قبسات من روائع البيان

قبسات من روائع البيان – جزء عمّ

اسلاميات

سورة الليل

قال تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2)) لِمَ تقدّم ذكر الليل ثم النهار بخلاف سورة الشمس؟ ما سر هذا التقديم و التأخير؟ لأن هذه السورة (الليل) نزلت قبل سورة (الشمس) بمدة، وكان الكفر مخيماً على الناس الإ نفراً قليلاً، و كان الإسلام قد أخذ في التجلي فناسب هذه الحالة حالة الليل حين يعقبه ظهور النهار.

ويقول تعالى: (فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14)) لِمَ ذكر (ناراً) نكرة و لم يقل النار أو نار جهنم؟ نكر القرآن لفظ (النار) لغاية عظيمة وهي تعظيم النار وتهويلها في قلوب السامعين ولذلك وصفت النار بـ (تلظى) للدلالة على إلتهابها من شدة الإشتعال.

سورة الضحى:

يقول تعالى: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)) إن الفعل (أعطى) من الأفعال التي تأخذ مفعولين اثنين, فنقول أعطيت أخي مصحفاً, وفي الآية اقتصر البيان الإلهي على تعدية الفعل (أعطى) إلى مفعول واحد فقال (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ) ولم يحدد ماهية الإعطاء بل حذفه ليعمّ كل ما يكون من خير لنفسه ولأمته .

يقول الله عز وجل: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ 10)) تبصَّر أخي الكريم في هذا النهي الذي يخاطب الله به الأمة عبر نبيه صلى الله عليه وسلم (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ) فقد نهاه عن نهر السائل خاصة, والنهر هو الزجر بالقول, مثل أن يقول (إليك عني) لأن الإنسان إذا نهي عن نهر السائل وهو أدنى أنواع المنع فلا شك أنه منهيٌ عن ما هو أشد منه في الأذى كالشتم والضرب والاستيلاء على المال وتركه محتاجاً .

سورة الشرح:

ويقول تعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)) انظر أخي المشاهد في موقع الجارّ (لك) كم يشتمل على تعظيم لصاحب المقام العالي سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- وكم يشتمل من تكريم للمصطفى وبأن الله فعل ذلك لأجله.

ويقول تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) أخي المؤمن لِمَ نَكّر الله (اليُسر) وعرَّف (العُسر)؟ إن تنكير اليسر كان لغاية التعظيم, أي مع العسر العارض لك تيسير عظيم يغلب العسر ويمحو أثره .

سورة العلق :

يقول الله عز وجل: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)) تدبر أخي المؤمن في بيان ربك المعجز، وكلامه الدقيق. ألا ترى كيف وصف الله أصل خلقة الإنسان من (علق) دون ( من ماء) أو نحوه؟ هذا من إعجاز القرآن العلمي لأن الثابت في العلم الآن أن الإنسان يتخلق من بويضة دقيقة جداً لا ترى إلا بالمرآة المكبرة أضعافاً تكون في مبدأ ظهورها كروية الشكل سابحة في دم حيض المرأة، فلا تقبل التخلق حتى تخالطها نطفة الرجل فتمتزج معها فتأخذ في التخلق، فإذا أخذت في التخلق والنمو أمتد تكورها قليلاً فشابهت العلقة التي في الماء مشابهة تامة في الدقة، وتلونها بلون الدم الذي تسبح فيه وكأنها العلقة التي تسبح. فسبحان من يعلم كيف خلق وهو اللطيف الخبير.

ويقول تعالى: (كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15)) الناصية مقدَّم شعر الرأس، فكيف خصّ الله مقدّم الرأس بالأخذ؟ أوليس أخذ الإنسان كاملاً أشد؟ فلم لم يقل ربنا لئن لم ينته لنأخذنّه؟ إن الأخذ من الناصية فيه إشارة إلى أن أخذ صاحبه سيكون أخذاً لا تفلّت معه، وهذا الأخذ فيه إزلال لأن العرب كانوا لا يقبضون على شعر أحد إلا لضربه أو جرّه، فكان أخذه من الناصية وضربه على مقدم رأسه إشعاراً بإهانته قبل تعذيبه.

ويقول الله تعالى: (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)) تدبر أخي المشاهد في هذا العطف (وَاقْتَرِبْ) الذي وقع عقب الأمر بالسجود، فمِمَّ سيقترب؟ في العطف (وَاقْتَرِبْ) على السجود فيه إشارة إلى شأن الصلاة وعظم ثقلها عند الله، وفيه تنبيه لما في الصلاة من مرضاة الله تعالى بحيث جعل العطف للمصلي مقترباً من الله  تعالى.