طلاقة القدرة في الكون – أساس إيماني
تلك حقيقة يجب أن نتنبه إليها .. فطلاقة القدرة أساس إيماني لكل شيء أخبرنا الله عنه .. وجعله غيبا عنا .. وكل شيء يكشفه الله سبحانه وتعالى لنا جيلا بعد جيل .. ذلك أن هذه الأشياء التي تزيدنا يقينا بقدرة الله .. يجب أن تزيدنا خشوعا له .. فكل يوم يضاف إلى علمنا أسرار كانت موجودة في هذا الكون .. ولم نكن نعرف عنها شيئا .. وهذه الأشياء في كثير من الأحيان تصحح مفاهيم خاطئة كانت موجودة على أساس أنها علم أرضي ولو أننا قمنا بحصر ما كشفه لنا لله سبحانه وتعالى من أسرار في الكون .. لوجدنا أن هذا الجيل يجب أن يكون أكثر عبادة وخشية لله من الأجيال التي سبقته لأنه وصل إلى أسرار في الكون جعلته يعرف قدرة الخالق وعظمته .. والله سبحانه وتعالى يقول : ( حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا ) ومعنى هذه الآية الكريمة .. أن الله سيكشف من أسرار كونه للبشر ما يريهم به دقة صنعه وإحكام خلقه .. ولكن البشر لن يأخذوا هذه الأشياء على هذا المعنى .. بل سيركبهم الغرور .. ويحسبون أنهم هم الذين صنعوا .. وهم الذين اكتشفوا .. ويجعلهم هذا الغرور يظنون أنهم قد وصلوا إلى العلم الذي يمكنهم من أن يتحكموا في كل شيء في الأرض .. حينئذ يأتي قضاء الله وتقوم الساعة .. ولقد استخدم الله سبحانه وتعالى كلمة ( ظن ) لحكمة بالغة .. ذلك أن الله هو الذي سخر للإنسان كل ما في الكون .. وهو الذي كشف له عن الآيات في هذا الكون .. ولكن بدلا من أن ينسب الإنسان الفضل لصاحبه .. نسبه لنفسه .. ليس حقيقة .. ولكن ( ظنا ) .. فالعلم كلما تقدم .. اعتقد الإنسان أن هذا عطاء من ذاته .. وأنه هو الذي سخر هذه الأشياء لنفسه .. وهذا الظن يجعله يعتقد أنه قد سيطر على الأرض تماما .. وأصبح قادرا عليها وعلى كل القوى فيها .. حينئذ تأتي الساعة .. وتتعطل القوانين كلها .. ويعرف الإنسان أن ما وصل إليه هو من فضل الله .. وأن الله إذا كان قد خلق لنا الأسباب وجعلها خاضعة لنا .. فيجب اأن لا نغتر بها وننسى طلاقة القدرة ولقد قال الله سبحانه وتعالى : ( سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) والقرآن كلام متعبد به .. لا يتغير ولا يتبدل حتى قيام الساعة .. ولذلك فإن كل جيل سيقرأ ( سنريهم ) .. والسين مستقبلية .. والمعنى أن كل جيل يرى ما لم يره الجيل الذي سبقه .. ليس فقط من آيات الله في الأرض .. بل في الآفاق .. وفي النفس البشرية .. ولعل التقدم العلمي في كشف الآفاق .. وفي معرفة أسرار الجسم البشري يجئ مصداقا لهذه الآية الكريمة .. ويجب أن نعرف أنه لا يقدر على العطاء المستقبلي إلا الله سبحانه وتعالى فلا يمكن مهما بلغت أنا من العلم أن أتنبأ بما سيحدث مستقبلا .. والأجيال قادمة .. ولكن الله سبحانه هو القائل .. وهو الفاعل .. ومن هنا فإنه يستطيع أن يعطينا صورة يقينية عن المستقبل والنقطة الخامسة أن الإنسان حين يتمسك بالأسباب .. فإنه يعطي نفسه قدرات ليست فيه .. ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى حين يرى عبدا من عباده يأخذ بالأسباب .. فإنه يتركه ليتفاعل مع الأسباب التي اعتقد أنها قد أعطته .. وفي هذه الحالة تسقط عنه الأسباب فيذهب العطاء .. ولو أن الإنسان كان قد ملك الأسباب حقيقة وهي التي تعطي , لما زالت عنه هذه الأسباب وذهب العطاء .. ولقد أعطاها الله سبحانه وتعالى مثلا لذلك في القرآن الكريم فقارون قال : ( إنما أوتيته على علم عندي ) .. وصاحب الجنتين في سورة الكهف قال : ( ما أظن أن تبيد هذه أبدا ) .. والذين أرادوا أن يأخذوا حق الفقراء في ثمر الحديقة .. قالوا : ( لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين ) .. وكان في هذا كله الهلاك .. فخسف بقارون وبداره الأرض .. وأحيط بثمر الجنتين .. وذهب خير الحديقة .. وأصبحت كالصريم .. كان ذلك كله سببا في زوال النعمة .. لأن المنعم عليه أخذ ظاهرية الأشياء دون حقيقتها وهي طلاقة القدرة التي أعطت .. والتي أخذت وطلاقة القدرة تعني أنه واحد أحد .. والقول بأن الله أحد .. معناه أنه يجمع من الصفات ما لا يمكن أن تجتمع لبشر أو لمخلوق .. بل للخالق وحده سبحانه وتعالى .. وهو الذي يملك وحده طلاقة القدرة .. يقول للشيء كن فيكون بلا أسباب .. وكل منا له حظ في العلم .. ولكن الله سبحانه وتعالى عليم .. أي لم يعلمه أحد .. وإنما العلم من ذاته .. ويعلم ما لا نعلم .. إذن فقولنا ( أحد ) .. هو تنزيه لله سبحانه وتعالى أن يكون هناك شبيه له .. فالشيء الواحد ممكن أن يكون له شبيه .. والشيء الواحد ممكن أن يكون من مجموع الأشياء .. فأنت تقول عن عدة أشخاص إنهم يتحدثون بلسان واحد .. أي أن كل واحد منهم .. يكرر نفس الكلام الذي