في رحاب سورة
د. محمد صافي المستغانمي
قناة الشارقة – 1436 هـ
الحلقة 5 – تكملة سورة مريم والبدء بسورة طه
تقديم الإعلامي محمد خلف
تفريغ موقع إسلاميات حصريًا
يعرض مساء الأحد الساعة 9 ليلا بتوقيت مكة المكرمة ويعاد الإثنين الساعة 11.30 ظهرًا.
المقدم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل الخير، هانحن نلتقي بكم مجددًا في حلقة جديدة من حلقات برنامجكم القرآني “في رحاب سور القرآن”، ولا زال الحديث حول “سورة مريم”، كنا قد توقفنا عندها في الحلقة الماضية مع ضيفنا فضيلة الشيخ الدكتور محمد صافي المستغانمي.
دكتور تقريبًا أتممنا “سورة مريم” إلا أن هناك بعض الإشارات البسيطة؛ من بينها حينما يقول الله -سبحانه وتعالى-: (لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلامًا)[مريم: 62]، الاستثناء هنا؛ استثنى السلام من اللغو، فهل السلام من جنس اللغو، كيف يستقيم هذا؟.
د. المستغانمي: هذا النوع من الاستثناء -في الحقيقة- يراد به معنىً بلاغيًا رائعًا، عندما يقول: (لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلامًا) في الجنة لا يوجد لغو أبداً، عندما يصف الجنة لا يوجد لغو؛ أي كلام لا قيمة له، لا معنى له، لا يوجد، (لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ)[الطور: 23]، وفي آية: (إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا)[الواقعة: 26]، هنا: (لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلامًا) يعني كأنه يقول: لا يسمعون فيها لغوًا لكن سلامٌ سلام فقط. هذا في البلاغة العربية يُسمى “تأكيد المدح بما يشبه الذم” أقول لك بيتاً، النابغة الذبياني قديمًا في الشعر العربي – يصف قومًا ويمدحهم- يقول:
ولا عيب فيهم إلا أن سيوفهم ***
الواحد يسمع ويقول: عندهم عيب؟!
*** بهن فلول من قراع الكتائب
المقدم: هذا مدح كذلك.
د. المستغانمي: نعم، بارك الله فيك، هذا من هذا القبيل، هو يمدحهم يمدحهم ثم يقول:
ولا عيب فيهم إلا أن سيوفهم *** المستمع يتوقع يقول: لهم عيب، خير إن شاء الله!! ** بهن فلولٌ من قراع الكتائب.
فلولٌ: أي مقطوعة قليلاً. ترقى في مدحهم، القرآن أولى وأجل، (لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا) ترقى(إِلَّا سَلامًا) هذا من تأكيد المدح بما يشبه الذم، هذا موضوع كبير.
المقدم: إذن الآن خلاصة “سورة مريم” قبل أن نلج “سورة طه”.
د. المستغانمي: أنت مستعجل على “سورة طه” ما شاء الله.
المقدم: أنا مستعجل على “سورة طه” وفي ذات الوقت “سورة طه” فيها الكثير كذلك من الأسرار التي يجب أن نقف عندها ونريد أن نعرف كذلك سياقها العام، لكن دعنا نُجْمِل الحديث الآن عن “سورة مريم” قبل أن نغادرها، ما الذي تتسق به “سورة مريم”؟
د. المستغانمي: في الحقيقة أشرنا إلى بعض من ذلك:
أولًا: “سورة مريم” محورها العام هو الرحمة، التي أفاضها الله على أنبيائه وعلى خلقه جميعًا:
– الرحمة التي تجلّت في مولد “يحيى”.
– الرحمة التي تجلّت في خلق عيسى عليه السلام.
– الرحمة التي تجلّت في حوار إبراهيم مع أبيه.
ثم العبودية من بدايتها إلى نهايتها، لو أننا فصّلنا فيها القول:
-(ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا)[مريم: 2].
عيسى لما نطق: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)[مريم: 30].
– (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا)[مريم: 95]،(إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا)[مريم: 93]، خط العبودية، فهؤلاء الكوكبة الذين ذكرهم من الأنبياء كانوا عبيدًا وعباداً لله سبحانه وتعالى.
الذي فقط أريد أن أشير إليه هو: أن قالبها اللفظي فيه تناسق عجيب، وأنا أُحضِّر لهذه الحلقة:
– نجد مثلاً في بدايتها زكريا يقول: (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا)[مريم: 4]، “إبراهيم” أيضًا لما خاطب أباه قال: (عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا)[مريم: 48]، كرّرها.
– “زكريا” لما دعا قال: (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا)[مريم: 6]، عن ابنه الذي سوف يهبه الله له، “يحيى”. لما تحدّث عن إسماعيل قال: (وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا)[مريم: 55]، أضاف له الميم هنا إضافة في المبنى وإضافة في المعنى أيضًا.
– لما تحدث عن “يحيى” قال: (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا)[مريم: 7]، لما تحدّث عن اسم الله قال: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)[مريم: 65]، فثمة تناسق كثير.
– (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ)[مريم: 21] في قصة “عيسى”، و(هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ)[مريم: 9] في قصة “يحيى” ومولده.
– أوحى زكريا لقومه (فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا)[مريم: 11]، في الوقت نفسه: (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا)[مريم: 62] في الجنة.
نجد رد العجُز على الصدر، هذا من الاتّساق الجميل جدًا، (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا)[مريم: 14]، عن يحيى، (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا)[مريم: 44]، هذا يعطينا قالباً لفظياً تتميز به “سورة مريم”، فلو أن مستمعًا لم يكن حاضر الذهن؛ بمجرد سماعه هذه القوالب والتعابير اللفظية يعرف ويجزم بأنه مع سورة مريم.
أريد فقط أن أجزم للمشاهد الكريم حتى دائمًا يعيش مع القالب اللفظي لتلك السورة، لها ثوبها، لها إيقاعها الصوتي.
المقدم: أريد كذلك أن نقف وقفة سريعة عند نقطة معينة، أنت ذكرت بأن القالب العام والمعنى العام لسورة مريم: الرحمة، وهذا يتكرر كثيرًا، لكن في ختام السورة نجد ألفاظاً شديدة فيها إقراع قوي حينما يقول الله سبحانه وتعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا)[مريم: 83] وتهزهم هزًا،(فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا)[مريم: 84]، (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا)[مريم: 85]، (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا)[مريم: 86]، (لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا)[مريم: 87]، (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا)[مريم: 88]، (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا)[مريم: 89]، (تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا)[مريم: 90]، (أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا)[مريم: 91]، فهذا لا يستقيم مع الرحمة!!.
د. المستغانمي: أنا أعبّر وأقول: لما اختلف الموضوع اختلف القالب اللفظي، في الحقيقة من بدايتها إلى حين ما قرأت، كانت كلها على وتيرة واحدة وهي الياء الندية؛ الشجية التي تبعث على شعور جميل جدًا، “سميّا”، “رضيّا”، تبعث في القارئ شعور ارتياح، لأنها من رحمة الله سبحانه وتعالى.
لما تعلّق الموضوع بهؤلاء الذين قالوا اتخذ الرحمن ولدا، بالعبودية وبأناس قالوا: اتخذ الرحمن ولدا، وجاءوا بشيء فظيع، ما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا، هنا انقلب التعبير القرآني إلى الشدة.
المقدم: مع أن المقام مقام رحمة، لكن الأمر يقتضي
د. المستغانمي: يقتضي أن الأسلوب يختلف، وهنا اختلفت الفواصل القرآنية في أواخر سورة مريم، وهذا يؤكد ما كنا نقول، وجاء الثوب اللغوي يتناسب مع ماذا؟ مع موضوع نهيهم عن اتخاذ الولد وعن نهيهم عن أن يقولوا شيئاً شنيعًا في حق الله تعالى، وفي حق عيسى عليه السلام ثم تحدث؛ هددهم بأن الله سيؤزهم أزًّا وسيهزّهم وسيعاقبهم، فالقالب اللفظي دائمًا يتناسب مع المحتوى.
في رحاب سورة طه
المقدم: نبدأ سورة طه، بسم الله الرحمن الرحيم (طه)[طه: 1]، (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)[طه: 2]، بداية هذه السورة هل هي مكية أم مدنية وعمَّ يدور الحديث في مجملها؟.
د. المستغانمي: بسم الله الرحمن الرحيم، سورة طه -كما يعرف المشاهد الكريم لأنهم يقرؤنها كثيرا “مريم” و “طه”- هي سورة مكية نزلت بمكة المكرمة، الأرجح أن تكون نزلت بحدود السنة الرابعة للبعثة سوف تقول: لماذا؟ على الرغم أننا لا نستطيع أن نجزم دائمًا في التاريخ لكن فيه مناسبة هنا، من أعظم المناسبات أنها نزلت قبل إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث إن أخته كانت تقرأ سورة طه مع زوجها. وعمر بن الخطاب لم يختلف علماء تاريخ الإسلام أنه أسلم في السنة الخامسة، فإذن إما أن تكون قد نزلت في السنة الخامسة أو قُبيلها -في السنة الرابعة- هذه هي الظروف. فهي مكية بإجماع العلماء، وتُعَدُّ السورة الخامسة والأربعين في عداد التنزيل، سبقتها سورة مريم، وأتت بعدها سورة الواقعة، فهي السورة الخامسة والأربعون.
هذه السورة عظيمة، نزلت في ظروف صعبة جدًا جداً، كان المسلمون يعيشون شدة ويعانون عناء رهيباً مع المشركين من التعذيب والتنكيل، قريش تقاطعهم، أثناء المقاطعة؛ إبّانها، كانوا يعذبون المسلمين الجدد، ياسر استشهد من عائلة عمار بن ياسر.
المقدم: ولم يكن أقوياء الصحابة أسلموا بعد كعمرو بن الخطاب فكانوا مستضعفين.
د. المستغانمي: بارك الله فيك، كانوا مستضعفين، ذاقوا الويلات من تعذيب صناديد قريش:
– حتى إنهم آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يصلي فأتى “عقبة بن أبي مُعيط” ورمى عليه القاذورات –سلى الجزور- شرّف الله سبحانه وتعالى محمداً صلى الله عليه وسلم.
– أيضاً آذوا أبا بكر الصديق، وكان يخطب فيهم في الحرم.
– ضربوا عبد الله بن مسعود حينما جهر بسورة الرحمن، أوجعوه ضربًا حتى أثروا في وجهه.
ظروف قاسية، في تلك الظروف القاسية جاءت سورة طه تقول لمحمد صلى الله عليه وسلم: لستَ وحدك يا محمد، لست وحدك في طريق الدعوة يا محمد، ونزلت سورة طه تُسليِّه وتمسح دموع الشقاء عنه وعن أصحابه، وأنت لست وحدك أنت واحد من كوكبة الرسل الكبار، وقصّت عليه قصة موسى عليه السلام، وما لاقاه أخوك موسى في دعوته سوف تلاقيه أنت ولكن مآلك هو مآله، كما نصره سينصرك، كما عظّمه سيعظمك، كما قوّاه وقوّى بني إسرائيل في كنفه سوف يقويك. إذن أطلّ جبريل عليه السلام بالوحي السلسل الرقراق ونزلت سورة طه العظيمة وخصوصًا مطلعها: بسم الله الرحمن الرحيم (طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) طه).
المقدم: ما المقصود بـ طه؟.
د. المستغانمي: من الأحرف المقطعة.
المقدم: ليس اسمًا للنبي؟.
د. المستغانمي: بعض العلماء يقولون: يس وطه من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكن لا نستطيع أن نجزم بذلك، الأولى كما قلنا في: كهيعص، طه، يس، حم، حروف من الهجاء العربي؛ من حروف اللغة العربية، تحدّى الله بها العرب أن ينسجوا على منوالها وهذا الأرجح عند جميع العلماء، من يقول هي اسم من أسماء النبي قول من الأقوال.
المقدم: لأنه بعدها مباشرة يأتي الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم: (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)[طه: 2]، فمن قال بأنها مناداة بـ”طه” للنبي صلى الله عليه وسلم؛ أي: يا طه؛ استند إلى ما بعدها
د. المستغانمي: أنا أقول لك شيئاً آخر: بسم الله الرحمن الرحيم (حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) الشورى)، لماذا لا نُسمِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم “حم عسق” في الحقيقة الرأي مرجوح لكن سوف نناقشه.
المقدم: على كلٍ؛ يعني كذلك من الآراء التي ذُكرت.
د. المستغانمي: نعم من الآراء التي ذُكرت.
المقدم: هل ورد في قراءة سورة طه فضل في قراءتها؟.
د. المستغانمي: وردت أحاديث لكن ليست صحيحة وليست قوية في السند، روي أن الله تبارك وتعالى يقرأها يوم القيامة مثلًا، ولكن لا أميل إلى ذكر هذه الأحاديث، فقط يكفيها فضلًا؛ أو اشتُهرت سورة “طه” في الإسلام لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلام أحد العمرين، إذ أن جبّار الجاهلية اهتزّ لها، وسالت دموعه ودخل في الإسلام وأعزّ الله به محمداً صلى الله عليه وسلم وصحبه.
المقدم: ما هي أهم المواضيع التي تقف عندها أو تعالجها سورة طه؟.
د. المستغانمي: المواضيع التي تعالجها بشكل عام، ثم نلِج إلى محورها -إن شئت- هي مواضيع جاءت تُسلِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، هي إنعكاس لشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قلت لك قبل قليل، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجماعة المسلمين معه يعانون من كِبر قريش ومن شدتها ومن الاتهامات التي كانت تُسلّط عليه: قالوا: ساحر، قالوا: مجنون، قالوا: كاهن، إلى غير ذلك، ازدجروه؛ آذوه، فجاءت السورة تعالج:
أولًا: ثبتته (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى).
ثانيًا: قصّت عليه قصة كليم الله موسى بالتفصيل في مواقف بينت كيف أن الله تبارك وتعالى حفظ ورعى موسى عليه السلام.
المقدم: أعتقد أكثر قصة فُصِّلت من قَصَص موسى هنا؟.
د. المستغانمي: هنا وفي القَصَص، حتى إن الآيات التي تحدثت هي أكبر شيء هنا، ثم في القَصَص بطريقة أخرى كما سوف نرى.
– ثم أعقب الحديث عن قصة موسى، الحديث عن القرآن، عن الذكر في أواخر سورة طه.
– ثم تحدث الله تبارك وتعالى عن بعض مشاهد يوم القيامة، (وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا)[طه: 102]، (وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا)[طه: 108].
– ثم جاء حديث عن الهداية، (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى)[طه: 123]، إلى غير ذلك.
المقدم: ولا ننسى كذلك ورود قصة إبليس وعدم السجود؟ وهذه سوف نقف عندها .
د. المستغانمي: بارك الله فيك، سوف نقف بإذن الله، لكن الذي أريده: هذه المواضيع المختلفة لكن ما الذي يجمع بين هذه المواضيع، هنا السؤال؟ هنا أقول: المحور العام لسورة طه من أولها إلى آخرها تقريبًا هي: رعاية الله لعباده المرسلين، ورعايته للمَدعوين، الله يحب الجميع.
المقدم: لا يتركهم في تلك الأوقات الكالحة.
د. المستغانمي: لا يرضى لعباده الكفر جلَّ ثناؤه، لكنهم إذا اختاروا هم وشأنهم، لكن الله (ولا يرضى لعباده الكفر)[الزمر: 7] يحب لهم الإيمان؛ يدعوهم؛ قيّض لهم الأنبياء والمرسلين. الخط العام للسورة أو المحور: هو رعاية الله لعباده الصالحين، للأنبياء، للمرسلين، كأني بالقرآن يقول لمحمد صلى الله عليه وسلم: كما رعى موسى عليه السلام يرعاك الله جلَّ ثناؤه، كما قال الله جلَّ ثناؤه في السورة وسوف نرى: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)[طه: 39]، هل ثمّة عنايةٌ أكثر من هذه الآية.
– قال لموسى عليه السلام: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى)[طه: 13] اختيار، كذلك اختار محمداً صلى الله عليه وسلم.
– قال لموسى: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)، قال لمحمد صلى الله عليه وسلم أكثر: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)[الطور: 48]، جَمْع، هنا (عَلَى عَيْنِي)[طه: 39] واحدة، تحت رعايتنا، هنا قال: تحت رعاياتنا وتحت كلئِنا وحفظنا، (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)[الطور: 48] ليس المقصود به لا نُجسِّم لله في خلقه، نقول: تحت رعاياتنا أو حتى أهل السنة يقولون: نثبت له ما أثبته لنفسه، لله عين ولكن لا نُجسِّم ولا نُمثِّل ولا نشخص ولا نُكيِّف إلى غير ذلك.
أعطيك فقط لقطات تحضرني الآن:
قال: لماذا جئت يا موسى لمّا عجل عن قومه، (وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى)[طه: 83]، (قَالَ هُمْ أُوْلاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)[طه: 84]، لترضى عني، لكن محمد صلى الله عليه وسلم قال له: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)[الضحى: 5]، موسى يَعْجَل ليرضى عنه الله، بينما الله سبحانه وتعالى يُبشِّر محمداً يقول: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)[الضحى: 5]، مقام محمد.
ففي القرآن تثبيت، وهذه السورة نزلت تثبيتًا وسوف نرى من خلال تحليل بعض مشاهدها كيف ثبّته الله تبارك وتعالى.
المقدم: إذن هذه السورة محورها العام هو: رعاية الله سبحانه وتعالى لرسله وأنبيائه ومن اصطفى من خلقه والناس الذين يدعونهم هؤلاء الرسل والأنبياء الذين يدعونهم.
د. المستغانمي: نعم.
المقدم: دائمًا تقول بأن هنالك مناسبة ما بين السورة والتي قبلها والتي بعدها، فهل هناك بالفعل ارتباط؟.
د. المستغانمي: يعني ارتباطها بسورة مريم قبلها أولًا، سورة مريم في نهايتها، في التنزيل، (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ)[مريم: 97] تيسير القرآن (لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا)[مريم: 97] في نهاية مريم، بداية طه: بسم الله الرحمن الرحيم (طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) طه)، هذا هو اليُسر، لِتَسْعَد لا لتشقى، أنا أقرأ الآية كالآتي: (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)[طه: 2]، بل لِتَسْعَد، المفترض هكذا إذا كنا نتفاعل؛ لأنه مما روي في سبب النزول: أن المشركين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الحرم، وقالوا: ما بِهِ يُمرِّغ جبهته في الأرض وفي التراب، وفي الحرارة؟!.
المقدم: في شقاء؛ كأنهم يرون هكذا.
د. المستغانمي: نعم؛ قالوها، قالوا: (شقيت يا محمد بدينك)، “شقيت” هذه الكلمة حتى لا تؤثر في قلب وذهن محمد صلى الله عليه وسلم نزل القرآن: (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)[طه: 2]، بل لِتَسْعَد، ثم ما هو القرآن؟ (تَنزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى) [طه: 4]، لذلك دائمًا أنا في محاضراتي أقول لطلاب العلم: (الكون خلقه الله بعجبٍ عُجاب، والقرآن عَجَبٌ عُجاب)، إذا كنا نرى المجرّات التي لا تنتهي والنجوم التي لا تنتهي فالقرآن لا تنتهي عجائبه ولا تنفذ غرائبه.
المقدم: طيِّب؛ لدي سؤال هنا: لماذا قال: (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)[طه: 2]؟ وهو قد لا يريد القرآن؛ قد يريد ما أرسلناك؛ ما أنزلنا عليك الهداية؛ ما بعثناك للناس، ما أنزلنا عليك الإسلام، فلماذا لخّص الإسلام بالقرآن؟
د. المستغانمي: لأن القرآن هو وعاء الإسلام، لأن القرآن هو كلمة الله الأخيرة التي التقت فيها السماء بالأرض، اقرأ، يعني نحن لو ضاع كل شيء لا يهمنا، إلا القرآن والسنة الصحيحة، القرآن يحفظ السنة أيضًا، (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)[الحشر: 7]، لذلك الكلمة التي التقت بها السماء بالأرض، وليست مُحرَّفة (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر: 9]، سورة الحِجر تفصِّل في الذكر وفي الكتاب والقرآن؛ هي كلمة الله، أحد الشعراء يقول:
هيهات أن يعتري القرآن تبديلُ وإن تبدَّل فتوراةٌ وإنجيلُ
الكتب الأخرى حُرِّفت للأسف الشديد، وإن كان فيها حكم عجيبة وجميلة، أما هنا: قرآننا باقٍ كما أنزله الله.
فقط أريد أن أشير إلى خط من خطوط السورة على ذكر (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى):
قد يقرأ واحد ويقول: فقط الرسول صلى الله عليه وسلم لا يشقى؟ فقط القرآن موجَّه للرسول صلى الله عليه وسلم لا يشقى؟!
المقدم: الحديث للرسول حديث لمن يتبعه كذلك.
د. المستغانمي: جميل جداً، خوطبت الأمة في شأن نبيها أو في شخص نبيها.
أستبق الأحداث: عندما تحدَّث الله مع آدم عليه السلام وزوجه، وقال له: لا تسمع الشيطان (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى)[طه: 117]، انظر هنا إلى التناسق.
أيضًا لما خاطبه، (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى)[طه: 116]، (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ)[طه: 117]، من الأوامر، من النواهي، من نظام الحياة الذي أعطاك فتشقى يا آدم.
واحد يقول: فقط رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقط آدم؟ لا؛ اقرأ الآية التي بعدها (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى)[طه: 123] أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تشقى إذا اتبعت القرآن والسنة الصحيحة، إذن الخط من ملامح السورة؛ من شخصيتها: نفي الشقاء عن محمد صلى الله عليه وسلم، عن آدم عليه السلام، عن كل المسلمين.
المقدم: طيِّب؛ هل لها علاقة بما يليها من سورة الأنبياء؟.
د. المستغانمي: طبعاً لها علاقة، هذا مؤكد حتى ولو لم أعرف أنا.
المقدم: لم تكن في القرآن في هذا الموضع اعتباطًا.
د. المستغانمي: إلا لها سبب، أبداً لها سبب وحكمة سواء عرفنا أم لم نعرف، في أواخرها: (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى)[طه: 135]، وأعظم أصحاب الصراط السوي هم الأنبياء، سورة الأنبياء فصَّلت القول في الأنبياء، (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ)[الأنبياء: 1]، لكن سردت القول في الأنبياء، وخصّها الله باسم الأنبياء هذا رقم واحد.
قبلها بقليل، (وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى)[طه: 129]، العذاب، لما تحدثت أواخر سورة طه عن العذاب جاءت بداية الأنبياء عن العذاب، (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ)، العلماء يذكرون هاتين العلامتين، بعض العلماء يقفون حيارى عند بعض السور وأنا أعذرهم لأن القرآن غلّاب كلما نظرت إليه تفتقت أكمام الإبداع والإعجاز. لذلك لها علاقة حتمًا وهذا سِرُّ ما قال الإمام الزركشي له: “نزل حسب الوقائع تنزيلًا وحسب الحكمة ترتيلًا”.
المقدم: دائمًا كذلك تقول بأن ما بين مطلع السورة وختامها هناك شيء من الارتباط، مطلع السورة تحدث حول تنزيل القرآن، وذكر: (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)[طه: 2]، (إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى)[طه: 3]، (تَنزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى)[طه: 4] الحديث كله عن القرآن، (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)[طه: 5]، (الرحمن) بَدَل هنا صحيح؟.
د. المستغانمي: نعم، (تَنزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى) هو الرحمن، تنزيلًا ممن خلق للضمير “هو”، الفاعل المحذوف الرحمن، فإما نقول هو الرحمن أو الرحمن جملة استئنافية؛ نعم يجوز.
المقدم: تفسيرًا لمن خلق. في نهاية السورة، (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى)[طه: 135]
د. المستغانمي: أنا سوف أدلك على شيء، أول الآيات تقول: (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)[طه: 2]، (إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى)[طه: 3]، وآخر تذكرة في السورة: (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا)[طه: 135]، هذا آخر تذكير للمشركين، قل كلٌّ مُتحفِّز، قُل كلٌّ منتظر فانتظروا، (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى) وسوف تفيئون إلى ظِلِّنا؛ وسوف تعودون إلى الحق، هذه آخر تذكرة، لمن أراد أن يذكّر أو يهتدي سبيلًا، هذا من الربط.
المقدم: كذلك قبلها هناك صورة جميلة؛ يعني حينما يقول: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)[طه: 124].
د. المستغانمي: ذكري، ما هو ذكري؟ القرآن، هذا رد العجز على الصدر.
المقدم: ويقول: (قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى)[طه: 126]؟.
د. المستغانمي: من رد العجز على الصدر.
المقدم: ذكرنا في سورة مريم وقلنا الله سبحانه وتعالى حينما قال: (لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلامًا) [مريم: 62]، وتحدثنا عن “إلا” هذه وقلنا: حتى أنه فاجأ بأن ليس السلام من جنس اللغو لكن تأكيد المدح بما يشبه الذمّ، هل هناك شيء من هذا هنا: (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)[طه: 2]، (إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى)[طه: 3] على عكسها؟.
د. المستغانمي: هي في الحقيقة توضح معنى لكن لا نستطيع أن ننسبها لما نسبته: تأكيد المدح بما يشبه الذم، إنما هنا (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)[طه: 2] النفي قاطع، إذن ما وظيفة القرآن؟ (إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى)[طه: 3].
المقدم: يعني كأنه يريد أن يقول: في غير القرآن ما أنزلنا عليك القرآن إلا تذكرة لمن يخشى.
د. المستغانمي: نعم، (تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى)[طه: 3] وفعلًا كل ما في القرآن تذكير، (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)[الذاريات: 55]، وعندما بعث الله موسى عليه السلام، (فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)[طه: 44]، هنا قال: (تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى)[طه: 3] والله أوصى موسى أن يقول لفرعون وما أدراك ما فرعون: قولًا لينًا؛ حتى ولو كان كافراً، أنت مطالب أن تُحْسِن الدعوة، نحن مطالبون أن نُحْسِن الدعوة، (قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)[طه: 44]، انظر كلمة (يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)[طه: 44]، (تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى)[طه: 3]، فتناسق بين الألفاظ عجيب.
المقدم: الله سبحانه وتعالى يقول في مطلع السورة: (طه)[طه: 1] (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)[طه: 2]، (إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى)[طه: 3] (تَنزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى)[طه: 4]، (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)[طه: 5]، هنا هذه من المسائل التي نريد أن نقف عندها: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)[طه: 5]، وأعتقد أن ابن حنبل له كلمة في هذه المسألة: الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، إلا أن هناك بعض الضلاليين ممن فسَّر استوى بـ “استولى” وغير ذلك، نريد أن نقف عندها تنبيهاً للناس.
د. المستغانمي: هو القول الجميل والسديد كما تفضَّلت هو قول أهل السنة: الإمام أحمد بن حنبل والإمام مالك في القضية، يقول: الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وقال للسائل: اخرج ما أراك إلا صاحب بدعة، فالعلماء كلهم يعودون لكلمة هؤلاء الفطاحل الذين فعًلا وقفوا؛ كانوا وقّافين، الذين يأوّلون يقولون: استوى بمعنى استولى؛ إلى غير ذلك، هذا تأويل بعيد أولًا، رقم واحد.
المقدم: لماذا أوّلوا هذا؟.
د. المستغانمي: لأن هناك الذين لا يقفون عند الآيات ويحبون أن يُعْمِلوا العقل في كل الآيات وبالتالي يفسرونها باللغة. الأولى أن الآية فعلًا الاستواء معلوم والكيف مجهول، ولكنها تفيد هنا أن الله سبحانه وتعالى استوى على عرشه بالطريقة التي تليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، هذا يدل على عظمة سلطانه جلَّ ثناؤه، كما جاءت الآية التي بعدها، (لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى)[طه: 6]، بسط السلطان؛ ثم يقول: (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى)[طه: 7]، هذه أفادت انبساط سلطانه جلَّ ثناؤه؛ وهذه أفادت سعة علمه جلَّ ثناؤه.
المقدم: واضح منها: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)[طه: 8]؟.
د. المستغانمي: المقطع كله يصوِّر عظمة الله، عظمة سلطان الله؛ نستطيع أن نقول هذا بدون تأويل، عظمة علم الله وسعة علمه وطلاقة مشيئته جلَّ ثناؤه؛ بدون أن نقع في التأويلات.
المقدم: فمن باب أولى أن نقول: استوى.
د. المستغانمي: بارك الله فيك، فاستوى؛ الاستواء معلوم والكيف مجهول، ومهما كان العلماء في العصر الحديث لن يأتوا بأفضل من كلمة الإمام أحمد والإمام مالك رضي الله عنهم جميعاً.
المقدم: لا زلت عند هذا المعنى وأريد أن أبين بعض المسائل، لأن هذه من المسائل التي يتحدث فيها الناس كثيرًا، من قال: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)[طه: 5]، قالوا: مكان الله سبحانه وتعالى على العرش مستوٍ جلَّ في عُلاه، وتحدّثت قلت: الاستواء معلوم والكيف مجهول، من قال: استولى، لم يجعل لله سبحانه وتعالى مكانًا فوق العرش وإنما قال وفسّر الآية الأخرى من أن الله سبحانه وتعالى موجود في كل مكان (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا)[المجادلة: 7]، فبالتالي كيف نوفِّق ما بين هذه وتلك؟.
د. المستغانمي: حتى الآية التي تلوتها (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا)[المجادلة: 7] فهو معنا بعلمه جلَّ ثناؤه؛ برعايته؛ بحفظه، هكذا يأوّلها أهل السنة، لا نستطيع، ونمرِّر مثل هذه الآيات التي تتحدث عن الاعتقاد نمررها كما جاءت ونؤمن بها كما جاءت، هذا هو الرأي السليم، وليس رأيي، هذا رأي كل أهل السنة والجماعة، أما أن ندخل في التأويلات فسوف نتفرَّق طرائق قددا، وهذا التفرق الذي تشرذمت به الأمة ونحن الأولى -في مثل هذه المنابر العلمية- أن نجمع ولا نفرّق، نجمع القلوب ولا نفرق؛ أنا أدعو إلى ذلك.
المقدم: جزاك الله خيرًا، أنا هذا بالفعل الذي أريد أن أصل إليه، جزاك الله خيرًا على هذا التوضيح، وللأسف كثير ممن بالغ كثيرًا في تأويل القرآن فشطحوا شطحات كثيرة.
تحدثنا في مقدمة السورة، الآن دعنا نلج بعض الشيء في تفصيلها، السورة في مجملها تتحدث عن قصة موسى عليه السلام؛ بداية من قول الله سبحانه وتعالى – في مطلع السورة حتى في بدايتها في الآية التاسعة -: (وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى)[طه: 9]، هل أتاك يا محمد، (إذا رأى ناراً)[طه: 10] وأنت قُلت بأن هذه السورة محورها العام: العناية الإلهية بأنبيائه وكذلك بالمؤمنين، أين تتجلى هذه العناية في قصة موسى عليه السلام؟.
د. المستغانمي: سوف نقرأ بعض الآيات؛ من البداية: (وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى)[طه: 9]، انظر إلى هذه البداية المُشوِّقة، بداية مُشوِّقة (وَهَلْ أَتَاكَ)[طه: 9]، لم يبدأ له بـ “وإذ قال” مباشرة.
المقدم: الجملة الإنشائية دائمًا أجمل من الخبرية في مثل هذه المواضع.
د. المستغانمي: والسؤال بـ”هل” في مثل هذه المواضع: أن يُشوِّق (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ)[الصف: 10]، في آية أخرى (وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضيف إبراهيم)[الذاريات: 24] فيها تشويق وحُسن العرض (وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا (10) طه)، البيان القرآني هنا بدأ من رؤية النار، سورة القصص -إن شاء الله نسأل الله أن نصل إليها- تحدثت عن موسى عليه السلام من مولده، انظر إلى سورة طه بدأت من(إِذْ رَأَى نَارًا) في عودته من أهل مدين، بعدما قضى عشر سنوات، قضى أوفى الأجلين وعاد مع أهله، رأى بجانب الطور نارًا، من هنا بدأت الرسالة.
المقدم: (فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا).
د. المستغانمي: فقط نوضح شيئا للمشاهد الكريم: أن هنا القرآن أو البيان القرآني ابتدأ من بداية البعثة، ما الذي يهمّ محمد صلى الله عليه وسلم؟ يهمه حياته هنا لأنه كان في ضيق؛ كان في شدة؛ كان في لأواء؛ وفي مرحلة عصيبة، فالدروس هنا تؤخذ من البعثة فصاعدًا.
في سورة القصص دروس أخرى، دروس سوف نراها بدأت من ولادته؛ المشيئة المطلقة، فرعون يريد أن يقتل والله يريد أن يربيه، تتحدى أنت القدرة الإلهية؟!
المقدم: أبداً؛ الله يفعل ما يريد.
د. المستغانمي: جلَّ ثناؤه؛ ومن ثَمَّ لها قالب خاص وإيقاع خاص. أعود (إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ)[طه: 10]، كانت ليلة باردة شاتية جدًا.
المقدم: (أو جذوة)[القصص: 29]
د. المستغانمي: في سورة النمل والقصص وردت (جذوة) وهنا (بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى)[طه: 10] من البداية الخط الثاني، قبل قليل رسمنا الخط: نفي الشقاء، الخط الثاني لملامح سورة طه: تثبيت الهدى، وسوف نراه، وهم متلازمان، الذي يهديه الله لا يشقى (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى)[طه: 123]، أول الآيات (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى)[طه: 10]، بينما لو ذهبنا إلى سورة النمل أو سورة القصص، يقول: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ)[القصص: 29]، تصطلون: تتدفأون من شدة البرد، لماذا تصطلون؟ هذا يتناسب مع جو سورة النمل الذي فيه برودة وخوف وشدة.
سورة الهداية هي سورة طه، سنبدأ -طبعاً أنا سأختصر وإلا سوف لا ننتهي- (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) طه)، انظر إلى العناية، ( يَا مُوسَى)، (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ)، نحن لو ناداك فقط أستاذ؛ لو ناداك رئيس شركة، لو ناداك وزير، الآن ناداك الله، اختيار ربّاني؛ اصطفاء، في سورة الأعراف قال: ( إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ)[الأعراف: 144].
المقدم: هنا التكليم لموسى؟.
د. المستغانمي: تكليم وتكريم، كلَّمه قال: (يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ).
المقدم: هنا أريد إشارة أن نقف عليها، حينما يناديه الله سبحانه وتعالى وهو لا يرى الله سبحانه وتعالى، من كل الجهات، فحينما يأتي هذا الصوت، يعطيه الأوامر وهو لا يعرف مَنْ صاحب هذا الصوت، ربما يعني يُغمى عليه؛ ربما يُغشى عليه؛ ربما يخاف؛ لكن بدأها بـ (أَنَا رَبُّكَ).
د. المستغانمي: تثبيت وتكريم وإضافة تشريف (يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طوى) هذا وادي الطهارة، وادي تكليم الله لموسى.
المقدم: أين كان؟
د. المستغانمي: في الجانب الأيمن من الطور، الذي كلّم الله فيه موسى الذي رأيناه في سورة مريم، (وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ)[مريم: 52]، تكريمًا لموسى قال: (وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ)[مريم: 52]، لما تحدّث عن محمد صلى الله عليه وسلم في سورة القصص، هل محمد صلى الله عليه وسلم رأى موسى وهو يوحى إليه؟ لا، قال له: (وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ)[القصص: 44]، قال: (وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ)[القصص: 44]، ماذا يقصد؟ بجانب الطور الأيمن، لكن لو قالها: “وما كنت بجانب الطور الأيمن” لنفى اليُمنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلام صعب جدًا، ففي الاثنين الله عظّم أو فضّل النبيين، فضّل موسى وأثنى عليه، أثبت له الحديث والمناداة عند جانب الطور الأيمن، لما نفى قال: (وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ)، هذا إنزياح ؛ عدول، عدول للتلطّف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هنا قال: (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طوى)، الوادي “طوى” هذا بجانب الطور الذي كلّمه.
المقدم: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى)[طه: 13]؟.
د. المستغانمي: وهل ثمة عناية أكثر من الاختيار؟! (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ)[طه: 13].
– قال له مرة: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ)[طه: 13].
– في الأعراف: (اصْطَفَيْتُكَ)[الأعراف: 144].
– بعد قليل في سورة طه: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)[طه: 39]، لكن كل هذه في مقام محمد صلى الله عليه وسلم أتى بأشياء أخرى من بينها: (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)[الطور: 48] وأشياء أخرى سنذكرها.
المقدم: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا (15) طه).
د. المستغانمي: (أَكَادُ أُخْفِيهَا)[طه: 15]، هذا المقطع الأول الذي أوحى الله إلى موسى عليه السلام وعرّفه بذاته جلَّ ثناؤه، والتعريف بذاته جلَّ ثناؤه هنا (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)[طه: 14]، أيضًا: التشريف لموسى عليه السلام وتعريف بالألوهية، وتعريفه بوظيفته لأنه سوف يكون نبياً مرسلًا إلى فرعون وإلى ملأ فرعون وقومه فأعطاه التكليف من البداية.
الذي يهمنا أن نقف عنده: أساليب التكريم، أما إذا شئت أن نفسر نشرح الآيات، لكن أنا أدعوك إلى مواصلة القراءة حتى نقف على مواطن…
المقدم: تذكرت بأن هذه القصة جاءت تسليةً للنبي صلى الله عليه وسلم، أين مواطن هذه التسلية؟ أين تتجلّى هذه المواطن؟
د. المستغانمي: قصة موسى انعكاس لقصة محمد صلى الله عليه وسلم.
المقدم: أنا أقصد من تفاصيلها يعني، ما الذي يُسلِّي النبي صلى الله عليه وسلم حينما يقول الله سبحانه وتعالى عل سبيل المثال: (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى)[طه: 16]، ما التسلية في هذا الموقف؟.
د. المستغانمي: كل القصة من بدايتها إلى نهايتها سوف يأخذ منها محمد صلى الله عليه وسلم العبرة ويتّعظ بالأحداث التي مرّ بها موسى، نحن مازلنا في المقدمة، عندما يُغلِظ فرعون([1]) ، عندما يريد قتل السحرة، عندما يهددهم بتقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف؛ ما زالت التسلية ستأتي.
لكنَّ الله سبحانه وتعالى بدأ القصة من أولها وكيف أوحى الله إلى كليمه موسى؟ وكيف عرّفه بالعقيدة؟ العقيدة هي هي، عقيدة موسى؛ عقيدة عيسى؛ عقيدة محمد صلى الله عليه وسلم هي هي: الله وحده لا شريك له، عقيدة البعث، لكن الشرائع تختلف.
المقدم: هنا تحدث عن شيء من معجزاته قال: (قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23) طه) كأنه يريد ذكر شيء من هذه المعجزات للنبي صلى الله عليه وسلم؟.
د. المستغانمي: هذه المعجزات الحقيقة:
أولًا: يثبت قلب محمد صلى الله عليه وسلم بأن أخاك موسى كان لديه معجزات حسية؛ وعرّفه المعجزات الحسية التي أعطاها الله؛ من بينها اليد؛ كان يضم يده تحت جناحه أو في جيبه تخرج بيضاء من غير سوء، هذا احتراس، بيضاء من غير مرض، هناك مرض البرص مرض البهاق؛ لا ، هنا البياض ممدوح، هذا معجزة، (بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى)[طه: 22].
يلقي عصاه (فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى)[طه: 20]، والله دائمًا يثبت (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى)[طه: 68]، كما ورد في آيات كثيرة، هذه معجزات حسية لموسى.
أما معجزات محمد صلى الله عليه وسلم من البداية (تَنزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى)[طه: 4] هذه المعجزة العقلية الخالدة.
الآن نسأل: أين معجزات موسى عليه السلام؟ انقضت ومضت وانتهت، آمن بها من آمن؛ من رآها، ونحن آمنا لأنها وردت في القرآن الكريم.
معجزة عيسى، كان يُبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله -كما تعرف- كما ورد في سورة المائدة وآل عمران، لكن آمن بها من رآها.
معجزة محمد صلى الله عليه وسلم أين هي؟ بين يديك الآن، إعجاز عجيب عظيم من كل النواحي العلمية والاقتصادية واللغوية والفكرية والغيبية، لذلك معجزة محمد في البداية ثم بدأه بقصة موسى، ثم بدأ يثبت من قلبه بما لاقى موسى؛ سوف تلاقي يا محمد ولكن النصر لكما بإذن الله سبحانه وتعالى.
المقدم: هل سنستمر في سرد القصة؟ أم نقف عند بعض المواطن فيها؟.
د. المستغانمي: سنستمر لكن نقف عند بعض المواطن فيها إذا كان فيه نصيب من الوقت.
المقدم: هو لم يبقى لنا من الوقت سوى دقيقة واحدة فقط، معنى ذلك نرجئ هذا الأمر لعله إلى الحلقة القادمة.
د. المستغانمي: لأني أنا أريد أن نتتبع القصة، ممكن أن نشرح بعض الكلمات لكن الخط العام قلت لك ما هو؟ العناية تبدو:
– وأنا اخترتك.
– ولتصنع.
– لما يقول لموسى وهارون: (قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)[طه: 46]، سوف يبدو خط العناية، هذا الذي أنا أحرص على بيانه، وبالتالي نصل إلى زبدة ما نريد -إن شاء الله- في الحلقة القادمة.
المقدم: إذن في الحلقة القادمة سوف نبدأ من أمر الله سبحانه وتعالى لنبيه موسى بأن ينطلق إلى فرعون حينما قال له: (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)[طه: 24]، وبعد ذلك نفصّل القول بإذن الله.
شكرًا لك وأنا استمتعت كثيرًا، تفاسير القرآن موجودة بين أيدينا والقرآن موجود بين أيدينا، لكن حينما نأخذ بعض اللفتات التي لم نعتد على سماعها هذا أمر غريب جدًا، حينما نعرف أن محوراً للسورة عام يحكمها؛ يتحدث في شأن معين وهذا يتكرر في مفردات السورة وفي ألفاظها وفي كلماتها، فهذا أمر بالفعل لم نعتد على سماعه، فجزك الله خيراً وأحسن إليك على مسعاك الطيب وجهد الطيب هذا.
https://www.youtube.com/watch?v=dfoSmiq6qeY&index=6&list=PLkfWtLTtKgCNPVnTm3YD9deZOub0-yPc5