مقدم الحلقة: الدكتور حسام النعيمي |
تاريخ الحلقة: 19 /1/2009 ـ 22 من محرم 1430 هـ |
سحر البيان
موضوع الحلقة: سورة الفاتحة
بسم الله الرحمن الرحيم،الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام سيدنا “محمد” أشرف خلق الله أجمعين، وعلى آله بيته الطيبين الطاهرين، وصحابته، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أيها المشاهدون الكرام في قول الله -سبحانه وتعالى- في سورة الفاتحة { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } قلنا قراءة { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} أيضاً، وتكلمنا بصور موجزة فيما يتعلق بالأحرف السبعة في القراءات السبع، وقلنا هذه القراءات هي في حقيقتها بداية الأحرف السبعة، وأن الأحرف السبع لم تكن من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما هي من الله تبارك وتعالى لأن الأمر يتعلق بكلام الله -سبحانه وتعالى-
ولذلك لا شأن لبشر في موضوع الأحرف السبع، والبقايا من هذه الأحرف التي كانت القراءات القرآنية، وبعضه باقي ليومنا هذا.. قلنا في كلمة { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} {وملك يوم الدين} بعض العلماء حاول أن يرجح بين القراءات المتواترة، فـ(ملكِ، ومالك) قارئتان متواريتان.. فيبن الفوائد أو الميزات الموجودة في كلمة (مالك) كيف أن المالك يكون الأمر راجعاً إليه.. بينما الملك لا يملك كل شيء، ممكن أن يكون في مملكته من يملك.. هو الملك.. لكن هناك من يملك داراً، هناك من يملك دابة، هناك من يملك كذا، فـلما يكون (مالك) إذن يشمل الجميع.. بينما لما يكون (ملك) يكون في مملكته من هو يملك أيضاً.. فكأمنا هناك خلل في الملكية.
جاء آخرون فقالوا: لا .. الملك ينبغي أن ننظر إليه على المعنى الأساسي الذي كان في ذلك الزمان لما تنزلت الآية القرآنية كان الملك يملك كل شيء.. فإذن الملك أولى من المالك، الذي نقول به في هذا المجال، وهذا الكلام حتى ممكن أن يوجهه للمتخصصين في الدراسات، لا ينبغي هذا رأي لبعض العلماء..
نحن نتبناه، القدماء ، لا ينبغي أن يوازن أو يفاضل بين قراءتين متواترتين، ونحن نقول دائماً قراءة السبع حقيقة هو عندنا في قول لبعض العلماء هو قول راجح أن القراءات عشر المتواترة، وليس سبع؛ لأنه عندنا في البصرة القراءة العامة هي قراءة “أبي عمرو” من السبع.. لكن أيضاً هناك قبائل ها تكون أقل من أعداد قراءات “أبي عمرو” كان يقرأ بقراءة “يعقوب”.
هناك فوارق خفيفة أو جزئية.. فأضيف “يعقوب” إلى القراء السبع صار ثمانية في الكوفة، الكوفة مجموع قبائل؛ ولذلك صار فيها عدد من القراء.. يعني صار فيها عندنا “الكسائي” وعندنا “حمزة” وعندنا “حفص”، “حمزة” [عفواً] ثلاث من القراء السبع، وأيضاً عندنا خلف من العشرة.. أضيف لأن أيضاً انتهب بعض العلماء أن في قبائل أخرى موجودة، وكانت تتهيأ للجهاد فيها فوارق جزئية.. يعني في المدينة كان نافع، وأيضاً جانب معين كان “أبو جعفر” أيضاً من القراء فصار عندنا عشرة قراء، عشرة قراء لعشر قراءات الفوارق جزئية، كما نلاحظ.. لكن درج الناس على أنه القراءات السبع هي أصل التواتر، وإن كان الذي نميل إليه والله تعالى أعلى وأعلم هو القراءات العشر للقراء العشرة.. هكذا مع ذلك يجري على اللسان القراءات السبع من القراءات.
المهم القراءات المتواترة بين القراءات المتواترة لا ينبغي التفاضل.. لكن ماذا يفيد من ذلك؟
نفيد محاولات الجمع بين القراءات، والجمع بين القراءات يؤدي إلى سعة في المفهوم، إلى سعة في التعبير.. يعني لما نأتي إلى آية سورة التوبة مائة اللي فيها {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ } ونذكر أن التوبة هي آخر ما نزلت من القرآن، وهذه الآيات نزلت بعد الرجوع من “تبوك” يعني في أواخر حياة الرسول -عليه الصلاة والسلام- { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ} يعني هؤلاء السابقون، والذين جاءوا بعدهم منها، وإن قال أنهم تابعين لهم بإحسان إلى قيام الساعة.. لكن هؤلاء كانوا اثني عشر ألف..
مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو راضياً عنهم ، والآية الكريمة تذكر (رضي الله تبارك وتعالى عنهم)..
{ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } (رضي الله عنهم) اثنتي عشر ألف.. { وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ }.. يعني ما المسألة هكذا أعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار، تجري تحتها الأنهار، { تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} عندنا قراءة لأهل مكة، ابن كثير {تجري من تحتها الأنهار} يعيني في مصحف أهل مكة {من تحتها} وسائر القراء.. يعني الباقية العشرة لنقول تجري تحتها فقط أهل مكة مصاحفهم تجري من تحتها ثبتوا فيها من لوجود هاتين القراءتين عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
يقول العلماء: لما نجمع بين القراءتان يكون هناك سمة خاصة لجنة صاحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كل الجنات، كل حديث عن الجنات لكل البشر إلى قيام الساعة.. يقول: تجري من تحتها الأنهار، تجري من تحتها إلا لما تكلم على صحابة الرسول -عليه الصلاة والسلام- اثنتي عشرة ألفا (رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} هكذا تقول الآية..
جاء فيها قراءتان بمن، ومن غير من فيصير هذه الجنات الأنهار فيها صنفان تجري من تحتها تتفجر كسائر الجنات، وتجري تحتها الأنهار أيضاً زيادة على ما في سائر الجنات، بيان سمة وميزه.
إذن الجمع بين القراءات يعطي سعة في التعبير.. فنحن نقول: { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ومالك يوم الدين لما تجتمع يكون معنى ذلك أن الله تبارك وتعالى هو المالك، والملك..
لذلك اليوم ونقول أيضاً كل كلمة في كتاب الله -عز وجل- لما نحاكمها وفقاً للوقت الذي نزلت فيه.. لما نزلت ماذا كان يقصد بها؟ ونرجع في ذلك إلى واقع الناس، وإلى المعجمات اللغوية لما أتى إلى المعجمات اللغوية، وإلى واقع الناس نجد أنه الملك في ذلك الزمان.. لما يتحدث القرآن عن الملك في زمانهم من كان الملك، الملك كان كسرى، والملك كان النجاشي ، والملك كان قيصر.. هؤلاء الملوك.. الملوك في ذلك الزمن كانوا يملكون، ولهذا نجد في كلام “بلقيس” الذي ذكر القرآن الكريم بلفظه قالت: { قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } يعني يفعل هؤلاء الذين سيأتون إلى مملكتنا هي كانت ملكة أيضاً، وكانوا يقولون لها { نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ} أنتي تقولين، ونحن ننفذ.
وهكذا كان الملك.. الملك يملك شيء غير الملك في زماننا الآن صارت الملكية الدستورية، وهناك تقيدات لـ يعني شيء آخر.. الحقيقة يعني غير.. فينبغي إن نفهم لما يقول القرآن على قراءة { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يعني بالمفهوم الذي كان هذا الذي يذكرنا بشيء.. يعني في قصة أيوب في القرآن الكريم فيها { ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ }.. {اركض برجلك}، { وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ} هذا اركض آية أخرى غير حتى لا يختلط الأمر..
يقول لك: هو الإنسان بماذا يركض؟ يركض برجله.. فلما ننظر في المعجم إلى كلمة ركضت الأصل في ركض معنى رفس برجله.. هذا الأصل فـ معناه (اركض برجلك) يعني يرفس؛ لأنه يقول: ركض فرسه، نجد في المعجم ركض فلان فرسه إذا ضربها.. يعني لما يضربها في رجلها من الجانبين هذا معنى ركض.. ثم استعملت للعدو، وعدي يعدوا بمعنى ركض عدي يعدوا أي ركض يركض فـ (اركض برجلك) معناها أرفس الأرض.
ولذلك لما رفس الأرض ظهر له الماء.. قال: { هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } فالكلمة إذن لما ما نتأتى بها على المعنى الحالي.. يعني أحياناً لا يمكن أن تنطبق { وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ } فجاءت سيارة.. إحنا الآن كلمة سيارة لها مفهوم خاص، لها معنى خاص، لها معنى خاص.
كذلك معنى كلمة قطار صار لها معنى خاص، السيارة اللي في الأول الناس الذين يكونوا مسافرين، وأكثرهم يسير على قدمه.. القطار الذي هو الصف من الإبل، وأطلق على صف الشجر.. يعني أما هذا أخذ من هذا أو هذا أخذ من هذا.. يعني شيء خلف شيء يكون قطاراً، وأطلق على هذه الألة التي تنقل الناس، والسيارة كذلك.. يعني ما نحاكم على الألفاظ الحالية؛ لأن يصير فيها تطور دلالي.. لكن المرجع هو معجمات اللغة، نرجع إلى المعجم، وننظر ماذا يقولون عن كلمة الملك.. كيف كانت تستعمل؟ ما المقصود بالملك؟
فنجد أنه الملك يعني الذي يملك البلدة، ويتصرف فيها له كل شئونها، وقال فرعون: { أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي } ملك مصر هو حقيقة لا يملك كل شيء، هناك أناس يملكون.. لكن حتى ما يملكه هؤلاء فهو يملكه؛ لأنه يملكهم، وما يملكون، الملك هكذا كان.. بحيث يستطيع أن يأخذ ما شاء.. بل أكثر من ذلك حتى في الجاهلية عند القبائل العربية كان هناك نوع من الميزة لرئيس القبيلة ما قال له ، يمدح أحد رؤساء القبائل : لك المرباع منها من الغنائم.. لك المرباع منها، والصفايا، وحكمك هو النشيطة والفضول، لك المرباع منها.. فلك هذا قبل التقسيم، قبل أن يقسم يقول له: لك المرباع منها إلى آخر البيت.. حتى في ذلك الوقت كان هذا الأمر.
فلما يقرأ { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يعني بهذا ، المعنى يملك ذلك اليوم، يبقى كلمة يوم الدين.. سواء قلنا (ملك أو مالك) أو جمعنا بين القراءتين.. يعني هو الله -سبحانه وتعالى- الملك، والمالك في الوقت نفسه يقول: لماذا خص يوم الدين، يوم الدين يعني يوم القيامة.. لماذا خصه؟
أولاً: نحن كلمة يوم أيضاً أصابها نوع من التحول الدلالي، نحن عندنا كلمة يوم الآن بمعنى (24) ساعة ، بالساعات المعلومة التي كل ساعة مكونة من ستين دقيقة، مكونة من ستين ثانية هذا تقسيم صار عندنا.. لا أقول الآن.. يعني إنما عندنا، من زمن اكتشاف أو اختراع أو صنع الساعات، وكان يعني بداياتها في ساعات الدقاقة اللي بدق، وصناعاتها في (بغداد) في عهد “هارون الرشيد” لما أرسل إلى ملك الروم إلى شرلمان أرسل إليه ساعة دقاقة.. قالوا المسلمون وضعوا جنً فيها ..
فهكذا كان تخلفهم ثم نمنا، وامضوا يشتغلون يبنون على ما قدمناه لهم صاروا يبنون، ونحن استيقظنا على رفسا أقدامهم { إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } على أي حال الخير في أمة “محمد” -صلى الله عليه وسلم- لا ينقطع، ولا يأس إن شاء الله تعالى.. فصار عندنا اليوم يساوي أربعة وعشرين ساعة بنسميه يوم، اليوم في أصلا لغة هو النهار.. يعني لما ننظر ففي قوله تعالى { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً }.. (سبع ليال) يعني سبع من الليالي، وثمانية من النهارات .. سبعة ليال، وثمانية أيام حسوما.. فمالك يوم البعض يقول هذا أشار إلى الجنس إلى ذلك الزمن.. لكن البعض يقول لك:
لا.. هو يوم.. يعني يوم القيامة هو يوم واحد يقوم فيه الناس لرب العالمين.. لكنه يوم طويل طويل، مقداره خمسون ألف سنة.. قال: { تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ{4} فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً{5} إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً{6} وَنَرَاهُ قَرِيباً{7} يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ{8} وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ{9} وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } هذا يوم القيامة.
فيوم القيامة مقداره {خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} يقف الناس، يقفون تتخيل { خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} مما نعد الآن؛ لأنه لك بيئة.. لك وضع.. لك نجم أيامه، وسنواته.. لكن لما القرآن الكريم يخاطبنا معنى ذلك من أيامكم هذه، بهذه الكثرة من السنوات فالعاقل يسأل نفسه كم سيمضي في هذه؟ لا حياة، وفي ذلك اليوم ، يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام- “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله” سبع أصناف يكون في ظل يهيئه الله تبارك وتعالى لهم، وفي راحة لا يشهدون هذا الموقف الرهيب وإلا.. حتى يقال في الآثار أن ليكون الموقف ينادي.. يعني بعض الناس اللهم أنقذنا من هذا ولو إلى النار.. المهم هذا الانتظار قاتل { خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} فذلك يوم الدين.
هذا اليوم إذن له حكم النهار.. يعني ليس فيه ليل ونهار إنما كله نهار.. يعني ما فيه ليل فهو كله يوم، والعربي يدرك ذلك؛ لأن هو يفرق بين اليوم والليلة.. يقول: سرنا يوم ليلة ، يوم وليلة يعني أربعة وعشرين ساعة؛ لأننا الآن نحن نقول اليوم هو أربعة وعشرين ساعة هذا الفارق فالله -سبحانه وتعالى- ملك اليوم لا أحد يقول حتى بجحاً كما يقول بعض الناس في دنياهم أنا أحي وأميت، وهذا لي، وليس لي ملك مصر إلى آخره.. يقولوها في الدنيا أما في الآخرة لا أحد يتكلم مثل هذا الكلام.
الملك لله الواحد القهار، وحتى في الدنيا الملك لله الواحد القهار كله ملكه.. لكن هذا في عقيدة المؤمن، أما الكافر يقول لك: لا.. يوم القيامة حتى الكافر لا يستطيع أن يقول شيء.. الكل خاضعون للملك الجبار -سبحانه وتعالى- فلا تسمع إلا همساً { وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً } ما في صوت، وخوف، وانتظار، والإنسان لا يدري ماذا سيكون حاله.. هل سيعطى كتابه بيمينه أو يعطى بشماله أو وراء ظهره..
فهو ذلك اليوم هو يوم الدين، وكلمة الدين لها جملة معاني الحقيقة؛ ولذلك لو قيل في القرآن الكريم ملك يوم القيامة.. يعني اليوم الذي يقوم فيه الناس هكذا ملك يوم الساعة.. يعني اليوم الذي تقوم فيه الساعة، مالك يوم كذا قال: { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يوم الدين أولاً، الدين هو النصيب، والحظ الذي لك واحد، الدين، وما التزم به الإنسان من طاعة الله -عز وجل- هذا هو الدين.
فلذلك هو يوم الدين كما نقول هذا يومك يا فلان.. فذلك اليوم هو يوم الدين يوم التدين، يوم أصحاب الدين، ذلك هو يوم الدين فله معاني كثيرة الحقيقة.. فلذلك اختيرت كلمة { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} هذا هو موضوع الاختيار الذي تكلمنا عليه من قبل، وذكرنا كلمة الإمام الرازي رحمة الله عليه لما قال.. لما قال: يعني الحكمة لابد منها في الاختيار.. لكن لا نعلمها كما هي.. يعني على وجه اليقين، وإنما نقول ما يختر بالبال.
فإذن { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} لم يقل القيامة أو الجزاء؛ لأن هذه اللفظ قلنا لها معاني كثيرة كلها مراده.. لو قال: مالك يوم القيامة يكون التصور قيام الناس فقط، مالك يوم الجزاء يكون التصور فقط يوم المحاسبة، وما ينبني عليه من جزاء، وهكذا.. لكن { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} تضم كل هذه المعاني.. يعني مالك يوم ذلك اليوم يوم الاعتقاد، واليوم الذي ينجوا فيه أهل الدين.. بهذه المعاني يكون كل هذه المعاني مراده.
الحديث “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله” في ذلك اليوم نحن نفتش عن الحديث، “الإمام العادل” نعم في الحديث “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. الإمام العادل” ليس إماماً واحداً.. هذه يعني هذا الصنف ، هذا الصنف من المؤمنين، الإمام العادل يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، “وشاب نشأ في عبادة ربه ، ورجل قلبه معلق بالمساجد” يعني دائماً الصلاة صلاته في المسجد، “ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال.. فقال: إني أخاف الله” يعني طلبته للفاحشة مثل طلب صاحبة يوسف “فقال: إني أخاف الله” ذات منصب وجمال، “ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه” لشدة الخفاء ما يجاهر..
طبعا هذا للعلماء كلام فيه.. يقول لك: إذا كان يؤمن على نفسه من الرياء ففي وقت فساد الناس، والابتعاد عن الصدقات المجاهرة بالطاعة تكون عند ذلك أولى إذا أمن على نفسه الرياء.. يعني يكون عند ذلك عمله لإشاعة الخير حتى يذكر الناس أن فعلاً والله فلان أعطي أنا.. لماذا لا أعطي فلان فعل كذا من أنا؟ لماذا لا أفعل هذا الخير؟ هذا.. لكن الأصل أنه في المجتمع بشكل عام المجتمع التقي الصالح الأصل أنه رجل تصدق بصدقه فأخفى.. يعني أخفى عملية التصدق.. بحيث حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه.. يعني أقرب الناس إليه لا يعلم ذلك والسابع “رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه” رجل ذكر الله خالياً، وليس أمام الناس.. يعني يكون أيضاً مجال رياء.. لكنه خالياً وهو وحده يذكر الله..