منظومة الطمع
الأمل–الطمع – التمني – السُول – الرجاء –
منظومتنا لهذه الأمسية هي منظومة الطمع والطمع كلمة شائعة على ألسنة الناس ويعرفون معناها تقريباً ومنظومة الطمع هي الأمل والطمع التمني السول الرجاء. إنني أرجو أن يحصل كذا، أطمع أن يحصل كذا، أتمنى أن يحصل كذا، فلان تسوّل له نفسه أن يفعل كذا وهكذا. وكل كلمة من هذه الكلمة كما هي العادة في كتاب الله عز وجل كل كلمة ترسم زاوية في المعنى لا ترسمه الكلمة الأخرى وهذا يعني أن كل كلمة تعبر عن معنى الطمع في زاوية دقيقة وكما قال تعالى (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴿122﴾ النساء) هذا عن اللفظ (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴿87﴾ النساء) هذا عن المعنى، نبدأ بواحدة واحدة.
الطمع: هو توقع حصول الراجح أن يحصل، يعني أنا اطمع في شيء سيحدث إن شاء الله لأني أثق ثقة كاملة في المطموع به وفي المطموع فيه. الرجل أو الإنسان الذي اطمع فيه في الحقيقة مأمول منه الخير، إنسان كريم، يعني واحد عنده حاجة عند حاتم الطائي وقصده على فرسه أو على جواده لكي يسأله هذا الشيء ليعطه مالا ًأو جاها ً أو أي شيء في الغالب من يصل إلى بيت حاتم سوف ينال ما يريد، ينال طمعه، فـهذا طمع كما قال سيدنا إبراهيم عن ربه (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴿82﴾ الشعراء ) هل تتوقعون أن إبراهيم عليه السلام الذي هو خليل الله والذي قال الله فيه (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿120﴾ النحل) وقال (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴿130﴾ البقرة) وقال وقال وقال، يعني هذا الطمع لما قال (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) قطعاً سيدنا إبراهيم ما قال أتمنى ولا قال أرجو ولا قال اسأل وإنما قال أطمع لأنه واثق في الغالب 99% أن الله عز وجل عند حسن ظن عبده به وسوف ينال من الله هذا الطمع. إذن هذا الطمع فكل شيء قريب المنال يعني على صعوبته أنت ما تطمع واحد يعطيك 10 دراهم إنما تطمع بمليون درهم وإذا طمعت به من كريم ففي الغالب الأغلب أنك سوف تحصل على مطمعك من هذا الذي كنت على ثقة بأنه أهل لأن يُطمع به وسوف يأتي بشرح ذلك بعد قليل لأن هي الكلمة الرئيسية في الباب. إذا ً فالطمع هو ما يغلب على ظنك انك ستحصل عليه.
الأمل: بالعكس الأمل أنا آمل أن تعطيني شيئاً معيناًً وهذا في الغالب الأغلب انك لن تحصل عليه (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴿3﴾ الحجر) فهنالك من يتمتع ولا دين ولا مذهب ولا إيمان ويقول الله يدخلني الجنة ما قال يطمعون في الجنة إلا تهكماً كما سيأتي ولكن في الغاية عندما يكون المأمول شبه ميؤوس منه يسمى أمل ولهذا تكلم عن المال والبنون زينة الحياة الدنيا تكلم عن ناس بعيدين عن الله (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴿46﴾ الكهف) يا أناس يا كفار تعالوا وفي الغالب لن يأتوا (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴿103﴾ يوسف) انظر إلى الدقة استعمال الكلمة في مكانها إعجازياًً في هذا الكتاب العزيز من ألفه إلى يائه على مدى ثلاث وعشرين سنة لم تختلف ولا مرة واحدة وتستطيع أن تتحدى الدنيا كلها قل لهم ائتوني بكلمة يمكن أن تعوض عن أي كلمة من الكلمات القرآنية المترادفة كل واحد في مكانها، جاء في مكانها، أتى في مكانها اقبل في مكانها، حضر في مكانها لا تغني عنها الكلمة الأخرى وهنا عندما سيدنا إبراهيم قال (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ) لا تغني عنها آمل وأرجو وأتمنى واسأل إلا أطمع. وإبليس لما يقول أمل أن يغفر خطيئتي هذا أمل وليس طمعاً ولهذا رب العالمين يتهكم على بعضهم أي عندما يقول يطمعون بالجنة مثل قوله (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿24﴾ الانشقاق) هذه بشارة من باب التهكم (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿75﴾ البقرة).
الرجاء: نأتي على الرجاء نحن قلنا الطمع في الغالب الأغلب سيتحقق لماذا؟ سيأتي شرحه بعد قليل. إذاً معنى ذلك أنت مطمئن عندما تأتي إلى كريم جواد وفي قلبك حاجةٌ عند هذا الإنسان تطمع في تحقيقها فأنت ذاهب لهذا الكريم وأنت مطمئن تماماً إلى أن مطمعك سوف يحدث بسهولة وأنت مرتاح، هذا طمع. هذا الطمع إذا كان فيه خوف ( ربما يكون لا يوافق أو أنه لا يحترمني أو أنني إنسان سيء أو أنه قد سمع عني شيء سيء ) إذاً هذا طمع شابه خوف يسمى رجاء فالرجاء طمع شابه خوف كقوله تعالى (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ (9) الزمر) عن سيدنا أبو بكر رضي الله عنه برغم صلاحه فيه خوف كما قال سيدنا عمر رضي الله عنه ( لو لم يدخل الجنة إلا واحد لرجوت أن أكون أنا ولو لم يدخل النار إلا واحد لخفت أن أكون أنا ) وهكذا المؤمن الصالح يكون بين خوف ورجاء فطمعه فيه شي من الخوف لماذا؟ لعظمة الله عز وجل (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (28) فاطر) ( وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴿40﴾ البقرة) الأنبياء يوم القيامة يجثون على الركب هذا رجاء أنني أرجو الله أن يدخلني الجنة يوم القيامة لكنه ليس مضموناً، يوم القيامة لا يسأل عما يفعل ولهذا كما قال سيدنا عمر رضي الله عنه ( لو كان إحدى رجليّ في الجنة والأخرى خارجها ما أمنت من عذاب الله) فالرجاء طمع فقد الأمن وإنما صار فيه خوف الطمع إذا كنت آمن أنت ذاهب إلى ملك كريم وقد عوّدك على كرمه هذا طمع في ماله والطمع شريف. الآخر فيه عقوبة ” يعفو عني لا يعفو عني ، أنا كفؤ أو كفؤ ” ففيك خوف غير مطمئن يسمى رجاء.
التمني: فيما هو متعذر، ما لا يكون (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ (78) البقرة) كثيراً في كل الدنيا أناس جهلة أغبياء حمقى سخفاء يدعي العلم وأن هو العليم بكتاب الله وهو البحر بكتاب الله وكل الناس جهله كلهم مشركون كلهم مرتدون كلهم مبتدعون إلا سيادته وهو لا يستطيع أن يقرأ سطراً واحداًً بشكل صحيح تحداه في أن يقرأ سطر واحد من القرآن مشكل لا يستطيع هذا يظن أنه عالم (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ) يتمنى أن يكون عالما ً (يتعالم) وحينئذ هؤلاء الحمقى رجل جاهل يظن انه قد علم فقد جهل وحينئذ يسمونه التمني (الكيّس من زان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني) بقوله أن الله غفور رحيم وهو غارق في الملذات والرذائل يقول الله غفور رحيم أمنية ولا تتحقق من أمثاله. هذا التمني فإذاً الطمع ما كنت متأكد من حصوله، الرجاء ما كنت متردد، التمني ما كان متعذر.
السول: الطمع الذي تسأله كثيراً كأنك أنت ذاهب إلى ملك وطامع في شيء عظيم كشخص محكوم بالإعدام لخيانته فهذا في كل الشرائع والقوانين والأعراف والقيم يُعدم بخزية ونذالة لكن أنت أملك في الملك كبير وبقيت يوم يومين ثلاثة أربع عشرة عشرين شهر شهرين وتذهب للملك وتقول له كلام جميلا ًمن شعر ونثراً وتفننت كثيراً في مناشدة الملك تطمع في أن الملك يعفو عن هذا، هذا يسمى سولاً قال تعالى (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴿36﴾ طه) موسى دعا الله كثيراً (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي ﴿29﴾ هَارُونَ أَخِي ﴿30﴾ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ﴿31﴾ وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴿32﴾ طه) هارون ما الذي أتى به إلى المشكلة فقد أذوه بني إسرائيل كثيراً (قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿150﴾الأعراف ) لكن سيدنا موسى ألح فألح كثيرا ًعلى أن يبعث الله سيدنا هارون عليه السلام (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي 34القصص) فقال رب العالمين (أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى) ألحيت بالدعاء فخذه معك ولهذا كان بني إسرائيل يحبون هارون ولا يحبون موسى فموسى كان حازم وسيدنا هارون كان ضعيف بسيط ليـّن وعندما عبدوا العجل ظل ساكت قال موسى كيف تسكت قال (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ﴿94﴾ طه) (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى) أمنيتك طمعك في الله لشدة ما كررت فهو سؤل من هنا سوّلت له نفسه التسويل تحسين الشيء بعد أن تكثر سؤاله مثل قصة سيدنا يعقوب عندما اخذ أولاده يوسف فقال (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ (18) يوسف) كنت تطمعون في أن يغيب عني حتى تكون لكم مكانتكم ويكون حبي لكم هذه أمنية سألتموها كثيراً (بل سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ) مثل ما سول إبليس لآدم: يا ادم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴿120﴾ طه) (وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ﴿20﴾ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴿21﴾ الأعراف) يعني هو السؤل أن تزين له الشيء لكي يكثر سؤاله فسيدنا آدم ظل إبليس يقول له هذه التفاحة وهذه الشجرة وظل يسول له يسول له يسول له حتى سأل الله أن يفعل الله ولكن الله لم يجبه يسمى هذا تسويل. وكلمة تسويل في اللغة تعني ” تهدل المعدة من الجوع ” إذا كان هنالك شخص جائع جداً جداً حتى صار هزالاً فلكي يكون هزال لحمة البطن تتدلى على الجسم مطوية هذا يسمى تسويل ، فالمتسول طبعاً يظهر أمام الناس انه جائع وهو فعلاً في الغالب جائع سابقاً الناس سابقاً لم يكونوا يريدون مال فقط يريدون لقمة من الطعام لأن الناس كانوا في مجاعة لم يكن هناك طعام والله قال (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴿8﴾الإنسان) والطعام وهو الخبز ولهذا المتسول لأنه يكثر السؤال أعطوني أعطوني أنا جائع ومن بيت إلى بيت يسمى متسولاً ويقال فلا سؤله أي كثير السؤال مثل همزة ولمزة فلان سؤله أي يسأل كثيراً أين ما يذهب يشحذ لا يذهب على أمير ولا وزير إلا ويشحذ فيسمى فلان سُؤَلَه فالسؤل كثرة سؤال الآخرين عن أمنية وطمع تريدوه منهم. هذه هي المجموعة وقد عرفنا الفروق بينها فروق هائلة: الطمع ما أنت متأكد من حصوله عكسه الرجاء ما أنت خائف من حصوله، الأمل ما يستبعد حصوله، التمني ما هو متعذّر، السؤل مطمع أنت كثير السؤال عنه وكثير السؤال فيه. هذه هي منظومة الطمع، والكلام في الطمع كثير ونحن قلنا الطمع هو ما تكون أنت الراجح أنك ستحصل عليه مثل شخص عنده مائة سيارة وهو كريم وغني وقلت له أنا أطمع منك بسيارة 99% سيقول إ.ذهب وخذ واحدة لك كما كان العرب سابقاً أذا كان لديه أربع أو خمسة من الخيول وجاءه أحد وقال له يا فلان أظهرني- أي أعطني ظهر أركبه- يقول له اذهب إلى الوادي وخذ ما تشاء هكذا كان العرب وفي مرة أتى إعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا رسول الله أظهرني -أي أعطيني ظهر أركبه خيل حصان بعير أي شيء- فقال له: اذهب إلى عبد الرحمن بن عوف، طبعاً هذا الإعرابي حصيف ذكي فطبعاً ليس فيه عجلة عبد الرحمن بن عوف تاجر كبير يشتري السمن والعسل واللبن والصوف فلديه علوة كبيرة وطبعاً أكبر تجار المنطقة عبد الرحمن بن عوف وهذا الإعرابي جلس يراقب إلى أن يفرغ فجلس من بعيد يراقب ولاحظ شيء على هذا الرجل – وسابقاً الخيل إذا أعطاك جواد كأنه أعطاك بي إم دبليو فهذا ثروة- فرأى عبدالرحمن بن عوف جاء شخص اشترى منه حب حنطة، قمح ثم عندما اشتراها منه وأدارها في إناء عبدالرحمن وقعت كم حبة في الأرض فعبد الرحمن هذا التاجر العظيم الملياردير يحمل الحنطة حبة حبة ويضعها في الإناء، ما هذا البخل؟ هذا الذي يحملها حبة حبة يعطي فرساً؟ ففكر الإعرابي ولكن قال أن النبي أرسله ثم أتى شخص يبيع لعبد الرحمن بن عوف سمن فلما أفرغ السمن في إناء عبدالرحمن وقع قطرة سمن في الأرض فجاء بقطعة قماش ويطمسها على هذه القطرة ويعصرها في الإناء فقال الإعرابي لنفسه أن هذا الشخص لا يعطي فرساً وأنه بخيل فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله الرسول لماذا أتيت؟ فقال الرجل أنت بعثتني لمن؟ فقال لعبد الرحمن، فقال الإعرابي هذا يعطي خيلاً؟ هذا الرجل فعل كذا كذا كذا فالنبي صلى الله عليه وسلم ابتسم وقال اذهب إليه وأخبره ولا عليك قل له أعطيني فرجع الإعرابي إلى عبد الرحمن وعبد الرحمن لاحظ أن هذا الإعرابي جلس فترة وراح ورجع فقال له عبد الرحمن ما بالك فقال له الإعرابي القصة كذا كذا أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني حتى تعطيني خيلاً وأنا خجلت منك فقال له عبد الرحمن تفضل هنالك الوادي خيلي ورعاتي هناك اذهب إليهم وقل لهم أرسلني عبد الرحمن فأظهروني اختر لك ما تشاء ذهب الإعرابي على الوادي وإذا به مليء بالخيل ورعاة فذهب إليهم وقال لهم أن عبدالرحمن بن عوف بعثني فقالوا تفضل اختر لك ما تشاء فهذا الإعرابي من البادية وخبير بالخيل اختار جواد يسمى عقيد هذا العقيد يتبعه أربع خمسة لا يخرج لوحده لا يذهب إلى أي مكان إلا معه أربعة أو خمسة من الخيل فقال الرعاة له أيها الرجل هو قال لك واحد وهذه أربعة فقال الإعرابي أنا اخترت فحاولوا أن يقنعوه أن يأخذ خيلاً آخر لكنه رفض فقالوا له هذا يأخذ معه أربعة قال ولو فأثناء هذا النقاش أتى عبد الرحمن فسألهم ما الأمر قالوا له أنه اختار هذا الخيل ورفض أن يأخذ غيره فقال لهم عبد الرحمن أعطوه إياها جميعها- الأربعة – ثم قال له الإعرابي القصة وأنه أتى المرة الأولى ورآه وهو يلتقط الحبة من الأرض والسمن ما هذا الكلام فقال له عبد الرحمن:(أجمعها هكذا لكي أنفقها هكذا). الرسول صلى الله عليه وسلم قد حذّر من طول الأمل وقد قرن هذا الأمر بحب الدنيا على حساب الدين وعلى حساب الآخرة والظاهر على حال الناس الآن هو الجري وراء هذه الملذات وهذه الشهوات على حساب الدين وعلى حساب الواجبات وعلى حساب الفرائض في كثير من الأحيان وهذا الأمل البعيد الذي ينشدونه يا ليته أمل محمود لكنه في غالب الأحيان هذا الأمل للأسف يكون مذموماً كما أن الطمع وإن كان في غالبه محموداً إلا أن في بعض حالاته يكون مذموماً والعياذ بالله. والأمل هذا كما في القول الحكيم (إن الله يُعمِّر هذه الدنيا بقلة عقول أهلها) رب العالمين ما خلق شيئاً عبثاً عندما خلق الأمل كما خلق الشهوة، فالشهوة فيها جانب سيء وجانب حسن وهي امتحان وكما في الحديث (يكبر ابن آدم وتكبر معه خصلتان الحرص وطول الأمل) والمفروض بالعكس إذا أصبح عمرك ثمانين أو تسعين سنة على ماذا ستحرص؟ لكن كلما ازداد الإنسان في العمر كثر حرصه على المال وأصبح أمله طويلاً لماذا؟ الإنسان في آخر عمره يبدأ يعطي إن كان عالماً أو فيلسوفاً أو حاكماً أو الخ آخر عمره ينضج، تجارب كثيرة، ومتمكن فيعطي فرب العالمين لو تركه يجلس في البيت وينتظر الموت لن يقوم بشيء فكلما ازداد في السن تقدماً إزداد في الحياة تشبثاً (يكبر ابن آدم وتكبر معه خصلتان الحرص وطول الأمل) وكما تفضلت إن أنهاه هذا عن الآخرة فقد ذمّه الله (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) في حين أن هناك (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً) فهذا التوازن هو الذي يدعو إليه الإسلام. فالإسلام لا يقول لك ابق في المسجد وكن درويشاً لا بل قم واعمل لكنك أنت كما تشتغل للدنيا هذا الدين متوازن في كل شيء لا إفراط فيه ولا تفريط، فلا تكن بلا صلاة ولا صوم ولا شيء وتقتل الناس على أنهم كفار وأنت لا تساوي نعلاً فقط لأنك قصرت ثوبك وأطلقت لحيتك أو أنك من الطائفة الفلانية أو الطائفة الفلانية وتذبح الناس لا هذا لا يصح لأن الإنسان في الإسلام متوازن خمس ركعات وخمس أوقات وصوم رمضان والسلام عليكم واذهب واشتغل واعمل فالإسلام يريد أن تعمل للدنيا كما قال تعالى (وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ (77) القصص) لكن هذا طول الأمل هو الذي عمّر الدنيا فهنالك أناس بالتسعين ويقوم بمشاريع من هو قد دخل للدنيا لتوه وأي مشاريع! وهذا هو القول (غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون) هكذا. وبالمناسبة يذكر بن رجب في لطائف المعارف أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعث وفداً إلى اليمن ففي الطريق اجتازوا على عين ماء ففاءوا إلى تلك الظلال الوارفة يلتمسون من مائها وظلها وعلى مقربة من هذه العين قصر مشيد البناء معمور الأرجاء يسمعون من داخلها غناءٌ يقول قائلهم ( أيها الحساد موتوا كمداً إن هذا الحسن يبقى أبداً) فسألوا ما شأنهم؟ قالوا إن هذه فتاة ذات جمال وحسن ستزف اليوم إلى زوجها فيغنون انبهاراً بهذا الأمر أيها الحساد موتوا كمداً إن هذا الحسن يبقى أبداً. وبعد ذلك واصلوا طريقهم آل الأمر إلى زمن معاوية بن أبي سفيان فأراد أن يبعث وفداً إلى هذه المدينة نفسها فسأل من؟ فقالوا نعم هناك وفد بعثه أبو بكر الصديق وبعض الصحابة بينهم فجعل هذا الشخص الصحابي رئيساً على هذا الوفد ولما اجتازوا إلى تلك العين قال لهم هيا بنا نذهب إلى تلك العين نشرب من معينها ولما وصل فإذا بهذه العين قد نضبت وإذا بهذا القصر أصبح موحشاً مظلماً لا سكان فيه ولا أنيس ولا جليس فجاء في باله تلك المرأة التي كان يتغنى بجمالها وحسنها فالتفت يمنة ويسرة فإذا بالأمر موحش مقفر لا أنيس ولا جليس ولكنه من بعيد رأوا امرأة عجوزاً متوكئة على عصاها وقد احدودب ظهرها وكأنه هلال شوال تمشي من بعيد فقالوا هيا نسأل هذه المرأة عن شأن تلك العروس فذهبوا إليها واطمأنوا على صحتها فبعد ذلك قال لها هذا الشخص – الصحابي الذي كان من الوفد الذي بعثه أبو بكر- اجتزت أنا على هذه العين قبيل كذا وكذا من الزمان وكان النسوة يغنين ويرقصن بطول أمل هذه الفتاة (أيها الحساد موتوا كمداً إن هذا الحسن يبقى أبداً) فانزلقت العصا من يد المرأة العجوز التي لا أحد حولها وهي وحيدة موحشة مع ذلك العجز وقالت أنا تلك المرأة فانزلقت العصا وسقطت على وجهها وماتت. فإذاً حسن الأمل قد يكون في القوة وفي المال وفي الجمال وفي جميع صروف الدنيا ولكن هذا الأمل مطلوب إذا كان مشوباً بالأمل الخيري. ولهذا العلماء 90% منهم يموتون على كتبهم والقادة 90% منهم يقود الجيوش ويقود الأمة ويقود الشعب، هذا الأمل وهو كان يستطيع أن يقول سأستريح في قصري ولا أعمل شيء لكن لا بل العكس هو يزداد وهذا من سنن الله عز وجل يزداد نشاطه وشوقه ورغبته في الحياة (يكبر ابن آدم وتكبر معه خصلتان الحرص وطول الأمل) وهذا من عمران الدنيا وهو الاستخلاف (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا (61) هود).
نرجع إلى الطمع، قبل كل شيء النبي صلى الله عليه وسلم قال لنا كلاماً يحذرنا من الطمع السيئ وهو أقل الطمع يقول (استعيذوا بالله من طمعٍ يهدي إلى طبعٍ) طمع يجعلك ذليلاً أو بخيلاً أو رخيصاً، لا، كن رجلاً عندما تطمع إطمع بعز أن هذا الأمر عند فلان الفلاني سواء كان حاكماً أو غنياً أو وجيهاً أنا أذهب إليه وأنا معزز وأطمع فيما في يديه لأنه يستحق أن أطمع به لثقته فالطمع هو الذي تكون أنت موقن من أنك ستحصل عليه لأنك أنت عندما تكون كريماً لا تطمع إلا في كريم وهذا الكريم أنت واثق من كرمه ومن أصله نبله وأنت منحاز إليه وأنت مخلص له فحينئذٍ ما المانع من أن يلبي لك وهو غني وقادر على ذلك إذاً أنت ستحصل عليه حينئذٍ هذا أنت تحصل على مطمعك منه وأنت عزيز ورافع الرأس وهو أيضاً لكرمه يرفعك لكن إذا طلبت إلى خسيس أو إلى بخيل أو إلى لئيم لن يعطيك إلا بعد أن تذل له وأن يذلك هو، ولهذا قال r (استعيذوا بالله من طمعٍ يهدي إلى طبعٍ) تصبح ذليلاً ومنكسراً وخسيساً وقد تكذب وقد الخ ويقول r (ومن طمعٍ يهدي إلى غير مطمع) كالطمع في مال حرام أو في شيء فيه خيانة “ليتني أكون كذا” لكن هذه خيانة “ليت المحتلون يجعلونني أميراً أو وزيراً” وهذه خيانة “ليت لي ملك فلان الفلاني” فتسرق كل شيء ليس كريماً هذا طمع يهدي إلى غير مطمع ويقول r (ومن طمعٍ حيث لا طمع) كشخص جاهل كسلان لا يفعل شيئاً ويقول” يا ريت أنا أنجح الأول” كيف يحدث هذا وهو نائم طوال الوقت؟! أو يقول” يا ريت يكتب اسمي بين الفرسان” وهو لا يعرف يركب حماراً! أي عندما تطمع في شيء وأنت دونه ولست من أهله أبداً ثلاث مطامع فقط النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عنها والباقي الطمع محمود وقلنا بأن الطمع هو ما يترجح حصوله للثقة العالية بسخاء وكرم وشمائل المطموع فيه وأنت أيضاً تعرف أن هذا الرجل ممن يلبي الرجاء فيه والطمع وأنت مقبل عليه أنت من أهله من جماعته، من أنصاره، من رجاله، ولاء هكذا ثم أنت ممن تتشرف بأن تطلب إليه. هنالك أناس إن طلبت منهم يكون هذا عيب عليك أن تطلب منهم وآخرون بالعكس تتشرف بأن تقول هذا أعطاني إياه فلان، هذه هدية من فلان، أي فيها شرف. إذاً هذه هي أجواء الطمع المحمود لهذه الأسباب سيدنا إبراهيم عندما طمع في مغفرة الله وهذا أعظم أنواع الطمع (وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ﴿46﴾ الأعراف) فهو جالس على الأعراف بين الجنة والنار إلى الآن لم يؤذن لهم بالدخول ولما نظر إلى الجنة الله ما أحلاها لكن هو لديه طمع راجح عنده أنه سيدخلها لماذا؟ لأن صاحبها ومالكها رب العالمين بكرمه وجوده وسخائه وعفوه ورحمته فأنا سأدخل سأدخل إذا لك يكن اليوم فغداً هذا طمع قال (وَهُمْ يَطْمَعُونَ) لم يقل يرجون ولا يتمنون ولا يسألون بل(وَهُمْ يَطْمَعُونَ) في مكانها تماماً.
سؤال من أحد المشاهدين: ما الفرق بين الطمع والطموح؟ الطموح هو أن تحاول أن تصعد إلى مرتبة أعلى من واقعك ومرتبتك فأنت مثلاً رب العالمين قال لك هنالك الجنان مائة جنة وقال يا الله أنا أريد الفردوس هذا طموح، إذاً فالطموح طمع في مرتبة أعلى. هذا الفرق بين الطمع وبين الطموح.
وبمناسبة الطمع صفوان بن أمية كان زعيم قومه وعلى رأسهم وهو الذي كان قد حال بينه وبين قومه للإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يريد أن يشهر السيف على قومه فماذا فعل؟ بعثه له بمائة ناقة فيقول صفوان (كان محمد أبغض الناس إليّ فما زال يعطيني) فأعطاه مائة ناقة فلم يلن جانبه فأعطاه مائة أخرى وأيّ ناقة؟! من النوق العربيات الأصيلات (فأعطاني مائة ثالثة فأصبح أحبّ الناس إلي) فهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً بأصحاب المطامع كان يعطيهم كل شخص يعطيه على قدر ما يريد منهم من بالكلمة الطيبة ومنم من ينشد الجنة كالصحابة الكرام والسابقين السابقين ومنهم أصحاب المئين عشرة من أعيان العرب منهم معاوية وأبو سفيان والخ هؤلاء أسلموا بالمال وبالعطايا ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم عندما لم يعطي الأنصار بعد تلك الغزوة المباركة وجاءت الغنائم أخذوا على أنفسهم فقال عليه الصلاة والسلام (ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاه والبعير وترضون برسول الله) ومع ذلك أولئك القوم الذي أعطاهم الرسول مائة وخمسين هجوا والعياذ بالله الرسول وارتدوا وقالوا
أتجعل نهبي ونهب عُبيد كنهب عيينة والأقرع
سؤال من أحد المشاهدين: في قوله تعالى (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) هل الطمع متعلق بإيمان الذين سمعوا كلام المصطفى أم كلام الله؟ هذا يسمونه في لغة العرب من المشاكلة قالوا اقترح شيئاً نُجِد لك طبخه قلت اطبخوا لي جبة وقميصاً
(وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴿30﴾ الأنفال) هذه مشاكلة ومن ضمنها (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) هذا عن سيدنا إبراهيم وهو على الحقيقة أنه يطمع بكرم الله ورجائه ومغفرته، هؤلاء أهل النار على غرار المشاكلة يطمعون أن ينجيهم الله تعالى ولا يمكن هذا لأنهم كفار فهو من باب المشاكلة.
هكذا هو الطمع كما تكلمنا عنه من حيث انه في أمن ورجحان للحصول. ويقول صلى الله عليه وسلم في وصف الأنصار(إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلّون عند الطمع) أوجز فأعجز عليه الصلاة والسلام. سيدنا إبراهيم عليه السلام (قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ﴿75﴾ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ﴿76﴾ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴿77﴾ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ﴿78﴾ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴿79﴾ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴿80﴾ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ﴿81﴾ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴿82﴾ الشعراء) بالله عليك يا إبراهيم خليل الله أبو الأنبياء رب العالمين امتدحه مدحاً لم يمدح مثله أحداً ويقول (أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ )، (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ (111) يوسف) هكذا هو العبد الصالح عليك أن تكون متواضعاً لله مهما كان عملك حتى لو كنت إبراهيم حتى لو كنت محمد عليه الصلاة والسلام الذي يقول (والله إني لرسول الله وما أدري ما يفعل بي يوم القيامة إلا أن يتغمدني الله برحمته) هذا هو التواضع فنتعلم من سيدنا إبراهيم أنك إذا أردت أن تسأل الله حاجة وأن تكون طامعاً منه بحاجة من حاجات الدنيا أو الآخرة عدِّد نِعَمه عليك. هذه قضية يذهل عنها الكثير من المسلمين عندما يلحون أو يلحفون في الدعاء لله عز وجل بحاجة من حاجات الدنيا أو الآخرة، عندك مريض، في حاجة للمال، في كرب، تريد مغفرة يوم القيامة، عندك ذنب عظيم تريد أن يغفره الله عدِّد قل يا ربي أنت الذي فعلت لي كذا وأعطيتني كذا وأنعمت علي بكذا فافعل كذا هذه من أقوى أسباب الإجابة والاستجابة (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ (186) البقرة) قريب ليس مكانياً وإنما عليك أن تحسن الأدب مع الله. سيدنا إبراهيم خليل الله ومع هذا استقلّ عمله قال أنا عملي بسيط وحينئذٍ إذا أردت أن ينعم الله عليك بنعم المستقبل فأذكر في دعائك نعم الله عليك في الماضي وهذه قضية من القضايا التي أراد الله تعالى بهذه القصة أن يعبر لنا هذه الرسالة والله عز وجل قال (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (7) إبراهيم) سيدنا إبراهيم عندما عدّد نِعم الله عليه شكر الله عليها فالشكر لله على نعمه يستدعي نعماً أخرى جديدة. ثم في الآية الأخرى (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴿83﴾ وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ﴿84﴾ المائدة) لم يقل مع القوم الذين آمنوا وعملوا الصالحات كل عباد الله من أهل القبلة أياً كانت القبلة قبل الإسلام وبعد الإسلام فهم من الذين آمنوا وعملوا الصالحات كل من يقول ربي الله ولم يشرك به شيئاً هو من الذين آمنوا وعملوا الصالحات لديه صالحات فليس هنالك شخص ليس لديه صالحات كما في حديث البطاقة أن هذا الرجل ليس لديه أي عمل صالح إلا أنه في يوم من الأيام في حياته كلها قال مرة واحدة لا إله إلا الله وأكرِم بها من كلمة. لكن في الآية يقول (أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) الصالحون شيء والذين آمنوا وعملوا الصالحات شيء آخر كلنا نلعب رياضة هذا الذي يمشي وهذا الذي يقوم بالتمرين خمس دقائق في الصباح نحن نلعب رياضة ولكننا لسنا أبطالاً، البطل شيء آخر البطل مارادونا وفلان الفلاني والأبطال هؤلاء الناس المتمرسين فالذين آمنوا وعملوا الصالحات شيء والصالحون شيء آخر فهؤلاء أبطال الصلاح هذا صلاحه هو الشريحة الرابعة التي سوف تدخل مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في الفردوس الأعلى، شعب الفردوس الأعلى يتكون من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين. الصالحون نحن نستطيع أن نكون ربما نكون فنحن لسنا أنبياء ولا صديقين ولا شهداء ولهذا كيف تكون صالحاً هذا ما سنجيب عنه الآن.
سؤال من إحدى المشاهدات: كان الأنبياء يطمعون في المغفرة أنا الناس هذه الأيام فيطمعون في الدنيا.
نحن أصبح لدينا عادة دائماً نجلد أنفسنا وأنا أرى في هذا الزمان على محنه وقسوته ومصائبه في فلسطين والعراق ولبنان وفي كل مكان الناس قريبون من الله عز وجل ويطمعون بالنصر والأمن والسلام وأن يوحد قلوب المسلمين وأن يزيل عنهم هذا التنافر البغضاء والطائفية والفئوية والحزبية والمتطرفين الكذابين الذي شوهوا الإسلام وإنما والناس تصلي إلى القبلة كثيرة والمساجد مليئة والعطاء كثير ونحن الآن في عصر كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (يأتي زمان على الناس القابض فيه على دينه كالقابض على جمرة من النار) ولهذا الخير كثير والطامعون في المغفرة الآن لا يُحصون فيجب علينا أن ننظر إلى كل من حولنا سواء كان خطاء أو غير خطاء وكل ابن آدم خطاء وقل يا ربي اغفر لي والناس في خير والحمد لله ولكن الشر مع الخير دائماً وكل جيل يمر عليه امتحان وهذا من قوانين الكون (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً (35) الأنبياء) خلقُ إبليس ضرورة كخلق جبريل كلٌ منهما لا بد أن يكون لكي تكتمل سنن الله في خلقه في الدنيا وكل الناس كلنا طامعون في عفو الله ومغفرته ووالله بدون هذا الطمع لن نشم رائحة الجنة لماذا؟ سلعة الله غالية (إن سلعة الله غالية) (حُفّت الجنة بالمكاره) وعلى كل حال كرم الله واسع وأساليبه في العفو عجيبة ولهذا عندما نعددها نقول صدق رسول الله عندما كان يقول (لا يدخل النار إلا شقي) ويقول صلى الله عليه وسلم (لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع أحد في الجنة ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط أحد من الجنة وقد خلق الله مائة رحمة ووضع في خلقه بالدنيا رحمة واحدة يتراحم بها الناس وترك 99 إلى يوم القيامة) فتأمل!.
إذاً نفرِّق الآن بمثال واحد بين أن تكون من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وبين أن تكون من الصالحين، الإغاثة (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ (15) القصص) الأعمال الصالحة الشاقة من ضمنها أن تكون مغيثاً. من أغاث اللهفان وليس هنالك واحد ممن يسمعني الآن إلا في يوم من الأيام طلب منه استغاثة فأغاث، فلان أعطيني، فلان تعال معي، فلان توسط لي، فتذهب معه هذا من الذي آمنوا وعملوا الصالحات. أما الذين يصبح من الصالحين هو الذي يصبح بطلاً في الإغاثة أولاً لا يمكن أن يتردد ولا مرة واحدة في حياته عن إجابة اللهفان دائماً كل من يستغيث به يذهب معه، ثانياً لا يمكن أن يمنّ على أحدٍ بذلك، ثالثاً لا يمكن أن ينتظر جزاءً على ذلك، رابعاً لا يمكن أن يظهر ذلك للناس، خامساً سادساً سابعاً ثامناً حينئذٍ تصبح تلك من جماليات نفسه يصبح يتلذذ في أن يعطي مالاً، يعطي جهداً، تصبح الإغاثة عنده من نِعَم الله الكبرى عليه كما كان القِرى عند حاتم الذي كان لا يستطيع أن يأكل إلا مع ضيف. هنالك أناس أوقفوا أنفسهم لإغاثة الملهوفين مثل هذا الشخص البطل العظيم الكريم الذي اسمه عثمان وهو من أهل الأعظمية المحاصرة عندما صارت النكبة على جسر الأئمة في بغداد وسقط ثلاثة ألاف غريق ثلاثة ألاف شخص سقطوا في النهر وغرقوا هذا الرجل ألقى بنفسه في النهر خلفهم فاستطاع أن ينقذ واحداً تلو الآخر وتأمل معنى إنقاذ الغريق. الغريق خطِر لأنه ما أن يراك حتى يكبلك بذراعيه فتغرقان معاً ورب العالمين وفّقه أنقذ ثمانية ينقذ إلى الشاطئ ويذهب لينقذ الآخر أنقذ ثمانية التاسع أمسك بخناقه من رعبه فأغرقه معه بعد أن بلغ الإعياء بعثمان مبلغاً شديداً هذا من الصالحين ليس من الذين آمنوا وعملوا الصالحات. لا تدّخر مالاً ولا جهداً ولا وقتاً ولا تعتذر ولا ولا هذا للتاريخ ففي كل جيل في كل مدينة ربما تجد شخصاً واحداً أو لا تجد هذا عندما يقول (وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) لم يقل مع الذين آمنوا وعملوا الصالحات هذا تطور، ماذا يقول رب العالمين (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ﴿9﴾العنكبوت) ولهذا كل الأنبياء دعائهم (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴿19﴾ النمل) هؤلاء الناس هم كبار القوم سيدنا إبراهيم قال هذا وكل الأنبياء فالصالحون أبطال الصلاح سيدنا يوسف التي فيها مشقة. حينئذٍ إذا أردت أن تكون من الصالحين فاطمع في هذا قل يا ربي وفق لي عملاً وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم (إذا أحب الله عبداً استعمله) وفي رواية حديث آخر (إذا أحب الله عبداً عَسَلَه قالوا: وما عسله يا رسول الله؟ قال: يهيئ له بين يدي موته عبادة يرضي الله عنها) فرب العالمين يوفقه إلى عبادة قبل أن يموت عبادة عظيمة تجعله بطلاً في الصلاح فيموت عليها وأنتم تعلمون جميعاً أن الإنسان يحاسب يوم القيامة على ما ختم عليه لو عصيت الله ألف عام ثم أطعته يوماً واحداً فأنت تحاسب على أساس ومستوى هذا اليوم ومن الملاحظ أن الأنبياء هم أكثر الناس طمعاً في الله سبحانه وتعالى وسيدنا إبراهيم أبوهم عندما قال (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) قال الله لسيدنا محمد (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ (2) الفتح) ولما قال (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴿35﴾ إبراهيم) قال الله لسيدنا محمد (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴿33﴾ الأحزاب).
بُثّت الحلقة بتاريخ 6/7/2007م وطبعتها الأخت نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها