الحلقة 5:
تأثير القرآن الكريم على عمر بن الخطاب وكعب الأحبار:
عمر بن الخطاب، هذا الرجل كان القرآن فقط هو السبب في تغييره من أن يكون صنديداً من صناديد الكفر إلى أن يكون علماً من أعلام الإسلام نموذجاً نفتخر به وبعدله على مر الزمان. قصة إسلامه غريبة جداً: مع بداية الإسلام أسلم أبو بكر وخديجة وزيد وعلي وغيرهم ومن ضمن الأوائل الذين أسلموا زيد بن الخطاب أخو عمر ولم يسلم عمر بل كان من أشد الناس ضد الإسلام وكان يبحث مع أبو جهل عن المستضعفين من المسلمين فينزل عليهم العذاب من أجل أن يكفروا واستمر على عداوته للإسلام يقال ثلاث سنوات. في السنة الثالثة بعد البعثة وصل الأمر أن يدعو أحد المسلمين أن ينعت عمر بنعت عجيب: لما بدأت الهجرة إلى الحبشة كانت قريش قد منعت الهجرة فكان المسلمون يهاجرون سراً وأراد أحد الصحابة أن يهاجر مع زوجته فقال له أنا أذهب من جهة وأنت تذهبين من جهة أخرى ثم نلتقي خلف الجبل وبينما زوجته في الطريق وإذ بعمر أمامها فقال لها إلى أين؟ فقالت دعني يا عمر آذيتمونا وعذبتمونا فاتركونا نذهب عنكم، أنا سأذهب مع زوجي وأخبرته بالحقيقة فرقّ عمر وقال: معك الله وتركها. ولما وصلت إلى زوجها فرح بها وقال هل رآك أحد؟ قالت عمر، قال: وتركك؟ قال ليس فقط تركني بل قال: معك الله. فقال زوجها لعلك طمعت في إسلامه؟ فقالت نعم، فقال: والله لا يسلم عمر حتى يسلم حمار إبن الخطاب. هكذا كان يأس المسلمين من عمر.
بعد هذا الموقف فكر عمر كيف يتفرق قومه ويذهب بعضهم للحبشة وقال: محمد فعل هذا لذا لا حلّ إلا بقتله. وقريش لم تقتل محمداً حتى ذلك الوقت لأنهم خافوا لو قتلوه خافوا إن قتلوه أن يحدث مشكلة في قريش وكل قبيلة سترفض أن تسلم القاتل فقال عمر أنا أقتله ولا يهم إن قُتِلت، فأخذ السيف وذهب متجهاً إلى رسول الله r فلقاه في الطريق أحد الصحابة فقال: إلى أين يا عمر؟ قال: أقتل محمداً، قال: وهل تظن أن عبد مناف يتركوك؟ قال ليس عندي مشكلة فليقتلوني لكن أكون قد قد تحلصت من محمد. فعرف الصحابي أن عمر جادٌ في قتل النبي فأراد أن يتخلص من عمر ويحول انتباهه عن النبي فقال: يا عمر إبدأ بأهلك، فقال عمر: ماذا تقصد؟ قال: أختك فاطمة، قال: أوصبأت؟ قال نعم. فقرر عمر أن يبدأ بأخته فذهب إلى بيت فاطمة ليؤدبها وفي نفس الوقت انطلق الصحابي إلى النبي r – الذي كان مجتمعاً بالصحابة سراً في دار الأرقم بن الأرقم – يحذره منا يريده عمر.
