الفاء المباركة

حرف الفاء – منظومة الضعف (فشل)

اسلاميات
حرف الفاء

منظومة  الضعف

الضعف–العجز – العجف – الفشل – الكسل – الوهن – الوهى – الإستكانة

منظومتنا لهذه الحلقة منظومة الضعف. والضعف يأخذ أسماء عدة لأنه يكون في عدة أشياء. عندنا الضعف والعجز والعجف والفشل والكسل والوهن والوهى والاستكانة. هذه كلمات قرآنية أطلقها الله عز وجل علامة على ضغف في جانب من جوانب المخلوقات والموجودات سواء كان ذلك إنساناً أو غيره. وقبل أن نشرح فلسفة الضعف في هذا الكون وأن هذا الضعف لا بد أن يكون قوياً والقوي لا بد أن يضعف كما قال تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) الروم) هذا قانون من قواني الحياة فلا ينبغي لضعيف أن ييأس ولا ينبغي لقوي أن يتجبّر أو يغترّ فكل ضعيف سيقوى وكل قوي سيضعف وهذه عملية الكون كما سنشرحها.

الضعف: هو النقص المُخِلّ في قوة. كل شيء قوي إذا قلّن النسبة المطلوبة من هذه القوة تسمى ضعفاً كما هي الآية وكما قال تعالى (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76) النساء) رغم قدرته يتغلغل إليك لو كنت في السماء، في أبراج، وراء أبواب مغلقة يتغلغل إليك، كيده كان ضعيفاً لكن قوته محدودة من حيث سرعة زوالها فقوته غير صامدة ولهذا باستغفار ينتهي جهده، يبذل مهك جهد سنة أو أكثر إلى أن يجهد هو وقبيله ويراك من حيث لا تراه ثم باستغفار، بركعتين، بندمٍ، بدمعة على ما فعلت ينتهي كل جهده هو وجنوده ويقول: أهلكني الناس بكثرة الاستغفار. لذا كيد الشيطان ضعيف. (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا (28) النساء) هذا الإنسان الذي جعله الله تعالى خليفة في الأرض والذي علّمه ما لم يعلّمه أحداً من مخلوقاته ما أضعفه أمام شهوته، شهوة الغضب وشهوة الحُكم وشهوة المال وكم هو ضعيف في بدنه، حشرة صغيرة أو بكتيريا أو فيروس تجعله يتلاشى وينتهي (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا). إذن الضعف هو النقص في القوة.

العجز: هذا الضعف إذا كان في القدرة يسمى عجزاً (وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ (134) الأنعام) (أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ (31) المائدة) ما عندي قدرة أن أفعل ما يفعله الغراب. كل مخلوق فيه قدرة حتى الطفل له قدرة أن يحمل اللعبة أو البزازة مثلاً فإذا قلّ هذا يمسى عجزاً. فالعجز هو الضعف في القدرة.

العجف: يقال فلان أعجف، نعجة عجفاء (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ (43) يوسف) هذا ضعف في العافية عندما تكون عافينك فيها نقص أو ضعف يسمى عجفاً.

الفشل: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ (152) آل عمران) (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ (46) الأنفال) الفشل ضعف في الإحكام. الناجح أحكم أمره وأجاب عن الأسئلة، جرّب الإختراع مثلاً فهو محكم هذا ناجح. أما إذا كان هناك فشل فأنت ضعيف في إحكام أمرك وعندك أخطاء لم تنتبه إليها هذا يسمى فشلاً. فالفشل إذن هو الضعف في الإحكام.

الكسل: هو الضعف المُخِلُّ بالنشاط. أنت قوي وقادر لكن نشاطك قليل فيه خمول حينئذ هذا الكسل هو ضعف مُخِلٌ بالنشاط فيما لا ينبغي أن تتكاسل فيه (وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى (54) التوبة) أنت قوي ومعافى وتعرف أحكام الضلاة لكن تقوم متثاقلاً جداً، هذا ضعف في نشاطك وسمي كسلاً.

الوهن: (فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ (146) آل عمران) (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ (14) لقمان) الضعف المُخِلُّ بالعزم. أنت تريد أن تفعل شيئاً لكنك لم تفلح فيه أنت ليس عندك عزيمة ولست مدرباً على التحدي هذا يسمى وهناً.

الوهى: ضعف في الصلابة، حديد مائع صار واهياً، جدار خرسانة مسلحة فإذا به يتلاشى يسمى وهى (وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) الحاقة).

الإستكانة: (وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) آل عمران) الاستكانة ضعف مُخِلٌّ بالمقاومة، كل إنسان لا بد أن تكون فيه مقاومة العدو، الجوع، الفشل، إذا لم يكن عندك هذه المقاومة تسمى مستكيناً. فالاستكانة إذن ضعف في المقاومة.

هذه منظومة الضعف وكل ضعف له إسم في كتاب الله عز وجل واستعمل الله تعالى هذه الكلمات لو تتبعتها في كتاب الله عز وجل تقول لا يقول هذا الكلام إلا ربّ. بهذه الدقة التي لم ينتبه أساطين اللغة العربية وهم الجيل الذي بُعِث فيه الرسول r الذي نحتفل اليوم بمولده الطاهر الذي هو رحمة للعالمين، هؤلاء لم ينتبهوا إلى دقة الإعجاز، أعجبهم الكلام وقالوا: ما هذا قول بشر لكن من حيث جرسه وأدبه وبلاغته ولكن هذه الدقة المتناهية من حيث إستعمال الكلمة القرآنية التي فاتت حتى على أساطين البلاغة والنحو لم ينتبهوا لهذا الإعجاز اللغوي من حيث أنه ليس في القرآن مترادف واحد ولم يخطر هذا ببال أحد إلا عالم جليل هو أبو هلال العسكري الذي تلمّس هذا ولم يستطع أن يوغل في الأمر فقال كلمة جاء غير أتى وذهب غير ولّى فقالوا له أنت غلطان وكان هو فارسياً والفرس كانوا أمة عظيمة في الإسلام امتدحهم القرآن عندما كانوا صالحين وسُجِّل له في التاريخ أن أبا هلال العسكري هو أول من أدرك أنه ليس في القرآن مترادف لكن حهده كان على استحياء لأن عصره كان يعج بالعلماء فقالوا أنت غلطان فسكت. وما نفعله الآن في هذا البرنامج هو في ظل أبي هلال العسكري ونسأله تعالى أن نُتِم هذا العمل الذي نحن فيه ويبقينا أحياء حتى نخرجه للناس في كتاب ينفع المسلمين.

هذه هي منظومة الضعف، نتكلم شيئاً عن الضعف. الضعف قانون من قواني هذا الكون الذي نحن فيه كما يقول: كل قوي سيضعف وكل ضعيف سيقوى. قال تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) الروم) من نطفة ثم علقة ثم ما بعد ضعف قوة ثم بعد قوة ضعفاً وشيبة ثم نهاية وتستمر هذه العملية. كل شيء في هذا الكون يتشظى، كل قوي ومتماسك يتشظى ويضعف ثم يأتي من يقويه. العائلة تتشظى إلى فصائل وأرحام وأعمام متماحكون بينهم. النخلة تتشظى إلى فسائل ثم يأتي فلاح ويفرزها في مكانها وتستقر الأمور. والآن مذاهب: شافعية وحنفيه وغيرهم، ومعارك ثم يأتي من يفرز هذا ويضع كل شيء في مكانه. الحاكم قد يكون هناك من يتنافس معه على الحكم وقد يقتل بعضهم بعضاً ويقتل الأبن أباه والأخ أخاه كما حصل في عهد الخلافة العباسية فالملك يحكم ثم يأتي القوي ويستمر الحكم إلى أن يشاء الله. الشعب إلى قبائل تتهالك وكذلك الدين طوائف مسلمون، مسيحيون، يهود نفس العقيدة ثم ينقسمون طوائف ثم يأتي من يوحدهم لا يمكن أن يعود الضعيف قوياً إلا على هزّة عظيمة كل من قويت شوكته وتجبر ثم استعمل القتل فلسفة لا بد أن يفنى هذا القوي لكي يحل محله الضعيف كما قال تعالى عن فرعون (وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ (141) الأعراف) فتك بهم فتكاً ذريعاً فقال تعالى (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) القصص). طبِّق هذه القاعدة على كل الحياة من آدم u إلى يومنا هذا، قابيل وهابيل أحدهما قتل الآخر فالقاتل ولّى ولم يعد له شأن والمقتول أبناؤه عاشوا وتناسلوا. الآية في سورة الرعد تعطينا الناموس (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ (17) الرعد) الحق حق ثم يتسلل الباطل إلى أن يمزق الحق ثم يأتي من يفرو هذا عن هذا فيذهب الباطل ويبقى الحق ثم بعد خمسين أو مائة عام يبدأ الصراع والتداخل مرة ثانية ثم يبعث الله تعالى من يفرز هذا عن هذا. الذهب في الأرض مخلوط مع التراب ثم يأتي فرن عالي الحرارة والكير فيفصل التراب عن الذهب بقي الذهب ذهباً والتراب ولّى واستمرت العملية. وهكذا الحالة إلى يوم القيامة. يتشابك الحق والباطل ثم ينتصر الحق الذي ينتصر هو الضعيف هذا الضعيف يقوى ويتجبر فيهلك ويأتي ضعيف آخر ينتصر. كل شيء الظلم والعدل والحق والباطل والفقر والغنى في كل الحياة هناك سجالات ينتصر الحق أحياناً وينتصر الباطل حيناً وينتصر الأقوياء أحياناً (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ (152) آل عمران). قانون كل من يتشظى يتفرق إلى مذاهب وطوائف وأحزاب وعوائل ومجموعات وأحلاف وهكذا كل من يتخذ القتل وسيلة يفنى كما حصل مع هتلر الذ يوصل إلى لننغراد ثم انسحب منها لشدة ما قتل. روسيا حكمت العالم وانتهت الآن لأنها اتخذت القتل والإبادة منهجاً وكذلك فرعون وهود وعلى امتداد التاريخ سواء كان شعباً أو حزباً أو طائفة أو دولة تتخذ القتل وسيلة يحل محلها الضعفاء الذين كانت تقتلهم (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) القصص) (قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ (97) النساء) هكذا هي القاعدة، قانون بشري مع المسلمين وغير المسلمين. المسيحيون تذابحوا في التاريخ وحينئذ كل قوي متماسك يأتي عليه فترة يتشظى ويضعف. مستضعف من الناس يحقق العدل مثل عمر بن الخطاب وعثمان أناس بسطاء عمر كانت امرأة توقفه وتنهره فوقف فقالت له كنت تلعب مع الصبيان وكنت عميراً ثم فإذا بك عمر فإذا بك أمير المؤمنين أي زمن هذا؟ فنهرها أحد الناس فقال له عمر ألا تعرف من هذه. فقال لا، قال: هذه التي سمع الله قولها (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ (1) المجادلة) ألا أسمعها وأنا عمير؟. عمر هذا أسقط امبرطوريتين فارس وقيصر اللتان اتخذتا القتل وسيلة أسقطها عمير وهو من المستضعفين (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) القصص). فإذا رأيت شعباً أو دولة تتخذ القتل ذريعة فاعلم أنها زائلة لا محالة واقرأ التاريخ كله. الأمة القاتلة والطائفة القاتلة والشعب القاتل سيتلاشى وإذا استبد الطغيان والقتل فاعلم أن وراء ذلك نظافة لا يتصورها عقلك “لا تبغضوا الفتن فإن فيها حصاد المنافقين” المنافقون في هذا العصر يتساقطون فقد ذهب الإتحاد السوفياتي الذي تحكم في العالم لشدة ما قتل ذهب غير مأسوف عليه. هكذا التاريخ كله وكل قوة تستبد بعد ضعف ثم تبدأ البطش والإبادة فاعلم أنها زائلة والضعفاء الذين كانوا يقتلون هم الذين سيسودون (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ (137) الأعراف) بشرط أن يكون لهم فلسفة صحيحة ويكونوا أصحاب خُلُق ورأفة ورحمة هؤلاء سوف يرثون الأرض ومن عليها إلى أن تأتيكم سنن الكون بعد مئات السنين فهم أنفسهم يبطشون ويظلمون إلى أن يأتي ضعفاء آخرون يرثون الأرض (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ). الثورة الفرنسية أسقطت أباطرة وقياصرة وملوكاً أبادهم فقراء ورعاة ومساكين.

الرسول r واجه أساطين العرب (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12)وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) المدثر) وجاء معه عمار بن ياسر وبعض المساكين (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ (26) الأنفال) رب العالمين كما قال عمر بن الخطاب: كنتم أذلة فأعزكم الله بالاسلام. من أجل هذا لا تحزن ولا تتأسى إذا اشتدت سطوة الظالم الجبار العنيد فاعلم أن هذا أوان زواله. المبطوش بهم إلى الجنة فكل من يُقتل مظلوماً هو شهيد والقاتل يذهب إلى مزبلة التاريخ في الدنيا وإلى النار في الآخرة. (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ (52) التوبة) أمم عظيمة في التاريخ ترنحت أمام أناس بسطاء حينئذ نقول كما قال r ” أهل الجنة كل ضعيف مستضعف” ليس الجبابرة ” هل تنصرون إلا بضعفائكم” إياك أن تحتقر ضعيفاً وإياك أن تقوى على ضعيف فإذا أعجبتك قدرتك فتذكر قدرة الله عليك.

إن الأقوياء الظلمة لا بد أن يرثهم الضعفاء أصحاب الرحمة وأصحاب الحق، هذه من سنن الله تعالى في خلقه فكلما رأيت قوة متعجرفة متجبرة قاتلة فاعلم أنها زائلة.

عدو القوة الظلم ونصير الضعف العدل فإذا كنت عادلاً فأبشِر بالظفر وإذا كنت ظالماً فأبشِر بالاندثار مهما كانت قوتك لهذا رب العالمين يعطي البلد العادل (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ (58) الأعراف) بعدل السلطان يأتي الخصب والعمار والإعمار والمدنية والأمان كهذا البلد الذي نحن فيه أدام الله تعالى عليه الأمن والأمان والعدل الذي صار حجة على بلاد أخرى من البلاد الإسلامية نسأل الله تعالى أن يجعل معاناة الأمة كفارة لذنوبها ومطهرة لآثامها إن شاء الله.

نتكلم عن التعامل مع الضعيف كما في الحديث: ” من لا يرحم لا يُرحَم”. الكلام يطول من حيث رحمتك بالضعيف وهذه عبادة عظيمة، إمرأة بغي دخلت الجنة لأنها رحمت كلباً عطشاناً فسقته فماذا لو سقت إنساناً عطشاناً؟ كما في الحديث رجل حاسبه الله تعالى فحكم له بالنار وآخر حاسبه الله تعالى فحكم له بالجنة فالتقيا على الصراط فاستغاثه اشفع لي قال لا أعرفك قال أنا الذي وهبتك وضوءاً فقال يا رب هذا أعطاني وضوءاً فشفّعني فيه فيقول الرب عز وجل خذ بيك أخيك إلى الجنة. وامرأة مؤمنة صالحة ذخلت النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض فما بالك برحمة إنسان أو بالقسوة على إنسان؟ فأبشروا أيها الأمة الرحيمة وما من أمة فيها رحمة وعفو وتصالح كهذه الأمة مهما كان العداء بين شخصين بكلمة، بقبلة ينتهي كل شيء فهذه الأمة المباركة إن شاء الله تعالى ستقوى مهما كان ضعفها وهذا الضعف طارئ وستذهب القوة الغاشمة إلى مزبلة التاريخ.

يقول r: ” ألا أخبركم بشرّّ عباد الله الفظ المستكبر” فظ جبان قاتل يقتل بالجملة إبادة جماعية أفراد وجماعات بالتفجير في الأسواق، بالتعذيب، بالدريل، بالحرق، والآن نسمع عن القتل بالكلور في العراق وكل من مات هكذا فهو شهيد وكل من فعل هذا فهو زائل لا محالة. وقال r :” ألا أخبركم بخير عباد الله الضعيف المستضعف ذو الطمرين لو أقسم على الله لأبرّه” يُظلَم ولا يظلِم ويموت وحاجته في نفسه وقد ضُرِب كثيراً وظُلِم كثيراً وقُتِلأ أهله أو كان مديناً ولم يستطع الوفاء كما يقول المثل: مُت مظلوماً ولا تمت ظالماً. لأن الظلم ظلمات يوم القيامة ” إن الله حرّم الظلم على نفسه فلا تظالموا” إذا شاع الظلم والربا زالخمر رفع الله يديه عن العباد فلا يبالي بأي وادٍ هلكوا.

” من لا يرحم الناس لا يُرحم” “الرحمون يرحمهم الله” ” إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” ” لا تُنزع الرحمة إلا من شقيّ” ” طوبى لمن رحم أهل الذل والمسكنة”، عن جابر قال ثلاث من كُنّ فيه نشر الله عليه كنفه (والكنف أي غطاءه فالمذنب خطاء يأخذه الله تعالى في كنفه يوم القيامة حتى لا يراه أحد ويهمس في أذنيه ألم تفعل كذا في يوم كذا وسترته عليك فيقول نعم يا رب فيقول تعالى ليس لك حسنات ويقول ألم أسترك في الدنيا؟ فيقول نعم فيقول تعالى واليوم أسترك، هذا لأنه كان يرحم الناس) رفق بالضعيف وشفقة على الوالدين وإحسان إلى المملوك” كل هذا من الرحمة أن ترفق بضعيف وتشفق على والديك وعندك خدم ومملوكين تتعامل معهم بشيء من الإحسان تعفو عن أخطائهم إذا فعل هذه الثلاثة وكلها من الرحمة ينشر الله تعالى عليه كنفه يوم القيامة فلا يحاسبه على ذنب وذنوبنا كثيرة لا تعد ولا تحصى.

نعدد بعض المستضعفين في الأرض ولا بد أن كل واحد منا يعرف واحداً منهم، يتعامل معه برحمة وحنان وسترى الخير الذي يأتيك:

  • كبار السنّ: الشيخوخة، إذا رأيت مسنّاً تعبره الشارع وتقوم لتجلسه مكانك في الحافلة، تحسن إليه وتوقره.
  • المريض فمجرد زيارتك للمريض ترجع من ذنوبك كيوم ولدتك أمك وكثير من المرضة يرتاحون لما يزورهم أحد وفي الغرب يعشق المرضى الممرضات لأنهن مدربات على الرحمة والعاطفة وعندما يرى المريض شدة رحمتهن به وعنايتهن به يعشقهن لكن للأسف في بلادنا هذه ليست موجودة لأنه في المستشفيات عندنا ليست الممرضات بهذا التدريب.
  • صاحب الهم الحزين: إذا كنت تستطيع أن تفرج عن مهموم أو مكروب فأنت في عبادة عظيمة والكرب يوم القيامة شديد فإذا أزلت الكرب عن مهموم في الدنيا يزيل الله تعالى الكرب عنك يوم القيامة.
  • المُكره: (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ (106) النحل) سجون العالم الإسلامي مليئة بالتعذيب والإبادة وكل يوم نسمع في العراق عن جثث في السجون يقتلونهم ويرمونهم في الشوارع فإذا كنت شرطياً تستطيع أن تنقذهم من الموت فافعل.
  • المدين الذي أذلّه الدَيْن.
  • أهل بيت النبي r كما في الحديث قال r لإحدى نساء أهل بيته وهي تبكي في مرض موته: ” ما يبكيكِ؟ قالت خفنا عليك ولا ندري ما نلقى من الناس بعدك؟ فقال r أنتم المستضعفين بعدي” وفعلاً أُعمِلت السيوف في رقاب أهله r بعد وفاته أهل بيتي هؤلاء سيلقون من بعدي تشريداً وتقتيلاً وكما قال علي بن أبي طالب: يهلك فينا إنسان مُحِبٌّ غالٍ ومُبغِضٌ غالٍ، واحد قتلهم وأطفالهم والآخر ألّههم وجعلهم مكان الله تعالى.
  • الخائف والغريب والمرأة واليتيم والخادم والجندي مع الآمِر والملهوف والطفل والسائل والمملوك وكل من لا يستطيع أن يفعل لنفسه شيئاً فإذا نصرته ورحمته فاعلم أنك يوم القيامة كما قال r: “الراحمون يرحمهم الله”.

بُثّت الحلقة بتاريخ 30/3/2007م