الفريد– الوحيد – الطريد – الشريد – القعيد – السجين – المهجور – المنبوذ – المختلي – الراهب – المنفي
الإعتزال أن يعيش الإنسان منفرداً معتزلاً غيره وهذا الاعتزال قد يكون إختيارياً وقد يكون إجبارياً. الكلمات التي تدل على هذا الاعتزال أو الانعزال أو العزل أو الإنفراد في كتاب الله عز وجل كما أحصيتها على قدر علمي هي الكلمات التالية: الفريد، الوحيد، الطريد، الشريد، القعيد، السجين، المهجور، المنبوذ، المختلي، الراهب، هذه كلمات تعني أن الذي يتصف بهذه الصفة يعيش وحده بعيداً عن المجتمع لا يختلط فيهم وهناك كما تعرفون فرقة إسلامية في التاريخ اسمهم المعتزلة أي اعتزلوا حلقات معينة من حلقات العلم. حينئذٍ كلمة الاعتزال أو الانعزال أو العزل كلمة عامة تعني أن صاحبها صار وحيداً ويعيش بمفرده بعيداً عن اختلاطه بالناس وهذه فلسفة طويلة في التاريخ اتخذها البعض ديناً واتخذها الآخر أدباً وأخلاقاً وسمتاً وتربية وهناك اعتزال أو انعزال أو عزل إلزامي إجباري كالسجين سجين إنفرادي في زنزانة لا يرى أحداً ولا يراه أحد هذا إلزامي وهناك أناس اعتزلوا أو انعزلوا باختيارهم لأنهم رأوا أن الأمر لا يستوجب الاختلاط بالناس. قبل أن نتكلم في فلسفة الاعتزال نعطي الفرق بين هذه الكلمات على منهجنا في هذا البرنامج من بيان جزء من عظمة هذا القرآن الكريم وكيف أن الله عز وجل استعمل هذه الكلمات استعمالاً إعجازياً على مدى ثلاث وعشرين سنة لم تخطيء ولا مرة واحدة كل كلمة تأتي في مكانها لكي تعطي المعنى بالضبط. نحن الآن في حرف النون وحرف النون أخذنا كلمة نبذ (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ﴿145﴾ الصافات) والمنبوذ تعرفون يعيش لوحده فسمينا هذه الحلقة حلقة الاعتزال وجمعنا معها هذه الكلمات التي تدل على العيش.
الفريد: المنفرد الذي ليس له من يعينه (رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا (89) الأنبياء) سيدنا زكريا عندما لم يكن لدبه ولد كان يشعر بالتعب لأنه ليس له من يعينه فالفريد الذي يعيش وحده بمعزل عن أبنائه ليس له أبناء أو أنهم تركوه وغادروا فهو فريد (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ (94) الأنعام) ليس لكم معين يعينكم على ما أنتم عليه من هذا العذاب الذي ينتظركم (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴿34﴾ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴿35﴾ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ﴿36﴾ عبس) فأنت فريد يوم القيامة (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ).
الوحيد: قلنا الفريد الذي ليس له من يعينه، الوحيد الذي ليس له من يؤنسه من الذي يؤنسك؟ إما اهلك أو أصدقاؤك فالوحيد يعيش وحيداً وقد يكون لديه أولاد أو أعوان لكنه يشعر بالوحدة فلا يوجد من يؤنسه فالوحيد (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ﴿11﴾ وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا ﴿12﴾وَبَنِينَ شُهُودًا ﴿13﴾ المدثر) كل هؤلاء لكن لا يؤنسون وحشته لشعوره بالوحدة ولهذا التوحد نوع من الجنون بداية الجنون التوحد أنت تشعر بأنك وحدك في هذا الكون ومستوحش وتعرفون معظم الأمراض العقلية من الشعور بالوحدة انك أنت وحيد ليس لك من يؤنسك ولا تأنس بشيء فكل شيء يبعث فيك الوحشة والكآبة فهذا الوحيد.
الطريد: ليس له من يؤويه لاحظ دقة اللغة كل اختلاف في المعنى له كلمة جديدة: الفريد ليس له من يعينه والوحيد ليس له من يؤنسه والطريد ليس له من يؤويه (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ (52) الأنعام) (وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آَمَنُوا (29) هود) هم من المطرودين ليس لهم من يؤويهم (لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ﴿58﴾ النجم).
الشريد: ليس له وطن ولا بيت (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ ﴿57﴾ الأنفال) فالشريد مشرّد أي ليس لديه لا وطن ولا بيت يسمى شريد.
القعيد: الرجل المسن وليس له زوجة والمرأة المُسنة بالسبعين بالثمانين التي ليس لها زوج وفعلاً تخيل امرأة عمرها تسعين سنة ثمانين سنة وليس لديها زوج لم تتزوج ورجل لم يتزوج وأصبح عمره تسعين سنة والكل انفض عنه (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا (60) النور) فالقاعد أو القعيد هذه التي لا زوج لها أو لا زوجة له والزوج تطلق على الذكر والأنثى. ولهذا القعيد الحارس أو الجاسوس أو الرقيب الذي لا تراه كما نحن في هذا العصر (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ﴿17﴾ ق) القعيد شخص يراقبك وأنت لا تراه ولا تعرف من هو لأنه يعيش لوحده بمعزل في خفية الآن كل العالم كل شخص من أفراد العالم في جميع الدول بلا استثناء لا يوجد شخص ليس عليه رقيب فهناك تسجيل وكاميرات وتصنت الموبايل مسموع وكلامك في البيت مسموع حركاتك مرصودة كاميرات تملأ الشوارع في كل مكان في العالم الآن العالم مسيطر عليه بالكامل لكن من هؤلاء الذين يراقبونك؟ أنت لا تعرفهم هذا يسمى قعيد الذي هو لا يُرى وليس له من يؤنسه فهو شخص يجلس طوال النهار لوحده يسمعك من الهاتف ولا أحد يعرف أي هو هذا قعيد. ولهذا المتقاعد الذي يترك الوظيفة ويصبح لوحده وكلنا نعرف أن المتقاعدين يصابون بالكآبة لشعورهم بالاعتزال وحينئذٍ هذا الرجل يجلس لوحده ولا يزوره أحداً وهو الذي كان يصول ويجول وله زبائن وأصدقاء ومنذ أن تقاعد نسيه الناس فحينئذٍ هذا عاش لوحده باعتباره تقاعد وكذلك المقعد الذي لا يتحرك من يبقى معه؟ لا يبقى معه أحد.
المهجور: الذي لا حاجة لأحدٍ فيه لكراهته عندهم (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا ﴿30﴾ الفرقان) (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ﴿46﴾ مريم) دائماً فالمهجور قد يكون لديه أولاد وهناك من يؤنسه ومن يعينه وله بيت لكن الناس لا يحبونه هجروه لعدم الحاجة. وهناك مثل عامي لكن له معنى يقولون عندما ماتت بغلة القاضي كل الناس خرجوا للجنازة يشيعون بغلة القاضي فلما مات القاضي لم يخرج أحد لتشييعه لأنه انتهى نفوذه فلدينا أصحاب الوجاهات عندما يكون في الحكم في السلطة في الوظيفة والناس لديهم حاجة عنده تجد أن بيته مليء بالناس داخلين وخارجين محبوب وذكره في الصحافة وفي الإعلام وكلنا نعرف زعماء ورؤساء وزارات وملوك وكانت لهم مكانة وصولة وجولات فلما أحيلوا إلى التقاعد أو صار عليهم انقلاب أو كبروا لا أحد يذكره هُجِر هذا المهجور لم يعد الناس يرغبون فيه بالعكس يتشفى فيه الناس كطبيعة البشر من غرائزه الحسد والغيرة والحقد أن هذا كيف كان له صولة وجولة والآن فيهجره من باب التشفي النفسي لأصحاب النفوس المريضة.
الرهبانية الانقطاع الاختياري في مكان تعبد الله فيه (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ (27) الحديد) الرهبانية أنك تعبد الله في صومعة وهذا من بني إسرائيل إلى المسلمين أيضاً اتخذوا بعض ذلك يعبد الله في مكان بعيد ولا يتصل بالناس، يبقى يعبد الله ويناجيه وهذا أسلوب من أساليب العبادة منه ما هو حسن ومنه ما هو سيء على حسب المواصفات. إذاً الرهبانية الاعتزال من أجل العبادة.
المنبوذ: الذي لا يتعامل معه أحد لعيبٍ فيه. المنبوذ الذي يكون فيه عيب معين فالناس لا يكلمونه إما لأنه كان مجرماً قاتلاً عتلاً فهنالك أناس في كل مدينة وكل دولة يوجد فيه شخص كان شقياً كان فتوة كما يسمونه أرعب الناس وخوّفهم ولما استشرى أمره الناس لا يكلمونه ولا يفسحون له في الطريق فهو منبوذ لأنهم يتذكرون ما فعله كما في مسلم عن أبي سفيان يقول كان المسلمون لا يفسحون له في الطريق وإذا رأوه لا يسلمون عليه لما فعل بهم في جاهليته مع أنه أسلم ومع كونه أسلم لشدة ما فعل بهم في جاهليته نبذه الناس هذا يسمونه منبوذاً. فالمنبوذ إذاً الذي لا يتعامل معه الناس لعيبٍ كان منه أو شر.
السجين: كما تعرفون السجين اعتزال إجباري (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴿33﴾ يوسف) (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ﴿36﴾ يوسف) والسجن نوعان هناك سجن انفرادي وهذا الذي نعنيه بالاعتزال وهذا الذي شاع الآن في العالم العربي والإسلامي بل حتى في العالم الغربي كجوانتنامو وغيرها وجوانتنامو الآن تعمم في كل العالم هذا الأسلوب الرهيب في الحبس الانفرادي مع شدة التعذيب الذي تقشعر له الأبدان هذا قمة الاعتزال ما من اعتزال أشق على النفس من هذا مع أن السجن أحياناً اعتزال طوعي أو اعتزال كريم فالشعراء والأدباء والفلاسفة والعلماء يحبون الاعتزال الإجباري فرصة لأن يكتبوا فالإمام السرخسي رحمه الله وهو من كبار فقهاء هذه الأمة ألف كتاب المبسوط من ثلاثين مجلداً وهو مطبوع في السوق ألّفه في السجن وكان سجنه في بئر ففي البئر ألف ثلاثين مجلداً وسبب حبسه في البئر أن بعض الناس جاءوا يسألونه عن توزيع مال الزكاة فقال (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿60﴾ التوبة) وزاد عليهم الوالي والي خرسان في ذلك الوقت رحمه الله فأخذ الناس زكواتهم في ذلك الوقت يعطونها الوالي فقال الوالي لما تعطوني هل أنا فقير؟ فقالوا له السرخسي أفتى بذلك فأتى به الوالي وسأله لماذا؟ فقال له السرخسي: (لأن هذا المال الذي بين يدك ليس مالك أخذته ظلماً من هنا ومن هنا وما عليك من التبعات أكثر فأنت في حقيقة الأمر فقير) قالها على وجه التهكم فسجنه في البئر ومن حسن الحظ أن صاحبنا العالم الذي كان حارس كان حنفياً فكان يأتي له بالدواة والقلم ويقال أنه كان في السجن وفي بئر وكان هذا الحارس كان هو حارسه والسرخسي يملي له وذاك يكتب ثلاثين مجلد فالحارس كان عالم فما بالك بالبقية؟ مالك بن دينار ضاق من العراقيين وضاق منهم في البصرة فالعراقيين صعبوا المراس أصحاب شغب لأن كلهم أصحاب ثقافة وكل شخص منهم ينظر إلى نفسه على أنه شيخ فبينهم دائماً شقاق فهو ضجر منهم وقرر أن يتركهم فذهب إلى السوق لكي يشتري بضاعة السفر خبز وطعام وكذا لأن السفر كان على الجِمال وتحتاج لشهرين لكي تصل إلى الحجاز فذهب إلى سوق الخبازين فرأى الخبازين يتناقشان في قضية علمية وهم يخبزان يتناقشون في قضية في غاية الدقة فقال: والله إن بلداً خبازوه بهذا العلم لا يفارق. ابن تيميه خمسين سنة قضاها بالسجون وهناك من يقول أن له ألّف مؤلف معظمها كتبها في السجون. لكن سجون هذا العصر نعوذ بالله مأساة وعلى خلاف ما نجده في التاريخ أنا زرت سجن دبي مرتين أو ثلاث شأنه شأن كل السجون في الإمارات وكأنه فندق خمس سجون فيه مدارس تحفيظ القرآن ورياضة وكمبيوتر ولغة إنجليزية، فيه غرف جميلة على شكل دروس منتظمة والذي يحفظ خمس أجزاء من القرآن تخفف عنه العقوبة وإذا حفظ القرآن كله يطلق سراحه ويأخذ براءة، شيء ممتع وبالتالي إذا كان فيهم شخص ذو علم فرصة هائلة يعطونه غرفة كاملة وأداة ومطبعة وطابعة فحينئذٍ هذا السجن إذاً كما قال سيدنا يوسف (السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ). فالسجن إذاً اعتزال إجباري ولكن قد يأتي بخير وقد يأتي بشر هناك سجناء في الدول العربية وخاصة هذه الجمهورية البائسة التي ملأت الناس سوء خلق وظلم وقتل وإبادة مضى عليه أربعين خمسين سنة لا يعرف أهله عنه شيء بالأمس نسمع عن بعض الصحف عن فلان وفلان وفلان مضى عليه أربعين خمسين سنة ولو سألت ما جريمته ما الذي فعله؟ فتجد أن الأمر لأنه قد قال كلمة أو نكتة تصوّر؟ قال نكتة فيسجنونه أربعين سنة ولا يزوره أحد لا يعرف أحد أين هو فإما أن يكون قد مات أو يخرج لأهله بعد أربعين سنة وهو شيخ متهدم كهذا الفلسطيني الذي كان في سجون إسرائيل ولكن على الأقل هذا عدو إسرائيلي معروف على كل حال.
السجين والأسير: كلاهما معتزل اعتزالاً إلزامياً وكما تعرفون رب العالمين أوصانا بالسجين وأوصانا بالأسير إلى حد أن تتمنى أن تكون أسيراً عند المسلمين ولهذا فعلاً ما من أحدٍ كان أعظم من يكون سجيناً أو أسيراً عند المسلمين وما وجد المسيحيون واليهود رعاية وتكريماً وأمناً إلا في ربوع المسلمين وكان سبباً لإسلامهم وهم اليوم يفعلون العكس، كما وقع تمام بن.أثال.عندما أسره سيدنا عمر وأتى به الرسول صلى الله عليه وسلم قال قيدوه في المسجد وما أن فك قيده وأطلق سراحه إلا رجع وأسلم لما رآه من معاملة المسلمين.
المختلي: أخيراً المختلي صاحب الخلوة (وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ﴿119﴾ آل عمران) الخلوة شخص يختلي لوحده لأمر ما الشاعر يختلي أسبوعاً لكي يكمل القصيدة، العالِم يختلي لكي يكتب موضوعاً فالخلوة لا بد منها النبي صلى الله عليه وسلم اختلى في غار حراء وجميع الرسل كانت لهم خلوة (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ (37) آل عمران) السيدة مريم عليها السلام كانت تختلي وسيدنا داود عليه السلام (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ﴿21﴾ ص) كان عنده يوم بالأسبوع يختلي فيه خلوة كاملة للعبادة ففزع منهم وسألهم كيف دخلتم؟. هذه حسب علمي منظومة الاعتزال وأنا واثق أن بعض ممن يسمعنا من الأفاضل والفضليات إذا عثروا على كلمة وهم كثيراً ما يفعلون هذا وجزاهم الله خيراً.
الاعتزال منه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم، فيصل ذلك الحق والباطل. الاعتزال المحمود الوحيد الذي لا خلاف فيه اعتزال الباطل (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ﴿48﴾ مريم) (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴿55﴾ القصص) فاعتزال الباطل هذا من الخير كما في الحديث عندما النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن ما سوف يكون قال (ثم يكون قومٌ تعرف منهم وتُنكِر قال: ما تأمرني إن أدركني ذلك قال: تعتزل كل الفرق كلها حتى لتكاد أن تعض على غصن الشجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك) ونحن الآن نعيش هذا، هذه الأمة تطفح بالعناوين الطائفية والفئوية وكلها ضالة أنا أقولها من هنا وأشهد الله على ذلك وأنا مستعد للمحاسبة على ذلك كل من له عنوان فهو من هذه الفرق الضالة التي قال عنها النبي عليه الصلاة والسلام (تعرف منهم وتنكر) يصلي ركعتين ويصوم ولكنه مليء بالحقد والكراهية وقتل، استحل الدماء والأعراض واستمرأ الدنيا، استمرأ أن يخطف الناس لكي يأخذ عليهم ايتاوات ويتعالى على الناس تسلم عليه لا يسلم عليك وقد أطلق لحيته ووضع في جيبه سواك وهو لا يساوي نعلاً والله لو وضعته في ميزان ووضعت النعل في ميزان لكان النعل أرجح منه، جعل من نفسه هو أبو الإسلام وكل المسلمين مشركون وكلهم يستحقون القتل وها هو الآن يقتلهم شر قتلة بقطع الرؤوس بالدريل، بتبقير الأعين، بالنسف، بالتفخيخ وهو في غاية السعادة أن هو مجاهد وأن هو ينصر الإسلام وهو من أهل النار خالداً فيها بنص الكتاب العزيز. إذاً ذكرنا أن بعض الاعتزال المحمود هو اعتزال أهل الباطل أن تعتزل تلك الفرق كلها حتى لتكاد أن تعض على غصن الشجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك وها نحن في هذا العصر كما قلنا، من الاعتزال المحمود اعتزال المجالس هناك مجالس فيها لهو كثير كما قال تعالى (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ﴿114﴾ النساء) وهنالك كلمة أخرى مكتوب عندنا لن نسينا أن نذكرها هي المناجاة الخلوة للمناجاة هناك من يناجي رب العالمين في خلوة والله عز وجل قال (من ذكر الله خالياً) ذكر الله في خلوة ففي بعض الأحيان أمام الناس يأخذه الهيام أما إذا كنت وحدك في الثلث الأخير من الليل تناجي الله فهذه خلوة عظيمة هذا من الاعتزال الرائع الذي يشهده الله عز وجل يقول رب العالمين (انظروا إلى عبدي هجر فراش حبيبه من أجلي ولو شاء لرقد) فهذه خلوة مع الله وهي مناجاة كما قال تعالى (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ) فالمناجاة في خلوة وهذه الخلوة منها ما هو محمود ومنا ما هو مذموم. هناك من الاعتزال الذاتي أنت مع الناس موظفاً أو عالماً أو حاكماً لكن أنت في وادي والعالم الذي حولك كله في وادي من حيث نظرتك إلى الدنيا والمسائل والمشاكل فهم في وادي وأنت في وادي أنت بفكرك بفلسفتك بعمقك بنظرتك البعيدة بعبقرية تفكيرك لا تأخذ الأمور كما يأخذونها فالناس في جدل ومناقشات وفلان وأنت تعرف الحقائق من أين أتت وكيف ذهبت فاهتماماتك في أعماقك غير اهتمامات الناس فاهتمامات الناس في البيت والسيارة والمال والسياسة قال فلان وحكى فلان قال بوش وقال بلير وقالت العراق وأنت بعيد عن هذا أنت تفكر فيما بعد هذا الكون وفيما قبل هذا الكون وفيما في وسط هذا الكون من حيث حقائق الأمور، أصحاب البصيرة (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ﴿108﴾ يوسف) وحينئذٍ رب العالمين يقول لهؤلاء (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ (8) فاطر) (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴿6﴾ الكهف) هذا النوع من هذا الناس يشفق على الناس ولا يكرههم كلنا الآن استبدت بنا أنواع من الكراهية تكره الاستعمار تكره الاحتلال تكره فلان الفلاني تكره فلان الحاكم. هذا لا فهذا يحب الجميع حتى عدوه ويدعو له يقول يا ب أصلحه يا رب اهديه فهو ينظر إلى ما وراء الأمور أن هذا ظرف معين جعله حاكم ويقتل الناس ويعذبهم فلعل الله يصلحه ويدعو الله له أن يصلحه ليس في قلبه غل لأحد كما قال تعالى (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴿88﴾ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴿89﴾ الشعراء) وهذه صفة لا يستبد بها ولا يحظى بها إلا قلة من عباد الله عز وجل من الذين سيكونون عند مليكٍ مقتدر والعندية هذه أعظم أنواع الرتب (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ (206) الأعراف) حاشية الله يوم القيامة في الفردوس الأعلى.
نعدد بعض أصناف الاعتزال المذموم هناك من يعتزل الناس كِبراً ولهذا الحاكم الذي يضع حوله القيود والحرس ولا يختلط به أحد من الهالكين (المؤمن إلفٌ مألوف ولا خير فيمن يألف ولا يؤلَف) هناك حكام ليس لهم مجلس ولا تعرف أين تلقاهم بل لا تلقاهم أصلاً لأنهم يخافون من شعبهم وضعوا لأنفسهم سجناً كبيراً من الحرس والأسوار والتفتيشات بحيث لا يرى أحداً فهو خائف مرعوب فلا يستطيع أن يرى أحداً إما من كبره عليهم وإما من خوفه منهم لأنه يعرف الذي فعله بهم ويعيش ويموت منعزلاً حتى إذا مات تنفس الناس الصعداء وهناك من الحكام من بابه مفتوح أربع وعشرون ساعة تدخل بسيارتك إلى باب جلوسه والله يشهد أننا فعلنا هذا في هذه الدولة دخلنا بالسيارات إلى الباب الذي يدخل منه الحاكم إلى الباب ويدخل حاله حال الآخرين لا تفتيش ولا حراسة حتى كنا نلوم بعضهم لحب الناس لهم ولحبهم للناس فليس هناك عزلة كما في الحديث بما معناه إذا اتخذ حاجباً بينه وبين رعيته، والذي يعتزلهم والذين لا يعرفون أن يرفعوا إليه شكاواهم من الحكام الطغاة المذمومين يوم القيامة. إذاً فالاعتزال المذموم اعتزال الحاكم عن شعبه وهذا لا يعني أن يكون متواجداً أربع وعشرين ساعة فهو صاحب مهمات على الأقل في الأسبوع يوم يستطيع أن يدخل عليه كل من يريد وهذا الذي تجده في هذه الدولة ليس يوماً واحداً في الأسبوع بل يومين أو ثلاثة أيام هكذا هو حكم هذه الأمة في بداية أمرها وذهب هذا ذهب مبكراً بعد ثلاثين عاماً من حكم الإسلام ذهب مبكراً ثم لا نراه إلا هنا في هذه الأجواء. وحينئذٍ هذا الاعتزال مكروه من حيث أنه مذموم من حيث أنه قطيعة بين الحاكم والمحكوم وهناك أناس لعظمة، لغنى، لترف، لتكبُّر على الناس لا يختلطون بالناس فهذا اعتزالُ مذموم وهنا اعتزال عن بخل هو غني جداً ورب العالمين وضع بيد مالاً والناس أصحاب الحوائج يقصدونه يضيق بهم ذرعاً لأنهم يريدون منه المال 100درهم و200درهم و500درهم و100درهم وكثيرون فهو لشدة بخله لا يظهر لهم مطلقاً ولا يسمح لأحد أن يدخل عليه ويضع بينه وبين الناس عزلة كاملة بحيث لا يدخل عليه إلا قومٌ معدودون عن طرق ملتوية رسمية معروفة. كذلك كما قلنا من العزلة المذمومة السجين الذي يدخل بجريمة جريمة خطيرة كبيرة ارتكبها وهو الآن يؤدي ثمن ذلك على خلاف المسجونين السياسيين في العالم الإسلامي وهم كلهم مظلومون ظلماً لا نظير له لكن هؤلاء المجرمون العاديون قتلة ولصوص ورب العالمين وهبهم هذه الفرصة من الخلوة من الاعتزال وقسم كبير منهم في الحقيقة تابوا إلى الله في هذه السجون أنا رأيت أماكن كبيرة معمورة في الخرطوم قالوا لي هذا فعله السجناء الذين أطلق سراحهم لأنهم حفظوا القرآن الكريم ولما حفظوا القرآن الكريم هذا يعني أنه تاب توبة نصوحة فمن يحفظ القرآن لا بد أن يكون جاد في توبته فبدأوا يعملون فعملوا مشاريع وعملوا مزارع وعملوا منشآت هنا في هذه الدولة المباركة رأينا في دبي مجموعة من السجناء أطلق سراحهم وهم في غاية الصلاح هذا شيء وهناك مع الأسف الشديد هناك أشخاص يزدادون إجراماً وعناداً هذا من توفيق الله عز وجل أو من مكره بالناس. هناك من الخلوة أو العزلة مرض نفسي شعور بالعجز شعور بالنقص فيخاف من الناس هذا بحاجة إلى معالِج. أيضاً الاعتزال الطائفي وهذا هو الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لا يسلم أحد على أحد (لا تقوم الساعة حتى يكون السلام على المعرفة) طائفي هذا شيعي وهذا سني لا أحد يسلم على أحد بل الآن بدأ بعضهم يقتل بعضاً، مذهب على مذهب، حزب على حزب جماعة على جماعة هذا الاعتزال بحيث لا يكلم بعضهم البعض ولا ترى أحداً منهم هذا له جماعته وهذا له جماعته يدخلون المسجد وكأنهم غرباء وكلٌ منهم هالك فليسمعني من يسمعني لا تغتروا بالله لا تنفع صلاة ولا صيام (اثنان لا ترتفع صلاتهما فوق رأسيهما شبراً أخوان متصارمان) أخوان كلاهما يشهدان أن لا إله إلا الله محمد رسول الله وإن كانت في ليلة القدر ولا في ليلة النصف من شعبان ولا في عرفة ولا في أي مكان فلا تتعب نفسك هذه الكراهية كما قال صلى الله عليه وسلم (دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء والبغضاء هي الحالقة) حينئذٍ هذه البغضاء الضاربة بأطنابها الآن والتي أطلت علينا من أربع سنوات تحمل السلاح كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (حتى يقتل الرجل أخاه وجاره وابن عمه) هذا الذي يحصل في العراق الآن حينئذٍ هذا لا تنفع معه صلاة ولا صوم. هذه العزلة الرهيبة الطائفية والمذهبية والفكرية والحزبية كل شخص من حزب وكلاهما في هدف واحد يقتتلون على الدنيا وعلى مغانم وعلى حقد طائفي وحقد مذهبي وقد أصبحت هذه موجة العصر الآن فإذا دخلت فيها فقد هلكت ولا تأمل بمغفرة يوم القيامة لأن النصوص في هذا واضحة وضوح الشمس فالإسلام ليس فقط بين المسلمين ومن الانعزال أيضاً اختلاف الدين مسيحي يهودي نصراني الإسلام قضى على هذا فكيف لا يقضي على طائفية وحزبية؟! (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ﴿62﴾ البقرة) ( لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴿285﴾ البقرة) ( قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿136﴾ البقرة) أزال الفروق ولهذا المسلم الإنسان الوحيد في العالم الذي ليس لديه مشكلة مع يهودي أو نصراني أو بوذي أو أي إنسان يمشي على وجه الأرض المسلم ليس لديه مشكلة فالإسلام حل مشكلة الاعتزال بين الأديان حلاً إجبارياً ولهذا ثلثا أسماء المسلمون أسماء يهودية ونصرانية داود وعيسى وموسى ويعقوب وإسحاق ويوسف كلها أسماء من بني إسرائيل ولا تستطيع أن تجد واحد مسيحي من المليارات أو يهودي اسمه محمد أو أحمد لن تجد ورغم هذا نحن الذين نتهم بالإرهاب والتشدد ما هذا الخبل؟ وحينئذٍ هذا الدين الذي قضى على الكراهية بين الأديان ولم يعد للمسلم كراهية لمخلوقٍ على وجه الأرض هذا لا يستطيع أن يقضي على الفتنة والكراهية التي بين المسلمين؟! ولهذا المسلم الذي في قلبه غل ٍلمسلم لن يدخل الجنة ولن يغفر له وكان دعاؤهم (وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا﴿10﴾ الحشر) و (إذا لعن آخر هذه الأمة أوّلها فقد تودّع منها) إذاً أنت تكره الصحابة وتكره التابعيين وتكره الشافعية والحنفية والمالكية والشيعة والسنة وتقتل الجميع، ما هي سياستك؟ وهابي أو سلفي أنت الشيعي الذي لا ندري من أين أتيت؟ كل المسلمين بالنسبة لك من عند بني أمية والعباسيين والصحابة كلهم كفار وتعالوا واقتلوهم وسيادتك أنت الوحيد الذي تعرف الحقيقة وأنت الخارجي الذي أتيت من الخارج أربعة خمسة قتلوا الصحابة وقتلوا عثمان وقتلوا علي لم يتركوا أحداً وكل هؤلاء في النار وأنت الوحيد الذي في الجنة هل ترى العمى؟ هل ترى مكر الله كيف يحدث؟ ولهذا من عوفي فليحمد الله. شخص يعتقد أن الصحابة كفار الذي قال الله تعالى عنهم (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ (119) المائدة) والخلفاء الراشدين كلهم النبي صلى الله عليه وسلم قال (عليكم بسنة الخلفاء الراشدين من بعدي) جميع المذاهب، جميع العلماء، جميع العصر الأموي، جميع العصر العباسي، جميع العصر العثماني، جميع العصر الحاضر كلهم في النار فقط سيادته هو في الجنة أيُّ حمار هذا؟ وأي شيطان هذا؟ وبالنسبة للفقه الإسلامي الفقهاء مالك والشافعي وأحمد ضرب بهذه المذاهب كلها عرض الحائط ولم يعد هناك فقيهاً معتبراً ولا معتمداً ولهذا هذه الآية (قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ ﴿17﴾ الحجرات) فما الذي يجعلك لست واحداً من هؤلاء؟ أنت! والله هناك من هو أذكى منك وأعلم منك وأكثر علماً وعمقاً وخبرة وسناً يقتل المسلمين ذبحاً، بالدريل، بقطع الرأس، يدخل إلى السوق وينسف كل من فيه، أناس خرجوا فرحين بانتصار فريقهم في كرة القدم تفجر فيهم سيارة تقتل سبعين شخصاً بدمٍ بارد فيهم نساء وأطفال ورجال وصغار؟! سوق الناس تذهب لشراء الخبز فهم لا يجدون ما يأكلون تفجر فيهم وتقتل 100 شخص وأنت تقول الله أكبر! من هذا أخي أقسم بالله إذا عصمك الله من ذلك اعلم أن الله سينجيك يوم القيامة. والغريب أن هذا الذي يجري فيه أناس تعجب كيف انزلق إلى هذا؟ لما تبحث عنه وأنا أفعل هذا دائماً في محيطنا هناك في العراق تجد أنه عاق لوالديه أو لأحدهما عقوقاً لا يستهان به فرب العالمين مع كونه يصلي ويصوم ومطلق لحيته جعله رب العالمين ينزلق في هذه التيارات حتى يقتل المسلمين بهذه الطريقة، هذا مكر الله (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿21﴾ السجدة). إذاً فالإسلام قضى على الكراهية بين الأديان أنا ليس لدي أي مشكلة لا مع يهودي ولا مع نصراني والله ولا ذرّة هو الذي لديه مشكلة معي أنا أقول على سيدنا عيسى وسيدنا موسى عليه السلام وهو يقول محمد دجال! وأجمل الخلوة الخلوة مع الله يخلو الحبيب مع حبيبه وخاصة في الثلث الأخير من الليل وهذه من الخلوات التي لها موقفٌ يوم القيامة (صلوا من الليل ولو ركعة صلوا من الليل ولو بقدر فواق ناقة) وهي من علامات الإيمان وعلامات المحبة ويوم القيامة ينادى منادي أول ما ينادى: (أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟) ويدخلون دون حساب ويساق الباقي للحساب ولهذا إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴿6﴾ المزمل) وما من عزلة أعظم من أن تعتزل الدنيا كلها في الثلث الأخير من الليل وتقول له يا رب، تناجيه والله لو طلبت منه كل الدنيا وكل الآخرة لن يقول لك لا هو ينتظرك باسطاً يديه (أما من تائب فأغفر له أما من مستغفر فاغفر له أما من سائل فأعطيه). إذاً رب العالمين سبحانه وتعالى أعطانا ميزان لا يخطئ إذا أردت أن تعرف أين مقامك في الجنة إبحث في نفسك كم فيك من نسبة الكراهية؟ على قدر هذه النسبة يكون موقفك تقدماً أو تأخراً (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) لأن هذا الدين استطاع أن ينزع الكراهية من قلبك لكل الأديان ولكل الطوائف ولكل الناس وحينئذٍ إذا كنت كارهاً فاعلم أن الله يكرهك.
سؤال من إحدى المشاهدات: هل اعتزال الناس سيعاقبني عليه الله لأنني عندما اختلط بهم لا أحب ما أسمعه من غيبة فأعتزلهم؟ الإجابة: واضح أنك تعانين كما نعاني نحن مما يجري في العالم اليوم ولكن نحن ليس لدينا الخيار أن نعتزل وإلا والله ما أحلاها الآن شخص يأخذ بيتاً صغيراً ولو فيه غرفة واحدة تقر عيني، لكن هذا لا يجوز يقول عليه الصلاة والسلام (الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم) الناس هؤلاء مسؤولية (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴿72﴾ الأحزاب) مسؤولية التكليف هذا الذي يسكر ويقتل وينهب ويسرق أنت مسؤولة عنه وأنا وحديث السفينة مشهور (لو أخذوا على يديه لنجا ونجوا) وحينئذٍ أنت قد تعتزلين وتخلصين وتتركين الجمل بما حمل لكن ليس هذا هو الحل في الإسلام. أُدخلي مع الناس واذهبي إلى المجرمين والمذنبين يا ابن الحلال اتق الله والله أنت طيب وأنت كذا يفعل الناس كثيراً هذا ويا من صلح ألاف الناس أما أن تهربي فهذا هروب لا أنصحك بذلك وكلنا نعاني من هذا الذي يجري في العالم ولكن اخترقي إفترضي أن كل هؤلاء الناس أولادك، بالكلام الطيب حتماً ستعودين بواحد أو اثنان من ألف واحد ربما يهتدي اثنان تقولين له يا ابن الحلال كيف تعمل كذا؟ كيف تقتل أخوك المسلم؟كيف؟ كيف؟ لابد أن واحد سيهتدي وحينئذٍ لو اهتدى واحد لكان خيرٌ لك من الدنيا وما فيها.
سؤال من إحدى المشاهدات: كلمة العكوف (فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ (138) الأعراف) هل ممكن أن تكون من المنظومة؟ الإجابة: العاكفين الذين لا يختلون وإنما يبقون في المسجد. الاعتكاف أن تبقي في المسجد ولا تخرجين ولكن معك المئات فالاعتكاف عبادة. عبادة تعني أن تبقي أسبوع أسبوعين شهر يوم ساعة حسب النية عكس التبتل المسيحي التبتل الرهبانية كما قلنا والرهبانية كل شخص لوحده لا يراه أحد والإسلام ليس فيه من هذا القبيل لكن فيه اعتكاف.
إذاً هكذا هي صفات الناس القادمين يوم القيامة لكي يتملكوا الأرض هناك (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) الزمر) حينئذٍ إذا جئت الله وقلبك سليم ولم تكن معتزلاً اعتزالاً مذموماً إنما عليك أن تكون مع الناس وتصبر على أذاهم وتخالطهم وتزور السجناء والمرضى ومن أسباب الاعتزال القسري كبر السن ولهذا رب العالمين قضى على هذا قضاءً مبرماً الأبوين مهما كبر عندك أحدهما أو كلاهما والأسرة أعمامك أخوالك فكبار السن عندنا الوحيدين الذين لا نأخذهم إلى الملاجئ ولكن يبقون عندنا معززين مكرمين الكل يزورهم ويؤنسهم بل نأنس بهم.
سؤال من إحدى المشاهدات: قال تعالى (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴿33﴾ المائدة) هل كلمة النفي من المنظومة؟ الإجابة: النفي المنفي هو المطرود لكن فعلاً جاءت كلمة أخرى المنفي والفرق بين المطرود والنفي المطرود قد يكون شخصاً واحداً لقضية شخصية والنفي يكون لقضية سياسية تقوم بها الدولة ونضيف كلمة المنفي على المنظومة. وورد في الحد عند أبي حنيفة ينفى سنة حتى الزاني غير المحصن يغرب تغريبه عام. وهذه الآية عن قطاع الطرق سابقاً في الصحراء شخص يذهب من الإسكندرية إلى القاهرة لم يكن هناك سيارات أو شوارع يأتي شخص ويسرقه فرب العالمين أمر أن يفعل به كذا ويقطع أما الآن فداخل المدينة الآن في بغداد داخل المدينة تقطع الأوصال وتسرق الأموال وتسبى النساء وتفجر الحافلات داخل المدينة وقطع الطريق لم يعد من شرطه أن يكون في الطرق العامة. في داخل المدينة الآن ينبغي أن تسلط هذه العقوبة على هؤلاء الناس الذين يفجرون السيارات ويأخذون الناس من الشوارع إلى السجون يخرقون أعينهم ويرمونهم على المزابل وهؤلاء مهما فعلت بهم فهو قليل. على كل حال الكلام في هذا طويل لكن بارك الله فيك على أنك توصلت إلى هذه الكلمة بهذه السرعة فعلاً السجين والأسير والمنفي والآن يسمونها الإقامة الجبرية وأنا مررت بهذا في أيام الشيوعية في العراق نفوني إلى الناصرية ولا أعرف أحداً ومراقب من البيت إلى المطعم لا تغيير وبقيت هكذا لا أختلط بأحد ممنوع أخذوك من السجن فهذا أيضاً العزلة الإجبارية وإن كان الآن قليل ولكنه موجود وخاصة في القضايا السياسية في الدول الجمهوريات هذه البائسة الكريهة التي أشبعت الناس قتلاً وتعذيباً وضرباً وقربت الأراذل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا ساد الناس أراذلهم) هذا الذي يجري في العراق وفي غيره والسجون مليء بتقطيع الأوصال كل الجمهوريات لا تستثني ولا واحدة كلهم سياستهم تقطيع الأوصال وكلهم سينتهون نفس النهاية لكن بعد أن تخرب ديارهم بالكامل.
سؤال من أحد المشاهدين: هل النأي من منظومة الاعتزال؟ النأي ليس من المنظومة لأن النأي من البعد وتعني على التكبر والنأي عن الشيء أي بعد فهو مع منظومة البعد.
سؤال من أحد المشاهدين: هل كلمة جانب من المنظومة؟ عن جُنُب؟ قصيّ؟ عاكفين؟ الجفاء؟ تولّون؟ هذه لا تدخل وكلمة الجفاء أخذناها مع الكراهية والاعتزال قد يكون بدون جفاء.
هكذا هي منظومة الاعتزال ونحن في هذا العصر برغم الجروح التي تنزف ليس من حق المسلم ولا يليق به أن ينهزم ولا أن يعتزل وإنما يدخل إلى خضم بالكلمة الطيبة والمثل الطيب فهذا فريق كرة قدم بسيط لم يُدرَّب وليس له وطن جاء كل شخص منهم من مدينة متبرعين فاز ببطولة عالمية هذه البطولة وحّدت العالم وحّدت العراق وحدت الشيعة والسنة والأكراد وحّدت الطيبين منهم أما الأشرار لا إن شاء الله لا يوحدون وسيذهبون إلى مزابل التاريخ. بلعبة كرة إذاً هؤلاء اللاعبين المحترمين لو أنهم اعتزلوا ما كان صار هذا المجد وجزى الله دبي وشيخ دبي على هذه المكرمة العظيمة التي فعلها والتي أسعدت العراقيين بعد أربع سنوات من النكد ومن العذاب. إذاً هكذا هي الدنيا الاعتزال لا ينبغي وإنما عليك أن تكون مع الناس.
رمضان شهر من شهور الوحدة بين المسلمين كالحج وحينئذٍ في هذه الدولة رمضان يُطلق السجناء من كان حسن السلوك منهم من حفظ القرآن وعندهم أيضاً هذه المجالس الرمضانية التي تلم الناس فالعزلة هنا غير موجودة. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم -ونحن في رجب- قال (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان) إن شاء الله ولنا في بعض الصحابة رضي الله عنهم القدوة الحسنة سعد بن أبي وقاص الذي اعتزل الفتنة وعندما سئل عن ذلك قال (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يحب المؤمن الغني التقي الخفي) والخفي الذي لا يظهر عطاءه أما أن يكون مع الناس فيجب أن يكون مع الناس زيارة المؤمن عبادة (المتزاورين فيّ) (المتحابين فيّ) لقد زرت فلان وعدت المريض لكن خفي أنك لا تظهر هذا، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر (تعيش وحيداً وتموت وحيداً وتبعث وحيداً).
بُثّت الحلقة بتاريخ 3/8/2007م وطبعتها الأخت نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها