الحروف في القرآن الكريم, حرف الياء

حرف الياء – منظومة حياض الماء (يمّ)

اسلاميات
حرف الياء

منظومة  حياض الماء

البئر – الجب –الرسّ –  النبع – العين – البحر – النهر – المسيل –الوادي –  اليم

هذه هي الحلقة الأخيرة من برنامج الكلمة وأخواتها في القرآن الكريم التي قدمها الدكتور أحمد الكبيسي على مدى 400 حلقة وفي الحلقة القادمة ستكون حلقة مفتوحة لاتصال المشاهدين الأفاضل.

اليم (الياء والميم) وهي آخر كلمة في القرآن الكريم وهي كما قال الدكتور نجيب أول مرة في تاريخ هذا القرآن الكريم الأرضي يُبحث هذا العلم بهذه الطريقة بحيث تُحصى كل كلمات القرآن لبيان الفروق الدقيقة اللغوية الإعجازية بين الكلمات المتناظرة والمتشابهة وقد كان السائد عند المفسرين جميعاً بأن الكلمات واحدة تقول أقبل فلان وجاء فلان وحضر فلان ووصل فلان الخ يقال كلها بمعنى واحد وهذه مصيبة المصائب التي ضيعت على المسلمين علماً غزيراً. ومن فضل الله عز وجل أن جعل هذه المهمة وشرفنا بها أنا والدكتور نجيب عندما سخر الله سبحانه وتعالى لهذا العلم سمو الشيخ محمد ابن راشد جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً فلولا دعمه وفسحته وشجاعته في تقبل نزواتنا أحياناً ونزقنا في بعض الأحيان الأخرى عندما كنا نتوسع في الكلام غير مبالين لا بسياسة العالم ولا بما ينبغي أن يقال كان يستخفنا الطرب عندما نصل من هذا العلم إلى حقائق مرموقة. وأقولها للتاريخ أكثر من مرة طلبت من سمو الشيخ رضي الله تعالى عنه وأيده ونصره أن نتوقف قلت له أننا نُحرِج الدولة في بعض كلماتنا وبعض تعليقاتنا ورفض سمو الشيخ رفضاً قاطعاً قال هذا العلم لا بد أن يصل إلى الناس فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً. وكذلك من قبله صاحب السمو الشيخ زايد عليه رحمة الله والذي كان فعلاً يوصل لنا أخباراً بإعجابه بهذا البرنامج وعندما كنا نلتقي به كان يسألنا عن بعض الكلمات في حد ذاتها وكان يبدي فرحه أننا في هذه الدولة المباركة فتحنا هذا الباب الذي لم يفتح من قبل على مدى خمسة عشر قرناً من مجيء الإسلام. هكذا هو الأمر وحقيقة لا أكتمك سراً أنني ما كنت أتوقع أن يمتد بي العمر أو أن تمتد بي الفرصة إلى أن أنهي هذا البرنامج. من خمس سنوات ونحن نجاهد في سبيل إتمام الكلمات القرآنية التي كما قال الدكتور نجيب استغرقت أكثر من 400 حلقة. وفي البدايات كان هذا البرنامج يذاع في الأسبوع ثلاث أو أربع مرات إضافة إلى أننا قدمنا برامج أخرى قرآنية وأيضاً تعالج مواضيع قرآنية علمية تذاع لأول مرة منها قوله تعالى (فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ﴿3﴾ البينة) وبيّنا ما معنى هذه الكتب في القرآن الكريم ومنها (وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا ﴿4﴾ المزمل) ولا نزال أيضاً في جعبتنا إن شاء الله مواضيع قرآنية جديدة لم تبحث من قبل ولعلنا سنبدأ في البرنامج القادم إذا وصلنا إلى نهاية هذا البرنامج وأتيح لنا من الوقت ما يتاح أن نتكلم في برنامج جديد عن الآية وأختها. إذا كنا هنا تكلمنا عن الكلمة وأختها سنتكلم عن الآية وأختها وهذا أيضاً علمٌ يذاع لأول مرة. هناك آيتان متشابهتان تختلفان بحرفٍ أو بكلمة وما رأيت أحداً من المفسرين وقف لماذا هذه الآية زادت عن أختها بكلمة أو نقصت عن كلمة أو عن فعل، فعل ماضي أو مضارع يعني (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ (31) يونس) وفي آية أخرى يقول (وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ (95) الأنعام) بدل يُخرج مخرج يستعمل ماضي مكان مضارع، مضارع مكان ماضي، اسم مكان فعل وهذا أيضاً علمٌ جديد. وفي كل اختلافٍ ولو بحرفٍ واحد بين الآيتين يسبب لنا باباً ويفتح لنا باباً علمياً غزيراً يتحدث عن قضية أخرى عجيبة. وأحكام فقهية جديدة إضافة كما قال الدكتور نجيب هذا العلم الذي قدمناه في هذا البرنامج من حيث أن الكلمات غير متشابهة وليس في القرآن مترادف دلّنا على أحكام فقهية جديدة تحدثنا عنها في كل حلقة مرت بنا. الأمر كله من توفيق الله بل إن هذه من سنن الله في هذا الكتاب العزيز الذي لا تنقض عجائبه (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ (7) آل عمران) إلى يوم القيامة قبل يوم القيامة بيومين سيأتي رجلٌ من هذه الأمة يستنبط أو يجد أو يفهم معناً جديداً في هذا الكتاب العزيز لم يخطر على بال واحدٍ من هذه الأمة على مدى خمسة عشر قرناً (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ (53) فصلت). حينئذٍ هذا العلم الذي قدمناه في هذه الحلقات الفضل لله أولاً وللصدر الرحب الشجاع البليغ الكريم الموفق والمسدد في كل مشاريعه سمو الشيخ محمد وفي هذا البلد الذي أكرمه الله بهذه النفسية العالية وهذا القلب الرحيم وذلك العقل الجوال عقل المرحوم سمو الشيخ زايد وكلُ من في سدة الحكم في هذا البلد إنما يسيرون على نفس الخطى خلقاً وعلماً وكرماً وسماحةً وحلماً فأسأله تعالى أن يمنّ على هذا البلد بما منّ به عليهم من نعمةٍ وحكومةٍ رشيدة وحكامٍ كرامٍ حلماء محبين لشعبهم وأن يجبر بهؤلاء الحكام كل ما أصاب العرب والمسلمين من ضيم والله سبحانه وتعالى هو المولى وهو العزيز.

في هذه الحلقة وهي حلقة حياض الماء، الماء لابد أن يكون في حوض هذه الحياض منها البئر ومنها الجب ومنها النبع ومنها العين ومنها البحر ومنها النهر ومنها المسيل ومنها اليمّ. هذه هي الكلمات التي أحصيتها في كتاب الله عز وجل ولعل أحد السامعين يستدرك علينا أيضاً بكلمة أخرى كما هي العادة دائماً، نبدأ بواحدة واحدة:

البئر والجبّ: (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ (45) الحج) البئر هو ظهور الماء من جوف الأرض من عمق على شرط أن يكون هذا الحوض مطوياً يعني من داخله في صناعة، فيه صخر وبناء أي ليس مجرد حفرة. فإذا كان مجرد حفرة فهو جُبّ (وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ (10) يوسف) الجبّ البئر غير مطوية حتى الآن في الإمارات يسمون البئر طوي لأنه مطوي فالمطوي هو البئر وغير المطوي هو الجُبّ.

النبع: ما يكون من ظاهر الأرض. تمشي على الأرض ترى مكاناً على الأرض لكن ينبع منه ماء (حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا ﴿90﴾ الإسراء) هذا الينبوع هو في الحقيقة ينبع لكنه يسيل بشكل بسيط وليس له حوض وليس له امتداد كبير هذا يسمى نبعاً.

العين: على عكسه له امتداد بعيد جداً. العين ثرّى وعندما تتبع منابعه تراه في مدينة أخرى قد يكون في قطر آخر ونسمع عن العين الفائضة في أبو ظبي وعن بعض العيون آتية من إفريقيا هذا عين أما النبع يكون جداً قريب.

البحر الطويل المالح أو العذب. وقد شاع الاستعمال أن البحر هو المالح ولكن يطلق أحياناً من باب التغليب على العذب كما قال تعالى (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ (12) فاطر) فسمى الفرات ودجلة والنيل الخ سماها بحراً لماذا؟ لامتدادها. البحر ما كان عميقاً وممتداً بما أن هذه الأنهر العذبة التي هي من أنهار الجنة كما جاء في الحديث الشريف “النيل والفرات ودجلة هذه أنهار من أنهار الجنة” وحينئذٍ لطولها وعمقها وخلودها فإنها تسمى بحاراً أيضاً.

النهر الطويل العذب.

اليم: يطلق على الاثنين نحن قلنا البحر الغالب أنه مالح والنهر الغالب أنه عذب ويمكن أن نطلق كلمة اليم على هذا وعلى هذا (فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ (39) طه).

المسيل: (فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا (17) الرعد) فالمسيل هو ما كان من الأمطار.

هذه هي المجموعة التي أحصيناها في كتاب الله عز وجل من حيث كونها حياض الماء أي الأماكن التي تجتمع وتتجمع فيها المياه. نحن تحدثنا سابقاً عن المطر والغيث وما إلى هذا باعتبارها مصادر المياه أما الآن حياض المياه أين يستقر الماء؟ يستقر إما في البئر أو في الجب أو في النبع أو في العين أو في البحر أو في النهر أو في اليمّ أو في المسيل هكذا هي أماكن تجمع المياه وكل مكان يصبح حوضاً وجمعها حياض، لهذا قلنا هذه منظومة حياض الماء. هكذا هو الأمر إذاً الكلام فيها طويل عن نعمة الله عز وجل يعني في هذه الحياض رب العالمين جعلها القسم الثاني من الكون (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (70) الإسراء). إذاً هما قسمان قسم اليابسة وقسم المياه وهي أكثر. فقسم المياه هذه الحياض هي من نِعَم الله عز وجل وطبعاً أغراضها لا حصر لها. (وحملناهم) في الآية ليس فقط تعني أن يمشون فيها لا بل حملنا مصالحهم ووجودهم ومعاشهم وأيامهم في حال عسرهم وفي حال يسرهم، في حال صلاحهم وفي حال فسادهم (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ (41) الروم) هذا التلوث، هذا التسونامي، هذا تمرد المياه هذا من جنود الله (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴿31﴾ المدثر) من جنوده هذه الحياض. من أجل هذا تتبع رب العالمين عندما يجد فئةً لا ينفع معها الوعظ ولا الإرشاد ولا الدين ولا الأنبياء ودأبت على قتل الناس ولاحظوا هذا في الكتاب العزيز إن الله لا يصب جام غضبه المطلق وأسلحة الدمار الشامل التي معظمها من هذه الحياض إلا إذا كان الفساد والظلم استعمل آلة القتل. إذا شاع القتل على يد الظالم لقومٍ لا يملكون دفعه كما كان فرعون مثلاً يقتل أبنائهم ويستحيي نساءهم فرب العالمين سلّط عليه البحر (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ ﴿78﴾ طه) حينئذٍ هذه النقمة لا تزال من سنن الله عز وجل تقول إن كل فئة قوية لا يستطيع المقابل دفعها واستعملت القتل والبطش في سبيل فرض ذلك الظلم فإن الله يهلكها بهذه الأساليب الجبارة المعجزة التي لا تُدفَع إطلاقاً. من أجل هذا انظر إلى التاريخ انظر إلى هتلر القاتل كيف رب العالمين أنهاه بحيث ينتهي لم يعد له ذكر. فرعون، النمرود، عاد، جماعة موسيليني، أغلب الحضارات التي استعملت القتل كل جماعة وكل فئة كل عنوان يستعمل القتل يُباد حتى لا تعود له عائدة ففرعون هذا الذي كان يملك نصف الكرة الأرضية الشيوعيين الاتحاد السوفييتي هذا كان يملك ثلثين من الأرض لأنه استعمل الإبادة انتهى ولن يعود. وخاصة عندما تتفرد تلك القوة كقوة عاد أو قوة الفرس عندما هزموا الروم فطمأن الله تعالى المؤمنين بأن هذا الميزان الذي قد تخلل فحزنهم لم يكن لأن هؤلاء مجرد أهل الكتاب ولكن لأن الفرس يتولون قيادة العالم دون أن تكون قوة أخرى مضادة لهم وهو هذا الشرط إذا كان لك عدو باطش ظالم عنده من الأسلحة ما لا طاقة لك به ولكنك لا تستطيع دفعه بأي طريقة رب العالمين يتدخل مباشرة وإذا كنت تستطيع ولكنك إما مفرط أو أنت متفرق أو أنت غير جدير بموقعك لا فلا بد أن تأخذ بالأسباب وانظر لهذه الآية (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ﴿6﴾ الجن) لماذا؟ هذا الجني انقلب عليه وهذا العدو المقابل لا يملك هذه القدرة ولو أن المقابل له نفس القدرة رب العالمين لا يتدخل .فكل عدوين أحدهما يملك من الأسلحة والقوة ما لا يملكه الآخر فالآخر مسلطٌ عليه بالكامل من غير فرصة له رب العالمين يجعل قوته تنقلب عليه وهذه من سنن الكون فخذ جميع القتلة في التاريخ من عاد وفرعون والروس وهتلر وموسليني الخ كل هؤلاء بادوا بشكل عجيب فما الذي أباد الروس؟ أسألك سؤالاً ما هو الذي جعل هذا الاتحاد السوفييتي الجبار الذي يملك نصف الكرة الأرضية ينتهي كأنه تلٌ من الرمل؟! هتلر هذا الذي ذهب إلى لينغراد وصل انتهى نهاية ولا تعرف لماذا. هذه القوة الخفية (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ) ما زادوهم قوة (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) انقلب عليهم. ولهذا ثق يا دكتور أن ظاهرة شرنوبل ستتكرر، شرنوبل هذا المفاعل العظيم الذي أراده الشيوعيون أن يكون مجداً لهم انقلب عليهم فقتل منهم الآلاف، مئات الآلاف وإلى اليوم الغمامة تطوف حولهم بحيث حرمت عليهم أن يأكلوا أي خضار. كل القتلة سواء كان محليين أو عالميين لا بد أن تنقلب عليهم قوتهم وهذه من سنن الله في خلقه فعلى المظلومين والمهضومين الذين يُعمِل عدوهم فيهم سيفه بالإبادة والقتل بالدريل بالحرق ذلك اليوم الذي تنقلب فيه قوتهم عليهم ليس ببعيد. ما عليك إلا أن تؤدي دورك بالصبر والتكاتف وألا تكفر بالله عز وجل.

إذاً هكذا هو فرقنا بين النهر والعين والينبوع والبئر والجب فهذه المنظومة التي هي حياض الماء. والله سبحانه وتعالى استعملها استعمالاتٍ عظيمة استعملها في النِعَم بلا حدود (لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ ﴿14﴾ النحل) وكلام في هذه النعم إضافة إلى كونها من الانتقام من جنود الله عز وجل (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) الطغاة الذين لا يستطيع المظلومون أن يدفعوا شرهم سلط الله عليهم هذه الحياض كما هو شاهد في القرآن وفي التاريخ كثير. من أجل هذا إن الله سبحانه وتعالى كرم بني آدم وحملهم في البر والبحر ورزقهم من الطيبات. نقول إذاً إن كل مخلوقات الله عز وجل بقدر ما هي نعمة قد يجعلها الله نقمة. فالنعم بالشكر تدوم وبالشكر تؤدي ثمارها وتؤدي وظائفها ولهذا حتى الطعام قد ينقلب سُمّاً والماء قد ينقلب هماً والفرح قد ينقلب حزناً ولذلك الشكر لا بد من الشكر (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (7) إبراهيم). وكما تفضلت يا شيخ فرعون كان يقول (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ﴿51﴾ الزخرف) فإذا بالبحر قد جرى من فوقه، كانت أسباب قوته وقال (وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) فلما أراد الله جعلها نقمة عليه (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ) وما استطاع إلا أن يقول (آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿90﴾ آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴿91﴾ يونس). ولهذا على كل الذين يظلمون الناس كما قال سيدنا علي رضي الله عنه (إذا دعتك قوتك لظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك). على كل ظالم – حقيقة في العالم العربي في العصور الأخيرة – هذه استبدت ببعض الحكومات نزعة الطغيان هو جيء به من أجل هذا يأتيك إنسان مغمور لا تعرف من هو ثم حينئذٍ رأساً يملأ قطعاً وتقتيلاً وانظر كيف ينتهون نهايات بائسة. من أجل ذلك نقول أنه على كل أصحاب النعم ألا يجعلوا هذه النعم تنقلب إلى نقمة وما أكثر النعم التي تنقلب إلى نقمة إن لم يؤدي العبد شكرها وشكرها أن تستعمل في طاعة الله عز وجل كما قال تعالى (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ).

إذاً هذه المنظومة هي قسيمة الأرض (وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) والبحر عند التغليب يطلق على كل حياض الماء. ولهذا رب العالمين عز وجل جعل هذه الحياض من دلائل قدرته (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴿12﴾ القمر) كما هو في كتاب الله عز وجل مما لا تتسع حلقات لذكره. فهذه المنظومة الكريمة العظيمة التي هي أساس الحياة (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴿30﴾ الأنبياء) هذه قد تنقلب نقمة على أصحابها كما انقلبت في التاريخ القديم والمعاصر كتسونامي وغيرها والذي حدث في أحد ولايات أمريكا وإلى الآن يعانون من الناس ولهذا (فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴿99﴾ الأعراف) لا ينبغي أن يستبد أحد بالطغيان والقتل والإبادة وخاصة إذا كان من منطلق عنوانٍ جديد عنوان حزبي أو فئوي أو طائفي أو ما شاكل ذلك كما قال تعالى (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ (65) الأنعام). التاريخ مليء بنقمة الله عندما تتسلط فئة مسلمة على فئة مسلمة تذهب الفئة الظالمة حيث لا تعود إلى يوم القيامة. ولا شك أن الحروب القادمة ستكون حروب مياه ولهذا من الآن بدأت التحرشات والإدعاءات هذا لنا وهذا لكم وربما استطاعت بعض الدول الجبارة أن تغلق الماء على دولٍ أخرى وهذا سيحدث. والتهديد لا زال قائماً وقال صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى ينحسر الفرات عن جبلٍ من ذهب) وقد بدأ ينحسر فعلاً (فيقتل من كل عشرة تسعة).

سؤال: هل كلمة أودية تدخل في هذه المنظومة (فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا (17) الرعد)؟ الإجابة: والله هذه قد جاءت في بالي لكن بما أن الوادي هو الذي يكوِّن المسيل ولما ذكرنا المسيل والمسيل لا يكون إلا في وادي كما تعلمين ومع هذا فهي انتباهة ذكية جزاك الله خيراً وقد تدخل وديان يقال وادي الرافدين فالوادي إذاً هو المكان الذي فيه نهر كبير يقال وادي مثل وادي النيل فكلامها صحيح ولما يقال وادي النيل ووادي الرافدين هذه ليست من فراغ إذاً كلمة وادي قد تستعمل ونحن قلنا المشترك في هذا القرآن موجود تستعمل في أنها من حياض الماء.

إذاً ونحن في نهاية هذا البرنامج نسأله تعالى أن يجعل هذا في صحائف أعمالنا جميعاً مخرجين ومصورين ولا ننسى في هذه المناسبة أن نذكر شيخ المخرجين الذي بدأنا معه هذا المشوار الطويل وهو الأخ تيسير شاهين ذاك الرجل الكريم الذي هو سبّاقٌ في هذا المجال وكل الذين جاؤوا من بعده وآخرهم الأستاذ يعقوب والفريق كاملاً المصورون والمخرجون والعاملون ولم يقصر أحد إلا نحن فنحن الذين قصّرنا ربما في جهدنا وربما في أننا لم نستطيع أن نقدم لهم كما كان يطلبون في الأسبوع أكثر من حلقة ومع ذلك من فضل الله عز وجل جمع صحبةً على هذا البرنامج كريمة وعظيمة وأسأله تعالى أن يجمعنا وإياهم في الجنة إن شاء الله. ولعلّك شيخ تؤكد على قضية الماء باعتبارها نعمة وكي لا تكون نقمة والعياذ بالله ولهذا تبذير الماء في كل عصر من أعظم الخطايا. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (لا إسراف في الوضوء ولو كنت على نهرٍ جارٍ) حتى وأنت تتوضأ عليك أن تستعمل الماء بالحدّ الأدنى لعظمة الماء وقيمته عند الله. ولهذا تبذيره بأي طريقة خطيئة عظيمة أعظم من أن تهين أي نعمة. أنت إذا أهنت الخبز أو أهنت الطعام جريمة عظمى ولكن أعظمها أن تُهين الماء. ولذلك على كل من يسمعني أن يكون رشيداً في استعمال الماء حتى لو كنت على نهر الفرات أو دجلة عليك أن تستعمل الماء بالحد الأدنى لأن هذه نعمة من نعم الله العظيمة والناس يحتاجونها وما من جرعة ماءٍ تزيد عن هذه الحياة. إذاً هكذا هو الأمر وحينئذٍ بانتهاء هذه المنظومات أو هذا العلم أو هذا المنهج من كتاب الله عز وجل نكون قد وفّينا ذمتنا أمام الله سبحانه وتعالى وأخرجنا للناس جانباً عظيماً من جوانب الكتاب الذي لا تنقضي عجائبه وهذه واحدة من عجائبه. ورب العالمين شاء أنه في كل عصر من العصور أن تخرج عجيبة من عجائبه وإلا لو شاء رب العالمين لأوحى بها من أول يوم لكن هذه إرادة الله عز وجل (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴿53﴾ فصلت).

سؤال: هل يمكن أن أضيف كلمة الرسّ للمنظومة؟ الإجابة: والله جزاك الله خيراً، الرسّ بمعنى البئر (وَأَصْحَابُ الرَّسِّ﴿12﴾ ق) ما شاء الله عليك وهذه من أهم ثمرات البرنامج أن أولئك الأخوة والأخوات الذين معنا على هذه المائدة في هذه المعمورة الكرة الأرضية قد تتلمذوا على هذا المنهج وتأثروا به. فما من حلقة إلا وجاءنا أحد الكرام مثل أمثال الأخ زياد ومن النساء وهذه الكلمات التي يذكرونها المشاهدين أدوّنها وأضيف المصدر فلان وفلانة فإذا طُبِع الكتاب سنكون في الهامش بإذن الله. وهناك شخصية كريمة من هذا البلد تبرعوا بأن يشكلوا لجنة للقيام بأعباء التحضير للطباعة فكل هذه الملاحظات ستدوّن في الهامش إن شاء الله.

سؤال: هل كلمة لجّة تدخل في المنظومة؟ كلا هذه الكلمة أخذناها مع كلمة موجة وأخواتها ولكنها لفتة طيبة من الأخ السائل.

يقول الدكتور نجيب: وأهم ما تفضلت فيه أن هذا المنهج الذي أرسيته من خلال الكلمة وأخواتها على وجه الخصوص قد أصبح مدرسة متكاملة وجامعة متحركة وهنالك من بدأ يكتب فيه رسائل ماجستير- وهذا في دولة واحدة فقط- يأخذ فصلاً من الفصول أو منظومة من المنظومات ثم يبين ما فيها من فروق وفقه واختلافات على المعاني وخرجوا بأبحاث. وأم محمد (الأخت نعيمة من السعودية) نبهت على نقطة مهمة وهي قضية أن الأصل هو التدبر في القرآن الكريم وقد كان لهذا البرنامج والحمدلله دور كبير في منهجية هذا التدبر وخاصة في بيان الفروق القرآنية الدقيقة وكل منظومة من المنظومات تصبح أن تكون رسالة فنحن فقط بينا المعنى اللغوي لكن هذا يتفرع عليها فرق المعنى الفقهي والإعجازي والبلاغي. وندعو الله سبحانه وتعالى أن يواصل أخواننا وأخواتنا وطبعاً إذا طبع الكتاب بحالته هذه لا بد أن يعقبه استنباطات من طلاب العلم في كل مكان حتى يكتمل هذا العلم ويصبح بأيدي الناس حقيقة واقعة. هكذا هي كل العلوم فكل شيء يبدأ صغيراً ثم يكبر إلا المصيبة تبدأ كبيرة ثم تصغر وإن شاء الله هذا على مر السنين القادمة سوف يكبر سوف يكبر بإذن الله.

بُثّت هذه الحلقة بتاريخ 25/1/2008م وطبعتها الأخت الفاضلة نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها