في رحاب سورة
د. محمد صافي المستغانمي
قناة الشارقة – 1436 هـ
في رحاب سورة الحج – 3
تقديم الإعلامي محمد خلف
تفريغ موقع إسلاميات حصريًا
أسئلة المشاهدين الواردة عبر البريد الإلكتروني:
سؤال: ما الكتب التي تمكّن من الاستزادة في المعرفة بأسرار القرآن الكريم؟
كل كتب التفسير تصب في مصب واحد هو توسيع مدارك القارئين والتالين لكتاب الله حتى تجعلهم يتدبرون كلام الله سبحانه وتعالى إلا أن لكل مفسر وجهته فلو قرأنا في كتاب الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي لوجدنا إفاضة وإطنابًا وتفصيلًا في الأحكام الفقهية لأن الرجل كان فقيهًا مالكيا أندلسيا وفيه تفسير جيد وفيه إعرابو لكن الغالب عليه الطابع الفقهي، لو ذهبنا إلى الإمام الرازي في مفاتح الغيب نجد فيه لغة وبيانًا وتحليلًا إلا أن الطابع عليه القضايا العقلية، كان متأثرا بجهود المتكلمين والعلماء والفلاسفة ولكن مفاتح الغيب يعد كتابا عظيما 16 مجلد فيه فوائد جمّة فقد لا يتفق أحد من العلماء مع رأي من الآراء لا مانع. الكتب اللغوية والتفاسير اللغوية في الحقيقة جاءت بعد الإمام الزمخشري: الكشاف عن عيون الأقاويل، وصاحبه الإمام جار الله يلقب بجار الله الزمخشري لأنه جاور مكة ولم ينسحب وكتب تفسيره هناك، وإن كان يؤخذ عليه أنه كان معتزليا يغلّب الجانب العقلي في التحليل أحيانا لكن الله تبارك وتعالى قيّض لهذا الكتاب من نقّحه مثل الإمام ابن المنيّر الاسكندراني الذي فضح ووضّح ما فيه من اعتزال لكن إذا جئنا إلى الناحية البيانية واللغوية كل العلماء عالة عليه، جاء بعده النيسابوري جاء بعده أبو السعود العمّاري في كتابه إرشاد العقل السليم في مزايا الكتاب الكريم وهو تفسي رائع يقع في ست مجلدات فيه كثير من النكت اللغوية. جاء الإمام النيسابوري فكتب غرائب الفرقان ورغائب القرآن في أحد عشر مجلدًا يتناول فيه كثيرا من الدقائق وعلّق على كثير من القضايا أثراها الإمام الفخر الرازي إلى أن جاء العصر الحديث وثمّة تفاسير كثيرة.
استطراد من المقدم: هناك تفاسير شائعة بين الناس مثل تفسير ابن كثير وتفسير الجلالين هذه كتب شائعة بين الناس.
شائعة بين الناس وتيسّر الجسر بين القارئ وبين القرآن الكريم لأننا لبعدنا عن معين اللغة التي لا ينضب أصبح بيننا وبين القرآن بون واسع وفجوة والإمام جلال الدين السيوطي وجلال الدين السبكي في كتابهما العظيم “الجلالين” والإمام ابن كثير رحمهم الله كلهم قربوا المسافات بشيء من التقريب والتيسير لعامة الناس لكن المتخصصين يفيدهم أكثر التفاسير العظيمة التي أطنبت وفصّلأت دون أن ننسى أنه في العصر الحديث كتب أحد رجالات المغرب وهو من تونس من الزيتونة الشيخ الإمام العلامة الطاهر بن عاشور كتب كتابه العظيم التحرير والتنوير يقع في ثرثين جزءا هذا من أحسن الطتب لكن صاحبه الذي يقرأ فيه لا بد له من خلفية بلاغية لغوية لأنه يستعمل كثيرا من المصطلحات فقد تشبّ‘ بعلوم عبد القاهر الجرجاني وبالزمخشري فعندما يقول: وهذا من قبيل اللف والنشر، ما معنى اللف والنشر؟ هذا مصطلح، حينما يقول وهذا ترشيح للاستعارة، أنت بحاجة لتعرف المصطلحات البلاغية، هنا استعارة مجرّدة وهنا استعارة مرشّحة أنصح القارئ الكريم أن يتزود. إذا أراد أيُنا ونحن نبحث والقرآن لا تنتهي عجائبه ولا تنقضي غرائبه من الكتب التي أفاضت في هذه النكت البلاغية التي تناولها الدكتور الفاضل فاضل السامرائي بارك الله فيه كتبه جيدة ورائعة في تيسير التعبير القرآني، أيضًا ملاك التأويل لابن الزبير الغرناطي هذا رائع في تناول المتشابه اللفظي والإمام الكرماني في كتاب البرهان في متشابه القرآن وغيره من كتب المتشابه اللفظي، إضافة إلى ذلك يضيف القارئ عقله في التدبر.
سؤال: ما الفائدة من هذا الطرح؟ ربما جئتم بشيء جديد لم يتطرق إليه العلماء تطرقا منفصلا أو مركزا، وجد بعض من تحدث في هذا الأمر لكن في ثنايا الحديث لكن أن يسرد لهذا الأمر برنامجًأ متخصصا بما يتعلق بمحاور السور والثوب اللفظي للسور والخط الرئيسي للسور هل سبق فيه أحد؟
من الناحية الكتابية العلماء قديمًا كتبوا في التفسير الموضوعي لكن كانت كتاباتهم شتّى طروحات موزعة.
استطراد من المقدم: هو كلامه ليس عن الموضوعات فالتفسير الموضوعي معروف لكن نتحدث عن علاقات السور ببعضها البعض
ابن الزبير الغرناطي الذي أشرت إليه الآن وأشرت إليه في الحلقات الأولى من البرنامج كتب كتابًا “البرهان في تناسب السور” هو ذكر بعض المناسبات لكن كل من يأتي يضيف، أتى من بعده عدد من العلماء منهم الإمام البقاعي في كتابه نظم الدرر في تناسب الآيات والسور أضاف لكن ليس بالطريقة التي نحن الحمد لله نكثّف في دراسة ثوب السورة وبيان إيقاعها وبيان محورها وكيف تترتب المواضيع مع ذلك المحور ونعطي بيانا للثوب اللفظي والهندسة اللفظية الموزعة. السائل سأل عن الفائدة المرجوة وأجيب أن الفائدة المرجوة أننا كما نميز الأشخاص كل شخص له شخصية وملامح وسمات وخصائص والقرآن أعلى وأجلّ، السور القرآنية الله صبغها بصبغة وأعطاها خصائص فأنت تقرأ سورة التشريع سورة البقرة تجد حديثا عن الإيمان وعن الصلاة وعن الزكاة وعن الحج وعن الصيام بطريقة تشريعية عجيبة، تقرأ سورة الأنفال تجد حديثًا عن الجهاد بطريقة والسورة مصطبغة بثوب الجهاد، اقرأ سورة التوبة التي فضحت المنافقين وتسمى الفاضحة والمدمدمة والتوبة لها أسماء، لو قرأناها وإن شاء الله سنصل إليها نجد فيها من الإدغام ومن الشدّة كلماتها اصطبغت بشيء من الادغام لافت للانتباه (المصدّقين) لم يقل المتصدقين، (إلا أن تقطّع) ولم يقل إلا أن تتقطع، التضعيف والتشديد لأن السورة نزلت سيفًا على المشركين والمنافقين (والله يحب المطّهرين) بينما في سورة البقرة قال (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، (الذين يلمزون المطّوعين) ولم يقل المتطوعين، هذا مقصود، السورة بنيت على الشدة في معناها وعلى الشدة في آياتها وتأمر بالجهاد وألفاظها جاءت ثقيلة شديدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) [التوبة: 38] ولم يقل تثاقلتم ولم يقل تباطأتم. إذن الفائدة المرجوة أن الله جلّ جلاله ميّز كل سورة بثياب، وأنا أفتش وأبحث حتى في الصيغ الصرفية خصّ سورة بصيغ معينة، مثال سورة الإنسان (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ﴿١﴾) اسم المفعول تكرر فيها وفي سور أخرى مثل سورة الإسراء (مثبورا، مسحورا،..) لكن سورة الإنسان وردت فيها صيغة لم ترد في القرآن كله وهي (فعلليل) هذه الصيغ الأربعة لم ترد في جميع القرآن اثنتان منها في الجنة (سلسبيلا، زنجبيلا) واثنتان في النار (قمطريرا، زمهريرا) هل هذا جاء اعتباطًا؟! أبدًا، جلّ كلام الله عن الاعتباطية فلكل سورة مفردات، مواد معجمية خاصة بمعنى كلمات مستعملة من قاموس معين، وسأوضح ذلك في سورة الحج. صيغ معينة ألا يدل ذلك على ملامح؟! ذكرنا في سورة مريم كيف أن العناية الإلهية صاغت كلماتها وكانت ألفاظها شجية تنتهي بالياء الندية المفتوحة (رضيا، زكيا) أنت بمجرد ما تسمع الياء الندية المفتوحة فأنت مع سورة مريم. إذن هذا يساعد في فهم المحور العام ويسهم في إيضاح المضامين ويعطي لتلك السورة شخصية. ولهذا الأمر مجاهل أخرى نجهلها حاليًا، نحن نفتح أبوابًا والله يفتح أبوابًا وهكذا العلوم يبدؤها من يبدأها ثم تتراكم هذه العلوم حتى نصل إلى كشف جديد وعلم جديد أو معرفة جديدة ولا ندري ما الذي يحدث في قابل الأيام.
وثمّة كتابات حتى ننصف الكتابوالعلماء، ثمة كتابات رائعة في بعض السور وخصائصها لكن نحن فقط ربما المبادرة في تلفزيون الشارقة أننا نبرزها أكثر ونوضحها. د. عبد الله دراز كتب ود. محمود شلتوت كتب ود. محمد محمد المدني من علماء الأزهر أيضًا كتب ولكن نحن نقرّب ونجمع هذا الشتات ونوضح ونقرّب.
سؤال: في سورة طه الآية (71) قال الله تعالى (قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ﴿٧١﴾) وفي الأعراف قال (قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿١٢٣﴾) وفي الشعراء (قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٤٩﴾) لماذا اختار هذه الصيغ المختلفة؟
سؤال وجيه جدًا تناوله العلماء السابقون الذين تناولوا المتشابه اللفظي. المتشابه اللفظي نتناله بشيء من التفصيل، الاختلاف اللفظي لا شك له غرض، فرغون لما قال (آَمَنْتُمْ بِهِ) هذا مشيًا على الفعل آمن: آمن بالله، آمنت برسول الله، قال أآمنتم به وبمعجزاته؟ متعلق بالإيمان بالله وبموسى عليه السلام، يجوز. أما (آَمَنْتُمْ لَهُ) هنا عدّي الفعل آمن بحرف الجر اللام هذا في البلاغة العربية يسمى التضمين، التضمين أن تأتي بفعل من قاموس معين وذلك الفعل بالعادة يعدّى بحرف معين فأنت تعدّيه بحرف آخر حتى تجمع المعنيين وهذا من التوسع الدلالي العظيم. هنا كأن فرعون يقول لهم: أآمنتم به مستجيبين له؟ أآمنتم واستجبتم له؟ فأتى بالفعل من قاموس وأتى بحرف الجر من قاموس آخر جمعًا بين المعنيين عدّي الفعل باللام، الفعل آمن لازم يتعدّى بحرف الجر الباء وهنا عدّي بحرف اللام ليتضمن فعلًا آخر كأنه يقول لهم: أآمنتم وصدّقتم به واستجبتم وخضعتم له؟ انظر إلى الاختصار أآمنتم به مستجيبين لدعوته؟ فهنا ضُمّن الفعل آمن معنى خضع واستجاب.
مثال آخر في سورة البقرة قال (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا)[البقرة:102] فعل تلا متعدٍ تقول تلوت الكتاب، تلوت القرآن يحتاج إلى مفعول به، هنا قال (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) ما قال (ما تتلو الشياطين ملك سليمان) عُدي بحرف الجر (على) ليضمّنها معنى فعل آخر وهو: واتبعوا ما تتلوا الشياطين مفترية على ملك سليمان، الشياطين تفتري على ملك سليمان فعدّي الفعل (تلا) بحرف الجر (على) ليتضمن معنيين، تلوا شيئًا افتراء على سليمان، وهذا من باب التضمين في القرآن وهو باب بلاغي كبير وفي القرآن كثير من الآيات فيها تضمين، وهو باب شائع وذائع.
(أآمنتم له) تكررت (له) مرتين ومرة أآمنتم به.
سؤال: هل يمكن محاكاة هذا البرنامج لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم؟
هذا السؤال يوجّه للمتخصصين في الحديث النبوي، ثمة شُرّا وثمّ’ دكاترة متخصصون في الحديث النبوي ولهم أن يفعلوا ذلك والحديث النبوي حديث رفيع بليغ المستوى اللغوي، الرسول صلى الله عليه وسلم قال: أوتيتُ جوامع الكلم وأنا أفصح العرب بيدَ أني من قريش. وأنا أقول نعم، لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتاج إلى كثير من الشرح وإيضاح الفروق بينها كعلم ولست متخصصا في الحديث ولكن المتخصصون بذلك بالتأكيد يستطيعون أن يفعلوا شيئا جميلا إن شاء الله.
سؤال: لي مجموعة من الاكتشافات تثبت إعجاز ترتيب السور كونها توقيفية منها سورة الحج ترتيبها 22 وهذا يتوافق مع 22 يومًا متبقية من السنة القمرية وهو يوم التروية وفي بعض السنين يوم عرفة وكذلك نسبة رقم سورة الحج لعدد السور 114 يتناسب مع عدد أيام أشهر الحج وبعدد أيام السنة القمرية ومثل هذه الموافقات موجودة بين جميع أيام الشعائر الإسلامية وموضوع السور متعلق بها والله عزيز حكيم.
تعليق جيد يحتاج إلى دراسة وتتبع ما قال الباحث بارك الله فيه حتى لا نؤول ونحمل القرآن ما لا يحتمل، يحتاج إلى بحث دقيق والمتخصصون في الإعجاز العددي والحقيقة الاعجاز العددي لا يستطيع أحد أن ينكره موجود في القرآن لكن بعض التفاصيل تحتاج إلى تدقيق من المتخصصين. عندما نقرأ قوله تبارك وتعالى (كذلك جعلناكم أمة وسطا) نجدها الآية 143 في وسط سورة البقرة (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴿١٤٣﴾)، كل شيء في محله وليس اعتباطًا. نجد أن الدنيا والآخرة مذكورة بنفس العدد، ثمة اجتهادات كثيرة في الإعجاز العددي وأنا أبارك مثل هذه الجهود لكن تحتاج إلى توثيق وتدقيق من قبل المتخصصين.
سؤال: ورد القول في القرآن موصوفًا بعدة أوصاف ولكل صفة علاقة بنوع مخصص من القول وموجّه لفئة مخصصة من المخاطَبين. فورد وصف القول بأنه حسن وأحسن وطيب وبليغ وميسور وسديد وكريم ومعروف وعظيم وليّن وثقيل. وقد تكرر في سورة النساء ذكر القول وصفاته أكثر من أي سورة أخرى في القرآن الكريم
قول معروف: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (5) النساء) (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (8) النساء).
قول بليغ: (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيــــغًا (63) النساء).
قول سديد: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9) النساء).
في سورة النساء تكرر وصف القول بأوصاف عديدة وبشكل عام تكرر لفظ (قول) ومشتقاته في السورة بشكل لافت وفيها ورد (ومن أصدق من الله قيلا) وورد (ومن أصدق من الله حديثا) وورد فيها تكليم الله تعالى لموسى عليه السلام (وكلم الله موسى تكليما) وورد القول على عيسى عليه السلام في أكثر من آية وتحذير الله تعالى لهم من أقوالهم الفاسدة الباطلة.
فهل يمكن أن نقول أن القول ثوب لفظي لسورة النساء تحديدًا ولعل في هذا إشارة وتنبيه للنساء اللواتي يُكثرن من الكلام أن ينتقين أحسن الأقوال والحديث ويبتعدن عن منكر القول ولغوه وما لا فائدة فيه والله أعلم.
ولو أمكن التفريق بين استعمالات أنواع القول المختلفة (قول كريم، معروف، سديد، عظيم، طيب، ثابت، ميسور) ودلالة كل وصف
في سورة طه (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴿٤٤﴾) القول تكرر في القرآن وجاء موصوفًا بأوصاف كثيرة وخصوصًا في سورة النساء، نستطيع أن نقول أن القول في سورة النساء هو أيقونة لفظية وهو جزء من النسيج العام اللغوي للسورة ولا يشكل الثوب اللفظي للسورة، هو جزء أيقونة لفظية مستعملة بطرق فنية كما في سورة الحج مثلًا الأيقونة اللفظية هو المبني لما لم يسمى فاعله وكذلك تكرار (ذلك) هذه أيقونات لفظية مكررة. لما وجّه الله تبارك وتعالى موسى وهارون إلى فرعون وهو طاغية قاسي القلب جافي الطبع يحتاج إلى تليين فقال (قولا لينا). مثلًا الوالدان في سورة الإسراء (وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) طلب من كل مسلم ومن كل ولد أن يقول لوالديه قولا كريما. هل ثمة فارق بين القول الكريم والقول اللين؟ ثمة تقارب لكن القول الكريم في سورة الإسراء أنسب وأليق لأنه في نهاية السورة تحدث الله عن تكريم بني آدم (﴿٦٩﴾وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴿٧٠﴾) وأنت من شأنك أيها الإنسان أن تُكرم والديه وقل لهما قولا فيه كرم. حتى إبليس في سبعة مواضع في القرآن، في ستة مواضع منها يقول ابليس عن آدم (أنا خير منه) (خلقتني من نار وخلقته من طين) إلا في سورة الإسراء قال (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ﴿٦٢﴾) يتناسب مع سورة التكريم. إذا ما تدبرنا كل سياق في كل سورة سنجد المناسبة. مثلًا في سورة النساء قولًا معروفًا لأن فيها حديث عن المعروف (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴿٥﴾ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴿٦﴾) تكررت كلمة المعروف كثيرًا في سورة النساء، لما قال للفقراء (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا) التناسق مرعي في كل شيء. في سورة الأحزاب لما قال الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴿٧٠﴾) وفي سورة النساء (وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) لأن السياق فيه اتهامات خطيرة في سورة الأحزاب اتهموا موسى عليه السلام وآذوه وقالوا عنه كلمات كثيرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴿٦٩﴾) ولا تؤذوا النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا)[الأحزاب: 53] الكلام عن الإيذاء، المطلوب أن تتريثوا وأن تقولوا قولا صحيحًا سديدا لا تظلموا في الكلام ولا تتجاوزوا ولا تطغوا،. ولما كلم الله رسوله صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن قال (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴿٥﴾ المزّمل) القرآن ميسر لكن تطبيقه ثقيل على النفوس، هو ميّسر في لفظه وفي تلاوته لكن يحتاج في التطبيق إلى جهد ، كلها بدقة ترعى المعنى ثم ترعى الألفاظ.
أسئلة المشاهدين المتصلين هاتفيًا:
سؤال: في سورة ص (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩﴿٢٤﴾ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ) طلب المغفرة فغفر الله له، وفي نفس السورة في قصة سليمان (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴿٣٥﴾ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ﴿٣٦﴾) لم يذكر المغفرة فلماذا سكت عن المغفرة مع سليمان؟
المسألة تحتاج إلى قرآءة عدد كبير من التفاسير حتى نقف على المعنى الدقيق فنرجئ الإجابة أفضل لأن القرآن غلّاب. الخطأ وارد سيدنا داوود استمع إلى طرف من الخصمين ولم يستمع إلى الطرف الثاني (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ)، صرّحت الآية (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ) لكن سيدنا سليمان ثمة روايات ليست دقيقة بعضها من الإسرائيليات لذلك يحسن أن نطلع على عدد كبير من التفاسير ثم نجيب السائل الكريم.
سؤال: الثوب اللفظي لسورة الحج هل ثمّة أشياء لم نقلها؟ هل من مزيد؟
وأنا أدرس سورة الحج من بين ثوبها اللفظي اللافت للانتباه أيضًا استعمال (مَنْ) إما موصولة أو شرطية بشكل لافت للانتباه. وقد تكون (من) استفهامية: من فعل ذلك؟
من يتابع يجد أن السورة مصطبغة بذلك: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ﴿٣﴾) (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴿٤﴾) (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) (وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) أي الذين في القبور، هذا لا يعني أنه لم يستعمل (الذين) لكن (من) بدل (الذي) وردت (الذي) مرتين والفرق بين (من) و(الذي) أن (الذي) اسم موصول مخصص معروف، (الذين) ورد كثيرا. نحن نتكلم عن (من) تفيد الذي وتفيد الذين اسم موصول مبهم يعود على العاقل (وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ﴿٨﴾) (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ) (يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ) هنا شرطية (وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ) موصولية، (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ) (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴿٣٢﴾) أحصيت (من) 15 مرة في السورة، الشاهد نحن نبرز الشيء اللافت للانتباه، هل هذا يعني أن (من) لم تستعمل بشكل وافر في أماكن أخرى؟ استعملت بشكل وافر في سور أخرى لكن هنا ظهورها واضح هو لما جاء إلى السجود (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ۩﴿١٨﴾) استعمل (من) وليس (ما) لتتناسق العملية، وقد ورد في سور أخرى (لله يسجد ما في السموات) لغير العاقل والسياق هنا يقتضي أن تستعمل (من)
استطراد من المقدم: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) (من) تستعمل للعاقل فربما يقصد بها الملائكة
قد تكون الملائكة وقد تكون هناك مخلوقات أخرى.
المقدم: (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) العاقل في الأرض، ثم بعد ذلك فصّل (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ) لأن هؤلاء كلهم لا يدخلون في (من)
تكلم عن أجناسهم، الألف واللام تفيد جنس هؤلاء، هل نعرف كم من النجوم موجود؟ لو نسأل الفلكين هناك ملايين النجوم فاللام ليدل على الاستغراق.
المقدم: ثم قال (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) وقال (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ)
قال (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ) هنا فصّل العملية.
أوضح شيئا آخر: ركزت سورة الحج أيضًا لأنها حديث موجه للناس (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴿١﴾) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) وهذه الآية الثانية (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ) موجهة للمشركين في الدرجة الأولى لأن المسلمين والمؤمنين ليسوا في ريب من البعث وفي نهاية السورة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴿٧٣﴾) الناس فيهم المؤمن وفيهم الكافر.
ثمة تركيز على العذاب وأنواع العذاب (وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ) (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ) (وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) وفي آية أخرى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴿٥٧﴾) انظر دقة الاستعمال، وفي آية أخرى قال (وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ﴿٥٥﴾) عذاب يوم عقيم لم يتكرر كثيرًا في القرآن ليس كأليم وعظيم (أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ)، ثمة آية أخرى ورد فيها وصف العذاب بـ(عقيم). تخيل في سورة واحدة: عذاب عقيم عذاب عظيم عذاب الحريق عذاب السعير ألا يدعونا هذا إلى التفكر وإلى إدراك الفروق بين كل سياق وبين كل مشهد؟ نحن نفتّح الأبواب..
مما تميزت به سورة الحج فاصلة دقيقة لم ترد في جميع سور القرآن، الفاصلة نهاية الآية نقول في الشعر القافية، نسميها في القرآن الفاصلة (إذا الشمس كورت * وإذا النجوم انكدرت). فاصلة بالياء والقاف ورد ست مرات في سورة الحج وبحثت حسب مبلغي في العلم لا توجد في سورة أخرى (عميق، سحيق، العتيق، العتيق، الحريق، الحريق) هذا التوالي وهذا الحضور المكثّف لهذه الفاصلة أيضًأ لافت للانتباه وصبغها بهذه الصبغة الجميلة جدًا.
في السورة أيضًا لافت الحديث عن القلب بطريقة معينة (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) (فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) لدينا تقوى القلوب ووجل القلوب في ذات السورة، وفي آية أخرى يقول (فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ) تتواضع، تطمئن تخضع، الخبت هو المكان المنخفض، مادة (خبت) المعجمية استعملت في سورة هود (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)) وفي سورة الحج فقط، في الحج وردت مرتين (تخبت، وبشر المخبتين) لأن سورة الحج ترقق القلوب (ولكن يناله التقوى منكم) (فإنها من تقوى القلوب) (وجلت قلوبهم) ألا ينبغي للمسلم القارئ المسلم المتدبر لسورة الحج أن يقرأها ويخشع قلبه ويخبت قلبه لرب العالمين الذي فرض الفرائض؟! (وردت مادة خبت أيضًا في سورة الإسراء ليس للقلوب وإنما للنار (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) [الإسراء: 97])
المقدم: تكفي الآيتان الأوليتان منها في بداية السورة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴿١﴾ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴿٢﴾) لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم لم يُرى باكيًا أكثر من بكائه في تلك اللحظة.
أيضًا لاحظت في البحث والفرز أن ثمة حديثًا عن البيت العتيق في سورة الحج، الملحوظة التي نعطيها أنه كلما تحدث القرآن عن البيت، عن الكعبة المشرفة عندما يكون المقام متعلقا بإبراهيم الخليل تاريخياً يسميها “البيت”، عندما يكون المقام متعلقًا بالتاريخ وبذكر إبراهيم يسميها البيت العتيق أو البيت وردت في سورة الحج (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَان الْبَيْتِ)[الحج:26] حتى لما أمر بالطواف قال (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)[الحج:29] في السياق التاريخي (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴿٩٦﴾ فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ)[آل عمران: 96 و97] تعلق بالتاريخ وتعلق إبراهيم لأنه هو الذي بنى البيت (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿١٢٧﴾) لما يذكر إبراهيم وإسماعيل يذكر البيت. (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) لأن السياق كله يتحدث عن إبراهيم وفرضية الحج كما ذكرنا في الحلقة الأولى في سورة الحج درائة تأصيلية. لو كنا في رسالة دكتوراة لقلنا أن سورة الحج رؤية تأصيلية وسورة البقرة رؤية تفصيلية تشريعية.
كيف يسمي البيت في سورة البقرة وفي غيرها من السور؟
عند التشريع يسميها المسجد الحرام، يسميها الكعبة، البيت الحرام (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)[البقر:144] تشريع، (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴿١٤٩﴾ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) استعمل المسجد لأن المكان للسجود ولأن الأمر يتعلق بالشريعة الاسلامية، في القتال (وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ)[البقر:191] (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ) [البقرة:217]، هذا في سورة البقرة، وقد يقول قائل هذا من الثوب اللفظي لسورة البقرة. في سورة المائدة تشريع (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ) لما قال البيت الحرام ربطه بالتشريع (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا). في سورة الأنفال (وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)[الأنفال:34] باختصار القاعدة: أنه حيثما يراد التشريع للأمة الإسلامية، الأمة الإسلامية تعرف المسجد الحرام، الكعبة، أو البيت الحرام ولما يكون الأمر والبيان القرآن مسلطًا العدسة البيانية تاريخيًا وفي عهد إبراهيم يأتي بالبيت. هذا مما اكتشفته وأسأل الله التوفيق.
إضافة لما ورد في الحلقة – إعداد إسلاميات
ذكر د. محمد صافي المستغانمي أن سورة الحج فيها حديث لافت عن القلوب ونستعرض الآيات التي ذكر فيها القلب في السورة:
(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴿٣٢﴾)
(الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴿٣٥﴾)
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴿٤٦)
(لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴿٥٣﴾)
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿٥٤﴾)
في سورة الحج حضور لافت للجوارح أيضًا:
(ثَانِيَ عِطْفِهِ)
(ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ) (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴿٧٦﴾)
(انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ) (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ)
(يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ﴿١٩﴾ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ﴿٢٠﴾)
(يَأْتُوكَ رِجَالًا)
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴿٤٦﴾)
وفي السورة ذكر للجدال:
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ﴿٣﴾)
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ﴿٨﴾)
(وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿٦٨﴾)