الحروف في القرآن الكريم, حرف النون

حرف النون – منظومة اللاشيء (نخِرة)

اسلاميات

 

منظومة  اللاشيء

البور– الجفاء – الحرض –  الدخان – الرميم – الزبد – السدى – السراب – الضغث – الغبرة – الغثاء – الهباء – الهشيم – النخرة

ما زلنا في حرف النون وكلمة هذا الباب كلمة النخرة وأخواتها في كتاب الله تعالى تضمها مجموعة اللاشيء وكما قرأتم فإن هذه المنظومة منظومة اللاشيء وممكن أن نقول منظومة سلة المهملات يعني كل هذا الكلمات مما لا يرغب فيها أحد فهي مهملة ومتروكة ولا يريدها أحد ولا قيمة لها ولا وزن لها وهكذا، فهي كلمات قرآنية تشير إلى انعدام القيمة وانعدام الوزن وانعدام الرغبة في الاقتناء. وهذه الكلمات هي البور والجُفاء والحرَض والدخان والرميم والزبد والسُدى والسراب والضِغث والغبرة والغثاء والهباء والهشيم.

النخرة: كلمة الباب من قوله تعالى (أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً ﴿11﴾ قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ﴿12﴾ النازعات) إذاً العظام النخرة هي التي لا قيمة لها ولا وزن عندنا عظام. يقال نخر وناخر النخر الذي تهاوى وأصبح ليناً بحيث إذا أمسكته بيدك تفتفت، الناخر نفس الشيء ولكن فيه بقية، فيه جزء متماسك وبقية الأجزاء. فالنخر الذي لم يعد له شيء من البقايا إذا كان فيه شيء ولو يسير من البقايا يسمى ناخر وهما قراءتان (أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً) والأصوب أو الأشيع هي قراءة ناخرة سنشرحها بعد قليل. إذاً كلمة النخرة طبعاً العظام النخرة البالية إذا لم يبقى منها شيء فهي نخرة وإذا بقي منها شيء ولو يسير يقال ناخرة ولذلك هذا الباقي اليسير فيه نوع من الثقوب تدخل فيه الريح يحدث أصواتاً والنخير هو الذي يتكلم من أنفه، من أجل هذا قيل عظام نخرة وناخرة.

البور: (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ ﴿10﴾ فاطر) معروفة الشيء البائر هو الذي لا يريده أحد سواء كان أرضاً بوراً لا تنبت بضاعة كاسدة لا ليست كاسدة فهناك فرق ونقول كاسدة عندما نقول هذه البضاعة كاسدة هذه كساد نسبي ربما يوجد هناك من يحب أن يقتني هذا الكساد وفعلاً كما يقولون لكل ساقطة لاقطة إن بعض البضائع البور الكاسدة هناك من يشتريها فهنالك أناس يشترون البضائع الكاسدة لأنها رخيصة أو لتسويقها في أماكن الأزمات وهكذا، هذا كساد. وإذا كان الكساد مطلقاً بحيث لا يرغب أحدٌ فيها ولا تجد من يحاول أن يقتنيها فهو البور. والبور هذا يُطلق على المذكر والمؤنث والمفرد والجمع امرأة بور ورجلٌ بور وقومٌ بور وفلانٌ بور إذن يطلق على كل التسميات. فرب العالمين يقول في هذا الباب الذين يمكرون بالأمم أو بالشعوب أو بالناس قد تمكر بإنسان تحاول تشويه سمعته تحاول أن تُلصق به تهماً باطلة حينئذٍ أنت تمكر به (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ) فلان كذا، تتهم أمم بالإرهاب، بالفساد، بالتعصب الخ وكل هذا كذب وحينئذٍ يوم بعد يوم هذه الدعاوى تبور ولا تكسد تبور بحيث لم يعد أحدٌ يصدّقها كما يحدث الآن في كل أجزاء العالم هنالك أناس تتراشق دول عظمى تتهم صغرى ودول متحاربة تطلق إشاعات على أعدائها تتهمها بإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان الخ يوم بعد يوم تصبح هذه مضحكة بحيث لا تجد على وجه الأرض من يصدقها حتى أصحابها الذي أطلقوها يتبرأون منها فالكساد وصل إلى حد البور أي كسادٌ مطلق (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ ) أي بذاته من غير أن تأتي قوة تفعل ذلك هو يتهاوى، كل من يمكر بالآخرين لإلصاق سيئات بهم سواء كان فرداً أو جماعةً أو حزباً أو طائفةً أو ديناً أو دولةً إذا كان كاذباً وكان مكراً لإلصاق التهم الباطلة، هذه التهم الباطلة تبور بحد ذاتها حتى لا تجد واحداً على وجه الأرض يصدِّقها فهو بور (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴿28﴾ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴿29﴾ إبراهيم) من الذي يرغب في النار؟ فالنار بضاعة بائرة وهي ليست كاسدة فلو قلنا كاسدة ربما يرغب فيها أحد لا هي بوار ليس على وجه الكرة الأرضية مخلوقٌ حي يمكن أن يرغب بها فهو بوار أي الكساد المطلق هذا البوار وهو كما ترى من اللاشيء من الذي يرضى بأرضٍ بور أو بامرأة بائرة امرأة زانية ساقطة لا يرغب أحد في الزواج منها بائرة لسلوكها السيئ الأعوج من الذي يرغب فيها فهي بائرة.

