سحر البيان

سحر البيان – نِعَم الله لا تحصى

اسلاميات

الحلقة السابعة: نِعَم الله لا تحصى

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف خلق الله أجمعين وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحابته والتابعين ومن تبعهم بٍاحسان اٍلى يوم الدين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها المشاهدون الكرام .في الحلقة الماضية وقفنا عند قوله تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) وقلنا هذا في جواب الشرط (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن) هذا هو الشرط ومعه القيد: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى) قيّده (وهو مؤمن) جواب هذا الشرط: (فلنحيينه حياة طيبة) وبينا أن الكلمة :ولنحيينه، فيها اللام الموطئة للقسم، ونون العظمة نحيينه، ونون التوكيد. يعني هذه المؤكدات الثلاتة تأكيد وتأكيد تأكيد، فيها تطمين عظيم لذلك الذي يعمل الصالح (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) حياة طيبة وكلمة طيبة لها استعمال في أكثر من معنى : نقول ريح طيبة، طعام طيب، الملبس الطيب، وفي حديث البخاري يرحمه الله :”من تصدق بعدل ثمرة من كسب طيب، (الكسب الطيب ما كان من حلال ولا تشيبه شائبة وترتاح له النفس لأنه حلال) ولا يقبل الله اٍلا الطيب، لأن الله يتقبلها بيمينه، يعني هذا اٍشارة اٍلى الاٍكرام يعني العربي يكره أن يتقبل شيئا بشماله، فيمثل ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى يتقبل هذا العطاء من الكسب الطيب، يتقبلها بيمينه، وماذا قدم ؟ قدم ثمرة، ثمرة أو ما يعدلها من قدر، يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها، يربيها يعني ينميها يكثرها هكذا معنى التربية، يربها يعني يكثرها يربي يعني يكثر، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه، الفلو هو الحصان الصغير اول ما يولد، الاٍنسان العربي يحب الخيل يربيه اٍلى أن يكون فرسا قويا، ثم يربيها يعني أنت لا تتوقع أن هذا الشيء الذي تقدمه من الخير الطيب أنه هو يبقى بقدره، واٍنما رب العزة ينميه لك فلما تأتي يوم القيامة تجد عجبا مما لم تفعله هكذا، يعني هذه الحسنة ما كانت هكذا لكن رب العالمين سبحانه وتعالى ينميها لك حتى تكون مثل الجبل،  الجبل هذا العظيم يعني أنت قدمت بقدر ثمرة في الحجم ستأتي يوم القيامة ستجد مثل الجبل، هذا لأنه من كسب طيب وتصدقت به وكذلك الله سبحانه وتعالى يقول: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) بعض الناس يقول: والله نحن نؤمن بما يقوله الله سبحانه وتعالى وهو حق لا شك فيه، لكن في محاكمتي العقلية أرى هذا الاٍنسان كما يقول الرسول عليه الصلاة والسلام :”اٍذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالاٍيمان”وذاك الحديث :”هلا شققت عن قلبه” ظاهره هكذا، لكن أناسا نحسبهم في الظاهر أنهم من أهل الصلاح والتقوى لكن نجده متعبا في حياته منهكا فيها، يخرج من الصباح ويفتش عن عمل وقد لايجده ثم يعود مرهقا متعبا من عمله أو من التفتيش عن عمل ثم لايجد اٍلا كسرة خبز أحيانا وشربة ماء فأين الحياة الطيبة؟ هل هذه هي الحياة الطيبة؟ هذا الكلام ناتج عن سوء التقدير يعني السعادة ماهي؟ الحياة الطيبة توصل للسعادة كما قال الشاعر:

لعمرك ما السعادة جمع مال                   ولكن التقيّ هو السعيد

كثير ولكن التقي هو السعيد، تجد اٍنسان مليونير يملك الملايين لكن لما يفتح لك قلبه تجده مهموما كيف مهموم؟هو عنده مثلا مائة مليون لكن صاحبه عنده مليار وهو يريد أن يكون صاحب مليار فيجهد عقله، يأتي في الليل لينام يبقى يتقلب على الفراش لا يغفو، هذه ليست سعادة أن تجده يركب السيارة الفاخرة ويلبس الملابس المترفة وله هذه الملايين لكن لما تدخل في دخيلته تجده ليس سعيدا، ما عنده ذلك الاٍطمئنان، أقل شيء يصاب قلق أدنى شيء ولده مرض يبقى قلقا يخشى أن يصيبه شيء يخشى أن يموت، يخشى كذا، هذا القلق يبعد السعادة. لكن تأتي اٍلى هذا الاٍنسان الذي تراه أنت فقيرا تراه متعبا، تجده يذهب في الليل اٍلى فراشه يضع رأسه على المخدة وينام لا يستغرق دخوله في النوم أكثر من ثواني، ينام مرتاحاً لأنه ما ظلم أحدا ما أساء اٍلى أحد ما عنده ما يشغل مخه، يشتغل به أنه كيف؟ ماذا سأعمل؟ غدا ماذا سأفعل؟ يقول والله أنا مأمور أن اقدم الأسباب والأمور بيد الله من قبل ومن بعد هكذا، فيكون مطمئن القلب بهذا الرضا يكون راض عما يأتي به الله سبحانه وتعالى وهو لو حكم الأمر أي الاٍنسان بعقله يعني يقول لك أنت تقول لي شخص يا فلان والله ما أدري يعني أقدم لهذه الجهة أو أقدم لهذه الجهة أذهب من هذا الطريق ولا أذهب من هذا الطريق ياأخي جزاك الله خيرا أرشدني وهو اٍنسان كريم نبيل مطلع أيرشدك اٍلى السوء؟ الجواب قطعا:لا اٍذا كان اٍنسانا عالما عارفا بما تسأل عنه، وكان اٍنسانا شهما كريما نبيلا، لا يرشدك اٍلا اٍلى الخير، اٍذا كان من جند الشيطان قطعا يعكس لك الأمر، لكن كلامنا على اٍنسان نبيل وكريم وعارف عالم، يقول لك ماذا أختار هذا أو هذا ماذا أختار من مساراتي الدراسية أو من موادي الدراسية في موضوع اٍجازتي هذا الموضوع أو هذا الموضوع في هذا الفصل؟ وهو يعرف ذلك سيرشدك اٍلى الخير، هذا الاٍنسان فما بالك برب الاٍنسان سبحانه وتعالى، عندما تقول يارب ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك، ناصيتي بيدك أريد أن تختار لي لا شك أن الله سبحانه وتعالى سيختار لك ما هو خير لك في الدنيا والآخرة في هذا التعهد الذي في هذه الآية (من عمل صالحا) وقلنا ما ذكر ما هذا العمل الصالح؟ يعني سواء كان كثيرا أو كثيرا بحسب ما عندك أحيانا الاٍنسان ينفق دينارا واحدا وهو يقابل اٍنسان آخر ينفق عشرة آلاف دينار بحسب ما عندك في خزينتك، وبحسب ما عنده في خزينته، بحسب حاجتك وبحسب حاجته الفارق يعني ما ينظر في الشيء مجردا واٍنما بنسبة كيف ينسب هذا العمل لفلان، وكيف ينسب هذا العطاء لفلان بحسب ما عنده من العطاء وبحسب همته وبحسب ما عنده من القوة وبحسب ما عنده من علم ما يبثه في سبيل الله سبحانه وتعالى وهكذا، يعني الأمور نسبية الكليات ثابثة لكن الجزئيات التي فيها هي جزئيات نسبية (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) نقيس أن هذه الحياة التي هو فيها هي حياة طيبة لا شقاء فيها، لأنه سعيد ولما تأتي ساعة الموت يموت وهو راض يقول والله أنا قدمت ما أستطيعه قدمت هذا الذي طلب اٍلي، لا أنه لما تأتي ساعة الموت ( ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخدت مع الرسول سبيلا (27) يا ويلتي ليتنى لم اتخذ فلانا خليلا (28) لقد أظلني عن الذكر بعد أن جاءني  وكان الشيطان للاٍنسان خذولا (29) سورة الفرقان) ما يأتون هكذا فاٍذن (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) هذا تعهد من الله سبحانه وتعالى فلنحيينه يعني تعهد من الله عز وجل (حياة طيبة) لا شك أنها حياة طيبة، (ولنجزينهم) الجزاء يكون في الآخرة فقال جمهور العلماء الحياة الطيبة المراد بها في الدنيا نعم بعضهم قال: نحيينه حياة طيبة ولنجزينهم كله في الآخرة، فيعرض جمهور قالوا لاهذه القسمة (فلنحيينه حياة طيبة) وهي فردية في الدنيا يعني الاٍنسان يريد أن يعيش بسعادة هو لذاته ويمكن أن يسبغ من سعادته على الآخرين. نلاحظ اٍلى هنا يعني كلام في شأن الدنيا كله جاء كلاما بالاٍفراد، قلنا من لفظها جاء بالاٍفراد وذكرنا لذلك أمثلة حين نقول من جاء من فعل، الفاعل للفعل الذي يأتي بعد من هو ضمير مستتر تقديره هو يعود على من بالتذكير وبالاٍفراد مفرد ومذكر لكن المعنى يكون بحسب السياق ممكن أن يكون للمثنى ممكن أن يكون للجمع ممكن أن يكون للمذكر ممكن أن يكون للمؤنث لما كان الكلام على الدنيا يعني كله يتعلق بالجانب الفردي، من عمل العمل فردي، وهو مؤمن الاٍيمان فردي، لا يكون اٍيمانك درجته باٍيمان غيرك يعني غيرك يؤمن وأنت تنال الدرجة لا يكون هذا غيرك يعمل وأنت تنال هذا،لايكون هذا اٍلا في حال واحد اٍذا كان غيرك من نتاجك يعني أن يكون ولدا لك أو أن يكون يشتغل بمال أنت أعطيته اٍياه وقلت له تصدق أو أرشدته اٍلى ذلك فيكون لك منه شيء، لكن الأصل أن كل اٍنسان مسؤول عن كسبه لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت كل نفس بما كسبت رهينة هي كسبها هذه النفس لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت شيء فردي فمن عمل بصورة فردية (وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) كلهم جاؤوا بالاٍفراد، وينتقل الآن اٍلى الجماعة قال (ولنجزينهم) فيمكن في غير القرآن أن تمضي الفردية ولنجزينه لكن كما قلنا الأسلوب الأعلى لما يتعلق بمن اٍذا أريد بها الجمع أن يتبع بالاٍفراد ثم يتحول اٍلى الجمع، أن يبدأ بمجهول اللفظ يعني مراعات اللفظ ثم ينتقل اٍلى مراعات المعنى كما في قوله تعالى (ومن الناس من يقول) يقول هو وقلنا من الموصولة كمن الشرطية،  في الحكم في هذا الباب (ومن الناس يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمومنين(8) سورة البقرة) لما نأتي لاٍعراب (من يقول) نقول: يقول= فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر تقديره هو لا نقول تقديره هم لأنه يعود على لفظ من ولفظ من مفرد تقديره هو بعد ذلك عاد على الجمع قال (وما هم بمؤمنين) فهنا كذلك قال (ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) الجزاء غير الحساب الحساب أيضا فردي، هنا تجاوز الكلام على الحساب ما ذكر الحساب لكن ذكر الجزاء يعني نتيجة المحاسبة جزاؤهم، الجزاء هو النتيجة ما جزاء كذا ؟ما حكم كذا؟ الحكم كيف يكون بعد النظر في الأوليات ثم يكون حكم آخر، (قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا (25) سورة يوسف) ما جزاؤه يعني ما نتيجة ما عمله؟ النتيجة وليس المحاسبة في قصة يوسف عليه السلام كأنما حكمت عليه وبدأت تسأل عن النتيجة ما جزاء ؟ فجزاؤهم، فالمحاسبة فردية يوم القيامة كل يحاسب على عمله لكن المجازات النتيجة الأخيرة الجزاء وهو دخول الجنة يعني الثمرة و الفضل هو دخول الجنة، دخول الجنة يكون جماعيا فقال الله عز وجل (وسيق الذين اتقوا ربهم اٍلى الجنة زمرا (73) سورة الزمر) زمرا يعني جماعات مجموعات يساقون بحسب منازلهم،  بحسب المنزلة فالاٍنسان في الدنيا اجتماعي بالطبع كما قال الشاعر:

فلا نزلت علي ولا بأرضي            سحائب ليس تنتظم البلاد

ولو أني حبيت الخلد فردا             لما أحببت للخلد انفرادا

يعني يريد أن يكون مع ناس مع الآخرين، فكان الجزاء والكلام عن الجزاء جماعيا فبهذا جمع بين مراعات لفظ من، اللفظ الفردي، فردية لفظ من والجماعية في معنى من لما تكلم على الأمور الدنيا ذكر الفردية،  ويناسبها ذلك لما جاء اٍلى دخول الجنة: (ولنجزينهم أجرهم) الأجر هو ثمرة العمل يعمل العامل فنعطيه أجرا (ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) هنا كأنه صورة تقريبية من حياة الناس أن الاٍنسان يمكن أن يؤدي أكثر من عمل، يعمل شيئا هنا لرب عمل، يعمل شيئا هنا فينال أجرا يعمل شيئا أعلى فينال أجرا أعلى، يعمل شيئا أعلى من الأول ينال أجرا أكثر علوا، وهكذا.يعمل شيئا بطريقة معينة ينال أجرا على ذلك يحسن ذلك الشيء يكون أجره احسن وهكذا، كلما حسن عمله زاد أجره هذا في الدنيا. القرآن الكريم ينقل لك تلك الصورة اٍلى الآخرة، فيقول الله عز وجل (ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) يعني في ما يقابل أحسن أعمالهم، عندهم أعمال متدرجة، في درجة كذا نقول في درجة عشرة، درجة عشرين، درجة ثلاثين اٍلى غير ذلك درجة أربعين، أحسن ما كان يعمله لنقل درجة تسعين، جزاؤه يكون عند الله عز وجل الذي هو أكرم الأكرمين سبحانه وتعالى يكون على أعلى الدرجة، الجزاء يكون في أحسن ما كان يعمله الاٍنسان بأحسن، وهذه الباء في كلمة بأحسن ما كانوا يعملون وقف عندها العلماء،  يعني البعض قال اٍن الحساب ودخول الجنة يكون بسبب العمل، البعض قال لا، دخول الجنة اٍنما يكون وقفا للحديث: “برحمة الله عز وجل”، واٍنما التأهل لدخولها يكون بسبب العمل، يعني التمهيد لدخولها، فالباء بعضهم قال سببية مطلقة بعضهم قال الباء ههنا ليست للمعاوضة، يعني ليس هذا الجزاء جزاء عمل عوضه الجنة، واٍنما دخول الجنة برحمة الله سبحانه وتعالى .

للحديث بقية اٍن شاء الله تعالى في الحلقة القادمة. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.