يقوله زميله .. ولكن ( الأحدية ) تنفي هذا كله عن الله .. وأنت تقول للشيء المكون من عدة أجزاء شيء واحد .. فالكرسي مثلا مكون من خشب ومسامير وجلد .. ولكنه شيء واحد .. هو كرسي .. والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك تماما .. ذلك أن الله لا يمكن أن يكون مكونا من أجزاء متداخلة .. تبارك وتعالى وتنزه عن هذا .. وإلا فأي واحد من الثلاثة خلق الآخرين .. ومن الذي وجد أولا و إذا كان الله سبحانه وتعالى هو الذي وجد أولا .. فباقي الأجزاء هي من خلقه وليست جزءا منه .. ومن هنا فإنها تصبح من مخلوقات الله .. وليست جزءا من الذات .. والقول بأن الله سبحانه وتعالى .. مكون من أجزاء متداخلة عن الله سبحانه وتعالى .. إذن فالقول بأن الله واحد .. هو قول فيه تجاوز .. ولكن صحيح القول أنه أحد .. ليس كمثله شيء .. ولا يحتاج لأي خلق من خلقه .. بل هو الله الأحد الذي لا شبيه له .. ولا يرقى شيء مهما بلغ إلى قدرته وعظمته
طلاقة القدرة في الكون – كل شيء له مولد
والنقطة الثالثة إن كل شيء في الكون قد جعل الله له مولدا في طلاقة قدرته .. فطلاقة القدرة هي التي تكشف أسرارا لكل جيل أخفيت عن الجيل الذي سبقه .. فالله له عطاء جديد لكل جيل من البشر .. وإذا أردنا أن نستطرد في شرح هذه النقطة .. نقول إن بعض الناس يعجزه تفكيره عن فهم تفسير للآية الكريمة : ( وإذا مرضت فهو يشفين ) .. وبعضهم لا يذهب إلى الطبيب تطبيقا لهذه الآية .. والبعض الآخر يذهب إيمانا منه بأن الشفاء يحدث على يد الطبيب .. ولكن الذي يحدث أن لكل شفاء أجل .. فإذا جاء الأجل أو الموعد كشف الله للطبيب المرض فيتحدد الداء والدواء ليتم الشفاء .. والذي يحدث عادة .. وهذا في حياتنا كلنا .. أننا نذهب إلى طبيب صغير أو مبتدئ فيعرف الداء ويكتب الدواء .. ونحن حين يحدث هذا نتعجب .. ذلك لأن الذي حدث يخالف الأسباب في الأرض ولكن الحقيقة .. أو ما يحدث .. وما نشاهده جميعا ونعرفه هو عكس ذلك .. والحقيقة أن علم الطبيب المبتدئ لا يمكن أن يزيد على علم أستاذه .. ولا خبرته .. ولكن الذي حدث أن وقت الشفاء قد جاء .. فيسر لنا الله الطبيب الذي عرف الداء وكتب الدواء .. وإذا لم نذهب نحن إلى الطبيب فأحيانا يحدث ذلك بطريق ما نسميه الصدفة وهو أن يجمعنا مكان مع أحد الأطباء .. ويدور الحديث عن المرض ويقوم الطبيب بتشخيص الداء وكتابة الدواء وكما يقال عن المرض .. يقال عن كل كشف من أسرار الأرض .. يريد الله سبحانه وتعالى أن يمكن منه خلقه .. فكل كشف له ميلاد عند الله وفي علمه .. والذي يحدث أنه عندما يأتي وقت هذا الميلاد إما يصادف هذا الكشف عالم يبحث عنه .. فيكشفه الله سبحانه وتعالى له .. وإذا لم يصادف هذا الكشف عالم يبحث في نفس الموضوع كشفه الله سبحانه وتعالى لعالم يبحث في موضوع آخر .. ولذلك نرى كثيرا من الأبحاث العلمية التي تبدأ بالبحث عن كشف ثم تنتهي إلى كشف آخر مختلف تماما .. لم يكن يدور في ذهن العالم .. بل حدث بطريق ما نسميه الصدفة .. ولو تتبعنا الكشوف العلمية وما يحدث فيها .. لوجدنا أن اكتشافات كثيرة قد تمت دون أن يكون هناك باحث عنها بالذات .. بل بدأ البحث عن شيء وانتهى إلى شيء آخر وهكذا يكون العطاء في كثير من الأحيان بمولد وميقات من الله سبحانه وتعالى .. ولكن الله سبحانه وتعالى لا يطلعنا على ذلك .. فأحيانا نأخذ بالأسباب .. وأحيانا نرى أن هناك أشياء يحار العقل فيها فننسبها للصدفة .. أو للحظ .. أو لكل هذه المسميات النقطة الرابعة أن الإيمان بطلاقة القدرة هو أساس الإيمان وركيزته والذي لا يؤمن بطلاقة القدرة لا يمكن أن يؤمن بالغيب .. فالإنسان الكافر .. أو الذي ينكر وجود الله يأخذ بالأسباب وحدها .. فما هو ظاهر أمامه .. يصدقه .. وما هو غيب عنه يكذبه .. فإذا حدثته عن الجنة والنار .. والثواب والعقاب .. وما أعده الله سبحانه وتعالى للمؤمنين من عباده سخر منك .. ولكن الذي يؤمن بطلاقة قدرة الله هو الذي يفهم معنى أنه سيكون في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .. ولذلك فإننا لكي نؤمن بالآخرة .. ونؤمن بقدرة الله على بعث الموتى .. ونؤمن بما يعدنا الله من ثواب أو عقاب … يجب أن نؤمن أولا بطلاقة القدرة .. ونعرف أن الله سبحانه وتعالى لا تحده قيود ولا حدود .. ولا شيء عنده يقع تحت كلمة مستحيل .. وأنه مادام قد وعد .. ووعده الحق .. فإنه سيتحقق .. وأنه قادر على أن يخلق جنات فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .. .. وقادر على أن يعطي الإنسان نعيما أبديا .. ويعطيه عذابا أبديا وقادر على أن يسجل أعمال كل البشر .. وعلى أن يواجههم بأعمالهم في الآخرة .. تلك كلها لا تخضع لقانون السببية .. ولكنها تخضع لطلاقة القدرة التي حرص الله سبحانه وتعالى على أن يبينها لنا قولا وفعلا .. ويضعها في حياتنا اليومية .. فنحن نعيش مع طلاقة القدرة كل يوم ليزداد إيماننا بالغيب الذي حجب عنا .. ونحن حين نجد طلاقة القدرة التي تصطدم مع العقول وتحيرها .. إنما يزداد إيماننا بأن الله سبحانه وتعالى فوق قدرة العقول كلها
طلاقة القدرة في الكون – نجاة للمؤمنين
الله سبحانه وتعالى .. يريد أن ينجي المؤمنين من هذه الحياة الشقية .. فهو وعدهم بالحياة الطيبة .. والحياة الطيبة ليس فيها الشقاء البشري الذي تفرضه المادة على الإنسان .. بل فيها رحمة الله سبحانه وتعالى .. تلك الرحمة التي جعلت طفلا كإسماعيل عليه السلام يضرب الأرض بقدمه الصغيرة فيخرج ماء زمزم .. بعد أن هرولت أمه عليها السلام بين الصفا والمروة سبعة أشواط وهي تبحث عن الماء .. تأتي رحمة الله لتجعل الماء يخرج من ضربة بقدم طفل صغير .. فيتشقق الصخر ويخرج منه الماء تلك هي المعجزة الكبرى التي يريدنا الله أن نعيش معها .. فإذا وقفت أمامنا الأسباب فأمامنا الطلاقة الكبرى .. نلجأ إليها .. ولذلك قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : ( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ) .. وإذا تأملنا هذه الآية .. نجد أن الله سبحانه وتعالى استخدم لفظ ( المضطر ) المضطر ذلك الذي تخلت عنه أسباب الدنيا ووقف كل شيء حائلا بينه وبين ما يريد .. حينئذ لا تجدي الأسباب معه .. فيقول الله سبحانه وتعالى .. إذا تخلت عنك الأسباب فلا تيأس ولا تعتقد أن كل شيء قد ضاع .. بل ارفع يديك إلى السماء وقل ( يا رب ) وساعتها تتفتح أبواب السماء .. وتتدخل القدرة .. لتحقق لك ما تريد وهذا ليس غريبا عنا .. عن حياتنا العادية .. وليس كلاما يقال دون أن يكون له واقع في الحياة .. فلو استعرض كل منا شريط حياته لوجد أن فيه طلاقة القدرة .. كم منا واجه مشاكل بلا حل .. وربما ظل ساهرا ليالي طويلة .. يقلب عقله .. ويعمل فكره .. ولا يستطيع أن يصل إلى الحل .. ثم فجأة يتغير كل ما حوله ليجد الباب مفتوحا من حيث لا يدري ولا يحتسب .. ويأتي الحل ميسرا سهلا من أشياء لم نكن نتوقعها .. ولا نظن أنها ستحدث .. كل منا مر بذلك .. وكل منا رأى في حياته مرة أو مرات قدرة الله سبحانه وتعالى وهي تزيل ظلما ما كان يحسب أن يزول . . أو تحل مشكلة لم يكن يعتقد أن لها حلا .. أو تأتي بشيء لم يكن يحلم به .. كل هذا حدث لنا جميعا يريد الله سبحانه وتعالى أن يملأ النفس المؤمنة برحمته .. بحيث تواجه مصاعب الحياة وفي قلبها شعلة إيمان لا تنطفئ أبدا .. حينئذ يحس الإنسان المؤمن بأن كل الصعاب التي يواجهها لن تقضي عليه .. ولا تمس أمنه و أمانه .. لماذا ؟ .. لأنه يتذكر قول الله سبحانه وتعالى ( هو عليّ هين ) .. فالصعاب مهما بلغت فهي على الله شيء هين .. وهي أمام قدرة الله سبحانه وتعالى لا شيء .. والانتحار .. ولعل ارتفاع نسبة الجنون والانتحار في الدول المادية .. وانخفاضها في الدول التي تتمسك بالدين هما خير دليل على الحياة الطيبة التي يعطيها الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين والنقطة الثانية هي أن طلاقة القدرة تفسر لنا ما يحدث في الكون من أشياء لا تتفق مع الأسباب .. فنحن نعيش في كون تحكمه طلاقة القدرة مع الأسباب .. ولذلك فاننا نرى أحيانا أن إنسانا ضعيفا لا حول له ولا قوة .. فنجد قدرة الله سبحانه وتعالى تأتي إلى هذا القوي فتزيله من مكانه .. وتأتي بهذا الضعيف وتضعه مكانه .. ذلك يحدث أمامنا في العالم كل يوم .. ولو طبقنا الأسباب لقالت عكس ما يحدث .. ولكن الأسباب شيء . . وطلاقة القدرة شيء آخر فإذا جئنا لأمة كافرة .. كالاتحاد السوفيتي مثلا نجد الله سبحانه وتعالى يسلط عليها ما يهلكها .. أحيانا بين ويوم وليلة .. وأحيانا على فترة من الزمن .. فإذا نظرنا إلى الاتحاد السوفيتي بعد أن كان هو مخزن الحبوب في العالم .. وبعد أن كانت أوكرانيا تنتج من القمح ما يزيد على حاجة الاتحاد السوفيتي بكميات هائلة .. نجد أن البركة قد رفعت منها .. وأصبح الاتحاد السوفيتي يستورد كميات كبيرة من القمح من الخارج .. ولا يجد رغيف الخبز الذي يقتات به وانتهى الأمر به إلى الانهيار والتفكك إلى دويلات صغيرة متناحرة .. وكذلك نجد في كل الدول التي تحارب الدين .. تملؤها الكوارث .. ويذهب عنها الأمن والأمان .. ويصبح رزقها ضيقا .. وأمنها معدوما .. والشقاء يخيم على كل من يعيش فيها كل ذلك يتم بطلاقة القدرة دون الأسباب التي ربما قد تؤدي إلى عكس ذلك .. بل أنه في بعض الأحيان .. تقوم هذه الدول بمشاريع تجند لها دعايتها .. وتقول إن بها خيرا وفيرا .. وأنها ستحقق الرفاهية والعيش الرغد .. ثم تتم هذه المشاريع فإذا بها تأتي بعكس ما قيل عنها تماما .. وإذا به وبال .. في وبال .. في وبال وطلاقة قدرة الله سبحانه وتعالى تجعله هو الوحيد .. وتجعل كل ما حوله متغيرا .. وتأتي أنت لترى الدول الكبيرة التي لم تكن تغرب عنها الشمس وقد تضاءلت وربما انمحت من خريطة الكون .. وربما أصبحت عاجزة عن حماية نفسها .. مع أن الشعب هو الشعب لم يتغير .. والقدرات هي القدرات لم تتغير .. ولكن الله سبحانه وتعالى هو الذي غير كل شيء
طلاقة القدرة في الكون – لا تستهينوا بالخلق
وهنا حكمة بالغة .. أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يخبرنا ألا نستهين بالمخلوقات الدقيقة التي خلقها لصغر حجمها وضآلتها .. بل أنه كلما زادت دقة المخلوق كان بأسه شديدا .. وكلما زادت ضخامة المخلوق فليس هذا بالضرورة دليلا على القوة .. وإذا أخذنا بهذه النظرية .. وعدنا إلى بداية الخلق نجد مثلا أن الحيوانات الضخمة التي عاشت في القرون الأولى على الأرض كالديناصور مثلا قد هلكت وانقرضت ولو نستطع أن تعيش العصر الجليدي الذي ساد الكرة الأرضية .. هذه الحيوانات المرعبة التي كانت تزلزل الأرض .. لم تستطع أن تتغلب على الطبيعة .. بينما البرغوث والنملة مثلا قد عبرا هذه العصور حتى عصرنا هذا ويقول العلماء وهم يفسرون هذه الظاهرة .. إن الحيوانات الضخمة في أجسامها كانت تملك عقولا صغيرة .. لم تمكنها من التحايل على البيئة ولذلك هلكت .. هذا هو تفسير العلم .. ولكن التفسير الإيماني يقول .. أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يخبرنا أن البقاء لا يخضع لعنصر القوة .. وإنما يخضع لعنصر القدرة وأن الأشياء القوية .. أو ذات القوة الهائلة التي تظن أنها ستسود الأرض إلى الأبد .. تأتي قدرة الله سبحانه وتعالى فتهلكها .. بينما تبقى الأشياء الصغيرة التي لا ترى بالعين المجردة .. فالفيروس مثلا الذي لا يستطيع أحد رؤيته حتى الآن لتناهي حجمه في الدقة .. أقوى من الفيل والأسد وعقل الإنسان وكل قدرات المخلوقات على الأرض .. فهو يستطيع أن يقضي على أي من هؤلاء , فالكل يقف عاجزا أمامه وهو يعيش ملايين السنين مع ضآلة حجمه وتناهيه في الصغر .. وهذه الفيروسات تستطيع أن تسلب الحياة من شعب بأسره .. ومن أمة تختال على الناس بقوتها .. فيسلط الله سبحانه وتعالى هذه الفيروسات التي لا ترى وتنتشر بين أفراد هذه الأمة كوباء يفنيها .. هنا طلاقة القدرة التي تعطي ذلك الشيء المتناهي في الصغر قوة هائلة تجعله يهلك أقوى الأقوياء في الأرض .. دون أن يستطيع القوي أن يفعل شيئا .. ويأتي ذلك لنؤمن بأن القوة هي لله فلا نغتر بقوتنا الظاهرية .. ونحسب أنه لا يوجد في الأرض من يغلبنا .. وأدق مخلوقات الله تستطيع أن تسلبنا الحياة في ساعات .. وفي ذلك قضاء على الغرور في النفس البشرية وتثبيت للإيمان بأنها بدون قوة الله وتأييده لا تساوي شيئا على أن الله سبحانه وتعالى .. قد أعطانا كل هذه لحكمة بالغة .. وأوجد لنا ما يثبت طلاقة قدرته علما وعملا .. وقولا وفعلا .. حتى يمضي موكب الإيمان في الحياة في نفوس مطمئنة إلى قوة الله .. لا تزلزلها الأحداث .. ولا تشقيها الأسباب والنقطة الأولى في الحكمة البالغة في طلاقة القدرة هي إيمان بأن الله موجود إذا عجزت الأسباب .. وهذا الإيمان هو الذي يبقي الإنسان المؤمن مطمئنا إلى أن الله سبحانه وتعالى لن يتخلى عنه مهما كانت الأسباب تقول ذلك .. وإذا كانت الدول المادية التي لم يدخل فيها الإيمان تعاني من شيء وهو الإحساس بالخوف واليأس من الحياة .. ورغم كل ما في هذه الدول من تقدم مادي .. وأمن وأمان .. فإن كل فرد فيها يعيش في قلق يمزقه .. لماذا ؟ .. لأن كل إنسان مادي يعبد الأسباب .. دون المسبب .. ويعتقد في القدرة البشرية دون قدرة الله سبحانه وتعالى فإذا فصل من وظيفته لا يقول إذا أغلق الله باب للرزق أمامي فسيفتح لي عدة أبواب .. ولا يقول إن الذي آمنت به وعبدته لن يتخلى عني أبدا .. فذلك منطق الإيمان .. ولكن منطق المادية يجعله يرى المستقبل أسود .. ويحس أن الدنيا أغلقت في وجهه .. وأنه لن يجد بابا للرزق .. وأنه قد انتهى تماما .. ومن هنا فهو بيأسه من رحمة الله يلجأ في كثير من الأحيان للانتحار ويصاب بالجنون .. لماذا ؟ .. لأنه يعتقد أن البشر الذين منعه هو الذي يملك كل الأسباب .. وأن الله سبحانه وتعالى لا يملك شيئا وإذا مرض الإنسان المادي .. بمرض ميؤوس من شفائه .. فقد الأمل في المستقبل .. ولم يقل إذا عجزت الأسباب فإن رحمة الله لن تتخلى عن وسيجد لي سبيلا للشفاء .. أو يقول أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يشفيني حتى ولو عجزت الأسباب .. بل هو في عبادته للأسباب يتخذها إلها , فإذا عجزت الأسباب فإن إلهه قد تخلى عنه .. ولم يعد أمامه إلا مصير أسود
طلاقة القدرة في الكون – هو عليّ هين
كل هذه معجزات لا يمكن أن تدخل فيها الأسباب .. بل هنا تتجلى طلاقة القدرة في أن يقول للشيء ) كن فيكون ( .. ثم تأتي بعد ذلك طلاقة القدرة في زكريا ومريم .. حينما دعا زكريا الله أن يهبه غلاما : ) فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيي ) .. ( يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ( هنا أخذت زكريا طلاقة القدرة فاهتز .. وسأل الله سبحانه وتعالى كيف يمكن أن يحدث ذلك وهو شيخ كبير وامرأته عاقر أي أن الأسباب إذا طبقناها هنا لا يمكن أن تؤدي إلى مولد طفل .. حينئذ رد الله سبحانه وتعالى عليه : ( هو عليّ هين . وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ) .. أي أن الله سبحانه وتعالى ذكر زكريا بطلاقة القدرة فقال له لا تعتقد أن هناك شيئا صعبا عليّ لأن الأسباب لا تأتي به .. بل من أهون الأشياء على قدرتي أن أفعل ما أريد .. ويتم ما أشاء بدون أسباب .. وإذا كان هذا صعبا على فهمك .. فتذكر خلقك .. ( وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ) .. فإذا كانت قدرتي أن أوجد من العدم .. أفلا أستطيع أن أخلق بلا أسباب وعندما دخل زكريا المحراب على مريم وجد عندها رزقا .. أي فاكهة في غير أوانها .. فسألها : ( أني لك هذا ) أي من أين أتيت بهذه الفاكهة وهذا الطعام .. فقالت : ( هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) .. إشارة إلى أن طلاقة القدرة لا يستعصي عليها شيء بل إن خلق المسيح عيسى ابن مريم كان من طلاقة القدرة .. والله سبحانه وتعالى خلق آدم من لا شيء .. وخلق حواء من آدم .. أي أنثى من ذكر بلا أنثى .. وخلق من ذكر وأنثى .. ولإتمام مراحل الخلق بقي أن يتم الخلق من أنثى بدون رجل .. وقد تم ذلك في عيسى ابن مريم عليه السلام فإذا انتقلنا بعد ذلك إلى الإسراء والمعراج نجد أنها معجزة كبرى دالة على طلاقة القدرة , فرسول الله صلى الله عليه وسلم أسرى به من مكة المكرمة إلى بيت المقدس .. حيث صلى بالأنبياء .. وهي طلاقة في القدرة أن يصلي حي بأولئك الذين انتقلوا إلى جوار ربهم منذ مئات السنين .. ثم بعد ذلك انطلقت به طلاقة القدرة ليخترق السماوات السبع .. ويصل إلى سدرة المنتهى .. وهذا الاطلاق كان فيه تغيير لطبيعة الأشياء حتى يمكن لرسول الله أن يصل إلى سدرة المنتهى .. بل إن الوحي نفسه من طلاقة القدرة أن يلتحم الملك بإنسان ليتم تبليغ القرآن الكريم كل هذه الأشياء في مجموعها .. هي تطبيق حي لطلاقة قدرة الله سبحانه وتعالى .. فالله لم يذكر لنا طلاقة القدرة في القرآن الكريم .. دون أن يعطينا أمثلة على التطبيق .. متواكبة مع رسله .. تؤيدهم هذه القدرة بالمعجزات التي رواها لنا القرآن الكريم على أن طلاقة القدرة لم تتوافر للرسل وحدهم .. بل هي في كل جزء من الحياة وإذا أردنا أن نتأمل طلاقة القدرة في مظاهر الدنيا .. فلنأخذ قول الله سبحانه وتعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ (26) البقرة) إذا تأملنا هذه الآية الكريمة نجد أن الله سبحانه وتعالى ضرب مثلا ببعوضة , والمثل هنا كالأمثلة في القرآن الكريم لا تضرب جزافا .. ولكن لحكمة بالغة .. حين ضرب هذا المثل قال الكفار ماذا أراد الله بهذا مثلا ولم يفهموا شيئا .. ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يضرب مثلا بدقة الخلق .. فإن خلق البعوضة المتناهية في الصغر بكل الوظائف اللازمة لها في الحياة .. دقة في الخلق تستوجب خالقا قادرا .. فهذه البعوضة الصغيرة الحجم .. قد جعل الله فيها كل أسباب الحياة .. وما فوقها .. أي ما أصغر منها وأدق في الخلق .. خلقه الله ووضع فيه أسباب الحياة .. واستمرار الحياة. واليكم ما اكتشفته آخرالابحاث حول البعوضة هذه الحشرة الصغيرة:
البعوضة هذا المخلوق الضعيف العجيب.. الله سبحانه وتعالى عندما ضرب مثلا بعوضة ، فهو ليبين للناس أن هذا المخلوق الصغير في حجمه عظيم في خلقه.
* إليكم هذه المعلومات عنها:
1. هي أنثى
2. لها مائة عين في رأسها
3. لها في فمها 48 سن
4. لها ثلاث قلوب في جوفها بكل أقسامها
5. لها ستة سكاكين في خرطومها ولكل واحدة وظيفتها
6. لها ثلاث أجنحة في كل طرف
7. مزودة بجهاز حراري يعمل مثل نظام الأشعة تحت الحمراء وظيفته : يعكس لها لون الجلد البشري في الظلمة إلى لون بنفسجي حتى تراه .
8. مزودة بجهاز تخدير موضعي يساعدها على غرز إبرتها دونأن يحس الإنسان وما يحس به كالقرصة هو نتيجة مص الدم مزودة بجهاز تحليل دم فهي لا تستسيغ كل الدماء .
9. مزودة بجهاز لتمييع الدم حتى يسري في خرطومها الدقيق جدا .
10. مزودة بجهاز للشم تستطيع من خلاله شم رائحة عرق الإنسان من مسافة تصل الى (60) كم .
11. واغرب ما في هذا كله أن العلم الحديث اكتشف أن فوق ظهر البعوضة تعيش حشرة صغيرة جداً لا تُرى الا بالعين المجهرية وهذا مصداق لقوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا.. )
يا مَنْ يرى مدَّ البعوضِ جناحها في ظلمةِ الليلِ البهيمِ الأليلِ
ويرى مَناطَ عُروقِها في نحرِها والمُخَّ في تلكَ العِظامِ النُّحَّلِ
أُمنُنْ عَلَيَّ بتوبةٍ تمحو بها ما كان مني في الزمانِ الأوَّلِ
طلاقة القدرة في الكون – الله يذكرنا بقدرته
على أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل طلاقة القدرة غيبا عنا .. ولا جعلنا نجهلها ولا نعرف عنها شيئا .. بل ذكرها في مواضع كثيرة في القرآن الكريم .. بحيث نجد في كل سورة إشارة إلى طلاقة قدرة الله سبحانه وتعالى فإذا قرأت قوله تعالى : ) يختص برحمته من يشاء ) .. ( يعذب من يشاء ) .. ( يغفر لمن يشاء( (يهدي من يشاء ) .. ( يضل من يشاء ) .. ( يرزق من يشاء ) .. ( يعز من يشاء ) .. ( يذل من يشاء ) .. ( يؤتي الملك من يشاء ) .. ( ينزع الملك ممن يشاء ) .. ( إن الله على كل شيء قدير ) .. نجد أن الله سبحانه وتعالى قد أعطانا طلاقة القدرة في هذه الآيات وفي عشرات من الآيات الأخرى في القرآن الكريم .. وليست هذه الآيات إلا مثلا فقط على أن طلاقة القدرة يشار إليها في القرآن الكريم في أكثر من موضع .. ولو قرأت القرآن لوجدت أضعاف أضعاف هذه الآيات تنبئنا بطلاقة القدرة .. على أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل طلاقة قدرته سرا على عبادة .. بل أنبأهم بطلاقة هذه القدرة ووجودها .. ولعل الله سبحانه وتعالى في قوله : ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) .. هو قمة طلاقة القدرة .. ذلك أن هذه الآية تنبئنا أنه ليس عند الله أسباب .. وأنه إذا كان قد خلق الأسباب لتنتظم الحياة على الأرض فهي ليست قيدا على مشيئته سبحانه وتعالى .. ولو كانت قيدا لقال لنا الله إنه إذا أراد شيئا هيأ له الأسباب ليكون .. ولكن كلمة ( كن ) معناها أنه لا دخل للأسباب هنا .. وأن الشيء يوجد بمجرد قول الله سبحانه وتعالى : ( كن .. فيكون ) دون أسباب أو مسببات .. وخلق السماوات والأرض وما فيهما كان بكلمة ( كن ) و خلق الإنسان كان بكلمة ( كن ) .. والله سبحانه وتعالى يقول : ( يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ) ويقول : ( ويجعل من يشاء عقيما ) .. والحكمة هنا أنه رغم أن الله سبحانه وتعالى قد جعل السبب في الذرية من ذكر وأنثى .. أي أنه لا يتم الإنجاب إلا باجتماع الذكر والأنثى لا يتم الإنجاب .. وتتوقف الأسباب امام مشيئة الخالق هذا ما قاله الله سبحانه وتعالى عن طلاقة القدرة في القرآن الكريم .. فإذا جئنا إلى التطبيق .. وجدنا أن طلاقة القدرة ظاهرة واضحة في الرسل عليهم السلام .. فمعجزاتهم كلها تأتي بطلاقة القدرة وليس بالأسباب .. فنوح عندما دعا ربه أن يهلك الكافرين .. فتحت ينابيع من السماء والأرض ليتم الطوفان .. ولم تفتح هذه الينابيع بالأسباب .. ولكنها فتحت بطلاقة القدرة .. وإبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار .. وخاصية النار هي الإحراق .. قال الله سبحانه وتعالى : ( يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ) .. فتوقفت خاصية الإحراق في النار فأصبحت لا تحرقه ولا تؤذيه .. هنا أيضا طلاقة القدرة .. وموسى عليه السلام عاش مع طلاقة القدرة طوال عهد نبوته .. نظرا للمعصية المستمرة لبني إسرائيل .. فقد قال الله : ( اضرب بعصاك البحر ) .. فانفلق .. وظهر قاعه ووقف الماء الذي من خاصيته الاستطراق .. وقف ساكنا بعيدا عن الأرض بقدرة الله سبحانه وتعالى .. وعبر موسى وقومه البحر .. وعندما استسقى موسى قومه .. ضرب الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا .. ولو أن موسى عليه السلام قام بحفر حفرة ليبحث عن الماء .. لقلنا إنه عين واحدة .. ولكن اثنتا عشرة عينا .. ذهبت كل عين بمائها إلى القوم الذين قسمها لله لهم .. ورفع الجبل فوق بني إسرائيل وضربهم الميت بأجزاء من البقرة بعد ذبحها .. أي ضرب ميت بميت .. وتخرج منها الحياة .. ويبعث القتيل ليدل على قاتله
طلاقة القدرة في الكون – الأسباب وحدها .. لا
إذن فإطلاق الأسباب وحدها في الكون .. يؤدي إلى عبادة الفرد .. وإلى ظلم عظيم .. ويجعل الناس يعبدون الأسباب .. وينسون المسبب ويخضعون لمن في يده الملك والسلطان .. والجاه والمال .. ويتركون حكم الله .. لماذا ؟ لأن الأسباب هنا هي التي تعطي .. وهي التي تهب .. وما يهب ظاهرا يعبده الناس .. لأنه ظاهرا يعطي ويمنع .. ومن هنا كان لا بد من طلاقة القدرة لتصحيح المسيرة .. وتفيق الناس .. وتجعلهم يعلمون أن الله هو الذي أعطى الأسباب .. وأنه يستطيع كما أعطاها أن يأخذها .. وأن العبادة لله وحده .. وأن من ترك المسبب وعبد الأسباب … فإنه قد ضل .. ونسي الله ولذلك فنحن نتعجب من إنسان يملك أمور الدنيا كلها من قوة وجاه ومال وسلطان .. ثم يأتي إنسان ضعيف لا حول ولا قوة فيقصيه عن ملكه ويبعده عن ماله . . ويصبح ذليلا طريدا .. تضيق عليه الأرض بما رحبت .. بعد أن كان يملك من أسباب القوة والملك ما يجعل الدنيا كلها تخضع له وتقترب إليه ونحن نرى كل يوم طلاقة القدرة في العالم كله من ملك يذهب .. وملك يجئ .. ومن صاحب سلطان أو مال .. يصبح فقيرا معدما أو مطرودا في ساعات .. ومن ذلك الذي كان يجلس على كرسي الوزارة .. ثم بعد ذلك بساعة نجده في السجن والقيود في يديه .. كل ذلك يحدث أمامنا ليذكرنا بطلاقة القدرة وقوة المشيئة .. ويؤكد لنا أن الأسباب التي أعطيت لأي بشر .. لتمكن له ملكا .. أو جاها .. أو سلطانا .. إنما هي أسباب معطاة من الله سبحانه وتعالى .. وليست باجتهاد هذا الشخص أو نابعة من ذاته .. أي تنبع من الإنسان نفسه لبقيت له .. ولم يستطع أحد أن يأخذها منه .. ولكن كونها تزول عنه وفي لحظات دليل على أن الله سبحانه وتعالى هو الذي وهبه هذه الأسباب وهو الذي أخذها منه ولا تقتصر طلاقة القدرة على قمة الأمور في الدنيا .. بل هي في أكبر الأشياء وفي أبسط الأشياء .. ولا تقتصر على فرد دون آخر .. بل يراها الجميع .. وكل منا صاح في يوم من الأيام – ربنا كبير – .. أو – ربنا موجود – .. أو – ربك يمهل ولا يهمل – وهو يرى طلاقة القدرة تتدخل لتنصر مظلوما ضعيفا على ظالم قوي .. أو تقتص من إنسان ارتكب جريمة وحسب أنه نجا من العقاب .. أو لتعيد حقا ضاع من صاحبه وحسب الناس أنه ضاع إلى الأبد .. أو لتزيل ظلما .. أو لتقعد جبارا كان يؤذي الناس لتجعله عاجزا عن رد الأذى عن نفسه .. تلك كلها طلاقة القدرة وكلمة – يا رب – التي تخرج من قلب مظلوم لا حول له ولا قوة يتبعها تدخل السماء لتزيل ظلما وتعيد حقا .. وتصحح الموازين في الأرض وإذا كانت طلاقة القدرة باقية في الكون .. فأساس بقائها أنها تذكرنا بالله سبحانه وتعالى .. فإذا وعدك ظالم بأخذ أسباب المال مقابل أن تفعل له ما يغضب الله فإن طلاقة القدرة تذكرك بأن الله يرزق من يشاء بغير حساب .. وإنك إذا عصيت هذا الظالم وأطعت الله .. فإن الله يعطيك من الرزق ما لا يخضع للأسباب . . ويفتح لك أبوابا ما كنت تدري عنها شيئا .. ومن حيث لا تعلم يأتيك الرزق الذي تريده .. وإذا طلب منك صاحب جاه أو سلطان أن تفعل ما يغضب الله فإن طلاقة القدرة تذكرك بأنك إذا أطعت الله أعطاك المنصب أو خيرا منه وأنه إذا كان هذا الإنسان يملك طلاقة القدرة التي تعطيك بلا حساب .. وبهذا تعرف جيدا أن من يغريك : هذا بماله .. وهذا بسلطانه .. هما سببان زائلان .. وأن طلاقة القدرة لا يهمها هذه الأسباب .. ولا تتقيد بها
طلاقة القدرة في الكون – يرزق من يشاء
الله سبحانه وتعالى خلق ما في الأرض جميعا .. وخلق لها الأسباب التي تتفاعل بها .. والقوانين التي تحكمها .. والله سبحانه وتعالى حين قال ( كــــــن ) .. تم الخلق في نفس اللحظة ولكن الأسباب تفاعلت في السماوات والأرض في ستة أيام .. وهي ستة أيام كأيام البشر لأن القرآن يخاطب الإنسان .. ومن هنا فإن كل ما يتحدث عنه موجه إلى القدر البشري .. والعقل البشري .. سواء كان ذلك حاضرا أم مستقبلا مما يخفى على عقولنا الآن ولكن هذه القوانين والأسباب لا يمكن أن تكون قيدا على طلاقة القدرة .. ذلك لأن الله سبحانه وتعالى لو قضى بالأسباب وحدها في الأرض .. لعبد الناس الأسباب .. ونسوا المسبب أو الخالق .. لذلك بقيت طلاقة القدرة لتلفت الناس إلى أن الذي خلق الأسباب لا تقيده هذه الأسباب في قدرته .. وإنه يفعل ما يشاء .. عندما يشاء .. وقتما يشاء .. لذلك نجد إنسانا آخر يعمل قليلا ومع ذلك فرزقه وفير وإنسانا ضعيفا ينتصر بقدرة الله على إنسان قوي ظلمه .. تلك ليست القاعدة .. فالقاعدة هي الأسباب .. ولكن طلاقة القدرة .. تأتي .. وتأتي بشكل ظاهر لتلفت الناس إلى قوة الله وقدرته إن هذا الحديث لا يعجب أناسا كثيرين من أولئك الذين تعلقوا بالحياة المادية .. ذلك لأنهم ينسبون إلى الإسلام أنه دين يحض على التخلف بسبب الإيمان بطلاقة القدرة .. ويقولون إن قول الله تعالى : ( يرزق من يشاء بغير حساب ) .. هو مدعاة لئلا يسعى الإنسان في الرزق .. فما دام الله يرزق .. مع ما يورثه للنفس من مشقة ومما تكره .. وقبل أن نجيب على هذا السؤال .. نطرح قضية هامة معاصرة .. تفيق هؤلاء الناس إلى صدق قول الله وتجعلهم يعرفون يقينا صدق الآية الكريمة : ( يرزق من يشاء بغير حساب ) .. هؤلاء الذين يطعنون الدين في هذه الآية .. يعبدون الأسباب ويتخذونها إلها .. فكل رزق مساو للعمل الذي يتم من أجله .. فأنت إذا علمت ليل نهار .. زاد رزقك .. وإذا عملت بضع ساعات مثلا قل رزقك .. وهكذا .. تلك هي القاعدة التي يتبعونها في أن كل رزق يجب أن يكون مساويا للعمل الذي يتم من أجله نقول لهم .. إن هذا قد يكون صحيحا كقاعدة عامة .. ولكنه لا ينفي قول الله تعالى : ( يرزق من يشاء بغير حساب ) .. ولنلاحظ في الآية الكريمة قول الله : ( من يشاء ) .. ولم يقل سبحانه وتعالى أرزق كل الناس بغير حساب .. بل لكل رزق معلوم على قدر ما أتاحه الله من علم وجهد له .. ولكن هناك المشيئة .. أو طلاقة القدرة .. تعطي بغير حساب .. أو بغير أسباب وإذا نظرنا إلى دول البترول .. تلك التي تملك القوة الحقيقة في المال أو في الرزق في العالم أجمع .. إذا نظرنا إليهم .. نجد أنهم أكثر الناس رزقا أو مالا .. بل هم قد فاقوا في الزرق تلك الأمم التي فاقتهم في العمل والعلم .. وأصبحت تتجه إليهم ليدعموها في الرزق .. فأمريكا وأوروبا الغربية من أكثر الدول عملا وعلما .. ولكنها في اقتصادها .. تحاول أن تجذب أموال دول البترول لتستثمر في بنوكها .. بل إن دول البترول تستطيع أن تفلس أكبر دول العالم كأمريكا وألمانيا الغربية واليابان .. إذا هي سحبت دعمها الاقتصادي لها .. وأوقفت مشترياتها منها إذن من الذي يملك القوة الاقتصادية الحقيقة في العالم .. إنها دول البترول .. فهي التي تملك المال أو الرزق حقيقة .. وهي التي تستطيع أن تتحكم ليس في رزقها فقط .. ولكن في اقتصاد العالم كله .. وذلك بشهادة كل الماديين وغير المؤمنين في العالم يرزق من يشاء .. بقي بعد ذلك الشق الثاني من السؤال .. وهو إذا كانت دول البترول قد وصلت إلى هذا المركز الذي يتحكم في اقتصاد العالم أجمع .. فلا بد أنها قدمت حسب النظرية المادية من العالم والعمل ما يفوق ما قدمته دول العالم أجمع .. ولكن هذا غير صحيح .. فهذه الدول تقدم علما وعملا .. بل إن اكتشافات البترول قامت بها شركات غربية من الدول التي تخضع الآن اقتصاديا لدول البترول .. أي أنه حتى العمل القليل الذي تم .. تم بواسطة خبراء .. جاءوا وبحثوا .. وآلات ومعدات تكنولوجية استوردت من دول أخرى .. فكيف يمكن تفسير ما هو حادث .. لو أن القاعدة على إطلاقها أن الأسباب هي التي توجد أكبر قوة اقتصادية في العالم .. وفي زمن قياسي .. لا يستطيع العمل والعلم خلاله أن يحدثا ذلك .. فلكي تتطور دولة .. أو عدة دول .. لتصبح أغنى دول العالم .. فإن ذلك يتطلب بجانب العمل والعلم فترة زمنية طويلة .. ولكن هنا .. لا الزمن .. ولا العلم .. ولا العمل تتناسب مع الرزق .. إذن من الذي أوجد هذا الرزق .. الله سبحانه وتعالى مصداقا للآية الكريمة : ( يرزق من يشاء بغير حساب ) هنا يجب أن يتوقف الحكم المادي الغربي الذي يأخذ الأسباب على إطلاقها .. والذي يطعن في الآية الكريمة : ( يرزق من يشاء بغير حساب ) .. ويدعي أنها لا تتمشى مع تطورات العصر .. وتقدم العلم ومقاييس الزمن .. نقول له قبل أن تتسرع في اتهامك .. تأمل في الكون .. تجد في كل مكان رزقا لمن يشاء الله بغير حساب .. هذا الرزق يلقي بالأسباب بعيدا .. لتأتي طلاقة القدرة وتعلن أن الله يفعل ما يشاء .. عندما يشاء .. وقتما يشاء .. وأنه إذا كانت الأسباب موجودة .. فإن طلاقة القدرة موجودة في الكون .. وأعتقد أنه لا أحد يستطيع أن يرد على هذا النقطة .. أو يدعي ظلما وبغير حق أن الآية الكريمة : ( يرزق من يشاء بغير حساب ) .. ليست حقيقة كونية . . موجودة منذ خلق الله الأرض .. وستظل إلى قيام الساعة .. ونحن نطلب من كل من يستطيع الرد على ذلك أن يتكلم نعود بعد هذا اللمحة إلى طلاقة القدرة .. لماذا أبقى الله سبحانه وتعالى طلاقة القدرة في الكون ولم يتركه يتفاعل بالأسباب وحدها ؟ الذي حدث .. أن الأسباب .. أو المعطيات المادية .. تعطينا ظاهر الحياة .. وتنظم سيرها العادي .. ولكن إبقاء هذه الأسباب وحدها فيه بعد عن الله سبحانه وتعالى .. ذلك أن الله قد مكن بعض خلقه من الأسباب في الأرض .. ليسير الكون وتمضي الحياة .. فهذا رئيس للدولة .. وهذا ميسر له أسباب النفوذ والسلطان .. وهذا ميسر له أسباب المال .. إلى آخر ما نراه في الدنيا كلها .. وجعل الله العطاء ظاهرا من الأسباب ليسير الكون .. ثم ماذا حدث .. جاء إلى الكون أناس ماديون .. يحاولون أن يضلوا عن سبيل الله بالأخذ بالأسباب وحدها .. فهذا يملك المال وهو يستطيع منحي ما أريد إذا فعلت له ما يطلب .. وهذا يملك الجاه والسلطان .. وهو يستطيع أن يعطيني منه ما أريد إذا فعلت له ما يطلب .. وهكذا ظاهر الحياة الدنيا هب أن هؤلاء الناس لا يخشون الله .. انهم طلبوا مني أن أفعل ما يغضب الله من أجل منصب .. أو جاه .. أو مال .. فماذا يكون الموقف .. لو كنت أعبد الأسباب وحدها لنفذت لهم ما يريدون .. لأصل إلى حاجتي .. أو ما أريد .. فإذا قال لي صاحب المال .. أو صاحب النفوذ والسلطان اقتل وسأعطيك كذا وكذا .. لفعلت ذلك بلا تردد .. إحساسا مني بأن عطاء الأسباب في يد هذا وحده .. وأن معصيته ستؤدي بي إلى التهلكة وتحرمني من مقومات الحياة .. وأن طاعته ستجعلني أعيش الحياة الرغدة التي أتمناها في الدنيا .. وبهذا .. وبغير ما نظر إلى ما قال الله افعل ولا تفعل .. انطلق أنا لأحقق هوى وشهوات .. ذلك الذي يملك المال أو الجاه أو السلطان .. ولو كانت تغضب الله .. وتمضي الأسباب لتؤدى إلى عبادة الفرد .. حيث يصبح الهوى الشخصي .. والغرض البشري .. هما الأساس في الحياة .. فيفسد الكون كله .. ولا تمضي الحياة وفقا لمنهج الله الذي يحمي الإنسان الضعيف من بطش القوى .. والمظلوم من قدرة الظالم .. ولكنها تكون حياة وفقا لهوى النفس .. فيصبح الذي يحكم هو شهوة الحاكم وليس دين الله هذه هي خطورة الأخذ بالأسباب وحدها .. وهي خطورة تعرض الكون كله للاختلال .. وتضيع موازين العدل .. وتكثر من البغي في الأرض والفساد .. وما من أمة عبدت الفرد إلا وانتشر فيها الظلم .. وعم فيها الإرهاب .. وضاع فيها الحق واستعبد فيها الإنسان .. تلك حقيقة تستطيع أن تدركها إذا نظرت إلى أي دولة نصب حاكمها نفسه إلها .. يعبد من دون الله في الأرض .. وهي حقيقة منذ بدء التاريخ في عهد فرعون حتى عصرنا هذا .. والله سبحانه وتعالى قد شدد العذاب على أولئك الذين يعاونون هذا الحاكم .. ويفعلون له ما تهوى نفسه ويغضبون الله سبحانه وتعالى .. فخص آل فرعون دون سائر خلقه بأنهم منذ ساعة أن توفاهم حتى يبعثهم يوم القيامة يعرضون على النار صباحا ومساء .. فقال سبحانه وتعالى : ( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) أي أنه لم يخصهم فقط بأشد العذاب يوم القيامة بل زادهم بالعرض على النار غدوا وعشيا إلى يوم البعث .. وتشديد العذاب هنا متناسب مع شدة المعصية .. فعبادة الفرد هي إطلاق للشهوات والظلم والإفساد