الفاء المباركة

حرف الفاء – منظومة سوء الخُلُق (فظّ)

اسلاميات
حرف الفاء

منظومة  سوء الخُلُق

الفظّ – السفيه – الزنيم – العاتي – العُتُلّ – الغليظ – القاسي

في هذه الحلقة نتكلم عن سيئي الخلق وليس المجرمين، وحينئذٍ هذه الكلمات التي نوظفها مع كلمة الفظ وهي آخر كلمة في باب الفاء حتى ننتقل في الحلقة القادمة إن شاء الله إلى حرف القاف، الفظ معها السفيه والزنيم والعاتي والعتل والغليظ والقاسي كلمات قرآنية تدل على أن الإنسان سلوكه صعب والناس لا يألفونه والناس يتحاشونه وليس ممدوحاً عند الناس ولا محموداً عند أقرانه والكل يتحاشاه لا لأنه مجرم ولكن لأنه سيء الخلق وسوء الخلق وحسن الخلق قضية إسلامية في غاية الأهمية كما سأذكر ذلك.

السفيه: سيء الخلق من جهة حركاته النابية حركاته مضطربة وكلامه نابي يعني فيه عيب فيه معيب يسمى سفيهاً (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿142﴾ البقرة) فهم قالوا هذا بحركات إما بإخراج اللسان أو بإشارات من يديه والخ في غاية النزق، (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا ﴿4﴾ الجن) يتكلم عن الله عز وجل بعبارات نابية فهو سفيه. السفيه من حيث الحركات النابية أو الكلمات النابية يسمى سفيهاً.

الزنيم: سيء الخلق لأن لا أصل له والأصل هذا أساسي وحينئذٍ المنبتّ الذي لا أصل له سواء كان إنساناً أو شجراً أو مبدأً أو فكراً لا يستقيم. ودائماً في كل عشيرة أو قبيلة أو مدينة أو قرية تجد إنساناً لا يعرف أحد من أين هو، ليس له أصل، فربما يكون ابن زنا ربما يكون مجهول الأصل، ربما يكون من مكان بعيد، أي لا شأن له هذا الإنسان في الغالب يكون سلوكه معتلّ أي غير منضبط فلا يهتم بالعيب لأنه لا يخشى أن يعيّر أخاه أو أباه أو عمه أو عشيرته فهو لا يهتم بهذا فهذا الإنسان يسمى زنيماً (عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ﴿13﴾ القلم) كما قال تعالى عن أحد الناس.

العاتي: سيء الخلق من جهة العنف في عدم الطاعة. كلنا نعصي الله يوماً (ولو لم تذنبوا لذهب الله بكم) ولكن نعصي الله عز وجل ونحن خائفون، وجلون، نرجو الله المغفرة، في غاية السكون، نندم، هذا عاصي عادي. ولكن هنالك عاصي بعنف وتحدي ومجاهرة (لعن الله المجاهرين) ويتكلم بكلمات تدل على الإلحاد وعلى الرفض الكامل وهكذا كلنا قد نعصي الدولة أحياناً كأن تمشي بسرعة في السيارة أكثر من المفروض، تمشي في مكان ممنوع، تهرّب بعض الأشياء الممنوعة، كلنا نفعل ذلك لكن أن تصبح هذه عصابة ولها جماعتها كالمخدرات وغير ذلك عصابة ومافيا ولها رجالها ويقتلون ويغتالون ويرشون هذا يسمى عتواً. فالعاتي (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا ﴿8﴾ الطلاق) فهي لم تعصي فقط وتشعر بالحياء لا ولكن بمجاهرة وغلظة وحينئذٍ هذا يسمى عتواً. فالعتو سوء الخلق من جهة العنف والتمرد في عدم الطاعة. فلو افترضنا أن هنالك ضابط يرفض أن ينفذ أوامر قائده وآخر يقوم بانقلاب وثورة ويقتل فهذا عتو (وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا ﴿21﴾ الفرقان).

العتل: سيء الخلق من حيث الاستحواذ على كل شيء. مثال على ذلك جماعة من الناس مشتركين في طعام فأتى شخص وأخذ كل الطعام ولم يعطِ أصحابه شيء تركهم من دون طعام وشراب وأكل كل الطعام فهو استحوذ على كل شيء ولم يترك لأحد شيئاً يسمى هذا عتل. هنالك حاكم يشارك شعبه في الحكم فهنالك وزراء ومجلس وطني ومستشارين ووجهاء البلد يسمع كلامهم وآخر لا يسمع أحد يقودهم ويحكمهم كما يحكم الرجل الدواب: المال مالي والوجاهة كلها والكيد كيدي والرجال رجالي، فهذا ممن يطلق عليه الطاغية أو الدكتاتور مثل فرعون وغيره (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴿24﴾ النازعات) هذا يسمى عتلاً (عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ).

الغليظ: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (159) آل عمران) الغليظ من حيث تعابير الوجه. فهنالك من وجهه دائماً مكفهر وقاسي وفيه ترفُّع ووجهه للأعلى ولا يبتسم بوجه أحد هذا غليظ. إذا كان وجهه متجهماً جداً، ليس فيه أي مجاملة وليس فيه أي تعابير باستقبالك أو رأفة بك أو مجاملة، فوجهه في غاية الخشونة يسمى هذا غليظ (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ). ولهذا أنت مع العدو لا بد أن تكون غليظاً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴿123﴾ التوبة) وجهك متجهم لشخص دمّر بلادك واحتل أرضك ودمّر شعبك وحضارتك فكيف تكون أنت صديقه؟! (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (22) المجادلة) كيف توادُّه وتصادقه؟ بل يجب أن تكون غليظاً في معاملتك له، فالغلظة قد تكون من لوازم الحرب مع العدو فقط. وحينئذٍ تكون شرعية فيما عدا هذا في التعامل مع اثنين فلا يجوز والعياذ بالله كما تعرفون إذا التقى المسلمان فبش أحدهم للآخر، سلّم أحدهم على الآخر، ابتسم أحدهم للآخر إلا تصافحا أما أن تُسلِّم على أحد بدون أي ابتسامة يسمى هذا غليظ (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ) فالغلظة سوء الخلق من حيث تعابير الوجه بكل جفاء وبكل تجهُّم.

الفظ: هو سوء الخلق من حيث أنك لا تألف ولا تؤلف. ليس لك صديق لا يريد أحد أن يقترب منك وأنت أيضاً لا تريد أن تقترب من أحد تعيش لوحدك وترى أنك خير من كل الناس هذا الفظ. والفظ في اللغة العربية هو ماء الكّرْش فكرش الخروف فيه ماء وهذا الماء ليس للشرب، لا يطاق، زفر، أنت قد تشربه للضرورة. نعرف أن سابقاً في التاريخ القديم والمعاصر الذين كانوا يسيرون على الركاب، على الإبل أو الخيل في الطريق يتيهون فيعطشون فيضطرون لشرب ماء الكرش لأنه سيموت من العطش فيشربه وكأنه يتجرع السُّم لكي يحافظ على حياته وهو لا يُشرب إلا هكذا للضرورة القصوى عند الموت. هذا الفظ هو الذي لا أحد يحبه وكريه، متكبر ومتجبر ولا يحسن لأحد ولا يعفو عن أحد فليس لديه صفة إلا وتُكرِهك فيه هذا يسمى الفظ (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) وفعلاً الفظ ينفض الناس من حوله.

القاسي: سيء الخلق من حيث أنه ليس في قلبه رحمة. وهنالك أناس هكذا على قلتهم وكما تسمعون في الأخبار والأفلام الوثائقية الآن عما يجري من تعذيب في مراكز الشرطة في بعض الدول الإسلامية والعربية تعذيب أنت تراه صورة فلا تنام الليل فما بالك بهذا الذي يعذب الناس بهذا الشكل ويسمع صراخهم يكاد يمزق الحجر ولو سمعه حيوان لمات كمداً؟! فأي إنسان هذا الذي يعذب الإنسان ويقلع عينه ويقطع لسانه وأذنيه وهذا يصرخ ويكويه بالنار إلى أن يموت هذا الذي يعذب ما هذا البشر؟! فهو قاسي (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً (74) البقرة) لأن الحجارة يخرج منها بعض الماء وبعض الحجارة تتشقق ويخرج منها زرع أخضر، هذا قلبه كالصفاة فهكذا هو القاسي. وليس بالضرورة أن يكون مجرماً لكن قلبه قاسي على ابنه، على زوجته.

إذاً هذه منظومة تدل على سوء الخلق ونتكلم الآن عن ماذا يعني هذا؟ الإسلام فيه صفة تسمى البِرّ فمن اتصف بها يكون من الأبرار. والأبرار في كتاب الله زمرة هائلة يوم القيامة، زمرة الزمر، أعلى المنازل لمن جاء في زمرة الأبرار. وأنتم تعلمون بأننا جميعاً يوم القيامة سوف نأتي زمراً (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا (73) الزمر) حينئذٍ الأبرار من الزمر العظيمة التي تكون متجلية يوم القيامة. فرب العالمين سبحانه وتعالى يتكلم عن الأبرار. قبل أن نشرحها نلاحظ كيف رب العالمين عرض لنا الأبرار: أولاً جعلهم أمنية كل مؤمن فالمؤمنون الصالحون دعاؤهم (ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار) هذا كلام المجاهدين والصديقين والشهداء وأولوا الألباب قالوا وتوفنا مع الأبرار فهي أمنية. ثم إن أعلى المنازل يوم القيامة أعطاها الله للأبرار (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ﴿195﴾ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ ﴿196﴾ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴿197﴾ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ﴿198﴾ آل عمران) الأبرار طبقة هائلة فبعد كل هذا الوصف للجنة يقول والذي أحسن منها ومع هذا فالثواب الذي أعده الله للأبرار أعلى من هذا كله. ثم رب العالمين سبحانه وتعالى يصف لنا جانباً من منازل الأبرار (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴿18﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ﴿19﴾ كِتَابٌ مَرْقُومٌ ﴿20﴾ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ﴿21﴾ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴿22﴾ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ ﴿23﴾ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴿24﴾ المطففين) فالأبرار هؤلاء شيء عجيب في كتاب الله. هؤلاء الأبرار الله تعالى قال أنهم نوع من المتقين. والأحاديث تدل على أن خلاصة هذا الوصف العظيم لا بكثرة صوم ولا بكثرة صلاة ولا بجهاد وإنما بحسن الخُلُق إذا كان خلقك حسناً فأنت من الأبرار. ولنتصفح بعض الأحاديث الصحيحة المتفق على صحتها أو الصحيحة في الصحاح والمسانيد لكي نعرف جانباً من قيمة حسن الخلق، لكي نعرف كيف نصبح من الأبرار وللعلم أنه في غاية السهولة وهنالك حديث سيأتي أن هذا أيسر العبادة تستطيع أن تكون من الأبرار، من هذه الزمرة العالية بأيسر العبادة وأخفها على البدن كما قال عليه الصلاة والسلام: النبي r باختصار قال (البِرُّ حُسن الخُلُق) وسكت، تريد أن تصبح باراً ومن الأبرار فليكن خلقك حسن وقبل أن نذكر كيف يكون خلقك حسن القرآن والسنة بينت لنا الميزان بسهولة فكيف تعرف إذا كان خلقك حسن أو لا؟ الخلق الحسن أن تكون عفواً وتعطي من حرمك وتصل من قطعك وأن لا تنتقم من أحد وأن تكون حليماً ورفيقاً ورقيقاً ولكن ما هو الدليل؟ فأنت كيف تعرف أنك من دولة الإمارات؟ هل بأن تكون تاجراً أو موظفاً كبيراً أو مواطناً أو مجاهداً أو ذكياً؟ لا، كل هذا مطلوب ولكن ما هو المقياس؟ المقياس دفتر صغير اسمه الجنسية أو الجواز أنت إذا كان لديك هذا الجواز فأنت مواطن والباقي تبعٌ لهذا الجواز، كونك أنت مخلص وكفؤ وعالم ومثقف وتاجر ومزارع، هذا كله تابع للقياس الأعلى بأنك أنت لديك جنسية. فأنت بهذه الورقة أنت مواطن. كونك أنت حسن الخلق مئات الصفة ولكن كيف تعرف؟ بورقة صغيرة هل أنت تحب الناس أم تبغضهم؟ إذا كنت من محبي الناس تحبهم، تألفهم، تشفق على ضعيفهم وترحم مذنبهم وتضيفهم فأنت تحب الجار وأنت موظف تحب المراجعين فليس هنالك حقد في قلبك عليهم حتى الذي يعتدي عليك لا تحقد عليه، فالميزان هل في قلبك حب للآخرين؟ إذا كان في قلبك حب للآخرين فأنت بسهولة تصبح من الأبرار لمجرد كونك تحب الآخرين ستطبِّق معهم جميع صفات حسن الخلق التي سأذكرها بعد قليل، وإذا كنت تكرهم أو تبغضهم فمن المستحيل أن تطبِّق معهم أي خصلة من خصال حسن الخلق إذاً فأنت سيء الخلق. وقبل أن نعرف إذا كان لديك خلق أو لا نستعرض بعض ما قال النبي صلى الله عليه وسلم كيف تكون أنت على هذا الأساس؟ يقول صلى الله عليه وسلم: (أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام: يا خليلي حَسِّن خُلُقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الأبرار وإن كلمتي سبقت لمن حَسُن خُلُقه أن أُظِلَّه تحت عرشي). حديث آخر متفق على صحته (إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً) خيار الناس يوم القيامة لا المجاهدين ولا المصلين ولا الذكارين ولا المنفقين ولكن أحسنهم أخلاقاً. حديث آخر (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلقٍ حسن) فليس هنالك أثقل منه ولا عبادة وكم أن هنالك عبادات تؤلم، عبادات تنقل صاحبها إلى الصديقين، إلى الأنصار والمهاجرين والرضوانيين ومع هذا أعلى من ذلك كله أن يكون خلقك حسن. يقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة) وسأله رجل: يا رسول الله ما أكثر ما يُدخِل الناس الجنة فقال صلى الله عليه وسلم (تقوى الله وحسن الخلق). وقال صلى الله عليه وسلم (إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله). ويقول صلى الله عليه وسلم ( إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم والقائم) وقال صلى الله عليه وسلم (إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل وإنه لضعيف العبادة) تأمل هذا رغم أن عبادته بسيطة وصلاته قليلة وصيامه فقط رمضان ومع هذا يبلغ أعلى المنازل وأشرف المنازل في الجنة لأنه عند الناس محبوب ويحبونه ووديع يُسلِّم على من عرف ومن لم يعرف، مبتسم، يعفو عن من ظلمه، يعطي من منعه، يصل من قطعه، حبيب يحضر في كل مناسبة، إذا أصابك خير جاء وهنأك وإذا أصابك شر جاء وعزّاك، يحب الجار والصديق فهو شخص محبوب فعلاً هذا برغم عبادته القليلة وعبادته الضعيفة فهو يوم القيامة مع النبيين. فتجد شخصاً ضعيف الصلاة، ضعيف الصيام، ليس لديه تهجد ولا صيام اثنين وخميس والخ لكن هذا كان محبوباً ومهذباً والكل يحبه لدماثة أخلاقه فهو بهذا الخلق الدمث، بهذا الخلق الحَسَن والحَسِن يبلغ يوم القيامة أعلى المنازل. حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم (أن المؤمن المسدد) معنى هذا أن حسن الخلق توفيق من رب العالمين فلماذا هذا محبوب والآخر مكروه؟ توفيق، فرب العالمين خلق هذا طيب والآخر خلقه والعياذ بالله جافي وقاسي وعتل وعاتي ووجهه مكفهر ولا يسلِّم على أحد ولا يعطي أحداً فبين الأول والثاني فرق كما بين السماء والأرض (إن المؤمن المسدد ليدرك درجة الصوّام القوّام بآيات الله) صوّام أي كثير الصوم وهنالك أناس فعلاً صوامون بين يوم ويوم يصوم وفي الحر وفي البرد يصوم وقوّام طول الليل يقرأ القرآن يختم نصف القرآن بركعتين، فهنالك أناس قوامين، سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه يختم القرآن بركعة الوتر، ومع هذا رجل يصلي العشاء وينام لا هو قوام ولا صوام ولكنه يدرك هذه الدرجة ويصلها فقط لأنه حسن الخلق. تكملة الحديث يقول r (ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله بحسن خلقه في كرم ضريبته) وانظر إلى دقة تعبير النبي صلى الله عليه وسلم أي طبيعته فحسن الخلق ليس اكتساباً فقد يمثل أحد الناس أمام الآخرين أنه معطاء لكنه بخيل فقط يتظاهر بالكرم، لكن النبي يتكلم هنا عمن هي طبيعته، يفرح. فحاتم الطائي كان لا يستطيع أن ينام إذا لم يعشِّي أحد فكان يقول لعبده (أوقد النار فإن قرت فأنت حر) سيدنا إبراهيم الخليل كان خليل الرحمن لأنه لم يكن يستطيع أن يتغدى أو يأكل لقمة إلا مع ضيف بطبيعته هكذا هو حسن الخلق. ما قيمة العبادة بدون حسن الخلق؟ النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن قوم قال (يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم) صلاتهم أعظم صلاة، صيامهم أعظم صيام، يقرأون القرآن ومع هذا قال (يمرقون من الدين مروق السهم من الرميّة) لأنهم يكرهون الجميع كالخوارج الذين هم في كل عصر وخاصة عصرنا هذا يكره الناس ولا يكره أحداً كما يكره المصلين في المساجد، يكره العلماء والمساجد والجيران، لا يسلم على أحد، يقتلونهم، قتلوا العلماء وقتلوا الصالحين، وهو إذا صلى وصام رأيت عجباً من خشوعه يمرق أحدهم مروق السهم من الرمية لأن ليس لديه حسن خلق والكل الذي ينقصه حسن خلق، سيء الخلق بل لا خلق له أصلاً فما تنفعه تقواه إذاً؟ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أمامه فقال: يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: حسن الخلق ثم النبي كان يتحدث فاستمر في حديثه ثم جاءه الرجل عن يمينه فقال: ثم أي العمل أفضل؟ قال: حسن الخلق والنبي استمر يتحدث فاستمر الرجل مرتين وثلاث يأتيه من كل جانب والنبي يقول له: حسن الخلق إن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم ثم قال له: حُسن الخُلُق خُلُق الله الأعظم. تأمل أنت ولكي تعلم ما هو حسن الخلق عليك أن تتأمل بخلق الله، ما هو خلق الله؟ يعفو عن كثير ويغفر لمن استغفر ويظهر الحسن ويستر القبيح ويصبر ويحلم حتى على فرعون وهو فرعون كم كان حليماً عليه؟ قال (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴿43﴾ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴿44﴾ طه) ولا يؤاخذ (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ (45) فاطر) (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ (61) النحل) وعطائه كثير يعطي على القليل كثيراً، ركعتين يعطيك جنة، بدمعة يعطيك جنة، بدرهم صدقة يعطيك جنة، الحسنة بعشر أمثالها أو بثمانية عشر أو بخمسين أو بسبعمائة وهنالك حسنات لا يعلم مضاعفاتها إلا الله عز وجل، أنت ليلة واحدة تقوم من صلاة العشاء إلى الفجر في ليلة القدر يعطيك عبادة أربع وثمانين سنة سنوياً يضيف إلى عباداتك عبادة أربع وثمانين سنة صيام نهارها وقيام ليلها، أيُّ خلق عظيم هذا؟ تعصي الله ألف عام ثم تتوب ساعة يدخلك الجنة (ومنكم من يعمل بعمل أهل النار حتى لا يبقى بينه وبين النار ذراع فيسبق عليه الكتاب فيدخل الجنة). امرأة بغي سقت كلب يلهث فغفر الله لها، وقس على هذا. وأنت تأمل في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، طُف ما هو خلق الله مع عباده؟ ترى عجباً ترى من حلمه وعفوه ورزقه وتدبيره وكرمه العجائب رغم أن عقلك لا يحيط بأصل ذلك وإنما يحيط بها إجمالاً. فإذا كان الخلق الحسن خلق الله الأعظم وأنت تخلّقت به ماذا يخشى عليك؟ ماذا إذا رضي عنك الملك؟ فلتكن من تكون، فلتخطيء ما تخطيء، لقد رضي عنك الملك فلا يعاقبك أبداً ولهذا (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿31﴾ آل عمران) والله رب العالمين ما امتدح محمداً بصفات يملكها وهي عظيمة إلا أن قال له (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴿4﴾ القلم). ما من شيء أعظم من الخلق الحسن وخاصة عند العظماء. ولهذا الملوك أعظم صلتهم بالله عز وجل إذا كانوا من حسني الأخلاق. ولهذا رب العالمين والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا كم أن الله يحب الملك الرقيق، كلنا رأينا ملوك والعياذ بالله ورؤساء على إشارة، على كلمة، يعدم مدينة يغرقها بالويل سجونهم مليئة بالتعذيب، وجوههم مليئة بالكراهية، لم يبتسم في وجه أحد، أعدم ألاف الناس، لكلمة، لنكتة، بلا شيء، لمزاج، ورأينا ملوك هنا في هذا البلد المبارك – والله ما رأيناهم إلا هنا- مبتسمين مع الناس والله تعجب كيف لا تفرق بين الحاكم والمحكوم في لطفه، في تواضعه، في ابتسامته مع الناس، في عفوه، عفوهم عن جرائم تتعلق بأمن الدولة رغم هذا يعفون عنهم ويرسلونهم إلى أهاليهم، هذا هو الخلق الحسن وهذا توفيق من الله تعالى وتسديد ولهذا رب العالمين، بارك في جهدهم. فهذا الذي يجري هنا من إعمار وتعمير وأخلاق وعلم وصلاح وتجارة وتماسك اجتماعي والله ما يتم إلا بمئات السنين فكيف تم في هذا البلد بهذا اللطف؟ بحسن خلق حكامهم مع شعبهم. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (اللهم من وَليَ من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم اللهم فأرفق به) ورب العالمين رفق بهؤلاء القوم فأعطاهم كل شيء وقال (اللهم من وَليَ من أمر أمتي شيء فشق عليهم اللهم فأشقق عليه) وقد رأينا حكاماً شقوا على شعوبهم بالتعذيب والإبادة شق الله عليهم حتى أفناهم. من أجل هذا إذا أردت الدنيا فعليك بحسن الخلق تكن محبوباً قيل للأحنف بن قيس (كيف سدت قومك وأنت من أضعفهم؟) ليس لديك مال فأنت فقير لا تعطي إبلاً ولا تعطي غنماً، ليس لديك شيء، قال (بحسن خلقي معهم) وهو صادق لأن بحسن الخلق، تواضع الأمير، تواضع الملك مع شعبه، تواضع الرئيس مع شعبه، باللطف والعفو والتآلف، يزورهم في بيوتهم، يعفو عن مسيئهم، يحضر أفراحهم، يحضر أتراحهم، يربيهم، يعلمهم من لا شيء (كلكم راع وكلكم مسؤول). فحسن الخلق أساس أن تكون من الأبرار، إن كنت موظفاً مع مراجعيك، ضابطاً مع جنودك، حاكماً مع رعيتك، معلماً مع طلابك، فأنت بحسن خلقك تفوز بعز الدنيا وكرامة الآخرة. ووحشة الخلق نعوذ بالله منها لا ينفعك معها صلاة ولا صوم. السيء الخلق لا تنفعه عبادة مطلقاً لأن الله يبغضه. فحسن الخلق فيه سجية فليس متكلفاً مرة أو مرتين، هذا كان حسن الخلق في القضية الفلانية الكلام هنا عمن يكون له خلق حسن طيلة حياته كان فيه سجية وطبيعة تواضعه إن كان حاكماً وكرمه وعدله مع الناس أمر طبيعي يحدث النساء والأطفال والرجال والفقراء والأغنياء ولم يتكبر عليهم ولم يتجهم في وجوههم هو طبعه هكذا ليس متكلفاً، نتكلم عن من سجيته على هذا المنوال. وكما قال صلى الله عليه وسلم (إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله) خصلتان أي أنه طبيعته هكذا، فسأله (مني) فقال صلى الله عليه وسلم (من الله).

إذاً (حسن الخلق خُلُق الله الأعظم) وبدايته الحب (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ (54) المائدة) جماع الأمر وميزانيته وميزانه ومؤشره هل فيك حب للآخرين أو أنت حاقد على الدنيا؟ وهنالك أشخاص والعياذ بالله حاقد على من حوله بالكامل، مكفهر، يسيء الظن بالناس، يقدح فيهم، وما أن تتاح له فرصة حتى يحز رقابهم بالسكاكين وقد حصل هذا الآن بشكل ظاهرة كما سمعتم عن هذه التفجيرات في كل مكان بين المصلين، بين المسلمين، بين أناس يمشون على الجسور، ما هذا الحقد المتنامي؟! والله لا يفعل هذا مع العدو، مع العدو مسالم وشره على المسلمين هذا هالك حتى لو صلى العمر كله، حتى لو فتح الدنيا كلها لأنه لا خلق له. فسيء الخلق لا تنفعه عبادة وحَسَن الخلق مع النبيين ولو كانت عبادته لينة وضعيفة كما في الحديث (ولو كان ضعيف العبادة). إذاً إذا كنت تحب الناس ونحن نرى وبلا مبالغة 90% يحبون الناس وهنالك 9% قد لا يحبهم ولكن لا يبغضهم هو في حاله و1% هذا الشقي الذي امتلأ قلبه حقداً وكراهية وبغضاء على كل المسلمين وخاصة على أهل الدين منهم فتراه يقتل ويشرد ويقطع ويفجر وهذا من مكر الله عز وجل به. وقد بدأ الناس يزهدون في مثل هذه الملاعيب ولو أنهم في كل جيل هناك اختراق، هذه الأمة مصيبتها المصيبة في كل جيل هناك من يأتي ويختطفها ويلعب بها ثلاثين أربعين عاماً مرة شيوعيين والخ أشكال وألوان ومرة زنج ومرة خوارج. وحينئذٍ هذا الذي يجري ولكن هذه الأمة سريعة الانفعال وسريعة طرد الخبث وهي أمة مباركة وهكذا بدأت تنظف الآن إن شاء الله.

في سؤال من مشاهد عن حكم الشرع في إنسان لا يكلم أمه شهراً أو شهرين ويرفع صوته في وجهها؟ أجاب الدكتور الكبيسي أنه من يخدم أمه أما أن يرفع صوته عليها وأما أن لا يكلمها شهر وشهرين هو ليس متفضاًل بأنه جعلها تعيش معه ويخدمها بل هذا واجب عليه (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴿23﴾ الإسراء) فهو ليس متفضلاً بل هي متفضلة عليه أنها تقبل منه ولهذا كونه يكرمها ويعطيها ويعيشها ليس عذراً له لكي يرفع صوته عليها ولا يكلمها شهرين. إكرام الأم ليس فقط بالطعام والشراب وإنما بحسن المعاملة (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ (77) القصص).

وفي سؤال آخر عن التفجيرات التي حدثت مؤخراً في دول عربية متعددة أجاب الدكتور أن الذين يفجرون فحكمهم واضح نعوذ بالله (لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم الهرج) وقال صلى الله عليه وسلم (ضع ثوبك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه) وهذا من مكر الله عز وجل في كل جيل، وكما قلنا من قبل القَتَلَة إلى النار (لن يزال المؤمن بخير ما لم يصب دماً حراماً) وجميع القتلة سلّط الله عليهم من يبيدهم ويذهبوا بعد ذلك إلى مزبلة التاريخ. الذين قتلوا المسلمين وبقروا بطون الحوامل وقتلوا العلماء والصالحين والأولياء بحجة أنكم مشركون وأنكم مرتدون وأنكم وأنكم ذهب المقتول إلى الجنة وذهب القاتل إلى النار كما قال صلى الله عليه وسلم (اقتلوهم فإنهم شر قتلة على وجه الأرض).

وقال صلى الله عليه وسلم (أقربكم منازلاً مني يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً) والنصوص الواردة بحسن الخلق عجب ولا حصر لها فإذا كنت تدخل الجنة بـ لا إله إلا الله والصلاة ولكنك لن تصل إلى أعلى المنازل إلا بحسن خلقك، لن تجاور النبي عليه الصلاة والسلام ولن تكون قريباً منه يوم القيامة إلا بحسن خلقك. ولهذا الجنة لكل من قال لا إله إلا الله وحتى من كان في قلبه مثقال من ذرة من إيمان فالجنة ليست مشكلتي حتماً سأدخلها لأنني أصدِّق القرآن والسنة فأنا داخلها بـ لا إله إلا الله لكن متى وكيف وأين؟ هذه هي المشكلة فالدخول ليس المشكلة. وحينئذٍ هذه المنازل (وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴿21﴾ الإسراء) تصور شخصاً قرب النبي صلى الله عليه وسلم في درجة هي كوكب خاص بعليّين، الأنبياء، الصديقون، الأنصار، المهاجرون، آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأنت معهم فما هذا النعيم وهذا العز؟! أما أن تكون في جنة مع الذين كانوا مرابين وكانوا قتلة ولكنهم موحدين، هم عُذِّبوا على جرائمهم وعادوا إلى الجنة، أنت مع هؤلاء، الفرق هائل! (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون). ومثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم (ألا أدلكم على عبادة ترفعكم إلى أعلى المنازل وهي أخف العبادات على البدن وهي حسن الخلق) حسن الخلق أي كن لطيفاً مع الناس، سلم على الناس، أكرم الناس، اعفُ عن من ظلمك، أعط من حرمك، كن بشوشاً، وأنت ما أن تسلم على شخص حتى تتحات ذنوبك. و كل هؤلاء: السفيه-الزنيم-العاتي-العتل-القاسي-الفظ-الغليظ أصبحوا هكذا بسبب الكراهية أساسهم الكراهية ولهذا (دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء والبغضاء هي الحالقة) حلقت دينهم صار عتلاً و زنيماً وفظاً وغليظاً وعاتياً يكره الناس فهو مليء بالكراهية ولهذا بالأربعينات والثلاثينات أصبح الناس شيوعيين من كراهيتهم للناس، يكره كل الناس وكل الناس في نظره خونة ومجرمون والخ. مثل هذا الآن الذي كل الناس بالنسبة له مشركين ما عداه ويكره الناس جميعاً، لا يسلم على أحد ويذبحهم ذبح الخراف، ذبحوا الصحابة والتابعين والآن في العراق لم يتركوا قارئاً ولا عالماً ولا فقيهاً إلا ذبحوه كذبح الشاة، ويكره أمه وأبيه ولا يسلم عليهم وأساس كل هذا الكراهية. فإذا كنت تحب الناس فأعلم أنك ستضطر بل بفضل الله عز وجل أن تكون من أصحاب حسن الخلق ما دمت تحب الناس فهذه البداية التي تدخلك إلى هذه الزمرة العظيمة. وإذا كان في قلبك حقد طبقي، حقد عنصري، حقد طائفي، فقد هلكت، انتهيت والرسول صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق). وحتى تفضل النبي صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء بحسن الخلق. ويقول ابن القيم كلمة جميلة في الآية (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) يقول: والله لا تحسبوا أنه نعيم واحد بل نعيم في الدنيا وفي البرزخ وفي القيامة، كان هو يشعر بأنه يعيش في الجنة. فمن حسن الخلق أن تبتش إذا أتاك ضيف وفي وجه من تسلم عليه ومن تعفو عنه فأنت سعيد في كل لحظة، فحسن الخلق يسبب لك سعادة هائلة وينعكس على صاحبه ودائماً يكون مبتسماً وفرحاً فلا شيء يحزنه. أما هذا الذي يصلي ويصوم وليل ونهار وهو يكره الجميع ووجهه مكفهر ووجهه كوجه إبليس نتيجة الكراهية.

نتكلم الآن عن ماذا يترتب على كونك تحب الناس؟ أن تكون محسناً إليهم وهاشاً باشاً، تبدأهم بالسلام وقال صلى الله عليه وسلم (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن تسعونهم ببسط الوجه) وأن تكون طلق الوجه، كريماً وسخياً ومضيافاً وقاضياً للحاجات وعف اللسان واليد، مصلحاً ذات البين، عندما ترى اثنان متخاصمان تقوم بمصالحتهما، متواضعاً والتواضع من أحب الأخلاق إلى الله عز وجل فإن كنت غنياً أو موظفاً كبيراً أو أميراً، ما أحلى أن تخاطب الناس كما نرى. حينئذٍ وباختصار شديد إذا أردت أن تعرف أنك من أصحاب الخلق الحسن وأنك مع النبيين فانظر هل أنت تحب الناس؟ فإن كنت تحبهم فأنت من أصحاب الخلق الحسن وإلا فتدارك نفسك لأنك من أشقى الناس يوم القيامة، ويقول مالك (لكل قوم طريق وطريقة يتقربون بها إلى الله وطريقتنا إدخال السرور على عباد الله).

بُثّت الحلقة بتاريخ 13/4/2007م وطبعتها الأخت نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها.