سحر القرآن

سحر القرآن 8

اسلاميات

الحلقة 8:

 الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله و صحبه أجمعين

تحدثنا عن انبهار العرب بالقرآن وعن أنه صار مرجعاً للغة العربية والعرب كانوا يدققون في شأن اللغة بشكل غير طبيعي وذكرنا كيف كانوا ينتقدون كل بيت من الشعر لكن لما جاءهم القرآن لو يواجهوه بالتحدي ولكن واجهوه بالسلاح, القرآن يقول : فاتوا بآية من مثله وهم يأتوب المعارك ولو جاءوا بآية واحدة لانتهت المسألة. حديث اليوم سيكون عن تحدي القرآن للعرب وعجزهم عن هذا التحدي وسنذكر قصة مسيلمة الكذاب وقرآن مسيلمة الكذاب.

 

الله تعالى أنزل القرآن لهداية البشرية والارتقاء بها إلى مستوى رفيع لإنهاضها من المستنقع الآثم الذي كانت تتخبط فيه آلآف السنين ، كفر بعض الناس وقالوا إن القرآن سحر أو كهانة أو شعر أو أساطير الأولين. طبعاً ما كلن هناك بد من مقارعتهم بالحجج المنطقية والأدلة التي ترد عليهم وتفضح دعواهم. وهذا الرد جاء في القرآن الكريم على مراحل ليظهر عجزهم. تحداهم القرآن في البداية أن يأتوا بمثل هذا القرآن (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) الإسراء) إذن لو اجتمع الإنس والجن وساند بعضهم بعضاً لا يستطيعون أن يأتوا بمثل هذا القرآن. وفي آية أخرى (قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (49) القصص) منهما أي من القرآن ومتاب موسى u قبل التحريف فظهر العجز لدى العرب وأُفحموا وانهارت حجتهم وبان كذبهم وعدم قدرتهم على معارضة القرآن. لما عجزوا أن يأتوا بقرآن مثل كتاب الله خفّ التحدي فتحداهم الله تبارك وتعالى بعشر سور بديلاً عن القرآن الذي فيه 114 سورة، كل المطلوب عشر سور (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (13) هود). تقولون أن محمداً ألّف القرآن وأنتم لديكم الشعراء والأدباء والفصحاء فاتوا بعشر سور مثله فعجزوا واستعملوا الحروب: بدر والخندق والتعرض للسبي وأخذ الأموال كل هذا لأنهم عجزوا عن الإتيان بعشر سور. فلما عجزوا عن ذلك خفف التحدي فتحداهم تعالى بأن يأتوا بآية واحدة بدل عشر (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) البقرة) هذه الآية معجزة لهم حيث أنه ذكر اهم أنهم لم يفعلوا هذا في الماضي ولن يستطيعوا هذا في المستقبل. لو جاءوا بسورة قصيرة مثل سورة الكوثر التي رغم قصرها هي غاية في الإعجاز. كل ما يحتاجه آلآف الشعراء والأدباء والفصحاء هو أن يأتوا بسورة واحدة لينقضوا القرآن وهذا منتهى التحدي وما ذلك إلا لأن القرآن كلام خارق للبشر ولا يشبه قول البشر.

 

من قصار السور سورة العصر التي قال فيها الشافعي: لو لم ينزل من القرآن إلا هذه السورة لكفتهم لأن فيها أصول الإسلاموموجز العقيدة وملخص الشريعة والاشتمال على التوحيد وأنواع العبادة. الله تعالى يقول في القرآن كثير من السور التي تبدأ بالأحرف المقطعة (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه) هذه الأحرف هي الكتاب فهو مكون من هذه الأحرف، من جنس هذه الأحرف يتألف هذا الكتاب ولكنه مع ذلك عو ذلك الكتاب المعجز الذي يتحداهم بأن يأتوا بسورة من مثله فلا يستطيعون. ذلك صنع الله الذي أتقن كل شيء، صنع الله ذرات التربة لو أخذناها وجمعناها يمكن أن نصنع منها آنية أو أجهزة والذي أوجد الذرة هو الله تعالى كذلك يقول تعالى هذا القرآن مكون من هذه الحروف كما أن الذرة تكوّن الحياة النابضة التي تنطوي على سر الله المعجز. كذلك القرآن حروف وكلمات صنع الله تعالى ومنها كلامه عز وجل فهناك فرق بين كلام كأنه جسد خالي وبين روح نابضة وهذا هو الفرق بين صورة الحياة وحقيقة الحياة كما يقول سيد قطب.

 

التحدي بدأ من القرآن إلى أن وصل إلى آية واحدة فقط يأتي بها الإنسان ويقول أتحدى بها أنها تنافس القرآن. المطلون جملة واحدة تستغني بها قريش عن الحروب ولما حاول بعض فصحاء العرب أن يأتول بمثل القرآن جاءوا بالأعاجيب المضحكة ومنهم مسيلمة ابن حبيب وهو من اليمامة والذي اشتهر كما سمّاه النبي r بمسيلمة الكذّاب, مسيلمة الحنفي كان على عهد النبي r وكان من فصحاء العرب جاء في نهاية أمر الإسلام في وفود السنة العائرة للهجرة. جاء وفد من بني حنيفة من اليمامة للنبي r الذي كان يريد أن يقرّب الناس من الإسلام أما مسيلمة فكان يريد النبوة حتى يصير ملكاً فادّعى النبوة في بني حنيفة من الجزال والرسول r ما زال حيّاً فأرسل مسيلمة رسالة إلى النبي r عرض عليه أن يشركه في الأمر وخيّره بين أكرين: إما أن يكون شريكاً له اليوم أو أن يخلفه فيما بعد فأرسل يقول: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله أما بعد، فإني قد شوركت في الأرض معك ولنا نصف الأرض ولقريش نصفها ولكن قريش قوم يعتدون.

 

من بين المسلمين من بني حنيفة الذين أسلموا بقوا في المدينة ليتعلموا السنة والأحكام ولم يعودوا إلى اليمامة مع قومهم وكان من بينهم رجل يقال له (نهار الرجّال وفي رواية الرحّال) يقول أبو هريرة رضي الله عنه: جلست مع الرسول r في رهط ومعنا الرجّال فمرّ الرسول r فجأة وقال: إن أحدكم ضرسه في النار أعظم من جبل أُحُد فيقول أبو هريرة فخفت حتى خرج الرجّال مع مسيلمة فاطمأننت أنه لم أكن أنا المقصود.

 

أراد النبي r أن يرسل لليمامة من يعلّمهم القرآن ويثبت لهم كذب مسيلمة فاختار الرجّال الذي كان قد تعلم القرآن وقرأه وتفقه في الدين فبعثه r إلى اليمامة فلما وصل استقبله مسيلمه وقال له: إسمع أنا أعرف أنك من أتباع محمد لكن إذا أعلنت للناس أني رسول سأجعلك وزيراً فطمع نهار فقال: دئتكم برسالة من محمد قال يقول لكم رسول الله أن مسيلمة قد أُشرِك في الأمر معه فصدّقه الناس وكان نهار يعلّم مسيلمة فبدأ يؤلف قرآنه ويستعين بأخبار النبي r فيخبره نهار مثلاً أن الرسول r ذهب إلى بئر جفّت ماؤه مفتفل فيه r فنبع الماء ففعل مسيلمة ذلك فجف الماء من البئر وأخبره أن الرسول r مسح على رأس صبي ودعا له بالبركة فذهب مسيلمة ومسح على رأس صبي فصار أصلعاً. فزعم مسيلمة أنه له قرآناً نزل عليه من السماء يأتيه به ملك يمسى الرحمن.

 

قرآن مسيلمة كان جُمُلاً يؤلفها هو وبعضها يحاول أن يقلد آيات القرآن بطريقته الخاصة وكان يعارض أورزان القرآن في تراتيبه بشكل سجع لأنه مان يتصور أن النبوة نوع من الكهانة وهو كان يسمع الكهنة وسجع الكهنة ونعوّد العرب أن يسمعوا الكهان ويطيعوهم فصار يتعامل على أنه كاهن فاستجابوا إليه. وهناك سبب فلسفي لذلك الكهان وغيرهم عندهم رغبة أنهم يستهوون الناس فكانوا يفعلون شيئاً من الأفعال الخفية والأحان حتى تتأثر بهم العامة، هذا الأمر لا يخفى على بلغاء العرب وإنما الكهان استعانوا بالنفوس الضعيفة. قيل أن الأحنف ابن قيس أتى مسيلمة مع عمّه فلما خرج قال: كيف رأيته؟ قال: ليس بمتنبيء صادق ولا كاذب حاذق.

 من قرآن مسيلمة الكذاب الذي زعمه أخزاه الله تعالى قوله: والمبذرات زرعاً والحاصدات حصداً والذريات قمحاً والطاحنات طحنا والعاجنات عجناً والخابزات خبزاً زوالثاردات ثرداً واللاقمات لقماً إهالة وسَمناً لقد فضلتم على أهل الوبر وما تبعكم أهل البدر ريفكم فامنعوه والمعترّ فآووه والباغي فناوؤه. أي كلام هذا!؟ وأين هذا الكلام من كلام الله تعالى؟!

ومن قوله: والشاة وألوانها وأعجبها السوداء وألبانها والشاة السوداء واللبن الأبيض إنه العجب المحض وقد حرّم المذر فما لكم لا تمجعون (المجع هو أكل التمر مع شرب اللبن). يقول العلماء: أكان هذا القرآن ينزل على قلب مسيلمة أم على معدته أو على قوم جياع؟

 ومن أعاجيبه أخزاه الله: الفيل وما أدراك ما الفيل له ذنب وبيل وخرطوم طويل. يعلّق الجاحظ في كتابه الحيوان قائلاً: لا أدري ما الذي هيّج مسيلمة على الضفدع حيث زعم في قرآنه: يا ضفدع بنت الضفدعين نُقّي ما تنقين نصفك في الماء ونصفك في الطين لا الماء تكدرين ولا الشارب تمنعين. هذا كلام سخيف! وهذا مثال على القرآن الذي حاولوا أن يحاوروا به القرآن الكريم!. أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما رجع قوم بني حنيفة وقرأوه عليه ضحك وقال: ويحكم هذا الكلام لا يخرج من إل.