعتين أو أربع لكن أن تقوم الليل وتصلي 400 ركعة! هذا يسمى سرفاً، واحد قال لا آكل ولا أشرب سوى تمرة واحدة وشربة ماء ولا أتزوج ولا ألبس هذا غلو.
السرف إذن تجاوز الحد في أول درجاته والغلو هو تجاوز الحد في آخر درجاته؟ وللأسف أخطر أنواع الغلة هو الغلو في الدين. وللأسف الشديد هذا الغلو منذ أن جاء الإسلام وهو موجود بين المسلمين وقد لعب بهم لعباً ولا يزال إلى هذا اليوم ويبدو أنه باق إلى يوم القيامة ويبدو أن هذا قدر هذا الدين (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ (179) آل عمران) فمن عوفي فليحمد الله. ما من أحد أو جماعة لها عنوان على طريقة أو مذهب أو طائفة أو فئة أو حزب إلا غالت ورفضت الباقي ثم تدرجت بغضهم ثم عدم التسليم عليهم ثم تكفيرهم ثم قتلهم وهذه النهاية إذا وصل المغالي إلى هذا المدى فقد هلك كما قال r في الحديث الشريف ” لن يزال المؤمن بخير ما لم يصب دماً حراماً. أنت تكرهني أو تشتمني لا بأس لكن أن تقتلني فقد هلكت هذه مغالاة. إذا لم تسلم عليّ أو شتمتني هذا إسراف في البغضاء والكراهية فالمسلم لا ينبغي أن يهجر المسلم لكن أن تكفّرني هذا غلو وهلاك. القتل لم ينتج إلا من التكفير في التاريخ الإسلامي وهذا ولد مع الإسلام من أول يوم إلى هذا اليوم وما يجري في العراق تكرار للنسخة التاريخية التي حدثت في كل 100 عام تقتل العلماء والصالحين والناس بداعي التكفير. وليس هناك أحد يقتل إلا المكفِّر وهذه جرثومة لم ينجو الاسلام منها في عصر من العصور وقد سالت دماء المسلمين أنهاراً. كل من اتخذ القتل ديدنه يفنى فناء كاملاً بحيث لا يبقى له أثر في هذه الأرض وهذا من رحمة الله بالناس. هذا هو الفرق بين الإسراف والغلو.
الظلم والطغيان: أول تجاوز الحد في طلب الحق. إذا وصلت بالمدى في هذا الظلم بحيث ضربتني وقتلتني وعذبتني يسمى طغياناً. إذن تجاوز الحد في الحقوق في أول درجاته يسمى ظلماً فإذا تجاوز المدى يسمى طغياناً (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى (45) طه) يفرط علينا في البداية ثم الطغيان يقطع أيديهم ويصلبهم.
الطوفان والفيضان: من الكلمات القرآنية التي تعني تجاوز الحد الفيضان والطوفان. الفيضان صعود الماء عن الحد ثم يسيل خارج الوعاء أو القدر أو حدود النهر. أول مراحل التجاوز بحيث صعد الماء فوق الحد وصار يسيل على الضفاف يسمى فيضاناً. إذا وصل الفيضان إلى مداه وصارت الأمواج تتلاطم ووصل الفيضان إلى مداه يسمى طوفاناً (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ (133) الأعراف). الفرق بين الفيضان والطوفان أن كلاً منهما يدل على تجاوز الحد لكن الفيضان في أول درجات التجاوز والطوفان في آخر ونهايات وعظمة وشدة مراحله.
الغليان والفوران: تكلمنا عن الغلو والغلو في الأفكار والشرائع والحب هذا غلا يغلو. عندنا غلا يغلي وهو الماء أو ما شاكل ذلك، الدم يغلي والماء يغلي والقدر يغلي. فالغليان تجاوز حدود الحماوة، إذا أردت أن تسخّن الماء تضعه على النار ثم تجاوز حدود الحماوة فصار غلياناً (كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) الدخان) أول التجاوز غليان ثم صار فوراناً فصار يسيل. الفوران غلو والغليان إسراف. فكل تجاوز في البداية يسمى سرفاً، في الغضب، في الطعام، في القتل، في العبادة. الإسراف التجاوز في أوله وينهى عنه الإسلام (وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) الأنعام) لكن لما يكون كثيراً يسمى غلوّاً والغلو هذا مأساة المآسي, إذا وصل الإنسان إلى الغلو إستحلّ أعراض الناس ودماءهم وهذه جرثومة ظهرت في أول الاسلام واستشرت بين الناس النبي r أخبر بهاذ بكل التفاصيل ولو تقرأ أحاديث الرسول r في الفِـن لقلت صدق رسول الله r ولقد أراه الله تعالى ما هو كائن إلى يوم القيامة لهذا وصفها وصف المُشاهِد وليس فقط إخبار المُخبِر (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) النجم).
هذه هي المنظومة الرئيسية للكلمات التي تصدق على كل شيء. نقول مثلاً فلان علمه يفيض، (تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ (83) المائدة) (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ (198) البقرة) عرفة لها حدود وعندما ينطلق الحجيج من عرفة فعلاً كالماء المنحدر لكثرتهم ولانسيابية الإفاضة، عندما ينفر الحجيج من عرفة إلى المزدلفة كأنه فيضان (ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ (199) البقرة). هناك كلمات تدل على تجاوز الحد لكن في شيء واحد: التبذير في المال فقط (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ (27) الإسراء)، العداوة إذا زادت صارت فجوراً “وإذا خاصم فجر”، البطش (وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) الشعراء)، لكن هذه تتعلق بقضية واحدة لكن الكلمات التي أدخلناها في هذه المنظومة تصدق على كل شيء: كلمة فار وشط وطغى وفاض.
شطّ: غاية البعد إذا شط الشيء فقد أصبح أبعد ما يكون حتى في الحُكم (فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ (22) ص) هناك فرق بين الظلم والشطط فالظلم مثلاً أني أستحق العقوبة 4 أيام لو عملتها 5 فهذا ظلم لكن أن تعملها عشرين سنة أو أعدام فهذا شطط. وإذا كان الظلم عقوبته عظيمة فما بالك بالشطط؟.
هذه الكلمات التي ذكرناها غلا وفاض وفار وطغى وشط تدل على أنها تجاوز الحد تطرف وتصدق على كل شيء، على العواطف والعلم والشجاعة ولذلك جعلناها منظومة هذا الباب. الكلام في هذا الموضوع يطول ونحن نريد أن ننهي هذا البرنامج لأننا فيه منذ أربع خمس سنوات ونريد أن نبدأ برنامجاً آخر ولكننا نضع للمشاهدين نقاطاً وهم يضيفون عليها وقد كتبت رسائل وأطروحات وأبحاث في الموضوع ونحن نتكلم عن المواضيع بشكل مختصر جداً.
تكلما أن هذا الدين حدودي وتكلمنا عن الاستقامة “قل آمنت بالله ثم استقم” الاستقامة فضيلة بين رذيلتين في العقل وفي العلم وفي الغضب وفي الشهوة وسبق أن تكلمنا عن هذا. في الرأي إذا كان جداً متدني يقال خطل وإذا كان عالياً جداً يقال نزق والسداد هو الوسط.
مداخلة من المقدم: ارتبط الغلو مع هذا الدين في بدايته خاصة عندما خلق تعالى آدم u كان غلو إبليس في تمجيد العقل وطغيانه وتقديمه على النص الإلهي وبمجرد وفاة الرسول r غلّب الناس هذا الأمر.
أول شبهة تغليب العقل على النص قال تعالى لإبليس اسجد فقال لم أكن لأسجد لمن خلقت طيناً, أول شبهة في الإسلام الذي قال للرسول r إعدل فإنك لم تعدل وأهل أُحُد الذين قالوا (يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا (154) آل عمران). بدأ الغلو مع نزول الديانات من سيدنا آدم إلى محمد r، سيدنا عيسى وموسى عليهما السلام يخاطبهم القرآن: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ (171) النساء) اليهود غالوا في عداء عيسى u وكفّروه وطعنوا به أنه ابن زنى وحاروا ماذا فعلوا به وأنه ليس نبياً هذا غلو. النصارى قالوا أنه الله أو إبن الله وهذا غلو والله تعالى قال لهم (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ) هذا رد على اليهود وعلى النصارى قال (وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ) أي ليس هو إله. ونحن أيضاً فعلنا الأمر نفسه مع الصحابة وآل البيت كما قال النبي r لعلي بن أبي طالب: “إن فيك شيئاً من عيسى”، سيدنا علي لاقى نفس الشيء في الإسلام هناك من كفّره ولعنه فانقسم الناس إلى مسلمين ونواصب والرسول r قال” لعن الله من ناصبكم العداء. ومنهم من ألّهه وهم نوعين الشيعة والروافض. معنى ذلك أن السُنّة انقسموا إلى سُنة ونواصب ولعنوا علياً على المنابر إلى مائة عام. الشيعة ليس مذهباً وفي الإسلام لا يوجد مذاهب وإنما الشيعة هي نصرة آل البيت على من أخذ حقهم والنبي أوصانا بذلك ” إن أهل بيتي هؤلاء سيلقون تشريداً وتطريداً فمن حضرهم فلينصرهم” لهذا كل المسلمين كانوا مع آل بيت النبي من أتباع عليّ انقسم منهم روافض كفروا الصحابة وعلياً وقتلوا من قتلوا. النواصب والروافض من الفِرق التي أذاقت المسلمين ويلاً، هذا هو التطرّف أنت قد تقول لماذا لم يفعل عليّ هذا؟ لماذا لم يفعل فلان هذا؟ هذا قد يكون فيه إسراف وليس فيه غلو، الغلو أن تسب أولاً أو تعبد ثانياً، ومنهم من لعنه على المنابر وكفّره ولا يسمى إلا أبو تراب مع أن هذا الاسم من أعظم ألقابه لأن النبي r ناداه به عندما كان نائماً على التراب. جاء الخوارج وكفروا المسلمين جميعاً وقتلوهم وأبادوا المسلمين إبادة هؤلاء القتلة التاريخيون ليس فيهم من الإسلام شيء. لو قرأت ماذا فعل اليهود بالمسيحيين تجد عجباً، أصحاب الأخدود (النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) البروج) النصارى كفار فبدأوا يحرقونهم. فالتطرف والغلو قضية كونية كأن الله تعالى أراد أن يميز الخبيث من الطيب كما قال تعالى (وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ (65) الأنعام) (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) لذا من عوفي فليحمد الله. كل من له عنوان داخل إما في السرف أو في الغلو لا محالة وإذا انتقل من السرف إلى الغلو فقد هلك.
كيف صارت هذه الفِرق؟ يبدو أن هذا نسق تاريخي في العالم: الشيوعيون انقسموا إلى طائفتين أناس تذبح أناساً والبعثيون بين سوريا والعراق أناس يمينيين وناس يساريين وأناس في الوسط، الأحزاب الإسلامية كلها تنشق إنشقاقات غير معقولة لذلك الشيعة منقسمة إلى يزيدية وإباضية وأشعرية وفرق على أساس من السخف. كل الفرق التاريخية التي مزقت المسلمين مزقاً وكل فرقة جعلت الأخرى كافرة هذا لا يدركه العقل، الشقاقات لا حصر لها لكن ترجع في النهاية إلى أربع إنشقاقات: الأول: الخلاف في الذات والصفات مع أن الله تعالى لا تدركه الأبصار فإذا كنت لا تدرك نفسك أولاً (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) الذاريات) (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (29) الحجر) روح الله فيك وأنت لا تعرف أين هي وما شكلها وما نوعها وما وصفها؟ وأنت جزء مما نفخه الله تعالى فيك لا يمكنك إدراكها فكيف تريد أن تدرك الله تعالى؟ مع هذا انقسم المسلمون إلى فرق وطوائف وناس كفروا ناساً ومنهم من اندثر ليس هناك محل للنقاش لأنهم واهمون لا يمكن إدراك الله تعالى. ثانياً القضاء والقدر إنقسموا إلى قدرية وأشعرية وجبرية وأناس تذبح ناس وتكفرهم يريدون أن يعلموا كيف يسير الله تعالى الكون وأنت كبشر لا يمكن أن تعرف رئيس الدولة كيف يسير الدولة. ثالثاً: الوعد والوعيد انقسموا إلى خوارج ومعتزلة ووهابية وكلهم يكفر الآخر وهذا كله سخف. أنت تريد أن تحكم على الله تعالى ورابعاً الإمامة والرسالة: هل محمد رسول أو ليس رسولاً ومن هو الإمام بعد الرسول؟ ومنذ ذلك الوقت والدماء تسيل أنهاراً ولكن الله تعالى يقول (وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) الأنعام). الآن في كل شؤونهم مع المسلمين انظر الفلسطينيين دخلوا في متاهة أوسلو وغيرها نتيجة علم الكلام الذي جعل المسلمين بعضهم يكفِّر بعضاً وبعضهم يقتل بعضاً حتى انتهت الأمة ولم تعد الأمة أمة وهذا من الغلو لكن مع هذا الكثير من المسلمين ما زالوا على السُنّة وهم السواد الأعظم.
هذا الذي يجري في العراق سبق وجرى مرات في التاريخ وسيكشف عن تنظيف للساحة العراقية وينكشف العراق عن شعب آمن مسلم كيّس بعد أن تزول هذه الغمامة السوداء. وبعد كل مرة يصفو صفاءً عجيباً.
بإجماع المسلمين سبّ آل البيت كفر يخرج من الملة وسبّ الصحابة فٍسق لا يخرج من الملة وآل البيت سُبوا على المنابر مئات الأعوام وقتلوا في كربلاء شر قتلة. كل العناوين في العراق تذبح والمهم أن لا يموت المسلم وفي عنقه دم مسلم آخر.
هكذا هي الشبهات والاختلافات الرئيسية في التاريخ الإسلامي كلها أوهام. عند اليهود تشخيص الذات الإلهية وللأسف انتقل إلينا وكل ما عندنا مخترقة لكن هذا الدين محمي وأفكار أخرى اندثرت، (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) العنكبوت) الفتنة فيما تشتهيه نفسك والبلاء فيما تكرهه نفسك والامتحان فيما يظهر كفاءتك.
إن من السُنة نواصب وإن من الشيعة روافض ولعنة الله على هذا وعلى هذا لأن الرسول r لعنهم وقال لعنة الله على من ناصبكم العداء. وقال الله الله في أصحابي وأصحابه المهاجرون والأنصار والرضوانيون. لقد رضي الله عنهم فكيف يسبونهم؟ أنت لا تلعن أحداً وإنما قل رضي الله عن هؤلاء وعن هؤلاء لأن فيك صفة يحبها الله عز وجل فحماك من الغلو. المكفرون كثير وكل واحد منهم ابتلاه الله تعالى بكبيرة لا تنفك عنهم أبداً (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) السجدة) “سباب المسلم فسوق وقتاله كفر” هذا للمسلم العادي فما بالك بآل بيت النبي r وبصحابة رسول الله r. أنت مسلم فإياك أن تقضي عمرك في بغضاء الطرف الآخر وتحيك لهم الدسائس ولكن اقض عمرك بمحبة المسلمين وتآلفهم والسلام عليهم (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا (14) النمل) (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) الأحزاب) هذا علي وأولاده فكيف تلعنهم، (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ (18) الفتح) كيف تلعنهم؟ (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) النساء) هذا قتل عقيدة تكون حطب جهنم فاحمد الله أنك مهما كنت من أي مذهب أو طائفة أن يكون مذهبك كل من يقول لا إله إلا الله هو أخوك تحبه وتشفق عليه بالكلام الطيب لا بالقتل فإذا كنت من هؤلاء لم تبغض أحداً من المسلمين ولم تحرض على قتل أحد فأنت من الناجين “كل الفرق في النار إلا واحدة” الواحدة ما عليها رسول الله r وأصحابه وما عدا ذلك فأنت هالك وهذا الكلام حجة عليك يوم القيامة.
لا يُقتل أحد بسبَّ أحد إلا بسبَّ رسول الله وآل بيته، سب الأصحاب فسق كسبّ أي مسلم. أما الطعن في عائشة رضي الله عنها هذا كفر لا لأنه سب لعائشة ولكن لأنه تكذيب للقرآن (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (17) النور). العودة إلى مثل هذا الأمر يخرجك من الإيمان وهو كفر.
هذا الدين دين الفطرة لا فيه غلو “تركتكم على السمحاء ليلها كنهارها” الله تعالى أنزل الفاتحة “السبع المثاني” هي الصلاة قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين والفاتحة نصف الدين نزل بها ملك، إذا صلحت بها الصلاة فقد فزت إن صلحت صلاتك صلح سائر عملك. ثم الصفحة الأولى من سورة البقرة تقيم الصلاة وتؤمن بالله والملائكة أولئك هم المفلحون، فأبشروا بالخير كما قال r: الخير فيّ وفي أمتي ولا أخاف أن تشركوا بعدي أبداً وادعوا الله للقاتلين بالصلاح.
من الذي يصلح بين الفئات المتقاتلة الآن؟ هناك فئات معتدلة باقية إلى يوم القيامة “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق”، الإصلاح سيأتي بإذن الله ويأتي من يوحد بين الناس وسيبعث الله على رأس كل مائة عام من يوحد الأمة ويصلح حاله ولذا يجب أن نثبت. على رأس كل مائة يبعث الله لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها.
بُثّت الحلقة في 9/3/2007م