بدل أن يذهب عمر إلى النبي توجه إلى بيت فاطمة التي كانت في بيتها ومعها زوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن النفيل أحد العشرة المبشرين بالجنة وخباب بن الأرت يعلمهم سورة طه . وصل عمر وسمع صوت القرآن يتلى من بيت أخته لكنه لم يتبين الصوت جيداً وإنما سمع تمتمةات فطرق الباب بشدة فقالت فاطمة: والله كأنه عمر – وكانوا يخافون من عمر ومن شدته على المسلمين – فاختبأ خباب تحت السرير وقامت فاطمة تفتح الباب ورأت عمر وعلى وجهه الشر فقال: ما هذه التمتمة؟ قال سعيد زوج فاطمة لا شيء فضربه عمر ضربة أطاحه بالأرض ونزل الدم من فمه فانتقلت فاطمة نحو زوجها تحميه من أخيها فقال عمر: ما هذا الذي سمعت؟ أصبأت يا فاطمة؟ قالت: بل أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فضربها ضربة فسقطت والدم ينزل من فمها فأخذت تبكي. ورأى عمر أخته فتأثر فقال يا فاطمة أعطني ما تقرأين فقالت لا، قال: أعطني وأعاهدك أن لا أفعل به أو بك شيئاً، قالت لا أنت مشرك نجس وهذا كرم الله لا يمسه نجس، قال أريد أن أقرأ فقالت أعطيك بشرط أن تغتسل. سيطر الفضول على عمر فقال: أغتسل فطمعت فاطمة في إسلامه فأدخلته فاغتسل. في تلك الأثناء خرج خباب بن الأرت من مخبئه فقرأ لعمر الآيات من سورة طه (طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8) وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)) فاهتز عمر وقال: دلوني على محمد دلوني على محمد ففرح خباب وقال أنا أدلك عليه وأخذه فوراً نحو دار الأرقم والمسلمون مجتمعون بالسر. وإذا بالباب يطرق فنظروا من شق الباب فوجدوا عمر ومعه السيف فأخذ حمزة سيفه وقال: أنا لكم به، فقال النبي r أدخِلوه ولا تمسّوه. فاستغرب المسلمون وفتحوا الباب فدخل عمر فوصل إلى النبي r فأمسكه النبي من تلابيبه وقال: أما آن لك يا أبن الخطاب أن تُسلِم؟ أما تسلم حتى تنزل عليك صاعقة؟ فسقط عمر على ركبتيه فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. بإعجاز القرآن وبيان كلام الله عز وجل أسلم الجبّار عمر. انظروا إلى أثر القرآن في نفوس من يقرأه بصدق.
قصة إسلام اليهودي كعب الأحبار بسبب تأثره بالقرآن:
هكذا تأثر من يعرف العربية بكتاب الله عز وجل ولا يستطيع من يعرف العربية والبلاغة والفصاحة إلا أن يهتز بسماع القرآن. وهذا أمر ليس خاصاً بالعرب وإنما كان من غير العرب الذين يتقنون العربية وكثير من أسلم من غير العرب ومن هؤلاء أحد علماء المسلمين الذي كان يهودياً وهو كعب الأحبار من علماء يهود، من كبار العلماء متميز في أحبار اليهود. روي أن إسلامه كان في عهد عمر. كان كعب الأحبار في اليمن ومرّ بالمدينة أثناء سفره من اليمن إلى الشام فدعاه عمر إلى الإسلام فاعتذر ولم يقبل وقال: القرآن أهان اليهود وقال عنهم (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) الجمعة).
نقف أولاً مع هذه الآية قليلاً لما فيها من أساليب القرآن الفريدة. وأساليب القرآن عديدة منها القصص والأمثال وغيرها وسنتحدث فيها في الحلقات القادمة لكن نتحدث عن المثل في هذه الآية. المثل في الآية يقول أن الله تعالى أعطى اليهود كتاباً مقدساً ةرغم أنهم حرّفوا التوراة لكن مع هذا ما زال فيها ما هو صحيح فهم لم يحرفوها كلها وإنما بعض أجزاء التوراة محرف والآخر صحيح وتشير إلى النبي عندهم في التوراة ووصفه ينطبق على النبي r.
لما وصل النبي r إلى المدينة اجتمع سادة اليهود، تقول أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب: كنت صغيرة فسمعت عمي وأبي يتحاوران وكانا من علماء اليهود في التوراة، فقال عمي لأبي: أهو هو؟ قال: هو، قال: أهو النبي الموصوف عندنا في التوراة؟ قال: نعم، قال: أفي ذلك شك؟ قال: ليس في ذلك شك، – تقول صفية فذلك أول ما وقع الإسلام في قلبي – فقال عمي لأبي: فماذا عزمت؟ قال: عزمت على عداوته أبد الدهر، فقال وأنا معك، فتعجبت. يقول الله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) الجمعة). أُعطوا التوراة ثم لم يطبقوها أو يستفيدوا منها كمثل الحمار يحمل كتب علم! بئس المثل!.
كعب الأحبار قال أن القرآن يسب اليهود وأصرّ على عدم الإسلام. ذهب إلى الشام فسمع قارئاً يقرأ قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً (47) النساء) فاهتز كيان كعب الأحبار بسبب معرفته بالقرآن وهو كان في البداية رافضاً بسبب الآية التي فيها إهانة لليهود، فاهتز كيانه وأسلم وانقاد للحق متأثراً بالقرآن الذي لا يضاهيه كتاب في بلاغته وإعجازه وفصاحته.
مزيد من قصص العرب والغربيين ثم ندخل في أعماق البيان في سحر القرآن