الجفاء: عندنا زبد وعندنا جفاء أحياناً بعض الفضلات فيها فائدة يعني ربما فضلات الحيوانات فيها فائدة تستعمل سماد للمزروعات بعض الفضلات المتروكة فيها فائدة فالمزابل-تكرمون- فيها فوائد على مر الأيام تتأكسد ويسمد بها المزروعات والحقول وتباع، هذه الفضلات لها جزء يُرمى حتماً بحيث لا يرغب به أحد فلنسميه زبالة الزبالة هذا هو الجفاء (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً (17) الرعد)

الزبد: هو الوغف من كل شيء، كل شيء  فيه زبد، ما من شيء هو حقيقة ثابتة إلا فيه زبد الماء فيه زبد الذهب فيه زبد الفضة فيه زبد، الأديان فيها زبد فالأديان الحقيقية الأصلية كالذهب كما قال تعالى (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ﴿17﴾ الرعد) الذهب والفضة معروف لدى الصاغة فيه زبد هذا يُرمى لكن هذا الزبد زبد الذهب والفضة إذا رميته يسمى جفاءً. مثال القدر فيه طعام جيد عندما يغلي يصبح فيه زبد من الزبد ما يسيل من القدر على جانبيه هذا وغف الوغف أي زبالة الزبالة، هذا الجفاء. فالجفاء عندما تستفيد أنت من الزبالة أو من الفضلات سواء كان فضلات الطعام فضلات الطعام أحياناً تؤكل أو ينتفع بها لكن هذه الفضلات من الطعام لها فضلات أخرى بحيث لا يرغب بها أحد ولا يمكن الاستفادة منها بحال يسمى جفاء كما سأشرح هذه الآية بعد قليل لأن فيها حكماً عظيمة تدل على حقيقة هذا الكون كله. فما من دين ولا مذهب ولا فلسفة ولا سياسة ولا ذهبٍ ولا فضة ولا ماء ولا شراب إلا وفيه وغف فيه زبد هذا الزبد إذا أصبح لا يستوعب وسال على جانبيه يسمى هذا جفاء.

الدخان: معروف (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴿11﴾ فصلت) ما قيمة الدخان؟ لا قيمة له إطلاقاً (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ﴿10﴾ الدخان) كلنا نطبخ والطبخ فيه دخان ما قيمة هذا الدخان؟ كلنا نريد أن نتخلص منه سواء كان دخان بوتاجاز أو دخان حطب أو أي نوع من أنواع الدخان نحاول أن نتخلص منه لأنه مما لا يرغب فيه فهو من المهملات فهو من منظومة اللاشيء.

الحَرَض: (قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا﴿85﴾ يوسف) الحرض لا بد أنكم شاهدتم أو قرأتم عن بعض من الذين أصابهم الحزن ليس حزناً وإنما ثَكَل حزن شديد حتى ترك هذا الإنسان لا يضر ولا ينفع فلا هو مجنون ولا هو عاقل ولا صحيح ولا هو سقيم شيء مرمي في زاوية أو عشق شخص أصابه العشق كما هو حال قيس ليلى شخص مع الصحراء لا يعرف أحداً، لا يتكلم مع أحد، مخلوق لم يعد له قيمة وحينئذٍ هذا الحرض عندما يصبح الإنسان لا يُرجى خيره ولا يُخشى شره، إنسان مهمل لا قيمة له فعلاً من اللاشيء الذي يسيح في الصحراء أو يصاب بكآبة شديدة أو يدخل مصح أو يذهب به إلى مراكز رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة فصار لا يريده أحد الابن يتبرأ منه والأخ والزوج والزوجة لم يعد يرغب في صحبته أحد يسمى حرض. فالحرض من منظومة اللاشيء.

الرميم: العظم البالي الذي لا يتماسك لهشاشته والرميم طبعاً هو ما بقي من نبت العام الماضي فأنت لديك نبات فنبات الحالي بقاياه سوف نأتي على بقايا نبات هذا العام معقولة فيها تبن وفيها شيء يعلف به الحيوانات لكن بقايا نبات العام الماضي هذا رميم حينئذٍ هذا الرميم على هذه الشاكلة.

السُدى: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴿36﴾ القيامة) السدى أصله المُهمَل من الإبل أو نقول الآن المُهمَل من السيارات في كل مكان في العالم هنالك مقبرة سيارات مليئة بالسيارات الملقاة التي لا يريدها أحد هذا السُدى. الشيء الذي تتركه فتنساه تهمله فتنساه وأنت لاحظ الدقة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه” لم يقل من فعل معكم معروفاً وهذه فيها لفتة من النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد البلغاء فأنت إذا أسديت لشخص معروف إنساه إياك أن تتذكره وتذكّره به وتمنّ عليه إياك أن تتبع ما أنفقت مناً أو أذى حينئذٍ عليك أن تنسى الصنيع الذي فعلته “من أسدى إليكم معروفاً” يقال أسديت الإبل أي تركتها في الصحراء لا أريدها كأنها جرباء أو شاخت أصبحت لا تنفع لشيء صارت عبئاً عليك فتتركها في الصحراء وتتخلص منها هذا السدى (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) فأنت خلقناك تركناك مهمل؟ لا تكليف ولا حلال ولا حرام ولا تحاسب ولا عقاب ولا ثواب من قال لك هذا؟! إذاً لماذا خلقناك؟! (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا﴿115﴾ المؤمنون)لا ليس عبث فالسدى أكثر من العبث السدى أن تترك الشيء تخلصاً منه لكونه من اللاشيء فالسدى قمة اللاشيء ولهذا من أعظم اللاشيء قيمة هو إحسانك إلى الغير بحيث لا ينبغي أن تذكره أبداً حينئذٍ من الذي يمن على صاحبه إلا البخيل أنا فعلت لك وفعلت لك وهذا يبطل المعروف الذي قام به (لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى (264) البقرة) إذاً السدى هو المهمل الذي لا يذكره أحد بل ينسى (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى).

السراب: تعرفونه هو لا شيء أي مالا حقيقة له كل المخايل التي تظنها حقيقة وهي ليست كذلك (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ﴿39﴾ النور) إذاً هو من اللاشيء نحن إذاً وفقنا عندما سميناها منظومة اللاشيء (حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا) وكل هذه المنظومة هي من اللاشيء.

الضغث: ما لا وزن له مثل نبتة صغيرة أو قطعة قماش صغيرة قطنية من الخِفّة بحيث لا وزن لها ولو وضعتها على أي ميزان لا تؤثر يسمى هذا الضغث (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ﴿44﴾ ص) منها أضغاث أحلام لا وزن لها خرابيط شخص أكل أكلة قوية أو عنده مشكلة ورأى رؤية سخيفة ليس لها معنى (قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ ﴿44﴾ يوسف).

الغَبَرة: انظر إلى دقة اللغة العربية لغة الإعجاز القرآني الكريم ولهذا رب العالمين عندما اختار لها اختار لوحي هذه اللغة ليس من عبث، ما من لغة على وجه الأرض تحمل المطلق الإلهي والفهم النسبي كهذه اللغة تعطيك معنى متجدد كلما قرأته على وفق ترقّيك في الأدب واللغة والبلاغة نفس الكلمة تعطيك معنىً جديداً. عندنا غبرة وعندنا هباء الهباء في الحقيقة هو الذي فيه لمعة شخص عنده غبرة مطفية كمن يعمل في التراب أصبح على وجهه غبرة مطفي، هناك أحياناً نوع من الغبار فيه لمعة عندما تكون اللمعة في الغبار فهو هباء وعندما يكون مطفياً فهو غبرة (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ﴿40﴾ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ﴿41﴾ عبس) إذاً الفرق بين الغبرة والهباء كلاهما من آثار التراب فهو شيء في غاية اللاشيء والفرق بينهما أن الغبرة أنت رجل تعمل في التراب أو مثلاً أن يكون هنالك عاصفة ويأتي على وجهك شيء من الغبار وكلنا في الحقيقة طول النهار يومياً يأتي على وجهك شيء من الغبار لا تشعر به هذه الغبرة عندما تحس بها مطفية، وجهك مكفهر، مسود، تسمى غبرة وإذا كان فيها لمعان تسمى هباءً (فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ﴿6﴾ الواقعة).

الغثاء: كما قلنا ما يطفح من السيل والقدر فهذا القدر عندما يغلي الزبد الذي في القدر غليان القدر فيه زبد عندما يطفح ولا يشعر به أحد يسمى غثاء كغثاء السيل.

بقي لدينا كلمتان هما الهشيم والحطام: الهشيم: هو دقيق النبات اليابس فكلنا نعرف عندما ييبس الزرع يصبح تِبناً هذا التبن عندما يسحق يصبح هشيماً تذروه الرياح. كل نبات يابس تذروه الرياح، هذا الهشيم عندما يصبح دقيق جداً جداً جداً بحيث لا يتماسك بل لا تستطيع أحياناً أن تجمع أجزائه يسمى حطاماً فالحطام دقيق الهشيم والهشيم النبات اليابس عندما يسحق بالأرجل كالسنابل مثلاً هي مصفرة وعندما ننتزع منها الحب حينئذٍ تدوسها الخيول لكي تصبح علف ما تبقى من العلف في الأرض هذا الذي هو الهشيم ثم إذا ديس مرة أخرى حتى صار مكسراً تكسيراً مطلقاً يسمى حطاماً هكذا هو الأمر، هكذا هي هذه المنظومة إذاً.

نتكلم في موضوع جداً مهم يتعلق بهذا الكون من حيث أنك تعيش في كون له قوانينه (وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا (12) فصلت) أي قوانينها ومن هذه القوانين أن هذه الحياة مهما طالت قصيرة (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴿45﴾ الكهف) كلنا نعرف الأرض الخصبة عندما تنزل الأمطار ويخرج النبات وهذا النبات الزاهي الجميل ما هو إلا فصل واحد شهرين ثلاثة شهور ثم ييبس على الفور ثم ينتهي كأن لم يكن، ينتهي إلى خرابٍ كامل. رب العالمين يقول هذه هي الحياة برغم جمالها وزهوها ولكنها سريعة الانقضاء تماماً مهما كان عظم جمالها والآيات في هذا متوافرة (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿24﴾ يونس) خذ كل الحضارات العظيمة التي دامت ألف سنة وخمسمائة ألف سنة وألفين سنة وخمسمائة سنة والآن حضارات هذا الزمان لا تدوم ستين سبعين سنة على الأكثر مثل الحضارة الروسية السوفيتية التي ملكت نصف الكرة الأرضية بالكامل وفيها من الأسلحة ما يدمر الأرض مائة مرة انتهت كأن لم تغن، أين الكرملين؟ وذلك العز وذلك الزهو وحق الفيتو وخورشوف وستالين وجورباتشوف أين ذهبوا؟ (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) وهكذا شأن كل عظيمات وعظائم الدنيا، جميع إمبراطورياتها وأملاكها وأفلاكها وذلك المجد كما قال فرعون (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ﴿51﴾ الزخرف) انتهى، كأن لم تغن بالأمس فرب العالمين عز وجل يقول أن هذه الكرة الأرضية جعلتكم فيها مستخلفين “إن الله استعمركم في الأرض” كما قال صلى الله عليه وسلم “إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله استخلفكم فيها فناظرٌ كيف تعملون” ولهذا الذي يريد أن يبقى خالداً عليه أن يعمل في هذه الدنيا خيراً ولهذا بلا تحدي ولا كذب ولا ادّعاء ما من أمة عمرت هذه الأرض سلاماً ومحبة لكل الأمم ولكل الأديان (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴿285﴾ البقرة) إلا هذا الدين وهذه الأمة المباركة. من أجل هذا جعلها الله عز وجل خاتم الأنبياء الأمة الوحيدة التي فيها هذا النص (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ﴿285﴾ البقرة) ولهذا أمة خالدة بقي حكمها أو لم يبقى بقيت هذه المحبة وهذه الفلسفة الراقية وهذه الحضارة الناصعة ويكفي أن تتأمل في كل هذه الأمة بقراءاتها كيف تتكلم عن سيدنا عيسى، عن سيدنا موسى، عن السيدة مريم، عن إسماعيل، عن إبراهيم، عن نوح، عن آدم بهذه القدسية التي لا تختلف شعرة عن نبيها محمد صلى الله عليه وسلم؟ أسماؤنا كلها كلها أسماء أنبياء بني إسرائيل بلا حرج إسماعيل وإسحاق ويعقوب وهارون وعيسى وموسى ونحن في غاية الاعتزاز. أتحدى العالم كله أن يأتينا بمثال واحدٍ يخرق هذه الكراهية لهذه الأمة بظلم وجبروت وعداءٍ وحينئذٍ الحضارات تقاس بما خلّفت وراءها من نتائج ولهذا “إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله استخلفكم فيها فناظرٌ كيف تعملون”. من أجل ذلك مهما طالت أعمار الحضارات والإمبراطوريات والسطوة كل هذا زائل بالعكس كثير من القوة الهائلة التي حكمت العالم لأن فيها كذباً ودجلاً وغثاءً وزبداً كثيراً لفظه الناس وهم في أوجهم مثل الشيوعية هذه وهي في أوج قوتها أصبحت سخرية في أفكارها ومبادئها لكثرة ما قتلت وما سحقت وما استعمرت وما أذلت وما أبادت سجون وتعذيب وتقطيع أوصال مع أنها كانت تملك السلطة في العالم كله حتى على أمريكا انتهت في ليلة. هكذا هي قوانين هذه الحياة (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ ) حلية كل المعادن فيها زبد ما من دين والأديان أغلى من المعادن إلا وفيها زبد المسيحية الحقيقية حصل فيها زبد أناس حرّفوها وجعل فيها ابن وأب وأخ الخ نقلوها من دين سماوي إلى دين وثني وبقي الأصل ثابتاً بقي أصل المسيحية الخالد الموحد موجوداً ولكن الزبد كان قوياً. اليهودية نفس الشيء دين توحيدي الأصل فيه الثبات وجاؤوك بأن عزير ابن الله والناس كلهم أوباش وكل الناس في النار إلا اليهود وحدهم شعب الله المختار فهو كلام زبد لا قيمة له والأصل ثابت والإسلام هكذا نفس الشيء الإسلام الحقيقي ثابت لا يتغير قيد شعرة الفرق أن 99,9% من المسلمين لا يزالون على الحلية لا يزالون على الإسلام الحقيقي إسلام المحبة والتوحيد الصرف الناصع، محبة جميع الأديان كل من يقول لا إله إلا الله هو أخوك، الرحيم بالمذنبين الذي لا يتعالى على أحد ولا يفرز أحداً ويحسن الظن بالجميع، الذي يرى في الناس كلهم خير إلى آخر ما في هذه الأمة من خير، إلى جانب هذا هناك من هم طائفيون يعتقد أنه وحده هو الصح والباقي كلهم في النار وهناك مذهبيون يرى نفسه وحده هو في الجنة والباقي كلهم في النار ويستحل قتلهم وإبادتهم وهناك المحرفون والمنحرفون على تفاوت والزبد أنواع هناك زبد وهناك جفاء يعني هناك خطأ مطلق وهناك خطأ نسبي وهذا من قوانين الكون وهذا سر قوله (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴿8﴾ فاطر) (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ ﴿6﴾ الكهف) لماذا أنت مقهور وحزين؟ هذه قوانين من قوانين المسيحية كدين سماوي أن يكون فيها زبد ومن قوانين اليهودية كدين سماوي أن يكون فيها زبد ومن قوانين الإسلام كدين سماوي أن يكون فيه زبد ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبره ربه بذلك قال “من عوفي فليحمد الله”. من أجل هذا إذا رأيت انحرافاً فتعامل معه بهذا الرفق هذا الزبد من قوانين هذا الدين حاول أن تنقذ ما يمكن ومن يمكن إنقاذه من غير أن تستعمل السلاح والسيف والقتل والإبادة وسيف التكفير إذا كان رب العالمين يقول لك عن اليهود والنصارى (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴿46﴾ العنكبوت) (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً ﴿7﴾ الممتحنة) فكيف تعامل مسلماً من يصلي معك إلى القبلة أنه كافر وزنديق ومشرك وتقتله هو وأهله وتحرقهم في البيت طائفياً أو حزبياً أو مذهبياً؟ أي حمقٍ هذا! وأي سقوط! هذا مكر الله عز وجل عليك أن تعلم أنك في نطاق مكر الله (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴿99﴾ الأعراف). إذاً هذه الآية آية عظيمة تبين أنه يجب أن تكون حذراً إياك أن تكون من الزبد وإذا كنت من الزبد إياك أن تكون من الجفاء فالجفاء لا فائدة منه حينئذٍ احذر أن تنحرف من الحقيقة، انظر إلى تكملة الآية (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ﴿17﴾ الرعد) أي الخرافة والحقيقة، الشرعية والمروق، إياك (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ) اقرأ التاريخ منذ أن جاءت المسيحية واليهودية والإسلام إلى يومنا هذا فعلاً أنواع الزبد لا حصر لها خوارج ومرجئة الخ أنواع من الزبد الذي انتهى ولم يبق له أثر والغريب أن هذا كل جيل يحدث له زبد جديد كما هو مسألة المعادن هذه المعادن أين تجدها؟ في التراب، هذا التراب يأتي في فرن حار جداً يصلحها والتراب في مكان والذهب في مكان استبينا إلى شيء جميل هذا الذي النبي صلى الله عليه وسلم يقول “يأتي على رأس على كل مائة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها” ثم يختلط مرة أخرى التراب بالذهب وبالحديد إلى يأتي فرن آخر يفرز هذا من ذاك. إذاً هي قضية من قواعد الكون إياك أن تلطم، إياك أن تشق الجيوب وتلطم الخدود، إذا عوفيت فاحمد الله عز وجل. من أجل هذا النبي صلى الله عليه وسلم حثنا على حسن الإتباع، حثنا على أن نتمسك (مَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿7﴾ الحشر) حينئذٍ إذا تمسكت بذلك فأنت في خير وإلا إذا رأيتهم انحرفوا لا تقول فسد الزمان، لا لم يفسد الزمان هذا قانون الزبد كثر ولا بد من فرن عالٍ يأتينا رجلٌ آخر كما حصل في كل التاريخ من يعيد هؤلاء الناس مائة سنة، مائة سنة في خير، في وئام، سنة وسبيل إتباع الناس متحابون على الصواب ثم يأتي سنتين عشرة عشرين بالكثير خوارج الخ وأسماء تعرفونها جيداً طائفيات مذهبيات انحرافات منها الذاتي ومنها المدسوس إلى أن تتجوهر وتتجدد الأمة حتى تجدد الأمة نفسها وحينئذٍ تبدأ المسيرة، فاقرأ هذه الآية ترى فيها كلما يجري في الكون اليوم. هكذا نقول تبدو قضية الإتباع (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي﴿36﴾ إبراهيم) هناك تبع وهناك اتبع ولهذا الإتباع أن تكون محاذياً أو أن تكون خلفاً يعني إما أن تكون أنت مجتهداً صاحب مدرسة فإياك أن تشتط عليك أن تأتي بالدليل الصرف (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ﴿108﴾ يوسف) مصيبتنا الآن تعبث بنا طائفيات ومذهبيات وأفكار وحزبيات وفئويات والله تقول بأن هذه الشمس بأنها غيم وهي شمس ساطعة. فحينئذٍ إن كنت صاحب مدرسة إياك أن يدخل الجميع عليك الجنة وتدخل أنت بهم النار هذا فمن تبع (فَمَنْ تَبِعَنِي) أي أنك صاحب مدرسة تستطيع أن تستنبط الحكم من الدليل البصائر (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ﴿104﴾ الأنعام) “تركتكم على السمحاء ليلها كنهارها”. حينئذٍ عليك أن تكون دقيقاً في الاستنباط والنبي صلى الله عليه وسلم جعل لنا في الحقيقة مصادر الكتاب والسنة وقال سيرة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وعلينا أن نكون واضحين وإذا أخلصت النية لله فلن تخطيء المحجة في واحد من هذه الثلاثة أما أن تتبع هواك وأحزاب وطوائف ومصالح فرب العالمين تكلم عن بلعم (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴿175﴾الأعراف). رب العالمين يخبرنا بأنه ما من عمل يُقبَل إلا إذا كان صاحبه مؤمناً بالله حينئذٍ الكافرون قد يقومون بأعمال عظيمة الذي لا يؤمن بالله عز وجل ويقول لا وجود لله لكنه قام بعمل ولكن لا قيمة لهذا (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً ﴿39﴾النور) شرط قبول العمل أن يكون من منطلق أن الله واحدٌ لا شريك له ولهذا كما قال تعالى (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴿165﴾ النساء) من أجل هذا ما من أحدٍ يأتي يوم القيامة وقد اشتط عن جادة توحيد الله عز وجل أو استحل قتل المسلمين أو انتهج له نهجاً نسف الإسلام من أساسه ما من أحدٍ له عذر “تركتكم على السمحاء ليلها كنهارها” ولهذا ما من أحدٍ يوم القيامة يقول يا ربي فلان لقد أضلني، هذا الكلام غير مقبول كل واحد من البشرية جمعاء سوف يُسأل عن نفسه من حيث أن الله سبحانه وتعالى جعل دلائل وحدانيته ودلائل صدق الرسل أجمعين ودلائل الحق والباطل واضحة كما قال تعالى (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) وإلا هذا الخبل وهذا الظلم وهذا الكذب وهذا الدجل وهذا التعذيب الذي استشرى في الأرض وهذا الطغيان وانتهاك ثروات الناس وهذا الكذب الذي أصبح بائراً كل أمة تملك أسلحة فتاكة تغلب بها العالم تتهم كل شعوب الأرض بأنهم مارقون وأنهم شر وأنهم وأنهم فقط هي وحدها التي تملك الإنسانية وهي قد ملأت الدنيا رعباً شأنها شأن الأفراد! هناك فرد يتصور أنه الوحيد الذي يعبد الله وقد ملأ الناس رعباً بأنه يكفِّرهم ويقتلهم ويحرِّض عليهم وهذه الأمور استشرت في هذه الأرض الآن مما يدل على أن الأرض تجدد نفسها على وفق قواعد الله عز وجل كلما استشرى الشر في العالم فإن الله عز وجل يجعل هذا الشر يأكل نفسه (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) من حيث أن هذا العذاب الشديد بما فعلوه (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله ﴿112﴾ النحل) بدلوا نعمة الله كفراً كل هذه النعم التي هي من أساس إسعاد الناس بدلوها كفراً أي كفر النعمة من حيث أذلوا فيها العالم بالحروب والخصومات والرعب حينئذٍ (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴿112﴾ النحل) بصناعاتهم التي أرعبوا فيها العالم حتى تنقلب في مفاعل تشيرنوبل وغيره من الصناعات التي انقلبت على أهلها بأمراض ومصائب وتلوثات كل ذلك كما قال تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴿41﴾ الروم) كل هذا التلوث البيئي والفكري والإعلامي والإنساني والعدلي كله بما كسبت أيدي الناس وما تمر الكرة الأرضية بمثل هذا الذي تمر به إلا ويعني هذا أن الله عز وجل يريد أن ينظف هذه الكرة الأرضية قرناً كاملاً من الزمان يعيش الناس فيه بِدِعَةٍ وسلام بعد أن تبور كل الدعاوى (وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ). الديانات بعد عهدٍ طويل قد ظهرت على حقيقتها وكذلك كثير من المذاهب التي اغتر بها الشرق والغرب والقوميات والأفكار التي قد أثبتت إفلاسها والحمد لله وتعرف أن النازية حكمت العالم والفاشية والشيوعية وقس على هذا من قوى كنت تظن أنها استحكمت العالم ويا ليت الناس يتعظون، هذه الدنيا لا يوجد فيها كبير ولهذا إذا كان هتلر الذي دق أبواب موسكو انتهى نهاية سيئة وأي نهاية انتهى وهكذا موسيليني وهكذا ستالين كل الظلم. الظلم لا يدوم هذا الكون له قواعده وله قوانينه رب العالمين ليس غافلاً (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴿42﴾ إبراهيم) (إنما نملي لهم) حينئذٍ على كل من دعته قدرته لظلم الناس أن يتذكر قدرة الله عليه كما قال سيدنا علي كرم الله وجهه.

إذاً منظومة اللاشيء على هذه الكلمات التي لو تتبعها المسلمون بل لو تتبعها العالم لوجدوا واكتشفوا أن كثيراً مما يظنونه شيئاً هو لا شيء. الحزب النازي تبين أنه لا شيء والحزب الفاشي لا شيء والحزب الشيوعي لا شيء ليس هناك شيءٌ إلا “لا إله إلا الله” والدعاوى التي تملأ الأرض الآن من اللاشيء أيضاً ما أحلى أن يعود الناس كلهم إلى محبة بعضهم، إلى المواثيق الأولى الدولية، أين المواثيق التي كانت تتحكم في العالم بالعدل والإنصاف والمساواة؟ والتي رعاها حكام عظماء سواء إن كانوا في أوروبا أو في أمريكا؟ كانوا عادلين كانوا منصفين ما لهذا الشر استبد بالناس اليوم؟ ولكن شر لا محالة زائل وسوف لا يصح إلا الصحيح وسوف يبقى العدل ويزول الشر ويزول الظلم ولكن علينا أن نعرف أن القوة الغاشمة وحدها لا يمكن أن تبني أمماً وإنما تساهم في انهيار الأمم والحضارات والأفكار وما أعظم وما أجمل أن يسود الناس محبة ووفاق على وفق ما اختطه الإسلام (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً) ما من دينٍ يدعو إلى المحبة وينبذ العنف وينبذ الكراهية كهذا الدين. كثير من علمائنا وعظمائنا الذين تأثروا بالأفكار والمذاهب والفلسفات وخاصة في المرحلة التي تأجج فيها علم الكلام بعد رحلة طويلة من الزمان عادوا وثابوا إلى رشدهم وكل هذا من الزبد لابد وليس من المعقول أمة بهذه الحضارة وهذا العلم لا يخرج منها قليل من الزبد! شوية جماعة شخص اسمه الدريسي والآخر لا أدري من عملوا لنا علم الكلام ثم ذهبوا إلى مزبلة التاريخ وعادت الأمة إلى صفائها فكل الذي يجري فيها من قتول وشحناء وبغضاء فئوي وطائفي هو من هذا الزبد وهو زائل لا محالة والأمة تجدد نفسها من جديد إن شاء الله كما قال الرازي:

نهاية إقدام العقول عُقال                وغاية سعي العالمين ضلال

بعد رحلة طويلة قضاها مع علم الكلام والردود عليهم واكتشفوا أنه كله من باب الزبد. والإمام الغزالي في رحلته والمراحل التي مر بها أيضاً في حياته في نهاية المطاف بعد أن هدم بنيان الفلسفة بيّن على أن الأصل صفاء هذه العقيدة ونقائها فهو دين فطرة كما تشرب الماء البارد، كما تتنسم الهواء هو هذا الدين واضح بوضوح الشمس ليله كنهاره ما من معضلة فيه على شرط أن تترك فطرتك كما خلقها الله عز وجل. هي فترة اختبار للأمة وللشعوب ولجميع الأصناف أفراداً وجماعات لعلنا نثوب إلى رشدنا وننجح في هذا الامتحان الشاقّ داعين الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا على هذا الحق وننجو في هذا البلاء والامتحان.

بُثّت الحلقة بتاريخ 26/10/2007م وطبعتها الأخت نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها