قصص القرآن

قصص القرآن – الحلقة 1

اسلاميات

حلقات برنامج قصص القرآن

مع الدكتور محمد هداية

تقديم: محمد خالد

 برنامج عرضه قناة الشارقة الفضائية في دورة برامجية سابقة مساء الإثنين الساعة السابعة بتوقيت مكة المكرمة . حلقات البرنامج كانت مسجلة وكان هناك حلقة مباشرة في الشهر للرد على أسئلة المشاهدين. (بالإمكان قراءة حلقات طريق الهداية المتعلقة بقصة آدم من صفحة طريق الهداية على هذا الموقع)

 

 الحلقة الأولى:

 

مقدمة

 

الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) يوسف

لماذا القصة في القرآن الكريم؟ وما هي عناصر تلك القصة؟ قديماً كتب في القصة القرآنية كثير من المفسرين وعلماء التاريخ. ومن المفسرين ومن علماء التاريخ من أطنب في تحليل القصة القرآنية ومنهم من أوجز القول فيها وربما أخلّ بالمعنى وربما من أطنب القول إعتمد على صنفين أو طريقتين من طرق البحث: الأولى أنه وقف وقفاً حرفساً محدداً عند الآية القرآنية لا يغادرها إلى غيرها. والصنف الثاني نقل ما صحّ وما لم يصحّ نقله فجاء بإسرائيليات مدسوسة في ثنايا تلك القصة. ولكن السؤال الوجيه الذي يطرح نفسه الآن: كيف ننقي القصة القرآنية من هذه الإسرائيليات؟ الناس في هذا على دربين: درب نقل نقلاً أعمى لم يُحقق ودرب آخر توقف ومحّص وأمعن النظر لينقي لنا القصة القرآنية مما علق بها من دسائس وشوائب.

وأول من كتب في موضوع القصص القرآني وهذه فئة ثالثة بمفردها أبو إسحق النيسابوري المعروف بإسم الثعلبي في عرائس المجالس. ولكن للأسف عرائس المجالس جاءت ملأى بالإسرائيليات مما قد يُدخل الدَخَن على هذا القصص القرآني وبالتالي على نفس المسلم. ثم أعمل العلماء جهدهم وفكرهم إلى أن وصلنا الآن بالقصص القرآني. في هذا البرنامج نحاول وضع برنامج محدد لننقي الإسرائيليات التي وردت في القصص القرآني ودرس هذه القصص والدروس المستفادة منها وأهداف كل قصة على حِدة.

لمّا كان لهذا الموضوع له من الأهمية الكبرى والقصوى في حياة كل مسلم لا سيما الإسرائيليات تؤثر سلباً أو إيجاباً في أحيان قليلة على مصادر الشريعة الإسلامية نستضيف واحداً ممن لهم باع طويل في القصة القرآنية وهو الدكتور محمد هداية.

وهذه الحلقة هي حلقة تمهيدية نتناول فيها منهج البرنامج.

========================

القصة القرآنية ظلمت ظلماً كبيراً حتى من بعض من أراد أن يصل بها إلى بر الأمان لأن الكثير خلط بين قصص القرآن وقصص الأنبياء. كتاب عرائس المجالس أساء إلى الإسلام إساءة بالغة وهذه الكتب خرجت بمضمون القصة عن حقيقتها. القرآن هذا النبع، هذا الفيض الإلهي يجب أن نقف أمامه على مُراد الله تبارك وتعالى فيه. الكثير من المسلمين الآن للأسف يريدون أن يكون الدين تابعاً لهم لا هم تابعون للدين بمعنى مثلاً لو تكلمنا في أي قصة في القرآن نجد أن الإسرائيليات نجحت أن تحكي القصة. القصة بلا شك حينما أنزلها الله تعالى قرآناً له مُراد ونحن مهما حاولنا أن نصل لمراده لا نستطيع لكننا نحاول. قصة أصحاب الكهف مثلاً لها هدف والحضور عادة أو الناس يريدون أن يعرفوا كم عددهم وما هي أسماؤهم وكل التفاصيل عنهم. وأذكر أني كنت أُحاضر مرة عن سورة يوسف فسألني أحدهم ما إسم إخوة يوسف؟ وأقول : ما المهم في معرفة الأسماء؟ الله تعالى قال في سورة يوسف عن قَصَص القرآن (نحن نقص عليك أحسن القصص) نفهم منها أنه سيعطينا تعالى طريقة مثلى تختلف  حتى عن طريقة القرآن في القصص. قصة موسى u جاءت في أكثر من سورة بأكثر من صيغة وقد أخذ بعض المستشرقين (ونحن لا نذم كل المستشرقين) هذا الأمر على أنه تكرار للقصة في القرآن.

ما هي القصة؟

القصة هي لون من ألوان التوجيه ولون من ألوان التأثير. لأن كلمة قصة نسمعها الآن ويقولون عن فيلم سينمائي قصة فلان ولكنها من الخيال. لكن القصة يجب أن تكون من الواقع. كلمة قصة مأخوذة من قصّ الأثر ولا يمكن قصّ الأثر لأحد لم يمشِ. القصّاص قديماً كان يعرف تماماً علم قصّ الأثر ويميّز عدد السائرين ويميّز بين أثر رجل بدين أو أعرج أو غيره من آثاره في الرمال ويعرف أين اتّجهوا. المفروض أن القصة لا يمكن أن تُطلق إلا عن واقع (تتبّع)  أم موسى قالت لأخته: (قالت لأخته قصّيه) قصّيه أي تتبعي أثره وإعرفي لنا أين هو؟ موسى u موجود وله حكاية وآثار. فكلمة قصة لا تُطلق إلا على واقع وليس من وحي الخيال. التي من وحي الخيال تسمى أسطورة.نحن نسهم في بعض الأحيان في توقيع كلام من أراد أن يهدم القرآن (قالوا أساطير الأولين) وهو ليس بأساطير إذا أردنا أن نقص قصة حضرناها لا يمكن أن نعطي القصة كما حصلت تماماً ولكن كل شخص حضرها يقصها بواقعه الشخصي وكل إنسان قد يرويها بحكم معرفته أو محبته أو كرهه لأحد أطراف القصة أو تعاطفك مع أحد أطراف القصة. لكن عندما يقص الحق تبارك وتعالى سيعطيك جميع المشاهد من منطقة إن صح التعبيرعلوية لأنه سبحانه عليم مهيمن وعلمه محيط. ولذلك في تعبير بعض الآيات في القرآن تصوير لبعض الآيات كأنها قصة قال تعالى في المنافقين (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) البقرة) هذه ليست قصة وإنما الآيات تجعلنا نشعر أننا في قصة نعيش في مشاهدها ولكنها ليست قصة وهي تصوير للإنذار والتحذير.

ما مقومات القصة في القرآن؟

القصة القرآنية تقوم على واقع قد حدث يشهد به بعض الكتب السالفة على القرآن قبل التحريف ويأتي القرآن ليحكي القصة ويحكيها محمد r وهذا من ألوان التأييد لمحمد r. قال تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)) الرسول r وُلِد في عام الفيل فكي فيحكي؟ ولكن الله تعالى يحكي له وكأنه رأى بعينيه بل هو الأفضل لأن الله تعالى المهيمن المحيط  علمه بكل شيء هو الذي يحكي. كلمة فكأني بالله تعالى يقول إذا حكى الله تعالى فكأنك يا محمد قد رأيت بعينك وأفضل. (تر) هنا بمعنى علم رؤية يشرحها تركيبة (أرأيتكم) في القرآن وهي تركيبة من أصعب تراكيب القرآن الكريم وهي قضية لغوية كبيرة: الهمزة والفعل رأى والتاء والضمير. أي أخبروني إخبار من له علم دراية بالموضوع وهذا مستحيل إلا إذا أخذت القصة من المنبع: من المهيمن المحيط. القصة لها مقومات لا نقدر عليها. القرآن يروي لنا من عهد آدم u إلى بعثة محمد r وكان غيباً بالنسبة لمحمد r. عندما يحكي له قصة الوليد بن المغيرة المعاصر له يحكيها كأنها غيب عن الرسول r وعن جميع المسلمين لأنه يتحدث عن داخلية الوليد وما يفكر به الذي حتى لو رأيته لن تعلم فما في داخله وهذا لأنه سبحانه الخبير العليم. في قصة المجادِلة خولة بنت ثعلبة حينما ذهبت للرسول r كانت السيدة عائشة بجوار النبي r وخولة من أدبها كانت تشتكي زوجها للرسول r بصوت خافت ولم تسمعها السيدة عائشة ولما قال لها r ما أراك إلا وقد حرمت عليه إلتفتت عن الرسول r وشكت إلى الله تعالى حاجتها فنزلت الآية (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)) فبكت السيدة عائشة عندما سمعت قول الله تعالى وقالت: تبارك سمع الله، والله لقد كنت بجواررسول الله r فلم أسمع ما تقول وسمعها الله من فوق سبع سموات طباق. فهو السميع سبحانه ليس كسمعنا . عندما نستمع من السميع العليم الخبير فيكون من واقع قد لا تفكر أنت فيه.

مسألة تكرار القصة:

هو ليس تكراراً وإنما ملمح آخر في القصة. قصة آدم u جاءت في مطلع الكتاب لا القرآن ثم تعددت داخل الكتاب في قرآن كثير. وهناك فرق بين الكتاب والقرآن: الكتاب كل القرآن والقرآن بعض الكتاب. إقرأ هي أول ما نزل من القرآن وهذا مأخوذ من الكتاب. حينما أراد الله تعالى أن يكون لهذه الأمة رسالة وأن ُيبعث رسول الله r أنزل الكتاب إلى السماء الدنيا بالجمع الذي بين أيدينا الآن (الفاتحة – البقرة- آل عمران..) يؤخذ منه لكل واقعة قرآناً. عندما تسأل من جمع القرآن يقول الناس أن عثمان جمع المصحف أو أبو بكر لكن نقول لهم أن الله تعالى هو الذي جمع القرآن قبل إنزاله وما فعله أبو بكر وعثمان هو جمع على الجمع. حينما كان القرآن ينزل كان الرسول r ببشريته يتعجل بالقراءة ليحفظ فنزل قوله تعالى (لا تحرك لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه) هذا القرآن مجموع قبل أن ينزل لأنه جاء من جمع بدليل أن جبريل u كان يقول للرسول r هذه آية كذا في سورة كذا قبلها آية كذا وبعدها آية كذا. في سورة فصلت قال تعالى (حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)) كتاب جُزّيء مجموعه إلى قرآن ينزل بحسب الحادثة (وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) الإسراء) الكتاب موجود يؤخذ منه القرآن بدليل: أول القرآن إقرأ وأول الكتاب الفاتحة (إقرأ في الجزء الثلاثين وليس في أول الجزء حتى). الجمع قضية وإن ترتيب نزول القرآن كان يناسب العصر. بالنسبة لنا هذا الجمع هو الذي يناسبنا. هذا الفكر يؤيد هذا الرأي من حيث أن القصص القرآني عندما يتعدد في بعض السور لا يعطيك معنى آخر وإنما يعطيك ملمحاً ثانياً وثالثاً ولكن لا تكرار في القصص القرآني.

ترتيب القصص في القرآن:

في القرآن أم في الكتاب؟ يجب التفريق بين اللفظين. أول قصة في القرآن هي قصة أصحاب الجنة (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة). قصص القرآن من واقع سورة يوسف التي جاءت في الكتاب (نحن نقص عليك أحسن القصص). ترتيب القصص في الكتاب جاء على ما ينفع الناس في هذا العصر. في البقرة أول إخبار عن آدم (الآية 30) وهذا عظيم الترتيب. هذه البداية التي تهم المسلم فالترتيب إعجاز. البقرة ترتيبها 87 من حيث التنزيل وعندما تكون الثانية في الكتاب فلهذا حكمة. (إنا بلوناهم) كانت على عهد الرسول r أهم من قصة آدم وهذا الترتيب يفيد أولويات العصر. لأن العجيب في القرآن أن مطلع الكتاب ومطلع القرآن يتفقان في كلمة (الجنة) التي سببت مشكلة بين الناس. ففي أول الكتاب قال تعالى (أُسكن أنت وزوجك الجنة) وفي أول القرآن قال تعالى (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة) هذا ليس صدفة ونفهم منها أن كلمة الجنة سيكون فيها مشكلة عند بعض  الناس هل جنة آدم على الأرض أو هل هي في السماء، جنة الخلد؟

أهداف قصص القرآن:

نرجع بالتاريخ إلى القصة الكاملة في سورة يوسف. ماذا حصل من إخوة يوسف ليوسف؟ كادوا له وأصابوه. يوم أن ذهبوا إليه قال لهم (لا تثريب عليكم اليوم) سامحهم وتنازل عن حقه. والرسول r سامح أهل مكة (نفس القضية) ما فعله إخوة يوسف لا يقل عما فعله أهل مكة وما فعله يوسف مع إخوته لا يزيد عما فعله r مع أهل مكة. هذا يبين أن الرسول r أفاد من القصص لأن قصة يوسف كانت قبل فتح مكة بسنوات فلما حكيت له تأثر بها واستفاد منها وهو الأسوة ويجب أن نفعل مثله وهذا هدف القصة يجب أن تؤثر القصص فينا كما أثّرت بالرسول r. فكأني بالرسول r يريد أن يبين لنا كيف إستفاد فقال لأهل مكة عند الفتح: ما تظنون أني فاعل بكم؟ هم كانوا أذكى من إخوة يوسفل فقالوا: أخ كريم وإبن أخ كريم فقال r: إذهبوا فأنتم الطلقاء. محمد r نبي هذه الأمة واسوتنا جميعاً أفاد من قصة يوسف كمثال العفو عند المقدرة والتطبيق.

ترتيب سورة يوسف في النزول 54 وفتح مكة حصل بعد الهجرة بكثير لكنه تذكر يوسف فقال: إذهبوا فأنتم الطلقاء . إن لم تؤثر القصة بالمسلم فأين إسلامه؟. يقول تعالى (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) يوسف) العبرة أنه لما يقرأ المسلم يطبّق ويستفيد من القصة. ولا نسأل ما إسم إخوة يوسف وما عدد أصحاب الكهف وكم عاشوا وما إسم كلبهم وأين كان يجلس؟

لو ذكرنا الأسماء فهل سيخدم هذا القصة؟ كلا. لأن المهم هو هدف القصة وليس مكان القصة ولا من فيها. من عظيم هذا الكتاب أن معظم قصص القرآن ليس فيها أسماء إلا قصة واحدة حدد فيها الإسم قطعاً وهو إسم مريم إبنت عمران لأن هذه القصة لا تنفع بدون إسم مريم عليها السلام لأنه تعالى سيذكر إبنها (المسيح عيسى إبن مريم) ولو لم يذكر إسمها لقالت إحدى النساء أنا ولدت ولداً من غير أبّ. فعندما لا يذكر الأسماء لا نسأل عنها ولا يهمك أسماؤهم وإنما فقط نأخذ العبرة من القصة.

الغرض من تعدد مواضع القصة في سور القرآن الكريم:

الغرض أن تستقر القصة في ذهن القارئ  ويثبت الهدف منها بأخذ أكثر من ملمح لأكثر من واقعة. قصة آدم في سورة البقرة تحدثت عن عدم الإقتراب من الشجرة وفي الأعراف وطه ذكرت وسوسة الشيطان وفي سورة أخرى ذكرت ملمحاً آخر وكل هذا لتثبيت أخذ الهدف والفائدة من القصة. لو ذكر القرآن قصة آدم كلها في سورة البقرة مثلاً سينساها القارئ عندما يصل إلى آخر الكتاب ولكن عندما تقرأ عنها في العديد من السور وتجدها في أكثر من مكان تبقى في بالك وعندما تعود للقراءة من جديد ختمة بعد ختمة تكون القصة في بالك والرسول r علّمنا في قراءة القرآن ” خيرقارئ للقرآن الحالّ المرتح” الذي يبدأ ختمة بعد إنتهائه من ختمة.

سورة يوسف مقطوعة بمعنى أنها قصة حصلت بواقعها بنتيجتها حتى ينهيها المولى تعالى ونأخذ العبرة منها. وسورة يوسف ترد على سؤال لماذا قدّم الإخوة في آية سورة عبس (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)). في علم النفس يقولون أن أقرب إنسان لديك وأنت طفل صغير هو أخوك لأنه إذا كان الطفل عمره 3 سنوات مثلاً فهو بعيد بالنسبة لعمر أبيه لا يتفاهم معه ولكن أقرب واحد له هو أخوه والأخ لما يفِرّ من أخيه هذا شيء غير مُتصور فلما يحدث هذا الأمر ترد على ما حدث في سورة يوسف وإخوته وتجد الإخوة 11  كلٌ إختلف في طريقة تعامله مع يوسف بإختلاف شخصيته كما في قصة أصحاب الجنة (قال أوسطهم) هل هو أوسطهم عدداً أو سناً أو علماً حكمة وعقلاً؟ نقول هو أوسطهم رأيا الذي لا يتطرف يميناً أو شمالاًً.

من خلال القصص القرآني حاول بعض المستشرقون الولوج إلى مقاصد الشريعة الإسلامية فدسّوا فيها الإسرائيليات. ونحن سنتناول القصص من واقع القرآن بإتفاق أهل التفسير واللغة بعيداً عن أية حكايات أو إسرائيليات ومنهجنا بعيد تماماً عن أمرين: عن الإسرائيليات في القرآن وعن الضعيف والموضوع في الحديث وأنا لا أعتمد إلا على الكتاب والسنة الصحيحة والأحاديث المتفق على صحتها وإن كان عند احمد او الترمذي لأن عندنا في كل باب أحاديث صحيحة فلماذا نذهب للحديث الضعيف أو الموضوع؟ في باب الصلاة مثلاً عندنا أحاديث صحيحة كثيرة فلماذا نذهب للأحاديث الضعيفة والموضوعة؟

مقارنة القصة القرآنية بقصص العهد القديم والعهد الجديد؟

لا يمكنني أن أقطع فيها لأنه ليس بين أيدينا العهد القديم أو الجديد الصحيحين لأن العهد القديم حُرّف والعهد الجديد أُلّف ولو تكلمت عنهما لظلمتهما والكتاب الصحيح القرآن فنعتمد عليه ولو لم يتم التحريف في العهد القديم والعهد الجديد لوجدناهما متفقان مع القرآن. الكتاب والسنة الصحيحة هي مرجعنا والكلام في القصص لا يحتاج إلى العهد القديم أو العهد الجديد لأن الكتاب فيه ما يكفي.

هل تنفصل مقاصد القرآن ومقاصد القصة؟

إطلاقاً. القصة هي لون من ألوان الجذب والتأثير حتى يسمعها كل الناس بمستوياتهم المثقفين وغير المثقفين لكن لا نخرج بالقصة على أنها حكايات لكن نأخذ القصة من واقع القرآن كما قال القرآن. مثلاً في قصة آدم u (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) هل الخليفة آدم فقط أو آدم وذريته؟ بالطبع آدم وذريته والبعض قال آدم فقط خليفة. ثم قالوا آدم خليفة الله على الأرض وهذه قضية خطيرة شائكة ونحن سنفهم القرآن بإذن الله تعالى على أوسط ما قاله المفسرون.

وأنبّه أنه على الذي يريد أن يجتهد في القرآن عليه أن يكون حاصلاً أولاً على الأقل على إختصاص ليسانس في اللغة العربية ثم علم الأصول الذي يتناول علم التفسير وعلوم القرآن لكن بداية يجب المؤهل اللغوي.

الحروف المقطعة في أوائل بعض السور:

الحروف المقطعة في الكتاب قضية من أصعب القضايا وتفرض نفسها على كل من قرأ القرآن. هذا الكتاب الذي أنزله الله تبارك وتعالى على الرسول r تميّز منذ اللحظة الأولى بالحروف المقطعة. محمد r بإتفاق أهل زمانه وبإتفاق القرآن مع هذا الرأي رجلٌ أمّي. ما هي الأمية؟ الأمي هو الذي لا يكتب وإنما يقرأ. قال تعالى (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) الجمعة) وهذا أول تعريف أوجد المشكلة. كلمة (يتلو) تدل أنه يتلو عن سماع. القراءة ليست قراءة كتابة فقط وإنما قد تكون قراءة عن سماع.  نحن تعودنا أن الأمي هو الذي لا يقرأ ولا يكتب وفي لسان العرب لإبن منظور يقول أن الأمي هو الذي لا يكتب. الرسول r قال: نحن أمة أمّية لا نكتب ولا نحسب” لكن نقرأ. وفي واقعنا أن أحسن من قرأ القرآن هم الأميين لأنه ليس في عقلهم إلا القرآن فالشيخ في الأرياف وفي الكتاتيب الذي يحفّظ الكتاب ليس في عقله إلا القرآن. لذا يجب قراءة القرآن على يد قارئ. الأميّ قرأ مرة (ألم) في أوائل سورة البقرة على أنها حروف مقطعة وقرأها في سورة الشرح (ألم). ولو كان الرسول r لا يقرأ ما أمره الله تعالى أن يقرأ.

بُثّت الحلقة بتاريخ 24/1/2006م