أطاع – نسك– عَبَد – تبتل – أسلم – أناب – أخبت
كلمتنا لهذا الباب النُسُك. نحن الآن في حرف النون وما بقيت لنا في هذا البرنامج إلا كلمات معدودة قد لا تتجاوز العشر كلمات حيث ننتهي من هذا البرنامج الذي وصلنا فيه إلى ما يقرب من 400 حلقة أتينا في هذه الحلقات على كل كلمات القرآن وأثبتنا بالدليل القاطع أنه ليس في القرآن مترادف على خلاف ما شاع وتعارف عليه المفسرون في كل أدوار التاريخ. كلمة نسك والنسك نوع من أنواع الطاعة، إذاً فهي منظومة الطاعة. عندنا أطاع ونسك وعبد وتبتل وأسلم وأناب وأخبت هذه الكلمات التي تدل على أن هذا العبد يطيع الله عز وجل والطاعة أنواع. كل طاعة فيها زيادة على طاعة أخرى لها في كتاب الله عز وجل كلمة.
الطاعة: كلمة الطاعة أولاً تنفيذ الأمر اختياراً لا إجباراً إن كان إجبار فهو إكراه (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (256) البقرة) حينئذٍ الطاعة أن تنفذ الأوامر التي صدرت من الله ورسوله تنفذها اختياراً وهذه هي التي جعلت الإنسان في عباداته أفضل العابدين من كل الكون. وحينئذٍ المطيع من البشر أفضل عند الله من المطيع في الملائكة لأن الملائكة لا يملكون إلا أن يطيعوا لا يستطيعون أن يعصوا (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ (6) التحريم) مبرمجون على الطاعة. من أجل هذا الإنسان يستطيع أن يعصي ويستطيع أن يطيع فلما أطاع فهو أطاع الله حباً وطواعية وهيبة وجلالاً وحينئذٍ هذا أفضل المخلوقات (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ (18) الحج) ليس كلهم إذاً هو الإنسان المختار المخلوق المختار الذي إن شاء عصى وإن شاء طاع ولكنه عندما يطيع يطيع حباً وكرامة. فالطاعة إذاً هي أن تنفذ الأوامر اختياراً منك وأنت تستطيع أن تفعل العكس. هذه الطاعة عكسها الإكراه أو الإجبار يعني هذا النقاش الدائر هل الإنسان مخير أم مسير؟ مجبر أو الخ؟ هذه الطاعة.
عبد: كلمة عبد العبادة الطاعة مع الخضوع والتذلل. كلنا نطيع الله عز وجل ربما أحد الناس يطيع الله لكنه يرى نفسه أفضل من الغير وأنه الأفضل وعندما يصلي كأنه يحمِّل الله منية وكأنه يقوم بفضل وكما يحصل من بعض الناس فالذين يطيعون أوامر الملوك منهم من يطيع الملك حباً فيه وتذللاً له يتذلل له لأنه يعرف أن هذا الملك يستحق ذلك لشدة إنعامه عليه. وهناك آخر يطيع الملك لكن بجبروت، إذا كان يطيع ملك الملوك وهو رب العالمين فهو العبد ونعرف أن العبد هو الذي يطيع سيّده إذاً عندما أطيع الله أنفذ أوامره باختيار، كيف أنفذها ؟ بجبروت؟ بدلال؟ بتيه؟ بأنني أظن أنني صالح وجيد؟ هذا محبط العمل وحينئذٍ إذا كنت تتذلل لله عز وجل وكلما فعلت وكلما ترقيت في العبادة ترى نفسك مقصراً فأنت حينئذٍ عبد. وكلمة العبودية أعظم أنواع القرب من الله عز وجل (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ (1) الإسراء) لم يقل برسوله ولا بنبيه ولا بحبيبه بل بعبده (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴿30﴾ ص) أعظم مقام مع الله عز وجل هو مقام العبودية. حينئذٍ العبد إذاً هو المطيع الذي يطيع بتذلل وكل شيء يفعله يراه قليل كما قال تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا (60) المؤمنون) يعني يقوم بعبادات عظيمة (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴿60﴾ المؤمنون) إذاً معنى ذلك عندما نقول هذا عبدٌ أو عبد الله غير أطاع الله أطاع الله قام يصلي الله قال (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴿43﴾ البقرة) قام وصلى نفذ الأمر اختياراً لكن أن ينفذ الأمر وهو في الصلاة خاشع وذليل مع الله عز وجل في غاية التواضع مع الله عز وجل هذا عَبَد الله. ولذلك عندنا عبد يعبد عبودة وعبد يعبد عبودية، فعبد يعبد عبودة أن ترضى بفعل الرب كل شيء رب العالمين يعمله فيك أنت راضيٍ رضىً كاملاً هذا عبد يعبد عبودة أما عبد يعبد عبودية أنت تفعل ما يرضي الرب أن تجتهد جداً أن تفعل ما يرضي الرب الأولى أن ترضى بفعل الرب هذا التسليم من الإسلام. إذاً من العبودية إذا كان مصدرها عبودة، عبد يعبد عبودة أن ترضى بفعل الرب (أنا راضٍ عن ربي) كما قال سيدنا أبو بكر الصديق كما قال رب العالمين لأبي بكر (أنا راضٍ عن عبدي فهل عبدي راضٍ عني) كما قال عروة بن الزبير عندما ابتلي ابتلاءات عظيمة قال (وعزتك وجلالك لو قطعتني إرباً إرباً ما شكوت منك) هذه عبد يعبد عبودة يرضى بكل ما يفعله الله فيه إذا هو يفعل كل ما يرضي الله فهي العبودية هكذا (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) الفاتحة) (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴿138﴾ البقرة ) (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا ﴿172﴾ النساء) هذا عبد والفرق بين أطاع وعبد أن الطاعة تنفيذ الأمر اختياراً وعبد أضف إليها التذلل واستصغار عملك وترضى بكل ما يفعله الله فيك وأنت تفعل كل ما يرضي الله هذا عَبَد.
نسك: كلمة نسك أيضاً تعني الطاعة والفرق بين كلمة نسك وغيرها أن النسك طاعة مرتبطة إما بمكانٍ أو بدم. إذا كان عندك عبادة معينة لا تصح إلا في مكان معين السعي لا يكون إلا بين الصفا والمروة (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا (158) البقرة) وهذه لا تحدث إلا بالحج فالسعي لا قيمة له إلا بحجٍ أو عمرة لو أن فقط تتمشى فيه ليس له قيمة لأنه مرتبط بهذا المكان. أو الطواف حول الكعبة (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴿29﴾ الحج) وليس في البيت العتيق لأن في البيت حتى الحمام يطوف كثير من الناس تتمشى وتطوف في البيت لكنه قال (بِالْبَيْتِ) بالباء أي حول البيت هذا نسك لأنه مرتبط بهذا المكان ما يصح في مكان آخر فما دامت هذه العبادة مرتبطة بمكان معين فهي نسك كصلاة يوم الجمعة لا تصح إلا في المسجد ولا تصح في البيت يجب أن تكون في المسجد إلا من عذرٍ هذه نسك أو دم فالضحية نسك، الفداء نسك، الهدي نسك، كل دمٍ تفجره على عبادة معينة فهذا أيضاً هو نوع من أنواع النسك. إذاً الفرق بين الطاعة والعباد والنسك على نحو ما ذكرناه الطاعة تنفيذ الأمر اختياراً والعبادة بتذلل والنسك في مكانٍ مخصوص كعرفة ومزدلفة والمنسَك هو المكان (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ (67) الحج).
التبتل: (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا ﴿8﴾ المزمل) الطاعة ولكن مع الانقطاع لله عز وجل عن كل مشاغل الدنيا فإذا ذهب يصلي كأنه لا يعرف أحداً. عندما يعبد الله عندما يطيع الله في عملٍ من أعمال العبادة ينقطع عن كل من حوله وهذا رأينا بعض الناس يقال عنهم في التاريخ كان إذا صلى يقف عليه الحمام لشدة خشوعه وسكونه يظن أنه عامود. وعروة بن الزبير قطعت يده كانت له آكلة أي سرطان في يده وأرادوا قطعها قال إذا دخلتُ في الصلاة في الركعة الثانية اقطعوها لأنه ما شعر بها لشدة استغراقه إلى الله عز وجل. ويقال عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه إذا صلى يرتجف وإذا سألوه ماذا يجري؟ يقول أتعلمون أنا أكلم من؟ والخ من بعض العباد المتبتلين. فالتبتل هو الطاعة ولكن بانقطاع إلى الله عز وجل فهذا هو التبتل.
أسلم: كلمة الإسلام نحن قلنا أن القرآن فيه مشترك وليس فيه مترادف هناك إسلام دون الإيمان أي بدايات لا إله إلا الله والذي أتى في قوله (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴿14﴾ الحجرات) وهناك إسلام طاعة مع التفويض إلى الله عز وجل تفويضاً كاملاً في كل أمورك كما قال تعالى لسيدنا إبراهيم (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿131﴾ البقرة) (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴿112﴾ البقرة) (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴿83﴾ آل عمران) هذا الانقياد المطلق إنقياد كامل بلا اعتراض على أي شيء هذا طاعة مع الانقياد الكامل.
أناب: كلمة الإنابة (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ﴿27﴾ الرعد) الإنابة الطاعة بالإلتجاء إلى الله عند الحاجة. إذا كنت تطيع الله عز وجل بأن تلتجئ إليه عندما تكون لك حاجة ولا تطلب حاجتك من أحد غير الله عز وجل فأنت منيب كما قال صلى الله عليه وسلم “إذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله”. حينئذٍ هذه الإنابة إذا كنت ممن يُسند حاجاته إلى الله عز وجل بشكل قاطع مع ثقته بكرم الله وبقدرة الله فهذا هو المنيب (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ﴿75﴾ هود) ولهذا سيدنا إبراهيم عندما ألقوا به في النار العظيمة طبعاً لشدة النار لم يكن من الممكن أن يأخذونه ويلقونه فيها فقاموا ببناء منجنيق ووضعوه فيه وألقوه من بعيد في النار وهو في الطريق إلى النار كقذيفة الهاون جاء جبريل وقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ قال:أما إليك فلا وأما إليه فهو أعلم بحالي، هذا منيب (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ). وليس إبراهيم فقط هناك من عباد الله الصالحين ربما رأينا من في حياتنا الطويلة واحد أو اثنين فعلاً لا يمكن أن ينزل حاجته مهما عظمت إلا بالله عز وجل ولا يخطر بباله أن غير الله يمكن أن يُسأل أو يستحق أن يُسأل حتى لا يسأل أحد إذا وقع سوطه في الأرض أن يناوله إياه، هذا منيب. هذه الإنابة فهي طاعة مع الإلتجاء إلى الله عز وجل عند الحاجة.
آب: كلمة أواب (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ﴿25﴾ الإسراء) الأواب أعم من التائب فالتائب ارتكب ذنب ثم استغفر الله أما الأواب فهو الذي يستغفر الله طيلة النهار (يَا جِبَالُ أَوِّبِي﴿10﴾ سبأ) التأويب هو حركة النهار باتجاه الليل من أول النهار إلى آخره كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل في المجلس الواحد يستغفر الله سبعين ثلاثين مرة سبعين مرة مائة مرة “إنه ليغان على قلبي فاستغفر الله باليوم والليلة كذا كذا الخ” فمن يكون كثير الطاعة لله والاستغفار والرجوع والتوبة تشغله طيلة النهار فهذا يسمى أوّاب من حيث أنه يؤوب إلى الله عز وجل. الأواب إذاً الذي يطيع الله عز وجل مع كونه يستغفر الله ويتوب إليه طيلة النهار ماشي رايح اللهم اغفر لي اللهم اغفر لي اللهم اغفر لي هذا يسمى أواب (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) كثير التوبة.
الإخبات: (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴿34﴾ الحج) (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿23﴾ هود) الإخبات طاعة مع اطمئنان كامل إلى ما كل ما عندك، ماذا يعني هذا؟ كلنا وأنا واحد من الناس أحياناً تصادفني آية أو حديث فأتساءل في أمرها لماذا وكيف؟ وأنا لم أفهمها الخ لكنني اسلم بعد ذلك الأمر إلى الله لكن هنالك أناس مطمئنين اطمئنان كامل لا تحدثه نفسه بمثل هذا أبداً ما دام قال رسول الله خلاص، قال الله تعالى خلاص، إذا صح الحديث، إذا قرأ الآية تطمئن نفسه لا يناقش ولا يعترض ولا يوسوس له الشيطان فيه اطمئنان إلى هذا الذي يفعله. فهناك من يطيع الله وفيه قليل من الشك وقد جاء بعض الصحابة يشكون إلى الرسول هذا الأمر فمسح الرسول صلى الله عليه وسلم على صدره وعلى قلبه فاطمئن الخ كلنا قد تأتينا مثل هذه الأفكار أنت تطيع ولكنك لم تفهم الموضوع لماذا؟ وأحياناً نعترض وهذا من النفس ومن الشيطان فهذه وظيفته فالمخبت هو الذي لا يمكن أن يخطر بباله أن يعترض لا في قلبه، لا في حديث نفسه، لا في عقله الباطن ما دام قال الله تعالى فهو مخبت فهو مطمئن فلما سيدنا أبو بكر الصديق جاء النبي صلى الله عليه وسلم وحكى عن الإسراء والمعراج وطبعاً المشركين طبلوا وزمروا وصفروا ومسلمين أو ثلاثة أو أربعة غير مصدقين كلامه وأنه كيف ذهب إلى السموات وعاد وفراشه لا يزال دافئ وكذا الخ وطبعاً شكوا وقالوا ما هذا الكلام هذا كلام كبير وقسم منهم ارتدوا ونادوا أبا بكر الصديق يسألونه عن حقيقة ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروه عن الإسراء والمعراج قال: أقال هذا هو؟ قالوا: نعم قال: إذاً صدق، هذا مخبت فلما سألوه كيف؟ قال: أنا أصدقه عندما يقول أن الوحي يأتيه من السماء إلى الأرض فما الفرق أن يذهب هو إلى السماء ؟ فهذا المخبِت الذي يطمئن اطمئنان في الطاعة يطيع الله وهو واثق. نحن دائماً نقول هذا كذا وهذا كذا ولماذا هذا كذا؟ والخ والآن مذاهب وطوائف هذا يكفر هذا وهذا يفسق هذا وهذه بدعة فوضى عارمة هؤلاء ليسوا مخبتين المخبت هو المطمئن إلى أن هذا هو الصواب مادام صح الحديث ومادام قال الله تعالى.
سؤال من إحدى المشاهدات بالنسبة لقيام الليل ويتضرع في الصلاة ويخشع في الصلاة لكن تأتيه وساوس أن صلاته غير مقبولة فكيف يتخلص من هذه الوساوس؟ الإجابة: أولاً لا تقلقي هذا أمر يصيب الجميع ولا يخل بالإيمان إن شاء الله ما دمنا نشعر به قسرياً وليس بالاختيار ثانياً هذه وظيفة إبليس (يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ﴿5﴾ الناس) هذه وظيفته ومن الناس من هو مخبت ومطمئن بحيث لا يمكن لإبليس أن يقترب منه وهذا كم واحد الله قال (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) كم واحد حينئذٍ هذا الذي تشعرين به هذا علامة من علامات إن شاء الله تحسن الإيمان والصحابة الكرام وجدوا بعض هذا فشكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله إن أحدنا تأتيه بعض الهواجس يودُّ لو كان فحمة قال: أوجدتم ذلك؟ قالوا: نعم قال: ذاك صراح الإيمان بدأ إيمانكم يتجوهر فإبليس بدأ يكثف الوساوس فلا تخافي.
إذاً هكذا هي منظومة الطاعة، الطاعة تنفيذ الأمر اختياراً، العبادة طاعة مع التذلل والتواضع، النسك طاعة مرتبطة بمكان أو دم، التبتل طاعة مع انقطاع وخشوع، الإسلام طاعة مع انقيادٍ لقضاء الله وقدره، الإنابة طاعة بالإلتجاء إلى الله في كل الحاجات، الأوبة (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) طاعة طيلة النهار أي مستمر الطاعة ومستمر الرجوع إلى الله عز وجل، الإخبات طاعة مع الاطمئنان هذا الموقن هذا اليقين هذا عين اليقين وعلم اليقين وحق اليقين اطمئنان كامل هذا هو الإخبات. هذه على حد علمي منظومة الطاعة ونأمل أيضاً ممن يسمعوننا كالعادة أن يضيفوا إلينا بعض الكلمات وكثيراً ما تصبح كلمات جيدة مثل أحد الفضليات أضافت إلى منظومة المسح إزالة الآثار كلمة كنس (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ﴿15﴾ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ﴿16﴾ التكوير) فكنس أزال آثار الفضلات فكانت كلمة جيدة وهكذا على كل حال إلى حد علمي هذه منظومة الطاعة.
نتكلم إذاً عن المناسك والمناسك في كتاب الله عز وجل تتكلم عن العبادات المرتبطة بأماكن الحج (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴿200﴾ البقرة) وكما قال سيدنا إبراهيم (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا﴿128﴾ البقرة) علمنا كيف نعبدك عند الطواف والحجر والسعي بين الصفا والمروة الخ. هكذا هي المناسك طبعاً الحج وقفة هائلة للمسلم من حيث أنه واحدة من أبرز الأسباب أو الأدوات التي نفذ الله بها إرادته وهي الإرادة الثالثة حيث أن الإرادة الأولى (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴿28﴾ النساء) هذا التخفيف كيف خفف عنكم كيف أداء العبادات كان سهلاً وهناك إرادة التيسير (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴿185﴾ البقرة) هذا كمّ وهناك إرادة للتوبة (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴿27﴾ النساء) وكما قلنا أن الإرادة لها وجه واحد (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴿107﴾ هود) على خلاف المشيئة (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ﴿39﴾ الرعد) فكيف نفذ الله عز وجل هذه الإرادة بالتوبة؟
اتصال من احدى المشاهدات اضافت كلمة قانت الى المنظومة. القنوت طول الوقوف وهو نوع من أنواع العبادة فالقنوت واحدة من العبادات ومع هذا فهي كلمة مشتركة وربما تدخل مع العبادة والطاعة.
أسباب كثيرة (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) يقول صلى الله عليه وسلم “ومنكم من يعمل بعمل أهل النار حتى لا يبقى بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب” الكتاب هو علم الله عز وجل رب العالمين يعلم أن فلان سيطيع ثم يرتد وفلان كافر ثم يؤمن وقد كتب هذا فأنت عندما تتعين يقال صدر كتاب التعيين. وحينئذٍ كلمة كتاب لها في القرآن الكريم باب عظيم وتحدثنا عنه سابقاً في حرف الكاف كلمة كتاب هذه وحدها موضع كامل من الكتب القيمة (رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً ﴿2﴾ فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ﴿3﴾ البينة) من الكتب القيمة في القرآن الكريم كتاب الكتاب ما معنى الكتاب في القرآن الكريم؟ أعجوبة كما تحدثنا عنه حينئذٍ رب العالمين عز وجل جعل لنا من الأسباب التي ننفذ فيها إرادته وهي كثيرة مثل صوم رمضان، الاستغفار، ما تكرهه نفسك سلباً وإيجاباً، سلباً كالمصائب والعوق والمرض وإيجاباً كالعبادات الشاقة كالجهاد وصلاة الليل وصوم يوم حار والوضوء على السبرات وما إلى ذلك كثيرة من ضمنها أن يستغفر لك أخوك بظهر الغيب من أقوى أسباب الاستجابة مسلم يستغفر لأخيه المسلم بظهر الغيب. حينئذٍ كثيرة جداً من ضمنها هذه الوقفة العظيمة في الحج فرب العالمين عندما شرع الحج وشرع عرفة ويباهي الله الملائكة بالحجاج وقال (أشهدكم أني قد غفرت لهم) فالحج إذاً وهو صاحب المناسك العظمى كما قال تعالى (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ) يعني أماكن فيها عبادات معينة أو دم يذبح في مكانٍ معين هذه المناسك من حيث تخصيصها وإلا هي كل عبادة هي نسك من أجل هذا نعود ونتكلم عن شيء من الحج فالحج من رحمة الله عز وجل كما في الحديث (لا يدخل النار إلا شقي) دينٌ شرّع لك هذا النسك هذه الفريضة وبالتالي رب العالمين عز وجل جعل الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة وكونه مبروراً سهل سألوا الرسول صلى الله عليه سلم: ما بِرُّ الحج؟ قال: “طيب الكلام وإطعام الطعام” فأنت عندما تذهب هناك في الحج حاول ما تتكلم بكلام مؤذي لأحد من الحجاج مرحباً وسلام عليكم حتى إذا ضربك ويحدث اعتداءات قل له الله يسامحك على مهلك جزاك الله خير غفر الله لي ولك إذا استطعت أن تبقى في هذه الأيام المعدودة من يوم وصولك طواف القدوم إلى طواف الوداع ثلاثة أربعة أيام ضبطت لسانك ما قلت إلا طيباً ثم إذا رأيت شخصاً فقيراً جوعاناً تعطيه إطعام الطعام أنت تعود من حجك كيوم ولدتك أمك. وفضائل الحاج أذكر لكم بعض فضائل الحاج التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم أولاً من أهل الجنة قال صلى الله عليه وسلم “الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة”. ثانياً يباهي الله بكم الملائكة كما تعرف في عرفة يقول عز وجل “انظروا إلى عبادي جاءوني شعثاً غبراً أشهدكم أني قد غفرت لهم”. ومن كرامة الحاج أن الله يغفر له ولمن استغفر له الحاج ولهذا يسن لكل واحد أن يقول لمن أتى من الحج أن يستغفر له يبقى هذا الحاج مستجاب الدعوة في الاستغفار لستة أشهر كلما يقول يا رب اغفر لنجيب، اغفر لأحمد الكبيسي، اغفر لفلان رب العالمين يستجيب ويغفر لك أيّ كرامةٍ كرامة هذا الذي يؤدي هذه الفريضة من حيث أنها فريضة شرعها الله عز وجل ليحقق بها إرادته عندما قال (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ). وأيضاً من فضائله يشفع في حديث يشفع لأربعمائة، حديث لسبعمائة، حديث لكل أهله وحينئذٍ يا سيدي حتى لو أربعة ونحن كلنا لو نتفكر نحن كلنا لما نستعرض أهلينا نجد واحد أو بالكثير اثنان لا يصلي أو شارب خمر أو دخل بهذه الأحزاب التي تخل بالعقيدة فما أكثرها الآن فتصور غير معقول أن أنت لديك أربعمائة شخص من أهلك يدخلون جهنم! ما هؤلاء وثنيين؟؟ فقط واحد اثنين ثلاثة فالحديث من بين أربعمائة وبين سبعمائة يا سيدي حتى لو أربعة وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا على الله ليس بكثير لكن شاهدنا كم هي كرامته عظيمة.
سؤال: في حديث قدسي مشهور “أنا عند المنكسرة قلوبهم لأجلي” قال أحد الصالحين فإن الله تعالى لا يكون عندك حتى تنكسر جملة هواك وإرادتك وحتى لا يقبل باطنك شيئاً غير إرادة الله تعالى وعند ذلك يضاف إليك التكوين وتخرق لك العادات فسيدي هل ممكن أن يضاف التكوين إلى إنسان بشري أي بمجرد أن يقول لشيء كن فيكون هل ممكن ذلك؟ الإجابة: والله يا أخي رأينا هذا والله أنا رأيت هذا بعيني واحد يقول لشيء كن فيكون والنبي صلى الله عليه وسلم بشر قال “كن خيثمة قال خيثمة” وقد رأينا بأعيننا شخص فعلاً قال لشيء كن فكان “عبدي أطعني تكن مثلي تقل للشيء كن فيكون” هذا بأمر الله وهذا العبد الصالح قام بأمور عجيبة (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴿82﴾ الكهف) وسيدنا موسى تعجّب وهو من أولي العزم هكذا هم عباد الله عز وجل.
سؤال: يقول تعالى (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴿88﴾ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴿89﴾ الشعراء) فالقلب السليم كما ينفع يوم القيامة ينفعك في الدنيا فما هي العبادات والطاعات التي تساعد الإنسان على الوصول بأن يكون قلبه سليماً؟ الإجابة: بالآخرة التوحيد طبعاً أن يأتي يوم القيامة وقلبك ليس فيه ذرة من الشرك وهو كما قلنا الإخبات وطبعاً في الدنيا كما قال تعالى (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴿34﴾ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴿35﴾ فصلت) وربما كنا قبل سنوات نرى هذه القضية تحصيل حاصل الآن تعرف أنت كم سادت البغضاء إلى حد استحل مسلمون قتل المسلمين بالدريل والتفخيخ والقنابل والذبح وهو يصلي وهو شيخ عمره سبعين عاماً يعلِّم الناس وهدى الله على يديه مئات من الخلق يذبح كما يذبح الخروف والشيعي يقتل السني والسني يقتل الشيعي وكل واحد منهم يستحل دم الآخر الآن تعرف ماذا يعني قوله تعالى (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴿88﴾ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) والبغضاء هي الحالقة هذا التيار الخبيث الذي ملأ الدنيا بغضاء وصبغها باللون الأسود وحكم على كل المسلمين بأنهم مشركون وأنت تعرفهم طوائف وحرب طائفية همها إبادة المسلمين وقد سمعت اليوم الكلام الذي يقال في بعض الإذاعات والفضائيات عن حقائق ما يجري في العالم العربي مصيبة ولهذا من عوفي فليحمد الله نحن في الزمن الذي يصبح الرجل فيه مؤمناً ويمسي كافراً نعوذ بالله يبيع دينه بعَرَضٍ من الدنيا والعياذ بالله.
إذاً من فضائل الحاج كما قلنا يشفع في أربعمائة وكل نفقة ينفقها هناك في الحج بأربعين ألف ألف درهم فالدرهم بأربعين مليون درهم تصور! المضاعفات العجيبة اللقمة بأربعين مليون والدرهم بأربعين مليون كل شيء تنفقه ونحن عندنا النفقة بعشر أمثالها وبخمسة عشر وبثلاثين وبسبعين وبسبعمائة وهذه في الحج أعجوبة العجائب وكما قلنا الحاج مستجاب الدعوة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “خمسة لا تردّ دعوتهم الحاج حتى يصدُر ودعوة المظلوم حتى يُنصر والمريض حتى يبرأ والأخ لأخيه بالغيب وأسرع هؤلاء إجابة دعوة الأخ لأخيه بالغيب” تصور! أي أكثر من دعوة الحاج ودعوة المجاهد ودعوة المريض ودعوة المظلوم دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب وهذا من سلامة القلب فعلاً فما الذي يجعلك تدعو له غير سلامة قلبك فتأمل كم هي فضيلة عظيمة والآن بالملايين الحجاج لكن كم واحد سليم القلب؟ بالمليارات يصلون لكن كم واحد سليم القلب؟ بالملايين يصومون رمضان وغير رمضان كم واحد سليم القلب؟ والله فعلاً (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).
سؤال: شيخي أنا حججت مرة واحدة وأريد أن أرسل كل سنة شخصاً يحج للمرة الأولى فما الأفضل أن أحج كل سنة أو أرسل شخصاً لم يحج ليحج؟ الإجابة: لا بل أرسل فأنت لك حجة وأنت في بيتك إذا كنت قد أرسلت واحداً لم يحج من قبل فتعينه على أن يحج حج الفريضة يا الله أنت تقوم بعمل عظيم وحضاري كلنا نشتاق ونروح وكل سنة نحج وكل سنتين ووالله العظيم أجرها في مثل هذا الزمن الذي نحن فيه يكاد يكون صفراً لماذا؟ إذا كنت في بلدٍ تأخذ مكان غيرك وأنت تعرف الآن المملكة لشدة حرجها في المناسك ولشدة الزحام الشديد والحمد لله تقنن هذه الدولة لها كذا وهذه الدولة لها كذا أحياناً يكون هنالك شخص لديه نفوذ فيذهب كل سنة على حساب شخص لم يذهب ولا مرة في حياته ثق أن هذا آثم ولا حج له إلا الفريضة. فبارك الله فيك يا عبد الله على هذه الطريقة ووالله إنك مثلا لغيرك وعسى أن الذين يسمعونك الآن يقتدون بك فليس هنالك سبب للتزاحم على الحج خاصة عندما يكون هناك حرج أي هناك أعداد محددة دول كمصر كالعراق كسوريا العدد محدود ولا يزيد فتجد شخصاً لم يحج ولا مرة وآخر حج عشرين مرة وكل سنة يذهب للحج لأن لديه نفوذ فبارك الله فيك يا عبد الله على هذا العمل العجيب وهذه سُنّة طيبة.
نعود للحج “الحج يهدم ما قبله والإسلام يهدم ما قبله والهجرة تهدم ما قبلها والحاج من وفد الله عز وجل” والكلام طويل في الحج على كل حال نقول إذا أردت أن يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك فليكن حجك مبروراً حج حجة واحدة لا تزاحم أحداً واضبط نفسك لماذا؟ قليل هم الذين يكون حجهم مبرور فاللسان ضبطه صعب جداً فالحج جهاد بلا شوكة فيفقد أعصابه يسب هذا ويشتم هذا انتهى ليس هناك مغفرة عليك أن يكون حجك مبروراً اعتمدوا على الله في هذا واضبطوا ألسنتكم وكفى بالحج يوم عرفة الذي يعدل كل الأيام كليلة القدر التي تعدل كل الليالي.
بُثّت هذه الحلقة بتاريخ 16/11/2007م وطبعتها الأخت الفاضلة نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها