المقاعد – الكراسي – الأرائك- السُرُر – العروش
منظومة المقاعد هي المقاعد والكراسي والأرائك والسرر والعروش، يقال هذا مقعد فلان وهذا سرير فلان وهذه أريكة فلان وهذا كرسي فلان وهذا عرش فلان. وقد استعمل القرآن الكريم هذه الكلمات استعمالاً في غاية الدقة وفي غاية الدلالة الإعجازية.
المقعد: كلمة مقعد كمقعد الطيارة مقعد البرلمان أو المجلس يقال فلان تبوأ مقعداً في مجلس النواب، فلان له مقعد في الطائرة، فلان حجز مقعداً في المسرح، فالمقعد المكان المخصص سلفاً لفلان الفلاني لا يحق لأحد غيره أن يشغله، محجوز سلفاً كمقاعد الطائرة فأنت مكتوب أن مقعدك ثلاثة وعشرون لا يجلس عليه أحد فأنت لديك بطاقة وتذكرة تسمى مقعداً لا يسمى كرسياً ولو أنك أنت على كرسي ولكن لا يسمى كرسياً ولكن مقعد في الطائرة حجز مقعداً في الطائرة، هذا في غاية الدقة البلاغية. (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ﴿54﴾ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴿55﴾ القمر) الآية تتكلم عن الذين عند ربك يوم القيامة إن لله مقصورة (سلوا الله الفردوس الأعلى فإنها مقصورة الرحمن) هذه المقصورة يجلس فيها مع الله عز وجل الملأ الأعلى: اختيارات، أنبياء، صديقون، رسل، مجموعة من الناس المختارون اختياراً (فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا ﴿75﴾ طه) فهذا مقعد محمد بن عبد الله، هذا مقعد عيسى، هذا مقعد موسى، هذا مقعد فلان بالأسماء لا يجوز لأحد أن يقعد مكانه ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم على اليمين دائماً، سيدنا عيسى سيدنا موسى أقرب الناس إلى الله يوم القيامة حينئذٍ هؤلاء لهم مقاعد (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ (9) الجن) الجن كانوا يتوزعون هذا بانتظام كل واحد من مردة الجن الذين كانوا يسترقون السمع كان له مكان مخصص لو تأخر عنه أو تجاوزه لأحترق. بالضبط كل من لا يجلس في المقعد المحدد في المسرح أو في الطائرة يبقى واقفاً أو يطردوه هكذا هو المقعد.
السرير: بعد المقعد يأتي السرير والسرير هو نفس الشيء مقعد قد يكون كرسي، قد يكون تختة، قد يكون كراويته، قد يكون أريكة، أي كراسي معينة تعدد خصيصاً لساعات المؤانسة، مسامرة على حفلة، على غداء، على عشاء، متكئ وتتبادلون الأحاديث في المنادمة، في المباسطة، في ساعات السرور، على عرس أو على وليمة فأنتم مرتاحون للغاية لا يوجد عمل ولا شغل هذه لها خصيصة معينة أولاً الحرية في أن يتكئ، أن يجلس أو ينام أو يتمدد تصاغ صياغة. فكل مقعد لك فيه ساعات مؤانسة ليس فيها لا عمل ولا وظيفة ولا عبادة ولا جلسة رسمية ولا برلمان ولا جلوس مع الملك إنما أنت جالس للمحادثة سواء كان في كافتيريا في ديوان في مجلس حينئذٍ يسمى سريراً (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴿47﴾ الحجر) ساعة أنس (مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ﴿20﴾ الطور)( وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ ﴿34﴾ الزخرف) ساعات جلسة، هذا السرير.
الأريكة: هي نفس السرير لكن في الحَجَلة والحجلة هي قُبّة العروس كما في كل الدول كما عندنا في هذه الدولة المباركة العروس لها قبة اصطناعية مزينة بالستائر والثياب والنقوش وأمامهم طاولة عليها القهوة وحلويات ثم يدخل عليها العريس يجلسون وحدهم ويُخدَمون. هذه المقاعد التي يجلس عليها العروس والعريس في هذه الحجلة والحجلة هي قبة العروس والحِجل هو الذهب السميك الذي يلبس في القدم سمي حجلاً لأنه يلبس أو يلبس للعروس في الحجلة فعندما تجلس العروس في الحجلة تأتي والدة العريس وتلبسها هذا الحجل فمأخوذ من الحجلة الحِجل. فالحجلة إذاً هي القُبّة التي تنصب للعروس لكي يذهب إليها العريس ويدخل بها وهي أبهى وأزهى وأجمل ساعات الإنسان للزوج والزوجة. وحينئذٍ رب العالمين سبحانه وتعالى يقول (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ ﴿56﴾ يس) هم وأزواجهم ليس لوحدهم فليست للمنادمة أو مقاعد محجوزة مقدمة لمهمة معينة ولا كراسي. إذاً الأرائك في الجنة والدنيا مقاعد العروسين والعروسين لهم مقعدين مخصصين وفيه ما لذ وطاب من الأطاعم والملابس وتقليب الحلي ويقدم لها الهدايا، كل ما يجري بين العروسين في شهر العسل مع المكان الذي يجلسون فيه القُبة تسمى الحجلة سواء كان غرفة في البيت مزينة أو تنصب لهم قبة – وهذا في غالب العالم- تزين بستائر والثياب والفرش معدة إعداداً جميلاً زاهياً يسمى أريكة (عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ) (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ﴿31﴾ الكهف) (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا ﴿13﴾ الإنسان) (عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ ﴿23﴾ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴿24﴾ المطففين) عروسين، أنواع الأصباغ والزينات في الجنة أساور من ذهب وسندس وإستبرق تسمى هذه أريكة وجمعها أرائك.
الكرسي: مقعد العالِم عندما يُبدع في علمه. نحن الآن في الجامعات نقول أستاذ كرسي عندما الأستاذ في الجامعة يترقى من مدرس إلى أستاذ مساعد إلى أستاذ مشارك وعندما يقضي سبع إلى ثماني سنوات في الأستاذية أصبح قمة في العلم يسمى أستاذ كرسي أي يبقى هذا الكرسي بإسم هذا الأستاذ حتى بعد موته. هذا كرسي فلان طه حسين العقاد المنفلوطي الرافعي من هؤلاء العمالقة يصبح لديه قاعة باسمه وكرسي باسمه يجلس عليه رجال جدد كأن يأتي دكتور جديد هذا الكرسي كرسي العقاد أو كرسي طه حسين وهكذا فالكرسي كرسي العالم المتخصص (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ (255) البقرة) رب العالمين عندما يستعمل علمه وعلمه كما تعرفونه (وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴿59﴾الأنعام) هذا العلم الذي لا تحيط به العقول. فرب العالمين في ساعة ما يُبدي هذا العلم يبديه من الكرسي وطبعاً هو ليس شيء مادي وأنت إياك أن تفكر كيف هو الكرسي إذا كان الأمر مع الله عز وجل إياك أن تكون سخيفاً. لا تكن سخيفاً كما فعل بعض علمائنا الله يجزيهم كل الخير لكن اشتط بهم التفكير كيف العرش؟ وكيف شكله؟ ووالله العظيم لو بقيت مليار سنة وجمع الله لك عقول البشر من آدم إلى أن تقوم الساعة لا يمكن أن تتخيل بل لا يمكن أن يخطر على بالك وهم تكلموا عن العرش وعن طوله وأنه درة والخ وهذا بالضبط مثل لو أن الآن لدينا عالمين يتجادلون حول مكان نيويورك فالأول يقول أنها في موريتانيا والثاني يقول أنها في الصومال ويتجادلون والأول يكفر الثاني ويتهمون بعضهم بالزندقة ويتذابحون ويتقاتلون كما في العراق الآن في مثل هذه الأمور في التاريخ على قضايا الذات والصفات وكيف رب العالمين؟ والخ وتقاتلوا وتذابحوا يكفّرون بعضهم البعض على سخافات والله قال أقل من هذا الرمانة في الجنة وليس العرش، الرمانة في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. كم أننا كنا أضحوكة وضحك علينا اليونان والرومان والفلسفات التاريخية كما يشغلوننا الآن كل ما يذاع في الإذاعات من سياسة وقال فلسطين وقال العراق كله إلهاء لنا وضحك على الذقون ونحن منشغلين ولا نعرف شيئاً فما بالك في التاريخ حيث سالت دمائنا أنهاراً؟! فالكرسي إذاً هو مقعد العالم الذي يبدع ما لم يقل أحدٌ قبله (وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ﴿34﴾ ص) وكلنا نعرف أن سليمان أي مبدع وإبداعات هائلة فحينئذٍ لم يقل على عرشه لأن هو تكلم عن المكان الذي كان سليمان يقول فيه علماً لم يُسبَق إليه عندما كان يجلس مجلس العالم الذي لعلمه ابتكارات جديدة. كما قال سيدنا علي كرم الله وجهه (التاجر مجده في كيسه والعالم مجده في كرسيه) وفي رواية (كراريسه) والكراريس مأخوذ من الكرسي، من التكريس، يقال كرست هذا الأمر أي جعلته كرسياً. يقول فلان كرّس كل وقته للعلم، فلان كرّس كل ماله لكذا، الكراريس الأوراق المضغوطة جداً لأن فيها خلاصة من الكتاب هذا الكتاب يتكون من كراريس إذاً كرسي، كراريس، كرّاس، كرّس ويقال كرست البناء أي أسسته تأسيساً قوياً حينئذٍ هكذا هو العلم إذاً (يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ﴿16﴾ النمل)(وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ ) ولهذا من بعض جنوده (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ (40) النمل) هذا جزء من جنوده البسطاء إذاً (وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ ) أي على حالته العلمية الدقيقة التي آتاه الله بها ملكاً لم يؤته لأحدٍ غيره. هذا الكرسي.
العرش: أخيراً العرش والعرش هو مقعد الملك عندما يجلس ويقول نحن الملك وليس أنا فلان بل نحن. عندما يريد أن يبرم أمراً خطيراً لا يبرمه أحد غيره، عندما يستعمل الملك صلاحياته التي لا يستطيع أحد أن يقوم بها، عندما يقول نحن الملك وحوله الملأ. العرش لا يكون إلا وحوله الملأ وهم خلاصة المجتمع الذين اختارهم هذا الملك من بين كل شعبه بل هو الذي صنعهم وجهاء. الملوك العظام يصنعون لشعبهم وجهاء وشخصيات تقودهم يسمون بالعربية السرات. السريّ الرجل الوجيه القريب من الملك الذي يصنعه الملك. الملوك العظام يصنعون من شعبهم وجاهات كثيرة لكي يكونوا أوتاداً في المجتمع
لا يصلح الناس فوضى لا سرات لهم ولا سرات إذا جُهّالهم سادوا
ولهذا الشعب الذي ليس فيه سرات إما علماء كبار يشار لهم فلان أستاذ وفلان شيخ وفلان عالم أو قادة كبار الفريق فلان والعميد فلان والقائد فلان أو مثلاً تجار كبار أو أصحاب كفاءات كبار. أنواع الكفاءات وهو الذي يرفعهم، تُبنى لهم الأماكن والدوائر ويُدعمون مالياً. هؤلاء الملأ الأعلى هم الذين يكونون واسطة بين الملك وشعبه فالذي لديه حاجة يذهب إليهم والمحتاج يذهب إليهم والملك يستشيرهم عند الملمات، ماذا قال؟ (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴿23﴾ النمل) تقول أنا الملكة (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴿29﴾ النمل) هذا أمر خطير (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿30﴾النمل) أشيروا عليّ (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ﴿32﴾ النمل) هكذا هم الملوك العظام يخلقون من شعبهم ملأً عظيماً، شخصيات عظيمة مرموقة علمياً، تجارياً، اقتصادياً، شيوخ قبائل، رؤساء عوائل، أغنياء بالتجارة، حركة اقتصادية أي أوتاد المجتمع هؤلاء مستشاروه وزرائه خبرائه الشعب يلجأ إليهم يرجع إليهم في الحاجات، هم الذين ينظمون الحياة، يثق بهم، أسراره أي هم الدولة هم النظام هم حاشية الملك وملأه يسمى كل هذا عرشاً (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا (يوسف)) إذاً الملك لا يكون ملك عندما يريد أن يستعمل صلاحيته يقول نحن يتكلم هذا من فوق العرش (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴿5﴾ طه) (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿9﴾ الحجر) نحن عندما يقول رب العالمين نحن ليس هناك مخلوق يستطيع أن يفعل ذلك (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴿12﴾ يس) (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴿24﴾ يوسف) من هذا الذي يستطيع أن يصرف شاباً جميلاً مثل القمر عن ملكة أو امرأة من عائلة ملكية زوجها رئيس وزراء وزوجها عقيم لا ينجب وليس له طاقة جنسية وهي فتاة في مثل عمر الزهر وخمسة عشرة سنة وهي تحبه وهو تربّى في حضنها وكرمها وحنانها وليس بينهما إلا الله (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴿23﴾ يوسف) ومن غير يوسف يمكن أن يقول معاذ الله؟ حينئذٍ الله قال نحن أنا الملك من فوق عرشي أقول (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿22﴾ يوسف) من أجل هذا نقول العرش هو – دعك من بعض ما قاله العلماء في تفسير الأحاديث النبوية فهموها فهماً مادياً أن طوله كذا وعرضه كذا وهذا لا ينطبق على الله عز وجل – ولهذا كلمة العرش المقعد الذي يتبوأه الملك في وسط ملئه عند يريد أن يصدر أمراً خطيراً وهذا الكون أمامكم.
هذا هو الفرق بين المقعد والسرير والأريكة والكرسي والعرش وقد استعملها القرآن الكريم على هذه الدقة المتناهية. إذاً باختصار شديد المقعد ما كان محجوزاً سلفاً لشخصٍ معين في يوم القيامة كل واحد من الملأ الأعلى الكبار مع الله في مقصورته يعرف أين مقعده، هذا المقعد لمحمد، هذا لعيسى، هذا لموسى، هذا لجبريل لا يوجد غيره (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) لم يقل على أريكة أو سرير أو كرسي أو عرش. الأريكة للعروسين في القبة، الكرسي للعالم عندما يبدع يقال كرسي فلان، اتخذ كرسياً يقال كرِس العالم إذا امتلأ صدره بالعلم وفاض يقال كَرِس. العرش الملك عندما يتكلم مع الناس من حيث كونه ملكاً يقول نحن الملك إذا قال نحن الملك يصدر شيء أمام الملأ الأعلى الملكي حينئذٍ إعرف أن هذا يسمى عرشاً. هكذا هي منظومتنا لهذه الليلة. طبعاً الكلام عن عرش الرحمن كلام عجيب غريب. سلفنا الصالح رضي الله تعالى عنهم أجمعين أشغلوا أنفسهم فيما لا ينبغي أن يشغلوا أنفسهم فيه لو تقرأ عن عرش الرحمن (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كلام كثير وطبعاً هنالك أحاديث أخذوها بشكل صرف نقرأ لكم بعض الأحاديث يقول صلى الله عليه وسلم (إن حول العرش ملأ لا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى ويقودهم ثمانية) (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ (7) غافر) هذا يوم القيامة في الدنيا أربعة. قال سيدنا علي (إن الله خلق العرش إظهاراً لقدرته وليس مكاناً لذاته) كما قلنا قبل قليل أن العرش هو المكان الذي يأتي الملك لكي يبين سلطانه ونفوذه وقدرته ومشيئته يقول نحن الملك رسمنا بما هو آتٍ. وحينئذٍ هذا يسمى عرشاً وليس مكان جلوسه فهو لا يجلس فيه ولكن فقط لإلقاء كلامه ورب العالمين عندما يريد وقد أراد عندما أراد ويريد أن ينفذ أمراً (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴿40﴾ النحل) إذا قال لكل شيء كن فهذا من فوق العرش. عندما يكون الملأ الأعلى من حوله ورب العالمين في كل مكان أي أنت الملك تراه في السوق في دعوة عرس وجميعنا رأينا شيوخ شيخ محمد وشيخ زايد رحمة الله عليه كنا نراهم في كل مكان في السوق في وليمة يتفقد المشاريع وما شاكل ذلك وكل الملوك هكذا لكن عندما يكون اجتماع مع الوزراء، مع الوجهاء، مع المجلس الوطني، مجلس الأعيان، للنظر في قرار خطير يجلس على عرشه أي في مكان حكمه فلم نسمع عن كلام خطير يلقيه من مسجد أو من مقهى أو في حفلة عرس لا هذا كلام أم القرار الخطير يجمع الملأ الأعلى والملأ الأعلى هم المعدّون لمثل هذا مستشارون، خبراء، وزراء، فقهاء، ضباط، قياديين، تجار أي أصحاب البلد الحقيقيين سمهم ما تريد وفي الاصطلاح العربي والقرآني الملأ (مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴿69﴾ ص) فرب العالمين له ملأ أعلى ولهذا كثير من الأمور يتناقش الملأ الأعلى أمام ربهم عز وجل، الملأ الأعلى يختصمون في كثير من الأمور ويتجادلون ويبحثون النظر. وحينئذٍ رب العالمين يرفع ذكر واحد في الدنيا الملأ الأعلى كلهم يتحدثون بما فعل فلان أمام الله عز وجل. هذا الملأ الأعلى، حينئذٍ كل ملوك الأرض العظام في التاريخ هم الذين يصنعون طبقة الملأ إظهاراً لفخامة العرش. في التاريخ الإسلامي وقبله من كسرى وقيصر وغيرهم هناك أناس مستشارون الآن في الغرب هم يحسنون اختيار الملأ الأعلى، هم الطبقة التي تعزل الرئيس وتنصّبه كما يفعلون في أمريكا مثلاً الكونغرس لديه الحرية بأن يقوم بما يريد ولا أحد يستطيع أن يمنعهم لأن لهم صلاحيات، هؤلاء الملأ الأعلى منتَخبون من شعبهم ولم ينتخبونهم اعتباطاً فهنالك الشخصية العلمية والشخصية التجارية الاقتصادية والشخصية الفنية فهم لهم وجود في مجتمعهم. وهذا الوجود الذي صنعه الملك أي الدولة أو الرئيس أو أي كان وإن كان للأسف الشديد أن الرؤساء في العالم العربي فيهم ظاهرة عجيبة أنهم لا يطيقون أن يكون في شعوبهم ملأ. كل من عرفتهم وعرفناهم من الرؤساء، رؤساء الجمهورية ما أن يأتي لا يترك وجيهاً واحداً في الدولة إما يقتله أو يحرقه أو يمحقه بحيث الناس يصبحون كلهم رعاعاً. بل أن بعضهم يمنع أن يسمى اسم الوزير أو اسم المدير العام أو الشخصية بل يقال القائم بالعمل الفلاني لا يريد شخصاً آخراً أن يظهر في المجتمع غيره لأنه هو في الغالب إنسان تافه فالأجانب أتوا به من طبقة منحطة جداً فهو لا يقبل أن هنالك قائد عظيم من عائلة كريمة ومعروف، رئيس قبيلة مهيب أو تاجر له باع في الاقتصاد، شخص مشهور يلتف حوله الناس، يلتف حوله المحتاجون يستشار لا يريدون ذلك وفعلاً جميع الجمهوريات بلا استثناء في العالم العربي والإسلامي تقضي على كل الوجهاء من أي نوع من أنواع الوجاهة على خلاف الملوك، الملوك هم الذين يصنعون الوجهاء في الأردن في المملكة في العراق سابقاً وقد وعينا ذلك الملوك أنشأوا عائلات كريمة لها قيمة وتجاراً عظاماً وقادة عسكريين كبار والله كان أحدهم كأنه جبل يمشي على الأرض. هذا الملك لأصالته وثقته بنفسه وسلالته الطيبة يريد أن يكون شعبه وجيهاً وأن يكون فيه الملأ الأعلى. هكذا قال العرب لا يصلح الناس فوضى لا سرات لهم ولا سرات إذا جهالهم سادوا. مصيبة العراق الآن كنموذج أنه عندما أزيل النظام ليس فيه ذلك الوجيه العظيم أو مجموعة وجهاء لأن الجمهورية لمدة أربعين سنة قضت على كل الوجهاء ثم جاءوا للحكم من كان بقال أو فران أو صانع أو فراش أو شرطي على الباب وجعلوهم وزراء وقادة وهؤلاء لا يمكن أن يكونوا وجهاء لأنهم تافهون فعندما انتهى النظام وإذا البلد ليس فيه وجيه واحد يقود الناس. على خلاف ما كان في السابق في العشرينات عندما قامت الدولة، الملوك أظهروا وجهاء قادوا البلد ووحدوهم وانتهى الأمر. وحينئذٍ الخطة الآن أن هذه البلدان العربية لا يكون فيها وجيهاً فعندما يزيلوا الملكية ويأتونا بجمهورية الهدف الأول أن يفسد كل شيء، لا يبقى لا عوائل ولا عشائر ولا رؤساء ولا وجهاء ولا علماء ولا تجار، محقٌ كامل بحيث يبقى ثلاثين أربعين سنة هو الأوحد، هو خليفة الله في الأرض ويذهب وإذا البلد خرب ليس له أحد وليس له أهل وليس فيه ملأ فتعم الفوضى ويسمونها الفوضى الخلاقة. ويريدون أن يعمموها في لبنان وفي الصومال وفي العراق وفي كل مكان ستعمم إلا إذا شاء الله غير ذلك. إذاً الملأ هم الذين يحيطون بالعرش أي بالنظام، بالحكم. فرب العالمين سبحانه وتعالى وعندما تقرأ ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عن العرش يقول صلى الله عليه وسلم (إذا سألتم الله الجنة فسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة وفوقه عرش الرحمن) إذاً هذا العرش فوق الجنة. أولاً لنفهم كم سعة الجنة يقول النبي صلى الله عليه وسلم (آخر واحد يخرج من النار) تخيل واحد من عباد الله من بني آدم الناس خرجوا أفواجاً وأفواجاً من النار كل شخص قضى محكوميته وذهب إلى الجنة فمنهم من قضى سنة أو سنتان أو عشر أو عشرين أو خمسين، آخر شخص بقي في النار خرج هذا له بقدر الدنيا روايتين: رواية تقول (له بقدر الدنيا مائة مرة) ورواية أخرى (له بقدر الدنيا عشر مرات) يعطيه من الملك بقدر الدنيا عشر مرات إذا كان هذا أخر شخص خرج من النار ودخل الجنة رب العالمين يعطيه من الملك (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا ﴿20﴾ الإنسان) رب العالمين يعطيه بقدر الدنيا عشر مرات. إذاً أحسن شخص كم يعطيه؟ الأنبياء والصديقين وشهداء وصالحين وأنصار ومهاجرين وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأتقياء كم؟ إذاً كم سعة هذه الجنة؟ ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها) إذا كان هذه الجنة بهذه السعة اللامتناهية وهي دائمة التوسع (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴿47﴾ الذاريات) مستمرين لأن يوم القيامة الحياة هناك حية والخلايا حية فلا يوجد شيء ميت كل شيء ينطق. حينئذٍ رب العالمين سبحانه وتعالى يجعل العرش فوق كل هذا وهذا حديث متفق على صحته إذاً ما هو هذا العرش؟ ما هو هذا العرش الذي فوق كل هذا الملك (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا) شيء عجيب، هذا العرش اهتزّ لموت أحد الصحابة وهذا حديث متفق على صحته أيضاً اهتز لموت سعد بن معاذ ما هذا العرش؟ هل هو حديد؟ خشب؟ مكان جلوس؟ لا طبعاً كما قال سيدنا علي كرم الله وجهه هو مكانٌ لقدرته لا لذاته. حينئذٍ لا تفكر ما هو العرش؟ لا تتعب نفسك،. عقلك هذا في قوانينه لا يرقى إلى أن يتخيله مجرد تخيل ما لا عين رأت ليس العرش بل حتى البرتقال النبي قال كل نعيم الجنة برتقاله رمانة تمرة حورية ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. تخيل النساء الممثلات الجميلات تخيل كيف أن عروستك لا يمكن أن تكون ولا واحد بالمليون من حقيقة الذي ستشاهده هنالك فكيف بالعرش إذاً؟! أم أن تقول كيف الله كيف صفاته كيف كذا وناس ذبحت ناس وهذا صار شيعي وهذا صار سني وهذا صار وهابي وهذا صار معتزلي وهذا قدري وهذا بطيخي وناس ذبحت ناس وناس كفرت ناس ما هذا الخبل؟ وأنت يا رجل لا تعرف روحك أنت تعيش بها هذه روحك الله عز وجل قال (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴿21﴾ الذاريات) أنت قبل أن تعرف العرش وتعرف رب العالمين كيف يعمل أولاً قل لنا الكمبيوتر كيف يعمل؟ روحك كيف تعمل؟ أين هي روحك؟ أنت لماذا الآن حيٌّ وبعد قليل تكون جيفة يضعونك في التراب، ما هو هذا الشيء الذي خرج منك؟ لا تعرف؟ وتريد أن تعرف رب العالمين والله عز وجل قال (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴿103﴾الأنعام) الأبصار العقول الراجحة البصر والبصيرة حينئذٍ والله يقول أنه لا يدرك ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي (143) الأعراف) لا يمكن فأنت بقوانينك لا يمكن أن تراني (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا (143) الأعراف) وهو موسى أبو العزم من أولي العزم، حينئذٍ فالآن المسلمين تفرقوا إلى فرق وجماعات وأسماء قذرة وسخة قاتلة مجرمة حقيرة تبوأت التاريخ وسرقته من المسلمين ولكن أنت فقط قل ربي الله ثم استقم. وكل من يقول لا إله إلا الله هو أخوك، كل واحد أخذ له عنوان على كلام تافه كلام سخيف، هذا جبري وهذا اختياري وهذا معتزلي وهذا قدري وهذا شيعي وكل واحد له خمسين شكل والإسلام ينص على أنه لا يدخل الجنة أهل البغضاء (البغضاء حالقة) وحينئذٍ (لن يزال المؤمن بخير ما لم يصب دماً حراماً) وقد أصاب المسلمون دماءً حراماً فمن عوفي فليحمد الله.
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول (كل نسب مقطوع يوم القيامة إلا نسبي يأتون تحت العرش يشفعون للناس) فالعرش يوم القيامة هو يبدو سقف الكون كله. وانظر إلى الأحاديث العجيبة يقول النبي صلى الله عليه وسلم (الملك من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام) إذا كان هذا الذي يحمل العرش فما الذي تفكر فيه؟ ولا ندري كيف يحمله هذا الملك فقط المسافة من شحمة الأذن إلى العاتق أي الرقبة سبعمائة سنة بالطائرة النفاثة ما هذا المخلوق؟ فلا تستطيع أن تفكر في وصفه. إذا كان هذا الكرسي يسع (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ (255) البقرة) وهذا الكرسي بالنسبة للعرش كحلقة ملقاة في فلاة كما لو ألقيت خاتم في الصحراء إذاً ما هو هذا العرش؟ فأن تجلس أنت وتصنّف العرش وقال العرش وحكى العرش وتكفّر هذا وتفسّق هذا فهذا العرش فما بالك بذات الله وصفاته إذا كنت بعرشه تتخبط كالمجانين فما بالك بصاحب العرش كيف يمكن لعقلك هذا المسكين الذي لم يعرف نفسه ولم يعرف حقيقته يريد أن يعرف رباً يقول في نفسه لا تدركه الأبصار؟
السؤال الآن كيف يتخذ الله الملأ الأعلى يوم القيامة؟ تربيتنا خاطئة صحيح أن الخوف من الله عبادة والرهبة منه عبادة ولكن الرجاء فيه عبادة ولأن تبشر أو تنذر كلاهما عبادة لكن أنت لماذا تحصر همك كيف تدخل الجنة؟ أنت داخلها لا محالة وعدم الإيمان بذلك كفر (من قال لا إله إلا الله مصدقاً بها قلبه دخل الجنة) ينبغي أن يكون همك لا دخول الجنة فهو أمر حاصل ما دمت تموت موحِّداً ولكن ينبغي أن يكون همك أين أنت في الجنة؟ لماذا لا تتبع قول المصطفى صلى الله عليه وسلم (سلوا الله الفردوس الأعلى فإنها مقصورة الرحمن). فرق كبير بين كل درجة ودرجة ما بين كل درجة ودرجة كما بين السموات والأرض أنت تنظر إلى زميلك أو إخوانك أو عمك أو أي واحد في الجنة فوقك كما تنظر إلى الكوكب الدري كالقمر. فلان في تلك الدرجة فعليك أن تعرف كيف تصل إلى تلك الدرجة التي يقول الله عز وجل فيها (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴿26﴾ المطففين) (فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا ﴿75﴾ طه) رب العالمين يختار الملأ الأعلى هكذا. فرب العالمين سبحانه وتعالى (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ (68) قصص) لماذا الأنبياء فقط محمد عيسى موسى إبراهيم إسماعيل إسحق يعقوب؟ لأنه عز وجل قال ذلك (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ)(اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴿75﴾ الحج) الرسل انتهوا والسابقون السابقون انتهوا، الصديقون انتهوا، لكن الصالحين إلى يوم القيامة وحينئذٍ عليك أن تتعرض لنفحات الله. كل الملوك العظام أنت كنت في الشارع فرأيت نفسك أمام الملك فقمت بأمر جميل أمامه وإذا به يرفعك من شرطي إلى قائد من فقير إلى تاجر لأنك أعجبته هذا معنى (إن لله نفحات فتعرضوا لنفحات الله) النفحات التي رب العالمين يحبك أن تتعرض لها مثل الناس نائمة بالليل وقمت وحدك توضأت وصليت ركعتين رب العالمين سيراك ويقول لك تعال أنت من عبادي الصالحين فيجعلك من الملأ الأعلى يوم القيامة. أو حاكم يملك كل شيء ويستطيع أن يفعل كل شيء ولكنه ما ظلم أحداً في حياته وكان من الممكن أن يقتل ويذبح ويعدم كما يفعل كثيرون الآن ملأوا السجون بالقتلى والتعذيب الذي تقشعر منه الأبدان وكلنا رأيناه بأم العين شيء لا يصدقه العقل وعندما تراه تقول والله إن رئيساً يفعل هذا بشعبه لا يمكن أن يكون له تاريخ. وحينئذٍ حاكم وإذا به عادل ويحب الناس والناس يحبونه فيقول تعال أنت رجل عظيم وأنت من عبادي الصالحين أنت من الملأ الأعلى من الذين يظلهم الله تحت ظله (إمام عادل) تاجر صدوق، شخص في هذا الزخم الهائل من الاقتصاد والمال ولكنه رجل صادق، فالتاجر الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين أنت لست بنبي ولا صديق ولا شهيد، كُن من الصالحين تكن مع القافلة (فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴿69﴾ النساء) فأنت لست من النبيين ولا الصديقين ولا الشهداء فكن من الصالحين وهذا باب مفتوح على مصراعيه بعمل واحد تتقنه إتقاناً عظيماً تصبح من الصالحين والله عز وجل قال (اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ (35) المائدة) اجعل لك عملاً، تاجر صدوق، حاكم عادل، عالم عامل، بكّاء من أهل الليل، صوّام، ذكار، أتقِن لك عبادة إتقاناً كاملاً تصعد فوق وتكون من الوجهاء يوم القيامة.
لا بد أن ينهض رجال العراق، الملأ من العراق، الملأ القديم، العوائل، شيوخ العشائر في الجنوب والشمال، الأكراد، العرب والشيعة والسنة سينهضون لكي يكنسوا كل هذا الغثاء الذي لوّث وجه تاريخ العراق المشرق. على كل حال الكلام في هذا يطول ولكي تكون من الملأ الأعلى يوم القيامة ولكي يكون لك صيت في الآخرة كما لك صيت في الدنيا إسهر على عبادة يحبها الله عز وجل فالله يحب التوابين، يحب المتواضعين، يحب البكائين، يحب المتطهرين، كُن متوضأ دائماً، صلي من الليل ولو ركعة، أنفق بصمت وسرية، قف موقف شجاع أمام طغيان شجع، إمام عادل، كن حارساً له وناصحاً وقل له كلاماً ينصحه لأنه عادل وتخشى عليه. وهكذا بالمئات هناك عبادات إنسانية وبدنية ونفسية اختر لك واحدة لكي تصبح يوم القيامة من الملأ الأعلى وأنت من حول العرش في الفردوس الأعلى إن شاء الله.
بُثّت الحلقة بتاريخ 24/5/2007م وطبعتها الأخت نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها