القنوط – اليأس – الإبلاس –
الأمل هو الشرارة التي تشعل حركة الحياة وتوقظ الهمم وتوقظ النشاط وبدون أمل ليس هناك عمل لا للدنيا ولا للآخرة. فكل هذا الكون الذي نحن فيه وهذا البناء الضخم الذي بناه الإنسان وعمره وعمّره وراءه أمل عظيم دفع الناس إلى هذا الذي ترونه (ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) الحجر). الأمل الذي هو عمل سلبي إذا انحصر في الدنيا بعيداً عن الآخرة. حينئذ إذن كل الحكومات والصراعات والعمران من ورائه أمل وكلٌ وراءه أمله فهناك من يريد غنىً وهناك من يريد خلوداً وهناك من يريد أن يسيطر على الناس بالقهر يريد ان يحكمهم بالقوة والاضطهاد وهناك من يريد أن يسعدهم ويحكمهم بالعدل والآخر يريد أن يخفف من آمال البشرية وبقي عشرات السنين يجرب أدوات طبية. كل حركة الحياة وراءها أمل دفعها إلى ما وصلت إليه وهكذا هي حركة العمل للآخرة (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) الكهف). لماذا يصوم الصائم ويعدل العادل ويصلي المصلي ويصدق الصادق وبعمل العامل ويجاهد المجاهد؟ أمل في أن يكون في الآخرة في نعيم عظيم ويفوز في الآخرة. هذا هو الأمل، إذن الطالب يسهر ويجد ويتعب لكي يكون ناجحاً والتاجر يسهر لكي يكون غنياً والحاكم يسهر لكي يحقق لشعبه العدل أو القهر وهذا الرق بين الظالم والعادل. إن أقصى ساعات الإنسان هي تلك الساعة التي يخيب فيها أمل الإنسان، هذه الخيبة لها في كتاب الله عز وجل، خيبة الأمل وانقطاع الرجاء لها ثلاث كلمات وهي الياس والقنوط والإبلاس. ونحن وصلنا إلى الفعل قنط في باب حرف القاف. الفعل قنط أسلوب من أساليب الخيبة الشديدة وهناك يأس وهناك إبلاس (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) الأنعام) ولكل كلمة من هذه الكلمات معنى يُكمِل ويكمّل زاوية من الصورة لا تكتمل إلا به. فالقانط غير اليائس واليائس غير المبلس ولكل نوع من أنواع خيبة الأمل كلمة تعبر عنه لأن خيبة الأمل أنواع.
اليأس: عندما يكون عندك شيء ثم فقدته أو ضاع أو مات أو اختفى. هذا الذي كان عندك وكنت سعيداً به فقدته، كنت غنياً فذهب الغنى وكنت صحيحاً فذهبت الصحة، كنت ذا عيال ففقدوا، كنت حاكماً فعُزِلت، كانت لك نعمة ففقدتها، أنت تأمل بعودتها إليك وتعيش على هذا الأمل فإذا لم يحصل وانقطع الرجاء من الحصول يسمى ياساً. الياس إذن هو انقطاع الأمل بشيء كان عندك وفُقِد. يوسف u كان قرة عين أبيه يعقوب u وكان يحبه حباً عظيماً ثم فقده فضاع وبقي يعقوب u يأمل أملاً عظيماً في العثور عليه فقال (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) يوسف) لم يقل ولا تقنطوا. إذن الياس هو خيبة الأمل بشيء كان عندك ففقدته (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) يوسف) في ساعات الحرج الشديد عند الرسل يمرون بمقطع مخيف بحيث حتى الذين آمنوا بهم ينقلبون عليهم، الرسول r أسري به فكيف يُفهِم من كفر به أنه حصل له كل ذلك في جزء من الليل؟ هذه كانت من أصعب الحالات، هناك أناس تؤمن وأناس لا تؤمن، في هذا الخضم في بداية الدعوة يقول لهم أنا ذهبت للسموات ورأيت الأنبياء والرسل فضحك عليه كفار قريش حتى تزعزع إيمان بعض المسلمين، فاستيأس النبي r من بعض الذين آمنوا به.
خاب أملك في شيء كان عندك ثم لم يعد موجوداً. وكلمة ياس في القرآن الكريم ترمز إلى شيء كان عندك ففقدته فإذا خاب الأمل منه يسمى يأساً.
القنوط: في شيء لم يكن عندك، خاب أملك في شيء عظيم أنت تطمح إليه وتعمل له ليل نهار ثم لا تحصل عليه. خمسون سنة وأنت تعمل في السوق تريد أن تصبح غنياً لكن ما حصل، تعمل بالسياسة علّك تصير رئيساً فلم يحصل، طوال عمرك تريد ولداً وحاولت المستحيل وأمنيتك أن يكون لك ولد فلم يحصل هذا يسمى قنوطاً. فخيبة الأمل في شيء لم يكن عندك وتسعى إليه ولم يحدث يسمى قنوطاً. خيبة الأمل بطموح تسعى إليه جاهداً ولم يحدث لذا لما إبراهيم u عمره 120 سنة وزوجته في التسعين من عمرها قيل له (قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ (55) الحجر) لم يقل اليائسين لأن هذا طوحه طوال عمره يريد ولداً ةكان مستحيلاً وكان قانطاً من هذا الأمر وتجاوز هذا الأمل منذ زمن بحكم القوانين فقال (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) الحجر) فقال (قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ (56) الحجر) إنتبه إبراهيم u وقال إن القنوط لا يليق إلا برجل لا يؤمن بالله واليوم الآخر والذي طموحه في الجنة لا يقنط.فالقنوط هو من طموح تسعى إليه وحاب أملك يسمى قنوطاً. كان عندك أولاد ثم ماتوا وحاولت أن تعيدهم فلم تفلح هذا يسمى يأساً.
الإبلاس: خيبة الأمل من الأمن بعد الخوف. أنت في مصيبة وخطر، أنت في خضم الهلاك، في باخرة مثلاً جاءتها عاصفة مثل التايتانيك ليس من أمل نجاة يسمى إبلاساً (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) الأنعام) تصور فرعون وهو يغرق لم يتب إلى الله فلما صار في البحر قال (آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل) راح الوقت وليس هناك فائدة. الإبلاس إذن خيبة الأمل من الأمن الذي ذهب، كنت آمناً فإذا بك في خوف شديد وتأمل في النجاة لكن . واحد يوم اليامة يقول فعلت وقعلت وصحيح لم أكن أصلي لكني قمت بأعمال جيدة وأنا إنسان طيب وعملت اختراعات فكيف تضعوني في النار؟ عنده طموح لكنه ليس موحداً، جواز المرور إلى الأمن والنجاة يوم القيامة التوحيد (أن تكون موحداً) إبراهيم u قال (وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) الأنعام) أنت إذا قلت لا إله إلا الله كما في الحديث القدسي “عبدي لو جئتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً جئتك بمثلها مغفرة” فالشرط هو التوحيد مع القِبلة فلا بد أن تكون من أهل القِبلة فالأمل مفتوح دائماً ولن يخيب أملك.
القنوط وعدم القنوط من علامات الإيمان. في هذه الأمة القنوط من رحمة الله تعالى ممنوع منعاً باتاً والله تعالى يقول طالما أنت من عبادي فلا تقنط من رحمة الله. في الحديث “ثلاثة لا تسأل عنهم واحد نازع الله رداءه (الكبرياء) ورجل شكّ في أمر الله والقَنوط من رحمة الله” والله تعالى يقول في الحديث القدسي: ” أنا عند ظن عبدي بي” إذا قلت كيف يغفر الله لي؟ تكن قانطاً من رحمته. فلماذا تقنط من رحمة الله؟ هذا سوء ظنٍ بالله تعالى. كما قال إبراهيم u (قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ (56) الحجر) الضال المشرك هو الوحيد الذي عليه أن يقنط. الفيصل أن تؤمن بأن الله تعالى واحد لا إله غيره وأن تمحص التوحيد وأن تكون من أهل القِِبلة. هذه الأمة شرطها القِبلة فمصيبة أن تأتي يوم القيامة وأنت لست كصلياً والرسول r يقول: جعلت قرة عيني في الصلاة، وهي أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة. الصلاة، ما أجملها وكم تشفي الكآبة والهم وتالضيق. إذن شرطان أساسيان إياك أن تقنط من رحمة الله تعالى. يقول r: “لو يعلم المؤمن ما عند الله عز وجل من العقوبة ما طمع بجنّته أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله عز وجل من الرحمة ما قنط من الجنة أحد”. أنت بين الخوف والرجاء فإن كنت كافراً فالخوف قطعي (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82) الأنعام) (حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) المؤمنون) أي خاب أملهم في الأمن بعد الخوف.
الإبلاس هو ليس هناك أي أمل بالنجاة، موض سيقتلك لا محالة، حريق وأنت في مكان مقفل لا مجال للنجاة. كل رجاء يتعلق بالأمن والخوف يسمى إبلاساً.
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) الزمر) في التاريخ الإسلامي من يؤمن بالله ولكنه قتل آل البيت مثلاً ويقال أن عمرو بن العاص عندما كان على فراش الموت وكان له مواقف سيئة في السياسة جاءه على ما أظن عبد الله بن عمر أو غيره فقال له يا فلان ألي أمل في المغفرة يوم القيامة؟ قال: هيهات، فقال: يا رب إن فلاناً يقنطني من رحمتك وإني والله لا أقنط وليس لي إلا أن ألقاك ولا أشرك بك شيئاً. ما من أحد يشهد أن الله واحد ويقنط وإذا كان من أهل القبلة فالأمل والرجاء موجودان.
القنوط في هذه الأمة كلام مفروغ منه فما دمت تقول لا إله إلا الله وتصلي إلى القبلة فمم تقنط؟ كل حركاتك كفارات للذنوب فكيف تلغي القنوط من نفسك؟
فعلاً كما قال r لا يدخل النار إلا شقي. كل الآمال التي رسمها الإسلام فكيف تقنط؟! ماذا تقول في ليلة واحدة تضيف إلى رصيدك سنوياً عمل 83 سنة صيام نهارها وقيام ليلها بلا ذنوب (ليلة القدر)؟! كيف تدخل النار إذن؟ صيام يوم عرفة يكفر سنتين، ماذا عن الحج؟ ماذا عن البلاء؟ لو وقفت بسيارتك يوماً ورأيت شكوكة أو خشبة أو عائقاً في الطريق فأزلته حتى لا يتأذى به غيرك تدخل الجنة بأرقى أحيائها كما في الحديث: “رأيت رجلاً يتقلب في ربض الجنة بشوكة نحّاها عن طريق المسلمين”، دمعة في ليلة، أن تسير وراء جنازة إيماناً واحتساباً لا تبقي عليك ذنباً، صداع أو حُمّى تذر العبد يمشي على الأرض وليس عليه ذنب، الهمّ للعيال، الصلاة إلى الصلاة كفارة، تربية البنات، الصبر على الضيم، أن تموت وحاجتك في صدرك، لو عددت أسباب النجاة من يدخل النار؟ ربٌ بهذا الكرم والعطاء كيف أقنط من رحمته؟! الإحسان إلى الآخر من الناس أو الأشياء، إمرأة بغي سقت كلباً يلهث فدخلت الجنة، أنت عندك طعام وأطعمت غيرك في وقت عسير لا يبقي عليك ذنب (أو إطعام في يوم ذي مسغبة)، كل من يقسم طعامه بينه وبين جاره في بلد من البلاد التي فيها بلاء، بلقمة تدخل الجنة فكيف تقنط من رحمة الله؟! ربٌ بهذا العطاء كيف تقنط من رحمته؟! إذا كنت تقول لا وجود لله أو أنه ثالث ثلاثة أو الله والحسين أو الله والشيخ عبد القادر أو الله وهذه العناوين الطائفية الحزبية المذهبية فأين التوحيد؟ إذا كان أصحاب رسول الله r يخشون على أنفسهم النفاق لشدة حساسية التوحيد.
المذاهب في الأمة مدارس فكرية وهي كلها مقتبسة من سنة الرسول r ومن عهد الرسول r كل كان له طريقته فأبو بكر له طريقة وعمر له طريقة والرسول r كان يفتي بفتاوى مختلفة في قضية واحدة فالذاهب جاءت لتحل مشاكلنا لكن نحن بغبائنا حرضنا بعضنا على بعض فأشعلوها حرباً بغضاء من هذه النعمى التي هي بدائل لمشاكلنا. نعمة أن يكون لديك عدة بدائل. أهل المذاهب أرادوا أن يوسعوا على المسلمين فجاء من جعل من هذه المذاهب نقمة. كان العلماء أمثر من إخوة بعضهم يتعلم من بعض وينزل عند رأيه عندما يزور الآخر وعلينا أن نعيد المذاهب إلى أصولها. الشافعي كان يقول: إذا ذُكر العلماء فمالك هو النجم، الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة. هذه أمة محمد r أما من نسمع عنهم اليوم هم أمة الشيطان! ما خُدِم علم في الدنيا كما خدم المسلمون سنة الرسول r.
رب العالمين على لسان يعقوب u قال (ولا تيأسوا من روح الله) هناك رُوح وروْح. الروح هي التي تنفخ في الجماد فيصبح حيّاً (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي (29) الحجر) أما الروٍح فهو النسمة الباردة في حرّ الصيف، في صيف خانق تهب عليك نسمة باردة تملأ صدرك طراوة ونفسك انشراحاً وبهجة. روْح الله رحماته ونفحانه ولله تعالى نفحات فتعرضوا لها. إذا قلت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر مائة مرة غفر الله لك مثل رمل عالج، وحبات الرمل لا تحصيها آلآت الأرض، أن تمسح على رأس يتيم لا يبقى عليك ذنب. تسلم على أحد في الشارع فابتسمت له أو رددت عليه السلام بأحسن منه تتحات ذنوبكما كما تتحات أوراق الشجر اليابس، دمعة في حياتك، مشيت في جنازة، يا لها من نسمة من روْح الله؟ زرت مريضاً وقِس على ذلك فلا تيأس من رحمة الله تعالى. نفحات الله تعالى لا تحصيها الحاسبات، كل حركة من حركاتك فيها نفحة من نفحات الله، ماذا لو أدمنت الوضوء من ساعة ما تستيقظ إلى أن تنام وأنت متوضيء، ماذا لو دخلت على أهلك وسلّمت؟ ماذا لو جلست في المسجد من المغرب إلى العشاء؟ ماذا لو صليت ركعتين في جوف الليل تدعو لنفسك ولمن تحب؟ باب مفتوح، نفحات روْح الله في كل ثانية تهبّ حينئذ من يدخل النار؟ فعلاً كما قال r: لا يدخل الجنة إلا شقيّ. حتى لو مت وأنت صاحب كبيرة ومت يشفع لك النبي r “شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي”. نفحات الله تعالى من حيث تريدها تهبّ عليك: تذكر الله خمس دقائق، تصلي على النبي عشر مرات، ترفع حجراً من الشارع، تعلّم ابنك آية، تسلِّم على جارك، تخشع من آية، دمعة من خشية الله، حسن ظنك بالله تعالى، هذا كله من روْح الله تعالى. يؤتى بالعبد على قفاه إلى النار فيقول يا رب كان ظني بك أحسن من هذا فيقول تعالى ما كنت تظن بي؟ فيقول ما كنت أظن أن تضعني في النار، ما ظننت أن تعذبني فيقول تعالى اذهبوا به إلى الجنة. روح وريحان وجنة نعيم فمم تقنط؟! عليك أن تمحص التوحيد ولا تلقى الله تعالى بدم مسلم لأنه (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) النساء) تكفِّره وهو مسلم يصلي للقبلة؟! كل هؤلاء خالدون في النار. وكما أن لله تعالى روح وريحان وجنة نعيم ونفحات فله عقاب صارم.
كيف نفرق بين عدم القنوط من رحمة الله تعالى وبين الأمن من مكر الله؟
من ضمن الروْح والريحان رجل عصى الله مائة عام ثم تاب وبعد ساعة يموت غفر الله تعالى له معاصي مائة عام والعكس صحيح واحد عبد الله تعالى مائة عام ثم قال ما هذا الدين؟ ما هذا الإسلام؟ ومات. الأمل بالله أعجوبة العجائب لذا عليك أن تعتمد على كرم الله تعالى والوسيلة. الذين دخلوا الغار وأطبق عليهم كل واحد توسل إلى الله تعالى بعمل عمله لوجه الله تعالى ففرج الله عنهم. وكان r إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. من لديه مشكلة فقام وتوضأ وصلّى ركعتين بخشوع ونادى الله تعالى فرّج عنه همّه. وكل الأنبياء لما وقعوا في أزمة لجأوا إلى الله تعالى وقالوا وأفوض أمري إلى الله. ما كان لربٍّ بهذا الجمال وهذا الكمال كيف يقنط وكيف نيأس؟ ما عليك إلا أن تتوجه إلى الله تعالى بمناجاة، الرسول r يوم بدر قام إلى الصلاة وجعا الله تعالى بتضرع فما عليك إلا أن ترجع إلى الله تعالى ولا تيأس من روْح الله تلك النسمة الباردة التي تطفيء الخوف واليأس. وفي الساعة التي تريد الله تعالى تجده عندك فما عليك إلا أن تناديه (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) هو أقرب إليك من حبل الوريد ومن أنفاسك. هذا الهمّ والغمّ وهذا اليأس والقنوط أنت المسؤول عنه فما عليك إلا أن ترفع يديك وسوف ترى عجباً من كرم الله تعالى وعطائه وهذا من روْح الله تعالى ونسائمه المنعشة التي تزيل الهموم. لذا كان الرسول r يدعو الله تعالى أن لا يأمن مكر الله وفي نفس الوقت يدعو لعدم القنوط.
إبليس من الإبلاس أي اليأس من النجاة فهو لا ينجو. ما عليك إلا أن تلجأ إلى الله تعالى وعلى كل مسلم أن لا يغفل عن ذكر الله تعالى وعليك أن يكون لسانك رطباً بذكر الله فاعمل لنفسك ورداً يومياً وما دام العبد يستغفر الله تعالى فلا يخاف من عقوبة الله فالاستغفار والصلاة على النبي r والكلمة الطيبة كلها من نفحات الله فلا تقنط ولا تياس من روح الله.
كلمة أخيرة عن ما يسمونه سن اليأس عند النساء فأقول ليس هناك سن يأس وقد تتزوج الفتاة وهي في الخمسين من عمرها، روح الله موجودة في كل ساعة فاستدرجيها وعليك بالدعاء والله تعالى لا يحرم أحداً من روْحه. ندعوه تعالى بعدم القنوط من رحمته والرجاء فيه وألا نأمن مكره سبحانه وتعالى.
بُثّت الحلقة بتاريخ 27/4/2007م