الحروف في القرآن الكريم, حرف الكاف

حرف الكاف – منظومة المشقة (كَبَد)

اسلاميات

منظومة  المشقة

كبد – مرض – عذاب – ألم- سقم – قرح – وصب –نصب –  نكد –  كدح – لغوب

حلقتنا في برنامج الكلمة وأخواتها في القرآن الكريم تقف عند بداية فصل الكاف. فقد انتهينا من فصل القاف وهكذا دخلنا إلى فصل الكاف وأول كلمة تطالعنا في هذا الفصل كلمة كبد، مكابدة. حينئذٍ كما قال تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴿4﴾ البلد) والمكابدة نوع من المشقة. إذاً فمنظومتنا هي منظومة المشقة والمشقة هي الخروج عن الاعتدال، هذا الخروج يأخذ أطواراً وأسماء كثيرة في كتاب الله عز وجل فمنها كلمة مرض أو عذاب وألم وسقم وقرح ووصب ونكد وكدح ولغوب هذه الكلمات هي التي تبين لنا في كتاب الله عز وجل أنواعاً مختلفة من المشقة التي لا يمكن لكلمة أن تسد مسد الكلمة الأخرى في بيان نوع المشقة. والمشقة كما تعرفون ميزان السيادة كما يقول الشاعر:

لولا المشقة ساد الناس كلهم           الجود يفقر والإقدام قتال

ضريبة النجاح والفوز والوصول إلى الأهداف هي المشقة. وكلمة الشُقّة كما قال تعالى (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ (42) التوبة) الشُقة هي المكان أو الجهة التي تأتيك منها المشقة. والمشقة كما قلنا هو تحميل الإنسان ما لا يحتمل كما قال تعالى حكاية عن سيدنا موسى في قصته (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ (27) القصص). المشقة إذاً هي السبيل الذي نخرج به من قوانين الكون ومن قوانين الكون أن هذا الإنسان خطاء بطبعه فالخطأ والخطيئة من قوانينه وحينئذٍ لا بد أن تخطيء ولا بد أن تذنب والخروج من هذا الخطأ أو الخطيئة أو الذنب منه ما يكون بإرادتك ومنه ما يكون مفروضاً عليك وهذا معنى قوله تعالى (الم ﴿1﴾ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ﴿2﴾ العنكبوت) والفتنة هي أنواع كثيرة من المشقات كما سنفصلها الآن واحدة واحدة. إذاً الخروج من الخطيئة إما أن يكون بفعلك، بإرادتك كما قال تعالى (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴿114﴾ هود) الصلاة إلى الصلاة كفارة، الجمعة إلى الجمعة كفارة، رمضان إلى رمضان كفارة، الاستغفار كفارة (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿135﴾ آل عمران) إذاً كل هذا باختيارك. والكلام في هذا معروف كما قال صلى الله عليه وسلم (أتبِع السيئة الحسنة تمحها) وكما قال تعالى عن أولي الألباب (وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴿54﴾ القصص) هذا باختيارك. الذي ليس باختيارك والذي يدخلك الجنة رغم أنفك هو هذه المشقات المختلفة التي يبتلي الله بها عباده وما من عبد من عباد الله إلا والله سبحانه وتعالى يبتليه بواحدةٍ من هذه المشقات التي جاءت تحت عناوين كثيرة في كتاب الله عز وجل على ما أبيّنه الآن. وكل كلمة من هذه الكلمات من منظومة المشقة تبين نوعاً من أنواع المشقة قد يحصل لك واحد منها ولا يحصل الآخر وقد يحصل نوعان أو ثلاثة وعلى قدر المشقة يكون الأجر كما هي القاعدة الأجر على قدر المشقة. نبدأ باستعراض هذه الكلمات واحدة واحدة لنتعرف عن الأسباب التي من أجلها تدخل الجنة رغم أنفك كما في الحديث (عجبت لمن يدخل الجنة رغم أنفه) لأن الله عز وجل يبتليك ببلاء من هذه الابتلاءات التي هي منظومة المشقة وإذا بك تصبر وبعد الصبر يقول تعالى (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴿155﴾ البقرة).

العذاب: نبدأ بكلمة عذاب. العذاب هو الإيجاع الشديد وأصله من الضرب بعَذَبَة السياط، بعذبة السوط كان الناس يجلدون العبيد بالسوط هذا الضرب موجع فإذا بلغ الضرب حد الإيجاع أحدث ألماً. إذن فالعذاب إيجاع والألم توجع فعل ورد فعل. العذاب والألم متلازمان من حيث أن أحدهما سبب للآخر (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴿15﴾ الإسراء) (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿104﴾النساء) إذاً العذاب هو الإيجاع الشديد والألم هو الوجع الشديد متلازمان ها نحن عرفنا الفرق بين العذاب وبين الألم.

المرض: بعدها يأتي المرض وهو الخروج عن حد الاعتدال في صحة البدن والنفس كما قال تعالى (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴿10﴾ البقرة) (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ 184البقرة) مرض نفس ومرض بدن وهو الخروج عن حد الاعتدال. أنت معتدل صحيح معافى فإذا خرجت عن هذا صرت مريضاً. والمرض هذا أنواع كثيرة وحينئذٍ هذه الأشياء أن تُعذَّب والعذابات كثيرة في الحياة منها ما هو اعتدائي ومنها ما هو من قوانين البشر، من قوانين الحياة ثم تشعر بالألم وإذا بك خرجت من ذنوبك لو تشاك بشوكة (ما يشاك العبد بشوكة…الخ) (إن ليلة من الصداع والمليلة….الخ) (إن الحمى من فوح جهنم وذاك نصيب المؤمن من النار) هذه الأمراض، هذه العذابات، أن تُعذَّب بالسجون أن تعذب من عدو كل ذلك مطهرة وكفارة للذنوب جعلها الله عز وجل من أسباب خروج المرء من خطاياه أو خطيئاته وأحد الصحابة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إني لا أمرض فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أوأملك أن الله لا يحبك. إذاً هذه البلاءات هذه المشقات المتعددة نعمة من الله عز وجل إذا أحب الله عبداً ابتلاه بها ليخفف من ذنوبه هكذا هو المرض.

السقم: كلمة سقم (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ﴿88﴾ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ﴿89﴾ الصافات) السقيم المرض الذي يصفِّر الوجه ويهزل البدن أحياناً المرض لا يؤدي إلى هذا كألم العين أو الأذن أو الصداع ولكن من المرض ما يجعل وجهك أصفر وبدنك هزيلاً يسمى هذا سَقَم (فقال إني سقيم) فهو عندما نظر إلى النجوم وانعكست على وجهه فصار وجهه أصفر فقال ( إِنِّي سَقِيمٌ ) ولهذا كل شيء يكون هزيلاً يقال عليه استعارة بأنه سقيم حتى الرأي يقال عليه هذا رأي سقيم لأنه هزيل لا يتماسك، هذا سقم.

القرح: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ (140) آل عمران) القرح هو التوجع أو المشقة بسبب الجراحة كمن أصيب بإطلاق نار أو بضربة سيف أو طعنة رمح وبقي ينزف وهذا الجرح ملتهب وهذا الجرح يسيل دماً وهو يحرق ويؤلم ويوجع هذه العملية من أصل الجراحة تسمى قرحاً (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) كما في الحديث (ما من شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين أثر في سبيل الله وأثر من عبادة الله وقطرة دمٍ في سبيل الله وقطرة دمعٍ من خشية الله) هذا القرح وهو نوع من أنواع المشقة التي تختص بكونها بسبب الجراحة إذا كان لديك جرح ثم التهب وتطور وآلمك كثيراً فهذا قرح انقلب من كونه جرحاً إلى كونه قرحاً.

وصب: (لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ﴿8﴾ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ﴿9﴾ الصافات) الواصب هو المرض المزمن الطويل كالعَوَق في الجسم كمن يفقد عينه أو تقطع يده أو رجله يسمى وصباً (وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ) أي يعوَّقهم (ما ينال المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا غم ولا حزن إلا كفّر الله بها خطاياه) لما نزل قوله تعالى (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ (123) النساء) شعر سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله تعالى عنه شعر بالخوف قال: يا رسول الله أكلّ شيء نفعله نجازى به يوم القيامة؟ قا ل):يرحمك الله يا أبا بكرٍ ألست تنصب؟ ألست تتعب؟ ألست يصيبك الوصب ؟ ألست يصيبك اللهوى..الخ) أحاديث مشهورة كل هذا يكفّر ذنبك. إذاً قد يجزى به في الدنيا، كثير مما نبتلى به في الدنيا هو عقابنا على ذنوب إرتكبناها كفّر الله بها ذلك الذنب ولم يعد عليك عقاب يوم القيامة (لا يجمع الله على عبده أمنين ولا يجمع على عبده خوفين) حينئذٍ هذه المشقات التي تكثر الله سبحانه وتعالى يكفّر بها الذنوب وهذا الوصب يوم القيامة يتجلى. في الحديث القدسي (من أخذت حبيبتيه-أي عينيه-فحمدني خيرته من أي أبواب الجنة شاء) فحينئذٍ كل هذا العوق المتعدد المقيم هؤلاء ملوك الجنة الذين يبتلون ببلاء لا شفاء له هؤلاء هم ملوك الجنة كما قال تعالى (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ (61) النور).

نكد: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ﴿58﴾ الأعراف) النكد هو التعسر في الحصول على المطلوب كل شيء في حياتك عسير متعثر ليس سهلاً كأن يكون لديك منزلاً خرباً كلما أصلحت فيه يقع فلا ينفع معه التصليح أو سيارة قديمة تتعبك أو زوجة مشاكسة شرسة يدها طويلة ولسانها طويل لا تأنس بها، فيها نكد. والنكد هو التعسر في الحصول على الشيء الذي تريده كمن لديه عمل ولكن ليس فيه وارد مهما فعل ليس فيه راحة للنفس. أو من لديه على سبيل المثال قلم وهذا القلم لا يعمل كثير العطل وهكذا كل شيء في حياته عسير يسمى هذا نكداً. ولهذا رب العالمين سبحانه وتعالى يجعل هذا النكد من عقوبات الإنسان الشحيح غير العادل ولهذا ثبت بالتطبيق العملي أن البلد العادل يكون النبات فيه سهلاً ميسراً ناشطاً كالإمارات مثلاً برغم كونها بلد رملي والمياه فيها شحيحة ومع هذا النهضة الزراعية تكاد تكون معجزة لأنه بلا شك لا يختلف أنه بلد فيه عدل قال البلد الطيب والبلد الذي فيه عدل السلطان والبلد الخبيث الذي فيه ظلم السلطان فلو قارنا الإمارات مثلاً بأي بلد عربي آخر فيه من المياه والأرض الزراعية ما فيه ولكنه يشكو السبخ ويشكو عدم النبات ويشكو محق الحالة الزراعية كالعراق مثلاً وهو من أيام الشيوعية والبعثية إلى الحكام الحاليين فيه من الظلم ما لا يعرفه أحد وما لم يحدث في التاريخ مثله من قتل وإبادة وتعذيب وكما تسمعون وهذا من خمسين عاماً إلى الآن وهو في هذا الظلم الشنيع علقوا الناس على أعمدة الكهرباء وسحلوهم في الشوارع  وقطعوا أوصالهم وإلى هذه اللحظة. من أجل هذا هذا البلد الذي فيه من المياه بقدر ما في العالم وتربته خصبة وكان يسمى أرض السواد لشدة الزراعة العظيمة فيه واليوم لا تنبت فيه شجرة كما قال تعالى (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا) فالنكد تعسر حصول الشيء. أنت في البلدان الظالمة النبات لا ينبت، الماشية ليس فيها حليب، الرزق فيها شحيح، المشاريع تفشل، البناء يقع، كل شيء فيه متعسر يسمى هذا نكداً.

الكدح: هو التعب من العمل بشكل دائم كعامل البناء عمله بطبيعته صعب بالشمس، في الحر، في البرد، في المطر، تصعد الطوب وتنزل الطوب من السابعة إلى السابعة وأنت في هذا الوهج في ذلك الصيف الحار في ذلك البرد القاتل أنت في الطين والماء صاعد ونازل هذا يسمى كدحاً. فالكدح المشقة في طلب الرزق كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴿6﴾ الإنشقاق) وهذا الإنسان من أول ما يولد وهو يتعايش مع المشقات من أول ما يولد وهو يتعايش معها. مثلاً يطهرونه ويذهب إلى المدرسة بالقوة ويسهر ويكتب ويقرأ ويحفظ وقد يمرض وقد يعاني من ضرب المعلم أو من ضرب أبيه أو من قسوة أمه أو من قسوة الحياة فمنذ أن يولد الإنسان إلى أن يموت وهو في مشقات متتالية حينئذٍ هذا يسمى كدحاً (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا) حتى العبادات تصوم في رمضان الحار وتصلي فجراً في يوم بارد وتصلي الأوقات الخمسة تمنعك من الشهوات ومن المحرمات كلها صعوبات كلها مشقات ولكنها على امتداد الحياة كل حركاتك وما حولك فيه نوع من الصعوبة يسمى هذا كدحاً.

الكبد: هو الكدح نفسه إذا رافقه هم وغم وحزن. نفس المشقة ونحن كلنا عاشرنا الكدح كلنا درسنا وامتحنا وسهرنا وخفنا من أب أو معلم وعانينا من الحر والبرد الخ لكن ليس في داخلنا لا هم ولا حزن فالحمد لله نحن سعداء وأسوياء بالتفكير. ولكن منا من لبسه الهم لأمر ما إما لقسوة أبٍ شديدة أو قسوة أم قاسية أو لفقرٍ شديد أو لمرض أحد أقاربه أو لمأساة سيطرت عليه آثاره المهم هناك هم كمن لديه أولاد كثيرون (إن من الذنوب ذنوباً لا يغفرها إلا الهمّ للعيال) فهو كادح ولكنه مهموم لأن الرزق الذي يحصل عليه لا يكفي لأولاده فعياله في عازه لا يستطيع أن يلبي عازاتهم فهو مهموم (إن من الذنوب ذنوب لا يغفرها إلا الهم للعيال) وفي حديث (إلا الهم للمعيشة) هذا الكدح إذا رافقه هم يسمى كبداً كما قال صلى الله عليه وسلم (من عجز عن الليل أن يكابده) والليل مكابدة من أجل هذا إذا كان كدحك فيه هم أو حزن ينقلب من كونه كدحاً إلى كونه كبداً. مأخوذ من الكبد وأنتم تعرفون كيف إذا أصيب الكبد بمرض أو التهاب أو ما شاكل ذلك ونحن نسمع عن الوباء الكبدي الخ. فحينئذٍ هذا الهم إذا بلغ مبلغاً عظيماً حتى أتلف كبدك يسمى هذا كبداً (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴿4﴾ البلد).

نصب: (لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ﴿62﴾ الكهف) هذا النصب هو نفس أعراض وأحداث الكدح والكبد على شرط أن تضيف إليها الخوف. إذا كنت خائفاً مع كل ما تقدم ففيك حالة خوف إما من رقابة أو من سلطان أو من وباء قادم أو أن تخاف أن تطرد من العمل أو أنت غريب وتخاف أن يقتلوك فأنت فيك خوف دائم هناك بعض شعوب العرب والمسلمين يعيش المواطن في رعب دائم لأنه لا يدري متى يلقى عليه القبض ويزج به في السجون أو يقتل بدون جريمة وبدون أن يعرف أحد ولا يعرف أحد مصيره. هذا واقع في بعض دول العرب والمسلمين هذا فيه خوف مستمر. هذا الخوف المستمر مع أعراض الكدح وأعراض الكبد والمكابدة يسمى نصباً (لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا) (الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ﴿35﴾فاطر) لسنا خائفين والله عز وجل يقول (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ ﴿46﴾ الحجر).

لغوب: اللغوب هو التعب الشديد الذي يوصل إلى الإعياء فكثير من الناس بدأ بمشروع بدأ بعمل لكن مجهد متعب إلى أن أصابه الإعياء وكف عن المواصلة ولم يعد باستطاعته أن يواصل كالمقاتل الذي يقاتل عدواً لكن وصل به الإعياء إلى حيث أنه كف عن القتال لم يعد فيه حراك أو كمن غرقت باخرته ثم بدأ يسبح فسبح إلى أن أصابه الإعياء الكامل ولم يعد باستطاعته أن يتابع يسمى لغوب كما قال تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ﴿38﴾ ق) لم يمسنا مشقة من نوع اللغوب الذي تؤدي إلى الإعياء بحيث نترك العمل.

هذه كلمات هذه الحلقة والتي هي منظومة المشقة وكل كلمة من هذه الكلمات وسيلة من وسائل مغفرة الذنوب جميعاً فإذا كان فيك أي شيء من هذه الكلمات أي واحد من هذه الكلمات فاعلم بأنه لم يبقَ عليك ذنب من هنا قال عليه الصلاة والسلام (لا يدخل النار إلا شقي) لماذا؟ لأن كل هذه الكلمات وكل هذه الأنواع من المشقات لا يمكن عقلاً أن يخلو واحد من عباد الله منها، فما من عبد من عباد الله إلا وفيه واحد من هذه الكلمات إما أن يكون فيه مرض أو يكون فيه ألم أو يكون فيه عذاب أو فيه سقم أو قرح أو وصب أو نكد أو كدح أو كبد أو لغوب وحينئذٍ كيف يمكن أن تبقى عليك ذنوب وكل هذا الذي أصابك من مكفرات الذنوب والله سبحانه وتعالى أرحم من أن يجمع على عبده عذابين. كما قال صلى الله عليه وسلم: إن أمتي هذه أمة مرحومة لا عذاب عليها في الآخرة عجّل الله عذابها في الدنيا الزلازل والفتن. وما تعرف من ظلم ووباء وبلاء وهذا الذي يجري الآن في العالم العربي والإسلامي كما قال عليه الصلاة والسلام (لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم الهرج القتل القتل القتل) حينئذٍ هذا القتل الذي استعر واستحر في المسلمين في كل مكان والبقية آتية لأن هذا هو المرسوم حينئذٍ كل هذا من مكفرات الذنوب ما لم تلقى الله عز وجل وقد أصبت دما مسلمٍ حراماً. ما دمت لم تصب دماً حراماً فالمجال أمامك مفتوح بأن تستغفر الله عز وجل ولهذا لا يمكن أن تأمن من عذاب الله إلا إذا استغفرت الله عز وجل ما لم تصب دماً حراماً.

حينئذٍ كيف تجد في نفسك هذه الأسباب التي تغفر الذنوب جميعاً؟ وقس على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الصداع، ليلة من الحمى، سقيا كلب، أن تشوكك شوكة، شيء من الحزن (الحزين في ظل الله يوم القيامة) وكل هذا الذي ذكرناه (من بات مكدوداً من عمله بات مغفوراً له). وحينئذٍ كل هذه الأسباب التي هي من رحمة الله عز وجل وهكذا كما تذهب أنت بابنك إلى الطبيب فيغرز فيه الإبرة ويجعله يبكي وأنت تعلم أن هذا رحمة به ومن مصلحته ولذلك ما من عبد من عباد الله يبتليه الله ببلاء أياً كان من هذه الأنواع أو غيرها ثم قال الحمد لله إلا كتب الله له بهذا الحمد بيتاً في الجنة. في حياتنا الكثير مما يمحق الذنوب إضافة إلى هذه التي تمحقها رغم أنفك فأنت لم تقصدها، ما من أحد منا أراد أن يكون فيه ألأم أو عذاب أو مرض أو سقم أو نصب أو وصب أو نكد أو كدح أو كبد أو ما شاكل ذلك لكنها تأتي وعليك أن تصبر (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴿155﴾ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴿156﴾ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴿157﴾ البقرة). إذاً لا عليك إلا أن تصبر والصبر هنا من عزم الأمور لا بد أن تصبر. هناك صبر (لمن عزم الأمور) وهناك صبر (من عزم الأمور) أنت من عزم الأمور لا بد أن تصبر ماذا تملك؟ فإن لم تصبر تكون أضعت الدنيا والآخرة. عندنا أيضاً من أسباب المغفرة بعد كل ذلك ذكر الله عز وجل في الليل والنهار معنى هذا أن المسلم ممكن أن يكون في عبادة 24 ساعة ما دام يتنفس فهو عبادة من ساعة بلوغه الخامسة عشر إلى أن يموت وهو في عبادة  في الليل والنهار سواء كان مستيقظاً أو نائماً، كل حياته وكل دقائقه يمكن أن تكون عبادة من هذا القبيل، فإذا كان فيه واحدة هذه الكلمات من منظومة المشقة وكل واحد لا بد أن يكون فيه واحد من هذه الكلمات وهو صابر فهو في عبادة مستمرة تدر عليه الأجر على مدار الثانية وعلى مدار رمشة العين. فعندنا مثلاً الاستغفار مائة مرة، سبحان الله وبحمده مائة مرة تغفر الذنوب ولو كانت مثل عالج. حينئذٍ هذه المكابدة من مصيبة الموت ومصيبة المرض والعوق وبر الرحم  وزيارة مريض وإتباع جنازة وتسبيحة وهذه الأمة بطبيعتها أنها طيلة النهار تذكر الله عز وجل كلمة الله تتردد على لسان كل واحد منا تلقائياً عشرات إن لم نقل مئات المرات في اليوم والليلة. ولهذا رب العالمين سبحانه وتعالى جعل لنا أنواع المكابدة منا من يكابد وظيفة صعبة أو يكابد رئيس عمل ظالم أو يكابد حر الشمس أو برد الشتاء أو فلاح يكابد العمل ليل نهار، عامل بناء، جلاد في سجن أو منفذي الإعدام كعشماوي الشهير في مصر وهو رجل من الصالحين تقي ورع ومع هذا هذه وظيفته، ومن الناس من يعمل بالمجاري، طيار يطير ولا يدري متى تقع به الطائرة، بحار طيلة النهار والليل في البحار، المكابدة التي هي كلمة هذا الفصل الكلمة الأولى (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) المكابدة هذه لا يكاد يخلو منها أحد ولكن بعض الناس هي سمتهم في حياته لأن هذا عمله كأن تكون بحاراً تعمل في البحار في الصيف والشتاء أو الطيار أو عامل البناء وكثيراً من هذه الأعمال التي لا حصر لها، التعليم المعلم كما قال الشاعر:

ومعلمٍ لم يدري شاربُ كأسه            ماذا يقطِّع من حشاه ويعصِر

الحِرف الصعبة إضافة إلى الفقر، مكابدة الفقر والمرض ومكابدة الليل هناك من عباد الله الصالحين من يصلي ثلث الليل وهي مكابدة عظيمة، الوضوء على السبغات هناك أناس في أماكن باردة جداً يتوضأ خمس مرات ويستحم وأحياناً بالماء البارد. والتاريخ مليء بأنواع متعددة من المكابدة، الحر الشديد، السفر والغربة من المكابدة ولهذا الذي يموت مسافراً أو غريباً يموت شهيداً لشدة مكابدته، مكابدة الحنين إلى الأهل، كونك أنت غريب في لندن أو في باريس أو في أمريكا أو أي مكان فأنت تفتقد كثيراً من الأمور الضرورية أهلك والرحم جيرانك وبيئتك والآذان في الفجر واجتماع الأصدقاء بالليالي كل هذا أنت مستوحش منه ثم أنت خائف أن تخرج أو تظلم أو قد تمر في فترات كراهية وبغضاء وهناك حروب عنصرية وطائفية وما هو يجري في العالم اليوم كل هذا العذاب مكابدة الغربة مكابدة عظيمة ولهذا فإن الغريب مستجاب الدعوة والغريب إذا مات غريباً مات شهيداً. كل ذلك من أنواع المكابدات التي لا يخلو منها رجل ولا يخلو منها نفس كما يقول بيت الشعر:

لم يخلو من نكد الأيام ذو نفسٍ         حتى الحجارة أبلاها بنقّار

من قوانين هذه الأرض التي نحن عليها أنه ما من شيء إلا ويكابد ولكن أعظم المخلوقات مكابدة هو الإنسان لأن الإنسان هذا مخلوقٍ شفاف رقيق حساس برغم إبداعاته التي من أجلها جعله الله خليفة الأرض وسخر له كل ما في هذه الدنيا. حينئذٍ من أجل هذا كله أفضل ما في هذا الكون هو العافية ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (سلوا الله العافية) وعندما سأله عمه العباس قال: يا رسول الله علمني دعاء أدعو الله به قال: (سل الله العافية فما سئل الله سؤالاً أحب إليه من العافية) ولهذا كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة اللهم أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي ..الخ).هذه العافية هي التي جعلت هذا الإنسان مصوناً (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) فلا يخوف ولا يعذّب ولا يضرب ولا يُظلم كل هذا لسلامة العافية في بدنه وفي نفسه وفي عقله وقلبه. حينئذٍ نقول بعد كل ذلك أن الحفاظ على هذه العافية واجب وفرض من الفروض التي تعلمونها فأذيّة الإنسان لنفسه جريمة عظيمة وهذا الانتحار لم يعد هو مجرد أن تقتل نفسك بالسيف الانتحار الآن بأسباب كثيرة بالخمر تنتحر، بالقمار تنتحر، بالدخان تنتحر، بكثير من الحالات فلا بد من المعرفة بأن العافية هي أغلى ما يمكن أن يملكه الإنسان في هذه الدنيا فإذا عافاك الله أغناك ولهذا كل مروع وكل مريض وكل معوق لا بد وأن تعلم كيف يكابد وكيف يعاني، فإذا استطعت أن تصبح وأن تبقى معافى كما أراد الله لك فهذا فرض عليك ومن نعمة الله عليك فإذا أصابك الله رغم أنفك فأنت حينئذٍ مأجور ومغفور الذنب. أما إذا وصلت بإرادتك إلى أن تفرّط بهذه العافية بشهوات وشهيات محرمات ومفرطات في التحريم حينئذٍ أنت المسؤول عن ضياع ذلك كله.

بُثّت الحلقة في 11/5/2007م وطبعتها الأخت نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها