الحروف في القرآن الكريم, حرف الكاف

حرف الكاف – منظومة العطاء (كَرَم)

اسلاميات

منظومة  العطاء

العطاء – الإحسان – الجود- الإنعام – الكرم – الفيض – السخاء – الإهداء – الهبة

منظومة العطاء هي منظومة أخلاق الله عز وجل فإن السخاء خُلُق الله الأعظم (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴿5﴾ الضحى) (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴿108﴾ هود). العطاء وأخواتها هي الإحسان، الجود، الإنعام، الكرم، الفيض، السخاء، الإهداء، الهبة هذه على حسب ما أحصيتها. بين كل كلمة وكلمة فرق دقيق جداً يبين لك مدى دقة هذا الكتاب العزيز استجابة لقوله تعالى (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴿122﴾النساء) فإن الكلمة تصدق على معناها بالضبط من غير حاجة لأن تحرك يديك لكي تشرح للمقابل ما تريد. الكلمة بذاتها بحروفها تعطيك المعنى محدداً تحديداً إعجازياً. من أجل هذا الحرف في كتاب الله آية (اتلوه يأجركم الله بتلاوته كل حرف عشر حسنات لا أقول الم حرف ولكن ألفٌ حرف ولامٌ حرف وميمٌ حرف). فعندما تقرأ الكلمة القرآنية كل حرف منها بعشر حسنات إذاً فهي آية.

العطاء: الصلة المنظمة من وجيه لأحد محبيه. يعني كلمة عطاء لا تكون إلا ممن هو فوقك، ملك، أمير، وزير، رئيس دولة، فالعطاء كالراتب أي مبلغ أو شيء تعطى لك مقابل خدمات معينة أو مقابل إكرام معين لكن يتميز العطاء بأنه محددٌ كماً وكيفاً وتوقيتاً في كل شهر، في كل سنة، في كل موسم، في كل رمضان، في كل عيد، من الملك الفلاني، الوزير الفلاني، الأمير الفلاني، دأب على أن يعطيك مبلغاً محدد لا يزيد و لا ينقص في تلك المناسبة يسمى عطاءً (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) لا منقوص ولا مختلف يأتيك بموعده تماماً. من هذه الكلمة الدقيقة في هذا المعنى الدقيق تفهم معنى قوله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) معنى ذلك أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة عطاءات محددة وكأنها الراتب الذي لا يختلف ميعاداً، هذا لا يكون يوم القيامة إلا من ملك الملوك لأقرب الناس إليه وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد دأب الملوك عادة عندهم قائمة من وجهاء بلدهم ومن أحبابهم ومن أنصارهم وممن يحبونهم ويقدرونهم قائمة في كل عيد، في كل رمضان، في كل مناسبة، في أيام الأعياد السياسية والوطنية مثلاً ترسل لهم نفحات كما في الحديث (إن لله نفحاتٍ فتعرضوا لنفحات الله) والنفحة الشيء الذي أنت تدّخره لعزيز، لحبيب، هذا العطاء يعني أن هذا الإكرام سيأتيك في الوقت المحدد بالمقدار المحدد. وضربنا مثلاً بالراتب وحتى في اللغة يقال للراتب عطاء “وكان عطاؤه مائة درهم” أي وكان راتبه. فالعطاء إذن إكرامٌ من ملك أو أمير أو وجيه يأتيك بموعد محدد بمقدار أنت تعرفه سلفاً يسمى هذا عطاءً ً(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ).

الجود: هو بذل النفيس المدّخر. أنت لديك شيء نفيسٍ جداً تدّخره قطعة ذهبية مثلاً ورثتها عن جدتك، سيف مرصع ورثته عن جدك، قطعة أثرية هائلة نفيسة تدخرها للزمن، زجاجة عطرٍ من مائة سنة، نفائس، كل بيت تقريباً فيه نفائس على حسب نسبة القدرة. هذا النفيس أنت لا تعطيه إلا لمن تقدره وتحبه حباً عظيماً، إذا أعطيت هذا النفيس تسمى جواداً. والفرس الأصيل يسمى جواداً لأنه يجود بمدّخر عَدْوه والخيل تتفاوت أصالة وقدرة وجرياً وعندما تسير قد تسير بنصف طاقتها، هذا الجواد لأصالته يعطيك كل ما قد ادخره من قدرته على الجري ولهذا يفوز بالسباق لأنه جواد (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ﴿31﴾ ص) والجياد جمع جواد. فالجواد لشدة كرمه فهو لديه كرم وعطاء ما يملكه حصان آخر لأنه عندما وضعته في السباق لأصالته ما أدخر ولا وفّر عليك ولا شعرة واحدة من قدرته على الجري، كل ما يستطيع أن يفعل فعله يسمى جواداً. فمن يعطيك شيءً قد ادخره، شيء نفيس، حينئذٍ هذا يسمى جود. ولهذا يقال “والجود بالنفس أعلى غاية الجود” كمن يموت في سبيل الله أو مثلاً كمن رأى حالة من الحالات الإنسانية كشخص يغرق فألقى بنفسه لكي ينقذه ثم مات كهذا عثمان الذي في بغداد عندما حدث التزاحم على جسر الأعظمية الكاظمية ببغداد وغرق الناس بالآلاف وألقى بنفسه لينقذ الناس فأنقذ ثمانية من النساء وغرق في التاسعة هذا جاد بنفسه. لا يوجد شيء في حياته أنفس من نفسه، والجود بالنفس. حينئذٍ لا يقال الكرم بالنفس ولا السخاء بالنفس إنما الجود لأنه أعطى أنفس ما يملك فمن يعطيك من نفائس ما يملك يسمى جواداً. ولهذا رب العالمين يقول أنا الأجود لأنه سبحانه وتعالى يعطيك شيء لا يعطيك إياه غيره ويكفي أنه أعطاك الإيمان (قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ (17) الحجرات) وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان أجود من الريح المرسلة لا يدخر شيء، كل مدخراته النفيسة يعطيها فهذا جواد هذا الجود.

الإحسان: أن يعطيك أكثر مما تستحق أكثر من حقك عليه. مثلاً كرجل متزوج وزوجته مقدّمها ألف درهم ومؤخرها عشرة آلاف درهم وصار طلاق فهي تستحق منه عشرة آلاف درهم وهو أعطاها عشرين ألف يسمى إحساناً، أعطاها أكثر مما تستحق. أو العطاء لمن لا يستحقه أصلاً كشخص يؤذيك أنت تكرمه أو يشتمك وأنت تمدحه أو منعك حقك أنت تعطيه أو يجافيك أنت تسلم عليه يسمى إحساناً (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ (90) النحل) الإحسان أن تعطي من منعك من حرمك وأن تصل من قطعك وهكذا. حينئذٍ هذا الإحسان أن يكون عطاؤك إما لمن لا يستحقه لكن أنت تعطيه لرفعتك وإما أن تعطي صاحب الحق ضعف حقه أو أكثر من حقه بكثير ولهذا سمي الإحسان ولم يسمى الجمال لأن الجمال نسبي فمن أراه جميلاً قد تراه قبيحاً، هناك من يحب امرأة سمراء الآخر يراها قبيحة وهناك من يحب زوجة شقراء والآخر يراها قبيحة وهكذا فالناس يختلفون في مدى جمال الأشياء فما قد يكون جميلاً لي قد يكون قبيحاً بالنسبة لك فالجمال نسبي. أما الإحسان فهو مطلق ولهذا رب العالمين لم يسمي الجنة الجميلة بل سماها الحسنى لأنه لا يختلف فيها اثنان وحينئذٍ لا يختلف اثنان في جمال هذا الذي يُحسِن إلى من أساء إليه (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿134﴾ آل عمران) وسأل أحد الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: ما الإحسان قال: (أن تعطي من حرمك وأن تصل من قطعك وأن تعفو عن ظلمك) هذه أخلاقية لا يقوم بها إلا الرجال والله عز وجل قال (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴿34﴾ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴿35﴾ فصلت). كبار الرجال، الجبال التي تمشي على قدمين، معن بن أبي زائدة، حاتم الطائي، ناهيك عن الأنبياء والمرسلين وكبار رجال هذه الأمة بحِلْمِهم كالأحنف بن قيس قيل له: بمِ سدت قومك وأنت ليس لديك شيئاً قال: بحلمي عليهم. فالحلم سيد الأخلاق والله حليم إذاً الإحسان أن تعطي من لا يستحق عطاءك لكنك أنت كبير أو تعطي صاحب الحق أكثر من حقه يسمى هذا إحساناً.

الإنعام: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ (37) الأحزاب) الإنعام هذا العطاء إذا أوصلته إلى صاحبه يسمى إنعاماً. فمثلاً أنت كريم وأنت محسن لكن عندما توصل هذا العطاء إلى من تريد أن تعطيه ويستلمه في تلك الساعة يسمى إنعاماً. وفي قوله (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (7) الفاتحة) أي أوصلت إليهم التوحيد (قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿17﴾ الحجرات) والله قال (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7) الفاتحة) أنت يا مسلم توحيدك مطلق وهذا شأن طائفة من اليهود وطائفة من النصارى أنتم موحّدون فهؤلاء الموحدون من اليهود والنصارى والمسلمين هم الذين أنعم الله عليهم نعمة ما بعدها نعمة، لأنه ما من نعمة أعظم ولا أعلى ولا أغلى من أن يلهمك توحيده وهذا لا يكون إلا بتوفيق الله. حينئذٍ هناك من المسلمين من أشرك كما هو اليوم هناك من أشرك بقبرٍ أو بشخصٍ أو برأيٍ أو بشيخٍ أو بمذهبٍ وترك الإسلام وتمسك بهذا وقتل الناس كما يجري في العراق وغيره وفي أفغانستان وفي كل مكان يقتتل المسلمون على شرك والقاتل والمقتول في النار إلا المقتول الذي لا يرفع سيفه. وحينئذٍ هكذا اليهود منهم من يوحد الله توحيداً مطلقاً ومنهم من يقول عُزير ابن الله وهكذا النصارى منهم من يوحد الله توحيداً مطلقاً. فهؤلاء الذين أنعم الله عليهم هم أهل التوحيد المطلق، والمغضوب عليهم والضالون هم من اليهود والنصارى والمسلمين الذين أشركوا بعد توحيد. إذاً عندما يعطي الله عبداً من عباده ثم يوصل له هذا العطاء يسمى إنعاماً. (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ (37) الأحزاب) أنعم عليه بالحرية فقد أوصلها إليه هو الذي أنعم عليه.

الكرم: كل هذا الذي قلناه يسمى إنعاماً، يسمى عطاءً، يسمى إحساناً، إذا عُرِف بين الناس ومدحك الناس عليه يسمى كرماً. فالكرم العطاء عندما يُعرَف ثم يمدحك الناس عليه يسمى كرماً. فبيني وبينك لا يعرفنا أحد أعطيتك أنا ألف درهم مساعدة أو إكراماً أو عطاءً أو هدية ولم يعرف بها أحد لا يسمى كرماً لكي تكون كرماً لا بد أن تعرف بها بين الناس. فإذا شاء الله سبحانه وتعالى أن يبعث لفضائلك وميزاتك لساناً صادقاً “وإذا أراد الله نشر فضيلة خفيت أتاح لها لسان حسود” حينئذٍ إذا شاع عطاؤك يسمى هذا كرماً ولهذا رب العالمين أكرم الأكرمين لأن كل عطائاته تعرف فأنت عدد نعم الله عليك من كل جانب (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا (34) إبراهيم) وكلها معروفة نعم عقلية وقلبية ومالية ولسانية وصحة وإيمان فلا حصر لها حينئذٍ إنها معروفة يسمى الله كريم فهو أكرم الأكرمين. وحاتم الطائي كريم لأنه عُرِف وأنا واثق أن من البشر ما قد يكون أكثر كرماً من حاتم ولكن ما عُرِفوا فأنا قد قرأت عن أم سيف بن ذي يزن كانت كريمة بشكل رهيب لكن ما شيع هذا عنها فلا تسمى كريمة لكن حاتم عُرِف ولقد علم الأقوام لو أن حاتماً أراد ثراء المال كان له وفر. حينئذ هذا العطاء إذا عرف فهو كرم. إذاً العطاء هو المحدد بالزمان والمكان والمقدار كالرواتب، الجود بمدخرٍ أنت تعطي مدخراً نفيساً، الإحسان أن تعطي من لا يستحق أو تعطي من يستحق أكثر من استحقاقه، الإنعام عندما توصل عطاءك إلى صاحبه، الكرم عندما يشيع عنك ذلك ويمدحك الناس كحاتم الطائي ونحوه.

السخاء: ثم عندنا السخي وهو الذي يتلذذ بالعطاء ويحبه إن الله يحب السخي ( تجاوز عن ذنب السخي فإن الله يستره له في الدنيا ويغفره له في الآخرة) كل الناس تعطي لكن رب العالمين يحب الذي يعطي مع حبه للعطاء. عندما يعطيك يشعر بلذة، يحب هذا، فهناك من يعطي لكن قلبه معصور فهذا ماله أو شيء ثمين أو بيت فهو قد أعطاك لكنه لا يتلذذ بذلك. لكن هنالك من يتلذذ كحاتم الطائي كان يتلذذ بالعطاء فكان يقول (أوقد النار فإن قرّت فأنت حرٌ) حينئذٍ هذا يسمى سخياً. فالسخي إذاً هو كل ما تقدّم يضاف إليه صفة جديدة وهو أنه يحب هذا، يتلذذ بالعطاء حتى ولو من غير قدرة.

الفيض: سابعاً الفيض وهو العطاء المتواصل الذي لا ينقطع مطلقاً ليل نهار. كأن يكون لديك جماعة تنفق عليهم كما كان يفعل الأنصار قيس بن سعد بن عبادة وأبوه كانوا يطعمون المسلمين ليلاً ونهاراً ما داموا في المدينة المنورة فإطعام المسلمين على قوم سعد بن عبادة ولهذا كان النبي يدعو الله لهم (اللهم ارحم آل سعد بن عبادة) وسموا الأنصار (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿9﴾ الحشر) هؤلاء الخزرج. حينئذٍ هذا يسمى فيضاً (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ﴿50﴾ الأعراف) فأنت لو هنالك نار تصب الماء باستمرار حتى تنطفئ ولهذا يقال فيوضات الله عز وجل (إن لله فيوضات) أي إنعام مستمر على بعض عباده سواء كان بالعلم أو بالتوفيق أو بالسداد. إن من ملوك الأرض من تراه موفقاً في كل شيء، هذا من فيض الله. هناك عالم لسان تفتق عن علم لا يعرفه الناس كما كان سيدنا علي كرم الله وجهه كان يقول كلاماً لا يعرفه الناس كانت له فيوضات. فالفيض العطاء المستمر الذي لا ينقطع ولا ينضب يسمى فيضاً.

الإهداء: (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴿35﴾ النمل) الإهداء هو العطاء للتحبب، للطف، والنبي قال وأعتقد أنه حديث ربما على كل حال هذا القول الصحيح (تهادوا تحابوا) وفعلاً الهدية كم وكيف جميل يثير الفرحة حينئذٍ هذا يسمى هدية. فالإهداء عطاء ليس من الحاجة ولا من الإغناء فأنت بالعطاء تجعله غنياً كان فقيراً فأعطيته مبلغاً فصار غنياً لكن هذا للتلذذ، قطعة حلويات، زجاجة عطر، قطعة سلاح، ثوب، أي شيء من هذه الأشياء الجميلة فقط لإثارة المحبة يسمى هذا هدية وإهداء (بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ﴿36﴾ النمل) لأن الهدية تفرّح.

الهبة: عطاء بلا مقابل يحقق أمنية هذه هبة. كشخص طوال عمره ليس لديه بيت ويحلم ببيت فيأتي ملك ويعطيك بيت هذه هبة (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ﴿49﴾ الشورى) (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي (35) ص) فلم يقل أهديني ولم يقل أعطيني ولم يقل أحسن لي ولم يقل جد لي بل هب لي فهب لي هذه لا يفعلها إلا ملك وفيها تحقيق أمنية عظيمة (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ﴿19﴾ مريم) من يفعل هذا غير الله وفعلاً كانت أمنية (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا) (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ (30) ص) ( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ﴿5﴾ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴿6﴾ مريم) فقد كانت أمنية زكريا (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴿4﴾ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ﴿5﴾مريم) أمنية عمره وهذه تسمى هبة فالهبة عطاء يحقق أمنية عز تحقيقها.

هذه هي منظومة العطاء على هذه الدقة الإعجازية في كتاب الله ولو تلاحظ كل كلمة منها استعملها الله عز وجل استعمالاً في مكانها بحيث لا تغني عنها الأخرى فلو قال وأهد لي هدية ملكاً لا تكون صحيحة في المعنى إلا بكلمة هب لي وعندما قال إحسان تعني إحسان فقط (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) لا يؤدي المعنى إلا كلمة يعطيك فهذه يوم القيامة ستكون للنبي صلى الله عليه وسلم عطاء بموعد محدد بقدر محدد لا تختلف ولا تنقص ولا تتأخر هذا عطاء (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) وهكذا الجود مدخر لا نظير له فأنت لا تملك غيره هذا المدخر العظيم يسمى هذا جوداً (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (92) آل عمران) مما تحبون أي ليس لديك ما هو أجود من نفسك فعندما تعطيها في سبيل الله بذلك تكون قد جُدت. أو شخص لديه مال وكثير من حالات التاريخ شخص كان لديه شيئاً هو مصدر قوته يسمى هذا جوداً. وهنالك فرق بين كريم وبين جودا فرق كبير جداً. هكذا هي هذه المنظومة ووجدنا فيها كلمات نادرة وقد لا تكون في الحسبان فأنا لا أستطيع أن أهب فليس لدي شيء أنا أهبه حتى أحقق لك أمنية لكن كل واحد منا يستطيع أن يكون محسناً ورب العالمين تكلم عن المحسنين بشكل يثير الفضول (وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴿69﴾ العنكبوت) (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿195﴾ البقرة) (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴿125﴾ النساء) وهو محسن وهو محسن وهو محسن. الإحسان رب العالمين سبحانه وتعالى تكلم عنه عجب (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (91) التوبة) والكلام في كل مكان تجد أن الإحسان والمحسنين في الواجهة ويكفي أن الله معهم فلم يقل هم مع الله بل الله معهم (وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) ويحبهم وقال (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) أبداً. إذاً ما هذا الإحسان؟ وكل إنسان يستطيع أن يكون محسناً في كل المجالات كل في موقعه، إن كنت موظفاً أو أميراً أو تاجراً أو طالب علم أو جاراً أو بائعاً أو مشترياً أو زوج أو زوجة ابناً أو أباً أخاً أو أختاً كل مخلوقٍ بشريٍ يستطيع أن يكون محسناً في مجاله أن تعفو عن من ظلمك فتسامحه وقد رأينا من هؤلاء الناس على قلتهم والله سبحانه وتعالى قال (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴿13﴾ سبأ ) (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴿35﴾ فصلت) وقد رأينا بعض الحكام العظام أصحاب النفوس الكبيرة يؤتى بالمذنب أمامه وهو يرجف ثم يعفو عنه ويقول له اذهب لأهلك فهم كبار ورأينا أناس بسطاء من يتعدى عليهم ويشتمه أمام الناس فيقول له: بارك الله فيك مسامح وسامحني وآسف وكل هذا بابتسامة وأنت تغلي وأنت تشاهد هذا المنظر وأنت لست بطرف. ومن لديه محل للبيع ودائماً يعفو وهنالك حديث (يؤتى بالعبد يوم القيامة وما له حسنة فيقول الرب: خذوا عبدي إلى الجنة فتقول الملائكة: بما يا رب وليس له حسنة قال: إنه كان يرحم أهله) لا يؤاخذهم بل يعاملهم ببساطة ويحبهم ويعطيهم. آخر نفس الأمر ويقال له نفس الشيء والله يقول له: ليس لديك شيء فيقول: كانت لدي بضاعة بسيطة وكنت أبيع الناس فكنت أسامحهم في البيع، أي الذي ليس لديه مال لا يطالبه ويسامحه ويبرئه من الدين بالإحسان يبرئ الدَيْن يؤخر الدين يعفي نهائياً يقلل من السعر لا يطالب أحداً بدَيْنه هذا هو الإحسان قال: خذوا عبدي إلى الجنة بهذا الإحسان فإني أحب المحسنين. إذاً الإحسان على هذا النحو كلنا نستطيع أن نكون من المحسنين ولو أن هذا في غاية الصعوبة فإن الله قال (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) وقد قلنا عدة مرات قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ (35) المائدة) كن محسناً بشيء عظيم ولو مرة في حياتك. مرة في حياتك أنت شخص اعتدى عليك وكان من الممكن أن تشتكي عليه وتغرمه أو تحبسه لكنك بدل من أن تقوم بذلك سامحته لوجه الله. أخ، أخت، عم، خال، جار، شريك اعتدى عليك بمال أو باعتداء أو بكلام أو بتهمة أو بأي شيء ولهذا كان صالحوا هذه الأمة عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم (سيمر عليكم واحد من أهل الجنة) ثم رأوا شخصاً عادياً فعبد الله بن عمر رضي الله عنهما تتبعه-وهي قصة معروفة لكم- تساءل عن السبب الذي أدخله الجنة فذهب إليه وطلب المكوث عنده بعد أن أخبره أنه اختلف مع أبيه فرحب به الرجل فكان عبد الله بن عمر يراقب عباداته وكان الرجل يصلي الصلوات حاله كحال الآخرين ثم يصلي العشاء وينام فلم يكن يرى شيء غير ما يفعله كل المسلمين ثم قال له عمر أنه ليس على اختلاف مع أبيه ولكن النبي قال عنه أنه من أهل الجنة فأراد أن يعرف بم؟ فسأله عمر ما هو عملك فقال الرجل الذي رأيته ليس لدي غيره فرد عبد الله بن عمر أن هذا غير معقول إذا كان كذلك فلم لم يقل عني أنا أني في الجنة ولكن قال عنك فما الذي تفعله؟ فقال الرجل لا شيء غير أنني يومياً قبل أن أنام أقول يا ربي كل من ظلمني فإني أسامحه لوجهك. وهذه من يستطيع عليه أنك أنت تسامح كل من اعتدى عليك وكل من اغتابك وكل من ظلمك وكل من جار عليك (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) ولهذا رب العالمين جعل لنا فترة رمضان فترة أن نكون فيها من المحسنين بشكل ميسّر فرمضان لا يقبل من أخوين متصارمين لا يُقبل، وبالتالي ما قيمة إنسان (تعس عبدٌ أدرك رمضان ولم يغفر له) خسئ، أبعده الله (من أدرك رمضان ولم يغفر له فأبعده الله) موسم المغفرة. ما عليك إلا عندما يأتي رمضان تقول يا رب إني أعفو عن كل من ظلمني وإذا كانت هنالك خصومة بينك وبين شخص آخر ولا تتحادثان فارفع سماعة الهاتف واطلب منه المسامحة وطبعاً الآخر سيفرح وإذا قفل ولم يرد عليك أنت تأخذ الأجر كله. من أجل هذا لابد أن نكون محسنين ولو مرة لأن الله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) مرة يا رجل، مرة تحشر مع المحسنين. فرب العالمين يوم القيامة من كرمه (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا (73) الزمر) كل من عمل عملاً من هذه الأعمال الراقية يحشر مع أهلها وقال صلِّ من الليل ولو ركعة تحشر يوم القيامة مع أهل الليل (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴿16﴾ السجدة) (ينادى منادٍ يوم القيامة أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟ فيقومون يومئذٍ وهم قليل فيؤمر بهم إلى الجنة ويساق الباقون إلى ساحة الحساب) بركعة بالليل. هكذا كن محسناً في يوم من الأيام، الآن مثلاً قل يا ربي سمعت كلامك في الكتاب العزيز وقول نبيك محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال (الإحسان أن تعفو عن من ظلمك) يا ربي لوجهك الكريم وإكراماً لمحمد صلى الله عليه وسلم فإني لا أريد أن أفجعه بواحد من أمته أنا أسامح كل من ظلمني لوجهك وأرجو منك الجزاء. ثق كما وعد المصطفى وهو الصادق المصدوق لن تحاسب على عمل، كن من المحسنين ولو مرة واحدة هذا هو الإحسان. يقول رب العالمين (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ (229) البقرة) والواقع خلاف ذلك فالمطلقات يعانين من المطلقين شظف وسُباب وإنكار وجحود وتقتير ولا يطلّقها إلا إذا تنازلت عن المؤخر نعوذ بالله من هذا الرجل. ويوم القيامة سيعاملك الله بنفس الطريقة إذا أمسكت أمسك الله عليك وإذا أنفقت أنفق الله عليك وإذا أحسنت أحسن الله إليك فيا رجل الله قال (تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) فإذا طلقتها مهما كانت سيئة أعطيها وأكرمها وأسألها أن تسامحك وترضى عنك والله تعالى قال (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ (237) البقرة) فكم من مطلّقة من المسلمين في هذا الزمان العجيب وكم من المطلقين يطلق زوجته وهي راضية عنه (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴿21﴾ النساء) (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ﴿236﴾ البقرة) وأغلب الأزواج للأسف الشديد تركوا هذا ولهذا عليك أولاً أن تأخذ بالحلم ثم بالصبر تطلقها طلقة واحدة رجعية لعلك ترجع إليها في المستقبل ثم تعطيها كل ما تريد منك ما كان ذلك بقدرتك  أما تأخذ منها كل شيء وتطلب منها أن تعيد لك الذهب والتنازل عن المؤخر وأن تعيد المقدم والله يقول عن الجنة (وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل ولا قاطع رحم) ولهذا عليكم بأن تتوقوا غضب الله، إذا أحببت أن تطلق وهو أبغض الحلال إلى الله وأكره الناس إلى الله المطلِّقين. إياك أن تفعل هذا مهما أتعبتك زوجتك وإذا كنت قد أنجبت منها أطفالاً ولو واحد أو واحدة احتملها تزوج بأخرى إن كنت لا تستطيع العيش معها مع بقائها في بيتها مع أطفالها تنفق عليها من غير أن تؤذيها وأنت الرجل والمرأة امرأة والذكورة كما قد شرحناها من قبل في برنامجنا الآخر خير الكلام في سما دبي الذكورة والأنوثة كالليل والنهار وشتان بينهما هذه وظيفة وهذه وظيفة فأنت القوام أين أنت؟ وحينئذٍ هنا محك الرجال يوم القيامة (خياركم خياركم لنسائهم) (ما أكرم النساء إلا كريم) والإكرام للمرأة الحبيبة ليس فيه فضل، امرأة تحبك وتحترمك وتخدمك ومخلصة لك وأنت تكرمها كل الإكرام هذا شيء طبيعي. أن تكرم امرأة سيئة آذتك وأتعبتك ما لم تخنك إذا خانتك ألقِ بها إلى الزبالة ولكن إذا كانت شريفة ولكنها أتعبتك بكل معنى الإتعاب أكرمها وأعطها وأغدق عليها بل وسامحها في رمضان. إذاً قال (تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) هذا هو العطاء الذي هو أجمل ما في الكون لا يختلف عليه اثنين ولا يمكن أن يقول أحد: انظر إلى هذا السخيف يحسن إلى امرأته، لا أحد يقول هذا بل يقال: ما شاء الله عليه والله أحسن إليها برغم ما قد أساءت إليه. إذاً هذا الإحسان الذي هو جمال مطلق وليس جمالاً نسبياً.

أقف عند قوله تعالى (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله هو التوحيد المحض، لا يوجد شيء في حياته إلا الله، لا قبر ولا شيخ عبد القادر ولا حسين ولا علي ولا صنم ولا وثن ولا شيخ ولا أحد، الله وحده فقط توحيدٌ مطلق، من أحسن من هذا؟ والباقي كله ليس حسن فيه هنات وإنات وقد يهلك. إذاً ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه وإسلام الوجه الطاعة الكاملة، التوحيد المطلق. وحينئذٍ لا اعتماد على مخلوق آخر في أي شيء هو من اختصاص الله عز وجل (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ) هذا المقطع الأول وهو التوحيد المطلق. ثانياً (وَهُوَ مُحْسِنٌ) والإحسان كما قلنا أن تعطي لصاحب الحق أكثر من حقه. رب العالمين حقه عليك ركعتين الصبح أنت تصلي ركعتين الصبح وركعتين السنة، حقه عليك أربع الظهر أنت تصلي ركعتين قبل الظهر أو أربعة وركعتين بعد الظهر أو أربعة وهكذا نوافل، وتصلي الضحى والأوابين وغيره كله إحسان أنت تعطي الله عز وجل أكثر مما افترض عليك هذه نوافل (لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه). حق الله عليك أن تصوم رمضان لكن أنت تصوم رمضان والاثنين والخميس والأيام البيض وعرفة وعشرة محرم هذا إحسان وهكذا. الحج مرة لكن أنت تحج مرة ومرتين ثلاث مرات وكم عمرة. والزكاة 2,5%  لكن أنت تدفع أكثر 10% إذاً أنت توحد الله عز وجل ثم تتقرب إلى الله بالنوافل المحيطة بكل ما افترض الله عليك. كل حقوق الله عليك أنت تؤديها بشكل إحسان ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أدى زكاته طيّبة بها نفسه) أي لا تقدم الرديئة أو المكسورة أو المقطوعة بل على العكس أنت فرح لأداء هذه الزكاة هذا يسمى إحساناً وهذه معروفة. المقطع الثالث واللقطة الهائلة في قوله (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) فما مشكلتنا نحن؟ نحن قد اتفقنا من قبل أن كل واحد يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله هو مسلم لكن الإسلام فيه 50% مقبول وفيه جيد وجيد جداً وامتياز وامتياز الشرف. هنا نتكلم عن امتياز الشرف أعلى أنواع المسلمين أرقى المسلمين قال (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) ما هو حنيف؟ الحنف والخنف والجنف لغة عربية والله قال (قُرْآَنًا عَرَبِيًّا (2) يوسف) ( لِسَانًا عَرَبِيًّا (12) الأحقاف) (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴿195﴾ الشعراء) ارجع إلى جذر الكلمة العربية لكي تعرف المراد، حنيفاً الحنف هو الانحناء بين مستقيمين خطين مستقيمين وأنت منحني بينهما هذا يسمى حنف. وعندنا خنف الانحناء فالأنف مثلاً مستقيم فإذا كانت الأرنبة منحرفة إلى الداخل يسمى خنفاً, والجنف أنت حاكم ولديك حدين بالحكم أنت حرٌ بينها إذا زغت عن ذلك. نعود إلى كلمة حنف خطان مستقيمان حدّان محدودان ومحددان أنت حرٌ فيما بينها أنت عندك فرصة تلعب بها ما تشاء قبل الفرصة وبعد الفرصة لا يجوز (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا (187) البقرة) على سبيل المثال صلاة الظهر تكون في الساعة الثانية عشر والنصف بعد الظهر فلا تصلي الظهر قبل هذا الوقت لأن صلاتك لا قيمة لها وبعد الساعة الثالثة أيضاً لا صلاة (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا (229) البقرة) أنت حرٌ في ما بينها عندك مساحة حركة من الساعة 12 والنصف إلى الساعة 3 ممكن أن تصلي الظهر في أي وقت من الساعة الواحدة والربع إلى الساعة الرابعة بعد منتصف الليل لديك الحق في أن تصلي العشاء. إذاً الحنف حرية الحركة هذه الأمة الوسط هكذا كان دين إبراهيم وهذا ملة الإسلام. أنت كل الحدود، كل الأحكام فيها سعة وليس طريق مستقيم كما نفعل نحن. هذا شيعي وكل من عداه كافر أقتله هذا وهابي وكل من عداه مشرك أقتله هذا برجي وهذا قدري وهذا خوارجي والخ وامتلأت الوديان بدماء المسلمين، الكل هالك، الكل ليس على ملة إبراهيم. ملة إبراهيم فيها سعة، الحق في هذه الملة ليس واحداً الحق متعدد مثلاً إن مسكتك امرأة فلم تتوضأ هذا حق فإن توضأت فهذا حق، إذا صليت الساعة الواحدة حق، الساعة الثانية حق، الساعة ثلاثة إلا ربع حق، الساعة 12 ليس حق بل باطل الساعة خمسة باطل هذا الفرق بين المقصر والزنديق تقربها أو تتعداها. إذاً حنيفاً كن مع هذه الأمة على سعة لا تكفّر كل الناس، لا تكفّر أحداً ولا تضلل أحداً إلا إذا رأيت كفراً بواحاً حينئذٍ تحرك بأدب وسلوك كما فعل الله مع فرعون (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا (44) طه) أما واحد في هذا الحدود هذا عنده حكم، هذا يقول لك فلان رأي قال لي كذا فلان رأي قال لي كذا آراء متعددة متنافرة مختلفة هذا من سعة هذه الأمة هي أمة حنيفية فيها سعة حدين أنت بينهما حر فالمذاهب والأفكار جعفر الصادق وأبو حنيفة والشافعي ومالك كلهم على حق والمصائب أتت من الناس الذين أتوا بعدهم فكل واحد منهم يقول أنا فقط الذي على الحق وهم-الأئمة الكبار-قالوا: والله نبرئ من كل من يقلدنا. قالوا: إنكم أناس تتأكلون بنا. كلهم قالوا هكذا وهم جميعهم كل واحد منهم كان يصلي على مذهب الآخر أبو حنيفة والشافعي ومالك وجعفر والباقر والصادق كلهم كانوا أناس تأخذ من أناس وأناس تتعلم من أناس وأناس تقول اتبعوا فلان ولا تتبعوني هذه الحنيفية هذا صواب وهذا صواب وهذا صواب والنبي صلى الله عليه وسلم في الحج كل من يقول له أنه قام بشيء كان يقول له أجزأك ويأتي الآخر وقد قام بعكس ما قام به الأول ويقول له أجزأك ويأتي آخر بعكسه ويقول له أجزأك لأن هنالك سعة تقبل هذا هذه حنيفية (تركتكم على الحنيفية السمحة) السمحة وليس بآلات التعذيب وبالحرق حرقت المساجد والقرآئين والعلماء قتلوا فلم يبق عالم في بغداد علماء بالسبعين ثمانين سنة ربوا أجيالاً ذبحوهم ذبح الخراف بحجة أنه صوفي مشرك وغير ذلك سبعمائة عالم في العراق قتل، أي كافر هذا أي زنديق هذا؟! ويعتقد أنه هو الوحيد من أهل الجنة والباقي كلهم في النار. إذا  الله يقول (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) موحّد ولا يصلي الفريضة فقط بل الفرائض والنوافل وعطاء ومتلذذ بالنوافل، ثانياً (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) أي وسع الجميع كل من خالفك في الرأي وله دليل فهو على حق. فالحق في هذه الشريعة متعدد. قيل لعمر بن عبد العزيز: لقد تفرق أصحاب النبي في الأمصار واختلفوا فلا وحدتهم؟ قال: والله ما أحب أن أصحاب محمد لم يختلفوا، لأنهم لو لم يختلفوا لحجروا السُنّة والسنة متعددة النبي فعل هذا وفعل هذا وفعل هذا فافعل ما تشاء. حينئذٍ هذا هو الإحسان وإتباع هذه الملة لأن الملة في هذه الأمة.

سؤال من مشاهدة تسأل عن كلمة الإيتاء إذا كان من ضمن المنظومة؟ صحيح ولكن الإيتاء هو الوسيلة التي تنعمين بها بهذا العطاء أنت عندما تقدمين العطاء أو الإحسان أو النعمة كيف تقدمينها أو بماذا هذا يسمى الإيتاء. نرجع إلى أنواع العطاء. أنواع العطاء المقدس الذي لا يضر معه ذنب، برُّ الوالدين فأنت تدخل الجنة فوراً على ما كان منك: بر الوالدين عطاؤهما، صلة الرحم وخاصة الكاشح الرحم المبغض، إكرام الجار إذا أكرمت جيرانك وشهد لك سبعة منهم يوم القيامة أدخلك الله الجنة على ما كان منك ما دمت من أهل القبلة فأكرم الجار فهذه فرصة نادرة، كفالة اليتيم ولو مسحت على رأسه ما بقي منك ذنب، والأرملة والمسكين والضيف يدخل برزقه ويخرج بذنوب أهل الدار أنت والخادم والزوجة كل من ساهم إطعام الضيف النبي قال: (ضحك الله من صنيعكما) زوج وزوجة ليس لديهم غير عشاء قليل وصغارهم جياع فعندما أتى الضيف أعطوه كل الطعام وجعلوا الأطفال ينامون والنبي قال: (ضحك الله) وفي رواية (عجب الله من صنيعكما) (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴿8﴾ الإنسان) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه عقبة ابن عامر يقول صلى الله عليه وسلم: (الملائكة تصلي على أحدكم ما دامت مائدته موضوعة)(لا خير في من لا يضيف) الخ. من العطاء إدخال السرور فهنالك عطاء يُفرِح كشخص مديون عندك وهو خائف فقلت له: يا فلان مسامح فهذا يفرحه وهو الذي لم يكن ينام الليل أو أن تساعده في دينه أو قد يكون مسجوناً، موقوفاً في الشرطة مع أناس تريد حقوقها ليس لديه هذا الرجل فتسد عنه أو تساعده، المهم تُفرِح شخصاً بعطاء. تأمل ما الذي يدخل على بيت فلان الفلاني سروراً؟ كأن يكون يوم عيد وليس لديه ملابس للأولاد، لديه مريض وليس معه المال، عليه دين، المهم أن تفرح الناس بعطاء فاعرف ما هو العطاء الذي يفرح بيت فلان لو فرحتهم فإن الله يخلق من هذا الفرح ملكاً جميلاً كالقمر يؤنس وحشتك في البرزخ إلى يوم القيامة ويأخذ بيدك إلى الجنة. والعطاء ليس فقط مال فهنالك عطاء علم، عطاء واسطة، أنت رجل وجيه وهنالك شخص في الدائرة الفلانية لم يحصل حقه لأمر ما فتأخذه بيدك فهكذا تكون تؤدي زكاة الجاه واعلم أنها مثل زكاة مال تم نصابها كما يقول الإمام الشافعي. من ضمن العطاءات أن تحمي ظهر أخيك كأن تكون أنت في مجلس وتسمع كلاماً في أحد المسلمين فتقول له اتقِ الله هذا كلام غير صحيح هذا الرجل كذا فلان كذا هذا جارنا هذا أخونا وهذا الموضوع غير صحيح فحميت ظهر أخيك فأنت أنعمت عليه بأن حميت ظهره وسوف يحمي الله ظهرك يوم القيامة من كل من يطلبك وما أكثر من يطلبنا. اغتبت فلاناً وقصرت على فلان، رب العالمين يوفيهم حقوقهم ويغفر لك. مثلاً أن تنصر ضعيفاً، انجاز معاملة في دائرة ما، أو شخص رأيته في الطريق من منطقة إلى أخرى وأنت في السيارة ورأيته يقف في الطريق والدنيا حر أو برد أو ليل أو نهار ويشير إليك لكي تقله معك لكنك لا تقف ثق لو وقفت لكنت قد اصطدت صيداً يوم القيامة ثميناً فهذه صيدة ثمينة فإن أوصلته يوصلك الله يوم القيامة إذا انقطعت بك السبل. إذاً العطاء ممكن بكل طريقة وفي كل مجال ومن كل جانب بعلمك بوجهك فأنت أن تلقى أخاك بوجه طلق هذا عطاء، تسلم عليه، تبتسم له، تتحات ذنوبك كما تقع الأوراق من الغصن اليابس. إذاً العطاء حولك، كن معطياً من ابتسامتك، من خلقك، من مالك، من علمك، من جهدك، من جاهك (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ﴿5﴾ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴿6﴾ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴿7﴾ الليل) أعطِ فالله لم يقل ماذا تعطي، لم يحدد بل قال (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ) (اتقى) أي أن تصلي خمس أوقات وتصوم رمضان وأن تكون من أهل القبلة فما دمت من أهل القبلة فأنت متقي أي تصلي وتصوم وتحج وتزكي هذه تقوى النجاة. (وأعطى) هذا العطاء من غير تحديد سواء كان علماً، مالاً، جاهاً، كلمة طيبة تحمي ظهره، تعفو عنه، تكظم غيظاً، أعطي من أخلاقك ولهذا (لا يدخل النار إلا شقي) عشت أربعين خمسين ستين سبعين سنة ألا يوجد عمل من أعمالك يغفر الذنوب وهي بالمئات ولو أننا نعدد الأعمال التي تغفر الذنوب جميعاً تجدها بالمئات ثم تأتي أنت يا مسكين عشت ستين سنة ولم تقوم بواحدة من هذه الأعمال لم تفرح أحد أو تكظم غيظاً أو تبر برحم أو تربي بنات أو تبر بأم وأب أو تبرئ أحد من الدين أو تحمي ظهر أحد ما هذا؟ أين كنت تعيش؟ لا يدخل النار إلا شقي ولهذا قال تعالى (لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى ﴿15﴾الليل) فكيف تدخل النار وكل هذا أمامك؟ هذه المائدة العظيمة من أجل هذا من عوفي فليحمد الله. ولذلك إذا أردت أن تنجو فتأمل في كتاب الله وسنة رسوله وحينئذٍ سوف ترى أمامك طرقاً لا حصر لها كلها تؤدي إلى الجنة فإن لم تسلك ولا واحدة فأنت الخاسر وحينئذٍ لا تلومن إلا نفسك. وعندما طلب سيدنا يوسف رئاسة المال إنما كان لأجل العطاء وكان عبد الرحمن بن عوف دقيقاً في التعامل وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر فإذا كنت تشتري منه تمراً يأخذ التمر حتى التمرة تقع في الأرض يرفعها فمن يراه يعتقد أنه بخيل ثم يراه يعطي بشكل رهيب فعندما سئل قال: أجمعها هكذا لأنفقها هكذا. الرجال المال عندهم وسيلة وليس غاية وسيلة للآخرة ولهذا الله قال (وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ (41) التوبة) المال مقدم لأنه مؤمن بأن الله سيخلفه والشيء الثاني لأن المال عزيز فكيف تنفقه؟ قال (طيبة بها نفسه) وبالتالي هذا لمن وفقه الله عز وجل فهذا توفيق فالسخاء توفيق وهنالك من الملوك من لم ينفق على واحد من رعيته وهناك من الملوك من يعطي عطاء من لا يخشى الفقر. ويقول أحد الشعراء وهو يتخيل نفسه وهو في النار والعياذ بالله يوم القيامة فيناجي وينادي الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول:

أترضى حبيبي أن تكون منعماً         ونحن على جمر اللظى نتقلب

ألم يعطك الرحمن في سورة الضحى  فحاشاك أن ترضى وفينا معذب

ولهذا عندما قال له الله تعالى (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) قال: (وعزتك وجلالك لا أرضى وواحد من أمتي في النار) ولهذا الشفاعة العظمى يوم القيامة لأهل الكبائر فتأمل رحمة الله رب العالمين لن تصل إلى الله إلا عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا يقول رب العزة في الحديث القدسي (أحب ثلاثاً وحبي لثلاثٍ أشد أحب السخي وحبي للفقير السخي أشد).

سؤال من مشاهدة تسأل عن كلمة الفضل إذا كانت تدخل في المنظومة فأضافها الدكتور إلى كلمات المنظومة.

بُثّت الحلقة بتاريخ 18/5/2007م وطبعتها الأخت نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها